عوامل النصر في حياة الفرد والأمة

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
حيدرة الحسني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 144
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 03, 2003 4:49 pm

عوامل النصر في حياة الفرد والأمة

مشاركة بواسطة حيدرة الحسني »

إن البعض يحصر مفهوم النصر بالقضاء على الخصم عند المواجهة، والحال أن للنصر مفهوما أوسع من ذلك بكثير. فإن بقاء القيم التي من اجلها ضحى صاحبها، لهو أكبر دليل على النصر. وهذه هي رسالات الأنبياء والأوصياء نابضة بشعار التوحيد، رغم ما جرى عليهم من صنوف الأذى. فها هو الحسين الذي تشابهت نهاية حياته الكريمة، مع نهاية حياة يحيى بن زكريا يقول: (من هوان الدنيا على الله عز وجل أن رأس يحي بن زكريا، أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل). ولكن الله تعالى كرمه في القران بتكريم منقطع النظير حينما قال: { وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا}.

إن من الطبيعي أن يبتلي الله تعالى عباده بحالات الانتكاس بعد النصر، لئلا يركنوا الى قوتهم. إذ لا ناصر في الوجود حقيقة! إلا الله تعالى، فهو الذي بيده أسباب النصر ولا غير، أليس له {جنود السموات و الأرض}. وهذا هو الامتحان الذي وقع في معركة أحد، حينما أقبل بعض المسلمين على عاجل الدنيا، فحبس الله تعالى عنهم النصر، مع ما وقع فيهم من القتل والجرح البليغ !! وليعلم هنا ان لله تعالى سننه الثابتة في الخلق، ومنها: ان النصر الإلهي للعباد، متوقف على نصرة العباد له، بمعنى اقامة حدوده، وشرائع أحكامه.

إن من موجبات النصر في حياة النبي و أصحابه الميامين هى: تلك الحالة من الوضوح العقائدي، والثبات الفكري الذي كان يبث فيهم روح الشجاعة والاستقامة. فهذا أحد الصحابة ينادي قومه بعدما أشاع الكفار بان النبي قد قتل في معركة احد: (يا قوم ! إن كان محمد قد قتل، فرب محمد لم يقتل! وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله ؟! فقاتلوا على ما قاتل عليه رسول الله، وموتوا على ما مات عليه) ثم قاتل حتى قتل. وهكذا عرف هؤلاء المسلمون نبيهم العظيم من خلال شريعته التي ضحى الرسول من اجلها ! بالنفس والنفيس، وهكذا الاوصياء من عترته.

رغم ان الشريعة اعفت النساء من الجهاد في الظروف العادية، ولكن لا يعنى ذلك اعفاؤها عن نصرة الدين فيما امكنها ذلك - وخاصة فى ظروف الضرورة - للقيام بدور مساند للرسالة الالهية، بدلا من ان تكون عنصر اغراء للرجال فحسب !! فهذه نسيبة بنت كعب المازنية، كانت تداوى الجرحى، وكان ابنها معها في غزوة احد، فاراد ان ينهزم فقالت: يا بني! الى اين تـفـر؟! عن الله ورسوله؟! ، فرجع حتى قتل. وكانت تقي رسول الله بصدرها حتى اصابتها جراحات كثيرة. وقال لها الرسول: بارك الله عليك يا نسيبة !! بل صرح: ان منزلتها عند الله تعالى أفضل من بعض الرجال.

تجلت تضحيات علي في مواطن كثيرة منها في هذه المعركة. إذ كان سيفه يدفع الكروب عن وجه المصطفى. وسمع المسلمون مناديا من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي. فنزل جبرائيل على النبي قائلا: يا محمد ! هذه والله المواساة، فقال النبي لإني منه وهو مني، فقال جبرائيل: وأنا منكما. ومن المعلوم ان كونه منه - كما كان الحسين كذلك - بمعنى ان قوة الشريعة وثباتها بعده، انما هي بجهوده وجهاده، كما يشهد التاريخ! والوجدان المنصف بذلك.

لقد ضرب حنظلة ابن ابي عامر اروع المثل لشباب كل العصور، وذلك حينما اصبح صباح ليلة زفافه، ورأى أن ابواب الجنان مفتحة في الجهاد مع رسول الله. فخرج إلى القتال وهو جنب، وقاتل حتى قتل. وقد شاء الله عز وجل أن لا يدع وليه الشهيد يبقى على جنابته، إذ قال النبي: رأيت الملائكة تغسل حنظلة بين السماء والارض، بماء المزن في صحائف من ذهب. فكان يسمى بغسيل الملائكة.

لم يمر على النبي موقفا في حياته أغيظ من ذلك الموقف الذي وقف فيه على جثة عمه حمزة سيد الشهداء، وقد مثل به ذلك التمثيل الذي لا نطيق وصفه. حتى ورد في التاريخ: ان فاطمة قعدت بين يديه، وكان اذا بكى رسول الله بكت، واذا انتحب انتحبت. وهذه من المواقف النادرة التى تعكس شدة تاثر رسول الله بما جرى يوم أحد. ومع ذلك لم يرفض الرسول الاكرم إسلام قاتل عمه، وهو ذلك الرجل المسمى بـ (وحشي) عندما اعلن الشهادتين. فكيف يتحمل البعض مسؤولية تكفير المسلمين الملتزمين بأصول الدين، وفروعه؟

إن من الملفت حقا في حياة المعصومين هو إستغلال كل موقف في سبيل دعوة الناس إلى التقوى، حتى لو كان ذلك في موقف القتال، إذ أنهم لم يقاتلوا إلا من اجل إقامة عبودية الله تعالى في كل شؤون الحياة. وهذه خطب علي و ولديه الحسن والحسين مسجلة في معاركهم المختلفة، والتي تتركز حول التوحيد وربط الشؤون كلها بالله الواحد الاحد. وذلك تأسيا بالمصطفى الذي عندما سوى صفوف المسلمين في معركة أحد، خطب فيهم ودعاهم الى ترك المشتبهات، قائلا: (فمن تركها حفظ عرضه ودينه، ومن وقع فيها كان كالراعي الى جنب الحمى، أوشك أن يقع فيه. وما من ملك إلا وله حمى، ألا وان حمى الله: محارمه).

ان من الغريب حقا ان الكفار عندما رجعوا منتصرين من غزوة أحد، استفاقوا على حقيقة غابت عن اذهانهم - وهم فى ضواحى المدينة - قائلين: انه لماذا لم نقتل محمدا، ولم نأسر النساء؟! وهذه نقطة ملفتة للنظر، إذ تعكس التصرف الالهى فى القلوب حتى الكفار، عندما يريد أن يصرف الأذى عن المؤمنين فى كل عصر. فلنتامل فى هذه المقولة، لئلا ينتابنا الياس فى عصر كثرت فيه موجبات الياس!. ولكن الله تعالى يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون.

المصدر: شبكة السراج في الطريق إلى الله
قال عبد اللّه بن بابك: خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل قال: يا بابكي ما ترى هذه الثريا؟ أترى أنّ أحداً ينالها؟ قلت: لا، قال: واللّه لوددت أنّ يدي ملصقة بها فأقع إلى الاَرض، أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة وأن اللّه أصلح بين أُمّة محمّد (ص)

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“