مقارنة بين رسالتين

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
ابن الهادي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 108
اشترك في: الاثنين مارس 07, 2005 2:39 pm

مقارنة بين رسالتين

مشاركة بواسطة ابن الهادي »

قال تعالى : ((ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ))

أقدم هنا لكم نص من رسالتين :
الأولى : رسالة الإمام يحيى بن عبدالله الكامل عليه السلام إلى هارون العباسي
الثانية : رسالة الإمام محمد باقر الصدر عليه السلام إلى صدام حسين

لنرى كيف أن الرسالتين خرجت من بيت واحد وبمفهوم واحد وبإيمان واحد ، وهو الثورة ضد الطغيان ، وعدم الخنوع والخضوع للسلاطين الظلمة ، حتى لو كان ضريبة ذلك هو الموت والقتل والتشريد ، فهؤلاء هم من أبطال قصة خاتم النبيين ، بداية بأبيهم وصي رسول الله ثم بسبطي رسول الله ، المسوم ، والمذبوح ، وصولا إلى أمين عام حزب الله السيد / حسن نصرالله ، والثلة القليلة المرابطة مع المولى السيد / بدرالدين الحوثي ، ختاما بمهدي آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسليما كثيرا .



رسالة الإمام يحيى بن عبدالله

أمّا بَعد فَقد فَهمْتُ مَا عَرَضْتَ عليّ مِنَ الأمَان على أن تَبذُلَ لِي أمْوالَ المسلمين، وتُقطِعَنِي ضِياعَهم التي جَعَلها الله لهم دُوني ودُونَك، ولَم يَجعَل لنَا فِيهَا نَقيراً ولا فَتيلا، فَاستَعظَمتُ الاستمَاع لهُ فَضلاً عَن الرّكون إليه، واسْتَوحْشتُ منهُ تَنـزهاً عَن قَبولِه. فَاحبِس أيّها الإنسَان عنّي مَالَك وإقِطَاعَك وقَضَائِكَ حَوائجِي، فَقد أدّبَتْنِي أمّي أدَباً نَاقِصَاً وَولَدَتْنِي عَاقّا قَاطِعَاً ، فَوالله لَو أنَّ مَن قَتلتُم مِن أهلِي تُركاً ودَيالِم على بُعدِ أنْسَابِهِم مِنّي وانقِطَاعِ رَحِمِهِم عنّي لَوجَبَت عَليّ نُصرَتُهم، والطّلبُ بِدِمَائهِم، إذْ كَانَ مِنكُم قَتلُهم ظُلماً وعُدواناً، والله لَكُم بالمرصَاد لمِا ارتَكَبتُم مِن ذَلك، وعَلى الميعَاد لما سَبقَ فِيه من قولِه ووعِيدِه، وكَفَى بالله جَازياً ومُعاقباً ونَاصِراً لأوليَائه ومُنتقمَاً مِن أعدَائه.

وكَيفَ لا أطْلُبُ بِدِمَائهم وأنَامُ عَن ثَأرِهِم؟ والمَقتولُ بِالجوعِ والعَطَشِ والنّكالِ، فِي ضَيّق المحَابِس، وثِقَل الأغلال، وعَدو العَذاب، وتَرادُف الأسْوُط، أبي عَبد الله بن الحسن النفس الزكية والهمّة السَنيّة، والدّيانَةِ المرضيّة، والخَشيَة والبَقيّة ، شَيخُ الفَواطم وسيّد أبناء الرّسل، زَمنه طرّا، وأرْفَعُ أهْلِ عَصرِه قَدراً، وأكْرَم أهلِ بِلادِ الله فِعلاً. ثمّ يَتلوه إخْوَته وبَنوا أبيه، ثمّ إخْوتي وبَنوا عمومَتي، نجومُ السّماء، وأوتَاد الدّنيا، وزِينَة الأرْض، وأمَانُ الخَلق، ومَعدِن الحِكمَة، ويَنبوعُ العِلم، وكَهفُ المظلوم، ومَأوى الملهوف، مَامِنهُم أحَدٌ إلاّ مَنْ لَو أقسَمَ عَلى الله لبرّ قَسَمُه.

