ذراعـاها الصّـر والحضـن
كماشـة الإبداع مـن المهــد إلى الــرشــــد
( عبثية الخوض فيما هو أهم من الحرف )
بقلم/ عز الدين العيـاني
أياً كنت مبدعاً أو مبتدعاً أو متبدعاً فاستعذ بالله من رمزات الإبداع وسقطات التبداع ونرجسية المبدع.. استعذ بالمعيذ من سمو أناه بوادي الهيم، من مكوك تفخخها بفضاء اللا فعل، ومن حداثة قافية متخمة بغازات إدعاء مدقع يتسابق وشباج تفعيلة ما بعد الحداثة لغماً متطايراً ونغماً متقارحاً، واستعذ به من أن يدك هاجس سخرية الحرف جدار الزمن فيريك طيف الصانعة تمشي مستعينة بعكاز وتطل يوم تتويجها - عاصمة لعواصم الثقافات العربية المتباينة - شاحبة على استحيــاء! و..، معذرة يا صنعاء، قد كانت زفرة للاستهلال واستعاذة للدخول وكـان لا بد أن نقرع الأجراس!..
بديهي القول بأن تراثنا ومورثونا الشعبي والفلكلوري يزخر بكم هائل من الأمثال الشعبية المتداولة بشيوع ويسر كعملة يومية رائجة – طبعاً أغلى من الدولار – تطلبها مواقف كثيرة وتصرفها السن أكثر، إما قرضاً تربوياً وتعليمياً بحتاً أو مقايضة حكمية للاستدلال والاستشهاد، وأحياناً لمقاربة التشبيه في أمور ومواقف ومجالات حياتية شتى قد لا يهمنا منها الآن إلا المجال التعاملي من حيث بشاشة الإيجاب وقنوط السلب، أو بمعنى آخر الازدواجية والكيل بمعيارين في التعامل مع أي ثنائي بينهما رابط مشترك ما، وفي هذا يقال: " واحد في الصر وآخر في الحضن "..
إن المعنى الظاهري للمثل المذكور يمكن أن نصدره للخارج فنستشهد به على الكيفية التي تتعامل بها " المتحدة " أمماً وولاياتاً مع الفلسطينيين والصهاينة " صراً وحضناً " وبنفس الترتيب، كذلك يمكن ضربه تمثيلاً على – غير الإبداع – قضايا تعاملية وسلوكية محلية كثيرة قد نأتي عليها ذات يوم!، أما فيما يخص التعامل مع الإبداع والمبدعين في بلادنا، فلا ينخدع بسراب انطباقه الشكلي إلا حثالة شوائب التبدع من دخلاء ومتسولي الإبداع!، إذ أن ذراعي الكماشة - وإن ما يز بينهما اختلاف الشكل- عينان نضاختان بفكي كماشة الإبداع اليمني ومقصلته الوائدة بلا شفقة أو رحمة أو تأنيب ضمير!.
إننا متعطشون لمعرفة أي حصيلة سنخرج بها لو قمنا بقراءة متأنية ومنصفة وموضوعية لمسيرة المشهد الثقافي والإبداعي خلال العقود الأربعة الماضية ؟!، تواقون لمشاهدة حجم الكم المتراكم تصاعدياً، ومتلهفون للإطلاع على نوع الكيف المفرز أفضلياً؟! كما أننا مشتاقون للإلمام بمقدار التطور الإطرادي على صعيد النمو الجسماني والعقلي والوجداني للمشهد وشاهده وللشاهد والمشهود؟!.. فمن يتصدى بصدقٍ ودراية للإجابة على أسئلة جادة تقرع أجراس بداهة أصحاب الباع الباسق والخبرة الوارفة؟!، أيّ منهم تستطيع أسئلتنا هذه أن تستفز ضمور قرائحهم المبدعة فتتدفق جعبهم وتدر حواصلهم رياً لعطش تساؤل محموم أحجم عن الخوض في الرد إجلالاً للذات الأغدق معرفة، وإيماناً بشح الزاد وقلة الحيلة حيال موضوع شائك أرهبنا فقاد الإقدام فينا إلى التصلب في شرايين الإحجام وعدم الخوض في التقييم العمري لمسيرة الحركة الإبداعية عبر رباعية عقودها؟!، وإلى أن تخمد أنفاس الأجراس المتسائلة برد شاف، سننفذ إلى أقطار سماوات الإبداع اليمني المكمش بسلطان المكوك ( عرب أُص ) للمثل المضروب " الصر والحضن " أو "التهميش والتطبيل"، وكلاهما مفرد مرادف يكونان معاً ذراعي كماشة إبداعٍ مهزوز يفترض فيه الآن وقد بلغ سن الرشد بعد أن تجاوز الأربعين أن يكون آية في الكمال والاكتمال ومعلماً بارزاً ومبرزاً في نضجه، وقبل أن نمسك بذراعي المقاومة فيهما، سنلقي نظرة عابرة على أعراض ذات صلة و.. أبقوا معنا..
