بسم الله الرحمن الرحيم
نستكمل فى هذا الجزء المراحل التى قننت زحزحة الإمام علي عن مكانه . و يمكن تحديد المراحل بثلاث مراحل محورية :
1- دور معاوية بن أبى سفيان و حزبه
2- دور الأمويون و حزبهم
3- دور العباسيون و حزبهم
أولا : دور مـــعـــاويـــة بـن أبـــي ســـفــيــان و حــزبــه :
1-كان معاوية اذا قنت فى صلاته سب علي و أبن عباس و الحسن و الحسين و مالك الأشتر و اذا خطب علىالمنبر يختم خطبته قائلا :
اللهم ان أبا تراب ( يعنى الإمام علي ) ألحد فى دينك و صد عن سبيلك فألعنه لعنا وبيلا وعذبه عذابا أليما
و كتب بذلك اللعن الى الآفاق ليجهر به على المنابر فكان الناس يكرهون سماع اللعن فكانوا اذا أدوا صلاة العيد خرجوا من المساجد فألزم معاوية الناس على تقديم الخطبة لسماع لعن الإمام علي و كان غرض معاوية أن يغرس فى نفوس المسلمين أن أهل البيت لا كرامة لهم و أن إمامهم الذين يصولون و يفتخرون بمناقبه و سابقته و هجرته و جهاده هذا حاله و هذا مقداره فيكون من ينتمى اليه عن الشرف أبعد
2-يروي المؤرخ أبو الحسن المدائنى فى كتابه ( الأحداث) و أبن أبى الحديد المعتزلى فى ( شرح نهج البلاغة ) :
كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام الجماعة 41 هـ :
أن برئت الذمة ممن روى شيئا فى فضل أبى تراب (أى الإمام علي ) و أهل بيته . فقام الخطباء فى كل جهة و على كل منبر يلعنون علي و يبرأون منه و كان أشد الناس بلاء أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي فأستعمل عليهم زياد بن سمية فكان يتتبع شيعة علي فقتلهم تحت كل حجر و قطع الأيدي و الأرجل و صلبهم على جذوع النخل
و كتب معاوية الى عماله في جميع الآفاق :
أن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي و أهل البيت شهادة و أن أنظروا من قبلكم من شيعة عثمان و محبيه و الذين يروون فضائله فقربوهم و أكرموهم أكتبوا الى بكل ما يروي رجل منهم و أسمه و أسم أبيه و عشيرته .
ففعلوا حتى أكثروا فى فضائل عثمان لما كان يبعث اليهم معاوية من الصلات
ثم كتب معاوية الى عماله :
أن الحديث فى عثمان قد كثر فى كل ناحية فأذا جاءكم كتابى هذا فأدعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة و الخلفاء الأولين و لا تتركوا خبرا يرويه أحدا فى أبى تراب ( يقصد الإمام علي ) إلا و تأتونى بمثيل له في الصحابة .
