أراد لإيران أن تكون في خدمة الإسلام لا أن يكون الإسلام في خدمتها:
كان أفق الإمام الخميني في حجم قضية الإسلام في العالم
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
امتاز الإمام الخميني(رض)، بأنه لم يكن يعيش ازدواجية الشخصية بين الدوائر التي كانت تتحرك فيها عناصر شخصيته، وإني لأتصوره منذ انطلاقته الأولى في الحياة، ذاك الإنسان الذي وعى الواقع الذي يعيشه المسلمون، وخصوصاً في إيران، وعرف طبيعة اللعبة الدولية التي عملت بمختلف مواقعها الروسية والبريطانية والأمريكية على احتواء إيران وإخضاعها للمصالح الدولية، بما في ذلك الجانب الثقافي الذي يطلّ على الجانب السياسي والآخر الاقتصادي والثالث الأمني.
مشروع الحكومة الإسلامية:
أما (مشروع الحكومة الإسلامية) فقد كان حاضراً في ذهنه منذ البداية، ومن نافلة القول أن الإمام الخميني(رض) لا يمكن أن يكون إلا إسلامياً، فلقد كان من الوعي بحيث كان يفكر في ما بعد مرحلة إسقاط الشاه، فلا معنى لأن يسقط الشاه ليتسلم الحكم أولئك الذين لا يلتقي معهم في الفكر ولا يثق بكل منطلقاتهم.
وعندما نقرأ فقه الإمام(رض)، فإننا لا نقرأ فقهاً تقليدياً ولكننا نقرأ فقهاً يتحرك من موقع الأدلة الفقهية في تثبيت النظرية، بحيث ينفتح على الواقع الذي يوحي للآخرين بأن على الفقيه مسؤولية التحرك باتجاه هموم الجماهير، ولا يكون ذلك إلا بنـزول العلماء إلى أرض الواقع ليواجهوا الانحراف السياسي، وأن يؤكدوا الإسلام في حركتهم وطروحاتهم، وأن لا ينعزلوا عن المجتمع والتغيرات التي تحدث في داخله بين وقت وآخر، مما ينعكس سلباً على واقع المسلمين سواء في داخل إيران أو في خارجها. فمسألة الحكومة الإسلامية كانت كفكرة موجودة في ذهن الإمام منذ البداية، وربما كانت تطورات الأحداث ونجاحاته في حركة هنا وحركة هناك، قد عمّقت فكرة الثورة والحكومة في نفسه لأنه بدأ يشعر بواقعية حركته الثورة، وبأنها ليست تجريداً في الخيال بل يمكن لها أن تجد الفرصة الأكيدة للنجاح.
الإنجاز الكبير:
ويمكن القول باطمئنان، إن الإنجاز الأكبر الذي حققه الإمام الخميني(رض) في مستوى الدعوة، هو أنه استطاع أن يصدم العالم كله بالإسلام، وأن يدخل الإسلام إلى كل عقل وقلب، وأنه يجعله واقعاً علمياً وعملياً، وربما استطاع من خلال ثورته المدوية أن يُسمع كل الشعوب والبلاد التي لم تكن قد سمعت بالإسلام من قبل، بهذا الدين العالمي، وكل ذلك كان بسبب ثورته الناجحة التي حققت هذا الهدف الكبير.
وإذا ما نظرنا إلى مقولة رئيس الحكومة الإيرانية الأسبق مهدي بازركان التي أدلى بها إلى الصحافة، وهي أنه أراد الإسلام لإيران فيما أراد الخميني(رض) إيران للإسلام، فإننا نرى أن الإمام الخميني(رض) كان فقيهاً مسلماً حركياً، ومن الطبيعي أن أي فقيه بهذه المواصفات لا بد أن يفكر في الإسلام بحجم العالم، وأن ينظر إلى أي موقع من مواقع الحركة الإسلامية على أنها تمثل جزءاً من حركة الإسلام في العالم.
ومن هنا، فإن الإمام أراد إيران للإسلام باعتبار أنه كان يفكر في أسلمة العالم، ولذلك كانت شعاراته التي أطلقها تمثل هذا الاتجاه، كما في ندائه "يا أيها المسلمون اتحدوا" فلقد أطلقه للعالم كله. كما أنه أراد للمستضعفين في العالم أن يتعرفوا على الإسلام الذي يتحرك مع المستضعفين من منطلق القضايا الكبرى التي لا تتجزأ، وأراد من خلال ذلك أن يرسي مبدأ تدعيم القوة، فأية قوة لهم تكون قوة للموقع الآخر الذي يمثلهم، وأي ضعف يمنون به يمثل ضعفاً في موقع آخر.
والشيء نفسه يقال عن حديثه عن الاستكبار العالمي ونظرته إلى العالم كله، فالإمام(رض) لم ينظر إلى إيران بشكل خاص بل إلى الأفق الإسلامي العالمي عندما تحرك في شعار (جمهورية إسلامية لا شرقية ولا غربية)، وإن كانت إيران بالنسبة له تمثل المنطلق باعتبار أنها مركز القوة الذي استطاع من خلاله أن يهز مركز القوة للاستكبار العالمي في المنطقة من جهة، وأن يثبت مركز القوة للثورة من خلال القاعدة الإسلامية في العالم من جهة أخرى، كما أن نشاطه بعد نجاح الثورة قد شمل المواقع كلها مما أصبح الغرب يطلق عليه (عملية تصدير الثورة). فلقد كان يريد تثوير العالم الإسلامي، وانتهاز الفرص المؤاتية لإرسال الجيش الإسلامي من إيران إلى فلسطين من أجل تحريرها أو للقتال ضد الصهاينة.