فَمَا أنْسَ مِن شَيءٍ فَلا أنْسَى مَصَارِعَهُم، ومَا حَلّ بِهم مِن سُوءِ مَقدِرَتِكُم، ولُؤمِ ظَفَرِكُم، وعَظِيمِ إقْدَامِكُم، وقَسوَةِ قُلوبِكُم، إذْ جَاوزْتم قِتْلَة مَن كَفَرَ بالله إفْرَاطاً، وعَذَابَ مَن عَانَد الله إسْرافاً، ومُثلةَ مَن جَحَدَ الله عتواً. وكَيفَ أنْسَاه؟ ومَا أذْكُرُه لَيلاً إلا أقَضَّ عَليَّ مَضْجَعِي، وأقْلَقَنِي عَن مَوضِعِي، ولا نَهَاراً إلا أمَرَّ عليَّ عَيشِي وقَصّرَ إليَّ نَفسِي، حَتى لَودَدْتُ أنِّي أجِدُ السّبيل إلى الاسْتِعَانَة بِالسّبَاعِ عَليكُم فَضلاً عَن الإنس فَآخُذَ مِنكُم حَقّ الله الذي أوجَبَ عَليكُم، وأنْتَصِرَ مِن ظَالِمِكُم؛ فَأشْفي غَليلَ صَدرٍ قَد كَثُرَت بَلابِله، وَاُسْكن قلباً جماً وسَاوِسُه مِنَ المؤمنين، وأُذهِب غَيظَ قُلوبِهم ولَو يَوماً واحداً ثمّ يَقضِي الله فيَّ مَا أحب. فَإن أعِشْ : فَمُدْرِكٌ ثأرِي دَاعيَاً إلى الله عَلى سَبيلِ رَشَادٍ أنَا ومَنِ اتّبَعَني، نَسْلُك قَصدَ مَنْ سَلَفَ مِنْ آبآئي وإخْوتِي وإخْواني القَائمينَ بِالقْسط، والدّعَاة إلى الحَق. وإنْ أمَتْ: فَعَلَى سُنَنِ مَا مَاتوا ، غَيرَ رَاهبٍ لِمَصْرَعِهِم ولا رَاغِبٍ عَن هَدْيِهِم، فَلِي بِهِم أًسوَةُ حَسَنة ، وقًدوةٌ هَادِية.

فَأوّلُ قُدْوَتِي مِنهم: أمير المؤمنين صلوات الله عليه، إذْ كَانَ مَازال قَائماً حِينَ القِيامِ [على المؤمن] مَعَ الإمكَان حَتماً ، والنّهوضِ لمجَاهَدَة الجَائرينَ فَرضَاً، فَاعتَرَضَ عَليه مَنْ كَان كالظّلف مَع الخفّ، ونَازَعَهُ مَن كَانَ كَالظّلْمَةِ مَعَ الشّمْس، فَوَجَدُوا لَعَمْر الله مِنْ حِزبِ الشّيطان مِثلَ مَنْ وَجَدْتَ، وظَاهَرَهُم مِن أعَدَاء الله مِثلَ مَنْ ظَاهَرَكَ، وهُمْ لِمَكَانِ الحقّ عَارِفُون، وبِمَواضِعِ الرّشدِ عَالِمُون، فَبَاعُوا عَظِيمَ جَزَاء الآخرَة بَواتِحِ عَاجِلِ الدّنيَا، ولَذِيذِ الوَلاء الصّدقِ بَغَلِيظِ مَرَارَة الإفْك. ولَو شَاءَ أميرُ المؤمنين لَهَدأتْ لَهُ ، وَرَكُنَتْ إليهِ بِمُحَابَاةِ الظّالِمين، واتّخَاذِ المُضِلّين، ومُوالاةِ المَارِقِين. ولِكنْ أبَى الله ورَسُولَه أنْ يَكونَ للخَائنِينَ مُتّخِذاً، ولا للظّالمينَ مُوالياً، ولَمْ يَكنْ أمْرُهُ عِندَهُم مُشْكِلاً، فَبَدّلوا نِعمَتَ الله كُفراً، واتّخَذُوا آياتَ الله هُزؤاً، وأنْكَرُوا كَرَامَةَ الله، وجَحَدُوا فَضِيلَة الله لنَا. فَقَالَ رَابِعُهُم: أنّى تَكونُ لَهُ الخِلافَةُ والنبوّة؟__حَسَداً وبَغيَاً، فَقَدِيماً مَا حُسِدَ النّبيئونَ وآل النّبيئين، الذّينَ اخْتَصّهُم الله بِمِثلِ مَا اخْتَصّنَا، وأخْبَر عَنهم تَبارك وتَعالى فَقَال: (( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا )) ، فَجَمَعَ لهُم المكَارِمَ والفَضَائلَ والكِتابَ والحِكمَةَ والنبوّة والمُلكَ العَظِيم، فَلمّا أبَوا إلاّ تَمَادِياً فِي الغَيّ وإصْرَارَاً عَلى الضّلالِ جَاهَدَهُم أمِيرُ المؤمنينَ حَتّى لَقِيَ الله شَهِيداً صَلواتُ الله عَليه.

