يا زيدية : كفوا عن المزايدة وابدأوا العمل
تنويه مسبق : هذا المقال غلب عليه في مواضع الطابع الأدبي فليتفهم القارئ الحصيف تعميماته
المتأمل للواقع الزيدي وما وصل إليه يلاحظ التبعثر الذي يعاني منه أبناء هذا المذهب ، كل يغني على ليلاه ، وليلى هنا هي أسلوب التحرك الذي ارتضاه ذلك الفرد ، أنا أعتقد أن قلة وعي ومحدودية خبرة جزء كبير من الجيل الجديد من علماء الزيدية ودعاتها وناشطيها كان له سبب كبير في ذلك ، إن لم يكن سببا أوحد ، وأقول الجيل الجديد لأنهم المعول عليهم أن يواكبوا متغيرات الزمن ، لا علمائنا الذين نشأوا وتربوا وتثقفوا في دولة سابقة في زمن سابق في ظروف وحالة سابقة ، وهذا أمر طبيعي ،
حسناً .. ولكن هذا الأمر - أعني التبعثر وسببه - قد يكون صحياً إذ إنه من المفترض أن يؤدي في النهاية مع سلامة النية طبعاً إلى بلورة هذا الواقع الزيدي بشكل مناسب ، وليست المشكلة في أن نخطئ وإنما المشكلة في أن نستمر على الخطأ ، لكن .. الملاحظ أن السير كان يتجه كل يوم باتجاه الأسفل .
ولكن أيضاً ، كنا ونحن نسير باتجاه الأسفل .. ونحن نمضي في الاتجاه الخاطئ ، ومن يدعون أنهم حماة حمى الزيدية يمشون بنا على أسلوب

أتدرون ماذا أريد أن أقول !! أقول هناك أشخاص لا يعرفون ما معنى أن يكون أحدهم زيدياً وإن كان قد هضم كتب الزيدية هضماً كاملاً ، لا يدري ما المطلوب منه باعتباره حاملاً لفكر معين ! لا يعرف من ذاته من كينونته من وجوده من هويته إلا أنه يحمل ثلاثين مسألة وما تبعها من شروح ومسائل متفرعة وكتب ومجلدات تدور حول ذلك أو تتفرع عنه ، ثم ماذا !! لا ندري !
ثم إذا ما خطر بباله خاطر معين أوحى له بجدوى عمل ما .. قال : من أجل الزيدية ،،، الله أكبر ! الزيدية أو الموت ،،، يا للهول ! فداء للإمام زيد ولأئمة أهل البيت عليهم السلام ! إلى آخر تلك الشعارات الرنانة التي تحشد وما زالت تحشد إلى اليوم وإلى ما شاء الله ، لكن لا من أجل الزيدية ولا الإمام زيد ولا غيره بل من أجل رؤية ارتئاها على قلة خبرة ومحدودية معرفة ، هذا كله مع سلامة النية !
للأسف أقولها ، إن البعض وصل إلى مرحلة مع عمق تجربته والتصاقه بالواقع الزيدي إلى مرحلة لم يعد هناك مبرر لوجوده رأسا ولا لأي نشاط يقوم به أو أهمية تذكر له ، إلا أنه يحمي الزيدية كما يروج ويحاول أن يقنع نفسه أولاً قبل الآخرين ، ولذلك يدافع باستماتة عن أعماله ويحشد من أجل ذلك تلك الشعارات ، تلك الشعارات التي إن دلت على شئ فإنما تدل على ضعف وانهزام نفسي وعقدة فشل نعاني منها ، وإلا كنا رفعنا شعارات عملية واقعية ، كما تعمل الحركات الإسلامية البناءة ، والعجب كل العجب أن تلك الشعارات كانت ترفع من على طرفي النقيض في نفس الوقت ، فالبعض يدعو لدخول حزب المؤتمر - مثلاً - تحت شعار الدفاع عن المذهب ! تصوروا ! دخول المؤتمر الشعبي من أجل زيد بن علي ! وعلى الطرف النقيض نسمع نفس الكلام .
لا توجد صورة واضحة لما نريد أن نكون عليه ، نحن مجموعة لديها ثلاثون مسألة وتحتار فيما يمكنها أن تقوم به تجاه هذه المسائل !فبعض يريد أن يطبعها في كتاب واحد ، وبعض يريد نشرها في مطويات ، والسلام !
البعض ينظّر لخلق الطائفة الزيدية ، والبعض الآخر ينظر لاكتساح الآخرين ، بعض أخواننا ينتظر الفرصة التي يتمكن فيها من رقاب الاثني عشرية الضالة المضلة من أبناء حزب الله مثلاً لعل وعسى يستطيع أن يخرجهم من (الظلمات )إلى النور ، فإن أخرج معهم بعضاً من أبناء حركة حماس أيضاً ، بلغ الغاية التي لا ترامُ ، ثم ماذا ؟ لا أقول إني لا أدري ، بل أقول أني أدري أنه هو ليس يدري ، ليس يدري ما المنتظر من هذا الشخص الذي يراد تحويله إلى زيدي ، لكنه يدري فقط بأنه توصل إلى مجموعة من المسائل المنطقية الصحيحة وصار دوره في هذه الحياة أن يقنع الآخرين بها .. فقط .
