الفكر الدخيل وتأثيره على اليمن (1)
بقلم / ضياء الدين الآنسي
المجتمعات نوعان مجتمع غني بفكره وتاريخه وتراثه قوي بوجوده وتأثيره، ومجتمع لا تاريخ له ولا تراث ولا فكر ولا ثقافة متأثر دائماً بالأفكار المحيطة به، ومجتمعنا اليمني من المجتمعات التي لها تاريخ وتراث وثقافة وفكر وهو مجتمع حي اكتسب ثقافته عبر تحولات تاريخية ضاربة في القدم تمتد إلى ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام ويعد من الشعوب التي كونت حضارة تاريخية لا زالت آثارها شاهدة على مدى العظمة التي عاشها الشعب اليمني العريق .
وزادت عظمة تاريخ وتراث أبناء اليمن وعراقتهم بعد اعتناقهم للإسلام حيث أن من مزايا الشعوب العظيمة بفكره أن تستجيب لكل فكر جديد وثقافة جديدة طالما هذا الفكر وتلك الثقافة سترفع من تماسك المجتمع وبالأخص عندما وجدوا في التعاليم السماوية مزايا قضت على سلبيات الجاهلية بما كانت تحمل في طياتها الكثير من الدمار والحروب والاستعباد.
ومن مزايا المجتمع اليمني في مسيرة تأثره وتأثيره بالأفكار ومع الأفكار أخذه بالمنهج العقلاني وهو ما أبعد أي فكر شاذ أو منحرف بعيد عن هذا المجتمع أو بمعنى أوضح أن المجتمع اليمني لم تؤثر في مسيرته الفكرية تلك الأفكار الشاذة أو الشيطانية وإن حدث مثل هذا الاختراق الفكري لهذا المجتمع فإنه يجابه بأفكار مستنيرة عقلانية أسرع ما تدحره وكأنه لم يكن.
وفي موضوعنا هذا سنستعرض تأثير الفكر الوهابي الدخيل على مجتمعنا ومدى قوة تأثيره على هذا المجتمع سلباً أو إيجاباً وقبل ذلك يجب علينا أن نجيب على عدة تساؤلات هامة في هذا الموضوع تكون مرتبطة به أو هي إحدى أساليبه ومن هذه التساؤلات عن كيفية اكتساب الشعوب لأفكار جديدة ودخلية والحالة اليمنية التي تم إدخال الفكر الوهابي الممتد بجذوره إلى بداية الصراع الإسلامي الإسلامي أو ما عرف بافتراق الأمة إلى سنة وشيعة وامتداد هذا الصراع إلى حاضرنا المعاصر وتأثيره.
باختصار إن اكتساب الثقافات والأفكار يتم عادة إما بالإقناع وقوة الحجة أو بالقوة المفرطة عبر الأعمال العسكرية أو بكليهما معا والفكر القوي الذي يخاطب العقل ويحقق الرغبات الإنسانية التي فطر الله الخلائق عليها ويستطيع التأثير على المجتمعات أياً كان نوعها ويصبح سلوكاً وثقافات يتعايش بها المجتمعات المتأثرة لفترات زمنية طويلة حتى يأتي بفكر جديد وقوي يجدد من الخطابات العقلية ويتماشى على الدوام مع حاجيات تلك المجتمعات الحية وهكذا يمكن ضرب مثل لمثل هذه الحالة بانتشار الدين الإسلامي وتوسع ذلك الانتشار يوما بعد يوم عبر الأخلاقيات والقيم الإنسانية العظيمة وبدون حروب.
وهناك أفكار قد تصادم محتوياتها القيم العقلية والفطرة البشرية للمجتمعات ولكن وجدت لهذه الأفكار الشاذة وسائل القوة المادية فشن أصحاب هذه الأفكار بوسائلهم حروبا متنوعة عسكرية وسياسية واقتصادية لنشر هذا الفكر مستغلين تلك الوسائل ونوعية الشعوب الضعيفة الموجهة ضدهم تلك الحروب لفرض أفكار جديدة عليها، وللتدليل على مثل هذه النوعية في تاريخنا الإنساني الحروب الصليبية القديمة منها والحديثة التي توجه ضد المسلمين وعسكريا أو غيرها كحركة التبشير الواسعة الانتشار في المناطق الإسلامية الفقيرة والضعيفة.
وهناك حروب خاضها المسلمون ضد قوى إستكبارية وضعت نفسها عائقا أمام نشر الدين الإسلامي بل وحاولت القضاء عليه إبتداءً رغم ما يحمله الإسلام من خير للبشرية وما حاول المسلمون سلوكه إبتداءً من الدعوة والتبشير لهذا الدين الحنيف بالحكمة والموعظة الحسنة وعبر القاعدة الشرعية " لا إكراه في الدين " لأنه " قد تبين الرشد من الغي " لذلك " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " لأن فكرنا الديني مستمد من تعاليم تدعونا إلى القبول بالآخر وأخذ ما يحمل من فكر المخالف، قواعد تنسجم مع تعاليم ديننا وإن جاءت من مشرك " تعالوا إلى كلمة سواء ... " وأكبر مثال على مثل هذا النموذج الفتوحات الإسلامية في بدايتها والتي خاضها النبي الأعظم صلى الله عليه وعلى آله، والرعيل الأول من الصحابة وقبل أن تكون تلك الحروب لتوسيع الملك والحصول على مغانم خراجية المناطق الجديدة و للتخلص من المناوئين للملوك عبر إرسالهم إلى جبهات القتال حتى لا يضلوا منتقدين للانحرافات الحاصلة على ما يسمى أمير المؤمنين في حينه .
إذاً ثلاث وسائل أثرت في المجتمعات عند اكتسابها لأفكار وثقافات جديدة ودخيلة عليها غير أن هناك وسائل أخرى لم تكن أساسية لتغيير أفكار وثقافات الشعوب وأغلب تأثيراها عاطفية ولمراحل زمنية ليست بالضرورة طويلة كالمد المرافق لحوادث عابرة مثلما لاحظنا في الظاهرة الصدامية ونمو شخصية الرئيس العراقي صدام حسين بعد إعدامه أو ما حصل عليه بعض القادة العرب من ألقاب كفارس العرب والمد الناصري والبعثي التي لا تصمد طويلا أمام المتغيرات المتسارعة في عصرنا الحديث لتغير القناعات وتغير مراكز القوى المؤثرة إقليميا ودولياً . ولا يمكن الاعتداد بها لأنها تعبر عن مرحلة ما وتنتهي .
بعد الإجابة على التساؤلات عن كيفية اكتساب الأفكار يمكننا الآن ربط تلك الوسائل مع موضوعنا الذي نتناول فيه دخول الفكر الوهابي إلى المجتمع اليمني ومدى تأثير هذا الدخول لهذا الفكر على ثقافة وفكر المجتمع اليمني بشكل عام خصوصا إذا ما علمنا أن هذا الفكر يستهدف أكثر ما يستهدف بشكل خاص التعايش الديني بين المذاهب الإسلامية المعروفة في اليمن الزيدية والشافعية والجماعات الصوفية .
لمحة تاريخية موجزة:
يحكي تاريخ ظهور الفكر الوهابي الذي يستمد جذوره وأصوله الفكرية من فكر أهل السنة والجماعة والذي يعد أهم رموزه ابن تيمية وابن حنبل وصولا إلى فترة التأسيس والتي عرفها التاريخ الإسلامي بعام الجماعة عند انقلاب نظام الحكم الإسلامي من نظام الشورى إلى نظام ملكي وإلى سمة سب الإمام علي أبن أبي طالب التي سنها أول ملوك أمية معاوية بن أبي سفيان كما يحكي ذلك تاريخ دولة بني أمية .