ثُمّ تَلاهُ الحَسَن ابنهُ ، سَلَيلُ رَسُولِ الله صلّى الله عَليه ، وشَبِيهُهُ وسَيّدُ شَبَابِ أهْلِ الجنّة ، إذْ كُلُّ أهْلِهَا سَادَةٌ فَكَيفَ بِسيّدِ السّادَات، فَجَاهَدَ مَنْ كَانَ أمِيرُ المؤمنينَ جَاهَدَه، وسَكَنَ إليهِ مِنَ المُسلِمِينَ مَنْ كَانَ شَايَعَهُ مِنْ ذَوِي السّابِقَةِ وأهْلُ المَأثَرَة، فَكَانَ أوّلَ مَنْ نَقَضَ مَا عُقِدَ لَه ونَكَثَ عَمّا عَاهَدَهُ: عَمُّكَ عُبيدالله بن العَبّاس، حِينَ اطْمَأنّ إليهِ، وظَنَّ أنَّ سَرِيرَتَهُ لله مِثلَ عَلانِيَتِه، وجّهَهُ عَلى مُقَدّمَتِهِ فِي نَحْوٍ مِنْ عِشرينَ ألفاً مِنَ المُسلِمِين، فَلَمّا نَزَلَ مَسْكَناً مِنْ سَوادِ العِرَاقِ بَاعَ دِينَهُ وأمَانَتَهُ مِنِ ابْنِ آكِلَةِ الأكْبَادِ بِمَائةِ ألْفِ دِرْهَم ، وفَرّقَ عَسْكَرَهُ لَيلاً، ولَحِقَ بِمُعَاويَة، فَدَلَّهُ عَلى عَوَرَاتِ عَسْكَرِ ابْنِ رَسُولِ الله ، وأطْمَعَهُ فِي مُبَارَزَتِهِ بَعدَ أنْ كَانَتْ نَفْسُهٌ قَد أُحِيطَ بِهَا، وضَاقَ عَليهِ مَورِدُهُ ومَصْدَرُه ، وظَنّ أنْ لا مَطْمَعَ لَهُ حِينَ اسْتدرج وامهل لَه. فَارْتَحَلَ الحسَنُ بِنَفْسِهِ بَاذِلاً لَهَا فِي ذَاتِ الله ، وَمُحتَسِباً ثَوابَ الله، حَتّى إذَا صَارَ بِالمَدآئنِ وَثََبَ عَليهِ أخُو أسَدٍ فَوَجَأهُ فِي فَخِذِهِ فَسََقَطَ لِمَا بِهِ واَيَسَ النّاسُ مِنْ إفَاقَتِه، فَتَبَدّدُوا شِيَعَاً وتَفَرّقُوا قِطَعَاً. فَلمّا قَصُرَتْ طَاقَتُهُ، وعَجُزَتْ قُوّتُه، وخَذَلَهُ أعْوانُه، سَالَمَ هُوَ وأخُوهُ مَعْذورِينَ مَظْلومِينَ مَوتُورِين. فَاسْتَثقَلَ اللّعينُ ابنُ اللّعينِ حَيَاتَهُمَا واسْتَطَالَ مُدّتَهُمَا فَاحْتَالَ بِالاغْتِيَالِ لابنِ رَسُولِ الله حَتّى نَالَ مُرَادَهُ وَظَفَرَ بِقَتلِه. فَمَضَى مَسْمُومَاً شَهِيداً مَغْمُومَاً فَقِيداً. وغبر شَقِيقِه وأخوه وابن أمه وأبيه، شريكه في فضله ونظيره في سودده على مثل ما انقرض عليه أبوه وأخوه حتى إذا ظن أن قد أمكنته محبة الله من بوارهم ونصرة الله من افترائهم، دافعه عنها أبناء الدنيا واستدرج بها أبناء الطلقاء، فبعداً للقوم الظالمين، وسحقاً لمن آثر على سليل النبيئين وبقية المهديين - الخبيث وابن الأخبثين، والخائن وابن الخائنين، فقتلوه ومنعوه ماء الفرات وهو مبذول لسائر السباع، وأعطشوه وأعطشوا أهله وقتلوهم ظلماً، يناشدونهم فلا يُجابون ويستعطفونهم فلا يرحمون. ثم تهادوا رأسه إلى يزيد الخمور والفجور تقرباً إليه، فبعداً للقوم الظالمين.

