بسم الله الرحمن الرحيم
الوجه الآخر للإثني عشرية في اليمن
راسلني أحد الأعضاء الموثوقين في هذه المجالس المباركة وأكد لي أنه وفي الخامس من شهر رمضان المعظم سنة 1428هـ تعرض الأخ م.ح.ز أحد شباب الزيدية لتهديد "بالتصفية" من جهة المدعو ح.ي.ش أحد كوادر الدعوة الاثني عشرية في اليمن ، حيث علل ح.ي.ش سبب التهديد بما يقوم به الأخ م.ح.ز من "وغوشة" على الأنشطة الدعوية المذهبية للإثني عشرية في أوساط الزيدية ناصحا إياه أن يناقش رؤوس الإثني عشرية في اليمن بدلا من أن "يوغوش" على المستهدفين من شباب الزيدية الذين وصفهم "بالصغار".
ورغم ما يختزنه هذا التهديد وهذه العقلية الضيقة المستكبرة من صلف ووقاحة وعدوان وإساءة للزيدية وتجاهل لمواقفها المنصفة تجاه رموز المقاومة الإسلامية إلا أنه في نفس الوقت يتضمن إدانة ذاتية للطريقة التي اعتمدت عليها الحركة الاثني عشرية في توسعها على حساب الزيدية في اليمن وذلك لعدة اعتبارات :
1- النصيحة بمناقشة رؤوس الاثني عشرية بدلا من "الوغوشة" على الصغار هي عكس ما مارسه رؤوس الاثني عشرية وكوادرها في اليمن الذين استغلوا بساطة العوام وتمددوا على حساب قلة خبرتهم وقلة معارفهم بل إن بعضهم أعلن ذلك كاستراتيجية له حين الاستنكار عليه !!
2- إن كنتَ زيديا وعرفت بأن الحركة الاثني عشرية تستهدف شخصا ما من شباب الزيدية فمن الممنوع عليك أن تحاور أو أن تضع الإشكالات على الفكر الاثني عشري وعليك فقط أن تستسلم لإرادة الاثني عشرية وإلا فإنك تقوم بعمل "وغوشة" غير مشروع وتعرض نفسك لخطر "التصفية" !!
3- رغم أن الاثني عشرية لم تكن موجودة قبل عقد من الزمان في اليمن وعدد كوادرها اليوم لا يتجاوز مئة شخص – على الأكثر - إلا أن من المفروض أن تكون استراتيجية "البلطجة" هذه أداة ناجعة لقمع أي زيدي يفكر في النقاش أو يطالب الاثني عشريين بالتوضيحات الفكرية ويبدو أن هذه هي الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن ينتشر بها الفكر الاثني عشري في اليمن لتكميل أسلوب اسغلال العوام ،، وقد تعطينا هذه الاستراتيجية "البلطجية" فكرة عن المستقبل الواعد الذي تبشر به الاثنا عشرية لو انتشرت في اليمن والجو الذي سننعم في ظله بالحرية والحوار حينها !!
4- إن كنت زيديا متعاطفا مع حزب الله والتجربة المباركة للثورة الإسلامية في إيران كما علمناه عن ظاهر الأخ م.ح.ز فذلك لا يعصمك من التعرض للتهديد بالتصفية من كوادر الاثني عشرية ،، فالمعيار ليس التعاطف مع مشروع المقاومة الإسلامية بل هو الرضوخ المذهبي التام لإرادة الفاتحين باسم شيراز والحوزة ، وطالما كنت "مقاوما" للطغيان المذهبي الاثني عشري فليست لك حرمة حتى لو كانت مواقفك إيجابية من المقاومة ومن الجمهورية الإسلامية ،، فالهم الأول لهذه الكوادر ليس توحيد الصف الإسلامي خلف المقاومة بل هو نشر المذهب الاثني عشري حتى لو أضر ذلك بالمقاومة ، والمعيار الأول لتصنيف الناس ليس الموقف الإيجابي من المقاومة بل هو الرضوخ للمخططات المذهبية للاثني عشريين ( والتي ينفيها السيد حسن نصر الله دائما ويدينها ) والاستراتيجية المعمول بها والمخطط لها هي احضار الروح المذهبية بين الزيدية و الاثني عشرية في اليمن بشحنائها وبغضائها ولن يصبح الزيديون بمأمن من بطشات الاثني عشرية في اليمن – على قلتهم - مهما كانت لهم من مواقف إيجابية من حزب الله وإيران بل لا بد أن يستسلموا لإرادة الاثني عشرية ورجالها - رجال العصر- .
5- بعكس الوهابية رغم أن الزيدية لا تستبيح دماء الاثني عشرية بل إنها قد تعاطفت مع ثورة الإمام الخميني ومع مقاومة السيد نصر الله ودفعت ثمن ذلك غاليا بالحبس والتشريد والقتل والاتهام إلا أن كل ذلك لا يعني أن أبناءها محصنون من التهديد بالتصفية إذا وقف أحد منهم في مواجهة المشروع المذهبي الخفي للاثني عشرية ،، فإذا كان هذا هو جزاء الزيدية رغم كل الإشارات الإيجابية التي قدمتها للاثني عشريين فكيف سيكون جزاء الوهابية والسنية وكل من استباح دماءهم إذا ما تسلط الاثنا عشريون على رقاب المسلمين يوما ما (الصورة أسود من أن نتصورها) ؟! ( وهو ما تحاول أجهزة الاستخبارات الدولية أن تعززه في عقول الجميع لمواجهة مشروع المقاومة وهؤلاء الاثنا عشريون في اليمن يقومون به تطوعا أو بثمن لا نعلمه)
6- في ذلك تكذيب لجميع الشعارات التي يطلقها الإمام علي الخامنئي أو السيد حسن نصر الله والتي يعلنان فيها رفضهما للتوسع المذهبي الاثني عشري وتصبح تلك الشعارات – بسبب أفعال أولئك الحمقى المشبوهين - مجرد أدوات للتضليل الإعلامي وصورة أخرى من صور التقية !! ورغم أن مسؤولية ما يفعله الاثنا عشريون في اليمن هي مسؤوليتهم هم ولا علاقة للسيد نصر الله والإمام الخامنئي بما يقومون به إلا أن استخدام تلك الحركات لاسم الإمام الخميني أو الإمام الخامنئي أو اسم السيد حسن نصر الله ورفعها في دعوتها للاثني عشرية مما يحير جدا ويضع علامات استفهام حول طبيعة مذهب الاثني عشرية !! ففي الماضي اتهم الإمام الصادق بعض رواة الاثني عشرية بالكذب عليه وكان يتبرأ منهم ورغم ذلك كانوا يصرون على نسبة أباطيلهم إليه وأنه باق على ودهم ويتحججون "بالتقية" فهل هذا تكرار لما حدث في التاريخ كذب صريح على أئمة أهل البيت ؟!! ولكن بدلا من الإمام الصادق عليه السلام كان الكذب هنا على السيد حسن نصر الله وعلى الإمامين الخميني والخامنئي ؟!!
7- إذا لم تنفع "البلطجة" عبر التهديد وأدت فيما أدت إلى تشويه صورة الاثني عشرية وعدم ثني الوعي "الزيدي" فإن هناك صورا أخرى "للبلطجة" يمكن أن تستمر بها عجلة الاثني عشرية في اليمن ويمكن بها أن يتم احتواء أية آثار جانبية غير محمودة بسبب "البلطجة" التهديدية ، منها "البلطجة" على الحقيقة بالاعتذار بأن التهديد إنما كان "مُزاحا" (ثقيلا جدا) وبه تتحول الضحية إلى جاني وما أيسر الكذب في دين التقية !!
8- تعتبر هذه الحادثة حلقة من حلقات الاعتداء الإثني عشري المتكرر وغير المبرر ضد الزيدية ورموزها وشبابها فهناك المزيد من الحوادث التي لم يتم توثيقها تعكس طبيعة الحركة الإثني عشرية في اليمن بسحنتها المذهبية البعيدة كل البعد عن أسلوب حزب الله والجمهورية الإسلامية ، وتعكس استراتيجية استعدائية ضد الزيدية تؤدي إلى نقلها من خانة الصديق إلى العدو، ولذلك فإن إنكار هذه الحادثة أو نفيها أو تأويلها أو الاستهانة بمدلولاتها واعتبارها مجرد مزحة لا يعتبر عملا مسؤولا ، بل يعتبر حلقة أخرى من حلقات هذه الاستراتيجية الخطيرة التي تدفع الزيدية مضطرة إلى مواجهة حادة مع الاثني عشرية وتدفعها لاستحضار الروح المذهبية إزاء كل ما هو عظيم في الجمهورية الإسلامية والمقاومة اللبنانية ، فهل يجوز أن يسكت عقلاء الاثني عشرية من رفعوا شعارات الوحدة والمحبة والتعاون بعد ذلك ؟! فقضية التهديد هذه ليست كل المشكلة فما هي إلا إحدى صور المشكلة فقط التي من الممكن أن تأخذ في المستقبل صورا أخرى وأبعادا أعمق وعواقب أوخم تكون ضحيتها وحدة الصف وتكون نتيجتها المزيد من الشحناء ولا يستفيد منها سوى أعداء الأمة فيتمكنون بها من استغلال ذوي الأغراض والأمراض لحرف الانتباه عما هو أهم.
ونحن نتمنى أن يقرأ الاثنا عشريون العقلاء هذه الأسطر والعناوين بعين الإنصاف لا بعين التعصب لمن يتسمون باسمهم ويفسدون في الأرض مستخدمين شرعيتهم ويقطعون الأرحام بدعوى الدعوة لهم فما زلنا نحرص على أن لا تكون بيننا وبين أحد شحناء ولا بغضاء لا سيما من يحبون أهل البيت ويتشيعون لهم كما نحرص على التفريق بين الاثني عشرية (المستحدثة) في اليمن والتي لا قوام لها إلا على ركام الود والتعاون والوحدة – نفرق بينها وبين الإثني عشرية الجديدة المجاهدة الواعية في إيران ولبنان التي تحترمنا كما نحترمها وتحرص على ودنا كما نحرص على ودها وتقدر مناصرتنا لها كما نقدر جهادها وتضحياتها وتنظر إلينا بعين الأخوة والصدق لا بعين التقية والمكر.
ورغم أني تناولت بعض أصول الاثني عشرية في هذا الموضوع – مضطرا – بالنقد والتمحيص إلا أنني بررت ذلك بأنه رد فعل لم نكن نخطط للخوض فيه لولا اضطرارنا إليه ،، فمهما كان إعجابنا بتجربة حزب الله والثورة الإسلامية فذلك لم يكن إلا لأن أصولنا التي لن نفرط بها عظيمة ومنصفة ومتسامحة ووسطية.
كما أننا ومع احترامنا الشديد لحزب الله والجمهورية الإسلامية فلا يعني الاحترام تحريم الحوار ضمن القنوات العلمية التي تحفظ الود وتبحث عن الحق ، كما أن الحوار لا علاقة له باستهداف عوام المذاهب الأخرى وتجنيدهم واستغلال عواطفهم (أرجو مراجعة موضوعي الذي كان بعنوان" ثقافة الحرب أم ثقافة الحوار")
الوجه الآخر للإثني عشرية في اليمن
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 105
- اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 105
- اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm
الجزء الأول:
خلفية التهديد وما يعكسه فكريا وسياسيا
هناك بعض الكوادر الاثني عشرية في اليمن تقوم باستغلال تعاطف شباب الزيدية مع تجربة حزب الله العظيمة في لبنان استغلالا مذهبيا ضيقا يسيء إليه أكبر الإساءة ويناقض أهدافه المعلنة ويؤكد جميع الاتهامات التي يرجمها به خصومه.
و رغم أن الزيدية كانت في موقع التأييد الطبيعي لقيام ثورة وحكومة إسلامية في إيران لما تمثله من تطبيق عملي لنظرية الزيدية في السياسة والثورة والحكومة ، إلا أن بعض القوى الخفية دأبت وبإصرار في اليمن على استعداء الزيدية باسم إيران وحزب الله بالتوسع على حساب قاعدتها والإساءة لرموزها والاستهانة بأصولها الفكرية – رغم أنها نفس الأصول الفكرية التي وافقها الإمام الخميني عندما حرم العمل بالتقية و شرع ولاية الفقيه التي قائدها غير معصوم في ظل غياب المعصوم منذ أكثر من ألف ومئتي عام.
1- هذه القوى الخفية : هي في رأيي منظمات مشبوهة تعزى في أصولها إلى أشخاص دنيويين يستوحون نشاطهم من إيعاز استخباري يلبس لبوس التقوى والتشيع ويستغل سذاجة السذج وبساطة البسطاء ويعمل على استعداء الآخرين مذهبيا باسم إيران وحزب الله ويستخدم أساليب تجهيلية في الدعوة للإثني عشرية كالرؤيا والأرقام والتدليس ، وفي مقابل الحوار العلمي تستخدم أساليب مسيئة كالتطاول والبلطجة والتهديد والمراوغة فتدعي أنها زيدية أمام من يعرفها وتدعو إلى الاثني عشرية عند من لا يعرفها وتعلن أنها لا تستهدف الزيدية وفي نفس الوقت تعمل في الخفاء بغير ما تعلن وتستخدم أساليب من أدانهم أمير المؤمنين علي عليه السلام حينما قال : "والله ما فلان بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر".