إذاً المرجع تم معرفته وامتداده التاريخي برز عند ظهور محمد بن عبد الوهاب من الدرعية من نجد وتحالفه السياسي مع ابن سعود فكونا حركة دينية في ظاهرها سياسية توسيعية في باطنها تمكن هذا التحالف من إنشاء دولة تسمى هذه الدولة " المملكة العربية السعودية ". واستطاعت هذه الدولة بما امتلكته من قوة عسكرية ومادية من فرض المذهب أو الفكر الوهابي التكفيري المتشدد بأسلوب القمع العسكري والفكري حتى ساد هذا الفكر بالقوة والإرهاب في المناطق الرافضة لمثل هكذا أفكار وساد بالترغيب وبدون أي جهد يذكر على المناطق البدوية التي لا تمتلك حضارة ولا فكر ولا ثقافة وكان للخطاب الديني أثر في عدم المقاومة والرفض في تلك المناطق، حيث أن مشروع الدولة السعودية توسعي قمعي لفرض أفكاره ولوجود العامل المادي المكتسب من الثروة النفطية التي جعلت من السعودية من أغنى مناطق العالم ساعدت هذه الطفرة الاقتصادية في تقوية المد الفكري الوهابي وليس بعيداً علينا الحروب التي خاضتها الدولة السعودية ضد اليمن وضد الدول المجاورة لها .
وامتداد التوسع الفكري الوهابي بامتداد النفوذ السياسي والاقتصادي السعودي على الجمهورية العربية اليمنية سابقا والتدخلات السعودية في اليمن معروفة منذ قيام الثورة ما تبعها وهذا ليس بخفي على أحد ، واستمرت السعودية في نشر فكرها الوهابي في اليمن الشمالي في السبعينيات والثمانينات من القرن الماضي عبر المعاهد العلمية التي شكلت خارطة تعليمية ثنائية التوجه من اليمن الشمالي حتى نما الوجود الوهابي في الشمال وأصبح مسيطرا على نواحي متعددة من الحياة اليمنية من قبل رموزه الذين شكلوا لاحقاً عبر تحالفهم مع القبيلة بعد قيام الوحدة المباركة حزب التجمع اليمني للإصلاح ، وما لحقه هذا التكوين الحزبي من تأثير في المناحي السياسية والعسكرية والتربوية والاجتماعية للمجتمع اليمني حتى هذا اللحظة .
ما هي أهم سمات الفكر الوهابي الدخيل ؟
يلاحظ من نشوء هذا الفكر وأساليب توسعه ومن قبله الامتداد الفكري والتاريخي لهذا الفكر أنه فكر متسلط لا يقبل بالآخر ومن أجل انتشاره وبقائه يقوم بعمل أي شيء مهما كان والتاريخ يؤكد أن أنصار هذا الفكر ومن أجل مصالحهم الدنيوية البحتة يستغلون اسم الدين لكسب تلك المصالح حتى ولو تحالفوا مع الشيطان طالما هذا التحالف سيزيد من مكاسبهم الدنيوية ويقوي شوكتهم في أي مجتمع يتواجدون فيه، وهذا ملاحظ ومعروف تاريخيا ودور المخابرات البريطانية والتحالفات الدولية الاستعمارية مع الدولة السعودية حتى هذه اللحظة.
كما أن من أهم سمات هذا الفكر الجمود والتحجر والذي نتج عنه الحركات التكفيرية التي أحدثت في العام الإسلامي شرخاً عظيما ومكنت القوى المتسلطة من كسب تأييد العالم على فكرة أن الإسلام دين الإرهاب وتعاملت الدول الاستعمارية الجديدة مع الدول الإسلامية على هذا الأساس بما عرف بالحرب العالمية على الإرهاب كمدخل للسيطرة وفرض الهيمنة الغربية على الشعوب الإسلامية واستنزاف ثرواتها ومقدراتها .
ماذا أثر هذا الفكر الدخيل على الشعب اليمني ؟
عرفنا نشوء هذا الفكر وكيف أستطاع التوسع في المحيط المجاور له وما هي الوسائل التي استخدمها لفرض وجوده داخل المجتمع اليمني وبالقياس على بداية نشوئه في مركزه فإن الفكر الدخيل قد مارس حروبا شديدة ضد الشعب اليمني ومعتقداته وفرض ثقافته وفكره بمختلف الوسائل العسكرية والاقتصادية والتربوية بحسب نوع الفئات المستهدفة لتلقى هذا الفكر وكما قلنا أنه بذل وسائل وكما هي عادته مشروعة وغير مشروعة لكسب المزيد من المناصرين ولردع وإسكات المناوئين له من أصحاب الأفكار العقلانية المستنيرة داخل المجتمع اليمني برمته والمذهب الزيدي على سبيل الخصوص كونه المذهب الذي استطاع عبر السنوات التاريخية الإبقاء على الفكر الإسلامي المتجدد دوماً والمتفاعل مع متغيرات العصر وإيقاعاتهم بفعل إبقائه على باب الاجتهاد مفتوحا وكونه يستمد فكره من مدرسة أهل البيت عليهم السلام قرناء القرآن وأصحاب مشروع التحرر من الاستبداد الفكري مدى التاريخ .
وباستعراض سريع لمرحلة ما قبل الوحدة المباركة لليمن عام 90م فأن الفكر الوهابي قد استخدم القوة العسكرية ضد الشعب اليمني من حربه على أرض عسير اليمنية وما رافقتها من فرض هذا الفكر على هذه المنطقة كما أنه وعبر المعاهد العلمية استطاع نشر فكره في أوساط المجتمع عبر هذه المعاهد وما خصص لها من إمكانيات بشرية ومادية مهولة مكنت أصحاب ورموز هذا الفكر من التوسع والانتشار .
ما هي التأثيرات اللاحقة للوحدة ؟
يمكن القول أن الفكر الدخيل تمكن بعد أن أوجد له موضع قدم داخل اليمن من فرض وجود فعال سياسي وعسكري وفكري داخل المجتمع اليمني وهو ما سنستعرضه في الجزء الثاني من هذا التقرير عبر استعراض وتحليل النقاط التالية:
1- حزب التجمع اليمني للإصلاح كحاضن سياسي للوهابية في اليمن وتأثيراته المختلفة .
2- الجماعات السلفية التكفيرية وتوزيع الأدوار
3- التحالفات القديمة والحديثة للقوى المؤثرة في المجتمع وظهور خطابات متنوعة من داخل الفكر الدخيل .
المصدر : موقع يمن حر الإخباري
الفكر الدخيل وتأثيره على اليمن (1)و (2)
-
- مشرف مجلس الأدب
- مشاركات: 404
- اشترك في: السبت ديسمبر 23, 2006 3:46 pm
- مكان: أمام الكمبيوتر !
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 3099
- اشترك في: الخميس نوفمبر 17, 2005 4:22 pm
- مكان: قلب المجالس
الفكر الدخيل وتأثيره على اليمن (2)
يمن حر- تقرير خاص- ضياء الآنسي
عرفنا في الجزء الأول من هذا التقرير طبيعة الفكر الوهابي وكيفية دخوله اليمن وانتشاره في أغلب مناطق ج.ع.ي من قبل الوحدة بواسطة المعاهد العلمية ككيان تعليمي مغاير للتعليم الرسمي الذي يخضع لإشراف الحكومة وعرفنا الطبيعة المنغلقة لهذا الفكر ورفضه للآخر مادام لا يتوافق مع منهجه وأدبيات هذا الفكر، هذا جانب ومن جانب آخر دخوله كأداة من أدوات الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي واستخدام نطاق ج.ع.ي لأنصاره في الحروب التي كانت تقع ضد النظام الاشتراكي في الجنوب فيما عرف فيما بعد بالحرب ضد المد الشيوعي الملحد في ذلك الوقت .
قراءة لأحداث ماضية
من هنا اتضحت صورة التأثير والتحالفات التي كان الوهابيون يقومون بها لكسب المزيد من الوجود داخل ج.ع.ي، وإن كنا قد أغفلنا في الجزء الأول من هذا التقرير الإشارة للدور الذي لعبته الوهابية في تحالفها مع نظام ج.ع.ي في حربها ضد الاشتراكية في الجنوب فإننا نحيله إلى هذا الجزء لامتداد التأثيرات من هذا الفكر بعد قيام الوحدة على اليمن سياسياً واجتماعيا وثقافيا عبر الأحداث التي صاحبت الفترة الانتقالية للوحدة من عام 90م حتى قيام حرب صيف 94 م .
