الحافظ ابن الوزير اليماني بين الزيدية وأهل السنة والجماعة

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

الحافظ ابن الوزير اليماني بين الزيدية وأهل السنة والجماعة

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم

الإخوة أعضاء مجالس آل محمد ..... بعد تحية الإسلام الخالدة .

تم طرحُ موضوع حسّاس يُناقش عقيدة الإمام الحافظ الشهير ، محمد بن إبراهيم الوزير عليه السلام ، في أكثر من منتدىً ، بُغيةَ جمعِ أكبر حصيلةٍ من المعلومات حول شخصه رحمه الله وعقيدته .

* وللأسف لم يتعرض أحدٌ لإثبات انتهاجه بمنهج أهل السنة والجماعة ، من المذاهب الإسلامية ، بالرغم ، من تشدق الكثير ممن يُحسبونَ على العِلم وأهلِه ، باقتفائه منهج أهل بيته القُدامى ! منهج أهل السنة والجماعة ! ، من دون الشيعة الزيدية ! ..

* ولأن البعض ( وقد نكون منهم ) ، ينظرُ إلى ابن الوزير محمد بن إبراهيم ، نظرةَ تبجيل ، نظرةَ مُنافحٍ عن السنة النبوية المتمثلة في آثار رسول الله صلوات الله عليه وآله وسلم ، نظرةَ منافحٍ عن منهج المُحدثين في الاهتمام بالحديث والرجال والجرح والتعديل ، لا نظرةَ مُنافحٍ عن عقيدة المُحدثين على أنّها الحق ، وأنّها هي ما يدينُ الله به . وأنّها دين أهل البيت من السابقين ، وهنا يقعُ أهل اللُجاج في اللُّجاج .

* و في النقيض ، نجد البعض ، ينظرُ إلى ابن الوزير محمد بن إبراهيم ، نظرةَ مُدافعٍ عن المُحدثين بالسنن النبوية والآثار الحديثية المصطفوية ، ونظرةً مُتابعٍ لهؤلاء المُحدثين من أهل السنة والجماعة في عقيدتهم الإلهية ، ونظرةَ مُطابقٍ لعقيدةِ أهل البيت القُدامى بعقيدة أهل السنة والجماعة ، ونظرةَ مُخالفٍ بينَ المتأخرين والقُدامى من أئمة الزيدية في أصول العقيدة المحمدية .

** وفي هذا يجبُ أن يُعلَم ، أنَّ الإمام الخضم ، والطود الأشمّ ، محمد بن إبراهيم بن علي بن المرتضى الوزير الرسي الحسني ، عليه وعلى آبائه السلام ، قَد أُسيئَ فَهمهُ إساءةً واضحةً جلية ، من كلا الطرفين الزيدية وأهل السنة والجماعة ، فأمّا الزيدية فلقد صفّهُ بعضُهُم في مصافّ أهل السنة والجماعة ، وهُوَ بهذا مَعيبٌ عندَهُم . وأمّا أهل السنة والجماعة فاستجلبوه وتزيّنوا به فرداً مِن أبناء نِحلَتهِم ، مِن غيرِ بينةٍ ولا دليلٍ مُنير ، ونَسبوه إلى مُخالفةِ أهل بيته الزيدية في عقيدتهم المُبتدَعَة ، وهُوَ بهذا ممدوحٌ عِندَهُم .

سبب الدراسة :

لا شكّ أن معرفة مذهب أهل البيت عليهم السلام ، الخالي من التحريف والزيادَة ، والنُقصان ، هُو مَطلبٌ كلّ مُكلّف من الذكور والإناث . وقَد داخَلنا على زيديتنا المذهبية ، ما قَد يُداخلُ كُلّ مُطّلعٍ على أقوالِ الخصوم بعين التجرّد والتمهّل والاعتدال ، فوَجدنا البعض يرى في ابن الوزير رحمه الله تعالى ، المُعيدُ لمنهج وخطّ أهل البيت القُدامَى ( القاسم الرسي فمَن قبلَه ) ، وأنّه المُصَفّي والمُنقّي لزيدية زيد بن علي عن زيدية الهادي يحيى بن الحسين ومَن بَعده ، وأنّه باعث روح مبدأُ القُدامَى في المتأخرين بَعدَ أن كادَ يندثر ، ويقصد الخَصم بهذا ، إحياءهُ لمذهب أهل السنة والجماعة ، التي هي في نظره هي مذهب أهل البيت القُدامى دونَ المُتأخرين ، وهُو وهمٌ ماحقٌ ساحقٌ ، اجترأَ عليه مَن يُموّهون على الأغمار المُقلدين أتباع كل ناهقٍ وناعق ، والله المستعان .

الهدف من الدراسَة :

- إثبات عدم انتهاج ابن الوزير اليماني عليه السلام ، بمنهج أهل السنة والجماعة ، لا عَدلاً ولا توحيداً ، وأنّهُ وإن خالفَ الزيدية في بعض مبادئها ، فهو إليها يظل أقرب إن لَم يُطابق عقائدها في أهم مسائل أصول الدين الأصيلة التي عليها تُبنى النجاة والخسارَة .

- إثبات عدم انتماء ابن الوزير رحمه الله إلى مذهبٍ بعينه من المذاهب الإسلامية ، ومنها السنة والزيدية .

- إثبات عَدم صحة ، مُخالفَة المُتأخرين للمتقدمين من أهل البيت عليهم السلام ، ( وهذا سيكون من خلال إثبات مُتابعَة ابن الوزير لأهل بيته الزيدية في عقائدهم الإلهية ( التوحيد والعدل ) ، لأنّ في إثبات مُتابعة ابن الوزير للزيدية في عقائدها على مقتضى كلام الخصم إثباتٌ لُمتابعة المتاخرين من أهل البيت للمتقدمين عليهم جميعاً السلام ) .

====

مُلاحظَة :

يجب التنبه ، أنَّا وإن دافعنا عن عقيدةٍ تكادُ تُزَوّرُ على ابن الوزير ، وتُلصَقُ به ، أقصد اتهامه بالسنية ، فهذا لا يعني أنَّا نوافقُ ابن الوزير فيما سطّرَ بنانه الكريم ، لأنَّا نجد أنّه أجادَ في مواضع ، وتخبَّطَ في أخرى، واعتسفَ وكابرَ في أخرى ، حيثُ بالغَ في التعذر لأهل السنة والجماعة ، وبالغَ في حَملِهِم أفضل المَحامِل ، وفي المقابل يُشنّع على العدلية ويُهوّل بعض الأقوال الشاذة الصادرة عن أفرادهم لا عن جماعاتهم فيجعلها مَذهباً . والله يحب الإنصاف .

====
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الأربعاء يناير 05, 2005 11:58 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

أجدني بطرح هذه المقدمة ، مُفصحٌ بهوية المدَاخَلات التي أُطالبُ بها الأعضاء الكرام ، سواءً كانَت مع رأينا متفقة ، أو عليه مُخالفَة ، والقصدُ هُوَ معرفةُ القول الصائب .

والرجاء من الأعضاء المُشارَكة بفاعلية .

===

لزيادة معلومات ، انظر الرابط .

http://www.d-sunnah.net/forum/showthread.php?t=37345
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

karraar
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 49
اشترك في: الاثنين ديسمبر 08, 2003 12:09 am

مشاركة بواسطة karraar »

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


منذ فترة وأنا أنتظر طرح مثل هذا الموضوع في هذا المنتدى...

فظاهرة السيد محمد بن إبراهيم الوزير قد لفتت انتباهي واهتمامي منذ فترة, فقمت بعد ذلك بتجميع مؤلفاته أينما وجدتها, كما قمت بإقتناء أي دراسة عنه وعن فكره ...

الحقيقة أني لم أقرأ أي مؤلف من مؤلفاته بشكل كامل ولكن قمت بتصفح بعضها ومراجعة بعض المواضيع التي لفتت انتباهي واهتمامي من خلال الفهارس لتلك المؤلفات...

هناك من يجعل السيد محمد بن إبراهيم الوزير مؤسس " التيار الزيدي المنفتح على أهل السنة " والذي ضم بعد ذلك السيد حسن الجلال و السيد الأمير الصنعاني والمقبلي والشوكاني.. ( رغم اختلاف درجة " التسنن " بين المذكورين في رأيي المتواضع )

هناك من يجعله من رموز تيار " الاجتهاد المطلق " مع من سبق ذكرهم

هناك من يعتبره عالم من أسرة علمية زيدية عريقة تأثر بمناهج المحدثين من أهل السنة وقام بالاعتماد عليها والدفاع عنها في بيئته الزيدية....

أنا شخصيا لم أقرأ كتبه بشكل متعمق, ولكن هناك بعض الأمور المنهجية التي لاحظتها في أسلوبه في كتبه لفتت انتباهي ولم أفهمها ووجدتها بعد ذلك في من جاء بعده من التيار المنسوب إليه, قد أفهمها إذا أكملت قراءة كتبه بشكل كامل ومن ثم فهم الرسالة التي أراد السيد محمد بن إبراهيم الوزير إيصالها إلينا وإلى أهل عصره من قبل...

فيا حبذا لو كان هناك من له خبرة بمؤلفات السيد ابن الوزير فيجيب مع الأخ المحترم الكاظم على التساؤلات الموجودة عند البعض عن السيد ابن الوزير والتيار المنسوب إليه بعد ذلك...


ولكم جزيل الشكر


وصلى الله على نبينا محمد المختار وآله الأطهار

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الكرار ... وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

* تتميز منهجية ابن الوزير ، بالرغم من كثرة مؤلفاته ، بالغموض ، فلا تكادُ تستخرج عقائده بشكلٍ واضح إلأَّ بمشقّة ، وكَم من عبارَة مُبهَمَة في العواصم والقواصم ، لا تجد لها جواباً إلاَّ في إيثار الحق على الخلق ، وكَم من تلميحٍ بعقيدةٍ ما في الروض الباسم ، لا تجدُ لها تصريحاً إلاَّ في ترجيح أساليب القرآن .

* والحق عندي ، أنَّ من قالَ انّهُ يُريدُ معرفَة ابن الوزير وعقيدته من كتابٍ واحد ، فهُوَ واهِم ، فمثلاً البعض يتصفَّح عقيدة ابن الوزير من خلال كتابه ( الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم صلوات الله عليه وآله ) ، مُحاولاً مَعرفَة عقيدة الرجل منه ، ولَن يستطيع ( مُجرَّب ) ، إلاَّ بالرجوع إلى بقية كتبه ومؤلفاته ، وعلى رأسها العواصم والقواصم ، وإيثار الحق على الخلق .

ونوافقُ الأستاذ علي الحربي عندما قال في كتابه ( ابن الوزير آراؤهُ الإعتقادية وجهودُ في الدفاع عن السنة النبوية ) 1/122 :

(( فلقد أمضيتُ سنتين مع ابن الوزير – رحمه الله – مُتردّداً في الحُكم على مُعتقدِه ، لِكَثرَةِ ما يُورِدُهُ في المسالَة الواحِدَة ، ويُسندها إلى أصحابها مع التقصي لأدلّة كُلّ فريق ، ولِكَثرَة ما يُورِدُ مِن الكلام ، يُوهِمُ القارئ – أثناءَ الكلام على قولِ مُعيّن – أنّهُ يَذهبُ إلى ذلِكَ القول . حتّى إذا انتقلَ إلى الكلامِ على قولٍ آخر ، يظنُّ القارئُ أنُّ يتبنّى ذلكَ القول أيضاً ، لِكثرَة ما يُورِدُ من البراهين العقلية والنقلية . وهكذا حتّى يخرج من المسألة تاركاً القارئ يختارُ ما يشاء – غالباً - . وهذا ما سَلَكَهُ في كِتابِهِ ( العواصم والقواصم في الذب عن سنة أبي القاسم صلى الله عليه وآله وسلم ) مِنَ الأسلوب الجدلي المُنبني على مُقدّماتٍ مُسلّمَة عند الخصمين ، أو عندَ النّاس ، بغضّ النظر عن كونِ النتائج حقّة أو باطلِة ))
هناك من يجعل السيد محمد بن إبراهيم الوزير مؤسس " التيار الزيدي المنفتح على أهل السنة " والذي ضم بعد ذلك السيد حسن الجلال و السيد الأمير الصنعاني والمقبلي والشوكاني.. ( رغم اختلاف درجة " التسنن " بين المذكورين في رأيي المتواضع )
ابن الوزير عليه السلام ، كانَ كثيراً ما يَسعى لقولبَة الخلافات العقدية ( كقضية الجبر مثلاً ) ، إلى خلافات لفظية ، ذاتَ مَصَبٍّ واحِد . وخصوصاً ما يُثيرهُ الزيدية ، أو فلنقل العدلية بعموم ، ضد أهل السنة والجماعة كاتهامهم بالجبر .

ولهذا أُسيئَ فَهمهُ ، ففي حين مُحاولتهِ للتقريب بين العقائد فيما بين أهل السنة والزيدية ، معَ عامل ما تَعرَّضَ له ابن الوزير من مُعاصريه ، توهَّم البعض الكثير أنّهُ لمنهجِ أهل السنة والجماعَة مُعانِق .

يقول ابن الوزير رحمه الله :

( وإنّما قَصَدتُ إيضاحَها ( مذاهب أهل الحديث ) ليَظهرَ عدَمُ ما ادَّعاهُ ( يقصد شيخه ) من أنَّهم ( أي أهل الحديث ) تعمّدوا جَحْدَ المعلوم ( عندما قالوا بخلق أفعال العباد ) ضرورةً مِن الدِّين . )

انظر العواصم والقواصم 7/9
هناك من يجعله من رموز تيار " الاجتهاد المطلق " مع من سبق ذكرهم
هُو فعلاً من رموز الاجتهاد المطلق ، والمُجتهِد قد يُصيب وقد يُخطئ .
هناك من يعتبره عالم من أسرة علمية زيدية عريقة تأثر بمناهج المحدثين من أهل السنة وقام بالاعتماد عليها والدفاع عنها في بيئته الزيدية....
هو فعلاً كذلك ، تأثر بمنهج وطريقة المحدثين الحديثية ، تأثر بجهودهم في تدوين الحديث ، واستخراج الضعيف من الصحيح ، والحسَن من المُنكر ، تأثر بجهودهم في الاهتمام بأحوال الرجال والرواة ، التوثيق والتضعيف . ولكنَّ البعض قَد يُصحِبُ هذا التأثر من ابن الوزير بطريقة المحدثين الحديثية ، بتأثره بعقائدهم الإلهية التي يدينون بها ربّهم ، وهذا وَهم ، وهذا من أبرز الأخطاء التي يقع فيها مَن يَنسب ابن الوزير إلى السنية .