ثم توجهت جماعة من أهل العلم والفضل في جيش إلى سجستان، فتذاكروا ما حل بهم من ابن مروان فخلعوه وبايعوا للحسن بن الحسن، ورأسوا عليهم بن الأشعث إلى أن يأتيهم أمره، فكان رئيسهم غير طائل ولا رشيد، نصب العداوة للحسن قبل موافاته، فتفرقت عند ذلك كلمتهم، وفلَّ حدهم، ومزقوا كل ممزق. فلما هزم جيش الطواويس احتالوا لجدي الحسن بن الحسن فمضى مسموماً يتحسى الحسرة، ويتجرع الغيظ صلوات الله عليه. حتى إذا ظهر الفساد في البر والبحر شرى زيد بن علي صلوات الله عليهما نفسه، فما لبث أن قُتل، ثم صلب ثم أُحرق، فأكرم بمصرعه مصرعاً. ثم ما راعهم إلا طلوع إبنه يحيى صلى الله عليه من خراسان فقضى نحبه وقد أعذر صلوات الله عليهما.

وقد كان أخي محمد بن عبدالله دعا بعد زيد وابنه يحيى، فكان أول من أجابه وسارع إليه جدك محمد بن علي بن عبدالله بن عباس وإخوته وأولاده، فخرج بزعمه يقوم بدعوته، حتى خدع بالدعاء إليه طوائف.

ومعلوم عند الأمة أنكم كنتم لنا تدعون، وإلينا ترجعون وقد أخذ الله عليكم ميثاقاً لنا، وأخذنا عليكم ميثاقاً لمهدينا محمد بن عبد الله النفس الزكية الخائفة التقية المرضية، فنكثتم ذلك وادعيتم من إرث الخلافة ما لم تكونوا تَدَّعُونه قديماً ولا حديثا، ولا ادعاه لكم أحد من الأمة إلا تقولاً كاذباً، فها أنتم الآن تبغون دين الله عوجا، وذرية رسول الله قتلاً واجتياحا، والآمرين بالمعروف صلباُ واستباحا. فمتى ترجعون؟ وأنى تؤفكون؟، أولم يكن لكم خاصة وللأمة عامة في محمد بن عبدالله فضلا؟ إذ لا فضل يعدل في الناس فضله، ولا زهد يشبه زهده، حتى ما يتراجع فيه إثنان ولايتردد فيه مؤمنان، ولقد أجمع عليه أهل الأمصار من أهل الفقه والعلم في كل البلاد لا يتخالجهم فيه الشك ولا تقفهم عنه الظنون. فما ذُكِر عند خاصة ولا عامة إلا اعتقدوا محبته، وأوجبوا طاعته، وأقروا بفضله، وسارعوا إلى دعوته، إلا ماكان من عناد أهل الإلحاد الذين غلبت عليهم الشقوة وغمصوا النعمة، وتوقعوا النقمة من شيع أعداء الدين، وأفئدة المضلين، وجنود الضالين، وقادة الفاسقين، وأعوان الظالمين، وحزب الخائنين.