2- الهدف وراء وجود مثل هذه التنظيمات : من الواضح لدينا أن الهدف من وجودها متوافق إلى حد بعيد مع الحملات الدعائية الصهيوأمريكية التي تريد تقديم إيران وحزب الله كمؤسسات تبشيرية تشكل مشروعا مذهبيا وخطرا شيعيا وتستنفر المشاعر التاريخية بين المسلمين للحد من نتائج الانتصارات الأسطورية للمقاومة الإسلامية التي وحدت المسلمين سنة وشيعة ، فمثل هذه الحركات التي تلبس رداء الاثني عشرية في المجتمعات غير الاثني عشرية هدفه استحضار الروح المذهبية في تلك المجتمعات عند النظر لحزب الله لبناء حاجز يمنعهم من التوحد ويفرض عليهم التركيز في مواجهة الأخطار المفترضة لبعضهم الآخر ليحظى الأعداء ببيئة أصلح للاستمرار والنجاح ، وهذه الاستراتيجية الناطقة بالعربية والمستترة خلف عباءة المذهبية نلمسها في أكثر من منبر إعلامي وتلبس أكثر من ثوب ، فمرة تظهر بمظهر الحرص على مذهب السنة والجماعة فتتحدث عن أخطار افتراضية تنعتها بالمجوسية والصفوية والهلال الشيعي ومرة تلبس ثوب الاثني عشرية لتنشرها بشرعية إيران وحزب الله كما يحدث في اليمن.
3- السبب الذي قد يثير الحنق لدى أحد الاثني عشرية وينتهي به إلى التهديد بالتصفية : الظاهر أنهم يحاولون استغلال اسم السيد حسن نصر الله في استقطاب شباب الزيدية للإثني عشرية ويعملون على توظيف البريق الجهادي والإعلامي للثورة الإسلامية وللمقاومة اللبنانية توظيفا مذهبيا ضيقا موحين أن ذلك البريق ليس إلا بسبب صحة المذهب رغم أن ما نسمعه من قادة الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية يدين ذلك التوظيف !! وهناك بعض الزيدية - بناء على تصديقهم لما يعلنه قادة إيران وحزب الله – يعملون على إدانة هذا التوظيف المذهبي الضيق الذي يتعارض مع مصلحة الأمة ويحرفها عن معركتها الأساسية إلى معارك جانبية لا يستفيد منها سوى العدو ، يضاف إلى ذلك أنه يستعدي الزيدية ويعمل على نقلها من خانة الصديق والمؤيد إلى خانة الاستعداء والدفاع عن النفس والإحساس بالخطر ، ويبدو أن الإصرار الزيدي والتمسك بالشعارات التي يعلنها قادة الثورة الإسلامية وقادة المقاومة الإسلامية يجرد الاثني عشريين في اليمن من أهم وسائل الدعوة لمذهبهم ويفضح مجافاتهم لخط الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية فأصبحوا مفلسين حتى وصل الحال بأحدهم إلى حد التهديد بالتصفية.
4- استباحة الدم بسبب الخلاف المذهبي : من المصيبة استباحة الدم بسبب الخلاف المذهبي و الزيدية بالقطع ليست ممن يستبيحون دماء المخالفين لها مذهبيا ولم يكونوا يوما كما أنهم يستنكرون ما يستنكره العلماء والعقلاء مما يحدث في العراق بين السنة والشيعة من التقتيل بسبب الخلاف في المذهب ، ومن الغريب أن يعتبر أحد كوادر الاثني عشرية أن جزاء الحوار "الذي سماه الوغوشة" هو التصفية في نفس الوقت الذي يعاني منه الاثنا عشرية من فتاوى كهذه ، ولا أدري حسب مذهبه – من يحق له أن يفتي بإهدار الدماء أهو المعصوم الغائب منذ 1200 سنة أم المراجع غير المعصومين أم الهوى والانفعال ؟!.
المفارقة الكبرى
توجد مفارقة كبرى فيما يتعلق بالصراع الذي افتعله الاثنا عشريون في اليمن تتجسد هذه المفارقة بنشر مذهب الاثني عشرية في أوساط الزيدية بعد الثورة الإسلامية !! إذ أن من الواضح أن سبب انتشار مذهب الاثني عشرية في أوساط الزيدية في هذا العصر هو بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية ولولا هذا البريق لكسدت بضاعة الاثني عشرية بين الزيدية.
ورغم أن الزيدية بجملتها لم تكن كغيرها من المذاهب الإسلامية في التعاطي مع الثورة الإسلامية في إيران فكانت متعاطفة معها ناظرة إليها من زاوية التشابه لا من زاوية الفوارق حتى سجن من سجن من رجال الزيدية بتهمة الخمينية وقتل من قتل منهم بتهمة رفع أعلام حزب الله .
وبعد ظهور بوادر للدعوة الاثني عشرية في أوساط الزيدية نظر الكثيرون لذلك على أنه خيانة وغدر بالموقف النبيل الذي اتخذته الزيدية من تجربة الثورة الإسلامية في إيران وكأن الاثني عشريين في اليمن يعاقبون الزيدية على أنها متسامحة ومتعاطفة مع المجاهدين والعظماء ولا تنظر إليهم من زاوية مذهبية ضيقة وتدفعهم دفعا للنظر إلى إيران وحزب الله من زاوية مذهبية ضيقة.
الخطوات التي أسست لهذه المفارقة
1- لماذا أعجب الزيديون بالإمام الخميني : الخطوة الأولى التي جعلت الزيدية يعجبون بالإمام الخميني هي قيادته العظيمة المتعالية على التقية لثورة شعبية جسدت أهداف الأنبياء بكل شجاعة وصلابة ثم إقامته لحكومة إسلامية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر يقودها إمام غير معصوم ، ولو بقي الإمام الخميني على ما كان عليه الاثنا عشرية طيلة 1200سنة لما كان هناك سبب للإعجاب به.
ولذلك فإن الشيء الجديد في ما فعله الإمام الخميني وأدى إلى تغيير صورة الإثني عشرية وبريقها في هذا العصر هو مبادئ تقترب جدا من النظرية الزيدية كالثورة وتحريم التقية وإقامة حكومة إسلامية يقودها غير المعصوم..
فكيف يستخدمون ثورة الخميني في دعوة الزيديين إلى الاثني عشرية ؟! ألا ينطوي ذلك على تناقض ؟!
2- على ماذا يدل بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية : من المفارقة أن يعتمد الاثنا عشريون في اليمن على بريق تجربة الإمام الخميني في الثورة والحكومة الإسلامية بما تختزنه من رجوع لأصول الزيدية - من المفارقة أن يعتمدوا عليها - في دعوة الزيديين اليوم لاعتناق الاثني عشرية !! فلو لم يرجع الإمام الخميني – بفعله - إلى أصول الزيدية في الثورة والحكومة وبقي على أصوله الاثني عشرية المؤصلة للانتظار للمعصوم الغائب منذ 1200سنة لما كان هناك سبب لعظمته وبريقه ، وهو ما تنبه له مراجع معتبرة في الحوزة الشيعية الاثني عشرية حين اعتبروا ما فعله خروجا على المذهب وثورة عليه من الداخل ،، بل إن الإمام الخميني بنفسه كان يستشكل مذهبيا في الستينيات فكرة إقامة حكومة إسلامية بقيادة غير المعصوم ولا المنصوص عليه حسب ما ذكره منتظري في مذكراته.
إن من يتحول من الزيدية إلى الاثني عشرية بسبب إعجابه بثورة الإمام الخميني هو كمن دخل فيما خرج منه الخميني وكمن خرج مما دخل فيه بسبب إعجابه بالخميني !! فأي تناقض هذا ؟!!
3- الارتباط بين بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية وبين صحة الاعتقاد بالمذهب الاثني عشري: لو كان يصح أن يستخدم بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية للدعوة إلى مذهب من المذاهب لكان هذا المذهب هو المذهب الزيدي لا الاثني عشري لأن السر في بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية لم يكن إلا عندما ظهرت نظرية ولاية الفقيه التي تعبر في شق منها عن ضرورة النظرية الزيدية في السياسة وأنها جزء واضح من الإسلام لا مناص عنه للعقلاء والمصلحين ، وتعبر في شقها الآخر عن عدم واقعية النظرية الاثني عشرية وما تؤدي إليه من تعطيل لأحكام الإسلام وحدوده وحكومته بسبب الانتظار الطويل الطويل للمعصوم الغائب عندما أقرت في النهاية ضرورة الائتمام بغير المعصوم وغير المنصوص عليه.
4- لماذا لا يتجاهل الزيدية ما يفعله الاثنا عشريون في اليمن لاسيما وهم يشايعون الخمسة أهل الكساء مثل الزيدية : رغم التشابه بيننا وبين الاثني عشرية في النظر لأمير المؤمنين عليه السلام وللزهراء وللسبطين (ما عدا الروايات المغالية فيهم) إلا أننا نتوافق مع أهل السنة أيضا في أمور أخرى ، ورغم التقارب بيننا وبين أهل السنة في أمور والتقارب بيننا وبين الاثني عشرية في أمور لكننا نأبى أن يستعدينا أحد خارج إطار الحوار الفكري البناء والمسؤول ويستقطب شبابنا باستغلال عاطفتهم وقلة خبرتهم أو يتوسع على حساب قاعدتنا الشعبية تحت قوة السلاح والمال والعمق المذهبي الذي يحظى به من خارج اليمن سواء كان سنيا أو شيعيا.
نحن ننظر إلى الاثني عشرية وإلى السنية باعتبارهم إخوانا لنا في الدين ونرحب بفكرة الحوار الفكري معهم ولا نأباه ولا نخشاه ولكن ضمن قنواته السليمة الكفيلة بحفظ الود ورعاية الحق والدليل والبرهان لضمان وحدة الأمة وعدم دخولها في حرب مذهبية أو حتى شحناء مذهبية لا يستفيد منها سوى الأعداء.
5- إلى من تتوجه مشاعر الإعجاب الزيدية عندما يحبون الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله : إن ما يحدث من الاثني عشريين في اليمن هو مغالطة كبرى لأن مشاعر الإعجاب بشخصية الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله ليست إلا مشاعر تتوجه في حقيقتها نحو الأصول الزيدية التي جسدوها ولمعوا بها لا الأصول الاثني عشرية التي تجاوزوها ، ولو بقي الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله على أصول الاثني عشرية الداعية للانتظار للمعصوم الغائب لما كانت هناك ثورة ولا مقاومة وما كان لهم أدنى بريق ولما أصبحوا اليوم الأداة السحرية الناجعة التي يستخدمها الاثنا عشريون في اليمن لاستقطاب قواعد الزيدية.
ولو تأملنا جيدا فإن الذي يحدث في اليمن أن الإثني عشريين يدعون الزيديين لاعتناق الإثني عشرية بسبب روعة أصول الزيدية وثبوت صحتها واضطرار رموز الاثني عشرية لها بعد أكثر من 1200 سنة من الانتظار والتعطيل لأحكام الله وحدوده وحكومته ، وبدلا من أن يعترفوا بذلك الرجوع أن الزيدية كانت على حق - بدلا من ذلك - يدعون شباب الزيدية لاعتناق الإثني عشرية !! وهذا كما هو واضح عكسٌ للحقائق وقراءة لها بالمقلوب ، فالأكثر منطقية بناء على نتائج الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية هو أن يدخل الإثنا عشريون في الزيدية أفواجا بعد أن اضطرهم الواقع إلى القول بقول الزيدية الذي طالما كان أسلافهم يشنعون به عليها.
ضرورة الحفاظ على خط أهل البيت
بعض الأشخاص الذين لديهم حساسية من المسميات المذهبية والتباينات الفكرية قد يستغرب لماذا الإصرار على الدفاع عن الزيدية (خط أهل البيت) وعدم القبول بالذوبان في بقية المذاهب واسعة الانتشار المدعومة بالدول والأموال والجماهير العريضة والقنوات التلفزيونية ، ولبيان ذلك من الضروري أن نستدرك أن الحق لا يحصى بالكثرة ولو كان الحق يعرف بالكثرة لكان الدين المسيحي هو الصحيح لأنه الأكثر !! كما أن الحق لا يحصى بالبريق المادي والإعلامي ولو كان الحق يعرف بالبريق المادي والإعلامي لكانت أمريكا والغرب مع الحق !! كما أن الحق لا يحصى بالجرأة وإحداث الأمر الواقع ولو كان الحق يعرف بالجرأة وإحداث الأمر الواقع لكانت إسرائيل على حق !!
والخط الذي عرف به أهل البيت عبر التاريخ والأصول والفروع التي تميزوا بها عن سواهم من مذاهب الإسلام من الضروري أن يبقى لها امتداد في هذه الأمة لأن أهل البيت هم عترة النبي الذين عرفوا بالعلم والزهد والعبادة والفضل والجهاد وهم رواة منهجه لاتصالهم به وقد وضعوا أنفسهم في موضع حماية الدين من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين رغم ما قدموه من تضحيات جليلة في كل مفصل هام في تاريخ الإسلام المديد لا سيما وفكرهم طالما كان معتمدا على الشرع غير مناقض للعقل معينا لأئمة العدل مقداما في مواجهة الظلم ولم يبل كغيره بالحشو ولا باعتقاد الأساطير فكان كما بشر به سيد المرسلين : "تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض".