فقرئت كتبه على الناس فرويت أخبار فى مناقب الصحابة لا حقيقة لها و أشادوا بذلك على المنابر و ألقى على معلمى الكتاتيب فعلموا صبيانهم من ذلك و تعلموه كما يتعلمون القرآن و علموه بناتهم و نساءهم و خدمهم
3 -و يروي أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب المعروف بالأسكافى شيخ المعتزلة ( المتوفى 240 هـ ) :
ان معاوية وضع قوما من الصحابة و التابعين على رواية أخبار قبيحة فى علي تقتضى الطعن فيه و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب فى مثله فأختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير
و من أمثلة ما رواه حزب معاوية بن أبى سفيان لتشويه مكانة الإمام علي نذكر على سبيل المثال لا الحصر :
1- بذل معاوية للصحابى سمرة بن جندب الفزارى 100 ألف درهم حتي يروي أن هذه الآية نزلت فى الإمام علي :
و من الناس من يعجبك قوله فى الحياة الدنيا و يشهد الله على ما فى قلبه و هو ألد الخصام
و أن الآية التالية نزلت فى قاتل الإمام علي عبد الرحمن بن ملجم : و من الناس من يشرى نفسه أبتغاء مرضاة الله
فلم يقبل سمرة بن جندب فبذل له معاوية 400 ألف درهم فقبل
2- يذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى ج3 ص 170 :
عن بسر بن أرطأة العامرى قائد معاوية أنه خطب على منبر البصرة فأخذ يسب الإمام علي ثم قال: نشدت الله رجلا علم أني صادق إلا صدقني أو كاذب إلا كذبني . فقال أبو بكرة : أللهم إنا لا نعلمك إلا كاذبا . فأمر به فخنق
3-و يذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى ج3 ص 182 :
عن الصحابى المغيرة بن شعبة و كان معاوية بن أبى سفيان قد ولاه الكوفة أنه قال لصعصعة بن صوحان العبدي :
أياك أن يبلغنى عنك أنك تعيب عثمان و أياك ان يبلغنى عنك انك تذكر شيئا من فضل علي علانية فأنك لست بذاكر شيئا أجهله و لكن هذا السلطان ( أي معاوية ) قد ظهر و قد أمرنا بأظهار عيبه للناس فأن كنت ذاكرا فضله فأذكره بينك و بين أصحابك سرا و فى منازلكم و اما علانية فهذا لا يحتمله الخليفة لنا و لا يعذرنا فيه
ثانيا : دور الأمـــويـــون و حـــزبـــهــم :
أستمر بنى أمية فى سياستهم فى سب الإمام علي و أنتقاص قدره بعد معاوية بن أبى سفيان ..
1- فى عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك ( 86-96هـ ) تشدد واليه على الكوفة السفاح الحجاج بن يوسف الثقفى حتى أنه منع الناس عن ذكر أسم الإمام علي فكان الحسن البصرى و التابعين اذا رووا حديثا عنه لم يقدروا ان يصرحوا بأسم الإمام علي خوفا من بطش الحجاج فكان يقول ( عن أبى زينب ) يقصد الإمام علي .
2- و أستعمل الحجاج بن يوسف الثقفى عبد الرحمن بن أبى ليلى على القضاء ثم عزله و ضربه ليسب الإمام علي و يلعنه .
3- و يروي علي المسعودي فى ( مروج الذهب ج3 ص 175 ) أن كراهية الإمام علي و أهل البيت كانت وسيلة التقرب للحجاج بن يوسف الثقفى كما نرى فى حوار الحجاج و عبد الله بن هانئ شيخ بنى أود :
عبد الله بن هانىء : إن لنا مناقب ما هى لأحد من العرب
الحجاج بن يوسف الثقفى : و ما هذه المناقب ؟
عبد الله بن هانىء : ما منا أحد تزوج أمرأة تحب علي و تتولاه
الحجاج بن يوسف الثقفى : هذه و الله منقبة
عبد الله بن هانىء : و ما منا أمرأة إلا نذرت إن قتل الحسين أن تنحر عشر أبل ففعلت
الحجاج بن يوسف الثقفى : و هذه و الله منقبة
عبد الله بن هانىء : و ما منا رجل عرض عليه شتم علي و لعنه إلا فعل و أزيدكم أبنيه الحسن و الحسين و أمهما فاطمة
الحجاج بن يوسف الثقفى : هذه و الله منقبة
4- و كان الخليفة الوليد بن عبد الملك نفسه يخطب على المنبر قائلا :
ان الحديث الذي روي عن رسول الله أنت منى بمنزلة هارون من موسى صحيح لكنه محرف لأن رسول الله قال : أنت منى بمنزلة قارون من موسى فأشتبه على السامع
* أنظر : تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 8 : 268
5- و أستمرت تلك السياسة الأموية حتى تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز ( 99- 101 هـ) فحدث أن نال من الإمام علي و كان آنذاك يلزم عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود فأتاه و هو يصلي فأطال الصلاة فلما فرغ قال لعمر : متى علمت ان الله غضب على أهل بدر و بيعة الرضوان بعد أن رضى عنهم ؟
عمر بن عبد العزيز : لم أسمع ذلك
عبيد الله بن عبد الله : فما الذي بلغنى عنك فى علي
عمر بن عبد العزيز : و هل شهد علي بدر ؟
عبيد الله بن عبد الله : و هل كانت بدر الا لعلي
عمر بن عبد العزيز : معذرة الى الله و اليك
و أمر عمر بن عبد العزيز بأستبدال السب و اللعن في خطبة الجمعة و الأعياد بقول الله تعالى :
ان الله يأمر بالعدل و الأحسان و ايتاء ذى القربى و ينهى عن الفحشاء و المنكر و البغى
- بعد وفاة الخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز عاد بنو أمية لسياستهم فى سب الإمام علي و أهل البيت خاصة فى عهد الخليفة هشام بن عبد الملك ( 105-125 هـ) فكان والى المدينة خالد بن عبد الملك بن الحارث يدفع أعوانه لسب فاطمة الزهراء بنت رسول الله فى المسجد النبوى و على منبر أبيها و كان والى الكوفة خالد بن عبد الله القسري يبالغ فى سب الإمام علي تقربا للخليفة ...