وقد كان الدعاء إليه منكم ظاهرا، والطلب له قاهرا، وبإعلان اسمه وكتاب إمامته على أعلامكم: "محمد يامنصور"، يُعرف ذلك ولا يُنكر، ويُسمع فلا يجهل، حتى صرفتموها إليكم وهي تخطب عليه، وكفحتموها عنه وهي مقبلة إليه، حين حضرتم وغاب، وشهدتم إبرامها ورأى قلة رغبة ممن حضر، وعظيم جرأة ممن اعترض. حتى إذا حصلت لكم بدعوتنا وهدأت عليكم بخطبتنا، وقرت لكم بنسبتنا؛ قالت لكم أجرامكم إلينا، وجنايتكم علينا: إنها لاتتوطأ لكم إلا بإبادة خضرائنا، ولا تطمئن لكم دون استئصالنا. فأغرى بنا جدك المتفرعن في قتلنا لاحقاً بأثرة فينا عند المسلمين، ولؤم مقدرة وضراعة مملكة، حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر، قبل بلوغ شفاء قلبه من فنائنا. وهيهات لن يدرك الناس ذلك، ولله فينا خبية لا بد من ظهورها، وإرادة لابد من بلوغها.
فالويل له، فكم من عين طال ما غضت عن محارم الله وسهرت متهجدة لله، وبكت في ظلم الليل خوفاً من الله، قد اسحّها بالعبرات باكية، وسمّرها بالمسامير المحمَّاة فألصقها بالجدرات المرصوفة قائمة. وكم من وجه طالما ناجى الله مجتهداً وعنا لله متخشعاً، مشوهاً بالعمد مغلولاً مقتولاً ممثولاً به معنوفاً. وتالله أن لو لم يلق الله إلا بقتل النفس الزكية أخي محمد بن عبدالله صلوات الله عليه للقيه بإثم عظيم وخطب كبير. فكيف؟ وقد قتل قبله النفس التقية أبي عبدالله بن الحسن وإخوته وبني أخيه، ومنعهم روح الحياة في مطابقه، وحال بينهم وبين خروج النفس في مطاميره. لايعرفون الليل من النهار ولا مواقيت الصلاة إلا بقراءة أجزاء القرآن تجزئة لما عانوا من دراسته في آناء الليل والنهار حين الشتاء والصيف، حال أوقات الصلوات قرماً منه إلى قتلهم، وقطعاً لأرحامهم، وتِرَةً لرسول الله فيهم. فولغ في دمائهم ولغان الكلب، وضريَ بقتل صغيرهم وكبيرهم ضراوة الأسد، ونهم بهم نهم الخنزير، والله له ولمن عمل بعمله بالمرصاد.

فلما أهلكه الله قابلتنا أنت وأخوك الجبار العنيد الفظ الغليظ بأضعاف فتنته وإحتذاءً بسيرته قتلاً وعدواناً وتشريداً وتطريداً. فأكلتمانا أكل الرُّبا حتى لفظتنا الأرض خوفاً منكما، وتأبدنا في الفلوات هرباً منكما، فأنست بنا الوحوش وأنسنا بها، وألفتنا البهائم وألفناها. فلو لم تجترم أنت وأخوك إلا قتل الحسين بن علي وأسرته بفخ لكفى بذلك عند الله وزراً عظمياً، وسيعلم وقد علم ما اقترف، والله مجازيه وهو المنتقم لأوليائه من أعدائه.