1- ماذا يمكن لفكر الزيدية أن يقدمه لهذه الأمة المتشظية من خدمة وخير : يكفي الزيدية أنها جسر وسطي مؤصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمكن للفرقاء في هذه الأمة اللقاء عنده فهو شيعة السنة وسنة الشيعة ومن الخطأ التفريط به ومحاولة إلغائه.
وبدلا من أن يلجأ العقلاء إلى ابتداع فكر وسطي عقلاني في هذا العصر للتخلص من الحشو والتناقضات والأساطير والحساسيات المذهبية والسياسية والتاريخية فإن لهم في خط أهل البيت مندوحة عن ذلك وهو الخط الممهور بدماء العترة في جميع مفاصل التاريخ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متصلا غير منفصل.
2- هل يعتبر حديثنا المتكرر عن الزيدية وحمايتها من الاثني عشرية حديثا مذهبيا ضيقا لا تسامح معه ولا مكان للحوار فيه : قد يكون قد اختلط على من يظن ذلك الفرق بين احترام الفكر الآخر والثبات على ما يعتقد الانسان بصحته وقد يكون قد غاب عن أذهانهم أن الاعتقاد بصحة فكر معين وضرورة الحفاظ عليه والدفاع عنه ليس عيبا طالما كنت معتمدا في ذلك على الدليل لا على الجمود والتعصب والتحجر فكيف بك وأنت تؤصله إلى رسول الله عبر العترة الزكية وتعتبره الحل لمشكلة التباينات الفكرية والمذهبية في هذه الأمة ونقطة اللقاء فيها والوسط ؟!
ليس معنى احترام المذاهب الأخرى أن لا تدافع عن فكرك (الذي ترى فيه الحق) إذا ما استعداه الآخرون وليس معنى احترام الحوار التغاضي عن المؤامرات والسفاهات المؤدية إلى حرب مذهبية ، فإذا ما كان فكرك مجسدا للوسطية وقادرا على التواصل مع الجميع وقد قدم تضحيات جليلة عبر التاريخ فالأحرى أن يحافظ عليه الجميع وأنت أولهم.
وربما غاب عن البعض في معنى قول الحق تبارك وتعالى : " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله " أن الأمر بالحوار مع أهل الكتاب واحترامهم والبحث عن القواسم المشتركة بيننا وبينهم لا يلغي وجود التباين بين ديننا ودينهم ولا يلغي أننا على الحق وأنهم على الباطل.
3- هل إدانتنا نشر الاثني عشرية في أوساط الزيدية هو بسبب عدم ثقتنا بفكر الزيدية في مواجهة الاثني عشرية ؟ : لا نحتاج إزاء هذه الفكرة سوى أن نوضح بأن ما يثير حفيظتنا هو استغلال حالة الاستضعاف التي تمر بها الزيدية منذ عقود تلك الحالة التي تمنعها من أن تنظم نفسها وقواعدها بأبسط مقومات التنظيم لا عدم ثقتنا بفكر أهل البيت المحفوظ ، كما أننا نعتبر التطويرات الزيدية التي حدثت في النظرية الاثني عشرية هي السبب في هذا الاستغلال وهو ما يجعلنا نرى الأمر باعتباره قراءة بالمقلوب والمفروض أن يدخل الاثنا عشريون إلى الزيدية أفواجا بهذه التطويرات ، ولا علاقة للثقة بالفكر الزيدي من عدمها بإدانة هذا الاستغلال وهذه القراءة المقلوبة ، كما أنه لا علاقة للثقة بالدين الإسلامي من عدمها بإدانة تشويه صورة الإسلام واستغلال ضعف المسلمين ودعم الحركات التبشيرية والعلمانية في مجتمعاتنا !!
4- لماذا نتحمل مسؤولية الحفاظ على الزيدية ولماذا نخشى التفريط بها : لأنها فكر أهل البيت الذي تميزوا به عبر العصور منذ رسول الله مرورا بأمير المؤمنين عليه السلام مرورا بالسبطين وزين العابدين والحسن المثنى مرورا بالباقر وزيد ابني زين العابدين وعبدالله وابراهيم ابني المثنى مرورا بجميع أعلام أهل البيت الحسنية والحسينية كالنفس الزكية وجعفر الصادق والقاسم الرسي والهادي يحيى والناصر الأطروش وغيرهم من أهل الجهاد والعلم والبذل.
نخشى من التفريط بها فنكون مسؤولين أمام الله ورسوله وأهل بيته لأنها الفكر الوسطي العقلاني الذي له تجربة تطبيقية ثرية انعكست على فقهه وعلاقته بالمذاهب الأخرى إيجابا ووعيا وتسامحا وواقعية وهو يمثل جسر الصلة الأخير في هذه الأمة وينظر باحترام إلى جميع المذاهب الإسلامية سنية كانت أو شيعية ويتعاطى مع إضاءاتهم بإنصاف لا بحساسية وإنكار وهو الفكر الذي تعاطف مع تجربة الإخوان المسلمين السنية في مصر و تجربة حركة حماس السنية حديثا في فلسطين كما تعاطف مع ثورة الإمام الخميني وصمود حزب الله رغم شيعيتها ، وعندما نلمس استغلال هذا الإنصاف عند الزيدية في التمدد على حسابها نعتبر ذلك كأنه عقاب للزيدية على تسامحها وإنصافها ووسطيتها ودفع لها لكي تبدأ بشحن أنصارها مذهبيا ضد الآخرين وغض الطرف عن إضاءاتهم التي ينظر إليها غير الزيدية من زاوية مذهبية شزرا بتكفير وتشنيع واتهام ولا يقبلون منها إلا ولا ذمة.
فمثل هذه الوسطية التي لها أصول ضاربة في الزمن يجب الحرص عليها ومن مصلحة الإسلام المحافظة على هذا الفكر العقلي المتسامح الممهور بالكثير من التضحيات عبر التاريخ بقيادة أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وليس واجب المحافظة عليه مختصا بنا وحدنا بل هو على جميع المسلمين العقلاء الذين يطلبون الوحدة ويرغبون في بناء الجسور وحل التناقضات وترميم التباينات والتخلص من الحشو والأساطير سواء كانوا سنة أو شيعة لا أن يسعوا إلى استئصاله والتوسع على حسابه كما يفعل الاثنا عشرية في اليمن وكما فعل الوهابيون من قبلهم.
التمييز بين حزب الله وبين الاثني عشريين في اليمن
ما زلنا نصر على ضرورة التفريق بين خط حزب الله والثورة الإسلامية من جهة وبين الاثني عشرية في اليمن من جهة أخرى رغم أن الجهتين تحملان نفس المسمى المذهبي ورغم حرص الإثني عشرية في اليمن على تقديم نفسها كوكيل شرعي للجمهورية الإسلامية وحزب الله في اليمن بل وتستخدم اسميهما كأهم وسائل الدعوة للمذهب الاثني عشري حتى توصل بعض الزيدية وبعض الشافعية – من باب رد الفعل – إلى النفور من الجمهورية الإسلامية ومن حزب الله والنظر إليهما من زواية مذهبية ضيقة واستحضار الخلاف التاريخي كلما تعلقت المسألة بهما ، وبالحصيلة أدت الأعمال الصبيانية للاثني عشرية في اليمن إلى زيادة عزلة إيران وحزب الله وخط الممانعة في معركتهم التاريخية مع أمريكا وإسرائيل ومن هنا تلتقي أجندة هذه الحركة الاثني عشرية في اليمن مع الأجندة الصهيوأمريكية ولذلك نسمع قادة الثورة الإسلامية وبعض رموزها كآية الله الجلالي والسيد حسن نصر الله يدينان التوسع المذهبي الاثني عشري ويعتبرانه حالة فردية لا يصح أن تصدق بها مقولة "التبشير بالاثني عشرية".
1- لماذا نعتبر الاثني عشرية في اليمن مخالفين لخط حزب الله رغم أنهم على مذهبه ؟ : من الخطأ أن نقيس مقدار التوافق والتباين بين الأشخاص والتنظيمات الفكرية والسياسية بالمسمى المذهبي أو باللبس أو بالشكل فكم من أجيال الاثني عشرية ماتت وهي تعتبر أن كل راية تخرج قبل راية المهدي هي راية ضلال ؟! وكم من التنظيمات الاثني عشرية ما زالت ترى هذا الرأي حتى الآن بل ووقعت في تخطئة الإمام الخميني ومجافاة نهج حزب الله ؟! فمثل هذه الأجيال ومثل هذه التنظيمات لا يمكن اعتبارها أجيالا أو تنظيمات موافقة للثورة الإسلامية ولخط حزب الله أكثر منا رغم أن مسماها المذهبي كحزب الله ولبسها كحزب الله ، وإذا ما افترضنا أن الاثني عشرية في اليمن (وأغلبها حوزوي شيرازي أو سيستاني) تطرح نفسها على أنها مؤمنة بولاية الفقيه فإن ذلك لا يجعلها على وفاق مع خط حزب الله طالما كانت استراتيجيتها مخالفة له فإن التوافق بينها وبين خط المقاومة سيظل توافقا شكليا طالما كانت مباينة له في الاستراتيجية والأهداف بل يمكن أن تنتقل بهذا التباين في الاستراتيجية والأهداف إلى خانة العداوة رغم التوافق في المسمى والشكل!!!
وكم من عربي مسلم يعتقد كما نعتقد ويصلي كما نصلي ويصوم كما نصوم وهو متوافق مع أعداء الإسلام ويعمل ضمن أجندتهم ويدور في فلكهم سواء شعر بذلك أو لم يشعر فهل مسماه أو لبسه جعله منا ؟! بالطبع لا..
2- كيف نقيس مقدار التوافق : يمكن القول إن البعض يقيس مقدار التوافق بالشكل أو باللبس أو الحركات أو الاعتقادات الخاصة أو بالمسمى المذهبي رغم المجافاة في الخط العام والرؤية الاستراتيجية والأهداف العليا ولذلك تراهم وفي ظل إعجابهم بحزب الله وانبهارهم به وبإعلامه يميلون إلى لبس ما يلبس والتلفظ بما يتلفظ والاعتقاد بما يعتقد متجاهلين السبب الأساسي الذي جعلهم ينبهرون به وهو الجهاد والتضحية والصمود والوعي والإيمان بالله واليوم الآخر والرسول والكتاب والتزود من وقود تضحيات أهل البيت الخالدة وعدم الانتظار للمعصوم الغائب والأخذ بالأسباب والسنن التاريخية والطبيعية والحرص على عدم افتعال شروخ مذهبية !! وهؤلاء ليسوا بأفضل حالا ممن ينبهر بالحضارة الغربية فيلبس كما تلبس ويتلفظ كما تتلفظ ويعتقد بما تعتقد متجاهلا السبب الأساسي الذي جعله ينبهر بها وهو العلم والتكنولوجيا والتفاني في العمل والخضوع للنظام والقانون.
وكدليل على كلامي فإن بعض الاثني عشرية يضطرون إثر النقاش المستفيض إلى الخلوص بعدم مشروعة ولاية الفقيه وبأنها منافية للنظرية الاثني عشرية !! فهم هنا في اقترابهم من الإمام الخميني وحزب الله إنما يبتعدون عن ولاية الفقيه التي كان بها شرف الإمام الخميني وحزب الله في الدنيا والدين !! أليسوا إذن سطحيين ومعاكسين لروح ما ذهب إليه الإمام الخميني وحزب الله ؟!
هذا وقد سمعت بعض الاثني عشرية يصرحون بأن ما جاء به الإمام الخميني لم يأت به أحد من الفقهاء منذ 1200سنة ومعنى ذلك أنه مبتدع في الدين !! والابتداع في الدين هو جريمة كبرى لاسيما وهو صادر عن شخص غير معصوم ولا منصوص عليه !! وليس للإمام الخميني أو لمن يخشى على عرضه الشريف من هذه التهمة الشنيعة من مخرج سوى أن يكون له أصل يخرجه من دائرة الابتداع إلى دائرة المشروعية وليس له ذلك المخرج سوى في سيرة الثائرين من أهل البيت عليهم السلام (من غير المعصومين حسب مصطلح الاثني عشرية) وفي ما أرساه أئمتها بدمائهم عبر التاريخ.
ولو ظهر الوجه الحقيقي للاثني عشرية في اليمن لنالوا من الإمام الخميني ولخطأوه (رغم أنهم استخدموه كورقة مفيدة وناجعة للدعوة إلى الاثني عشرية) لأنهم يتبعون في معظمهم حوزات مدرسية كانت تعترض على ما فعله الإمام الخميني وترى فيه خروجا على أصول الاثني عشرية.
إذا كانوا ينتمون إلى تلك الحوزات المدرسية فإن من الطبيعي أن يكونوا أعداء لخط الثورة والحكومة والجهاد في ظل غياب المعصوم وأن يستجيزوا - في ظل التقية – أن يلبسوا قناع الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية للإساءة إليها ولتصفية الحساب معها وقد أباحت لنفسها اختصاصات الإمام المعصوم الغائب.