===

أحسنَ الله إليكم ... أخي الكرار .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

(1) عقيدة ابن الوزير في الأسماء والصفات بين الزيدية وأهل السنة والجماعة :


ابن الوزير ، لا ينفي التأويل :

1- قال العلامة ابن أبي القاسم رحمه الله تعالى ، مُعترضاً على ابن الوزير ، من أنَّ في صحاح أهل السنة ومسانيدهم ، أخباراً توهمُ التجسيم والتشبيه ، والجبر ، ( يقصد بالتجسيم الأحاديث الموحية باليد والوجه والساق وأمثالها ) :

(( قالَ : ممّا يَدُلُّ على أنَّ في أخبارِ كُتُبِهِم التي يُسمّونها الصّحاح ما هُو مردودٌ أنَّ في أخبار هذه الكُتُب ممّا يُثبتُ التجسيم والجبرَ والإرجاء ونسبةُ ما لايجوز إلى الأنبياء ، ومِثلُ ذلكَ يُضربُ بهِ وجهُ راويه ، وأقلُّ أحوالِه أن يَكذِبَ فيه إلى آخر كلامه في هذا الوجه . ))

انظر العواصم والقواصم 8/261

* فردَّ عليه ابن الوزير رحمه الله تعالى ، منوَّها أنَّ وجودَ مثلَ هذه الأخبار الدّالة على التجسيم ليَسَت علامة للكذب ، أو الردّ ، بل إنّهُ يجبُ تأويلُ هذه الأحاديث بما يُناسبُ سياقها ، وقد نَسبَ شيخهُ إلى العجز عن تأويل هذه الأحاديث المروية في الصحاح ، بما يُنافي التجسيم والتشبيه ، ثم قدَّمَ ابن الوزير مقدمات ينبّهُ بها القارئ ألاَّ يتوهَّمَ أنهُ بمجرَّدِ عدم نسبَة هذه الآحاديث الموحية بالتجسيم إلى الوضع والكذب ، أنهُ قائلٌ بها ، آخذٌ بظاهرهَا ، وأيضاً يُسلّط ابن الوزير الضوء إلى أنّهُ قد غلطَ عليه الكثير من الناس ، ونسبوهُ إلى الإقرار بما في هذه الأحاديث على ظاهرها ، بمجردّ أنّه قَبِلَها ولم يصفّها في مصافِّ الموضوعات . ولا يفوتك أن تتأمَّل عقيدته رحمه الله في أحاديث الآحاد . ، ومما يجب التنبيه عليه أيضاً أنّ ابن الوزير وإن كان لا ينفي التأويل ولكنه يكرهه ، وهذا لا يوهِمُ أنه يأخذُ بالظاهر ، فقالَ رحمه الله راداً مقالةَ شيخهِ السابقَة :

(( أقول : هذا مقامٌ وَعِر قَد تعرَّض السيدُ له ، وأبدَى صَفحتَه ، وأرادَ أن يُكَذِّبَ الرّواةَ فيما لَم يَفهَم تأويلَه ، وهذا بحرٌ عميق ، لا يصلُحُ رُكوبُه إلاّ في سفين البراهين القاطعة ، وليلٌ بَهيمٌ .... ، وقبل الخوضِ في هذه الغَمرةِ أُقدِّمُ مُقَدِّماتٍ :

المقدمة الأولى :

الاعتراف بانَّ كلَّ ما خالَفَ الأدلّة القاطِعَة المعلومَة مِنَ العقل أو السَّمع ، وكانَ مِن أحاديث الآحاد المظنونة ، فإنّهُ غيرُ مَعمولٍ به . فإن ثبتَ دليلٌ على انّهُ لا يُمكنُ تأويلُه ، وَجبَ ردّهُ على راويه ، على ما يأتي بيانه في مراتب الرّد ، وإن لَم يَقُم دليلٌ على امتناع تأويلِه ، تُرِكَ غيرُ مَعمولٍ به ولا مَقطوعٍ بِكَذِبِه .

وإنّما ذكرتُ هذه المُقدّمة ، وصدّرتُها قبل الكلامِ على هذه الجُملَة ، ... لئلاّ يتوهَّمَ أحدٌ أنّي أقولُ بغيرِها ، فقَد كَثُرَ الغلطُ عليّ في مواضِع ، ثم إنَّ السيد أيَّدهُ الله ... ))

انظر العواصم والقواصم 8/261 - 262

* ومع ما سبقَ يؤكد هنا ابن الوزير ، أنّه لا ينفي التأويل ، فيقول :

(( أنَّ السيد أيدهُ الله تعالى جنى عليَّ جِنايةً عظيمَة ، فَنَسَبَني إلى القولِ بنفي التأويل، وأنا ما قُلتُ بذلِك في الكتاب الذي اعترَضَهُ السيّد ))

انظرها وانظر تتمتها فهي مفيدة في العواصم والقواصم 8/ 265 إلى 268


* ابن الوزير لا يأخذ بالظاهر :

- ينبه ابن الوزير رحمه الله ، أنَّ هُناكَ مَن نسبهُ للظاهر لمجرد أنْ كَرِِهَ التأويل ، وجَبُنَ عن تعليله -كما قال - ، ثمَّ نَفى عن نفسهِ هذه التهمة ( الأخذ بالظاهر ) ، فقال رحمه الله :

(( ومِن ها هُنا نَسَبني كثيرٌ من الجهلَة إلى القولِ بالظّاهر ، لأني لمَّا استَصغَرتُ قَدري وأمسكتُ عن الكلام حيثُ لا أدري ، عِلماً مني أنِّي لستُ من الراسخين ، وأنّي بَعْدُ لم أرتَفِع عَن مرتَبَة المُتعلِّمين ، معَ اعتقادي أنَّ الظاهِرَ الذي يُخالِفُ مذهبَ العترةِ عليهم السلام ، غيرُ مُرادٍ ولا مقصودْ ، ولكنّي أقفُ على تأويله ، وأكيعُ عَن تعليلِه . اللّهُم إلاّ أن يَصِحَّ إجماعُ العترَة عليهِم السلام على تأويلٍ مُعيّنٍ في ذلك ، فلا أشُكّ حينئذٍ في التمسّك بإجماعِ العترةِ الهُداة ، والرَّجوعِ إلى سُفُن النجاة ، وإنْ لَم يصِح عَنهُم إجماع، لَم يَكُن إلاَّ الوقوف في التأويل والإقرارُ بالتنزيل ، لأنَّ التقليدَ إنّما شُرِعَ لنا في المسائل العمليّة الفروعيّة ، لا في المسائل العلميّة . ))

انظر العواصم والقواصم 8/ 268

نماذج لتأويلات ابن الوزير ، وعدم أخذه بالظاهر :

1- قوله الله سبحانه وتعالى : (( ولا ينظر إليهم )) .

* قال ابن الوزير رحمه الله : (( كنايةً عَن إهمالِهِم لا سِوى. والله أعلَم ))

انظر العواصم والقواصم 5/127

2- قال رسول الله صلوات الله عليه وآله ، في الحديث الذي رواه أبو هريرة وأورده البخاري في الصحيح : (( أتاهُم ربّ العَالَمين )) .

* قال ابن الوزير رحمه الله : (( المُرادُ أتاهُم مَلَكٌ مِن ربِّ العَالَمين ، أو أتَاهُم رسولُ ربِّ العَالمين)) .

انظر العواصم والقواصم 8/336

3- قال رسول الله صلوات الله عليه وآله ، في الحديث الذي رواه أبو هريرة وأورده البخاري في الصحيح : (( فيضعُ الربُّ قَدمَه ))

* قال ابن الوزير رحمه الله : أي (( ( فَيضَعُ رسولُ الرَّبِّ قدَمَه )) .

انظر العواصم والقواصم 8/341

4- قال رسول الله صلوات الله عليه وآله ، في الحديث الذي رواه أبو هريرة وأورده البخاري في الصحيح : (( ويكشفُ ربنا عن ساقه )) .

* قال ابن الوزير رحمه الله : أي (( رسولُ ربّنا )) .

انظر العواصم والقواصم 8/342

* لمزيد اطّلاع ، انظر :
العواصم والقواصم المجلد الثامن الصحيفة 336 فما بعدَها .
والروض الباسم المجلد الثاني صحيفة 286 وما بعدها .


فائدة :

ابن الوزير رحمه الله ، عندما دافعَ عن مرويات أئمة الحديث من أهل السنة والجماعَة ، وخصوصاً ما يَحملُ في طياته أمثال الألفاظ السابقة الموهِمَة للتجسيم والتشبيه ، فإنّه لَم يُدافِع عنها على أساس أخذها وإمرارها على ظاهرها ، لما يترتب على هذا من فساد في العقيدة ، وإنّما دافعَ عنها على أساس أنّها قد تكون صحيحة بالتأويل وعدم الأخذ بالظاهر المخالف لقوله تعالى (( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) .

وهُنا يجب أن يتنبّه المتحرّر من أقوال الرجال في ابن الوزير أياً كانَت مشاربهم ، مِنَ المؤيدين أو المُعارضين ، لهذه العقيدة التي هي لب التوحيد وأصله الأصيل ، فلا إيمان من ابن الوزير عليه السلام ، بالوجه واليد والساق ، ومَن قالَ بغيرِ هذا ، فعليهِ البينّة .

ابن الوزير يصفُ نوع الخلاف مع شيخه العلامة ابن أبي القاسم رحمه الله :

* يضرب ابن الوزير مثالاً فيما بينهُ وبين شيخه ابن أبي القاسم رحمه الله ، من اختلاف ، مُبيناً أنّ الاختلاف ( وسياق الكلام في التوحيد ) فيما بينهُ وبين شيخه ، إنّما هُو في الطريق المؤدية إلى العقيدة وليسَ في أصل العقيدة ( تأمل ) ، فهُوَ موافقٌ لشيخه في الأصل ومُختلفٌ معه فيما يوصِلُ إلى الأصل ، ويُنبّه ابن الوزير الواقفينَ على الخلاف بينه وبين شيخه ، والقُراء لكُتبه ورسائله في هذا اليوم ، أنَّ الخلاف بينه وبين شيخه ليسَ في أمرٍ جللٍ كما يتوقعون ! ، وخصوصاً إذا رأوا الإسهاب والتطويل في الكتب والردود . فقال رحمه الله :

(( تأمّل حقيقة الخلاف ))

(( المقدّمة الثالِثَة : إذا اختلفَ رجلان من أهل العَدل والتوحيد في حديثٍ يُخالفُ عقيدتَهما ، فقالَ أحدُهُما : تأويلُه ممّا لا دليلَ على عجزِ الرّاسخين في العلم عن تأويله ، ولا دليلَ في العقل ، ولا في السَّمع على أنَّ عليَّاً عليه السلام وسائر الائمة ، والفُطناء ، وأهلُ الدّريّة بالغوصِ على الدّقائق لو اجتمعوا واجتهدوا في البحثِ عن وُجوهِ التأويل ، لعَجَزوا عن تأويلِه ، ولَم تهتدِ إليه فِكَرُهُم الغوَّاصَة على الدَّقائق ، الماحيَة لخفيَّات المدارك البتّة ، بل يعلم أنُّه لا يستحيلُ في علم الله على الصحيح .
وقالَ الآخَر : أنا أعتقِدُ أنّهُم لو اجتمعوا كُلُّهُم أولُهُم وآخرِهُم ، ما قَدروا على تأويلِه البتّة .

فإنّهُ لا يَستَحِقُّ أحدٌ مِنهُما تكفيراً ولا تفسيقاً ولا تأثيماً ، لأن عقيدتَهُما واحِدَة ، وإنَّما اختلفا في بعض ما خالَفَ عقيدتَهُما : هَل يُمكنُ أحدٌ مِن الراسخين تأويله أم لا ؟ مع اتفاقهما على أنَّ ظاهِرَهُمَا متروك ، وعلى أنُّ إذا لَم يَكُن أحدٌ من الراسخين له تأويلٌ، فإنّه مردودٌ .

وهذه الصورةُ هي صورةُ ما بيني وبين السيِّد مِنَ الخلاف في بعض الأحاديث، فينبغي منهُ ومِن غيرِه التنبهُ على أنّهُ ليسَ بينَنَا وبينَهُ مِنَ الخِلاف ما يَجِلُّ خطرُه ، ويَعظُمُ أثرُه ، إذا وافقَ على هذا الحدّ ، فإنَّ كثيراً من البُلداء إذا سَمِعَ بالمُراسلات والمُنازعات توهَّمَ أنَّ ذلكَ لا يُمكنُ إلاَّ معَ تفسيقٍ أو تكفير ، وذلكَ غيرُ صحيح ، ولو شاءَ أهل العِلم وسَّعوا القولَ في أدنى المسالك ، وقد صنَّف كثيرٌ من العلماء مُصنّفاتٍ كباراً في مسائل فُروعيّةٍ ولطائفَ أدبيّة . ))

انظر العواصم والقواصم 8/ 267


وقفة :

يعيب محمد علاء الدين المصري ، المحقق لكتاب الروض الباسم ، هذه العقيدة ( الأسماء والصفات ) على ابن الوزير ، ويُحذّر أبناء السنة والجماعة من التماشي معها ، ويذكرُ في مقدمة تحقيقه أقوال علماء أهل السنة والجماعة في الرّد عليها ( على عقيدة ابن الوزير ) . فقال المصري :

(( ونحنُ نسوقُ ذلكَ تنبيهاً لأخذ الحذر أثناء القراءة ، فَمَعَ دِفاعْ المُصنِّف عن السُنّة وأهلِها ،... ذهبَ بعيداً في مسألة التفويض ، ولَمْ يُثبت الصّفات ، وستَجِدُ ذلكَ واضحاً ، فتنبّه ، وهُو في دِفاعِه عَن عقيدة أهل السنة ، يَقصِدُ هذهِ الطّائفة . ولذا نسوق في هذه المُقدّمَة عقيدَة أهل السنة والجماعة في هذه المسالة فقط ، ونُحيلُ عليها كُلُّ ما فَوَّضَهُ من الصّفات ولَم يُثبتها وبالأخص من ( ص 286 ) وما بَعدَها في ردّه على الوجه الرابع للمُعتَرِض )) .