ثم امتحننا الله من بعده بك، فحرصت على قتلنا وطلبت من فّرَّ عنك منا، لا يؤمنهم منك بُعْدُ دار ولا نأي جار، تتبعهم حيلك وكيدك حيث سيروا من بلاد الترك والديلم، لا تسكن نفسك ولا يطمئن قلبك دون أن تأتي عن آخرنا، ولا تدع صغيرنا ولا ترثى لكبيرنا، لئلا يبقى داع إلى حق ولا قائل بصدق من أهله. حتى أخرجك الطغيان وحملك الحسد والشنئان أن أظهرت بغضة أمير المؤمنين وأعلنت بنقصه وقرّبت مبغضيه، وأدنيت شانئيه حتى أربيت على بني أمية في عداوته، وأشفيت غلتهم في تناوله، فأمرت بكرب قبر الحسين صلى الله عليه وتعمية موضعه وقتل زوّاره واستئصال محبيه، وأوعدت زائريه وأرعدت وأبرقت على ذكره.

فوالله لقد كانت بنو أمية الذين وصفنا آثارهم مثلاً لكم، وعددنا مساؤهم احتجاجاً عليكم على بعد أرحامهم أرأف بنا منكم، وأعطف علينا قلوباً من جميعكم، وأحسن استبقاء لنا ورعاية من قرابتكم. فوالله ما بأمركم خفاء ولا بشأنكم امتراء.

ولمَ لا نجَاهد وأنت معتكف على معاصي الله صباحاً مساءً، مغّتراً بالمهلة آمناً من النقمة، واثقاً بالسلامة؟ تارة تغري بين البهائم بمناطحت كبش ومناقرة ديك ومحارشة كلب، وتارة تفرش الخصيان وتأتي الذكران، وتترك الصلاة صاحياً وسكران. ثم لا يشغلك ذلك عن قتل أولياء الله وانتهاك محارم الله. فسبحان الله ما أعظم حلمه، وأكثر أناته عنك وعن أمثالك، ولكنه تبارك وتعالى لايَعْجل بالعقوبة، وكيف يعجل وهو لا يخاف الفوت؟ وهو شديد العقاب.

وأما ما دعوتني إليه من الأمان وبذلت لي من الأموال فمثلي لا تثني الرغائب عزمته، ولا تنحل لخطير همته، ولا يبطل سعياً باقياً على الأيام أثره، ولا يؤثر جزيلاً عند الله أجره بمالٍ فانٍ وعارٍ باقٍ، هذه صفقة خاسرة وتجارة بائرة. أستعصم الله منها وأسأله أن يعيذني من مثلها بمنّه وطوله. أفأبيع المسلمين؟ وقد سمت إليَّ أبصارهم، وأنبسطت نحوي آمالهم بدعوتي، واشرأبت أعناقهم نحوي. إني إذاً لدنيُّ الهمة، لئيم الرغبة، ضيق العطن.هذا والأحكام مهملة، والحدود معطلة‎، والمعاصي مستعملة، والمحارم منتهكة، ودين الله محقور، وبصيرتي مشحوذة وحجة الله عليَّ قائمة في إنكار المنكر. أفأبيع خطر مقامي بمالكم؟، وشرف موقفي بدراهمكم؟، وألبس العار والشنار بمقامكم؟.(( قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ)).

ووالله ما أكلي إلا الجشب، وما لباسي إلا الخشن، ولا شعاري إلا الدرع، ولا صاحبي إلا السيف، ولافراشي إلا الأرض، ولاشهوتي من الدنيا إلا لقاؤكم والرغبة إلى الله في مجاهدتكم، ولو موقفاً واحداً إنتظار إحدى الحسنين في ذلك كله من ظفر أو شهادة. وبعد:

فإن لنا على الله وعداً لا يخلفه، وضماناً سوف ينجزه، حيث يقول: (( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) . وهو الذي يقول: (( وَنُرِيدُ أنَّ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضعِفُوا في الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أئِمَةً وَنَجْعَلَهُم الوَارِثين ))













