اليمن.. موسم الجنون والغضب
11/8/2004 عبد الفتاح الحكيمي
بينما كان العلامة محمد المنصور يتأهب مع وفد الوساطة للإنتقال من منطقة حيدان إلى جبال مران على متن طائرة هيليو كوبتر (عمودية) ظهيرة يوم الاربعاء 2004/8/4م فجأة تغير الموقف كما يقول أرباب السياسة، فقد تلقى العلامة وزملاؤه العشرة إشارة بالتوقف عن المساعي الحميدة، ومنعت طائرة الوفد من التحرك. في الوقت نفسه كانت ثلاث طائرات حربية نوع (Aكا) روسية شبيهة بالأباتشي تقصف موقع لجنة الوساطة المصغرة في مكان اللجنة المصغرة الموجودة في ضيافة الزعيم الديني حسين بدر الدين الحوثي في جبال مران. قصف الوساطة بدأت لجنة الوساطة الموسعة (33) عضواً مساعيها يوم 2004/7/26م بعد ان أصدر الرئيس علي عبدالله صالح بعد يوم واحد توجيهاته الخاصة باضافة اسماء جديدة إلى قوام اللجنة السابقة، لتتمثل مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي في اليمن، وهذا التشكيل يقارب في مجموعه عدد اعضاء الحكومة. وصلت القوات اليمنية الى مرحلة الانسداد وفقدان الامل في احراز أي تقدم عسكري على الارض بعد 50 يوماً من القتال بمواجهة اتباع العلامة حسين الحوثي المتحصنين في مناطق شافعة، ساقين، مران، الرازمي وغيرها. والواضح أن لجنة الوساطة التي شكلها ووسعها الرئيس جاءت مجرد غطاء تكتيكي من السلطة لكسب الوقت وتعزيز الامتدادات والحشود العسكرية داخل مناطق محافظة صعدة كلها والتظاهر امام الرأي العام داخلياً وخارجياً بحسن النوايا. لم يدم وقف اطلاق النار بين الطرفين أكثر من 24 ساعة بين يومي الاربعاء والخميس 2004/7/29-28م فيما تواصل زحف القوات العسكرية نحو مواقع الحوثي واتباعه باسلحة جديدة ومتطورة هذه المرة، من بينها 12 طائرة (Aكا) الروسية التي تعاقدت اليمن على شرائها من روسيا قبل ثلاثة أشهر ضمن صفقة طائرات أخرى (سوخوي) بـ250 مليون دولار، وأكثر من 30 ألف جندي جرى تحشيدهم خلال فترة التفاوض، يمثلون مختلف وحدات المشاة والدبابات والصواريخ والطيران. لا تملك لجنة الوساطة أي صلاحيات، بما في ذلك حق طلب وقف إطلاق النار بين الطرفين أو مراقبته على الأقل، لجنة أشبه بجوقة في فرقة موسيقية عهد اليها توصيل رسالة واحدة مقتضبة من الرئيس هي (المطلوب منك تسليم نفسك يا حسين بدرالدين).. مطالب الحوثي نجح الرئيس بدرجة كبيرة في تحويل اللجنة إلى ناطق شخصي باسمه في الموضوع من جهة، وشاهدة على نفسها من جهة ثانية.. واللجنة أيضاً ممنوعة من الكلام أو التصريح منذ وصولها إلى صعدة بعشرة أيام بحجة تأثير أي لغو على المساعي الحميدة. وبعد أن فقدت اللجنة حتى نعمة الكلام لم يسمح لها بالحركة أيضاً لمعرفة الطرف الذي خرق وقف اطلاق النار، بل تعمدت السلطة اخفاء حجم الدمار والخراب الذي لحق بالمنطقة و اهلها فوضعت ذلك في حسابها اثناء تنظيم تنقل اعضاء اللجنة بعيدا عن مواقع الكارثة . وضع العلامة المجدد حسين بدر الدين الحوثي امام وفد الوساطة و التفاوض مجموعة مطالب لا شروط كما يروج البعض .. وهي : 1- عودة الجيش الى ثكناته وتعويض الاهالي عن الأرواح والاضرار و الممتلكات . 2- الافراج عن المعتقلين في سجون السلطة منذ عام ونصف وزملائهم الجدد الذين بلغوا بعد المواجهات حوالي 3000 شخص في سجون صعدة ، حجة ، عمران ، صنعاء . 3- السماح للعلامة بتدريس القران الكريم . 4- حق ترديد هتافات ( الموت لامريكا .. الموت لاسرائيل .. العزة للاسلام ). اما لجنة الوساطة التي رأسها الاستاذ عبدالوهاب الآنسي الأمين العام المساعد لتجمع الاصلاح فقد رغبت في حقن دماء الأبرياء من الاطفال والنساء و الجنود والمقاتلين الآخرين من الطرفين ولو في مدة الوساطة فقط ، واعتبرت السلطة طلب اللجنة تعيين ممثلين لها لمراقبة وقف اطلاق النار من باب التجاوز، فاللجنة أشبه ما تكون بساعي بريد لا يحق له قراءة ما بداخل المظروف أو فتحه على الأقل. مرة أخرى نجح الرئيس اعلامياً أكثر من عشرة أيام في اسكات أصوات أحزاب المعارضة والمستقلين وخلخلة مواقفهم القوية التي ادانت قبل شهر ونصف عدوان السلطة علناً وفي وقت مبكر قبل ان تضطر بعض الأحزاب إلى تخفيف لهجتها فيما بعد مثلما فعل ذلك حزب الاصلاح الذي رضخ لضغوط السلطة وبعض النافذين بداخله الذين وقعوا تحت تأثير إعلام المؤتمر