مقالات مشبوهة يجب التصدي لها(نشر في الوسط للدكتور محمد ناصر

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
شرف الدين المنصور
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 221
اشترك في: السبت ديسمبر 08, 2007 1:51 pm
مكان: صنعاء

مقالات مشبوهة يجب التصدي لها(نشر في الوسط للدكتور محمد ناصر

مشاركة بواسطة شرف الدين المنصور »

يفترض في الفعل السياسي أن يمثل قمة الحسابات العقلانية وأن لا يسيء استغلال الديماغوجيا والأيدولوجيا، ولكن هل مثل هذه الوضعية المفترضة تمثل واقعا في مجتمعنا اليمني؟ للإجابة على هذا السؤال دعونا ننظر في الآتي:

في عام 1994م تصور النظام بأنه قد حسم الصراع على السلطة لصالحه بشكل لا رجعة فيه وبالتالي تمكن من اجتياز أزمة الشراكة إلى وضعية الاحتكار المطلق للسلطة، ولكن في الواقع لم يكن ذلك الحسم البادي سوى ترحيل للأزمة لأن النار ظلت تضطرم تحت الرماد، وزاد من اضطرامها سياسة النظام غير العقلانية في مرحلة ما بعد الحرب التي بدلا من اعتمادها حلولا جذرية للآثار والنتائج الكارثية للأزمة والحرب، عمدت بدلا من ذلك إلى انتهاج سياسة قوامها النهب والسطو والسلب والتهميش، بهدف إرضاء زمرة من المنتفعين من أدوات النظام على حساب السواد الأعظم من الناس، لقد انتصر النظام على نفسه دون وعي منه عندما أخذ يحتفل بنصره على شريك الوحدة غير مدرك أنه لم يواجه في حربه تلك سوى نخبة معزولة عن سياقها الاجتماعي بفعل ماضيها الدموي في الجنوب، ولو كانت تلك النخبة مسنودة ومؤازرة اجتماعيا وجماهيريا لأعقب الحسم العسكري حراك سياسي يحول بين النظام وبين سلوك سياسة رعناء تتجاهل الجموع وتراهن على ثلة من المنتفعين، وعقب ما يزيد على عقد من الزمان من تلك الحرب المجنونة، بدا الحراك الاجتماعي في المحافظات الجنوبية عطفا على هزيمة المؤسسة العسكرية التي تعد ركيزة النظام في صعدة وركوع النظام أمام الحوثية، وهذه المرة لم يعد الصراع محصوراً بين النظام وبين نخبة سياسية معزولة كما كان الحال عام 1994م، وإنما بات الصراع أساسا بين النظام وبين حركة شعبية جذرية يصعب حصرها والسيطرة عليها الأمر الذي يتطلب من النظام اختلاق طرق المعالجة، ولكن من الواضع أن النظام لم يدرك هذا التغير الجوهري والحاسم في معادلة الصراع والتي تحتم تغيراً جوهرياً وحاسماً في وسائل وادوات وسياسة المعالجة، بل اعتمد في تعاطيه مع الأزمة الراهنة على نفس أدواته وسياسته القديمة التي يبدو أنه لا يجيد ولا يدرك سواها والتي قوامها الجزرة والعصا، فقام بشراء ذمم البعض، وزج بالبعض في السجون ليحولهم من نعاج لا تكاد تعي وتدرك وجودها إلى نمور وأسود كاسرة وشخصيات أسطورية، ورغم أنه أدرك متأخرا أنه قد أجرم بحق نفسه وأنه قد صنع من النعجة وحشا كاسرا فقام بإطلاق سراحهم ليقوموا بارتكاب سلسلة من الحماقات والهفوات التي هوت بهم إلى الحضيض، إلا أنه توقف عند هذا الحد في الوقت الذي كان يتطلب منه المزيد من الخطوات العقلانية.

وقد ينجح النظام في إدارة الأزمة والسيطرة عليها، ولكن الإدارة والسيطرة لا تعني الحل وليس هي الحل، وإنما تعني الترحيل، لأن الحل لا بد أن يستهدف جذر المشكل، وجذر المشكل هو سياسي أولا وحقوقي ثانيا وتنموي ثالثا، وما لم تعالج هذه الأسس الثلاثة للمشكل فلا شيء يدفعنا إلى القول بوجود إمكانية للحل، وإنما هناك عملية ترحيل للمشكلة وعملية تعميق لها في نفس الوقت الذي سيكون انفجارها القادم مدمرا لكل من النظام والوحدة الوطنية والعناصر التي تاجرت بالأزمة الراهنة وأثرت على حساب البؤساء من الناس، فهؤلاء سيكونون أهدافا محتملة وضحايا للانفجار القادم، إن التاريخ لا يكرر نفسه فسلبية الجماهير عام 1994م تحولت إلى حراك ديماغوجي مسيطر عليه وموظف لمصلحة قلة من المنتفعين عام 2007م وسيتحول في غضون سنوات قليلة إلى حراك أيديولوجي مناطقي أعمى فالت الزمام، يضرب كلاً من النظام والدولة والمجتمع ويحول الوحدة الوطنية إلى أشلاء.