تبرئة المقاومة اللبنانية مما يفعله الاثنا عشرية في اليمن
أما لماذا نصر على تبرئة الجمهورية الإسلامية والمقاومة اللبنانية مما يفعله الاثنا عشريون في اليمن رغم أنهم يستخدون اسم حزب الله والثورة الإسلامية دائما في نشر مذهبهم :
أولا نحن نميل إلى تصديق السيد حسن نصر الله ونستبعد أنه يستخدم أسلوب التقية في إدانته نشر الاثني عشرية في اليمن أو غيرها وهو الصادق الذي شهد له العدو المعاند بالصدق ، كما أننا ندرك جيدا أن ما يفعله الاثنا عشريون في اليمن وغيرها يضر بالمقاومة ويحشرها في زواية مذهبية ضيقة ويجعلها مكشوفة ووحيدة أمام العدو ويعزلها عن العمق الاستراتيجي الذي تمثله شريحة كبيرة من أمة الإسلام ليست على مذهب الاثني عشرية وهو ما لا يمكن أن يتورط في مثله حزب الله وهو المعروف بحنكته الاستراتيجية والسياسية.
السيد حسن نصر الله
1- يعتبر البعض أن ثقتنا بالسيد حسن نصر الله تلزمنا بتصديقه في اعتقاده بالمهدي الغائب : هذا خطأ فالمعلوم في فكر الزيدية والاثني عشرية أن التقليد في أصول الدين لغير المعصومين حرام شرعا لأن "النظر واجب" وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول ذاما : "من أخذ دينه عن أفواه الرجال أخذته الرجال من يمين إلى شمال" ، فلا يجوز تقليد السيد حسن نصر الله في اعتقاداته لا عند الزيدية ولا عند الاثني عشرية ، وفي تقليده مخالفة للمذهبين ووقوع في الحرام بل يجب النظر في المسألة بالدليل لا بالتقليد.
وللأسف فإن البعض يخلط بين شهادة الصادق وبين اعتقاد الصادق ويتعامل مع اعتقاد الصادق كما يتعامل مع شهادته رغم أن ثمة فرق بينهما لا يخفى على متأمل.
فالسيد حسن لم يقل يوما إنه لقي المهدي أو تلقى أوامره منه أو شاهده (عكس ما يروج له بعض الباطنية مدمني الكذب عديمي الحيلة والحجة) ، وغاية ما نسمعه منه أنه يعتقد بالمهدي الغائب المولود منذ 1200سنة واعتقاده هذا ليس دليلا كدعوى المشاهدة (بشروطها) ولا يلزمنا منه شيء شرعا أو عقلا.
ولو أجزنا تقليد عقائد من نثق بصدقهم ونزاهتهم ونضالهم لأجزنا تقليد الشيخ أحمد ياسين في سنيته ولأجزنا تقليد السيد عمر المختار في مالكيته ولأجزنا تقليد غاندي في بوذيته ولأجزنا تقليد جيفارا في شيوعيته ولأجزنا تقليد مانديلا في مسيحيته !!
ونحمد الله تعالى أن السيد حسن نصر الله ما زال حيا يرزق وإلا لسمعنا مختلف الروايات الباطنية التي تزعم أنه لقي المهدي وتلقى أوامره منه (وهو ما نسبه الباطنيون للإمام الخميني بعد موته) ، ويبدو لي أن التاريخ يعيد نفسه فلطالما كان الاثنا عشرية عبر التاريخ يفترضون افتراضات باطنية من هذا القبيل لتبرير التناقضات الطارئة على نظريتهم وسأفرد لإيجازها بابا خاصا في هذا البحث بعنوان "لعبة الافتراض والتقية عند الاثني عشرية" والتي حاولت فيها توضيح أسلوب الاثني عشرية عندما كانوا يجابهون بظواهر مخالفة لنظريتهم فإنهم يلجأون إلى لعبة التقية التي يصح بها أن ينسبوا ما يشاؤون لمن يشاؤون كيفما تقتضي حاجة الجدل ، وهو ما استخدموه مرارا في تفسير الكثير من الظواهر المتنافية مع النظرية الاثني عشرية.
2- لماذا لا نتعامل مع السيد حسن نصر الله على أنه رافضي : من المعلوم أن أول من أطلق اسم الرافضة كان هو الإمام الولي بن الولي زيد بن علي عليه السلام إذ أطلقه على من رفض الجهاد معه بحجة الخلاف الفكري ، ولا نعلم لو كان السيد حسن نصر الله في ذلك الزمان هل كان سيرفض الجهاد مع الإمام زيد بحجة الخلاف الفكري وهو الذي يناصر حركة حماس السنية التي خلافه معها أكبر من خلافه مع زيد عليه السلام ؟!
نحن نستبعد ذلك الموقف من السيد حسن نصر الله وهو الذي يعاني الأمرين بسبب النظرة المذهبية الضيقة التي تستهدفه من أعدائه والتي تصل أحيانا إلى حد الإفتاء بتحريم الدعاء له ووجوب رفضه وخذلانه لأنه ينتمي إلى مذهب معين أو يعتقد أفكارا معينة.
ولذلك فنحن لا نعتبر السيد حسن نصر الله رافضيا بل نعتبر إن من يرفضه بحجة الخلاف الفكري هو الرافضي لاسيما وهو يقود راية فريدة في هذا العصر عنوانها الجهاد والتضحية والشهادة تجاوزت بحضورها غياب المعصوم الغائب وجسدت بجهادها وتضحياتها سيرة أهل البيت الأماجد وحفظت دمائهم الراعفة على صفحة الزمان ابتداء بالحسين المظلوم ومرورا بزيد المصلوب وعشرات أئمة العترة المذبوحين في العراء أو المغيبين في السجون أو المنفيين في الأرض أو المنتصرين بالدم على السيف والقائمين بالدين والحق والعدل والوسطية.
خلفية التهديد وما يعكسه فكريا وسياسيا
هناك بعض الكوادر الاثني عشرية في اليمن تقوم باستغلال تعاطف شباب الزيدية مع تجربة حزب الله العظيمة في لبنان استغلالا مذهبيا ضيقا يسيء إليه أكبر الإساءة ويناقض أهدافه المعلنة ويؤكد جميع الاتهامات التي يرجمها به خصومه.
و رغم أن الزيدية كانت في موقع التأييد الطبيعي لقيام ثورة وحكومة إسلامية في إيران لما تمثله من تطبيق عملي لنظرية الزيدية في السياسة والثورة والحكومة ، إلا أن بعض القوى الخفية دأبت وبإصرار في اليمن على استعداء الزيدية باسم إيران وحزب الله بالتوسع على حساب قاعدتها والإساءة لرموزها والاستهانة بأصولها الفكرية – رغم أنها نفس الأصول الفكرية التي وافقها الإمام الخميني عندما حرم العمل بالتقية و شرع ولاية الفقيه التي قائدها غير معصوم في ظل غياب المعصوم منذ أكثر من ألف ومئتي عام.
1- هذه القوى الخفية : هي في رأيي منظمات مشبوهة تعزى في أصولها إلى أشخاص دنيويين يستوحون نشاطهم من إيعاز استخباري يلبس لبوس التقوى والتشيع ويستغل سذاجة السذج وبساطة البسطاء ويعمل على استعداء الآخرين مذهبيا باسم إيران وحزب الله ويستخدم أساليب تجهيلية في الدعوة للإثني عشرية كالرؤيا والأرقام والتدليس ، وفي مقابل الحوار العلمي تستخدم أساليب مسيئة كالتطاول والبلطجة والتهديد والمراوغة فتدعي أنها زيدية أمام من يعرفها وتدعو إلى الاثني عشرية عند من لا يعرفها وتعلن أنها لا تستهدف الزيدية وفي نفس الوقت تعمل في الخفاء بغير ما تعلن وتستخدم أساليب من أدانهم أمير المؤمنين علي عليه السلام حينما قال : "والله ما فلان بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر".
2- الهدف وراء وجود مثل هذه التنظيمات : من الواضح لدينا أن الهدف من وجودها متوافق إلى حد بعيد مع الحملات الدعائية الصهيوأمريكية التي تريد تقديم إيران وحزب الله كمؤسسات تبشيرية تشكل مشروعا مذهبيا وخطرا شيعيا وتستنفر المشاعر التاريخية بين المسلمين للحد من نتائج الانتصارات الأسطورية للمقاومة الإسلامية التي وحدت المسلمين سنة وشيعة ، فمثل هذه الحركات التي تلبس رداء الاثني عشرية في المجتمعات غير الاثني عشرية هدفه استحضار الروح المذهبية في تلك المجتمعات عند النظر لحزب الله لبناء حاجز يمنعهم من التوحد ويفرض عليهم التركيز في مواجهة الأخطار المفترضة لبعضهم الآخر ليحظى الأعداء ببيئة أصلح للاستمرار والنجاح ، وهذه الاستراتيجية الناطقة بالعربية والمستترة خلف عباءة المذهبية نلمسها في أكثر من منبر إعلامي وتلبس أكثر من ثوب ، فمرة تظهر بمظهر الحرص على مذهب السنة والجماعة فتتحدث عن أخطار افتراضية تنعتها بالمجوسية والصفوية والهلال الشيعي ومرة تلبس ثوب الاثني عشرية لتنشرها بشرعية إيران وحزب الله كما يحدث في اليمن.
3- السبب الذي قد يثير الحنق لدى أحد الاثني عشرية وينتهي به إلى التهديد بالتصفية : الظاهر أنهم يحاولون استغلال اسم السيد حسن نصر الله في استقطاب شباب الزيدية للإثني عشرية ويعملون على توظيف البريق الجهادي والإعلامي للثورة الإسلامية وللمقاومة اللبنانية توظيفا مذهبيا ضيقا موحين أن ذلك البريق ليس إلا بسبب صحة المذهب رغم أن ما نسمعه من قادة الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية يدين ذلك التوظيف !! وهناك بعض الزيدية - بناء على تصديقهم لما يعلنه قادة إيران وحزب الله – يعملون على إدانة هذا التوظيف المذهبي الضيق الذي يتعارض مع مصلحة الأمة ويحرفها عن معركتها الأساسية إلى معارك جانبية لا يستفيد منها سوى العدو ، يضاف إلى ذلك أنه يستعدي الزيدية ويعمل على نقلها من خانة الصديق والمؤيد إلى خانة الاستعداء والدفاع عن النفس والإحساس بالخطر ، ويبدو أن الإصرار الزيدي والتمسك بالشعارات التي يعلنها قادة الثورة الإسلامية وقادة المقاومة الإسلامية يجرد الاثني عشريين في اليمن من أهم وسائل الدعوة لمذهبهم ويفضح مجافاتهم لخط الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية فأصبحوا مفلسين حتى وصل الحال بأحدهم إلى حد التهديد بالتصفية.
4- استباحة الدم بسبب الخلاف المذهبي : من المصيبة استباحة الدم بسبب الخلاف المذهبي و الزيدية بالقطع ليست ممن يستبيحون دماء المخالفين لها مذهبيا ولم يكونوا يوما كما أنهم يستنكرون ما يستنكره العلماء والعقلاء مما يحدث في العراق بين السنة والشيعة من التقتيل بسبب الخلاف في المذهب ، ومن الغريب أن يعتبر أحد كوادر الاثني عشرية أن جزاء الحوار "الذي سماه الوغوشة" هو التصفية في نفس الوقت الذي يعاني منه الاثنا عشرية من فتاوى كهذه ، ولا أدري حسب مذهبه – من يحق له أن يفتي بإهدار الدماء أهو المعصوم الغائب منذ 1200 سنة أم المراجع غير المعصومين أم الهوى والانفعال ؟!.
المفارقة الكبرى
توجد مفارقة كبرى فيما يتعلق بالصراع الذي افتعله الاثنا عشريون في اليمن تتجسد هذه المفارقة بنشر مذهب الاثني عشرية في أوساط الزيدية بعد الثورة الإسلامية !! إذ أن من الواضح أن سبب انتشار مذهب الاثني عشرية في أوساط الزيدية في هذا العصر هو بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية ولولا هذا البريق لكسدت بضاعة الاثني عشرية بين الزيدية.
ورغم أن الزيدية بجملتها لم تكن كغيرها من المذاهب الإسلامية في التعاطي مع الثورة الإسلامية في إيران فكانت متعاطفة معها ناظرة إليها من زاوية التشابه لا من زاوية الفوارق حتى سجن من سجن من رجال الزيدية بتهمة الخمينية وقتل من قتل منهم بتهمة رفع أعلام حزب الله .
وبعد ظهور بوادر للدعوة الاثني عشرية في أوساط الزيدية نظر الكثيرون لذلك على أنه خيانة وغدر بالموقف النبيل الذي اتخذته الزيدية من تجربة الثورة الإسلامية في إيران وكأن الاثني عشريين في اليمن يعاقبون الزيدية على أنها متسامحة ومتعاطفة مع المجاهدين والعظماء ولا تنظر إليهم من زاوية مذهبية ضيقة وتدفعهم دفعا للنظر إلى إيران وحزب الله من زاوية مذهبية ضيقة.
الخطوات التي أسست لهذه المفارقة
1- لماذا أعجب الزيديون بالإمام الخميني : الخطوة الأولى التي جعلت الزيدية يعجبون بالإمام الخميني هي قيادته العظيمة المتعالية على التقية لثورة شعبية جسدت أهداف الأنبياء بكل شجاعة وصلابة ثم إقامته لحكومة إسلامية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر يقودها إمام غير معصوم ، ولو بقي الإمام الخميني على ما كان عليه الاثنا عشرية طيلة 1200سنة لما كان هناك سبب للإعجاب به.