انظر مقدمة التحقيق ص 14


* ومعَ ذلك نجدُ الأستاذ الحربي الذي أمضى في حُكمهِ على عقيدة ابن الوزير سنتين!! - كما قال - ، يصف ابن الوزير بالبراءة من عقيدة الاعتزال - يقصد الزيدية - براءة الذئب من دم يوسف ، ، هذا وغيرهُ كثير ، والله المستعان .


هذا وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله الطاهرين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

karraar
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 49
اشترك في: الاثنين ديسمبر 08, 2003 12:09 am

مشاركة بواسطة karraar »

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


بارك الله فيك أخي الكاظم


الرجاء المواصلة في بحث موضوع السيد محمد بن إبراهيم الوزير

فأنا مهتم بالموضوع , وبعد بحث الموضوع من جميع الجوانب قد أطرح بعض الأسئلة التي تخص بعض التساؤلات العالقة في ذهني عن هذا الموضوع

وجهد مشكور أخي العزيز


ولكم جزيل الشكر


وصلى الله على نبينا محمد المختار وآله الأطهار

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

(2) عقيدة ابن الوزير في مسألة أفعال العباد ( من مسائل العدل ) :

ابن الوزير لا يقول بخلق الله لأفعال العباد :

* نهجَ ابن الوزير رحمه الله تعالى ، منهجاً زيدياً بَحتاً في مسألة أفعال العباد ، حيث أنَّ القارئ العامّي لمجلدات ابن الوزير ( بداية المجلد السابع للعواصم خاصّة ) ، يستطيعُ استخلاصَ عقيدته الزيدية في هذه المسألة ، بكل أريحية ويُسر .

1- يذكُر ابن الوزير رحمه الله ، اتفاقَ المُسلمين على أنَّ أفعالَ العِبادِ تُنسبُ إليهم ، وهُوَ قول أهل السنة والجماعة وقولُ الزيدية . فقال رحمه الله :

(( واعلَم أنَّهُ لا خِلافَ بينَ المُسلمين أنَّ للعبادِ أفعالاً مُضافَةً إليهِم يُسمَّونَ بِها مُطيعينَ وعُصاة ، ويُثابُونَ على حَسَنِها ، ويَستحقّونَ العقابَ على قبيحها... ))

انظر العواصم والقواصم 7/5-6 .

2- ثمَّ يُوضّح ابن الوزير رحمه الله منهَجَهُ ، بخصوص القَدر المُتعلّق بقدرَة العَبد على أفعالِه ، وفي هَل يُنسَب إلى الله وحدَه ( كما تقول المجبرَة الخالِصَة ) ، أو إلى الله والعبد ( كما يقول أهل السنة والجماعة ) ، إلى إلى العبدِ وَحدَه ( كما تقول العدليّة الزيدية ) ، فقال رحمه الله :

(( ويجبُ أن يُضافَ القَدرُ المُتعلِّق بِقُدرَة العَبد مِن هذه القبائح إلى العَبْد وَحدَه ، تحقيقاً لتنزيهِ الله تعالى وكمالِ تقديسهِ عن القبائح ، وكمالِ عَدلِه وحِكمَتِه فيما ابْتَلَى به من تقديرِ وقوعِها وأسبابها )) .

انظر العواصم والقواصم ، 7/20

3- هُنا مِثال حيّ ، لِمُبالَغة ابن الوزير في التعذّر لهفوات أهل السنة والجماعة ، ومُحاوَلَة ضمّهِم إلى الأقوال الصحيحة المباني ، العزيزة الجوانب ، ومِن هُنا أساء الكثيرُ فَهَم ابن الوزير رحمه الله تعالى ، فظّنوا أنّه بمحاولته التقريب بين الأقوال قد اعتقدَ ببعضها ( كأقوال أهل السنة والجماعة ) ،يُحاولُ ابن الوزير التعذّر لأهل السنة والجماعَة قولَهُم ( بخلق أفعال العباد ) ، فيتعذَّر لهُم بأنّهُم مَا عَنَوا بقولِهِهم هذا ( الخلق ) ، إلاَّ خَلَق المعدومات التي أصبحت محسوسات موجودات ، كخلق الإنسان ، لا أنّهُم عَنَو بالخلق ، خَلَق الأفعال التي يستحقّ عليه الإنسان المدح والذمّ ، الثوابَ والعقاب ، كإماطَة الأذى عن الطريق ، وكارتكاب السرقَة !! ، وهذَا التعذّر من ابن الوزير رحمه الله تعالى ( يرضاهُ العَدليّة ولا رتضيه أهلّ السنّة والجماعة لأنهُم لا يقولون به ، بَل يعنون بالخلق ، خلقَ الأفعال التي يُثابُ عليها الإنسانُ ويُعاقَب ، ولا يفوتك تأمل عقيدة ابن الوزير نفسه وتصحيحاته ، انظر ما يقول ابن الوزير مُتعذّراً ومُتأوّلاً :

(( يوضّحِهُ : أنَّ ليسَ القَصدُ إضافَةَ كُلِّ خَلْقٍ إلى الله تعالى ، ولا تَفَرُّدِهِ سُبحانَه لكلِّ ما يُسمَّى خَلقاً ، لأنّ الكَذِبَ يُسمّى خلقاً ، ولا يجوزُ إضافتُهُ إليه سبحانه ، كما قال تعالى : { وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً } ، وقالَ : { إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلاقٌ } .

وإنّما القَصدُ تَفرّدُهُ سبحانَهُ بالخلق الذي هُو إنشاءُ الأعيان مِنَ العَدَم الذي لا يَقدرُ عليه سواه ، وتَفَرُّدِهِ بالقُدرَة على خلقِ كُلِّ مَخلوقٍ ، كما دلَّت عليه الكتب السماوية والنصوص النبوية .

وإذا عَرَفتَ معاني الخَلْق ، وأنَّ أهلَ السُنّة ما قَصروا على الله تعالى منها إلاَّ إنشاءَ العينِ مِنَ العَدَم ، عَرَفتَ مَعنى قولَهُم : إنَّ أفعال العباد مخلوقة .. وعرفتَ حينئذٍ أنّهُم إنّما عَنَوا بالمخلوق أعيانَ الذواتِ المُخرَجَة مِنَ العَدَم ... وأمّا ما يَقَعُ عليهِ الجزاءُ بالذّمِ والعِقاب ، والثناءِ والثواب ، مِن الأمور العَدَميّة والإضافيّة ، التي ليسَت بشيءٍ حقيقيٍّ أصلاً كالتُّروكِ على الصحيح ، وإنّما جِهاتُ استحقاقٍ مثلُ تروكِ الواجبات ، وتُروك المُحرّمات عندَ الخصوم ، فليسَتْ عندَ أهلِ السُنّة مَخلوقَة كما يأتي الدليلُ عليه قريباً مِن وجوهٍ ثلاثةٍ قُرآنية ))

انظر العواصم والقواصم 7/95 - 96


تصريحات ابن الوزير في بطلان خلق الله لأفعال العباد :

3- قال ابن الوزير رحمه الله تعالى مُحتجّا على القائلين بخلق أفعال العباد :

( الأول : قوله تعالى : { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً } ، فَلو كانَ اللهُ تعالى خالقَ الباطل الذي فَعَلَهُ العِباد ، لَم يتنزّه عن خلقِ الحقِّ في حالِ كونهِ باطلاً !! ، لأن خلقَ الباطلِ أشَدُّ قُبحاً مِن خلقِ غيرِه في حالِ كونِهِ باطلاً ، كَما أنَّ مَنْ فَعلَ الكُفر لم يَتنزّه عَن تركِ الضلال كفراً ) .

انظر العواصم والقواصم ، 7/98

4- قال ابن الوزير رحمه الله تعالى :

( الثالث : قولُهُ تعالى : { الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ } ، أي على حَسَبِ ما أراد ، فوجبَ وصفُ جميع مخلوقاتِ الله بالحُسْن ، فلَو كانَ القدرُ المُقابَلُ بالجزاء[ يقصد أفعال الخير والشر ] مِن أفعالِ العبادِ مخلوقاً ، لَمْ تُوصَف مَعاصيهُم بالقُبح ، ووجَبَ وصفُ قبائحهم بالحُسْن ، وهذا باطلٌ بالإجماع! ) .

انظر العواصم والقواصم ، 7/99

5- قال ابن الوزير رحمه الله تعالى : ( فثَبَتَ أنَّ كُلَّ شيءٍ يُسمى مَخلوقاً مِنَ الأجسام وصُوَرِها، والطُّعوم والألوان والروائح وسائر ما في العوالِم من نحو ذلك ، داخلٌ في أنَّ الله خالقٌ كُلِّ شيء ، وما لَم يَثبُتْ أنّهُ يُسمّى مخلوقاً كأفعالِنا لا يَدخُلُ في ذلِكَ بِمرَّة ) .

انظر العواصم والقواصم ، 7/104

6- قال ابن الوزير رحمه الله تعالى ، مصّرحاً ببطلان اعتقاد خلق الأفعال ، وأنَّ الرسول (ص) والصحابَة لَم يكونوا يرونَه : ( ولَو كانَ في اعتقاد خلقِ الأفعال خيرٌ ما سكَتَ عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، ولا سَبَقَهُم المُتأخرون إلى إشاعَتِه ، وإلزامِ المُسلِمين باعتقادِه ، وكانَ معدوداً في أركان الدّين والإسلام المعدودَة المنصُوصَة والله يُحبُّ الإنصاف )

انظر إيثار الحق على الخلق ص 321


7- أيضاً ، يوضّحُ ابن الوزير عقيدته في عدم صحّة خلق الله لأفعال العباد ، وأنّه ليس لهذه العقيدة اصلٌ في السنة النبوية فيقول :

(( اعلَم أنَّا قَد بيَّنا فيما تقدَّم أنَّ السُنّة هيَ ما صحَّ واشتهر واستفاض في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم ، وأصحابُه رضي الله عنهُم ، وتابعيهم وبَلَغَنا مُتواتراً أو مشهوراً من غير مُعارَضة ولا شُبهَة ، مثل الإيمان بالأقدار لتواتره في الأخبار والآثار ، فليسَ خلقُ أفعال العباد مِن هذا ولا هُوَ قريبٌ منه ، فلا وجهَ لكونِه مِن السُنة ، لان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلَّم حينَ علَّمَ أركانَ الإسلام والإيمان والإحسان لَمْ يَذكُرْه ، ثمَّ لَم يصِحْ فيه حديث واحِد ولا أثَرْ . وأمّا أخْذُهُ مِن { خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } فهُوَ خِلافُ الاحتياط في مواضع الخطر ))

انظر إيثار الحق على الخلق ، ص 340 - 341

8- بعَد أن ذكَر ابن الوزير رحمه الله ، عقيدته في عدم صحّة القول بخلق أفعال العباد ، وساقَ الاحتجاجات المُبطلَة لمَا قالَ به من أهل السنة والجماعة ، صرَّح بأنّ هذه عقيدته - عدم خلق الله لأفعال العباد - ، وهذه السطور يحتاجها مَن يحتجَّ بتقيّة ابن الوزير في كلامه المُخالِف لعقائد اهل السنة والجماعة ، كالقاضي إسماعيل بن علي الأكوع ، في كتابه عن ابن الوزير ، فيقول ابن الوزير ، بما لا يدَع للمتمسّك بخيوط التقيّة أي َمناصٍ ومَخرج ( معَ ما سبق ) ، ما نصّه :

(( وهذاَ المُستَنَدُ الذي معي قَد أبديتُ صَفحتهُ للنّاظِرين ، فَمَنْ عَرَفَ خيراً منهُ وأوضَحَ وأبيَنَ فليَتَّبِعِ الهُِدى ، ولا يَمِل عن الأقوى ، فإنَّ ذلكَ صنيعُ أهل الأهواء ، وما أصبتُ فيه فَبِحمدِ الله ومشيئته وحُسنِ توفيقِه ، وما اخطأتُ فيه فبسوءِ اختياري ، والله سُبحانَهُ عَن مَلامَتِه بريء ))

انظر العواصم والقواصم ، 7/116

* هذه عقيدة ابن الوزير في أفعال العباد باختصار ، لَم يُسعِف الوقت لتفصيلها ، ولكنّا نُحيلُ ، وعلى المُهتمّ المُراجعة .

- انظر الكلام عليها بتفصيل في بداية المجلد السابع من العواصم والقواصم ، وص 340 وما بعدها من إيثار الحق على الخلق .

- انظر تفنيد ابن الوزير لمن ادّعى الإجماع من كبار التابعين على عقيدة خلق الله لأفعال العباد ( الإجماع المروي عن طريق البخاري - الإجماع الكروي عن طريق أبي الحسن الأشعري - الإجماع المروي عن طريق حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد بن حنبل ) ، العواصم والقواصم 7/121وما بعدها .

- أيضاً انظر كتاب ( ابن الوزير اليمني وآراؤه الكلامية ) ، لمؤلّفه رزق الحجر ، ( باب بطلان القول بخلق الأفعال ) ص378 وما بعدها .

- أمّا صاحب كتاب ( ابن الوزير وآراؤه الاعتقادية ) ، الأستاذ علي علي الحربي ، فإنّه لَم يتطرَّق لعقيدة ابن الوزير في هذه المسألة العظيمة !! مع أنَّ كتابَه لَمْ يُخصّص إلا لدراسة آراء ابن الوزير العقدية ، وناهيكَ بعقيدة أفعال العباد من عقيدَة !! ، فليتَ أنّه أسهبَ في توضيح عقيدة ابن الوزير فيها .