التجمع اليمني للإصلاح ومن فحوى أسمه عرف أنه تجمع من تحالف ثلاثة تيارات داخل المجتمع اليمني وبالأخص ج.ع.ي ما كان يعرف بجماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية الوهابية كتيارين إسلاميين والتيار الثالث التيار القبلي الذي كان على رأسه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر والذي لا يزال حتى اللحظة ماسكا بمنصب رئاسة الحزب ، والملاحظ في هذا الحزب وحتى هذه اللحظة أيضاً أن رموزه وقياداته الفاعلة أغلبها من شمال اليمن والملاحظ أن هذه الرموز تعد من أقوى حلفاء المملكة السعودية مصدرة الوهابية بامتياز إلى العالم إضافة إلى ذلك فإن رموز هذا التجمع تعد قيادات فاعله ومؤثرة في إدارة المعاهد العلمية التي أنشئت داخل ج.ع.ي قبل الوحدة ما يؤكد ما طرحناه أن التجمع اليمني للإصلاح يعد الحاضن السياسي للفكر الوهابي داخل الجمهورية اليمنية ، غير أننا نؤكد أن الحاضن السياسي هذا وإن كان مؤسسوه جزء من رموز الفكر الوهابي إلا أن الجزء الآخر وما عرف بالجماعات السلفية التي رأت تحريم الحزبية ولم تنخرط في هذا التجمع والتي شكلت لاحقا عبر السنوات التالية لقيام الوحدة إحدى الأوراق الهامة التي ساوم بها التجمع كحزب سياسي لكسب مزيد من النفوذ والقوة في العملية السياسية والاجتماعية وبالأخص أثناء الفترة الانتقالية وحرب صيف 94م وما تلاها من عقد التحالف الثنائي مع المؤتمر الشعبي العام حتى انتخابات 97م .
وكذلك عدت هذه الجماعات ورقة ضغط لاحقاً ضد التجمع والتي دفعته إلى التحالف مع من كانوا بالأمس القريب أعداء ألداء ومحاولة إجراء تكتيكات احترازية للخروج من هذا الضغط .
لم يكن بالضرورة على الجماعات السلفية الانخراط في كيان التجمع للإصلاح حيث أن الملاحظ ولو بقراءة عابرة أن هناك توزيع أدوار مدروسة لكلا الطرفين السياسي والديني في الحالة الوهابية الجديدة القديمة ولو بشكل مصغر داخل حدود الجمهورية اليمنية وهي نفس الحالة التي تعيشها جميع الشعوب التي غزاها الفكر الوهابي بما فيها دولة المملكة السعودية ، فقد استطاعت الجماعات السلفية تقمص الدور الفكري الديني الجامد بكل تفاصيله داخل المجتمع وإن كان على حساب الإدعاء أحيانا بجرم فعل رموز الوهابية التي انخرطت في العمل الحزبي واستطاع تيار السياسة من تقمص الفعل السياسي إلى حد ما بفعل تأثير التيار القبلي داخل التجمع الذي شكل دافعا ولو على سبيل الإكراه نحو تبني هذا التيار مواقف تظهر قبوله بالآخر وإن كان هذا الآخر الحزب الاشتراكي في الائتلاف الثلاثي في المرحلة الانتقالية سرعان ما أظهر وجهه الحقيقي المتطرف عند اندلاع حرب صيف 94 م في ذلك الوقت ، من هنا يتضح مدى الدقة في توزيع الأدوار بين التيارين السلفي والسياسي كحقيقة لا يمكن معها الجدال وهو ما أكدناه حين تحدثنا في الجزء الأول من هذا التقرير عن أن مثل هذا الفكر وإن كان يحرك أشياء بعينها فإنه ومن أجل مكاسبه يجعل هذا الحرام حلالاً في طرفة عين .
واستمرارا في محاولة كسب المزيد من المنافع وفرض الفكر الدخيل على المجتمعات الجديدة التي شكلت أراضي المحافظات الجنوبية أرضاً خصبة للتوسع في نشر هذا الفكر خصوصاً أنه لم يكن له تأثير على هذه المناطق مثل قيام دولة الوحدة وبإشارة مختصرة عن حجم التأثير السيئ على هذه المجتمعات وإن كانت الخطابات الدينية قد وجدت رواجاً لدى تلك المجتمعات التي تلقت مثل هذا المد الوهابي إبتداءً بصدور رحبه وأنخرط الناس في تياري الفكر السياسي منه والسلفي إلا إن العقلية التي كانت تسيطر على رموز التيار الوهابي والتي أعتبر شعب الجنوب جزء لايتجزء من معتنقي الفكر الشيوعي الإلحادي التي حملها الحزب الاشتراكي حينما كان يحكم المناطق الجنوبية ووصمتهم بالملحدين إجمالا وتعاملت في نشر فكرها في أوساط هذه المجتمعات على هذا الأساس معتبرة نفسها قوة إسلامية فاتحة لمناطق كافرة ملحدة ، هذا من جانب ومن جوانب أخرى النظرة المتحجرة في تعاملها في المناطق التي يغلب على سكانها سلوك الجماعات المتصوفة التي على أراضيها قبور ومشاهد لأولياء ويغلب على طابع مقابرهم عمارة القباب حين عدت أصحاب التصوف ملاحدة مبتدعة عبدة مقابر ومارست عليهم على هذا الأساس أصناف المضايقات وصلت حد سفك الدماء ونبش القبور والأضرحة.
نظرتان للمجتمع المسلم في الجنوب تبناهما تيار الوهابية السياسي والسفلي الأولى من السياسي والثانية من السلفي ، تلك النظرتين خلقت انطباعا مغايراً لدى أبناء الجنوب جعلهم يعيدون حساباتهم في تقبل مثل هكذا فكر وإن كان هذا الموقف غير مؤثر لمنع توغل الفكر الوهابي في الجنوب لما يمتلكه من إمكانيات بشرية ومادية وكذا ما رافق هذه الإمكانيات من تحالفات مع حزب المؤتمر الشعبي العام بعد عام 94 م .
هذا بالنسبة للتأثير العقائدي على المجتمعات الجنوبية فماذا عن التأثيرات السياسية والعسكرية التي رافقت المرحلة الانتقالية حتى عام 94 م ،باختصار إن المرحلة التي عاشتها الجمهورية اليمنية سياسياً خلال أربع سنوات من عمر الوحدة وما صاحبها من أزمات سياسية بين شريكي الوحدة والمؤتمر والاشتراكي قد ساهم رموز الفكر الوهابي في تأجيج التوتر السائد آنذاك بشكل مباشر وغير مباشر يمكننا أن نعدد تلك المساهمات البارزة بعناوين عريضة أهمها :
- الوقوف إلى جانب المؤتمر ضد الاشتراكي كامتداد طبيعي للصراع بين إيديولوجيتين متناصرتين قبل الوحدة الإسلاميين المتشددين والاشتراكية الشيوعية .
- تبني خطابات تكفيرية وتحريضية ضد الحزب الاشتراكي ساهم في خلق جو من التوترات أثرت ولا زالت تؤثر حتى هذه اللحظة وإن شكل أخف الذين على تماسك نسيج المجتمع اليمني ووحدته الوطنية .
- المسيرة المليونية التي قادها الشيخ عبد المجيد الزنداني ضد الاستفتاء على الدستور لولا أصحاب التيار العقلاني الذي غلبوا المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة آنذاك لحدث مالا يحمد عقباه من نتائج كادت تعصف بمشروع دولة الوحدة المباركة .