ولذلك فإن الشيء الجديد في ما فعله الإمام الخميني وأدى إلى تغيير صورة الإثني عشرية وبريقها في هذا العصر هو مبادئ تقترب جدا من النظرية الزيدية كالثورة وتحريم التقية وإقامة حكومة إسلامية يقودها غير المعصوم..
فكيف يستخدمون ثورة الخميني في دعوة الزيديين إلى الاثني عشرية ؟! ألا ينطوي ذلك على تناقض ؟!
2- على ماذا يدل بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية : من المفارقة أن يعتمد الاثنا عشريون في اليمن على بريق تجربة الإمام الخميني في الثورة والحكومة الإسلامية بما تختزنه من رجوع لأصول الزيدية - من المفارقة أن يعتمدوا عليها - في دعوة الزيديين اليوم لاعتناق الاثني عشرية !! فلو لم يرجع الإمام الخميني – بفعله - إلى أصول الزيدية في الثورة والحكومة وبقي على أصوله الاثني عشرية المؤصلة للانتظار للمعصوم الغائب منذ 1200سنة لما كان هناك سبب لعظمته وبريقه ، وهو ما تنبه له مراجع معتبرة في الحوزة الشيعية الاثني عشرية حين اعتبروا ما فعله خروجا على المذهب وثورة عليه من الداخل ،، بل إن الإمام الخميني بنفسه كان يستشكل مذهبيا في الستينيات فكرة إقامة حكومة إسلامية بقيادة غير المعصوم ولا المنصوص عليه حسب ما ذكره منتظري في مذكراته.
إن من يتحول من الزيدية إلى الاثني عشرية بسبب إعجابه بثورة الإمام الخميني هو كمن دخل فيما خرج منه الخميني وكمن خرج مما دخل فيه بسبب إعجابه بالخميني !! فأي تناقض هذا ؟!!
3- الارتباط بين بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية وبين صحة الاعتقاد بالمذهب الاثني عشري: لو كان يصح أن يستخدم بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية للدعوة إلى مذهب من المذاهب لكان هذا المذهب هو المذهب الزيدي لا الاثني عشري لأن السر في بريق الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية لم يكن إلا عندما ظهرت نظرية ولاية الفقيه التي تعبر في شق منها عن ضرورة النظرية الزيدية في السياسة وأنها جزء واضح من الإسلام لا مناص عنه للعقلاء والمصلحين ، وتعبر في شقها الآخر عن عدم واقعية النظرية الاثني عشرية وما تؤدي إليه من تعطيل لأحكام الإسلام وحدوده وحكومته بسبب الانتظار الطويل الطويل للمعصوم الغائب عندما أقرت في النهاية ضرورة الائتمام بغير المعصوم وغير المنصوص عليه.
4- لماذا لا يتجاهل الزيدية ما يفعله الاثنا عشريون في اليمن لاسيما وهم يشايعون الخمسة أهل الكساء مثل الزيدية : رغم التشابه بيننا وبين الاثني عشرية في النظر لأمير المؤمنين عليه السلام وللزهراء وللسبطين (ما عدا الروايات المغالية فيهم) إلا أننا نتوافق مع أهل السنة أيضا في أمور أخرى ، ورغم التقارب بيننا وبين أهل السنة في أمور والتقارب بيننا وبين الاثني عشرية في أمور لكننا نأبى أن يستعدينا أحد خارج إطار الحوار الفكري البناء والمسؤول ويستقطب شبابنا باستغلال عاطفتهم وقلة خبرتهم أو يتوسع على حساب قاعدتنا الشعبية تحت قوة السلاح والمال والعمق المذهبي الذي يحظى به من خارج اليمن سواء كان سنيا أو شيعيا.
نحن ننظر إلى الاثني عشرية وإلى السنية باعتبارهم إخوانا لنا في الدين ونرحب بفكرة الحوار الفكري معهم ولا نأباه ولا نخشاه ولكن ضمن قنواته السليمة الكفيلة بحفظ الود ورعاية الحق والدليل والبرهان لضمان وحدة الأمة وعدم دخولها في حرب مذهبية أو حتى شحناء مذهبية لا يستفيد منها سوى الأعداء.
5- إلى من تتوجه مشاعر الإعجاب الزيدية عندما يحبون الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله : إن ما يحدث من الاثني عشريين في اليمن هو مغالطة كبرى لأن مشاعر الإعجاب بشخصية الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله ليست إلا مشاعر تتوجه في حقيقتها نحو الأصول الزيدية التي جسدوها ولمعوا بها لا الأصول الاثني عشرية التي تجاوزوها ، ولو بقي الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله على أصول الاثني عشرية الداعية للانتظار للمعصوم الغائب لما كانت هناك ثورة ولا مقاومة وما كان لهم أدنى بريق ولما أصبحوا اليوم الأداة السحرية الناجعة التي يستخدمها الاثنا عشريون في اليمن لاستقطاب قواعد الزيدية.
ولو تأملنا جيدا فإن الذي يحدث في اليمن أن الإثني عشريين يدعون الزيديين لاعتناق الإثني عشرية بسبب روعة أصول الزيدية وثبوت صحتها واضطرار رموز الاثني عشرية لها بعد أكثر من 1200 سنة من الانتظار والتعطيل لأحكام الله وحدوده وحكومته ، وبدلا من أن يعترفوا بذلك الرجوع أن الزيدية كانت على حق - بدلا من ذلك - يدعون شباب الزيدية لاعتناق الإثني عشرية !! وهذا كما هو واضح عكسٌ للحقائق وقراءة لها بالمقلوب ، فالأكثر منطقية بناء على نتائج الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية هو أن يدخل الإثنا عشريون في الزيدية أفواجا بعد أن اضطرهم الواقع إلى القول بقول الزيدية الذي طالما كان أسلافهم يشنعون به عليها.
ضرورة الحفاظ على خط أهل البيت
بعض الأشخاص الذين لديهم حساسية من المسميات المذهبية والتباينات الفكرية قد يستغرب لماذا الإصرار على الدفاع عن الزيدية (خط أهل البيت) وعدم القبول بالذوبان في بقية المذاهب واسعة الانتشار المدعومة بالدول والأموال والجماهير العريضة والقنوات التلفزيونية ، ولبيان ذلك من الضروري أن نستدرك أن الحق لا يحصى بالكثرة ولو كان الحق يعرف بالكثرة لكان الدين المسيحي هو الصحيح لأنه الأكثر !! كما أن الحق لا يحصى بالبريق المادي والإعلامي ولو كان الحق يعرف بالبريق المادي والإعلامي لكانت أمريكا والغرب مع الحق !! كما أن الحق لا يحصى بالجرأة وإحداث الأمر الواقع ولو كان الحق يعرف بالجرأة وإحداث الأمر الواقع لكانت إسرائيل على حق !!
والخط الذي عرف به أهل البيت عبر التاريخ والأصول والفروع التي تميزوا بها عن سواهم من مذاهب الإسلام من الضروري أن يبقى لها امتداد في هذه الأمة لأن أهل البيت هم عترة النبي الذين عرفوا بالعلم والزهد والعبادة والفضل والجهاد وهم رواة منهجه لاتصالهم به وقد وضعوا أنفسهم في موضع حماية الدين من تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين رغم ما قدموه من تضحيات جليلة في كل مفصل هام في تاريخ الإسلام المديد لا سيما وفكرهم طالما كان معتمدا على الشرع غير مناقض للعقل معينا لأئمة العدل مقداما في مواجهة الظلم ولم يبل كغيره بالحشو ولا باعتقاد الأساطير فكان كما بشر به سيد المرسلين : "تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض".
1- ماذا يمكن لفكر الزيدية أن يقدمه لهذه الأمة المتشظية من خدمة وخير : يكفي الزيدية أنها جسر وسطي مؤصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمكن للفرقاء في هذه الأمة اللقاء عنده فهو شيعة السنة وسنة الشيعة ومن الخطأ التفريط به ومحاولة إلغائه.
وبدلا من أن يلجأ العقلاء إلى ابتداع فكر وسطي عقلاني في هذا العصر للتخلص من الحشو والتناقضات والأساطير والحساسيات المذهبية والسياسية والتاريخية فإن لهم في خط أهل البيت مندوحة عن ذلك وهو الخط الممهور بدماء العترة في جميع مفاصل التاريخ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متصلا غير منفصل.
2- هل يعتبر حديثنا المتكرر عن الزيدية وحمايتها من الاثني عشرية حديثا مذهبيا ضيقا لا تسامح معه ولا مكان للحوار فيه : قد يكون قد اختلط على من يظن ذلك الفرق بين احترام الفكر الآخر والثبات على ما يعتقد الانسان بصحته وقد يكون قد غاب عن أذهانهم أن الاعتقاد بصحة فكر معين وضرورة الحفاظ عليه والدفاع عنه ليس عيبا طالما كنت معتمدا في ذلك على الدليل لا على الجمود والتعصب والتحجر فكيف بك وأنت تؤصله إلى رسول الله عبر العترة الزكية وتعتبره الحل لمشكلة التباينات الفكرية والمذهبية في هذه الأمة ونقطة اللقاء فيها والوسط ؟!
ليس معنى احترام المذاهب الأخرى أن لا تدافع عن فكرك (الذي ترى فيه الحق) إذا ما استعداه الآخرون وليس معنى احترام الحوار التغاضي عن المؤامرات والسفاهات المؤدية إلى حرب مذهبية ، فإذا ما كان فكرك مجسدا للوسطية وقادرا على التواصل مع الجميع وقد قدم تضحيات جليلة عبر التاريخ فالأحرى أن يحافظ عليه الجميع وأنت أولهم.
وربما غاب عن البعض في معنى قول الحق تبارك وتعالى : " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله " أن الأمر بالحوار مع أهل الكتاب واحترامهم والبحث عن القواسم المشتركة بيننا وبينهم لا يلغي وجود التباين بين ديننا ودينهم ولا يلغي أننا على الحق وأنهم على الباطل.
3- هل إدانتنا نشر الاثني عشرية في أوساط الزيدية هو بسبب عدم ثقتنا بفكر الزيدية في مواجهة الاثني عشرية ؟ : لا نحتاج إزاء هذه الفكرة سوى أن نوضح بأن ما يثير حفيظتنا هو استغلال حالة الاستضعاف التي تمر بها الزيدية منذ عقود تلك الحالة التي تمنعها من أن تنظم نفسها وقواعدها بأبسط مقومات التنظيم لا عدم ثقتنا بفكر أهل البيت المحفوظ ، كما أننا نعتبر التطويرات الزيدية التي حدثت في النظرية الاثني عشرية هي السبب في هذا الاستغلال وهو ما يجعلنا نرى الأمر باعتباره قراءة بالمقلوب والمفروض أن يدخل الاثنا عشريون إلى الزيدية أفواجا بهذه التطويرات ، ولا علاقة للثقة بالفكر الزيدي من عدمها بإدانة هذا الاستغلال وهذه القراءة المقلوبة ، كما أنه لا علاقة للثقة بالدين الإسلامي من عدمها بإدانة تشويه صورة الإسلام واستغلال ضعف المسلمين ودعم الحركات التبشيرية والعلمانية في مجتمعاتنا !!
4- لماذا نتحمل مسؤولية الحفاظ على الزيدية ولماذا نخشى التفريط بها : لأنها فكر أهل البيت الذي تميزوا به عبر العصور منذ رسول الله مرورا بأمير المؤمنين عليه السلام مرورا بالسبطين وزين العابدين والحسن المثنى مرورا بالباقر وزيد ابني زين العابدين وعبدالله وابراهيم ابني المثنى مرورا بجميع أعلام أهل البيت الحسنية والحسينية كالنفس الزكية وجعفر الصادق والقاسم الرسي والهادي يحيى والناصر الأطروش وغيرهم من أهل الجهاد والعلم والبذل.
نخشى من التفريط بها فنكون مسؤولين أمام الله ورسوله وأهل بيته لأنها الفكر الوسطي العقلاني الذي له تجربة تطبيقية ثرية انعكست على فقهه وعلاقته بالمذاهب الأخرى إيجابا ووعيا وتسامحا وواقعية وهو يمثل جسر الصلة الأخير في هذه الأمة وينظر باحترام إلى جميع المذاهب الإسلامية سنية كانت أو شيعية ويتعاطى مع إضاءاتهم بإنصاف لا بحساسية وإنكار وهو الفكر الذي تعاطف مع تجربة الإخوان المسلمين السنية في مصر و تجربة حركة حماس السنية حديثا في فلسطين كما تعاطف مع ثورة الإمام الخميني وصمود حزب الله رغم شيعيتها ، وعندما نلمس استغلال هذا الإنصاف عند الزيدية في التمدد على حسابها نعتبر ذلك كأنه عقاب للزيدية على تسامحها وإنصافها ووسطيتها ودفع لها لكي تبدأ بشحن أنصارها مذهبيا ضد الآخرين وغض الطرف عن إضاءاتهم التي ينظر إليها غير الزيدية من زاوية مذهبية شزرا بتكفير وتشنيع واتهام ولا يقبلون منها إلا ولا ذمة.
فمثل هذه الوسطية التي لها أصول ضاربة في الزمن يجب الحرص عليها ومن مصلحة الإسلام المحافظة على هذا الفكر العقلي المتسامح الممهور بالكثير من التضحيات عبر التاريخ بقيادة أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وليس واجب المحافظة عليه مختصا بنا وحدنا بل هو على جميع المسلمين العقلاء الذين يطلبون الوحدة ويرغبون في بناء الجسور وحل التناقضات وترميم التباينات والتخلص من الحشو والأساطير سواء كانوا سنة أو شيعة لا أن يسعوا إلى استئصاله والتوسع على حسابه كما يفعل الاثنا عشرية في اليمن وكما فعل الوهابيون من قبلهم.