- أيضاً القاضي إسماعيل الأكوع لَم يُشر في كتاب ( الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وكتابه العواصم والقواصم ) ، إلى هذه العقيدَة ، واكتفى بالإشارَة الجُمليّة إلى حَمل موافقات ابن الوزير للزيدية ، على مبدأ التقيّة !!!، والله المُستعان .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

(3) عقيدة ابن الوزير في معاصي العباد وإضفاتها إلى الله سبحانه وتعالى :

ابن الوزير لا يقول بإضافَة معاصي العباد إلى الله يبحانه وتعالى :

1- ابن الوزير رحمه الله ، يُصرّح ببطلان نسبة القبائح كالكذب والزنى والسرقة التي يرتكبها العباد ، إلى الله سبحانه وتعالى ، وإنّما تُضافُ إلى العَبد وحدَه ، وهذا خلاف مَذهب أهل السنة والجماعَة ، فهُم يُشركونَ الله في مَعصية العَبد ، عندما يقولون : أنَّ الله خلقَ المعصية والعبدُ فَعَلهَا ، أنَّ خلقَ السرقة في العبد والعبدَ هُو الذي سَرق ، وقد سبق أن ذكرنا بُطلان خلق الله لأفعال العباد على لسان ابن الوزير فيما سبَق ، فيقول رحمه الله :

(( الوجه الثاني : أنَّ الدلالة على بُطلان الجبر قاضيةٌ بصحّةِ ما ذَكرنا من إضافَة القبائح والفضائح إلى فاعِلِها الراغِبِ فيها ، المُختارِ لعارِها وما فيها منَ الذَّم والخِزي ، وقُبحِ إضافَتِها إلى السّبوحِ القُدّوس المُحرِّمِ لها الناهِي عنها ، الكارِه لها )) .

انظر إيثار الحق على الخلق ص 338

2- ابن الوزير رحمه الله ، يُصرّح بأنّ الأمة مُجمعَة على وجوب الرّضا ، وحُسن الظنّ بما كانَ مِن قضاء الله وقدَره ، أي بمَا كانَ من فعلِ الله سبحانه وتعالى ، فلَو كانَ الشرُّ والمعاصي من قدَر الله أي مِن خلقهِ وفعلهِ ، لتناقضَت الأمور ، فيقول ابن الوزير رحمه الله تعالى :

(( وقد أجمَعَت الأمّةُ إجماعاً ضرورياً أنّهُ يجب الرِّضا بما كانَ من الله تعالى ، والتحسينُ له ، والثّناءُ به ، وأنُّ يجبُ كراهَةُ المعاصي وسخطُها والتقبيحُ لها ، فلو كانَت المعاصي مِن الله لتنقَضَ الإجماعان ، واتّحَدَ محلُّ السَخَط والرّضا ) )

انظر العواصم والقواصم 7/163

3- ابن الوزير رحمه الله ، يوضّح عقديته في القدر ومعاصي العباد ، بكشل أكبر في هذه الجزئية ، فيردّ على أهل السنة والجماعة المُتعذّرين على العدلية ، بمُغالبَة العبدة لله في إرادته ، وهذه الجزئية يعيها أهل الأصول ، فيردّ ابن الوزير أنّه وإن قال أنّ المعاصي ليسَت من الله ، ولا تُنسب إلى الله ، وليسَ الله خالقُها ، بأنّ!ض هذا لا يقتضي أن يكونَ في هذا الاعتقاد ما يجعل السنّي يتوهم المغالبَة لله في إرادته ، ، فيقول ابن الوزير رحمه الله تعالى :

(( على أنَّا لَم نَقُل أن المعاصي من العباد على جِهَة المُغالبَة لإرادته ، وإنّما قٌلنا أنّها منهم أفعالٌ وذنوب وسوء اختيار كما اجتَمَعَت عليه أهل السنّة والمُعتزلِة ، كمَا علَّمنا نبيئنا صلى الله عليه وآله وسلَّم أن نقول .. فَمَن وجدَ خيراً فليحَمَدِ الله ، ومَن وجدَ شرّاً فلا يلومنَّ إلاَّ نفسه ))

انظر إيثار الحق على الخلق ص 339 ، وهذا قريبٌ جداً من كلام الإمام الهادي على الحق يحيى بن الحسين عليه السلام ، انظر مجموع رسائل الإمام الهادي إلى الحق ، كتاب المسترشد في التوحيد ، ص 109 .

أيضاً لتحقيق أكثر في مسألة الإرادة ومعانيها ، انظر إيثار الحق على الخلق ص 272

4- عقدَ ابن الوزير رحمه الله ، فصلاً كاملاً (( في بُطلان القول بأن المعاصي من الله تعالى )) .

انظر إيثار الحق على الخلق ص 326

ابن الوزير يَذهب إلى ما ذهبَت إليه الزيدية في أفعالِ الله تعالى :

الزيدية تقولُ أنَّ من أفعال الله تعالى الصادرَة عنه ، والمُختصّة به ، والتي تكونُ بقضاء وقدَره ، الأمراض ، والكوارث والآفات ، كالقحط ، والغرق ، والبراكين ، والزلازل ، والفيضانات ، والأعاصير ، فهذه كُلّها داخلةٌ في قضاء الله وقدره ، وفيها يدخُل قول القائل : (( اللهم قنا شرّ ما قضيت )) ، فهذه وإن كانَ ظاهرهُا شرور ، فهي منَ الله لحكمةٍ اا نَعلمَها ، ويجبُ أن نؤمنَ بها ، ونَرضى بها ، لا كما استدلَّ أهل السنة بأنَّ المقصود بالشّر في الدّعاء السابق ، هُو الشرور الناتجة من أفعال العباد ، والتي لا يرضاها العبادُ فضلاً عن أن يرضاها الله سبحانه وتعالى .

1- وكذلك ابن الوزير رحمه الله فإنّه يقول بقول الشيعة الزيدية ، فيقول :

(( ورُبّما يوجَد في كلام بعض السلف أن الخير والشر من الله ، يَعنونَ به الصّحَة والسّقَم والغنى والفقر )) .

انظر ايثار الحق ص326

2- يُصرّح الاستاذ رزق الحجر ، في كتابه ( ابن الوزير اليمن وآراؤه الكلامية ) ، بمثل ما ذكرنَا اعلاه ، فيقول :

(( وإنَّما الغريبُ حقّاً أن نَجِدَ لدى بعض مُتكلّمي أهل السنّة تصريحهُم بأنَّ جميع المعاصي من الله عزَّ وجلَّ عن ذلك ، فكيفَ وَقعُوا في هذا القَول ؟ وما مُرادُ مَن قالَ مِن السّلفِ إنَّ الخيرَ والشرّ من الله تعالى ؟ وما رأي ابن الوزير فيمَن ينسبُ المعاصي إلى الله سبحانه ؟ إنَّ مَن صرَّح بنسبَة ذلكَ إلى الله تعالى مِن السّلَف إنّما كانَ مُرادُهُم - كما يَذكُرُ ابنُ الوزير هُوَ الصّحَة والسّقَم والغنى والفقر ونحوِ ذلك .. ))

ابن الوزير اليمني آراءه الكلامية ، ص369 وانظر ما بَعدها .

شهادَة الهادي بن إبراهيم الوزير ، ببراءة أخيه من أقوالِ غير أهل البيت (ع) الزيدية :

البعضُ الكثير ، عندما يقرأُ شهادات الهادي بن إبراهيم الوزير (ع) ، ببراءة أخيه من اعتقادِ غير ما يذهبُ إليه أهل البيت (ع) ، فإنّه يَحملُ هذا مَحملَ مُحاولَة تعذّر الأخ لأخيه ، ومُدافعتهِ عنه ، مِن بابِ كفّ الأذى عنه !! ، وإلاّ فشهادته غيرُ صحيحة ! ، وليستَ هيَ ما يعتقدهُ محمد بن إبراهيم !! ، وهُم بهذا ينسبون شهادَة الزّور إلى شخصٍ كالهادي بن إبراهيم ما أظنُّ من يحملهُ هذا المَحمل يَبلُغُ عٌُشرَ ولا مِعشارَ فَضلهِ وعلمه وزُهدِه ، وكذلكَ الحالُ معَ حفيدهِ وتلميذهِ محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير عندما نافحَ عن جدّه محمد بن إبراهيم ، ومِمّن حاولُ التمويه في هذا القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه ( الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وكتابه العواصم والقواصم ) ، وحَسبُنا الإنصاف هُنا ، إذ أنَّ قَد ذكَرنا أقوالَ ابن الوزير من كتُبه ومؤلّفاته ، خاصّته لا خاصّةِ غيرِه ، وأبنّا موافقته لأهل بيته (ع) ، من دون السنة والجماعَة ، فهذا أكبرُ دليل وهُو يكفي الباحث النّاظر ، ولكنّا نُعضّد ما نقلنا عنه ، بأقوال أخيه الإمام الأعظم الهادي بن إبراهيم الوزير ، حتّى يتضح بُطلانَ قول مَن ذهبَ إلى مُبالغته في التّعذّر لأخيه ، ولو كانَ ذلكَ التعذّر خلافاً للحق ، والله المستعان ، فقال الهادي (ع) ، مُحتجّا على شيخ أخيه ابن أبي القاسم جمال الدين رحمه الله:

(( أنَّ هذه الجُملَة من السيّد جمال الدين مُفتقرة إلى إقامَة البرهان ، وإلاَّ كانت دعوى بغيرِ بيان ، لأنه نسبَ إلى مُحمدٍ جميعَ أقاويل الجبرية ، وعزى إليه القولُ بِمذاهِبِهم الفريّة ، وعَدَّدَ منها ما أعتقدُ براءةَ مُحمّد منه جُملةً وتفصيلاً وتحقيقاً وتأويلاً )) .

انظر الإمام محمد بن إبراهيم الوزير لإسماعيل الأكوع ص 41

* أيضاً هُنا ، من الجدير أن نُذكّرَ الباحث أنّ الأستاذ علي علي الحربي في كتابه ( ابن الوزير وآراؤه الاعتقادية ) ، أشارَ إشارةً عابرةً ، مُحولاً استجلاب ابن الوزير إلى محض عقيدة السنة والجماعَة في أفعال العباد ومعاصيهم ، فليُتنبّه لهذا ، مع العِلم أنّه لَم يبسُط الكلام في المسألة ، لأنّه ( وفي نظري ) لَو بسطَ في المسألة ، لن يستطيعَ إلاَّ أن يقول كما قَلنا وكما قال الأستاذ رزق الحجر ، من أنَّ ابن الوزير (ع) موافقٌ لاهل بيته من الزيدية في هذه العقيدة .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

حسن زيد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 266
اشترك في: الأربعاء فبراير 11, 2004 7:57 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة حسن زيد »

بسم الله
أخي العلامة الكاظم
بارك الله فيك ونفعنا بجهودك
ومن الحق أن أقول لك أني أستفدت فائدة عظيمة من بحثك هذا ومن تعريفك للزيدية
أرجو أخي أن تتمكن من جمع ماتكتبه وطبعه فهو جدير بأن يكون في متناول الناس
إن مع العسر يسرا،إن مع العسر يسرا

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

أحسن الله إليكم ... سيدي الجليل المفضال حسن زيد

ونحنُ إنشاء الله ، ننتظر التفرّغ الدّراسي فقط .

شاكرينَ لكُم ثنائكم .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

(4) عقيدة ابن الوزير في الرؤية في حق الله سبحانه وتعالى في الآخرَة :

منهج ابن الوزير وغموضه في مسألة الرؤية :

نهجَ ابن الوزير نهجاً غير واضح المَعالِم ، أثناء كلامهِ على الرؤيَة في مُجلّداته الضّخام ، فلا يَكادُ القارئُ أنْ يُمسِكَ خيطاً يُفيدُه حول الإثبات أو النفي منه لهَا ، فمثلاً في :

1- كتابه المختصر الروض الباسم : اكتفَى بذكِر مَن رُوِيَت عنهُم الرؤية ، بدون تعليق ! ثمّ انتقلَ إلى مَبحثٍ آخَر .

2- كتابه العواصم والقواصم : وهُوَ الكتاب الأم لما في الرّوض الباسم ...

* فإنّ ابن الوزير قامَ فيه بِذكِرِ أراء الطّرفين المُثبِت للرؤية على لسان ابن القيم الجوزية ، والنّافي لها على لسان القاضي عبدالجبّار ، ولَم يذكُر أيّ أقوالِ الطّرفين يَتبَع ، بل إنّه صرّح قبلَ بداية سَرده لأقوال الطّرفين بأنّه يتكّلم على لسانهم لا بالمُختار عندَه!! فقال رحمه الله تعالى :

(( يزيدُ الأمرُ وضوحاً بذكرِ أدلَّةِ مَن قالَ بالرؤية ، وأدلَّةِ مَن مَنعها ، بحيث يظهرُ للنّاظِر فيها حُكم القائل بالرؤية ، وهل يُعدُّ مِن مُنكري الضرورات الشرعية فيَكفُر ؟ أو يُعدُّ مِن المُكذّبين فيما رواه ؟ أو يُعدُّ مِنَ المُتأولين ؟ فَيُتَكَلَّم بكلامِهِم لا بالمُختارِ عِندَنا في فصلين : فصلٌ في إمكانِها في قُدرَة اللهِ عِندَهُم حَسبَما فَهِمُوهُ مِن أدلَّتِهِم ، وفصلٌ في وقُوعِها عِندَهُم ... وننقُلُ من كلامِ الفريقين من اهل الحديث والمعتزلة بالفاظِهِم لِنبرأ مِن وصمِ العصبيَّة إن شاء الله تعالى )) .

انظر العواصم والقواصم 5/72

* ثمّ بعد انتهاء ابن الوزير رحمه الله ، مِن سَرد أقوال الطرفين بكلامهِم ، لا بكلامِه والمُختار عنده كَما أشار في المُقدّمة ، زادَ التأكيد على هذا - على أنّه لا يُشيرُ في نقله لأقوال الطّرفين بأيّ عقيدة تخصّه في هذا المسألة - ، أكّد بأن ذكَر في الخاتمَة ، أنّ على النّاظر النّظر ، وعلى الحاذق التمييز ، فزادَ ابن الوزير من الغموض في كُنهِ مُعتقدهِ الشّخصي في هذه المسألة ، وتعسّر الحُكم عليه من خلال جميعِ ما كانَ قَد نقلَه فيها . فقال رحمه الله تعالى :

(( فمَن أرادَ الحقَّ في هذه المسألَة ، وكانَ من أهل الذّكاءِ والفَهْم للأدلَّة الدقيقة المُتعارِضَة نظرَ في كلامِ المُعتزلة هذا وفي كلامِ أهلِ السُنّة السّابِقِ قبلَهُ ، وجَعلَ الفريقَين كالخصمَين ، وكانَ كالحاكِمِ بينهُم بعدَ الجَمع بين أطرافِ كلامِهِم والإنصافُ في الحُكمِ بينَهُم ، ومَنْ لَمْ يَكُن كذلِك ، ولا كانَ أهلاً لذلك ، فالإيمانُ بمُرادِ الله تعالى على الجُملَة يُجزيهِ ويكفيه ، والتعرُّضِ لِما لا يُحسنُهُ يُطغيهِ ويُغويه ، والله الهادي وحسبُنا ونِعمَ الوكيل )) .

