الإسلام والعقلانية
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 22
- اشترك في: الثلاثاء سبتمبر 25, 2007 11:48 am
- مكان: صنعاء
الإسلام والعقلانية
بسم الله الرحمن الرحيم
نعلم أن الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم وجه الدعوة الإسلامية إلى العقلاء من معاصريه ، ولم يوجهها إلى الأطفال ولا الصبيان ولا المجانين ، وإنما توجه بها إلى المكلفين العقلاء.
وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاطب بالدعوة عقولهم وتفكيرهم ، ودعاهم إلى البحث والتأمل في صحة ما يدعوهم إليه ، ولاشك أن البحث والتأمل والتفكير هو عمل العقل ، ولذلك فالذي لا يستطيع التفكير والتمييز لا تكليف عليه.
ولهذا بنى الإسلام صحة التكليف على وجود العقل وكماله ، فإذا فقد الإنسان العقل فإنه يصبح غير مكلف وغير مخاطب بشيء مطلقا ، لإن مدار التكليف والتحمل بالحقوق والواجبات هو وجود العقل ، وهذا أمر مقبول إذ لا فائدة ترجى من توجيه الخطاب إلى من لا يعقل لتعذر إدراكه معاني الخطاب .
ولقد جاء في القرآن الكريم عدد من الآيات تظهر أهمية العقل ، وتحث على التفكير والتأمل والبحث, من هذه الآيات :
(لقوم يعقلون)
(لقوم يبصرون)
(أفلا يعقلون)
(أفلا يبصرون)
(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)
(فاعتبروا يا أولي الأبصار)
(قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة إن هو إلا نذير بين يدي عذاب شديد).
فالقرآن في هذه الآيات يحث الناس على استخدام عقولهم ، وأن لا يجعلوا على العقل حواجز تمنعه التفكير والتأمل , وفي قول الله تعالى (أم على قلوب أقفالها) دلالة واضحة على النهي عن وضع الحواجز والموانع التي تمنع العقل من التفكير.
والآيات التي تنص على التذكر والاعتبار توجه أنظارنا إلى ربط المسائل بعضها ببعض لإحداث استنتاج وهذه مسألة عقلية يؤكد عليها القرآن الكريم.
كما أن الدعوة إلى التفكير والتأمل واضحة تماماً في قوله تعالى : (قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة) ، وفي قوله تعالى : (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق).
فالنظر هنا ليس نظر العين ؛ لأن وجود الخلق سابق على وجود الإنسان بملايين السنين ، والنظر الذي يطلبه القرآن منا هو التفكير والتأمل والبحث لنكتشف كيف بدأ الله سبحانه وتعالى الخلق.
ولقد فهم المسلمون الأوائل هذا التعامل مع النصوص التشريعية فكانوا يتأملون ويبحثون ، وكان هذا دأبهم ، ولكن ومع مرور الزمن ظهرت فرقة أخرى أدت المتغيرات السياسية والاجتماعية إلى ظهورها هذه الفرقة تمحورُ منهجها في وجوب التسليم بالظواهر اللفظية للنصوص التشريعية وعدم استعمالها فيما وراء المباشر الظاهر منها.
ولم يكن لهذه الفئة من تأثير كبير لقرب العهد بالرسالة الإسلامية ، ووضوح السيرة النبوية لدى المسلمين الأوائل ...
ولكن الرعاية الرسمية والخدمة الكبيرة التي حصل عليها هذا الاتجاه منولاة الأمر , وبعض المنتسبين إلى الدين الذين لهم مصالح يرعاها هذا الاتجاه في ذلك الحين أديَا إلى بروز هذه الفئة .في حين كان المنهج العقلي في فهم النصوص هو المسيطر على التفكير العام في الأمة الإسلامية.
فئة ذات منهج معارض للفهم والتأمل والتفكير واستخدام العقل .
ولقد بدأ صراع بين المنهج العقلي في فهم النصوص والمنهج المعادي للتفكير والتأمل , المرتكز على ظواهر النصوص ، مع أن المنهج العقلي لا يدعو إلى استبدال الشريعة بأخرى ، إنما يؤكد على وجوب استخدام العقل لفهم المراد من النصوص الشرعية ، معتبراً أن الالتزام بآراء العلماء السابقين في فهم النصوص الشرعية غير واجب .
وأن فهم مراد الله تعالى منا يعتمد على النص الشرعي ، وعلى ما طبع في العقول من المسلمات التي وضعها الله تعالى فيها.
فهؤلاء يرون أن العقل لا يجابه القرآن ..، فإذا كان القرآن موضحاً لمراد الله تعالى فإن العقل هو الجانب الآخر الموضح لمراد الله تعالى.
فمن جهة أنزل الله تعالى القرآن الكريم متضمناً النص الشرعي ، ومن جهة أخرى وضع الله تعالى في العقول مسلمات لا بد منها لقيام الحياة الإنسانية على هذه الأرض , منها المسلمات الرياضية والأخلاقية , كما يرون أن القواعد والسنن التي وضعها الله تعالى لتسير الحياة وفق خصائصها ، وما أودعه الله تعالى فيها من جِبلّة تنتج آثارها المطلوبة منها , هي أيضاً أحكام إلهية.