رسالة المجرم صدام الى السيد الشهيد الاول محمد باقر الصدر



لعلك تعلم ان مبادئ حزبنا منبثقة عن روح الاسلام وان شعاراتنا التي نطرحها هي شعارات ذلك الدين السمح لكن بلغة العصر. وان الذي نريد تطبيقه على واقع الحياة على الاقل في وقتنا هذا هو احكام الشريعة الغراء ولكن بلون متطور رائد يلائم هذه الحياة الصاعدة واننا نحب علماء الاسلام وندعمهم ما داموا لا يتدخلون فيما لا يعنيهم من شؤون السياسه والدوله ولاندري بعد ذلك لماذا حرمتم حزبنا على الناس؟، ولماذا دعوتم الى القيام ضدنا ولماذا ايدتم اعدائنا في ايران؟. وقد انذرناكم ونصحنا لكم واعذرنا اليكم في هذه الامور جميعاً غير انكم ابيتم واصررتم ورفضتم الا طريق العناد مما يجعل قيادة هذه الثوره تشعر بانكم خصمها العنيد وعدوها اللدود وانتم تعرفون ما موقفها ممن يناصبها العداء وحكمه في قانونها؟.وقد اقترحت رأفة بكم ان نعرض عليكم امور ان انتم نزلتم على رأينا فيها امنتم حكم القانون وكان لكم ما تحبون من المكانة العظيمة والجاه الكبير والمنزلة الرفيعة لدى الدوله ومسؤوليتها تقضي بها كل حاجاتكم وتلبي كل رغباتكم، وان ابيتم كان ما قد تعلمون من حكمها نافذاً فيكم سارياً عليكم مهما كانت الاحوال وامورنا التي نختار منها ثلاثه لا يكلفكم الا تنفيذها اكثر من سطور قليله يخطها قلمكم لتنشر في الصحف الرسميه وحديث تلفزيوني جواباً على تلك الاقتراحات لتعود بعد ذلك مكرمين معززين من حيث انتم اتيتم لتروا من بعدها من فنون التعظيم والتكريم ما لم تره عيونكم وما لم يخطر على بالكم. - اول تلك الامور هو ان تعلنوا عن تاييدكم ورضاكم عن الحزب القائد وثورته المظفره. - ثانيهما ان تعلنوا تنازبكم عن التدخل في الشؤون السياسيه وتعترفوا بان الاسلام لا ربط له بشؤون الدوله. - ثالثهما ان تعلنوا تنازلكم عن تاييد الحكومه القائمه في ايران وتظهروا تأييدكم لموقف العراق منها. وهذه الامور كما ترون يسيرة التنفيذ، كثيرة الاثر جمة النفع لكم من قبلنا فلا تضيعوا هذه الفرصة التي بذلتها رحمة الثورة لكم.
رئيس مجلس قيادة الثورة، صدام حسين