انظر العواصم والقواصم 5/238


أقوال مَن ترجَم لابن الوزير في عقيدته حول الرؤية ، ومُناقشتها :

1- الأستاذ علي بن علي الحربي في كتابه ( ابن الوزير آراؤهُ الإعتقادية وجهودُ في الدفاع عن السنة النبوية ) .

ذهبَ الأستاذ الحربي ، إلى نِسبَة ابن الوزير إلى إثبات الرؤية في حقّ الله سبحانه وتعالى ، وصفّه في مَصافّ أهل السنّة والجَماعَة ، فقال ما نصّه :

(( ( وقد أجاب ابن الوزير - على المُعترِض - كعادتِه بالأسلوب الجدلي ، ذكرَ عدّة إشكالات ومقُدمات وفَصلين ضمَّنها أقوالَ المُثبتين لرؤيةَ الله عزَّ وجلّ في الآخرَة مِن أهل السنة ، وذكرَ أدِلّتَهُم، كما ذكرَ أقوالَ المُنكرينَ لها مِنَ الجهمية والمعتزلة وأدِلّتَهُم وفنَّدَها وقرَّرَ !! إثبات الرؤيَة ووقوعها في الآخرة ))

انظر ابن الوزير ، 2/491

مُناقشَة :

ابن الوزير رحمه الله تعالى ، نَعم ذَكر أقوال المُثبتين والنّافين ، ولكنّه صرّح تصريحاً يؤكّد آخرهُ على أولّه ، وأولّه على آخره أنّه لا يذكُر المُختار عنده في نقله هذا ، فقال : (( فَيُتَكَلَّم بكلامِهِم لا بالمُختارِ عِندَنا )) ، وأمّا تفنيد ابن الوزير رحمه الله تعالى لقول النّافين على لسان القاضي عبدالجبّار فإنّه لَم يَحصُل - ونحنُ على هذا قاطعين جازمين - ، ونَحسَبُ أنّ الأستاذ الحربي لَن يَتوانى في ذِكرِ تفنيدات ابن الوزير على القاضي عبدالجبّار لَو وُجِدَت !! ، ولَقَد تتبّعنا مَبحث الأستاذ في هذه المَسألة سطراً سطراً وجُملةً جُملة ، ثمّ حرفاً حَرفاً ، فَما وَجدناهُ أتى على لسان ابن الوزير بكلامٍ يُؤيد استنتاجه الذي استنتجه حولَ ابن الوزير من الإثبات للرؤية ، ولَو كانَ حقّا قد فنّد ابن الوزير كلام القاضي عبدالجبار رحمه الله ، لكانَ على الأقل نقلَ الأستاذ هذا التفنيد ، ولكنّه ليسَ له أصل ، وهُنا اكتفى الأستاذ الحربي ، رغمَ تخصيص كتابه هذا للتطويل ومُناقشة عقائد ابن الوزير ، وناهيك بالرؤية من عقيدة ، اكتفَى بالإيجاز!! في هذه المسألة فقال : (( واعتُرِضَ عليه - على ابن الوزير - باعتراضاتٍ كثيرَة منها مسألةُ الرؤيَة التي سنتحدَّثُ عنها بعَرضِ رأي ابن الوزير فيها بإيجاز !! ، أمّا مَن يُريدُ التفاصيل فعليهِ بمُراجعة كتابه ( العواصم والقواصم ) )) ، والحقّ أنّه لا يوجَد تفاصيل حول أدلة إثباته للرؤية .

انظر ابن الوزير 2/496

2- القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه ( الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وكتابه العواصم والقواصم ) .

أيضاً ذهبَ القاضي الأكوع إلى نِسبَة ابن الوزير رحمه الله تعالى إلى القول بالرؤية ، وذلك مِن خلالِ تعليقه بحاشية على كلامٍ الهادي بن إبراهيم الوزير الذي يُبرّئ أخاه من هذا المُعتقد الفاسد - القول بالرؤية - ، فجاء في كتاب الأكوع ، على لسان الهادي بن إبراهيم الوزير ، ما نصّه :

(( وأمّا مَسألةُ مُخالَفَةِ إجماعِ العترة بالقولِ بالرؤية ، فهذا شيءٌ لم أعرِفْهُ ، ولَمْ أسمَعهُ مِن مُحمَّد لا في قولٍ ولا في كِتاب (1) ، وأنا أنزهُهُ عن هذه المقالَة ومعي خطُّهُ بأنَّ اعتقادَه في العقائد الكلاميّة والمسائل الإلهية اعتقادُ أهل البيت عليهم السلام ، وأنّهُ غيرُ مُخالِفٍ في واحدةٍ من هذه المسائل ، ... )) .

* وضع الأكوع حاشية قال فيها رادّا على الهادي (ع) : (1) ( بلْ قالَهُ حينَ اتّبعَ مذهبَ أهل السنّة والجماعَة!!! ، وقالَ به في كتابه العواصم والقواصم 5/5 – 238 ، حيث أوردَ الآيات والأحاديث والآثار الدّالَة على القول برؤية الله عزّ وجل يومَ القيامَة ) .

انظر الإمام محمد بن إبراهيم الوزير ، ص 48 – 49 ، وانظر مقدمة العواصم والقواصم على لسان إسماعيل الأكوع 1/47- 48 .

مُناقشة :

أ- قَد سَبرنا مُعتقدَ ابن الوزير ، وبيّنا بُطلان نِسبته إلى المذاهب السُنيّة فيما تقدّم ، وكانَ هذا هُو عينُ كلامُ أخيه الهادي بن إبراهيم الوزير عندمَا شهِدَ لأخيه به ، فكانَ الهادي هُوَ الصّادق في براءته من المذاهب الباطلَة المُخالفَة لأهل البيت - فيما قد سبق وبيّنا - ، وغيرهُ من المُتزيّنين به هُم المُتخرّصون ، وكان إلجامهُم على لسان ابن الوزير نفسُه !! . وهُنا يقوم القاضي الأكوع بنسبة الكَذب - تصريحاً أو تلميحاً - إلى الهادي بن إبراهيم ، عندما قالَ أنّه لَم يَجِد القول بالرؤية وإثباته في كتُب أخيه ولا سَمِعها عنه ، فأجابَه الأكوع بحاشية يقول : (( بل قالَه )) .

* وهُنا نرد حاشيتَه بحاشيةٍ تقول : رجَعنا إلى صدقِ نسبَتِكَ له إلى مذهب أهل السنة والجماعة فوجدناها باطِلَة ، ثمّ رجَعنا إلى ما أحَلتنا إليه مِنَ العَواصِم والقواصم وتتبّعنا 233 صفحة في العواصم مَا وَجَدنا رائحةَ قول ابن الوزير بإثبات الرؤية ، وامّا قولك أن ابن الوزير قد أوردَ الاحاديث والآثار الدالة على إثبات الرؤية فهذا ليسَ دليل ، لأنه قد أوردَ القولين النافي والمُثبت وذكر أدلة هؤلاء وهؤلاء ، فعلى مقتضى كلامك فإنه يصح لمن قالَ أن ابن الوزير ينفي الرؤية ، أن يستدلّ بإيرادِ ما ذكرهُ ابن الوزير على لسان النافين من كتاب شرح الأصول الخمسة ، فدليلُكم مردود .

تنبيه :

ينبغي للقارئ النبيه ، أن يُثيرَ انتباهَهُ إيجاز الحربي في هذه المسألة في كتابٍ خصّصه!! لتناول عقيدة ابن الوزير ، وكذلك تعلّل الأكوع بهذا التعلّل السقيم لإثبات عقيدة الرؤية عند ابن الوزير ، دونَ أن يُطوّلوا ويُفصّلوا ، أو على الأقل يَذكروا نصّا واحداً واضحَ الدّلالة ، فالكلّ مِنهُما يقولُ : أثبَتها ، وراجِعُوا 233 صفحة !!! ، إذاً هُناكَ غموضٌ كَما أشرنا في البداية .

تنبيه :

قد يسأل سائل : لعلّ ابن الوزير يُرجّح الجانب المُثبت للرؤية ، وإن لَم يَذكُر رأيَهُ بصراحة، وذلكَ لأنّه ساقَ روايات عن أهل البيت مع غيرهِم من الصحابة تُفيد الرؤية ؟

والجواب : من وجهبن اثنين :

1- الوجه الأول : أنّ هذا ليس بدليلٍ كافٍ ، وخُصوصاً إذا عَرفَت أنَّ ابن ابن الوزير يقولُ بالتأويل ، وأنّه لا يُخالفُ إجماع العترة إذا أجمعُوا على تأويلٍ مُعيّن ، وهُوَ لا يأخُذ بالظّاهر للآيات والأحاديث المُتشابهة ، كما تقدّم في الكلام على الأسماء والصّفات ، وهذا كُلّه يجعلُ إثبات الرؤية المكانية من عقيدته أمراً مُستحيلاً ، فكيفَ لا يُؤمن بأحاديث القدم واليد والإتيان والذّهاب على ظاهرها ، ثمّ يأتي ويُؤمن بأحاديث الرؤية على ظاهرها ، كما يعتقده أهل السنة والجماعَة .

2- الوجه الثّاني : أنّ هذا أيضاً ليسَ بدليلٍ كافٍ ، فإنّ ابن الوزير قَد يَذكُر أمثالَ هذه الأدلة على لسان أهل البيت المُفيدة بالرؤية ، ولكنّه غيرُ مُؤمنٍ بحجّيتها وصحّتها عندَه ، ولا يقولُ بما فيها ، لعلل كثيرةً ، قد يكونُ أبرزُها مُخالفة ظاهرهِا بدون تأول لِمَا أُجمِعَ عليه ، وصدورها عن الجامعِ الكّافي الذي ثبتَ ثبوتاً لا يجعل للشكّ مَدخلاً ، أنّ فيه حَشوٌ وتلفيقاتٌ مُزوّرةٌ على ألسنة أئمة أهل البيت (ع) ، وهُوَ الآن قيدّ التحقيق .

مثاله : أنّ ابن الوزير عندما تكلّم في مسألة خلق أفعال العباد ، فإنّه ذكرَ دليلاً على إثبات خلق الله لأفعال العباد على لسان أحمد بن عيسى بن زيد (ع) ، مرويٌ عنه في كتاب علوم آل محمّد ، وهذا الحديثُ لا شكّ في وضعه ، وقد أفاد مولانا وإمامنا وبركتنا أبو الحسين مجدالدين بن محمد المؤيدي أنّه لَم يصحّ لسادات أهل البيت (ع) سماعُ هذا الباب من كتاب علوم آل مُحمّد ، نعم! فلَو ذهبَ ذاهبٌ إلى ما ذهَب إليه السّائل من الاستظهار بإثبات قول ابن الوزير بالرؤية الأخرويّة ، بمجرّد سرده لأحاديث عن أهل البيت تكلّمت عن الرؤية ، لجازَ لنَا أن نُثبتَ قولَ ابن الوزير بخلق أفعال العباد بمُجرّد سرده لقول فقيه آل مُحمّد (ع) عن أمير المؤمنين علي (ع) ، وقد تقدّمَ معنا في الكلام على أفعال العباد كيفَ أنّ ابن الوزير ينفي هذا الاعتقاد ، نفياً قاطعاً جازماً ، فإذا عَرفَت هذا ، فاعلَم أنّ احتماليّة هذا الترجيح ضعيفة ، لا يجوز بها الجزم على عقيدةٍ كهذه في حقّ ابن الوزير رحمه الله تعالى .

تنبيه :

كثيرٌ من الأحاديث المُتشابهات الدّالة على الجبر والتجسيم ، قَد تستقيم مع التأويل ، دونَ الأخذ بالظّاهر ، ودونَ ردّها ، وهذا كان ديدن ابن الوزير رحمه الله تعالى لا الظّاهر ولا الرّد ، بل التأويل ، فما لَم يثبت ولم يستقم لهُ تأويل ، يُترَك غيرُ مَعمولٍ به وغير مقطوعٍ بكذبِه ، لذا تجدُ بعض العدليّة يقولون ، إن صحَّ خبرُ كذا ، فتأويلُه كَذا ، فإن صحّ خبر رؤية الله كالبدر ليلة النصف ... فإن تأويله رؤية ما وعدَ الله به ، وكذلك الحالُ معَ الخبر المروي عن أحمد بن عيسى (ع) حول إثبات خلق الأفعال ( مع نقد وتوهين ابن الوزير لهذا الخبر في كتابه إيثار الخلق ، وتشكيك السيد مجدالدين في صحة بابه ) ، فإنّ السيد الولي علي بن محمد العجري رحمه الله تعالى قد تأوّله تأويلاً عَدلياً في كتابه مفتاح السّعادَة .