- تلك أهم التأثيرات السياسية والاجتماعية التي رافقت المرحلة الانتقالية ومورست بشكل كبير على أبناء المحافظات الجنوبية فما هي الآثار التي مورست من رمزي الوهابية السياسي والسلفي خلال تلك المرحلة على أبناء المحافظات الشمالية ، باختصار أيضاً نقول أن المناطق الشمالية لم يمارس ضدها ما مورس ضد المناطق الجنوبية كون هذه المناطق قد أستطاع الفكر الوهابي من وضع قدمه عليها قبل قيام الوحدة المباركة غير أن التأثيرات الخانقة للمرحلة الانتقالية والتي كان لرموز هذا الفكر داخل التجمع اليمني للإصلاح دور في تأجيجها قد ساهمت بشكل ملحوظ في المزيد من التوترات والمضايقات التي مورست على التيارات الدينية التي لا تسير في فلك التيار الوهابي حيث اشتدت في الحروب الموجهة للسيطرة على المساجد كجزء من الحرب الدينية التي نشطت ضد المخالف وكجزء آخر من الحرب السياسية ضد الأحزاب التي رأت في عناوين وخطابات التكفيريين سياسيا أنها تؤثر على مستقبل الوحدة المباركة وكذلك الحرب الشرسة عبر الإشاعات والتلفقيات السياسية ضد الأحزاب الإسلامية والقومية المتواجدة على الساحة السياسية اليمنية بعد قيام الوحدة ، تلك الحروب الدينية والسياسية عمقت من قتامة المرحلة الانتقالية وساهمت لاحقا في إحداث شرخ في ائتلافات الأحزاب السياسية بعد حرب 94 م ، من هنا لاحظنا كيف أن تياري الوهابية السلفي والسياسي قد استطاعا عبر توزيع الأدوار من خلق تأثيرات ملحوظة خانقة أدت في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب 94م والتي اتضحت معها الرؤية بشكل جلي في ما سرنا إليه من أن السياسي والسلفي وجهان لعملة واحدة طالما وأن مثل تلك التقسيمات ستوصل الفكر الوهابي إلى مزيد من الحضور الفاعل كلاعب أساسي في العملية السياسية داخل البلاد دل ذلك بالمشاركة الواسعة للتيارين السلفي والسياسي ضد الحزب الاشتراكي في هذه الحرب بالمشاركة عسكريا عبر القوات الشعبية التي كان أهم تكوينها الجماعات السلفية أو دينيا عبر الفتاوى المحرضة والتي أباحت سفك الدماء وشرعنت لذلك دينياً ويبني تلك الفتاوى إلى جانب رموز السلفية رموز السياسي في الحرب ضد الملاحدة الشيوعيين وهذا مالا يحتاج إلى تدليل ، كانت النتيجة منه بعد هزيمة الحزب الاشتراكي دخول التجمع كحليف في ائتلاف الحكم مع المؤتمر حتى عام 97م، مكن هذا التحالف لتياري الوهابية السلفي والسياسي المزيد من المكاسب السياسية والاجتماعية وإن كان ذلك بنفس الطريقة التي يمارسها هذا الفكر والتي تتبع نظام القمع والإرهاب الفكري ضد المخالف وزاد ذلك سوءاً على البلاد ببروز الجماعات السلفية التفكيرية كجماعات مسلحة أقلقلت السكينة العامة ومارست عمليات الاختطاف والقتل ضد السياح في البلاد وكانت رغم ذلك تحظى بغطاء سياسي من قبل حزب التجمع الشريك في الحكم في تلك الفترة وقد أرجع البعض هذا النفوذ وهذه القوة لتلك الجماعات إلى محاولة النظام المنتصر في حرب 94م مكافأة تلك الجماعات على وقوفها معه في تلك الحرب ولجعلها أداة في يده لضرب التواجد الاشتراكي في الجنوب كلما حاول التقاط أنفاسه خصوصا إذا ما رأينا أن أهم هذه الجماعات تواجدت في أراضي المحافظات الجنوبية كجيش عدن أبين على سبيل المثال .
لاحظنا كيف أستطاع التجمع اليمني للإصلاح من الاستفادة سياسياً حتى وصل إلى شريك أساسي في الحكم عبر استفادته من الأوضاع التي مرت بها الجمهورية خلال تلك الفترة والتي شكلت أرضية خصبة للتيار الوهابي بشقيه السلفي والسياسي والذي يحتضنه التجمع ساعدته في الانتشار ، وقد يقول قائل لماذا ركزنا في تأثيرات الفكر على ما أحدثه في المحافظات الجنوبية وأسهبنا في تفاصيل ذلك التأثير على الجنوب بينما أغفلنا التأثيرات على المحافظات الشمالية بشكل ملحوظ إلا من إشارة مقتضبة نقول إن المحافظات الشمالية قد نالها من تدخلات هذا الفكر الشيء الكثير وبالأخص مثل قيام الوحدة ويكفينا تدليلا على ذلك ما أوجدته المعاهد العلمية من حالة انفصام في التركيبة الاجتماعية داخل ج.ع.ي عبر ثنائية التعليم غير أننا ركزنا هنا على المناطق الجنوبية للتدليل على منهجية الفكر الوهابي الواحدة والتي لا تتغير عبر فرض الأفكار والثقافات بالوسائل العقيمة وبالإرهاب الفكري أو بمعنى أدق بذل أي جهد مشروع أو غير مشروع لنشر تلك الأفكار وهو ما لاحظناه منذ بدء التحالف الديني والسياسي بين عبد الوهاب وابن سعود وحتى اللحظة وفي أي مكان ظهر أو يظهر هذا الفكر فإنك ستلاحظ واحدية في المنهج الذي يسلكه أتباع هذا الفكر لفرض عقيدته وأفكاره .
ثم ماذا بعد ؟
لم تستمر حالة الوفاق والتوافق بين التيار الوهابي والنظام الحاكم في اليمن فقد ساهمت متغيرات كثيرة جدا داخلية وخارجية في فك الارتباط المتلازم بين النظام والذي على رأسه الرئيس علي عبد الله صالح منذ توليه الحكم وحتى لحظة فك الارتباط وبين الفكر الوهابي حيث لم يدم شهر العسل طويلا بينهما لوجود مؤثرات كانت أقوى في فعلها من أن تبقى الحال على ما هو عليه ، ففي الوقت الذي كانت الجماعات السلفية التيار السلفي للفكر الوهابي ورقة ضغط وتأثير بيد حزب التجمع أصبحت ورقة خاسرة شكلت عاملا مزعجا للنظام وللتجمع على حد سواء وبالأخص عند بروز مرحلة الحرب العالمية الجديدة المعروفة بالحرب على الإرهاب .
- أضف إلى ذلك ما أحدثه قرار توحيد التعليم في الجمهورية اليمنية وإلغاء المعاهد العلمية بسبب ضغوطات وعوامل داخلية وخارجية وما أحدثه هذا القرار من صفعة قوية أفقدت الفكر أحد الدعائم الهامة التي ساعدته لبسط نفوذه السياسي ونشر فكره العقدي على مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية
منها ما أحدثته الانتخابات النيابية عام 97م من إنفراد المؤتمر الشعبي العام بالأغلبية المريحة في البرلمان والتي دفعته للتخلي عن شريكه الإصلاح والإنفراد بالحكم ، هذه العوامل نستطيع أن نقول أنها أحدثت تصدعات في البناء التكتيكي الذي كان يسير عليه حزب التجمع سياسيا خلال المرحلة السابقة وأحدثت كذلك ضغطا نفسيا وأمنيا وعسكريا على الجماعات السلفية خلقت نوعا جديدا من الصراع وخنق الأنفاس انعكست كثيراً على حرية الحركة والمناورة لطرفي الفكر السياسي والسلفي مما أفقدتهما مكاسب عالية كانا يطمحان للوصول إليها وبدون الخوض في شروحات وتفسيرات عن تلك التأثيرات التي نعلمها جميعاً وبالأخص ما تعرضت له الجمهورية اليمنية من ضغوطات وتصنيفها من الدول الحاضنة للإرهاب وللجماعات والرموز الإرهابية المطلوبة من أمريكا والذي جعلها تدخل في مناورات لتخفيف هذا الضغط عبر تحالفها مع أمريكا ضد الإرهاب وهذا داخلياً إضافة إلى الانتكاسات التي رافقت مسيرة الدول العربية الحاضنة لهذا الفكر ومورست ضدها ضغوطات خارجية ضيقت الخناق على الجماعات الإسلامية وسدت منافذ الإمداد والدعم اللوجستي للجماعات الوهابية داخل اليمن كل تلك التأثيرات الداخلية والخارجية أفزعت رموز هذا الفكر ودفعته لإجراء مناورات سياسية وثقافية إحترازية للتخفيف من وطأة مثل تلك الهجمات ، حيث تبنى بعض رموز هذا الفكر خطابا معتدلا كان بالأمس القريب يعده خروجا عن الثوابت الشرعية اللازم التقيد بها في خطوة تكتيكية تؤكد أيضاً ما سرنا إليه من أن هذا الفكر لا يهمه سوى الحفاظ على مكاسبه وإن غير من جلده 180 درجة فمن المؤكد أن تبني هذا الخطاب المعتدل لم يرافقه أفعالا معتدلة حتى هذه اللحظة من الزمان وبالأخص بين القواعد الجماهيرية لهذا الفكر .
