الهندام ... اللباس وشئونه وشجونه يشحذ الإهتمام ، وخاصة ببلادي اليمن الميمون بلاد العنب وواللوزو الموز والقطن والليمون وما يحتويه تراثها من الدر المكنون وتراكمات بها ما يفيض بالمخزون ويسعد المحزون ويهيج المفتون فيدون من المنطق فنون ... فهي أي اليمن ربما كانت أقدم بقعة بالكون تم بها إختراع الحياكة والنسيج ... عوضا عما كان يستعمله الإنسان البدائي لستر عورته بجلود الحيوان ... ولكن النسيج اليمني أصيب بكارثة مروعة مريرة لا تقل مرارتها عن كارثة البن ، فالنسيج أندثر بعد تعميم خيوط البوليستر المستخرجة من النفط ... والكارثة السابقة زمنيا وتتمثل بنقل الإنجليز لزراعة البن إلى العالم الجديد ... كلا الكارثتان أوصلتا إقتصاد اليمن لمرحلة التجمد التام .. ويقدر فاقدي أعمالهم بتلك العمليتين بالملايين وتعني معظم أبناء البلاد بسبب مباشر أو غير مباشر ..
النسيج اليمني وخطوط اللباس اليمني لاتزال بمخيلة اليمني رغم إنحسارها عن جسده ،، فهوبهندامه الحالي يكاد يصبح رسما كاريكاتوريا عندما يكشف رأسه وينسق شعره أسوة بالأوروبيين ثم يتمنطق الخنجر اليمني بعد تطويره للأسوأ ... ولكن نلتمس العذر للكثير فأزمات الإقتصاد الطاحنة والتي تأتينا من نوافذ عدة وكأنها عواصف زمهرير الشتاء المزمجرة .. هذه العواصف تركت الكثير من التأثير ،، والنفسي منه أكثر .. يليها تضاريس بلادنا وما بها من تناقضات ملموسة وخاصة بعد سهولة التواصل ... فمن قمة جبل له طقس أوروبا لوسطه وبه طقس البحر المتوسط ثم لسفحه فتجد أنك بمكانك الطبيعي على خريطة العالم وهو خط الإستواء بدرجة حرارته العالية الثابتة حتى وإن مالت للإعتدال ببعض الفصول ..
نحاول قرأة تأثير الملابس علينا وكذا الشخصيات التي ترتديها وأماكن لبسها ثم ننظر للتأثير والتأثر ..
ففي حين يعجب أحدهم برجل من أعيان البلاد يقطن مثلا بجوار جبل النبي شعيب وعلى إرتفاع ثلاثة الاف متر عن سطح البحر ... ويفاجئنا بمشاهدته وهو يرتدي دجلة من الصوف وشال بني وثوب ثقيل مع مايداخله من ملابس داخلية ويضع على رأسه عمامة صوفية ضخمة ،، ولا ينس الخنجر وربما البندق ... وو ... الخ . ويكن مكان اللقاء بالحديدة أو حرض ، أعتقد أن هذا الشخص يعيش ببيئة حمام السونا وعلى درجة حرارة لايحسد عليها ... التأثر بالشخصيات له دور عظيم ... ولذا يكن المتعلمين من الشخصيات المؤثرة أكثر حذرا بتصرفاتهم حتى لاتقلدهم العامة ... هذا إذا أستثنينا وجوب متابعة خطوط الهندام الوطني وإرتدائه بكل دقة وخاصة من قبل الرسميين وركائز المجتمع ..
وقد يحدث العكس فتجد شخصا يلبس فنيلة وفوطة من قماش القطن الخفيف ويزور منطقة متنه ( منطقة شديدة البرودة) ببني مطر خلال موسم الشتاء وفي ساعات الصباح الأولى .. بالطبع لاأتمنى ذلك ولاحتى لعدو ..