التمييز بين حزب الله وبين الاثني عشريين في اليمن
ما زلنا نصر على ضرورة التفريق بين خط حزب الله والثورة الإسلامية من جهة وبين الاثني عشرية في اليمن من جهة أخرى رغم أن الجهتين تحملان نفس المسمى المذهبي ورغم حرص الإثني عشرية في اليمن على تقديم نفسها كوكيل شرعي للجمهورية الإسلامية وحزب الله في اليمن بل وتستخدم اسميهما كأهم وسائل الدعوة للمذهب الاثني عشري حتى توصل بعض الزيدية وبعض الشافعية – من باب رد الفعل – إلى النفور من الجمهورية الإسلامية ومن حزب الله والنظر إليهما من زواية مذهبية ضيقة واستحضار الخلاف التاريخي كلما تعلقت المسألة بهما ، وبالحصيلة أدت الأعمال الصبيانية للاثني عشرية في اليمن إلى زيادة عزلة إيران وحزب الله وخط الممانعة في معركتهم التاريخية مع أمريكا وإسرائيل ومن هنا تلتقي أجندة هذه الحركة الاثني عشرية في اليمن مع الأجندة الصهيوأمريكية ولذلك نسمع قادة الثورة الإسلامية وبعض رموزها كآية الله الجلالي والسيد حسن نصر الله يدينان التوسع المذهبي الاثني عشري ويعتبرانه حالة فردية لا يصح أن تصدق بها مقولة "التبشير بالاثني عشرية".
1- لماذا نعتبر الاثني عشرية في اليمن مخالفين لخط حزب الله رغم أنهم على مذهبه ؟ : من الخطأ أن نقيس مقدار التوافق والتباين بين الأشخاص والتنظيمات الفكرية والسياسية بالمسمى المذهبي أو باللبس أو بالشكل فكم من أجيال الاثني عشرية ماتت وهي تعتبر أن كل راية تخرج قبل راية المهدي هي راية ضلال ؟! وكم من التنظيمات الاثني عشرية ما زالت ترى هذا الرأي حتى الآن بل ووقعت في تخطئة الإمام الخميني ومجافاة نهج حزب الله ؟! فمثل هذه الأجيال ومثل هذه التنظيمات لا يمكن اعتبارها أجيالا أو تنظيمات موافقة للثورة الإسلامية ولخط حزب الله أكثر منا رغم أن مسماها المذهبي كحزب الله ولبسها كحزب الله ، وإذا ما افترضنا أن الاثني عشرية في اليمن (وأغلبها حوزوي شيرازي أو سيستاني) تطرح نفسها على أنها مؤمنة بولاية الفقيه فإن ذلك لا يجعلها على وفاق مع خط حزب الله طالما كانت استراتيجيتها مخالفة له فإن التوافق بينها وبين خط المقاومة سيظل توافقا شكليا طالما كانت مباينة له في الاستراتيجية والأهداف بل يمكن أن تنتقل بهذا التباين في الاستراتيجية والأهداف إلى خانة العداوة رغم التوافق في المسمى والشكل!!!
وكم من عربي مسلم يعتقد كما نعتقد ويصلي كما نصلي ويصوم كما نصوم وهو متوافق مع أعداء الإسلام ويعمل ضمن أجندتهم ويدور في فلكهم سواء شعر بذلك أو لم يشعر فهل مسماه أو لبسه جعله منا ؟! بالطبع لا..
2- كيف نقيس مقدار التوافق : يمكن القول إن البعض يقيس مقدار التوافق بالشكل أو باللبس أو الحركات أو الاعتقادات الخاصة أو بالمسمى المذهبي رغم المجافاة في الخط العام والرؤية الاستراتيجية والأهداف العليا ولذلك تراهم وفي ظل إعجابهم بحزب الله وانبهارهم به وبإعلامه يميلون إلى لبس ما يلبس والتلفظ بما يتلفظ والاعتقاد بما يعتقد متجاهلين السبب الأساسي الذي جعلهم ينبهرون به وهو الجهاد والتضحية والصمود والوعي والإيمان بالله واليوم الآخر والرسول والكتاب والتزود من وقود تضحيات أهل البيت الخالدة وعدم الانتظار للمعصوم الغائب والأخذ بالأسباب والسنن التاريخية والطبيعية والحرص على عدم افتعال شروخ مذهبية !! وهؤلاء ليسوا بأفضل حالا ممن ينبهر بالحضارة الغربية فيلبس كما تلبس ويتلفظ كما تتلفظ ويعتقد بما تعتقد متجاهلا السبب الأساسي الذي جعله ينبهر بها وهو العلم والتكنولوجيا والتفاني في العمل والخضوع للنظام والقانون.
وكدليل على كلامي فإن بعض الاثني عشرية يضطرون إثر النقاش المستفيض إلى الخلوص بعدم مشروعة ولاية الفقيه وبأنها منافية للنظرية الاثني عشرية !! فهم هنا في اقترابهم من الإمام الخميني وحزب الله إنما يبتعدون عن ولاية الفقيه التي كان بها شرف الإمام الخميني وحزب الله في الدنيا والدين !! أليسوا إذن سطحيين ومعاكسين لروح ما ذهب إليه الإمام الخميني وحزب الله ؟!
هذا وقد سمعت بعض الاثني عشرية يصرحون بأن ما جاء به الإمام الخميني لم يأت به أحد من الفقهاء منذ 1200سنة ومعنى ذلك أنه مبتدع في الدين !! والابتداع في الدين هو جريمة كبرى لاسيما وهو صادر عن شخص غير معصوم ولا منصوص عليه !! وليس للإمام الخميني أو لمن يخشى على عرضه الشريف من هذه التهمة الشنيعة من مخرج سوى أن يكون له أصل يخرجه من دائرة الابتداع إلى دائرة المشروعية وليس له ذلك المخرج سوى في سيرة الثائرين من أهل البيت عليهم السلام (من غير المعصومين حسب مصطلح الاثني عشرية) وفي ما أرساه أئمتها بدمائهم عبر التاريخ.
ولو ظهر الوجه الحقيقي للاثني عشرية في اليمن لنالوا من الإمام الخميني ولخطأوه (رغم أنهم استخدموه كورقة مفيدة وناجعة للدعوة إلى الاثني عشرية) لأنهم يتبعون في معظمهم حوزات مدرسية كانت تعترض على ما فعله الإمام الخميني وترى فيه خروجا على أصول الاثني عشرية.
إذا كانوا ينتمون إلى تلك الحوزات المدرسية فإن من الطبيعي أن يكونوا أعداء لخط الثورة والحكومة والجهاد في ظل غياب المعصوم وأن يستجيزوا - في ظل التقية – أن يلبسوا قناع الثورة الإسلامية والمقاومة اللبنانية للإساءة إليها ولتصفية الحساب معها وقد أباحت لنفسها اختصاصات الإمام المعصوم الغائب.
تبرئة المقاومة اللبنانية مما يفعله الاثنا عشرية في اليمن
أما لماذا نصر على تبرئة الجمهورية الإسلامية والمقاومة اللبنانية مما يفعله الاثنا عشريون في اليمن رغم أنهم يستخدون اسم حزب الله والثورة الإسلامية دائما في نشر مذهبهم :
أولا نحن نميل إلى تصديق السيد حسن نصر الله ونستبعد أنه يستخدم أسلوب التقية في إدانته نشر الاثني عشرية في اليمن أو غيرها وهو الصادق الذي شهد له العدو المعاند بالصدق ، كما أننا ندرك جيدا أن ما يفعله الاثنا عشريون في اليمن وغيرها يضر بالمقاومة ويحشرها في زواية مذهبية ضيقة ويجعلها مكشوفة ووحيدة أمام العدو ويعزلها عن العمق الاستراتيجي الذي تمثله شريحة كبيرة من أمة الإسلام ليست على مذهب الاثني عشرية وهو ما لا يمكن أن يتورط في مثله حزب الله وهو المعروف بحنكته الاستراتيجية والسياسية.
السيد حسن نصر الله
1- يعتبر البعض أن ثقتنا بالسيد حسن نصر الله تلزمنا بتصديقه في اعتقاده بالمهدي الغائب : هذا خطأ فالمعلوم في فكر الزيدية والاثني عشرية أن التقليد في أصول الدين لغير المعصومين حرام شرعا لأن "النظر واجب" وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول ذاما : "من أخذ دينه عن أفواه الرجال أخذته الرجال من يمين إلى شمال" ، فلا يجوز تقليد السيد حسن نصر الله في اعتقاداته لا عند الزيدية ولا عند الاثني عشرية ، وفي تقليده مخالفة للمذهبين ووقوع في الحرام بل يجب النظر في المسألة بالدليل لا بالتقليد.
وللأسف فإن البعض يخلط بين شهادة الصادق وبين اعتقاد الصادق ويتعامل مع اعتقاد الصادق كما يتعامل مع شهادته رغم أن ثمة فرق بينهما لا يخفى على متأمل.
فالسيد حسن لم يقل يوما إنه لقي المهدي أو تلقى أوامره منه أو شاهده (عكس ما يروج له بعض الباطنية مدمني الكذب عديمي الحيلة والحجة) ، وغاية ما نسمعه منه أنه يعتقد بالمهدي الغائب المولود منذ 1200سنة واعتقاده هذا ليس دليلا كدعوى المشاهدة (بشروطها) ولا يلزمنا منه شيء شرعا أو عقلا.
ولو أجزنا تقليد عقائد من نثق بصدقهم ونزاهتهم ونضالهم لأجزنا تقليد الشيخ أحمد ياسين في سنيته ولأجزنا تقليد السيد عمر المختار في مالكيته ولأجزنا تقليد غاندي في بوذيته ولأجزنا تقليد جيفارا في شيوعيته ولأجزنا تقليد مانديلا في مسيحيته !!
ونحمد الله تعالى أن السيد حسن نصر الله ما زال حيا يرزق وإلا لسمعنا مختلف الروايات الباطنية التي تزعم أنه لقي المهدي وتلقى أوامره منه (وهو ما نسبه الباطنيون للإمام الخميني بعد موته) ، ويبدو لي أن التاريخ يعيد نفسه فلطالما كان الاثنا عشرية عبر التاريخ يفترضون افتراضات باطنية من هذا القبيل لتبرير التناقضات الطارئة على نظريتهم وسأفرد لإيجازها بابا خاصا في هذا البحث بعنوان "لعبة الافتراض والتقية عند الاثني عشرية" والتي حاولت فيها توضيح أسلوب الاثني عشرية عندما كانوا يجابهون بظواهر مخالفة لنظريتهم فإنهم يلجأون إلى لعبة التقية التي يصح بها أن ينسبوا ما يشاؤون لمن يشاؤون كيفما تقتضي حاجة الجدل ، وهو ما استخدموه مرارا في تفسير الكثير من الظواهر المتنافية مع النظرية الاثني عشرية.
2- لماذا لا نتعامل مع السيد حسن نصر الله على أنه رافضي : من المعلوم أن أول من أطلق اسم الرافضة كان هو الإمام الولي بن الولي زيد بن علي عليه السلام إذ أطلقه على من رفض الجهاد معه بحجة الخلاف الفكري ، ولا نعلم لو كان السيد حسن نصر الله في ذلك الزمان هل كان سيرفض الجهاد مع الإمام زيد بحجة الخلاف الفكري وهو الذي يناصر حركة حماس السنية التي خلافه معها أكبر من خلافه مع زيد عليه السلام ؟!
نحن نستبعد ذلك الموقف من السيد حسن نصر الله وهو الذي يعاني الأمرين بسبب النظرة المذهبية الضيقة التي تستهدفه من أعدائه والتي تصل أحيانا إلى حد الإفتاء بتحريم الدعاء له ووجوب رفضه وخذلانه لأنه ينتمي إلى مذهب معين أو يعتقد أفكارا معينة.
ولذلك فنحن لا نعتبر السيد حسن نصر الله رافضيا بل نعتبر إن من يرفضه بحجة الخلاف الفكري هو الرافضي لاسيما وهو يقود راية فريدة في هذا العصر عنوانها الجهاد والتضحية والشهادة تجاوزت بحضورها غياب المعصوم الغائب وجسدت بجهادها وتضحياتها سيرة أهل البيت الأماجد وحفظت دمائهم الراعفة على صفحة الزمان ابتداء بالحسين المظلوم ومرورا بزيد المصلوب وعشرات أئمة العترة المذبوحين في العراء أو المغيبين في السجون أو المنفيين في الأرض أو المنتصرين بالدم على السيف والقائمين بالدين والحق والعدل والوسطية.