هل نحن بصدد تغيير جدي للخطاب المتشدد؟
كنا قد أشرنا إلى حالة فك الارتباط بين الفكر والنظام الحاكم لأسباب داخلية وخارجية غيرت من خطاب رموز هذا الفكر غير أن السؤال الذي يجب أن نطرحه هل يعني تغيير الخطاب من متشدد إلى معتدل أنه صادر كسياسة عامة مصاحبة لرموز هذا الفكر المتشدد دام أن هناك أصوات من داخل هذا التيار تبنت بالفعل الخطاب المعتدل وجعلته منهجا وسلوكا حقيقيا في تعاملها مع الآخر .
للإجابة على هذا السؤال ومن أجل الحقيقية نقول إن التفاعلات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع اليمني التي رافقت مسيرة التجمع بعد الوحدة وحتى هذه اللحظة وقد أوجدت رموز رأت أنه من الأنفع والأجدى لاستمرار نهوض حزب التجمع وتأثيره في المجتمع بشكل أوسع وعملي ومؤثر هو الانفتاح على الآخر وقبول التحاور معه لما لمسوه من جمود في أدبيات التجمع وسياساته التي ستجعله إذا ما أستمر على هذا الحال محاطا بحراك اجتماعي يؤثر ويتأثر عبر المصالح والمنافع المشتركة وفي إطار من الثوابت المجمع عليها بدون تقديم تنازلات تذكر في أساسيات وثوابت جميع أطراف الحراك السياسي داخل الجمهورية ، وخرجت هذه الرمز برؤى مختلفة ومتطورة في الخطاب السياسي وعبرت عنه عبر تفاعلها مع قضايا حقوقية وسياسية واجتماعية طالت عناصر مخالفة لها إيديولوجيا ومنها قضية حرب صعدة ضد الحوثية أصحاب الفكر الزيدي وقضية المتقاعدين الجنوبيين أضف إلى تمسكهم بخيار التحالف في إطار اللقاء المشترك كقوى مؤثرة في الساحة رغم ما مورس على التجمع من داخله ومن خارجه من ضغوطات غير أن رؤيتهم في البقاء لهذا الإطار تعبير عن حرصهم على الخروج باليمن من حالة الانهيار التام التي تقوده رموز الفساد داخل النظام .
إذا هل يعني هذا أن هذه الرموز قد قلبت الطاولة على المنغلقين وأصحاب الرؤى المتشددة داخل التجمع اليمني للإصلاح ، الإجابة على هذا السؤال بالنفي طبعا لعدة أسباب منها :
1- أن مثل هكذا أفكار يحملها هذا التيار المعتدل لن يتم تبنيها بشكل صريح في الخطاب الشرعي لهذه الجماعات بل لا زالت قيد اجتهادات فردية لم ترق إلى مستوى التغيير الإيديولوجي بشكل عام لتبنيها.
2- أن التيارات المتشددة داخل الفكر الدخيل لا زالت صاحبة القرار ولا زالت رؤاها وخطاباتها كما هي لم تتغير البته وإن كانت في حالة هدنة مع الذات وركون إلى الهدوء حتى تنجلي الأعاصير المصاحبة لمرحلة الحرب على الإرهاب ويظهر ذلك جليا في الخروج بين الفترة والأخرى بفعاليات يتبناها رموز هذا الفكر للتأكيد على أن الأفكار لم ولن تتغير كما حدث على سبيل المثال في الملتقى الذي نظم في جامعة صنعاء وشارك فيها محمد الصادق مغلس وهجومه وتكفيره لجماعة الحوثية إبان حرب صعدة كحالة من التأكيد على أن الإيديلوجيا لا زالت هي صاحبة القرار الأخير في مثل هذه القضايا .
3- أن جميع قواعد وأنصار هذا الفكر في تعاملاتهم مع المخالف يتبنون نفس النظرية ولا يزالون يديرون صراعاتهم مع المخالفين بنفس الوتيرة والنفس الضيق المظلم حتى بعد ظهور رموز الاعتدال وحتى بعد نشوء تحالفات مصيريه تصل حد مع المخالفين تهديد ضرب الوجود للجميع كحالة اللقاء المشترك ، وهو ما عبرت عنه الانتخابات الأخيرة عام 2006 م .
الخلاصة :
إن التأثيرات السلبية على اليمن من الفكر الدخيل قد تجاوزت في حدودها عند نشوئها داخل المجتمع اليمني كل الخطوط الإنسانية والأخلاقية والدينية غير أن المتغيرات المتسارعة في العالم وبروز حالات التقارب والأصوات الداعية للتعايش المشترك وفقا للمصالح إضافة إلى الضغوطات التي تمارس ضد الجماعات المتشددة بشقيها السياسي والسلفي وظهور رموز ليبرالية مؤثرة إلى حد ما داخل هذه المجتمعات وتوسع ثقافة المعرفة وانتشار الأفكار وتأثرها وتأثيرها عبر وسائل الإعلام الحديثة وبروز الكون كقرية صغيرة قد تدفع جميعها إلى تغيير حقيقي يتبناه رموز الانغلاق في خطاباتهم وسلوكهم أو تضييق كل هذه العوامل على المشاريع المنغلقة وتحاصرها حتى تقضي عليها أو تجعلها محصورة في أضيق نقطة يمكن وجودها فيه وبدون تأثير وهذا ما يدعونا إلى التفاؤل وإلى دعوة الجميع للوقوف صفاً واحدا إلى جانب الرموز الخيرة الإنسانية في التجمع ضد الأفكار الشاذة التي لا تخلف من ورائها سوى الحروب والمشاكل خصوصا أن الجميع لديه القناعة بحجم حزب الإصلاح الكبير سياسياً وتنظيميا بل ورشحه الكثيرون ليكون بديلا للنظام القائم حاليا لما يملكه من قدرات تؤهله لذلك .. والله المستعان ..
يمن حر- تقرير خاص- ضياء الآنسي
عرفنا في الجزء الأول من هذا التقرير طبيعة الفكر الوهابي وكيفية دخوله اليمن وانتشاره في أغلب مناطق ج.ع.ي من قبل الوحدة بواسطة المعاهد العلمية ككيان تعليمي مغاير للتعليم الرسمي الذي يخضع لإشراف الحكومة وعرفنا الطبيعة المنغلقة لهذا الفكر ورفضه للآخر مادام لا يتوافق مع منهجه وأدبيات هذا الفكر، هذا جانب ومن جانب آخر دخوله كأداة من أدوات الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي واستخدام نطاق ج.ع.ي لأنصاره في الحروب التي كانت تقع ضد النظام الاشتراكي في الجنوب فيما عرف فيما بعد بالحرب ضد المد الشيوعي الملحد في ذلك الوقت .