نص جواب السيد الشهيد محمد باقر الصدر

لقد كنت احسب انكم تعقلون القول وتتعقلون، فيقل عزمكم الزام الحجة، ويقهر غلوانكم وضوح البرهان، فقد وعظتكم بالمواعظ الشافيه ارجوا صلاحكم، وكاشفتكم من صادق النصح ما فيه فلاحكم، وابنت لكم من امثلات الله ما هو حسبكم زاجراً لكم لو كنتم تخافون المعاد ونشرت لكم من مكنون علمي ما يبلوا غلوتكم لو كنتم الى الحقيقة ظمأ، ويشفي سقمكم لو كنتم تعلمون انكم مرضى ضلال ويحيييكم بعد موتكم لو كنتم تشعرون انكم صرعى غواية حتى حصحص امركم وصرح مكنونكم اضل سبيلاً من الانعام السائبه واقسى قلوباً من الحجارة الخاويه واشره الى الظلم والعدوان من كواسر السباع لا تزدادون مع المواعظ الا غياً ومع الزواجر الا بغياً اشباه اليهود واتباع الشيطان، اعداء الرحمان قد نصبتم له الحرب الضروس وشننتم على حرماته الغارة العناء وتربصتم باولياءه كل دائرة وبسطتم اليهم ايديكم بكل مساءة وقعدتم لهم كل مرصد واخذتموهم على الشبهات وقتلتموهم على الظنة على سنن آبائكم الاولين، تقتفون آثارهم وتنهجون سبيلهم لا يردعكم عن كبائر الاثم رادع ولا يزعجهم عن عظائم الجرم وازع، قد ركبتم ظهور الاهواء فتحولت بكم في المهالك واتبعتم داعي الشهوات فاوردكم اسوأ المسالك، قد نصبتم حبائل المكر واقمتم كمائن الغدر، لكم في كل ارض صريع وفي كل دار فجيع تخضمون مال الله فاكهين وتكرعون في دماء الابرياء شرهين، فانتم والله كالخشب اليابس اعيى على التقويم او كالصخر الجامس انأى عن التفهيم فمابعد ذلك يأساً منكم.شذاذ الآفاق، واوباش الخلق، وسوء البرية وعبدة الطاغوت واحفاد الفراعنة، واذناب المستعبدين.اظننتم انكم بالموت تخيفونني وبكر القتل تلونني، وليس الموت الا سنة الله في خلقه { كلاً على حياضه واردون } أوليس القتل على ايدي الظالمين الا كرامة الله لعباده المخلصين، فاجمعوا امركم وكيدوا كيدكم واسعوا سعيكم فامركم الى تباب وموعدكم سوء العذاب لا تنالون من امرنا ولا تطفئون نورنا واعجب ما في امركم مجيئكم لي بحيلة الناصحين تنتقون القول وتزورون البيان، تعدونني خير العاجلة برضاكم وثواب الدنايا بهواكم. تريدون مني ان ابيع الحق بالباطل وان اشتري طاعة الله بطاعتكم وان اسخطه وارضيكم وان اخسر الحياة الباقيه لاربح الحطام الزائل، ضللت اذاً وما انا من المهتدين، تباً لكم ولما تريدون، اظننتم ان الاسلام عندي شئ من المتاع يشترى ويباع؟، او فيه شيئ من عرض الدنيا يؤخذ ويعطى كي تعرضون لي فيه باهض الثمن جاهلين وتمنونني عليه زخارف خادعة من الطين، اتعدونني عليه وتوعدون وترغبونني عنه فوالله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد، فان كان عندكم غير الموت ما تخيفونني به فامهلوا به او كان لديكم سوى القتل تكيدونني به فكيدون ولا تنتظرون لتبصروا ان لي بالجبال الشم شبيهاً من التعالي وان عندي من الرواسي شامخات متبلى من الرسوخ والثبات، قولوا لمن بعثكم ومن وراء اسيادهم ان دون ما يريدون من الصدر الف قتلة بالسيف او خضباً امر وان الذي يريدونه مني نوعاً من المحال لا تبلغوه على اية حال فوالله لن تلبثوا بعد قتلي الا اذلة خائفين تهول اهوالكم وتتقلب احوالكم ويسلط الله عليكم من يجرعكم مرارة الذل والهوان يسيقكم مصاب الهزيمة والخسران ويذيقكم ما لم تحتسبوه من طعم العناء ويريكم ما لم ترتجوه من البلاء ولا يزال بكم على هذا الحال حتى يحول بكم شر فأل جموع مثبورة صرعى في الروابي والفلوات حتى اذا انقضى عديدكم وقل حديدكم ودمدم عليكم مدمر عروشكم وترككم ايادي سبأ اشتات بين ما اكلتم بواترهم ومن هاموا على وجوههم في الامصار فولوا الى شتى الامصار واورث الله المستضعفين ارضكم ودياركم واموالكم فاذا قد امسيتم لعنة تجدد على افواه الناس وصفحة سوداء في احشاء التأريخ
الشهيد السيد محمد باقر الصدر

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“