ومن هذا وذاك، نرى أن الإمام كان يفكر في نجاح الثورة الإسلامية في إيران لتنجح في العالم الآخر من خلالها، ولذلك كان قبل نجاح الثورة يفكر بنجاحها في إيران حصراً، ولم يكن يفكر بتبديد جهوده في متاهات الأوضاع الموجودة في البلاد الإسلامية، ولذلك ركّز جهوده كلها على إيران كمنطلق.
ولعل قراءتنا لكثير من أدبيات الإمام الخميني(رض) تؤكد أنه كان حركياً إسلامياً في حجم قضية الإسلام في العالم، ولم تكن الثورة في إيران إلا مرحلة في هذه الاستراتيجية الواسعة.
العامل الغيبي في الثورة:
ومن الطبيعي أننا نؤمن بالغيب وأن الله ينصر من ينصره، وأن الله خاطب المؤمنين بقوله: {إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}(محمد:7)، وأن الله أراد من المؤمنين أن لا يهنوا وأن لا يحزنوا وقال لهم: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}(آل عمران:139)، وحدّثهم عن الواقع فأراد للمؤمنين أن لا يسقطوا إذا مسّهم قرح، فإن حركة الجهاد كما تفرض على المجاهدين أن يعيشوا قرحاً هنا، وقرحاً هناك، فإنهم في المقابل يوقعون القرح في الطرف الآخر، وإنهم إذا كانوا يألمون من التحديات فإن الآخرين يألمون أيضاً ولكن الفرق أن المؤمنين يرجون من الله ما لا يرجوه أعداؤهم.
ولذا نعتقد أن الألطاف الخفية أحاطت بالثورة من جهة وبالإمام(رض) من جهة أخرى، بحيث حفظت حياته في مواقع الخطر وحفظت الثورة من أعدائها أيضاً، لكن أن تفسّر كل شيء بالإمداد الغيبي فهذا على خلاف سنّة الله في الكون.
التوازن بين الواقعين الغيبي والمادي:
لقد استخدم الإمام الخميني(رض) هذا المعنى لكنه في الوقت نفسه كان يتحدث عن الظروف الطبيعية والسنن الاجتماعية، وكان دوره كفقيه وكمرجع وكعارف أن يربط الناس بالله وإن يوحي إليهم أن كل شيء من الله وإليه وإن دورنا هو دور المنفذين لإرادته وصولاً إلى الأهداف.
لذلك نقول بأن الطاقة الروحية التي تتمثل في كل هذا الغنى الروحي الموجود في الآيات الكريمة والسنة النبوية الشريفة ضرورية جداً لخوض حركة الصراع، لا سيما عندما لا يكون هناك توازن بين هذا الفريق وذاك، لكننا نريد أن نؤكد على نقطة معينة وهي أن اعتبار العناصر المادية الأساس في حسم الأمور هي نظرة خاطئة في الواقع وفي الإيمان، كما أن اعتبار الغيب هو السبب المباشر لكل شيء، بحيث نبتعد عن دراسة الواقع والتخطيط والأخذ بأسباب القوة لترسيخه نظرة خاطئة أيضاً.
فعلنا أن نزاوج بين انفتاحنا على السنن التي أودعها الله في الكون وفي حركة الإنسان وبين الفيوضات الإلهية التي تمثل الإمداد الغيبي في ساعة العسرة أو المواجهة، وقد استخدم الإمام الخميني(رض) هذين العنصرين أفضل استخدام مع ملاحظة أنه ركز على الجانب الروحي لأن الساحة الإسلامية بفعل الهزائم السياسية والأمنية والاقتصادية التي عاشتها تحت ضغط الاستكبار العالمي وظلم الحكم المحلي هنا وهناك، من خلال الأنظمة زادت الناس شعوراً بالانبهار بالغرب وإحساساً بالسقوط أمامه، ولذا أراد الإمام أن يقوّي هذا الجانب الإيماني الروحاني في الثقة بالله والانفتاح عليه حتى يستطيع الناس أن يتماسكوا، واستطاع أن يهمش كل تلك الثقافة التي ركزت على الجانب المادي لينطلق الناس من خلال الجانب المعنوي، وليجدوا فيه ما لم يجدوه في أية قوة مادية.
وأعتقد أن أصحاب الثورات يتحركون جميعاً في هذا الاتجاه، فنحن نستطيع أن نحدث الناس بنقاط الضعف أو نوحي لهم بهذه النقاط الموجودة في الاستكبار العالمي. ولعلنا نتذكر هنا (ماو تسي تونغ) وكم هو الفرق شاسع بينه وبين الإمام، عندما قال: "إن أميركا نمرٌ من ورق" وكان يعلم أنها نمرٌ يملك أنياباً ذرية، ولكنه أراد أن يفرّغ وجدان الشعب الصيني من السقوط تحت تأثير الإحساس بالرهبة والخوف من القوة الأميركية، غاية ما هناك أن "ماو تسي تونغ" استخدمها بطريقة مادية سياسية، ولكن الإمام استخدمها من خلال العناصر الروحية الإيمانية غير البعيدة عن ثقافة الشعب وواقعه.
جريدة بينّات العدد 217 - الجمعة 08/6/2007 الموافق 22 جمادى الأولى 1428 هـ
في ذكرى وفاة الامام الخميني- للسيد فضل الله
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 149
- اشترك في: السبت فبراير 28, 2004 8:53 pm
في ذكرى وفاة الامام الخميني- للسيد فضل الله
ياليتَ شعري، ما يكون’ جوابهمْ حين الخلائقِ لِلْحساب ’تساق’...!
حين الخصيم’ "محمدُ"، وشهوده أهل السّما ، والحاكم’ الخلاّق ..! ؟
حين الخصيم’ "محمدُ"، وشهوده أهل السّما ، والحاكم’ الخلاّق ..! ؟