قراءة لأحداث ماضية
من هنا اتضحت صورة التأثير والتحالفات التي كان الوهابيون يقومون بها لكسب المزيد من الوجود داخل ج.ع.ي، وإن كنا قد أغفلنا في الجزء الأول من هذا التقرير الإشارة للدور الذي لعبته الوهابية في تحالفها مع نظام ج.ع.ي في حربها ضد الاشتراكية في الجنوب فإننا نحيله إلى هذا الجزء لامتداد التأثيرات من هذا الفكر بعد قيام الوحدة على اليمن سياسياً واجتماعيا وثقافيا عبر الأحداث التي صاحبت الفترة الانتقالية للوحدة من عام 90م حتى قيام حرب صيف 94 م .
التجمع اليمني للإصلاح ومن فحوى أسمه عرف أنه تجمع من تحالف ثلاثة تيارات داخل المجتمع اليمني وبالأخص ج.ع.ي ما كان يعرف بجماعة الإخوان المسلمين والجماعات السلفية الوهابية كتيارين إسلاميين والتيار الثالث التيار القبلي الذي كان على رأسه الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر والذي لا يزال حتى اللحظة ماسكا بمنصب رئاسة الحزب ، والملاحظ في هذا الحزب وحتى هذه اللحظة أيضاً أن رموزه وقياداته الفاعلة أغلبها من شمال اليمن والملاحظ أن هذه الرموز تعد من أقوى حلفاء المملكة السعودية مصدرة الوهابية بامتياز إلى العالم إضافة إلى ذلك فإن رموز هذا التجمع تعد قيادات فاعله ومؤثرة في إدارة المعاهد العلمية التي أنشئت داخل ج.ع.ي قبل الوحدة ما يؤكد ما طرحناه أن التجمع اليمني للإصلاح يعد الحاضن السياسي للفكر الوهابي داخل الجمهورية اليمنية ، غير أننا نؤكد أن الحاضن السياسي هذا وإن كان مؤسسوه جزء من رموز الفكر الوهابي إلا أن الجزء الآخر وما عرف بالجماعات السلفية التي رأت تحريم الحزبية ولم تنخرط في هذا التجمع والتي شكلت لاحقا عبر السنوات التالية لقيام الوحدة إحدى الأوراق الهامة التي ساوم بها التجمع كحزب سياسي لكسب مزيد من النفوذ والقوة في العملية السياسية والاجتماعية وبالأخص أثناء الفترة الانتقالية وحرب صيف 94م وما تلاها من عقد التحالف الثنائي مع المؤتمر الشعبي العام حتى انتخابات 97م .
وكذلك عدت هذه الجماعات ورقة ضغط لاحقاً ضد التجمع والتي دفعته إلى التحالف مع من كانوا بالأمس القريب أعداء ألداء ومحاولة إجراء تكتيكات احترازية للخروج من هذا الضغط .
لم يكن بالضرورة على الجماعات السلفية الانخراط في كيان التجمع للإصلاح حيث أن الملاحظ ولو بقراءة عابرة أن هناك توزيع أدوار مدروسة لكلا الطرفين السياسي والديني في الحالة الوهابية الجديدة القديمة ولو بشكل مصغر داخل حدود الجمهورية اليمنية وهي نفس الحالة التي تعيشها جميع الشعوب التي غزاها الفكر الوهابي بما فيها دولة المملكة السعودية ، فقد استطاعت الجماعات السلفية تقمص الدور الفكري الديني الجامد بكل تفاصيله داخل المجتمع وإن كان على حساب الإدعاء أحيانا بجرم فعل رموز الوهابية التي انخرطت في العمل الحزبي واستطاع تيار السياسة من تقمص الفعل السياسي إلى حد ما بفعل تأثير التيار القبلي داخل التجمع الذي شكل دافعا ولو على سبيل الإكراه نحو تبني هذا التيار مواقف تظهر قبوله بالآخر وإن كان هذا الآخر الحزب الاشتراكي في الائتلاف الثلاثي في المرحلة الانتقالية سرعان ما أظهر وجهه الحقيقي المتطرف عند اندلاع حرب صيف 94 م في ذلك الوقت ، من هنا يتضح مدى الدقة في توزيع الأدوار بين التيارين السلفي والسياسي كحقيقة لا يمكن معها الجدال وهو ما أكدناه حين تحدثنا في الجزء الأول من هذا التقرير عن أن مثل هذا الفكر وإن كان يحرك أشياء بعينها فإنه ومن أجل مكاسبه يجعل هذا الحرام حلالاً في طرفة عين .
واستمرارا في محاولة كسب المزيد من المنافع وفرض الفكر الدخيل على المجتمعات الجديدة التي شكلت أراضي المحافظات الجنوبية أرضاً خصبة للتوسع في نشر هذا الفكر خصوصاً أنه لم يكن له تأثير على هذه المناطق مثل قيام دولة الوحدة وبإشارة مختصرة عن حجم التأثير السيئ على هذه المجتمعات وإن كانت الخطابات الدينية قد وجدت رواجاً لدى تلك المجتمعات التي تلقت مثل هذا المد الوهابي إبتداءً بصدور رحبه وأنخرط الناس في تياري الفكر السياسي منه والسلفي إلا إن العقلية التي كانت تسيطر على رموز التيار الوهابي والتي أعتبر شعب الجنوب جزء لايتجزء من معتنقي الفكر الشيوعي الإلحادي التي حملها الحزب الاشتراكي حينما كان يحكم المناطق الجنوبية ووصمتهم بالملحدين إجمالا وتعاملت في نشر فكرها في أوساط هذه المجتمعات على هذا الأساس معتبرة نفسها قوة إسلامية فاتحة لمناطق كافرة ملحدة ، هذا من جانب ومن جوانب أخرى النظرة المتحجرة في تعاملها في المناطق التي يغلب على سكانها سلوك الجماعات المتصوفة التي على أراضيها قبور ومشاهد لأولياء ويغلب على طابع مقابرهم عمارة القباب حين عدت أصحاب التصوف ملاحدة مبتدعة عبدة مقابر ومارست عليهم على هذا الأساس أصناف المضايقات وصلت حد سفك الدماء ونبش القبور والأضرحة.
نظرتان للمجتمع المسلم في الجنوب تبناهما تيار الوهابية السياسي والسفلي الأولى من السياسي والثانية من السلفي ، تلك النظرتين خلقت انطباعا مغايراً لدى أبناء الجنوب جعلهم يعيدون حساباتهم في تقبل مثل هكذا فكر وإن كان هذا الموقف غير مؤثر لمنع توغل الفكر الوهابي في الجنوب لما يمتلكه من إمكانيات بشرية ومادية وكذا ما رافق هذه الإمكانيات من تحالفات مع حزب المؤتمر الشعبي العام بعد عام 94 م .
هذا بالنسبة للتأثير العقائدي على المجتمعات الجنوبية فماذا عن التأثيرات السياسية والعسكرية التي رافقت المرحلة الانتقالية حتى عام 94 م ،باختصار إن المرحلة التي عاشتها الجمهورية اليمنية سياسياً خلال أربع سنوات من عمر الوحدة وما صاحبها من أزمات سياسية بين شريكي الوحدة والمؤتمر والاشتراكي قد ساهم رموز الفكر الوهابي في تأجيج التوتر السائد آنذاك بشكل مباشر وغير مباشر يمكننا أن نعدد تلك المساهمات البارزة بعناوين عريضة أهمها :
- الوقوف إلى جانب المؤتمر ضد الاشتراكي كامتداد طبيعي للصراع بين إيديولوجيتين متناصرتين قبل الوحدة الإسلاميين المتشددين والاشتراكية الشيوعية .
- تبني خطابات تكفيرية وتحريضية ضد الحزب الاشتراكي ساهم في خلق جو من التوترات أثرت ولا زالت تؤثر حتى هذه اللحظة وإن شكل أخف الذين على تماسك نسيج المجتمع اليمني ووحدته الوطنية .
