السيمفونية الجنوبية الخامسة لنزار قباني
(1)
سميتكَ الجنوب
يا لابساً عباءةَ الحسين
وشمسَ كربلاء
يا شجرَ الوردِ الذي يحترفُ الفداء
يا ثورةَ الأرضِ التقت بثورةِ السماء
يا جسداً يطلعُ من ترابهِ
قمحٌ ..وأنبياء
اسمح لنا..
أن نعبد الله الذي يطلع من عينيك
يا أيها المغسول في دمائه كالوردة
الجورية
أنت الذي أعطيتنا شهادة الميلاد
ووردة الحرية..
(2)
سميّتُك الجنوب
يا قمر الحُزن الذي يطلعُ ليلاً من عيونِ فاطمة
يا سفنَ الصيدِ التي تحترفُ المقاومة..
يا سمك البحر الذي يحترف المقاومة..
يا كتب الشعر التي تحترف المقاومة..
يا ضفدع النهر الذي
يقرأ طولَ الليلِ سورةَ المقاومة..
يا ركوة القهوة فوق الفحم ،
يا أيام عاشوراء،
يا شراب ماء الزهر في صيدا
ويا مآذن الله التي تدعو إلى المقاومة
يا سهرات الزجل الشعبي،
يا لعلعة الرصاص في الأعراس،
يا زغردة النساء
يا جرائد الحائط
يا فصائل النمل التي
تهرب السلاح للمقاومة ..
(3)
سميتك الجنوب
يا من يصلي الفجر في حقل الألغام
لا تنتظر من عرب اليوم سوى الكلام..
لا تنتظر منهم سوى رسائل الغرام
لا تلتفت إلى الوراء يا سيدنا الإمام
فليس في الوراء غير الطين والسُخام
وليس في الوراء إلا مدن الطروح والأقزام
حيث الغني يأكل الفقير
حيث الكبير يأكل الصغير
حيث النظام يأكل النظام
(4)
سميتك الجنوب..
سميتك الشمعَ الذي يضاءُ في الكنائس
سميتك الحناء في أصابع العرائس
سميتك الشعرَ البطوليَ الذي
يحفظه الأطفالُ في المدارس
سميتك الأقلامَ والدفاترَ الوردية
سميتك الرصاصَ في أزقةِ "النبطية"
سميتك النشور والقيامة
سميتك الصيفَ الذي تحملهُ
في ريشها الحمامة..
(5)
سميتك الجنوب
سميتك المياه والسنابل
سميتك التبغ التي تقاتل
ونجمة الغروب
سميتك الفجر الذي ينتظر الولادة
والجسد المشتاق للشهادة
يا آخر المدافعين عن ثرى طروادة
سميتك الثورة والدهشة والتغيير
سميتك الرصاص في أزقة ((النبطية))
سميتك النقى والتقى والعزيز والقدير
سميتك الكبير أيها الكبير
سميتك الجنوب..
(6)
سميتك الجنوب
سميتك النوارس البيضاء، والزوارق
سميتك الأطفالَ يلعبونَ بالزنابق
سميتك الرجالَ يسهرونَ حولَ النارِ والبنادق
سميتك القصيدةَ الزرقاء
سميتك البرقَ الذي بنارهِ تشتعلُ الأشياء
سميتك المسدسَ المخبوءَ في ضفائرِ النساء
سميتك الموتى الذينَ بعد أن يشيَّعوا..
يأتون للعشاء ويستريحون إلى فراشهم
ويطمئنون على أطفالهم
وحين يأتي الفجرُ، يرجعون للسماء
(7)
سميتك الجنوب
يا أيها الطالع مثل العشب من دفاتر الأيام
يا أيها المسافر القديم فوق الشوك والآلام
يا أيها المضيء كالنجمة والساطع
كالحسام
لولاك ما زلنا على عبادة الأصنام
لولاك كنا نتعاطى علناً
حشيشة الأحلام
اسمح لنا أن نبوس السيف في يديك
اسمح لنا أن نجمع الغبار عن نعليك
لو لم تجيء يا سيدي الإمام
كنّا أمام القائد العبري
مذبوحين كالأغنام..