أربعون عاماً ونيف مضت من عمر دولتنا الموقرة، أربعون عاماً من العمر الأفتراضي للثقافة والإبداع ومسيرتهما، أربعون عاماً وكسور السنين المدونة في سجل محفوظ للثقافة الإبداعية كمسار مساوٍ لمادية مسار المنجزات " المشمشية " والتي لا يمكن أن يكتب لها التحقق والاستمرار والحماية إلا من خلال ما يتحقق للإبداع من بروز ونمو ورقي وصولاً إلى جني المحصول الثقافي والإبداع الانتاجي، أما إذا لم تتحقق الانتاجية الابداعية فلا وجودية ملموسة لأي انتاجية مادية، إذ لا نماء نوعي لها إلا على قاعدة المسار الإبداعي.. ولنا أن نقارن أنفسنا – لمجرد المقارنة – بأكثر من دولة حدودية – برياً – لكي نستشف الحراك الثقافي والإبداعي هناك، وما حققه في الإنسان للإنسان من حضور إنساني متميز، وحققه لجارنا الإنسان – عن اليمين وإلى الأمام - من تطور مادي متسارع لن تلحقه فينا إلا عضات النواجذ السبتمبرية!، وهنا نتهجى هامشية الحضور الانساني للإنسان ونتمرى حقيقة التمثيل للمجتمع اليمني، هنا نتأمل لندرك أن هذا وضع طبيعي آت كأحد التداعيات الجوهرية للثقافة الاستهلاكية التي تنضح بقتارة العطاء الإبداعي وتضخ بفقر المخزون الفكري، وهنا أيضاً تقودنا قراءتنا الخاطفة إلى إحترام وأحتذاء غيرة بعض الأقلام المثقفة في إمارات الخليج حين تهب مذعورة اليراع لتتصدى بشراسة جهادية لكتابات شككت أو تشكك في حقيقة وجود مورثها وإيغال تاريخه!!، فكيف سيكون الرد من غير الأفراد ؟!، وما بالنا نحن أفراداً وجهات رسمية لا نحرك ساكناً وتلال من كنوز المخطوطات تتعرض للنهب والاندثار؟!، ما بالنا نتنصل من موروث فكري وثقافي جذوره ضاربة في أعماق ألف عام وعام ؟!، وما بالنا نستبدل زبد الغث الوافد بسمين الموج الراسخ؟!.. أنستبدل الذي هو أدنى عدساً وبصلاً و.. بالذي هو خير إرضاء لجنوح الهوى ونزوات الميل؟!، أنفعل ذلك لنسهل من مهمة تمدد وتداخل ثقافات وافدة قميئة الشكل وهشة المحتوى حتماً سيفضي إحلالها بقصدٍ أو بدون قصد أو غيره إلى ضياع وتضييع الخصوصية الوطنية للهوية والذات ثقافة وإبداعاً وأصالة..