- المسيرة المليونية التي قادها الشيخ عبد المجيد الزنداني ضد الاستفتاء على الدستور لولا أصحاب التيار العقلاني الذي غلبوا المصلحة الوطنية على المصالح الضيقة آنذاك لحدث مالا يحمد عقباه من نتائج كادت تعصف بمشروع دولة الوحدة المباركة .
- تلك أهم التأثيرات السياسية والاجتماعية التي رافقت المرحلة الانتقالية ومورست بشكل كبير على أبناء المحافظات الجنوبية فما هي الآثار التي مورست من رمزي الوهابية السياسي والسلفي خلال تلك المرحلة على أبناء المحافظات الشمالية ، باختصار أيضاً نقول أن المناطق الشمالية لم يمارس ضدها ما مورس ضد المناطق الجنوبية كون هذه المناطق قد أستطاع الفكر الوهابي من وضع قدمه عليها قبل قيام الوحدة المباركة غير أن التأثيرات الخانقة للمرحلة الانتقالية والتي كان لرموز هذا الفكر داخل التجمع اليمني للإصلاح دور في تأجيجها قد ساهمت بشكل ملحوظ في المزيد من التوترات والمضايقات التي مورست على التيارات الدينية التي لا تسير في فلك التيار الوهابي حيث اشتدت في الحروب الموجهة للسيطرة على المساجد كجزء من الحرب الدينية التي نشطت ضد المخالف وكجزء آخر من الحرب السياسية ضد الأحزاب التي رأت في عناوين وخطابات التكفيريين سياسيا أنها تؤثر على مستقبل الوحدة المباركة وكذلك الحرب الشرسة عبر الإشاعات والتلفقيات السياسية ضد الأحزاب الإسلامية والقومية المتواجدة على الساحة السياسية اليمنية بعد قيام الوحدة ، تلك الحروب الدينية والسياسية عمقت من قتامة المرحلة الانتقالية وساهمت لاحقا في إحداث شرخ في ائتلافات الأحزاب السياسية بعد حرب 94 م ، من هنا لاحظنا كيف أن تياري الوهابية السلفي والسياسي قد استطاعا عبر توزيع الأدوار من خلق تأثيرات ملحوظة خانقة أدت في نهاية المطاف إلى اندلاع حرب 94م والتي اتضحت معها الرؤية بشكل جلي في ما سرنا إليه من أن السياسي والسلفي وجهان لعملة واحدة طالما وأن مثل تلك التقسيمات ستوصل الفكر الوهابي إلى مزيد من الحضور الفاعل كلاعب أساسي في العملية السياسية داخل البلاد دل ذلك بالمشاركة الواسعة للتيارين السلفي والسياسي ضد الحزب الاشتراكي في هذه الحرب بالمشاركة عسكريا عبر القوات الشعبية التي كان أهم تكوينها الجماعات السلفية أو دينيا عبر الفتاوى المحرضة والتي أباحت سفك الدماء وشرعنت لذلك دينياً ويبني تلك الفتاوى إلى جانب رموز السلفية رموز السياسي في الحرب ضد الملاحدة الشيوعيين وهذا مالا يحتاج إلى تدليل ، كانت النتيجة منه بعد هزيمة الحزب الاشتراكي دخول التجمع كحليف في ائتلاف الحكم مع المؤتمر حتى عام 97م، مكن هذا التحالف لتياري الوهابية السلفي والسياسي المزيد من المكاسب السياسية والاجتماعية وإن كان ذلك بنفس الطريقة التي يمارسها هذا الفكر والتي تتبع نظام القمع والإرهاب الفكري ضد المخالف وزاد ذلك سوءاً على البلاد ببروز الجماعات السلفية التفكيرية كجماعات مسلحة أقلقلت السكينة العامة ومارست عمليات الاختطاف والقتل ضد السياح في البلاد وكانت رغم ذلك تحظى بغطاء سياسي من قبل حزب التجمع الشريك في الحكم في تلك الفترة وقد أرجع البعض هذا النفوذ وهذه القوة لتلك الجماعات إلى محاولة النظام المنتصر في حرب 94م مكافأة تلك الجماعات على وقوفها معه في تلك الحرب ولجعلها أداة في يده لضرب التواجد الاشتراكي في الجنوب كلما حاول التقاط أنفاسه خصوصا إذا ما رأينا أن أهم هذه الجماعات تواجدت في أراضي المحافظات الجنوبية كجيش عدن أبين على سبيل المثال .
لاحظنا كيف أستطاع التجمع اليمني للإصلاح من الاستفادة سياسياً حتى وصل إلى شريك أساسي في الحكم عبر استفادته من الأوضاع التي مرت بها الجمهورية خلال تلك الفترة والتي شكلت أرضية خصبة للتيار الوهابي بشقيه السلفي والسياسي والذي يحتضنه التجمع ساعدته في الانتشار ، وقد يقول قائل لماذا ركزنا في تأثيرات الفكر على ما أحدثه في المحافظات الجنوبية وأسهبنا في تفاصيل ذلك التأثير على الجنوب بينما أغفلنا التأثيرات على المحافظات الشمالية بشكل ملحوظ إلا من إشارة مقتضبة نقول إن المحافظات الشمالية قد نالها من تدخلات هذا الفكر الشيء الكثير وبالأخص مثل قيام الوحدة ويكفينا تدليلا على ذلك ما أوجدته المعاهد العلمية من حالة انفصام في التركيبة الاجتماعية داخل ج.ع.ي عبر ثنائية التعليم غير أننا ركزنا هنا على المناطق الجنوبية للتدليل على منهجية الفكر الوهابي الواحدة والتي لا تتغير عبر فرض الأفكار والثقافات بالوسائل العقيمة وبالإرهاب الفكري أو بمعنى أدق بذل أي جهد مشروع أو غير مشروع لنشر تلك الأفكار وهو ما لاحظناه منذ بدء التحالف الديني والسياسي بين عبد الوهاب وابن سعود وحتى اللحظة وفي أي مكان ظهر أو يظهر هذا الفكر فإنك ستلاحظ واحدية في المنهج الذي يسلكه أتباع هذا الفكر لفرض عقيدته وأفكاره .
ثم ماذا بعد ؟
لم تستمر حالة الوفاق والتوافق بين التيار الوهابي والنظام الحاكم في اليمن فقد ساهمت متغيرات كثيرة جدا داخلية وخارجية في فك الارتباط المتلازم بين النظام والذي على رأسه الرئيس علي عبد الله صالح منذ توليه الحكم وحتى لحظة فك الارتباط وبين الفكر الوهابي حيث لم يدم شهر العسل طويلا بينهما لوجود مؤثرات كانت أقوى في فعلها من أن تبقى الحال على ما هو عليه ، ففي الوقت الذي كانت الجماعات السلفية التيار السلفي للفكر الوهابي ورقة ضغط وتأثير بيد حزب التجمع أصبحت ورقة خاسرة شكلت عاملا مزعجا للنظام وللتجمع على حد سواء وبالأخص عند بروز مرحلة الحرب العالمية الجديدة المعروفة بالحرب على الإرهاب .