الحاكم وتصويره للخلاف مع الحوثي على انه عقائدي لا سياسي شرعي! لعل تواجد هؤلاء الـ33 في ملتقيات ومقايل صنعاء كان أكثر جدوى من تسفيرهم إلى صعدة تحت مسمى (لجنة وساطة)، فالسلطة الحاكمة حزمت أمرها دون اعتبار لا لعلماء ولا لسياسيين أو وجاهات اجتماعية ولا لصوت الحق والعدل والضمير، وسوف نقرأ أو نسمع بعد ايام من اعلام السلطة نفسها أن لجنة الوساطة هي حجر عثرة تقف وراء تأزيم الأوضاع وتأجيج الاقتتال. تبدو مطالب العلامة حسين الحوثي منطقية وتخلو من شروط التعجيز أو التعالي على السلطة أو عدم الاعتراف بها. بل ان هذه المطالب الانسانية تدحض ادعاء السلطة بأن الرجل ظل ينتقص من شرعية الرئيس أو يحرض ضد حكمه. لكن السلطة اختارت لنفسها الوقوف في مربع الشيطان والكبر الذي نهى عنه الله تعالى ورسوله، ومن الكبر مثلما يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (كراهة الحق.. وغمط الناس حقهم).. والكبر من صفات الشيطان كما هو في القرآن الكريم (وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا ابليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (البقرة 34). ولم يمتنع العلامة حسين الحوثي عن تسليم نفسه للقضاء العادل أو للجنة الوساطة للنظر بالمسألة من بدايتها وتحديد مَن الطرف الذي بدأ اطلاق النار، لكن السلطة اعتقدت ان الافضل لها تجريد لجنة المساعي من أي صلاحيات أدبية أو سياسية لتضع الحوثي من جديد بعدالوساطة الخامسة أمام أمر واقع (خلوه يسلم نفسه) وان اللجنة أشبه برسالة ملغومة استفاد الرئيس من مظاهرها الخارجية الشكلية لايهام الرأي العام، مع التنكر مقدماً لكل نية حسنة من اصحابها من شأنها وقف الدمار والقتل والتشريد سلمياً. وهم التنافس قال الرئيس بمناسبة مرور 26 عاماً على توليه السلطة يوم 17 يوليو الماضي (هو مش منافس لي) يقصد (الحوثي) وذلك في معرض حديثه للمهنئين عن مبدأ تداول السلطة سلمياً الذي لم يحدث حتى الآن.. ونحن نقول لا ينبغي اعتبار مطالب العلامة حسين بدرالدين امام لجنة التفاوض على انها تأتي من طرف منافس أوند للرئيس علي عبدالله صالح نفسه، والاختلاف في وجهات النظر مع الرئيس بشأن تركيبة الحكم القائمة وسياسة الفساد لا تعني التقليل من شعبية الرجل ولا يزال صاحب هذه السطور يراهن على دور الرئيس نفسه في اصلاح اختلالات مؤسسة الحكم وتركيبتها العائلية الصارخة، وبيده مفاتيح التغيير لو أراد ذلك، ومعه سوف يقف الخيرون في اليمن. في صعدة فضَّل الرئيس الحل العسكري على خيار حقن الدماء (السلمي) في قضية فكرية سياسية من بدايتها، وكان بمقدوره قطع الطريق على المتربصين وقبول المطالب لا باعتبار الحوثي طرفاً في معادلة المعركة بل لإبراء ذمة الرئيس أمام الله والناس الذين اختاروه في صعدة وغيرها قائداً لهم ومستأمناً على حرمة دمائهم واموالهم. في المؤتمر الصحفي الذي عقده رئيس هيئة اركان الجيش (محمد علي القاسمي). يوم الجمعة الماضي أعلن عن نهاية العمليات العسكرية الرئيسية، وفي ذلك رسالة سياسية تقطع الطريق على أي تدخل خارجي بشئون اليمن أكثر من أن الأمور قد هدأت بالفعل على الجبهات أو الاحتمالات الكارثية لرد الفعل على الدمار الفظيع الذي لحق بالأنفس والممتلكات، والأمل معقود بعد الله على الرئيس في حقن ما تبقى من دماء الجنود والمواطنين، ووضع نهاية انسانية للابادة الجماعية التي تجاوزت 1800 قتيل وشهيد و 5500 جريح وتدمير أكثر من 10آلاف منزل وتشريد 15 ألف أسرة وترويع الآمنين، عدا ما جرته الحرب من قلاقل على البلاد بوجه عام وتدهور مداخيل السياحة واهتزاز ثقة العالم بالموانئ والمطارات والاستثمار في اليمن. ملاحظة هامة: ü ترجح مصادرعليمة ان العلامة حسين بدر الدين الحوثي قد انسحب طوعاً من المواقع والتحصينات في حيدان حفاظاً على الانفس والممتلكات، فيما قام الجيش بنشر قواته على مواقع الحوثي السابقة.. لاظهار انه قد حقق نصراً ماعلى طريقته، ورفع علم الجمهورية اليمنية على بعض المواقع وكأنها كانت محتلة من قوى أجنبية!!
منقول من صحيفة الشورى عدد495 تاريخ11/8/2004
اليمن موسم الجنون والغضب
اليمن موسم الجنون والغضب
هـمـتـي هـمـة المـلـوك ونفسـي
. . . . نفـس حـر تـرى المهـانــة كـفـرا
. . . . نفـس حـر تـرى المهـانــة كـفـرا