فالحيوان لا يفهم من الرياضيات صغيراً ولا كبيراً ، ولكن المسلمة العقلية التي تقول أن ١ +١ يساوي اثنان هي حكم إلهي لا يتغير موضوع في عقول الناس جميعاً ، وأيضاً المسلمة العقلية التي تقول : إن النقيضين لا يجتمعان حكم إلهي موضوع في عقول الناس جميعآً، وما يحكم العقل به من حُسن بعض الأفعال أو قبحَها مبني على ما أوجده الله تعالى فيه من مسلمات متعلقة بالأفعال هي أحكام مطبوعة فيه.
وليس من أحد يدعي أنه واضع هذه المسلمات في العقل ، فالواضع لها في العقل هو الله سبحانه وتعالى ، وعليها شاء سبحانه وتعالى أن يجعل مدار التكليف لبني الإنسان ، فلو فقد الإنسان هذه المسلمات المطبوعة فيه لصار كالحيوان لا يفهم.
فالعقل ليس في مواجهة القرآن الكريم لأن العقل والقرآن كلاهما من عند الله سبحانه وتعالى .
فالعقل يستخدم هذه المسلمات لفهم النصوص النقلية فيبقى القرآن الكريم لا يعتريه تفسير باطل ، أو مصحوب بهوى أوغرض ولتبقى السنة النبوية خالية من الإضافات والوضع والتزوير ؛ لأن العقل يستطيع أن يميز ما يخالف مراد الله تعالى فيحكم بعدم قبوله ويرده.
وفي الجانب الآخر المنهج النصي الظاهري الذي يقف ضد العقل واستخدامه ويعتبره عدو الإنسان الذي يجب أن يحاربه ويقف ضده ، إنما نجح في البداية لتلبسه بستار الدين ، وإظهار مظاهر التدين الشكلية التي توحي بالالتزام الديني ، ولذلك فقد تأثر كثير من الناس بزي التدين الذي حمله أصحاب هذا المنهج واتسعت رقعة المتأثرين به حتى شملت معظم البلاد الإسلامية ، ومعظم أتباع المذاهب والفرق الدينية.
نعم.. لقد غلب طابع الزي الشكلي على جوهر الدين وحقيقته ، فانحرف فهم الشريعة عن ما أراده الله تعالى لنا ، وتقدم هؤلاء خطوة أخرى في القضاء على التفكير والتأمل في النصوص الدينية فحكموا باتباع مفاهيم العصور السابقة للنصوص, وحرموا إيجاد آراء جديدة تلغي أو تحد من المفاهيم السابقة ، ولعل في ذلك سبب التدهور الحضاري الذي لحق بالأمة .
فالحضارات الإنسانية التي وجدت في الزمن الماضي ما كانت لتوجد لولا الاعتماد على العلوم والمنهج العقلي ، فذلك شأن الحضارة الصينية والهندية والبابلية واليونانية...الخ ، والحضارة الإسلامية يوم أن سيطرت على رقعة كبيرة من العالم ، واشتهرت في أرجاء المعمورة إنما كانت معتمدة على المنهج العقلي فذلك كان دأب الفقهاء والعلماء في ذلك الزمن ، وما وصول الأمة في أوج حضارتها أيام المأمون إلا دليل واضح على هذا المنهج المتبع.
فالفكر الجامد لا يمكن أن يبني حضارة ، والنهضة الغربية لم تبدأ إلا عند أن تحرر الإنسان الغربي من التقليد والجمود ، وبدأ ينهض ثقافياً ، وقدّم في ذلك الكثير من العلماء والمفكرين الذين طوردوا وقتلوا وشردوا ، ولكنه استمر حتى امتلك الأسس الثقافية لبناء حضارته التي نشاهدها اليوم.
ولقد سبق المسلمون الغرب في الوصول إلى حضارة راقية وعالية البناء إلا أن انعكاس المسألة لديهم ، وسيطرة العلماء الشكليين على معتقدات الأمة ، ووضعهم الأمة في حجر زاوية لا تستطيع الخروج منها مثّـل نكسةً دينيةً لحقتها انتكاسات كثيرة متوالية أدت إلى ضياع هذه الأمة.
واليوم عند أن ندعي بأننا كنا بناة حضارة لا يمكن إطلاق هذا القول على هناته فيجب تحديد أي منهج هو الذي شكل الحضارة الإسلامية وأوجدها ، هل هو المنهج العقلي الذي يحث على استخدام العقل لفهم مراد الله تعالى عقائدياً وفقهياً ، أو هو المنهج الذي يدعو إلى التمسك بظواهر النصوص ، والتمسك بفهم الماضين لها ؟ ويقف ضد كل قيم ورؤية جديدة ؟!...
فهذا المنهج لا يزال موجوداً إلى اليوم ، بل إن أتباعه هم المحددون لمسار التدين ، وفهم الدين في عالم اليوم.
ومن هنا فإن غير العقلاني لا يمكن أن يدعي أن أسلافه هم الذين سيطروا على العالم ، وبنوا الحضارة الإسلامية ، ذلك لأن بناءها كان على عاتق وكواهل العقلانيين من المسلمين.
فيجب أن نحدد أنّ المنهج العقلي هو الذي نسير عليه ونتبعه في فهمنا للدين لنستطيع القول بأننا كنا بناة الحضارة الإسلامية ؛ لأن اعتماد منهج مخالف لما قامت عليه الحضارة الإسلامية ، والإدعاء أننا بناة الحضارة الإسلامية يوحي بأن المنهج المعادي للعقل هو الذي بنى الحضارة الإسلامية وهذه مغالطة لا تليق بالمسلم الصادق .
والحمدلله رب العالمين.