و أصبح مجرد التسمية بأسم ( علي ) جريمة يعاقب عليها بنى أمية و إذا سمعوا بمولود سمى ( علي ) قتلوه . حتى أن التابعى علي بن رباح اللخمى ( 24-114 هـ ) نجد أباه يغير أسمه إلى ( عُلي ) مصغرا
حتى أنه يروي أبن كثير أن جماعة من أهل السنة عندما سمعوا الفقية و المفسر سليمان بن مهران الأعمش ( 61-148 هـ ) يروى حديث الطير المشوى الذى فيه فضيلة للإمام علي أخرجوه من المسجد و غسلوا مكانه!!
و نتيجة لهذا النهج الأموي طيلة القرن الهجري الأول من تدليس و تشوية أن صار الإمام علي منتقص القدر مهان الكرامة لا يعلم له المسلمون فضيلة بينما سائر الصحابة تلمع سيرتهم بالمناقب المذهلة و بسقوط الدولة الأموية 132 هـ و قيام الدولة العباسية كانت صورة الإمام علي بين أهل السنة مأساوية تدمى القلب .
يروي المسعودي فى مروج الذهب ج3 : 39 - 41 :
أخبرني رجل من أهل العلم قال كنا نقعد فنتناظر فى أبى بكر و عمر . و علي و معاوية فقال لى بعض أهل الشام و كان من أعقلهم و أكبرهم لحية : كم تظنون فى علي و معاوية ؟
قلت : علي . ما تقول فيه ؟
قال : أليس هو أبو فاطمة ؟
قلت : و من كانت فاطمة ؟
قال : أمرأة النبى بنت عائشة أخت معاوية
قلت : فما كانت قصة علي ؟
قال : قتل فى غزوة حنين مع النبى !
و سئل رجل من أهل الشام يعد من كبرائهم و من أهل الرأى فيهم : من أبو تراب هذا الذى يلعنه الإمام على المنبر ؟
قال : أراه لصا من لصوص الفتن !
بل وصلت مأساة ما زرعه الأمويون بأهل الشام أن رجلا منهم سمع آخر يصلى على محمد فقال : ما تقول فى محمد هذا ؟ أهو ربنا ؟
و لما خرج عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس في طلب مروان بن محمد آخر خلفاء بنى أمية وجه الى أبى العباس السفاح أشياخا من أهل الشام من أرباب النعم و الرئاسة فحلفوا للسفاح أنهم ما علموا لرسول الله أهل بيت يرثونه غير بنى أمية حتى وليتم الخلافة !