تنبيه :

إضافةً إلى ما كان قَد ذُكِرَ بخصوصِ التأويل للأخبار الواردة عن أهل البيت المُفيدَة بإثبات الرؤية ، فإن ابن الوزير رحمه كان يُندّدُ بمُتابعته لأهل البيت (ع) فيمَا أجمعُوا عليه من التأويلات ، وأن الأخذ بالظّاهر ليسَ من مَذهبه ولا مِن عقيدته ، فقال رحمه الله : (( ومِن ها هُنا نَسَبني كثيرٌ من الجهلَة إلى القولِ بالظّاهر ، لأني لمَّا استَصغَرتُ قَدري وأمسكتُ عن الكلام حيثُ لا أدري ، عِلماً مني أنِّي لستُ من الراسخين ، وأنّي بَعْدُ لم أرتَفِع عَن مرتَبَة المُتعلِّمين ، معَ اعتقادي أنَّ الظاهِرَ الذي يُخالِفُ مذهبَ العترةِ عليهم السلام ، غيرُ مُرادٍ ولا مقصودْ ، ولكنّي أقفُ على تأويله ، وأكيعُ عَن تعليلِه . اللّهُم إلاّ أن يَصِحَّ إجماعُ العترَة عليهِم السلام على تأويلٍ مُعيّنٍ في ذلك ، فلا أشُكّ حينئذٍ في التمسّك بإجماعِ العترةِ الهُداة ، والرَّجوعِ إلى سُفُن النجاة )) . انظر العواصم والقواصم 8/ 268 . وهُنا تأمّل اعتناق ابن الوزير لِمَا أجمعَ عليه أهل البيت (ع) ، وأنّ ما يُخالفُ مُرادَهُم من الظّاهر - إثبات الرؤية في الأحاديث التي أوردها - غُيرُ مُرادٍ ولا مَقصود . وهُنا تأمّل إثبات ابن الوزير أنَّ القُدماء من أهل البيت (ع) الذي هُو مُتمسّكٌ بهم ، لا يقولون بالرؤية ، وذلكَ عندما قال : (( وحاصلُ الكلام : أنَّ القُدمَاء مِنَ العِترة عليهم السلام لَم يُنقَل عنهُم مذهبُ المُعتزلَة أنَّ الرؤية من المُحالات التي لا تدخُل في مقدور الله تعالى ، بل مُقتضى عبارتهم : أنَّ اللهَ لا يُرى لِعَظَمَتِه ، وعِزَّتِه ، وكبريائه )) انظر العواصم والقواصم 5/ 15 ، ولَو تأمّلت هذا النصّ جيداً ، تجد ابن الوزير يُخالفُ حول كَلمة ( أنّ الله لا يَقدر ) ، وهذه الكلمَة قد يضمّها البعض ضمن عبارات عدم التأدّب مع الله ، وكقولِ القائل ( يجب على الله ) ، ولكنّ المهم هُنا هُو التركيز أنّ ابن الوزير ينفي أن يكون قول أهل البيت وتعليلهم لنفي الرؤية هو عدم مَقدرَة الله ، بل إن سبب وتعليل قولهم بنفي الرؤية هو التنيزه المُطلق لعزّة الله وكِبريائه ، وأيّا كانَ موضِع نِسبَة ابن الوزير هذا التعليل لأهل البيت الزيدية من الصحّة والخطأ ، فالمقامُ لا يتّسعُ لمناقشة هذا ، وإنّما الذي يَهُمّنا هُو مَعرفة عقيدة ابن الوزير معَ ذاتِ نفسه ، وقد تبيّن لكَ أنّه يَنسبُ قُدماء أهل البيت (ع) إلى القول بنفي الرؤية - بغض النّظر عن سبب النفي للرؤية - ، وقد ثبتَ أيضاً أنّه يقول : أنّه لا يُخالفُ إجماعَهُم . ففي هذا ترجيحٌ أكبرُ وأقوى ممّا ترجّح للسائل ، والله أعلم .

تذكير :

إذا تحقّق لك ما قد ذكرنا ، وراجعتَهُ ، مُراجَعة المُتأمّل ، فلا تجعل أمثالَ هذه الروايات التي تفيد الرؤية تُفسِدُ ظنّك في عقيدَة أهل البيت (ع) ، إذ لَو كانَت صحيحَة ، أو فلنقُل لو كانَ مُؤدّاها إثباتُ الرؤية بمعناها السُنّي الصِرف ، ما استرابَ فيها ابن الوزير رحمه الله تعالى وهُو المُورِدُ لها ، وريبتهُ يجبُ أن تستشفّها من خلال عدمِ تصريحهِ أو تلميحه بالقول بها ، أيضاً لو كانَت صحيحة المباني عندَ ابن الوزير نفسه ما نَسبَ بعدهَا وبعدَ الاطّلاعِ عَليها أهل البيت (ع) إلى القول بنفي الرؤية ، فقد كانَ ابن الوزير رحمه الله شديد الحِرص ، حسنَ التّعامل مع أمثال هذه النّصوص ( وهذا الحرض لا يمنعُ عنه الخطأ ولا يعصمهُ منه ) ، لكن للأسفَ أتى بعدهُ من كانَ أدنى منهُ حِنكةً ومَهارَة ، فنسبوهُ إلى ما نعتقدُ أنّه يتنزّه عنه ، ونحنُ نَرى أنّ الدّافع لابن الوزير رحمه الله لإيرادِ أمثالِ هذه الأخبار الموهمة للرؤية ، أن يقول لشيخه : إن كُنتَ حَكمتَ وشنّعت على رُواة أحاديث الصحّاح لتضمنّ أحاديثهم الرؤية والتجسيم ، فإنّها قد رُويَت عن طريقِ أهل البيت (ع) ( لَم تصحّ هذه المرويات ) ، فاحكُمُ إذاً بعدم قبول أخبار أهل البيت .. !! مثلاً بمثل . وإن كانَ الجميعُ لا يُؤخَذُ بالظّاهر ، بل يُتأوّل على ما تأولهُ به أهل البيت (ع) . [ راجع مبحث الكلام الأسماء والصفات والتأويل ، مهم لاستحضار هذا التذكير الأخير ] .

---------------

إذاً ما هي عقيدة ابن الوزير في الرؤية ؟

الحقّ أنّ كلامَنا هُنا داخلٌ في إطار الترجيحات في حقّه رحمه الله ، وخصوصاً أنّه كما ذكرنا سابقاً كان قَد وقفَ موقفاً وسطاً يَذكُر أقوالَ هؤلاء وهؤلاء ، ولا يختار ولا يُرجّح ، وهُنا نَذكر عدّة ترجيحات ، لعقيدة ابن الوزير رحمه الله تعالى ، بما اعتقدت به السادة الزيدية ، من النفي للرؤية في حق الله تعالى في الآخرة .

الترجيحُ الأوّل الدّال على قول ابن الوزير بنفي الرؤية :

هُوَ ما قَد سبقَ وأن ذكرناهُ قريباً ، مِن المُتابعَة منه رحمه الله تعالى لأهل البيت ، وأنّه نفسه قد ذكرَ أنّ مَذهب قَدماء أهل البيت هُو نفي الرؤية ، فكانَ بهذا مُتابعاً لهُم في النّفي للرؤية .

الترجيحُ الثّاني الدّال على قول ابن الوزير بنفي الرؤية :

هُو تصريحُ أخوه الثّقة العَدل الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير ، عندما تصدّى لردّ ما توهَمّه الناس من أنّ أخاهُ محمداً يقولُ بإثبات الرؤية في الآخرة ، فقالَ عليه السلام : ( وأمّا مَسألةُ مُخالَفَةِ إجماعِ العترة بالقولِ بالرؤية ، فهذا شيءٌ لم أعرِفْهُ ، ولَمْ أسمَعهُ مِن مُحمَّد لا في قولٍ ولا في كِتاب ، وأنا أنزهُهُ عن هذه المقالَة ومعي خطُّهُ بأنَّ اعتقادَه في العقائد الكلاميّة والمسائل الإلهية اعتقادُ أهل البيت عليهم السلام ، وأنّهُ غيرُ مُخالِفٍ في واحدةٍ من هذه المسائل ، ويدلُّ على ذلِكَ مِن شِعرِه قولُهُ من جُملَة أبياتِه :

هذي الفرعُ وفي العقيدة مَذهَبي******* ما لا يُخالِف فيهِ كُلُّ مُوحِد
ديني كأهلِ البيتِ ديناً قيّماً *********** متنّزهاً عن كلِّ مُعتقدٍ ردي


وكيفَ يقولُ بالرؤية بعدَ هذه المقالَة ، أو يُضافُ إليه ذلِك ، ومذهبُ أهلُ البيت واعتقادُهُم أن الرؤية على الله غيرُ جائزة معقولةٌ ولا غير معقولَة ، وكيفَ يُصرّحُ محمّدٌ ها هُنا بأنّهُ يتنزّهُ في عقيدَتِه عن كلِّ مُعتقدٍ ردي ؟ ويُضافُ إليهِ اعتقادُ مُخالَفَة العترة بالقولِ بالرؤية ، وهيَ المصادَمَةُ بعينِها ) .

انظر الإمام محمد بن إبراهيم الوزير ، ص 48 – 49 ، وانظر مقدمة العواصم والقواصم على لسان إسماعيل الأكوع 1/47- 48

الترجيحُ الثّالث الدّال على قول ابن الوزير بنفي الرؤية :

يُعضِّد قول الهادي بن إبراهيم الوزير السابق بنفي إثبات الرؤية عن أخيه محمد ، هُوَ قول حفيده الإمام محمد بن عبدالله بن الهادي بن إبراهيم الوزير عليه السلام ، وهُو منَ المُعاصرين بل من تلامّذة!! جدّه محمد بن إبراهيم الوزير صاحِب الترجمة ، فقالَ راداً على السيد جمال الدين علي بن محمد في رسالةٍ أرسلها إلى جدّه محمّد بن إبراهيم الوزير ، مالفظُه : ( وقدْ نَسبَ القولَ بالرؤية ، وبِقِدَم القرآن ، ومُخالَفَتِه أهلَ البيت ، وقَد بناها على مُجرَّد التوهمات الواهية والتخيّلات الباردة ) . فلَو كان الحفيدُ التِلميذ يرى من الجدِ الأستاذ غيرَ هذا ما شَهِدَ شهادة الزورِ هذه ، وناهيكَ بالحفيد التلميذ والجدّ الأستاذ من ثقاتٍ في النقل والتحري والإنصاف .

انظر الإمام محمد بن إبراهيم الوزير ، ص 28- 29

فهذا أقصى ما يُقال في عقيدة ابن الوزير في الرؤية في جميع كُتبِهِ ومُجلّداته ، فمَن زادَ ، فليَقُل في نظري واجتهادي وهذه أدلّتي ، ومَن قالَ أجزِم فقد أخطأ ، ولو طُلِبَ منه الدّليل القطعي ما استطاع ، ونحنُ نقولُ هذه ترجيحاتنا - التي ترى أنّها أقرب للقوّة والاستظهار - ولا نجزِم ، والله تعالى أدرى وأعلم .

وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين .
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الثلاثاء مارس 01, 2005 8:53 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

بسم الله الرحمن الرحيم
الشكر للباحث الاخ العلامة الكاظم موصول على بحثه هذا الاكثر من رائع .
أجدني أقف أمام جهود كبيرة قد بذلتموها أخي الكريم بيد أني أيضا اجد أن ابن الوزير كان ضعيف المعتقد يميل الى ايمان العجائز فهو متخبط في أغلب مسائل الاعتقاد لم يقطع فيها بقاطع بل وترك الباحث والقارئ في حيرة من امره خصوصا إن كان من اهل التقصير المعرفي .
كما أني أجد أن ابن الوزير قد ثار على ما نص عليه القدماء من آل محمد مثل القاسم الرسي والهادي الى الحق بطريقة غير مباشرة ولكي تفهم هذا جيدا وتدركه ارى ان تعقد مقارنة بين منهج الهادي بن ابراهيم الوزير وبين منهج أخيه محمد وشتان ما بين المنهجين وفرق بين السيرتين .
فمن خلال مرويات الهادي ومن خلال قصيدة الهادي اقاويل غي في الزمان ....

ومن خلال التزام الهادي بمذهب العترة في فتاويه تجد أن الهادي كان راسخ المعتقد صادق المذهب واضح المعالم ... الخ.
بينما تجد أن محمدا كان جاهلا مذبذبا متخبطا وذلك بسبب تلك الروايات والتى تخالف كتاب الله بشكل أو بأخر وقد اعترف محمد بهذا فقال: ((ومِن ها هُنا نَسَبني كثيرٌ من الجهلَة إلى القولِ بالظّاهر ، لأني لمَّا استَصغَرتُ قَدري وأمسكتُ عن الكلام حيثُ لا أدري ، عِلماً مني أنِّي لستُ من الراسخين ، وأنّي بَعْدُ لم أرتَفِع عَن مرتَبَة المُتعلِّمين.(( العواصم والقواصم 8/ 268
ارجو ان تمعن النظر في كلامه خصوصا عبارة( حيث لا أدري وعبارة لست من الراسخين وأني بعد لم ...... )
بلى قد صدق فهذا ليس تواضعا منه بل هو عين التذبذب بين اقوال الرجال فمال من يمين الى شمال غفر الله وعفى عنه .
أخي الكريم الدين والاعتقاد والوصول الى معرفة الحق ليس أمرا لا يطاق بل هو امر سهل ويسير ولا يحتاج لمثل هذا التكلف والتعسف بسبب رواية هنا أو هناك .
لقد أكد بن الوزير في مجمل كتبه على ايمان العجائز وبهذه البساطة استطاع أن يشق الصف ويوجد حالة معينة داخل البيت الزيدي أنت تعرف ابعادها واخطرها وحتى ثمارها فابن الامير و المقبلي والشوكاني وغيرهم الكثير الكثير قد نخروا مذهب العترة نخرا واصابوه في مقتل لولا عناية الله.
وكم نعاني اليوم من هؤلاء الذين على ديدنهم وشاكلتهم وكل هذا من بركات مولانا محمد غفر الله له وعفى عنه .
ارى أن تعقد مقارنة بين سيرة الهادي وبين سيرة اخيه وستجد بونا شاسعا وفرقا واضحا واختم كلامي هذا بمطلع القصيدة المشهورة اقاويل .. لمولانا الهادي ابن ابراهيم الوزير اخو محمد
أَقاويلُ غَيٍّ في الزمانِ نَواجِمُ *** وأوهامُ جهلٍ بالضلالِ هَوَاجِمُ

ومُسترقٌ سمعاً لآلِ محمدٍ *** فأين كرامٌ بالنُّجومِ رَواجِمُ

ومُستوقِدٌ ناراً لحربِ علومِهِمْ *** فأين البحارُ الزَّاخراتُ الخضارِمُ

ومُعْتَرِضٌ فيهمْ بِمِخْرَاقٍ لاعبٍ *** فأين السيوفُ الباتراتُ الصوارِمُ

ومجتهدٌ في ذمِّ قومٍ أكارمٍ *** فأين الأُباةُ السابقونَ الأكارِمُ

ومنتهشٌ لحماً لهمْ وهو ثعلبٌ *** فأين الأسودُ الخادراتُ الضراغِمُ

حقا انه مخراق لاعبٍ .
اعرف انك ستقول انه لم يكن يعني اخاه محمدا ولكن من كان يعني ؟
لقد كان يعني التيار المتذبذب في عقيده الغافل عن الوصول الى حقائق الاموربسبب ضعفه ووهن همته تيار (إيمان العجائز )
السلام عليكم أخي الكريم
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

تعقيب

مشاركة بواسطة المتوكل »

بارك الله فيكم أخي وسيدي العزيز وأستاذي / الكاظم
بكتاباتكم دائماً متميزه ، وفيها الفائده العظيمه .