أعرف أن هذه القناعات متعلقة بمسائل مرتبطة بالألوهية ونحوها ، لكني أعتقد أن إيماني عندما يكون داخل الكتب كحالة أصحابنا يكون كلا إيمان ، نعم : لا إيمان ،
من بين هذا الركام الهائل والغوغائية المصمة للآذان خرج فرد من أبناء الزيدية ، خرج ليتبنى دوراً وحركة تخرج بالزيدية من إطار الطائفة إلى إطار الأمة ، تماماً كما كان أهل البيت عليهم السلام ، خرج ليعلن أن الزيدية لا بد وأن تحضر في الحياة العامة ، في متغيرات الأمور ، في القضايا المصيرية لهذه الأمة ، لم يلصق نفسه بالزيدية كحام ومدافع كالآخرين ولم يتمترس خلف إمام كبير من أهل البيت عليهم السلام مدافعاً عن توجهه ، كان أكبر من أن يزايِد وهو أكبر من أن يزايَد عليه في الانتماء للمذهب أو هم الفكر والعقيدة ، لقد طرح رؤيته كرؤية إسلامية شاملة ، رؤية تسع الجميع زيدياً كان أو غيره .. سبحان الله ، يذكر طرحه بطرح الإمام زيد في رسالته لعلماء الأمة ، أو في رسالة الحقوق ،، أستدرك : نعم هو لم يتنصل من ذلك الانتماء لكن .. دون أن يجعل الانتماء هو بطاقة القبول في هذه الحركة ..
طبعاً أمراء المذهبية كانوا له بالمرصاد ، فمن جهة جاء من يتصيد بعض ما كان يطرحه ليهيج أبناء المذاهب الأخرى ضده ، ومن جهة أخرى ارتفعت أصوات ويا للأسف ضد هذا الرجل تحت شعار ( دفاعاً عن المذهب الزيدي ) ، نعم .. هؤلاء هم الذين يفهمون الزيدية كطائفة يحكمونها ، جماعة مغلقة ترجع إليهم في أمورها ، أناس معزولين لا علاقة لهم بشئ مما حولهم .. لكن عليهم أن يمجدوا زيد بن علي لأنه خرج على الظالم ، وأن ينتقصوا في نفس الوقت الخميني لأنه يؤمن بأئمة أرخوا سترهم و : قال أئمة قال ..!!
هؤلاء لا هم الذين أخرجوا الزيدية إلى الواقع العملي ، ولا هم الذين استطاعوا أن يحافظوا على انتماء أبنائها وعلى إبقائهم معزولين عن غيرهم مغلقين على أنفسهم إلى أن يأتي الفرج .
بعضهم أراد من الرجل أن يتوقف ، لماذا يتوقف ! يتوقف حتى يجدوا فرصة للتفكير فيما إذا كان هذا التوجه صحيحاً أم لا ، وبعضهم أصدر أحكامه مباشرة ولكن وفق ثقافة معينة كان الرجل قد تجاوزها بمراحل ،
وبعض أخذ يحلل ، وقد سمعتها مرة بأذني من شخص أكن له كل الاحترام والتقدير والتبجيل ، قال لي قبل حرب مران بأيام إنما يجري عملية مخابراتية ، فالدولة تعرف أن الزيدية مجمعون على كون السيد بدر الدين خليفة للسيد مجد الدين !وحتى لا يجتمع عليه الزيدية عملت هذه الزوبعة كلها !! فعلاً لم تجتمع الزيدية على السيد بدر الدين .. فقد خلف نجلاً أجمع عليه الزيدية كما لم يجمعوا ربما على السيد مجد الدين نفسه .
ذلك النجل ذلك الرجل ذلك السيد ذلك البطل ذلك القائد ذلك الذي طال انتظار الزيدية له هو الذي أحدث نقلة نوعية في الواقع الزيدي ، هو الذي كانت حركته كفيلة بحدوث ثورة فكرية .. اسمعوني لحظة ..ثورة فكرية على الذهنية السائدة التي عزلت الزيدية وحصرتها وقيدتها ،
ذلك الرجل كان أنبه علماء الزيدية ، وأحذق سياسييها ، وأخلص أبنائها ، وأشجع سادتها ، إنه الحسين بن بدر الدين ، اسم كتبت حروفه داخل قلب كل زيدي ، حتى من أولئك الذين يقفون في الطرف الآخر ، لا يملكون إلا أن يطأطئوا رؤسهم احتراماً وإجلالاً وحباً وتقديراً كلما مر عليهم هذا الاسم ، فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا .
قبل أن أختم أريد أن أشير إشارة بسيطة ، هي أني أؤمن بفضل وأقدمية المولى مجد الدين إيماني بفضل وأقدمية زين العابدين سلام الله عليهما أبدا دائماً ، إذ أخشى أن يستحضر اسم سيدي المولى لخوض جولة غير متوقعة ،، للدفاع عن أهل البيت من أمثالي !
إنسان