من أجل ذلك تتجرع ذاتنا الثقافية ويلات التشقق والهشاشة ويعتريها جمود وتخلف تسهم في إطالة أمده واستمراره حملات تقزيمية وتهميشية يشنها أجراء الإعلام ودخلاء النقد بتطفل وجهل، وهذا هو ثالوث الوباء النمطي والمسمى أختصاراً بـ " الصر " كناية عن الأعراض القاصمة للمبدع وأبداعه من خلال التجاهل المقصود إعلامياً ومؤسسياً ونقدياً، والأخير يصف دخلاءه محاولات الإبداع الشبابي بـ" التجلي والنضج " فينهالوا بمقاصمهم ومعاولهم الهدامة على هاتيك المحاولات الفردية أو الإصدارات التي رأت النور على نفقة مبدعيها الخاص نسفاً ودهساً وتجريحاً، مخلفين في أعماق أربابها كدمات نفسية موجعة تضاف إلى تضخم التجاهل والتهميش والتحجيم والاستخفاف الذي يقود أولئك المبدعون بنهاية المطاف إلى الأنزواء والابتعاد عن ساحة ثقافية صوتية خالية من أي إبداع حقيقي، دائماً تفقد بين الحينة والأخرى مبدعاً لو وجد أرضية خصبة ترعاه وتحتضنه لكان أحد روافد تجديدها الإبداعي!، وهذا هو القطب السالب جوهراً والذراع الأول " للكمششة "، أما قطب " القرمشة " الموجب ظاهراً وذراع الكمش الثاني فيتمثل في "الحضن" أو التطبيل والزمر، التوأم الشقيق للصر والقرين الشيطاني للتهميش يتبدى كسوس ينخر في عظم الذات الثقافية اليمنية ويسوسها تفخيماً بأي أسم ربما لا يحبذ العزف، وتعظيماً لأي حدث سطحي عابر لا يستحق من بعض زنوج الأعلام " المطبلون " كل هذا التماوج الهستيري الممجد وكل ذلك النفاق المشين حيال ما يهتمون به من غث!.
إن بصمات الشريحة الإعلامية المزمرة عبر إعلامها المزماري محفورة على النسيج الثقافي كحفريات لعينة سوداء خلفها الجدري، أو منقوشة على احتقان عقد نرجسية طرأت على سلوكيات العديد من المبدعين الذين نبذوا من خلالها وأقصوا بالتضخيم من على خارطة الطريق الإبداعية!، وبالتالي أصبحت الساحة الثقافية ملعباً للعشوائية وصار الإبداع كرة " بيسبول " تتقاذفه الأهواء والأمزجة وهذا ليس بغريب مادامت الأربعة عقود الماضية لم تنجب من الثقافة الحقيقية إلا أصداء ثقافة شكلية ومظهرية غير قادرة حتى على احتواء هجرة الأصوات والأقلام المبدعة فهي بيئة فاقدة للشيء وفاقد الشيء لا يستطيع أن – على سبيل المثال - يعطي لرياضي.. كنسيم، أو لـ.. ،,,
والسؤال الأهم هو.. :
ماذا أعطت لعملاق الفكر والأدب والشعر الراحل؟!،..
أغير الدرجة الوظيفية الرابعة أو الخامسة غير ترقيع إبداعاته الشعرية الخالدة في مجلدين بعد موته؟!!،
فما سبب هذا الترقيع لبعض اعماله الشعريه ؟!
إما لإهدائها ليقال إنهم فعلاً يكرمون، أو وهو الأهم .. لغسل (نتف) الدواوين التي ملأت السوق .. وبأسعار إهدائية و.. وماذا ستعطي من ليست قادرة - وهذا حالها – على أبجدة ثقافة مجتمعية للمجتمع تقيه من أي زوابع وتيارات خارجية قد تهب عليه ذات مساء!.
نتمنى من كل من يؤمن بأن هناك في الحياة ما هو ضرورة روحية تعطي لحياة الانسان معنى وتميزه عن الآلة (والقارشة) أن يتذكر كلمات لشاعر روسي تقول: " أن تكتب هو أن تعذب نفسك، لكنني لا أملك القوة على الكف "، وهي لكل من يحب الإنسانية في ذات الإنسان المبدع، ويدين بالولاء والانتماء لوطن الأمة الكبير رغم ما يعانيه من شظف تقسيم وفرقة وعيش وثقافة وإبداع وقسوة لحال.
------------
صحيفة الأمة
نقذ الذات قبل نقد النص !!
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 65
- اشترك في: الخميس مارس 11, 2004 7:38 pm
- مكان: الحــرف
- اتصال:
نقذ الذات قبل نقد النص !!
أما والله لو صلبوا يقيـني * * * ونُصّب للسكوت على لساني
لأنطق نطفة للصمت حبي * * * لحيــدرة بأرحـام الزواني
لأنطق نطفة للصمت حبي * * * لحيــدرة بأرحـام الزواني