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 105
- اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm
الجزء الثاني:
إشكالات بين الزيدية والاثني عشرية (مع أحد المستبصرين)
بعد الثورة الإسلامية في إيران لم نكن نهتم كثيرا بالفرق بين الزيدية والاثني عشرية بل كنا نرى في نموذج الحكومة الإسلامية وحزب الله تجسيدا لما نعتقده من نظريات بل ذهب البعض منا إلى اعتباره امتدادا تاريخيا لخط الزيدية ، ولكن ما دفعنا للتركيز على الفوارق بين الزيدية والاثني عشرية والدخول في جدل فكري متزايد هو أن بعض الاثني عشرية في صنعاء دخل في أزمة فكرية حادة جعلته حائرا بين ما كان يعتقده من الزيدية وبين ما جد عليه من الاثني عشرية وكان يهوى التفكير بصوت مرتفع وكان يعمل على أن يرى المجالس مشغولة بالمناظرات بين الزيدية والاثني عشرية فأثار زوبعة مذهبية ومشاعر تاريخية مشحونة لم تكن حاضرة في هذا الجيل ، وجعل المشكلة الفردية التي كان يعاني منها شخصيا تتحول إلى مشكلة إجتماعية ثم مذهبية حولت تركيز الكثير من نقاط الاتفاق إلى نقاط الافتراق وتلك موهبة يتفرد بها ذلك الشخص لا نغبطه عليها ،، وكان بإمكانه أن يمارس حقه في اعتقاد ما يشاء بهدوء وبأقل قدر من الضجة وكان بإمكانه أيضا أن لا يشرع في نشر الاثني عشرية في أوساط الزيدية وهو في مرحلة البحث كما كان يقول ، فما فعله أدى إلى اصطفاف مذهبي لا سابق له كانت بعض ظواهره الإساءة إلى أئمة الزيدية من جهة بعض الاثني عشرية والحيرة في النظر إلى الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله من جهة بعض الزيدية.
وقد سمعنا في الآونة الأخيرة ذلك المستبصر يعلن من إيران أنه لم يخرج من الزيدية وإنما زاد عليها بعض الاعتقادات الاثني عشرية وهو ما يعكس تغيرا واضحا وتطورا ملموسا في أسلوبه الاستفزازي الذي ملأ المجالس في صنعاء بطرح الإشكالات على عوام الزيدية في محاولة لاستقطاب بعضهم وأدى إلى نفور معظمهم منه ومن إيران وحزب الله بعد استحضار مسماهما المذهبي المعادي للزيدية ، ويبدو أن الإيرانيين قد أوضحوا له الأضرار التي تسبب بها أسلوبه الإنفعالي غير المسؤول فعدل عنه وهو ما نحمده منه ونتمنى أن يستمر فيه.
وهذا الكلام من ناحية ثانية يعتبر تقدما مهما في عقيدته التي كانت لا تطمئن بنظرية الزيدية في السياسة وتطرح عليها الإشكالات (المطروحة أيضا على نظرية ولاية الفقيه) ، فإذا ثبت هذا الكلام عنه وكان صادقا فيه حيث لا تقية فإن ما يلزمه منه هو انتفاء تلك الإشكالات عنده ، ثم عليه وعلى من ينحون نحوه في اليمن خلال النقاش مع الزيديين إثبات الزيادة التي أصبح يعتقدها بطريقة تليق بقضايا عقائدية يدخل الإنسان بموجبها الجنة أو النار.
ومن ناحية ثالثة لا ندري !! هل يصح أن نقول إنه قد أصبح (إثني عشريا ناقص بعض الاعتقادات) لأننا لا ندري هل يوافق على الولاية التكوينية وجواز التعدد العمودي للآلهة وجواز سؤال البشر الأموات من دون الله والبداء والخروج من النار والرجعة والتقية وعلم الأئمة للغيب وقدرتهم على الإحياء والإماتة والخلق والإيجاد وأن كل راية تخرج قبل راية المعصوم الغائب فهي راية ضلال ؟!
وقد سمعنا تسجيلا بالصورة والصوت لذلك المستبصر يدلل فيه على ما جد عليه من اعتقادات اثني عشرية من ثنايا كتب الزيدية وقد رأينا في ذلك تدليسا على فكرنا ممهورا بالمغالطات والجهالات يجب علينا تفنيده والرد عليه إعمالا لحق الدفاع عن النفس والفكر ، ولذلك فنحن نحمل ذلك المستبصر المقيم حاليا في إيران مسؤولية هذا فتح هذا النقاش والآثار الجانبية المترتبة عليه.
أما عن الأسباب التي دفعت بذلك المستبصر للاعتقاد بالنظرية الاثني عشرية بعد أن كان زيديا فمن أهم الأسباب أن ذلك المستبصر قد تضخمت لديه بعض الشبه المطروحة على النظرية الزيدية كفكرة تنازع بعض الأئمة وكفكرة عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن عايش مرحلة عصيبة من الصراع لجأ إلى بعض آبائنا العلماء الأجلاء عسى أن يحلوا له تلك الإشكالات ويزيلوا حيرته بأجوبة كافية شافية ،، ولكنه صدم بأنهم لم يتجاوبوا معه بصورة تتناسب مع معاناته وحيرته ،، فكان هذا البرود منهم مبررا في نظره لسقوط النظرية الزيدية عنده وتصرف كأنما هو يعاقبهم لعدم تفاعلهم معه بما يلائم معاناته وحيرته بل إنه سمح لنفسه بافتراض أنه غلبهم وألجمهم وأفحمهم وأفحم النظرية التي يمثلونها رغم أنهم لم يكونوا يعلمون أنه يتفاعل بهذه الطريقة المأساوية – رغم أن بعضهم رد عليه كتابة - ،، ولو تأمل لأدرك جيدا أن علماءنا الأجلاء لم يعيشوا مرحلة صراع مع الاثني عشرية ولا يدركون بالضرورة عمق الحيرة التي كان يعاني منها ذلك المستبصر ولا غيره ممن تعلمنوا أو تويهبوا في هذه الآونة ،، ولذلك كانوا يتعاملون مع أسئلته باعتبارها استفسارات تبحث عن وصف ولا تحتاج لعلاج فلسفي وتحليلي وكمثال على ذلك فإنه كان يسألهم عن حديث الاثني عشر فكان بعضهم يرد عليه بأن معناه هو ستة من أولاد الحسن وستة من أولاد الحسين ،، فكان يفترض بناء على ذلك أنهم يقرون بصحة الحديث بل ربما افترض أنهم يقرون بتواتره وربما افترض أنهم يصوبون الاعتماد عليه في مسائل الأصول وكل هذا وهم لا يصح عند باحث منصف..
لقد كانوا يجيبونه بناء على أنه زيدي لا بناء على أنه على شفا حيرة بين الزيدية والاثني عشرية ، وللتمثيل على الفرق بين الحالتين نفترض أحد الأشخاص سأل هذا السؤال : لماذا نعاني في حياتنا من الألم ؟! فالجواب عليه سيختلف بحسب تقييم المجيب للمشكلة التي يعاني منها السائل بتقييم السائل نفسه فلو ظن المجيب أن السائل مسلم تقي مؤمن بالله واليوم الآخر وراض بحكمه كانت إجابته : "لأن الله قد سن ذلك" جوابا كافيا شافيا لسؤاله ، أما لو ظن المجيب أن السائل مسلم على شفا حفرة من الإلحاد فإن الجواب عليه لا بد أن يكون فلسفيا تحليليا طويلا يعالج القضية من منبعها ويستأصلها من جذورها ..
ولا أدل على كلامي من أن العلماء الشباب من الزيدية الذين كانوا على اطلاع بقضية المستبصر ومعاناته قد بذلوا جهودا كبيرة لعلاج حيرته وتطمين نفسه ولكنه كان كمن يريد ذلك الجواب من العلماء الكهول ولا يقبله إلا منهم وإلا فإنه سيستهين به لأنه قد جاء من أقرانه.
ولو كان ذلك المستبصر صادقا في رغبته الوصول إلى الحق لما أنف من أن يوضح له بعض إخوانه من العلماء الشباب الذين ما زالوا يختزنون نفس القدر من الطاقة الذي يختزنه في مجال البحث والجدل ،، لاسيما وقد ناقشه بعضهم نقاشا مكررا وأوصلوه في حالات كثيرة إلى السكوت والإطراق والاعتذار بأنه ما يزال باحثا ،، وبعد فترة يأتيهم بردود على ما كان قد أفحم فيه ،، وكأنما كان يناور من أجل المزيد من الوقت لأنه قد أصبح فعلا على مذهب الاثني عشرية ولكن استخدامه لحجة الباحث ليست إلا على سبيل التقية وكحل للخروج من مأزق مؤقت لكي لا يضطر إلى التسليم بأنه فيما عزم إليه على خطأ..
لماذا لم يعتبر الردود المفحمة التي أوردها بعض العلماء الشباب عليه كافية في هذا المقام ؟! ولماذا ظل يضخم بعض الإشكالات السطحية على النظرية الزيدية ويجعلها مبررا لرفضها بينما يتجاهل تماما إشكالات كبيرة كبيرة ترد على النظرية الاثني عشرية من قبيل ثبوتها ومن قبيل اعتمادها على الظنيات ومن قبيل الاحتمالات الكبيرة لاختلاقها ومن قبيل الشركيات التي تنبثق عنها ، ولا أجد جوابا على ذلك إلا لأنه يتأثر كثيرا بواقع الزيدية السيء ويتأثر كثيرا بواقع الاثني عشرية المزدهر البراق هذه الأيام وهذا إن صح عنه فهو سمة تدل على السطحية والغفلة وتنذر بأنه قد يتقلب بين المذاهب والاعتقادات وربما الأديان بناء على موازين القوى والدعاية.. وربما هو ممن يعملون في إطار المثل الشهير "خالف تعرف" يعشق الأضواء ولفت الأنظار وإثارة الأجواء مهما كان الثمن .. وربما هو ينظرون للوجاهة وتحقيق الذات فلم يجدوا في البقاء في الزيدية بغيتهم وقدروا أنها عند الاثني عشرية.. الله أعلم
أما عن احتجاج ذلك المستبصر ببعض المرويات في كتب الزيدية والتي يقول إنها دلته على الاعتقاد بغيبة المعصوم الغائب : فقد طالعت تلك الروايات والنصوص وتأملتها فاستغربت أن يحتج بها من كان يوحي إنه على درجة كبيرة من العلم والفطنة والبحث ، وهي أشبه ما تكون بإيراد أحد المجسمة رواية "إن الله خلق آدم على صورته" الموجودة في كتاب "الأربعون حديثا" للإمام الخميني في إثبات عقيدة التجسيم وأنها عقيدة للإمام الخميني ، أو من يورد آية : "واعتزلكم وما تعبدون من دون الله" للتدليل على صحة مذهب الاعتزال الأصولي الاصطلاحي ، أو من يجتزئ "لا إله" للتدليل على نفي الألوهية في القرءان الكريم بما يخالف السياق العام !!
وقد طرح هذا الموقف الجديد للأخ المستبصر سؤالا قديما جديدا قوامه : لماذا لا نعتقد بإمامة المعصوم الغائب إذا كانت جميع صلاحياته اليوم هي بيد الولي الفقيه ونعتبر ذلك حلا نجمع به بين الزيدية والاثني عشرية ؟: هذا الحل وهذا الجمع هو حل وجمع تم به إصلاح السلبية في النظرية الاثني عشرية فأصبحت بعده أكثر واقعية وأصبح لها هذا الدور الجهادي العظيم في حين أنها قبله كانت غارقة في بحر من الانتظار طال أكثر من 1200سنة (ما يعادل أكثر من 80% من تاريخ الإسلام) ، ولذلك فإن الاعتقاد السائد في إيران اليوم بإمامة معصوم غائب جميع صلاحياته بيد الولي الفقيه (غير المعصوم) هو تطور عظيم يستحق الإشادة والمديح والنصرة والتشجيع وهو انتقال من موقع السلبية والخمول والعزلة إلى موقع الإيجابية والجهاد والمشاركة ، ولكنه مع ذلك يبقى انتقالا غير كامل ويبقى مشوبا ببعض العقائد المتناقضة معه والقابلة للجدل فيه ، وأخشى أن يؤدي هذا التناقض والتنافر بين اعتقاداته وتطبيقاته في يوم من الأيام إلى النكوص عنه ولن يكون هناك من تأصيل شرعي سليم له ولبريقه وعظمته وجهاده سوى النظرية الزيدية ولذلك فنحن حريصون على أن يعلم من يقوم بمثل هذا الإصلاح العظيم في الإثني عشرية ومن يتحمسون له بأن ما يقومون به وما يتحمسون له يتأصل بأصل شرعي يرتبط تاريخيا بالرسالة وبالعترة الطاهرة وقد دفع الكثير من أئمة أهل البيت دمائهم ثمنا له ودفاعا عنه وأن من توصل إليه اليوم من الاثني عشرية ليسوا مبتدعين به ولا مفارقين لخط أهل البيت مهما تعارض ذلك مع أصولهم أو مع الحوزات المدرسية بينهم.
وإن كان بعضهم يعتبر أن الاعتقاد بالمهدي الغائب الذي يعلم سرهم ونجواهم يمدهم بالقوة والعزم وأن الدعاء له يفرج الكرب فإننا كزيدية نكتفي بالاعتقاد بالله فهو الذي يعلم عندنا السر والنجوى وله تتوجه الأفئدة بالدعاء وحده إليه المرجع وإليه المصير.