وكمداخله على الموضوع أقول :-

هل اطلعتم سيدي على قصيدة العلامه محمد بن إبراهيم الوزير ،، وجواب أخيه عليه ؟؟؟؟
فقد ذكر القصيدتين سيدي العلامه / مجدالدين المؤيدي ، في كتاب ( عيون المختار ) .

فإن كانتا القصيدتين لديكم ، فحبذا عرض كل قصيده والتعليق على ما قاله الحافظ العلامه محمد بن إبراهيم الوزير ،، ورد أخيه عليه العلامه الإمام الهادي بن إبراهيم الوزير .

وجزاكم الله كل خير
آخر تعديل بواسطة المتوكل في الثلاثاء أكتوبر 11, 2005 10:30 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
صورة

المفيد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 54
اشترك في: الأربعاء مايو 12, 2004 7:05 pm

مشاركة بواسطة المفيد »

بارك الله فيك اخى الكاظم
و لكن لابن الوزير رحمه الله كلام خلال عرضه لمسالة الرؤية دافع فيه بقوة عن عقيدة التجسيم ,و من يقرا ما كتبه قد يغلب على ظنه ان ابن الوزير كان مقتنعا بالفعل بان الله فى جهة و يكفى انه يقرر بوضوح ان القران لا ينفى ذلك ,و يقرر ان النبى -ص- فسر قوله تعالى "و السموات مطويات بيمينه " على الحقيقة ,و يعنى بذلك حديث الحبر و الاصابع الذى يستدل به المجسمة ..

لكن اعتقد انه هو نفسه قد اوضح ان غرضه من الكلام فى المسالة هو مجرد تنزيه اهل الحديث عن الكفر فهو يحاول توضيح عذرهم و شبهتهم ليس اكثر ,و الله اعلم

و ما يهمنى هو النقول التى نقلها ابن الوزير من كتاب الجامع الكافى و التى تنسب الى بعض ائمة العترة ما يوافق عقيدة اهل الحديث فى مسالة القدر و افعال العباد و مسالة خلق القران ,و كنت طالعت ان السيد المؤيدى يعتبر ذلك مدسوسا ,لكن كان الاخ محمد عزان فك الله اسره يؤكد انها ليست مدسوسة و ذكر ان لها توجيهات و ان للامام القاسم بن محمد رسالة فى ذلك .

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

السيد الفاضل .... محمد الغيل

نَعم سيّدي كانَ هُناك فرق شاسع بين الأخوين الهادي ومحمد رحمهما الله .

ولقَد تذبذبَ العلامة محمد بن إبراهيم الوزير ، عندمَا حاولَ يجمعَ بين فِكرِ أهل السنة والجماعة ( وغالب الظنّ أنه يَقصدُ به الأشاعرَة وإن كانَ يجمعُ في بعض المواضع غير الأشاعرَة تحت هذا المُسمّى ) ، وبين فِكر الزيدية .

وقصيدة الهادي بن إبراهيم التي أشرتُم إليها سيدي الكريم ، لا تخلو من إشاراتٍ واضحة إلى التيّار المُتأثّر بأهل السنة أو فلنقل بأهل الحديث بعموم .

وكذلك كتاب الفلك الدوار لصارم الدين ابن الوزير رحمه الله ، ما كانَ إلاّ نتاجَ هذا التيّار .

---

ويجبُ التنبه هُنا : أنّا لا نُدافع عن عقيدة ابن الوزير على أنّها هِيَ العقيدَة الصحيحة ، لأنّا نُخالفه وعلينا عليهِ مآخذُ عديدَة لم يكُن الإنصافُ حليفهُ فيها ، وقد تكلّم على بعضها إمامنا أبو الحسين المؤيدي (ع) في كتابه مجمع الفوائد ، فليُراجع . وإنّما نُدافعُ هُنا عن ماهيَ عقيدةَ ابن الوزير التي كانَ يدينُ الله بها ؟ هَل ما ذكَرنا سابقاً من خاصّة كُتُبه ! أو ما يذكرهُ البعضُ على لسان الشوكاني والأكوع والحربي ! ، إذا فبحثنا هذا لا يَعدو التّرجمة لمحمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى .

===================

السيد الفاضل .... المتوكل

نَعم اطلعنا على القصيدة الشهيرة بالدّالية ، بين الأخوين الهادي ومحمّد ، وسنُعقّب عليها عندَ الكلامَ على ابن الوزير والزيدية . بإذن الله تعالى .

===================

السيد الفاضل .... المفيد

نَعم سيدي الكريم ، هُوَ كمَا ذَكَرت :
لكن اعتقد انه هو نفسه قد أوضح ان غرضه من الكلام فى المسالة هو مجرد تنزيه اهل الحديث عن الكفر فهو يحاول توضيح عذرهم و شبهتهم ليس اكثر ,و الله اعلم
وهذا الفعل من ابن الوزير ، التعذّر الزائد لما رواهُ أهل الحديث من الأخبار الموهمة للتجسيم والجبر ، ما جعلَ بعض مُعاصريه يثورُ عليه ، وجعلَ البعض الكثير من أهل السنة القارئينَ لكُتبه يصفّونه في مصافّ أهل السنّة ، فكان التلبيسعلى القارئ من هُنا ، والله المُستعان .

ولكن انظُر أخي المُفيد ( والكلام للجميع ) وتأمّل مَليّا ، فيما سأوردهُ لكَ الآن ، وركّز على الشرح في الحاشيات ، فإن أيقنَ فِكرُك به ، ضمنتُ لكَ فهمَ ابن الوزير ، وفهمَ ما يَرمي إليه من مُجلّداته الضّخام ، ومِن إيرادته للأخبار الموهمَة للتجسيم والتشبيه والجبر ، فنقولُ قال ابن الوزير محمد بن إبراهيم رحمه الله ، عندما أرادَ الجواب على إشكالِ شيخه أن المُكيَّفَ لا بُدّ أن يُجسّم ، وهو في باب الرؤية بعموم ، فقدّم مُقدّمة مُهمّة نبّهَ فيها على قضايا عِدّة ، ....

====================

بسم الله الرحمن الرحيم

نماذج تستطيع من خلالها معرفَة منهج ابن الوزير في إسهاباته ، ومُتشَابَهِ كلامِه :

النموذَج الأول :

انظُر أخي الباحث وتأمّل مَليّا ، فيما سنوردهُ هُنا ، وركّز على الشرح في الحواشي ، فإن أيقنَ فِكرُك به ، ضمنتُ لكَ فهمَ ابن الوزير ، وفهمَ ما يَرمي إليه من مُجلّداته الضّخام ، ومِن إيرادته للأخبار الموهمَة للتجسيم والتشبيه والجبر ، فنقولُ قال ابن الوزير محمد بن إبراهيم رحمه الله ، عندما أرادَ الجواب على إشكالِ شيخه أن المُكيَّفَ لا بُدّ أن يُجسّم ، وهو في باب الرؤية بعموم ، فقدّم مُقدّمة مُهمّة نبّهَ فيها على قضايا عِدّة ، فقال ما نصّه :

(( واعلَم أنّي مُقَدّمٌ هاهُنا مُقدِّمةً مُفيدَة قبل الخوضِ في بيان المُراد مِن هذا الإشكال، وذلكَ أنّي لا أَرُدُّ عليهِ إنكارَ التشبيه على المُشبّهَة فإنّي مُوافِقٌ في التنزيه ، وقائلٌ ببطلانِ التشبيه(1) ، وإنْ كُنتُ لا أتعرّضُ لبيان المُختارِ عِندي في دقائقِ الكلامِ الذي أحكيه(2) ، وإّنما غَرضي في هذا : القيامُ بِما يَجبُ مِنَ الذَّبِ عن السُنَنْ(3) ومذاهِبِ العترَة عليهم السلام(4) ، فإنَّ المُعترِض قد ادَّعى القَطعْ بأنَّ في كُتب الحديث المُسمّاة بالصحاح أكاذيب معلومة متعمدة ، وادّعى على كثيرٍ مِن رُواتها تَعمّدَ الكَذِب ، وحاولَ بذلكَ تقبيح الرجوع إليها(5) ، وقد بيّنتُ فيما سلفَ إجماعَ الأمّة على الرجوع إليها ، والنّقل منها ، وأنّ ذلكَ مشهورٌ في كُتُب الزيدية ، وأنّ المُعترِض هُو بنفسِه لَم يسلَم مِن ذلك ، حيثُ نقلَ عنها في تفسيرِه ، وقَدْ بيّنتُ نصوصَ العِترَة في كُتُبِهِم على أنّهُم مِن أهل التأويل(6) ، وذَكَرتُ دعوى الإجماع على قَبولِهِم(7) مِن عشر طُرُق ، وأنَّ ذلكَ هُو المذكور في كتاب اللّمُع في كتاب الشهادات منه كما مَضى بحروفه في أوّل المجلّد الأول ، وحينَ تقرّرَ ذلك ، فإنما أُورِدُ هَاهُنا أدِِلَّتَهُم(8) في مَذهَبِهِم ، لِيَعْلَمَ المُنصف صِدقَ أهل البيت عليهم السلام في قولِهِم : إنّهم(9) مِنْ أهلِ التأويل(10) ، وحُسنَ نظرِهِم وتحرّيهم(11) في قَبُول أخبارِهِم(12) مَع المُخالَفة(13) ، وخَشيتُ إنْ لَم أذْكُر أَدِلَّتَهُم(14) في ذلكَ أنْ يَظُنَّ الجاهلُ من أهل بلَدِنا وعصرِنا ، أنَّ المُعترِضَ هُو الصّادِقُ لِكِبَرِ مَحَلِّه في النُفوس ، فَمَن ظنَّ بي غيرَ ذَلِك(15) ، أو نقلَ عنّي سِواه بَعدَ هذا البيان(16) ، كانَ مِن المُتعدين المُتعمّدين ، والله المُستعان ) .

انظر العواصم والقواصم 5/17

(1) وفي هذا تأمّل كيفَ أنَّ ابن الوزير يُنكرُ التشبيه ويُؤمن بالتنزيه ، على مقتضى أهل البيت لا على مُقضتى أهل السنة ، ودليلُ ذلكَ أنّه أنكرَ على اهل السنة الأخذ بالظاهر ولَم يؤمن به ، فكانَ المقصود أنّه منزهٌ على طريقة أهل البيت ، وهُوَ موافقٌ لشيخِه في هذا ، ويؤيدُ هذا ، تلميحهُ في آخر الرسالَة عندما قالَ : ( فمن ظنّ بي غيرّ ذلك ، أو نقلَ عني سواهُ بعدَ هذا البيان ، كانَ من المُتعدّين المُتعمّدين ، والله الستعان ) ، وذلكَ أنّ ابن الوزير قد رَماهُ أهلُ عصرِه بالقول بإثبات الصفات الموهِمة للتشبيه ومخالفة أهل البيت عليهم السلام من الزيدية ، عندما رأوهُ يُدافعُ عن أئمة أهل السنة والجماعة من المحدثين .

(2) وفي هذا يجب على القارئ ألاّ يتسرّع بإصدار حُكمه على ابن الوزير من خلال اعتراضاته ومدافعته عن أهل السنة المحدثين ، وذلكَ لانّ ابن الوزير رحمه الله صرّح بأنه لم يحكِ في هذا الموضع المختار عندَه ، فوجبَ حملُ كلامِه رحمه الله من باب الدفاع والمحاماة لا من باب الإقرار والمُتابَعة ، كما سبقَ وأن ذكرنا . ويدلُ عليه كلامه التالي وإنّما غرضي ... .

(3) ابن الوزير يرى أن الذب عن أهل الحديث هُو الذب عن سنن وأحاديث الرسول صلوات الله عليه وآله .

(4) ابن الوزير يرى أنّ الذب عن مذاهب العترة عليهم السلام ، هو الإقرار باعتماد روايات أهل الحديث الصحيحة الموافقة للعقل والنقل ، ونسبهِم ( نَسْب أهل الحديث ) إلى أهل التأويل المقبولة روايتهم .

(5) ومن هذا المُنطلق ينطلق ابن الوزير لإثبات عدم صحة ما نسبه السيد جمال الدين من تعمد الرواة إلى الكذب وتقبيح الأخذ مما رووهُ ونَقلوه . بحيث يذكر الأدلة على أنّ أهل البيت يروون عنهم ويعتمدون مروياتهم الصحيحة .

(6) انظُر ابن الوزير ، يقرّ ويُثبت أن العترة عليهم السلام ، يُسمُونَ أهل الحديث : أهل التأويل ، ويروونَ عنهُم . وقد صرّح بهذا في غير مقام من كتابه .

(7) قبول رواية أهل التأويل من المحدثين .

(8) أدلّة أهل السنة . وهُنا تنبّه أنّه بإيراده لأدلّة أهل السنّة إنّما يُريد إثبات أنّهُم من أهل التأويل . والبعض الكثير يتوهم المتابعة لمجرد الإيراد كمَا توهّم الأكوع .

(9) أي أهل السنة .

(10) انظر تأكيد ابن الوزير على أن أهل الحديث هُم أهل التأويل عند أهل البيت عليهم السلام الذي هُو كمَا صرّحَ في غيرِ مَقام أنّهُ مُتابعُ لهُم .

(11) أي حُسن نظر وتحري أهل البيت عليهم السلام ، وهذا تلميحٌ من ابن الوزير بمتابعَته لأهل البيت في سلوكهم هذا مع أهل الحديث ، وأنّهم مِن أهل التأويل.

(12) أي في قبول أخبارالمُحدّثين من أهل السنة ، الصحيحة .

