أرى أن أذكر لك هنا قاعدةً ننطلق منها لفهم بعضنا ، فإني بمراجعتي لكلامك تبين لي أن ثمّة نقطة مهمة قد يكون التركيز عليها قاضياً على الإشكال والخلاف .
فأقول :
إن النصوص التي وردت في بعض الإضافات إلى الله تعالى تدل في معناها المعروف في اللسان العربي على ما هو نقصٌ وتجسيم وحدوث ..
كدلالة الوجه واليد والقدم والساق .. على الأعضاء والأجزاء والجوارح .
ودلالة النزول والمجيء والإتيان .. على الحدوث والزوال والنقلة والتغير والحلول .
فالإيمان بهذه النصوص على ما نعرفه من معناها في لغتنا ، هو التجسيم و نسبة النقص إلى الله تعالى . فبطل هذا القول .
فلم يبقَ إلا أن تكون هذه النصوص ظاهرةً في إرادة المعنى المجازي ، كظهور أن المراد بالساق : الشدة ، وبالهرولة : سرعة الإقبال وإجزال الثواب ... الخ ؛ فالمصير إلى هذا الأمر صحيحٌ قطعاً .
وإما أن تكون هذه النصوص غير ظاهرةٍ في المعنى المجازي ؛ فالقول به ضعيفٌ ، فلا يبقَ إلا السكوت والتفويض في تحديد المعنى المراد ، وعدُّ هذه النصوص من المتشابه الذي لا يخاض فيه .
ثم إضافة تلك الألفاظ إلى الله تعالى على هذا القول لا يضر ، إذ غاية ما فيه التلاوة وتكرار اللفظ على ما ورد فقط .
فمن قال بأن لله يد ، لم يقصد أبداً أنها جزءٌ من حقيقة الذات ، لقطعه بنفي دلالة اليد المضافة إلى الله تعالى عن أن يكون معناها هو العضو والجارحة . بل مراده أنها صفة مضافةٌ إلى الله تعالى لا يمكن عقلها ..
وبالتالي فقولك :
لا يرد عليّ ، لأنه إيراد متفرّع عن فهمٍ مغلوطٍ ، وهو ظنك أن مرادي باليد جزءٌ متصل بالذات .يعني
ألا يحق لي ان اقول لك انت مجسم ؟
لانك وان زعمت ان دات الله ليست كالدوات
فانت نسبت لهده الدات يد
ونسبة اليد لدات تلزمك بالتجسيم (حسب منطقك) لان يد مع دات ابطل قولك ان دات الله ليست كالدوات
والحقيقة أنه على عكس ذلك تماماً ، فالمثبتة ( المذهب الثاني الذي ذكرناه ) لم يؤمنوا باليد على أنها جزء من الذات ، بل آمنوا بها على أنها صفةٌ ليست جزءاً ، ولا قدرة ، بمعنى أنها صفة لا تحمل على المعنى الحقيقي ولا المجازي . وهذا معنى قولهم ( يد ليست بجارحة ولا قدرة ونعمة )
ومن المعلوم : صحة الإيمان بما لا يعقل ، بل هو أعظمه إذ هو إيمانٌ بالغيب .
فأنتم :إن رفضتم التأويل ، فإن قلتم بالمعنى الحقيقي ؛ لزمكم التجسيم والتشبيه .
أو تختارون السكوت وعدم الخوض في البحث عن المراد .
وأما قولك :
فإن من آمن أصلاً بوجود ذات ليست جسماً ، فقد نفى المماثلة قطعاً إذ أنني وأنت متفقون على عدم وجود ما في الشاهد إلا ما هو جسم .كيف تقول ان ايماننا بدات الله هو ايمان بوجودها فقط ليس اكثر؟
انا كنت اظن انه ايمان بوجودها بالاضافة الى نفي ان تكون هده الدات كالدوات المعروفة
لأنه مجرد أن تؤمن بالدات يخاف عليك الوقوع في التشبيه والتثميل فلا بد من نفيه
وعليه فلو آمنت بنزولٍ ليس حركة وملا زوالاً ولا حلولاً ، فقد نفيت التجسيم ، وآمنت بما لا يعقل في الشاهد . وهذا هو التفويض .
والله أعلم .