الرجاء من الإدارة قفل الموضوع إلى أن أكمل نشر بقية الأجزاء
إشكالات بين الزيدية والاثني عشرية (مع أحد المستبصرين)
بعد الثورة الإسلامية في إيران لم نكن نهتم كثيرا بالفرق بين الزيدية والاثني عشرية بل كنا نرى في نموذج الحكومة الإسلامية وحزب الله تجسيدا لما نعتقده من نظريات بل ذهب البعض منا إلى اعتباره امتدادا تاريخيا لخط الزيدية ، ولكن ما دفعنا للتركيز على الفوارق بين الزيدية والاثني عشرية والدخول في جدل فكري متزايد هو أن بعض الاثني عشرية في صنعاء دخل في أزمة فكرية حادة جعلته حائرا بين ما كان يعتقده من الزيدية وبين ما جد عليه من الاثني عشرية وكان يهوى التفكير بصوت مرتفع وكان يعمل على أن يرى المجالس مشغولة بالمناظرات بين الزيدية والاثني عشرية فأثار زوبعة مذهبية ومشاعر تاريخية مشحونة لم تكن حاضرة في هذا الجيل ، وجعل المشكلة الفردية التي كان يعاني منها شخصيا تتحول إلى مشكلة إجتماعية ثم مذهبية حولت تركيز الكثير من نقاط الاتفاق إلى نقاط الافتراق وتلك موهبة يتفرد بها ذلك الشخص لا نغبطه عليها ،، وكان بإمكانه أن يمارس حقه في اعتقاد ما يشاء بهدوء وبأقل قدر من الضجة وكان بإمكانه أيضا أن لا يشرع في نشر الاثني عشرية في أوساط الزيدية وهو في مرحلة البحث كما كان يقول ، فما فعله أدى إلى اصطفاف مذهبي لا سابق له كانت بعض ظواهره الإساءة إلى أئمة الزيدية من جهة بعض الاثني عشرية والحيرة في النظر إلى الإمام الخميني والسيد حسن نصر الله من جهة بعض الزيدية.
وقد سمعنا في الآونة الأخيرة ذلك المستبصر يعلن من إيران أنه لم يخرج من الزيدية وإنما زاد عليها بعض الاعتقادات الاثني عشرية وهو ما يعكس تغيرا واضحا وتطورا ملموسا في أسلوبه الاستفزازي الذي ملأ المجالس في صنعاء بطرح الإشكالات على عوام الزيدية في محاولة لاستقطاب بعضهم وأدى إلى نفور معظمهم منه ومن إيران وحزب الله بعد استحضار مسماهما المذهبي المعادي للزيدية ، ويبدو أن الإيرانيين قد أوضحوا له الأضرار التي تسبب بها أسلوبه الإنفعالي غير المسؤول فعدل عنه وهو ما نحمده منه ونتمنى أن يستمر فيه.
وهذا الكلام من ناحية ثانية يعتبر تقدما مهما في عقيدته التي كانت لا تطمئن بنظرية الزيدية في السياسة وتطرح عليها الإشكالات (المطروحة أيضا على نظرية ولاية الفقيه) ، فإذا ثبت هذا الكلام عنه وكان صادقا فيه حيث لا تقية فإن ما يلزمه منه هو انتفاء تلك الإشكالات عنده ، ثم عليه وعلى من ينحون نحوه في اليمن خلال النقاش مع الزيديين إثبات الزيادة التي أصبح يعتقدها بطريقة تليق بقضايا عقائدية يدخل الإنسان بموجبها الجنة أو النار.
ومن ناحية ثالثة لا ندري !! هل يصح أن نقول إنه قد أصبح (إثني عشريا ناقص بعض الاعتقادات) لأننا لا ندري هل يوافق على الولاية التكوينية وجواز التعدد العمودي للآلهة وجواز سؤال البشر الأموات من دون الله والبداء والخروج من النار والرجعة والتقية وعلم الأئمة للغيب وقدرتهم على الإحياء والإماتة والخلق والإيجاد وأن كل راية تخرج قبل راية المعصوم الغائب فهي راية ضلال ؟!
وقد سمعنا تسجيلا بالصورة والصوت لذلك المستبصر يدلل فيه على ما جد عليه من اعتقادات اثني عشرية من ثنايا كتب الزيدية وقد رأينا في ذلك تدليسا على فكرنا ممهورا بالمغالطات والجهالات يجب علينا تفنيده والرد عليه إعمالا لحق الدفاع عن النفس والفكر ، ولذلك فنحن نحمل ذلك المستبصر المقيم حاليا في إيران مسؤولية هذا فتح هذا النقاش والآثار الجانبية المترتبة عليه.
أما عن الأسباب التي دفعت بذلك المستبصر للاعتقاد بالنظرية الاثني عشرية بعد أن كان زيديا فمن أهم الأسباب أن ذلك المستبصر قد تضخمت لديه بعض الشبه المطروحة على النظرية الزيدية كفكرة تنازع بعض الأئمة وكفكرة عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعد أن عايش مرحلة عصيبة من الصراع لجأ إلى بعض آبائنا العلماء الأجلاء عسى أن يحلوا له تلك الإشكالات ويزيلوا حيرته بأجوبة كافية شافية ،، ولكنه صدم بأنهم لم يتجاوبوا معه بصورة تتناسب مع معاناته وحيرته ،، فكان هذا البرود منهم مبررا في نظره لسقوط النظرية الزيدية عنده وتصرف كأنما هو يعاقبهم لعدم تفاعلهم معه بما يلائم معاناته وحيرته بل إنه سمح لنفسه بافتراض أنه غلبهم وألجمهم وأفحمهم وأفحم النظرية التي يمثلونها رغم أنهم لم يكونوا يعلمون أنه يتفاعل بهذه الطريقة المأساوية – رغم أن بعضهم رد عليه كتابة - ،، ولو تأمل لأدرك جيدا أن علماءنا الأجلاء لم يعيشوا مرحلة صراع مع الاثني عشرية ولا يدركون بالضرورة عمق الحيرة التي كان يعاني منها ذلك المستبصر ولا غيره ممن تعلمنوا أو تويهبوا في هذه الآونة ،، ولذلك كانوا يتعاملون مع أسئلته باعتبارها استفسارات تبحث عن وصف ولا تحتاج لعلاج فلسفي وتحليلي وكمثال على ذلك فإنه كان يسألهم عن حديث الاثني عشر فكان بعضهم يرد عليه بأن معناه هو ستة من أولاد الحسن وستة من أولاد الحسين ،، فكان يفترض بناء على ذلك أنهم يقرون بصحة الحديث بل ربما افترض أنهم يقرون بتواتره وربما افترض أنهم يصوبون الاعتماد عليه في مسائل الأصول وكل هذا وهم لا يصح عند باحث منصف..
لقد كانوا يجيبونه بناء على أنه زيدي لا بناء على أنه على شفا حيرة بين الزيدية والاثني عشرية ، وللتمثيل على الفرق بين الحالتين نفترض أحد الأشخاص سأل هذا السؤال : لماذا نعاني في حياتنا من الألم ؟! فالجواب عليه سيختلف بحسب تقييم المجيب للمشكلة التي يعاني منها السائل بتقييم السائل نفسه فلو ظن المجيب أن السائل مسلم تقي مؤمن بالله واليوم الآخر وراض بحكمه كانت إجابته : "لأن الله قد سن ذلك" جوابا كافيا شافيا لسؤاله ، أما لو ظن المجيب أن السائل مسلم على شفا حفرة من الإلحاد فإن الجواب عليه لا بد أن يكون فلسفيا تحليليا طويلا يعالج القضية من منبعها ويستأصلها من جذورها ..
ولا أدل على كلامي من أن العلماء الشباب من الزيدية الذين كانوا على اطلاع بقضية المستبصر ومعاناته قد بذلوا جهودا كبيرة لعلاج حيرته وتطمين نفسه ولكنه كان كمن يريد ذلك الجواب من العلماء الكهول ولا يقبله إلا منهم وإلا فإنه سيستهين به لأنه قد جاء من أقرانه.
ولو كان ذلك المستبصر صادقا في رغبته الوصول إلى الحق لما أنف من أن يوضح له بعض إخوانه من العلماء الشباب الذين ما زالوا يختزنون نفس القدر من الطاقة الذي يختزنه في مجال البحث والجدل ،، لاسيما وقد ناقشه بعضهم نقاشا مكررا وأوصلوه في حالات كثيرة إلى السكوت والإطراق والاعتذار بأنه ما يزال باحثا ،، وبعد فترة يأتيهم بردود على ما كان قد أفحم فيه ،، وكأنما كان يناور من أجل المزيد من الوقت لأنه قد أصبح فعلا على مذهب الاثني عشرية ولكن استخدامه لحجة الباحث ليست إلا على سبيل التقية وكحل للخروج من مأزق مؤقت لكي لا يضطر إلى التسليم بأنه فيما عزم إليه على خطأ..
لماذا لم يعتبر الردود المفحمة التي أوردها بعض العلماء الشباب عليه كافية في هذا المقام ؟! ولماذا ظل يضخم بعض الإشكالات السطحية على النظرية الزيدية ويجعلها مبررا لرفضها بينما يتجاهل تماما إشكالات كبيرة كبيرة ترد على النظرية الاثني عشرية من قبيل ثبوتها ومن قبيل اعتمادها على الظنيات ومن قبيل الاحتمالات الكبيرة لاختلاقها ومن قبيل الشركيات التي تنبثق عنها ، ولا أجد جوابا على ذلك إلا لأنه يتأثر كثيرا بواقع الزيدية السيء ويتأثر كثيرا بواقع الاثني عشرية المزدهر البراق هذه الأيام وهذا إن صح عنه فهو سمة تدل على السطحية والغفلة وتنذر بأنه قد يتقلب بين المذاهب والاعتقادات وربما الأديان بناء على موازين القوى والدعاية.. وربما هو ممن يعملون في إطار المثل الشهير "خالف تعرف" يعشق الأضواء ولفت الأنظار وإثارة الأجواء مهما كان الثمن .. وربما هو ينظرون للوجاهة وتحقيق الذات فلم يجدوا في البقاء في الزيدية بغيتهم وقدروا أنها عند الاثني عشرية.. الله أعلم
أما عن احتجاج ذلك المستبصر ببعض المرويات في كتب الزيدية والتي يقول إنها دلته على الاعتقاد بغيبة المعصوم الغائب : فقد طالعت تلك الروايات والنصوص وتأملتها فاستغربت أن يحتج بها من كان يوحي إنه على درجة كبيرة من العلم والفطنة والبحث ، وهي أشبه ما تكون بإيراد أحد المجسمة رواية "إن الله خلق آدم على صورته" الموجودة في كتاب "الأربعون حديثا" للإمام الخميني في إثبات عقيدة التجسيم وأنها عقيدة للإمام الخميني ، أو من يورد آية : "واعتزلكم وما تعبدون من دون الله" للتدليل على صحة مذهب الاعتزال الأصولي الاصطلاحي ، أو من يجتزئ "لا إله" للتدليل على نفي الألوهية في القرءان الكريم بما يخالف السياق العام !!
وقد طرح هذا الموقف الجديد للأخ المستبصر سؤالا قديما جديدا قوامه : لماذا لا نعتقد بإمامة المعصوم الغائب إذا كانت جميع صلاحياته اليوم هي بيد الولي الفقيه ونعتبر ذلك حلا نجمع به بين الزيدية والاثني عشرية ؟: هذا الحل وهذا الجمع هو حل وجمع تم به إصلاح السلبية في النظرية الاثني عشرية فأصبحت بعده أكثر واقعية وأصبح لها هذا الدور الجهادي العظيم في حين أنها قبله كانت غارقة في بحر من الانتظار طال أكثر من 1200سنة (ما يعادل أكثر من 80% من تاريخ الإسلام) ، ولذلك فإن الاعتقاد السائد في إيران اليوم بإمامة معصوم غائب جميع صلاحياته بيد الولي الفقيه (غير المعصوم) هو تطور عظيم يستحق الإشادة والمديح والنصرة والتشجيع وهو انتقال من موقع السلبية والخمول والعزلة إلى موقع الإيجابية والجهاد والمشاركة ، ولكنه مع ذلك يبقى انتقالا غير كامل ويبقى مشوبا ببعض العقائد المتناقضة معه والقابلة للجدل فيه ، وأخشى أن يؤدي هذا التناقض والتنافر بين اعتقاداته وتطبيقاته في يوم من الأيام إلى النكوص عنه ولن يكون هناك من تأصيل شرعي سليم له ولبريقه وعظمته وجهاده سوى النظرية الزيدية ولذلك فنحن حريصون على أن يعلم من يقوم بمثل هذا الإصلاح العظيم في الإثني عشرية ومن يتحمسون له بأن ما يقومون به وما يتحمسون له يتأصل بأصل شرعي يرتبط تاريخيا بالرسالة وبالعترة الطاهرة وقد دفع الكثير من أئمة أهل البيت دمائهم ثمنا له ودفاعا عنه وأن من توصل إليه اليوم من الاثني عشرية ليسوا مبتدعين به ولا مفارقين لخط أهل البيت مهما تعارض ذلك مع أصولهم أو مع الحوزات المدرسية بينهم.
وإن كان بعضهم يعتبر أن الاعتقاد بالمهدي الغائب الذي يعلم سرهم ونجواهم يمدهم بالقوة والعزم وأن الدعاء له يفرج الكرب فإننا كزيدية نكتفي بالاعتقاد بالله فهو الذي يعلم عندنا السر والنجوى وله تتوجه الأفئدة بالدعاء وحده إليه المرجع وإليه المصير.
الرجاء من الإدارة قفل الموضوع إلى أن أكمل نشر بقية الأجزاء