إن سياسة النظام العمياء وغير العقلانية التي تعالج آثار وأعراض المشكل وتبقى على جذوة المشكل نفسه لها نتائج وخيمة وتداعيات يصعب ويستحيل السيطرة عليها في قادمات الأيام، إن رهان النظام على عدم ملاءمة الظرف الدولي والإقليمي للدفع بالمحافظات الجنوبية نحو الانفصال ورهانه على حاجة الولايات المتحدة إليه كونه ممسكاً بزمام الورقة الأمنية المتمثلة في إدارته وسيطرته على عناصر العنف الديني المناهضة لسياسة واشنطن في المنطقة رهان صحيح، ولكنه رهان تكتيكي يبقي النظام ويبقي الوطن ككل في دائرة الخطر وفي منطقة الاستهداف، وليس رهانا استراتيجيا يخرج النظام من تلك الدائرة ويقطع الطريق على خصومه في ابتزازه واستهدافه، فمن يضمن للنظام بقاء المعادلة الدولية والإقليمية في وضعيتها الراهنة، سيما في ظل الأزمة المحتدمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج من جهة وإيران من جهة أخرى، وفي ظل تحسن الوضع الأمني في العراق وميله نحو الاستقرار لمصلحة الترتيبات الأمريكية في ذلك البلد، إن السياسة العقلانية التي تحتم على النظام انتهاجها هي ضرورة استباق أي أحداث محتملة قد تؤدي إلى تغير تلك المعادلة، ولن يكون هذا الاستباق إلا بالمبادرة إلى حل المشكلة في المحافظات الجنوبية واقتلاعها من جذورها بمعالجة أسبابها بدلا من التعامل مع أعراضها، فهذا الاقتلاع وحده هو ما سيقطع الطريق على كل من الآتي:

1- رموز القروية والمناطقية المؤدلجين الذين يتحينون الفرص للدفع بحق تقرير المصير إلى نهايته، وتكوين دويلة أو إمارة في الجنوب بدافع من طموحات شخصية صرفة.

2- القوى الإقليمية الناقمة على الولايات المتحدة والتي ستعمد إلى تأسيس مشاريع لها في اليمن في حالة اضطراب الوضع التي تتراوح بين مشاريع مذهبية وتقسيمية وإدارة راديكالية، وتحلم باليوم الذي تستطيع فيه تحويل اليمن إلى ساحة مفتوحة وحلبة للتجنيد والتدريب للمنظمات والعناصر التي تريد استخدامها لتصفية حساباتها مع الولايات المتحدة.

3- الولايات المتحدة التي قد تجعل من الوضع في المحافظات الجنوبية ورقة لابتزاز النظام وإخضاعه لإملاءات جديدة، قد تؤدي في حالة استجابة النظام لها إلى تفجير الجبهة الداخلية ومن ثم تفجير النظام وتفجير الوحدة الوطنية برمتها.

إنه لا يمكن تلافي حدوث مثل هذه التداعيات إلا باستباقها، ولا يمكن استباقها إلا بحل جذري للمشكلة، ولا يمكن حصول هذا الحل إلا بالآتي:

1- عودة كافة المسرحين المدنيين والعسكريين إلى مواقعهم ومنحهم كافة حقوقهم غير منقوصة.

2- انتزاع الأراضي والمنازل المنهوبة من أيدي أولئك اللصوص وإعادتها إلى أصحابها وإلى من يستحقونها من الأسر الفقيرة والمعدمة.

3- إجراء إصلاح سياسي شامل يرتكز على ضرب قوى وعناصر الفساد وعلى إيجاد مشاركة سياسية حقيقية تستوعب كل أبناء الوطن بعيدا عن اعتبارات الأسرة والعشيرة والقبيلة، وتفتح الباب للشروع في عملية التنمية التي يمكن أن تنهض بهذا المجتمع وتعبر به من مربع المماحكات الضيقة إلى فضاء الرفاه والاستقرار. وأخيرا لا أتوقع سلوكا عقلانيا من النظام بدليل أنه في الوقت الذي بدأت علاقته بالولايات المتحدة بالاهتزاز عمد إلى تشديد هجومه على اللقاء المشترك الذي رأى أنه قد حقق اختراقا في المحافظات الجنوبية على حساب العناصر القروية والمناطقية والأرجح أن النظام سيسلك سلوك الأحمق الذي يهاجم كل ما يبدو له أنه يشكل خطرا عليه دون حسابات ودون معرفة بما يكمن وراء ذلك الخطر والذي قد يكون أشد خطرا، ومن هنا أتوقع أن يستهدف النظام ويهاجم مستقبلا كل من يتمكن من السيطرة على أوراق اللعبة في المحافظات الجنوبية، وهي سياسة عمياء تفتح باب الجبهة الداخلية على مصراعيها لأدوار ومشاريع إقليمية ودولية غاية في الخطورة على النظام وعلى كيان الوحدة الوطنية التي لا يدرك النظام ولا يعي أن بقاءه واستمراره مرهون ببقائها واستمرارها، وأن الأجدر به من الآن إعادة اللحمة إليها والعمل على صيانة تماسكها طالما أن بقاءه يكمن في سر هذا التماسك.
واعتصموا بحبل الله جميعاً

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“