ثالثا : دور العـــبـــاســيــون و حـــزبــهـــم :
عاني العلويون من بني عمهم العباسيين اضعاف ما عانوه من الأمويين فنكل بهم أبو جعفر المنصور ( 136-158 هـ) الذى سفك دماء العديد من آل محمد و حبس آل الحسن جميعا
و كان الإمام مالك بن أنس المقرب من الخليفة المنصور يلقى دروسه فى المدينة المنورة مؤكدا على أن الإمام علي ليس إلا صحابيا عاديا لا يمتاز عن غيره بشئ . فقد سئل الإمام مالك في مجلسه : من خير الناس بعد رسول الله ؟ فأجاب : أبو بكر . فسئل : ثم من ؟ قال : عمر . فسئل : ثم من ؟ قال : عثمان . فسئل : ثم من ؟ . قال : هنا وقف الناس . هؤلاء خيرة رسول الله أمر أبا بكر على الصلاة و اختار أبو بكر عمر و جعلها عمر إلى ستة فأختاروا عثمان . و وقف الناس ها هنا .
إلا أن أبنه أبو عبد الله محمد المهدي ( 158-169 هـ ) خالف سياسة أبيه و أحسن إليهم
ثم عاد موسى الهادى (169- 170 هـ ) الي سياسة التنكيل و أسرف واليه على المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فى الأساءة لأهل البيت .
ثم أحسن إليهم أبو جعفر المأمون (198- 218 هـ ) .
إلا ان أبو أسحق المعتصم (218 -227 هـ) عاد لأضطهادهم .
فلما تولى أبو جعفر الواثق (227 -232 هـ) أحسن إليهم و بالغ فى إكرامهم
إلا ان المأسأة تجسدت فى عهد أبو الفضل جعفر المتوكل ( 232 -247 هـ ) :
كان الخليفة جعفر المتوكل يكره العلويين كراهية شديدة حتى أنه فى 237 هـ أمر بهدم ضريح الإمام الحسين في كربلاء و نبش قبره و هدم ما حوله و حرث مكانه و وضع الشرطة على الطرق المؤدية لقبر الإمام الحسين . و كان لا يمنح مالا الا لمن شتم الإمام علي .
و فى رجب 244 هـ أمر بقتل العالم النحوي المشهور أبو يعقوب بن أسحق بن السكيت صاحب كتاب ( أصلاح المنطق ) و كان أستاذا لولديه أبشع قتلة فأستخرج لسانه من قفاه عندما أكتشف أنه يحب الإمام علي
و بلغ حقده على الإمام علي أنه أمر بقتل أي مولود يسميه أبواه علي لأنه أبغض الأسماء اليه حتى أن الشاعر علي بن الجهم لما تقابل مع الخليفة المتوكل قال له : ان أهلى عقونى . فقال المتوكل : لماذا ؟ .فقال : لأنهم سمونى علي و أنا أكره هذا الأسم ..... فضحك المتوكل و أمر له بجائزة
و كان يقيم فى مجلسه رجلا يتشبه بالإمام علي فيضحك الناس عليه و يقولون : ( قد أقبل الأصلع البطين ) . و يتسلى الخليفة
و يروي أنه لما حدث نصر بن علي بن صهبان بحديث ان رسول الله قال عن الحسن و الحسين : ( من أحبنى و أحب هذين و أباهما و أمهما كان فى درجتى يوم القيامة ) أمر الخليفة المتوكل بضربه 1000 سوط حتي أشرف على الهلاك .
و بقى أن نذكر أن الخليفة المتوكل هو الذي نكل بالمعتزلة و قرب أحمد بن حنبل وعرف بأسم : محى السنة ! و كانت نهايته أن قتله أبنه أبو جعفر المنتصر ( 247-248هـ)
فى النقطة التالية إن شاء الله سأغطى المرحلة الأخطر و هى تزييف أحاديث نبوية تقنن زحزحة أمير المؤمنن علي عن مقامه و تنسب فضائله للآخرين ... بل و أحيانا تلقى به إلى درجة أحد عوام المسلمين !!
و لله الأمر من قبل و من بعد
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
دراسة فى أثبات أفضلية الإمام علي عليه السلام - الجزء الثانى
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 199
- اشترك في: الاثنين مايو 31, 2004 2:29 pm
- مكان: مصر
دراسة فى أثبات أفضلية الإمام علي عليه السلام - الجزء الثانى
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