(13) تأمل جيداً ، ابن الوزير يُثبت أنّ منهج أهل البيت عليهم السلام القُدماء والمتأخرين هُو قبول روايات أهل التأويل من أهل السنة معَ المخالَفَة في المذهب ، وهنا يجب أن تتنبه أخي الباحث لكلمة ابن الوزير مع المُخَالَفَة ، إذ فيها إثباتٌ لمُخَالَفَة مَذهَب أهل البيت الذي هُو مذهب ابن الوزير ( كما يقول ) لمَذهَب أهل التأويل أي أهل السنة ، وبأسلوب آخر : ابن الوزير ينفي أن يكونَ مَذهب أهل البيت (ع) وعقيدتهُم ، هيَ عقيدة أهل السنة والجماعة من المحدثين ، والدليل مسألة الصفات والإرادة والأفعال المتقدّمة ، ومُخالفة ابن الوزير فيها لأهل السنة والجماعة جُملةً وتفصيلاً .

(14) خشي ابن الوزير إن هُو لم يذكر أدلة أهل السنة على نفي التجسيم ( لأن الكلام في هذا الموضع عن التجسيم والأجسام ) ، وهُنا يُريدُ ابن الوزير أن يُسقِطَ قول شيخهِ في أنَّ أهل السنة مجسمة من أهل التصريح لا تُعتَمَد رواياتهم ، بأن يُدافِعَ عنهُم بأنهم ليسو مجسمة وإن اثبتوا الصفات على الحقيقة ، وليسوا من أهل التصريح بل من أهل التأويل ، وليسوا مردودي الرواية بل مقبولين ، وهُنا يبدأ التعذّر من ابن الوزير لهُم ، بِما قَد يُساءُ فهمُ مَقصدهِ بسببه ، نعم! خافَ ابن الوزير إن هُو لم يفعل هذا أن يظن الناس أن قولَ شيخه في رد رواياتهم هو الصحيح . ولكن انظر كيفَ فَطِنَ ابن الوزير بانَّ هُناك مَن سيتوهّم مُدافعته عن أهل السنة المحدثين بمعنى مُتابعته لمذهبهِم !! فقالَ : ( فمن ظنّ بي غيرَ ذلكَ .... الخ )

(15) أي غيرَ غرضِ المدافعة عن روايات أهل السنة الصحيحة وقبولها .

(16) والوزير ينبه على أن بيانه هذا بمثابَة المُحكَم الذي يَجب أن يُرد جميع المتشابهات في العواصم إليه . وفي كلامه إشارَة إلى التنبيه على أولئكَ الذين فهموا من كلامه انه من أهل السنة والجماعة الظاهرية تابعٌ لمذهبِهم، والله المُستعان .

النموذَج الثاني :

ذكرَ ابن الوزير رحمه الله ، بعدَ أن ذكرَ أقوال أهل السنة والجماعة في إثبات الرؤية ، على لسان ابن القيم الجوزية ، أنَّ المَقصود بنقله لأقوالِ هذه الطّائفَة هُوَ إثبات أنّهُم مِن أهل التأويل ، والبعضُ للأسف يتوهّم المُتابعَة والتصحيح والله المُستعان ، فقال رحمه الله ما نصّه :

(( انتهى كلامُ هذه الطائفة منقولاً بحروفه من كتاب الشيّخ ابن قيّم الجوزية ، والمقصودُ بنقلِه على طولِه ، بيانُ أنّهُم من أهل التأويلِ والتّديّن ، وقبولِ أخبارِ ثقاتِهِم ، كمَا هُو مذهبُ أهل البيت والمنصوصُ في كُتُبِهِم المشهورة ، حتّى نَجَمَت هذه البدعَةُ البديعَة ، والعصبيّة الشنيعة ، في القولِ بأنَّهُم مُكَذِّبونَ للهِ ورسُولِه على سبيلِ التعمّد وقصدِ إضلال الخلقِ عمَّا يعلمونهُ من الحق )).

انظر العواصم والقواصم 5/208

النموذَج الثالث :

هُنا يُصرّح ابن الوزير عن سبب مدافعته عن أهل السنة فيما اتُهِموا به من القول بالجبر ، بعدَ أن تعذّر لهُم وحملَهم المحامِل الحسنَة في قضية خلق الأفعال وإرادة المعاصي، وبإثباته هذا – عدم القول منهم بالجبر المحض - فإنه ينتصر على من قال بأنّهم من أهل التصريح ، ويُعيدُهم في سلك أهل التأويل على مقتضى أهل البيت عليهم السلام كما سبقَ وأن ذكرَ ابن الوزير ، وممّا ينبغي التنبيه عليه أنّ البعض يجد ابن الوزير يتعذّر للقوم من أهل السنّة فيظنّه يُصحّحُ عقيدتهُم!، فقالَ رحمه الله تعالى ما نصّه : ( وما قَصدتُ بجميعِ ما ذكرتُهُ إلاَّ نصيحَة المسلمين ، وبراءة أئمة السُنّة من نفي الاختيار ، ثمَّ اختِمُ الكلام في هذه المسألة العُظمى بما يُؤيّد ما ذكرتُهُ من براءتِهِم عن نفي الاختيار ) .

انظر العواصم والقواصم 7/127

النموذَج الرابع :

وهُنا يُصرّح ابن الوزير أنّ من أهدافه ، هُو تصحيحُ الأفكار المغلوطة التي فهمها الناس عن أهل السنة في مسألة الأفعال ، عندما قالوا بأنّها مخلوقة ، وأنّه يُريدُ توضيحَها ، ولعلّ البَعض عندما يجد ابن الوزير يستكثر في النقل لتوضيح غلط وسوء فهم الناس عن عقيدة أهل السنّة ، يظنّ أنّه معهُم قائلٌ بخلق أفعال العباد ، والحقّ أنّا قد بيّنا سابقاً أنّهُ غيرُ مُؤمنٍ بِها ، وأنّه لا يجدُ لها أصلاُ في كتاب الله ولا سنة نبيه (ص) ، فقال رحمه الله :

( فأحبَبتُ أن استكثرَ النقل منه ، ليتَوضّحَ لَهُم غَلَطُهُم على أهل السنة في النقل ) .

انظر العواصم والقواصم 7/129

النموذَج الخامس :

وهُنا يُدافع ابن الوزير عن الأشاعرة في الكسب ، لعدم اهتمام المعتزلة بتحقيقة على مراد أهلِه ، فمنَ قرأ كلامه عليه السلام حسِبَهُ يميلُ إلى الكسب ! ، فقال ما لفظُه :

( وقد رأيتُ أن أورِدَ كلامَ الأشعرية بنصّهِ لِعَدَم التفاتِ المعتزلة إلى تحقيقهِ فيما رأيتُ من مشهورِ مُصنّفاتِهِم .... وقَد غَلِطَ بعضُ مُتكلّمي المعتزلة عليهِم في مواضع ) .

انظر العواصم والقواصم 7/57 إلى 68

* ثمَّ بعدَ أن ذكرَ عقيدة أهل الكَسب يُنبّه القارئ ، بأنّه مع مدافعته عن الكسب وانتصاره لأهلِه والقائلين به ، فإنّه لا يعتقدهُ!! ، وكتاب العواصم في نظري كله أو ثلاثة أرباعه على هذا المنوال ، فإنه يُوهِم المتابَعة ، وهُو ليسَ مُتابِعاً في الأصل ، وقد حصلَ هذا أيضاً فيما نرَى مع مسألة الرؤية ، فقال رحمه الله ما نصه :

( ولولاَ أنَّ القصْدَ بذكرِه أن يكونَ وسيلةً إلى تركِ التكفير لِمَن غَلِطَ في هذه الدّقائق التي لا تُعلَم ضرورةً من الدّين ، فإنّي ما قَصْدتُ إلاَّ هذا ، ولَم أقصِد تصحيحَ القولِ بالكَسبْ دَعْ عَنكَ الجبْر ) .

انظر العواصم والقواصم 7/72

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

====================

نعم ! سيدي المفيد ، ذكرتم :
و ما يهمنى هو النقول التى نقلها ابن الوزير من كتاب الجامع الكافى و التى تنسب الى بعض ائمة العترة ما يوافق عقيدة اهل الحديث فى مسالة القدر و افعال العباد و مسالة خلق القران ,و كنت طالعت ان السيد المؤيدى يعتبر ذلك مدسوسا ,لكن كان الاخ محمد عزان فك الله اسره يؤكد انها ليست مدسوسة و ذكر ان لها توجيهات و ان للامام القاسم بن محمد رسالة فى ذلك .
بالنسبَة للأخبار التي نقلها ابن الوزير رحمه الله عن أئمة العترة (ع) ، فبعضُها شكّكَ فيه ابن الوزير نفسه !! ، فانظُر مثلاً الخبر المروي عن الإمام أحمد بن عيسى (ع) عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، والذي فيها أنّ أفعال العباد " من الله خَلق ، ومِنَ الإنسان فِعل " !! ، وهَذا صريحُ قولِ أهل السنّة في كُتبهم العقدية ، بَل بنفس المُطابقَة في اللّفظ !! ، وهُنا يجبُ أن تَعمَلَ العقول ، فرائحة الدسّ تفوح ، أضف إلى ذلك أنّ أهل السنّة لَم يرووا عن عليٍّ (ع) أو عَن غيره من الصحابة قريباً مِن هذا الخَبَر الصريح بخلق الأفعال ، ناهيكَ عن أن يكونوا قد رَوَوا خبراً مثلَه ، وفي هذا نجدُ أنّ حتّى ابن الوزير نفسَه ، يستغربُ ويمتعظُ مِن هذا الخَبر ، ولا يَجِدُ لهُ أصلاً ، فقال رحمه الله : (( قُلتُ : رواهُ مُنقطعاً بغيرِ إسناد ولَو صحَّ مثلُ هذا عن عليٍ عليه السلام ، أو عن غيرِه من الصّحابَة ، ما غفلَ عن تدوينهِ أهل الحديث قاطِبَة )) . انظر إيثار الحق على الخلق ص 319 ، وهُنا يجب أن يتنبّه الباحث أنّ ابن الوزير رحمه الله وإن ساقَ رواياتٌ مذكورة في كتب أهل البيت (ع) فإنّه ليسَ بالشّرط أن تكونَ صحيحَة ، وأنه ليسَ شرطاً أن يكون ابن الوزير يسردها لأنّهُ قائلٌ بها ، وهذا النقلُ عن أحمد بن عيسى خيرُ دليل ، وعليه فقس ما جاء في الرؤية .

أمّا مَسألة خلق القرآن وما جاء فيها من روايات، فإنّ نفسي قد انقبَضَت منها ، عندما وَجدتُ روايةً على لسانِ عبدالله بن موسى الجون بن عبدالله المحض (ع) يُكفّر فيها القائلين بخلق القرآن !! ، ثمَّ وَجدتُ روايةً تُفيدُ أنَّ دُعاةَ عبدالله بن موسى كانوا يقولون بخلق القرآن !! ، الذينَ هُم عندَهُ كُفّار !! ، ثمّ وَجدتُ روايةً تدلُّ على أنَّ القاسم الرسي (ع) كان يقولُ بخلق القرآن ، ومعَ ذلكَ كان عبدالله بن موسى الجون المُكفِّرُ لمن يقولُ بهذا القول ، رابعُ أربعةٍ بايعوا القاسم الرسي بالإمامة ( وناهيكَ بجلالة قَدرِها عند أهل البيت (ع) ) ، وذلك في منزل محمد بن منصور المرادي رحمه الله ، ناهيكَ عَن بشاعَة لفظة التكفير وكيفَ تكونُ قَد صدرَت من زاهدِ الآل في زمَانه ، كُلَّ هذا خلقَ علامات استفام واستفهامات أمام هذه الرّوايات ، يجبُ ألاّ يَغفلَ عنها الباحث المُنصفُ معَ نفسه ، وقَد أخبرَنا السيد عبدالله بن حمود العزي حفظه الله وهُو القائم الآن على تحقيق هذا الكتاب ومُراجعته وإعداده للطبع ، أنّه أيضاً قَد وجدَ نُصوصاً مُتناقضَة فيمَا بينَها ! دَع عنك أنّها تُخالفُ أهل البيت ، الرواية الستّون تُخالف الرواية المائة ، والمائة تنقضُ المائة والعشرون !! وكُلّها مع تناقضها على غير ثابت الزيدية !! والحقّ أنّا ما عَهِدنا هذا في كُتُبنا ، ولا نقولُ أنّه لا يوجَد ، ولكن هُناك أقوالٌ تقبلُ التأويل وفحواها لا يُغيّر الثابت بالكُليّة ، وغالباً لا يخلو مَشربٌ من وجودِ أمثالها، وفي المُقابل هُناكَ أقوالٌ لا تَقبلُ التأويل وفحواها يقلب الموازين والثوابت بالكليّة ، وهذا هُوَ الغريبُ على البيئة الكتابيّة الزيدية .

نعم ! وبخصوص ما ذكره العلامة محمد عزان فك الله أسره ، وأسر العلامة يحيى الديلمي والعلامة مفتاح ومن تضمنته السجون اليمنية من أمثالهم ، ما ذكرَه مِن توجيهات على لسان القاسم بن محمد (ع) ، فإنّه لا يجبُ الاستغناء عنها عندَ البحث ، وإن كُنّا نوقن - تخميناً - أنّ للتأويل نصيبُ الأسد من هذه التوجيهات ، وقد سبقَ وأن أشرنا في الكلام على الرؤية أنّ مُعظم الأخبار التي تفيد التشبيه والتجسيم والمكانية والجبر ، مع التأويل قَد تستقيم ، ولا أدلُّ عليه إلاّ تأويلات ابن الوزير رحمه الله لأحاديث الإتيان في حق الله والسّاق ، فقد أوّلها تأويلاً عدلياً بَحتاً ولَم ينفِ هذه الأحاديث ، ولَم يَنسِبها إلى الإسرائيليات ، ارجع إلى مَبحث الأسماء والصفات والتأويل لتجدها ، وكذلكَ فإنّ ابن الوزير نَفى صحّة خبر خلق الأفعال عن أحمد بن عيسى ، وكذلكَ مولانا أبو الحسين مجدالدين المؤيدي ، ومعَ ذلك تأوّله العلامة محمد بن علي العجري رحمه الله في كتابه مفتاح السعادة تأويلاً عدلياً بحتاً ، وعُموماً ستتضّح الرؤية أكثر وأكثر عندَ خروج هذا الكتاب وطِباعته .

هذا ما تيسّر والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“