(8)
يا سيد الأمطار والمواسم
يا ثورة شعبية تحمل في أحشائها التوائم
سميتك الحب الذي يسكن في الخواتم
سميتك العطر الذي يسكن في البراعم
سميتك السنونو
سميتك الحمائم
يا سيد الأسياد يا ملحمة الملاحم
(9)
البحر نص أزرق يكتبه علي
ومريم تجلس فوق الرمل كل ليلة
تنتظر المهدي
وتقطف الورد الذي يطلع من أصابع الضحايا
وزينب تخبئ السلاح للموتى الذين
يقطنون داخل المرايا..
(10)
فاطمة تجيء من صور وفي ثيابها
رائحة النعناع والليمون
فاطمة تجيئني وشعرها
يشبه هذا الزمن المجنون
فاطمة تأتي .. وفي عيونها
خيل ورايات وثائرون
هل الحروب يا ترى ..
تعمق السواد في العيون؟!
(11)
سيذكرُ التاريخُ يوماً قريةً صغيرةً
بين قرى الجنوب،
تدعى "معركة"
قد دافعت بصدرها
عن شرفِ الأرض،
وعن كرامة العروبة
وحولها قبائلٌ جبانةٌ
وأمةٌ مفككة
(12)
من بحر صيدا يبدأ السؤال
من بحرها ..
يخرج آل البيت كل ليلة
كأنهم أشجار برتقال
من بحر صور ..
يطلع الخنجر والوردة والموال..
(13)
سميتك الجنوب..
سميتكَ الأجراسَ والأعياد
وضحكةَ الشمس على مرايلِ الأولاد
يا أيها القديسُ، والشاعرُ والشهيد
يا أيها المسكونُ بالجديد
يا طلقةَ الرصاص في جبينِ أهلِ الكهف
ويا نبيَّ العنف
ويا الذي أطلقنا من أسرنا
ويا الذي حررنا من خوف
(14)
يا أيها السيف الذي يلمع بين التبغ والقصب
يا أيها المهر الذي يصهل في برية الغضب
إياك أن تقرأ حرفاً من قراءات العرب
فحربهم إشاعة..
وسيفهم خشب
وعشقهم خيانة
ووعدهم كذب
إياك أن تسمع حرفاً من خطابات العرب
فكلها نحو..وصرف وأدب
وكلها أضغاث أحلام ووصلات طرب
لا تستغث بمازن أو وائل أو تغلب
فليس في معاجم الأقوام ،
قوم اسمهم عرب!
(15)
يا سيدي: يا سيد الأحرار:
لم يبقَ إلا أنت
في زمن السقوط والدمار
في زمن التراجع الثوري..
والتراجع القومي..
والتراجع الفكري..
واللصوص والتجار
في زمن الفرار..
الكلمات أصبحت يا سيدي الجنوب
للبيع والإيجار
والمفردات يشتغلن راقصات
في بلاد النفط..والدولار..
لم يبقَ إلا أنت
تسيرُ فوق الشوكِ والزجاج
والإخوة الكرام
نائمون فوقَ البيضِ كالدجاج
وفي زمانِ الحربِ، يهربون كالدجاج
يا سيدي الجنوب:
في مدنِ الملحِ التي يسكنها الطاعونُ والغبار
في مدنِ الموتِ التي تخافُ أن تزورها الأمطار
لم يبق إلا أنت..
تزرع في حياتنا النخيلَ، والأعنابَ والأقمار
لم يبقَ إلا أنت.. إلا أنت.. إلا أنت
فافتح لنا بوابةَ النهار
بيروت 10-3-1985م
السيمفونية الجنوبية الخامسة لنزار قباني (كاملـــة)
السيمفونية الجنوبية الخامسة لنزار قباني (كاملـــة)
ومن تكن برسول الله نصرته *** إن تلقه الأسد في آجامها تجمِ