- أضف إلى ذلك ما أحدثه قرار توحيد التعليم في الجمهورية اليمنية وإلغاء المعاهد العلمية بسبب ضغوطات وعوامل داخلية وخارجية وما أحدثه هذا القرار من صفعة قوية أفقدت الفكر أحد الدعائم الهامة التي ساعدته لبسط نفوذه السياسي ونشر فكره العقدي على مساحات شاسعة من الأراضي اليمنية
منها ما أحدثته الانتخابات النيابية عام 97م من إنفراد المؤتمر الشعبي العام بالأغلبية المريحة في البرلمان والتي دفعته للتخلي عن شريكه الإصلاح والإنفراد بالحكم ، هذه العوامل نستطيع أن نقول أنها أحدثت تصدعات في البناء التكتيكي الذي كان يسير عليه حزب التجمع سياسيا خلال المرحلة السابقة وأحدثت كذلك ضغطا نفسيا وأمنيا وعسكريا على الجماعات السلفية خلقت نوعا جديدا من الصراع وخنق الأنفاس انعكست كثيراً على حرية الحركة والمناورة لطرفي الفكر السياسي والسلفي مما أفقدتهما مكاسب عالية كانا يطمحان للوصول إليها وبدون الخوض في شروحات وتفسيرات عن تلك التأثيرات التي نعلمها جميعاً وبالأخص ما تعرضت له الجمهورية اليمنية من ضغوطات وتصنيفها من الدول الحاضنة للإرهاب وللجماعات والرموز الإرهابية المطلوبة من أمريكا والذي جعلها تدخل في مناورات لتخفيف هذا الضغط عبر تحالفها مع أمريكا ضد الإرهاب وهذا داخلياً إضافة إلى الانتكاسات التي رافقت مسيرة الدول العربية الحاضنة لهذا الفكر ومورست ضدها ضغوطات خارجية ضيقت الخناق على الجماعات الإسلامية وسدت منافذ الإمداد والدعم اللوجستي للجماعات الوهابية داخل اليمن كل تلك التأثيرات الداخلية والخارجية أفزعت رموز هذا الفكر ودفعته لإجراء مناورات سياسية وثقافية إحترازية للتخفيف من وطأة مثل تلك الهجمات ، حيث تبنى بعض رموز هذا الفكر خطابا معتدلا كان بالأمس القريب يعده خروجا عن الثوابت الشرعية اللازم التقيد بها في خطوة تكتيكية تؤكد أيضاً ما سرنا إليه من أن هذا الفكر لا يهمه سوى الحفاظ على مكاسبه وإن غير من جلده 180 درجة فمن المؤكد أن تبني هذا الخطاب المعتدل لم يرافقه أفعالا معتدلة حتى هذه اللحظة من الزمان وبالأخص بين القواعد الجماهيرية لهذا الفكر .
هل نحن بصدد تغيير جدي للخطاب المتشدد؟
كنا قد أشرنا إلى حالة فك الارتباط بين الفكر والنظام الحاكم لأسباب داخلية وخارجية غيرت من خطاب رموز هذا الفكر غير أن السؤال الذي يجب أن نطرحه هل يعني تغيير الخطاب من متشدد إلى معتدل أنه صادر كسياسة عامة مصاحبة لرموز هذا الفكر المتشدد دام أن هناك أصوات من داخل هذا التيار تبنت بالفعل الخطاب المعتدل وجعلته منهجا وسلوكا حقيقيا في تعاملها مع الآخر .
للإجابة على هذا السؤال ومن أجل الحقيقية نقول إن التفاعلات السياسية والاجتماعية داخل المجتمع اليمني التي رافقت مسيرة التجمع بعد الوحدة وحتى هذه اللحظة وقد أوجدت رموز رأت أنه من الأنفع والأجدى لاستمرار نهوض حزب التجمع وتأثيره في المجتمع بشكل أوسع وعملي ومؤثر هو الانفتاح على الآخر وقبول التحاور معه لما لمسوه من جمود في أدبيات التجمع وسياساته التي ستجعله إذا ما أستمر على هذا الحال محاطا بحراك اجتماعي يؤثر ويتأثر عبر المصالح والمنافع المشتركة وفي إطار من الثوابت المجمع عليها بدون تقديم تنازلات تذكر في أساسيات وثوابت جميع أطراف الحراك السياسي داخل الجمهورية ، وخرجت هذه الرمز برؤى مختلفة ومتطورة في الخطاب السياسي وعبرت عنه عبر تفاعلها مع قضايا حقوقية وسياسية واجتماعية طالت عناصر مخالفة لها إيديولوجيا ومنها قضية حرب صعدة ضد الحوثية أصحاب الفكر الزيدي وقضية المتقاعدين الجنوبيين أضف إلى تمسكهم بخيار التحالف في إطار اللقاء المشترك كقوى مؤثرة في الساحة رغم ما مورس على التجمع من داخله ومن خارجه من ضغوطات غير أن رؤيتهم في البقاء لهذا الإطار تعبير عن حرصهم على الخروج باليمن من حالة الانهيار التام التي تقوده رموز الفساد داخل النظام .
إذا هل يعني هذا أن هذه الرموز قد قلبت الطاولة على المنغلقين وأصحاب الرؤى المتشددة داخل التجمع اليمني للإصلاح ، الإجابة على هذا السؤال بالنفي طبعا لعدة أسباب منها :
1- أن مثل هكذا أفكار يحملها هذا التيار المعتدل لن يتم تبنيها بشكل صريح في الخطاب الشرعي لهذه الجماعات بل لا زالت قيد اجتهادات فردية لم ترق إلى مستوى التغيير الإيديولوجي بشكل عام لتبنيها.
2- أن التيارات المتشددة داخل الفكر الدخيل لا زالت صاحبة القرار ولا زالت رؤاها وخطاباتها كما هي لم تتغير البته وإن كانت في حالة هدنة مع الذات وركون إلى الهدوء حتى تنجلي الأعاصير المصاحبة لمرحلة الحرب على الإرهاب ويظهر ذلك جليا في الخروج بين الفترة والأخرى بفعاليات يتبناها رموز هذا الفكر للتأكيد على أن الأفكار لم ولن تتغير كما حدث على سبيل المثال في الملتقى الذي نظم في جامعة صنعاء وشارك فيها محمد الصادق مغلس وهجومه وتكفيره لجماعة الحوثية إبان حرب صعدة كحالة من التأكيد على أن الإيديلوجيا لا زالت هي صاحبة القرار الأخير في مثل هذه القضايا .
3- أن جميع قواعد وأنصار هذا الفكر في تعاملاتهم مع المخالف يتبنون نفس النظرية ولا يزالون يديرون صراعاتهم مع المخالفين بنفس الوتيرة والنفس الضيق المظلم حتى بعد ظهور رموز الاعتدال وحتى بعد نشوء تحالفات مصيريه تصل حد مع المخالفين تهديد ضرب الوجود للجميع كحالة اللقاء المشترك ، وهو ما عبرت عنه الانتخابات الأخيرة عام 2006 م .
الخلاصة :
إن التأثيرات السلبية على اليمن من الفكر الدخيل قد تجاوزت في حدودها عند نشوئها داخل المجتمع اليمني كل الخطوط الإنسانية والأخلاقية والدينية غير أن المتغيرات المتسارعة في العالم وبروز حالات التقارب والأصوات الداعية للتعايش المشترك وفقا للمصالح إضافة إلى الضغوطات التي تمارس ضد الجماعات المتشددة بشقيها السياسي والسلفي وظهور رموز ليبرالية مؤثرة إلى حد ما داخل هذه المجتمعات وتوسع ثقافة المعرفة وانتشار الأفكار وتأثرها وتأثيرها عبر وسائل الإعلام الحديثة وبروز الكون كقرية صغيرة قد تدفع جميعها إلى تغيير حقيقي يتبناه رموز الانغلاق في خطاباتهم وسلوكهم أو تضييق كل هذه العوامل على المشاريع المنغلقة وتحاصرها حتى تقضي عليها أو تجعلها محصورة في أضيق نقطة يمكن وجودها فيه وبدون تأثير وهذا ما يدعونا إلى التفاؤل وإلى دعوة الجميع للوقوف صفاً واحدا إلى جانب الرموز الخيرة الإنسانية في التجمع ضد الأفكار الشاذة التي لا تخلف من ورائها سوى الحروب والمشاكل خصوصا أن الجميع لديه القناعة بحجم حزب الإصلاح الكبير سياسياً وتنظيميا بل ورشحه الكثيرون ليكون بديلا للنظام القائم حاليا لما يملكه من قدرات تؤهله لذلك .. والله المستعان ..
رب إنى مغلوب فانتصر