عالميا ... لفترة قريبة كانت النساء بالغرب يقمن بقص شعورهن يقلدن الأميرة ديانا ... وصادفت الكثير من تلكم النسوة ،، والبعض منهن كانت سمينة ولها وجه عريض مترهل وربما بلغت من الكبر عتيا ،،، ولكنها كانت تستخف ترهلها وبدانتها وتحرك رقبتها الأشبه بجذع شجرة التالوق في محاولة بائسة لتقليد هز الرأس الذي أشتهرت به الأميرة ديانا ( الأميرة ديانا سبنسر زوجة ولي عهد بريطانيا الراحلة ) ..
ومن التاريخ القريب ... كان القائد العسكري العالمي الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت ،،، غالبا ما يضع كفه الأيمن على قلبه .. فقام بتقليده معظم وجهاء العالم ،،، حتى أن الباشوات الترك مع نهاية القرن التاسع عشر كانوا يحرصون عند أخذ صور لهم على وضع اليد اليمنى على القلب ... وكذا كل وجهاء أوروبا ومشائخها وأعيانها وعقال الحارات ،، وحتى المتحضرين من أسيا أو المرتبطين بأوروبا ثقافيا مثل الهند حيث كان المهراجات ينهجون نهج البشاوات .. وتفاقمت الأمور بألغرب حتى أصبح منظر أي زعيم يضع يده على قلبه عندما يصدح النشيد الوطني لبلاده أو حتى عند إطراقته مفكرا ... حتى أصبح تقليدا رغم نشأته المعروفة ... وبعد أن قام أطباء مختصين بتشريح رفات الإمبراطور نابليون وجدوا أنه كان يعاني من مرض عضال بالقلب ، وسر وضعه ليده على قبله كان إحساسه بالألم ... وبالطبع نابليون قائد عظيم ولايمكنه إفشاء الامه ... وبعظمة نابليون وقوة شخصيته قام العامة والخاصة بتقليده ... وربما لحد يومنا هذا ..
ومع الأزمات الإقتصادية الخانقة بالعقود الأخيرة إتجهت أنظار المعجبين بهندام الأثرياء ببلادي لمكان ليس بالبعيد ... بل بالجوار وبين الأهل والإخوة ..
يشتهر إقليم شمال شرق جزيرة العرب أن سكانه فارعي الطول جسمانيا وخاصة إقليم جنوب العراق وما جاوره .. طول فارع ربما يساوي الطول القياسي العالمي الذي يشتهر به النيليين بجنوب السودان والمسجل علميا ..
سكان شمال شرق جزيرة العرب يلبسون الكوفية (الغترة) الطويلة الأبعاد وبالطبع أجسادهم الضخمة الطويلة تتلائم مع تلك الأبعاد ... ولكن الغترة تلك لو وضعت على رأس شخص من قصار القامة من أهل تهامة لغطته بالكامل وأصبحت تشكل خيمة لاغترة ..
وفي مناسبة رأيت شخصا يشتهر بميله الوجداني المتطرف نوعا ما لمنطقة شمال شرق جزيرة العرب .. وخاصة بعد الثراء المعروف عند الكثيرمنهم ... فهمت أن هذا الشخص قد إكتسب جنسية تلك البلاد .. وبالطبع كنت أراقب سلوكه المتكلف ... فغترته وصلت لقريب من القدم بل كادت تمسح الأرض .. فكان يقوم من حين لآخر بطيها حول رقبته القصيرة فيبدو وكانه بلاعنق أو كأنه يضع إطارا هوائيا حولها .. كان يحدثنا ولاينظر إلينا ويهز رأسه شمالا ويمانا ثم يشير ببنانتيه السباحة والسبابة معا ... مع نطق الجيم كافا فارسية .. يا إلاهي لقد رثيت لوضعه وضعفه الصارخ .. إستدعاه أحدهم ، وبدلا من القيام بتثاقل كما يفعلها القوم ،، نهض مسرعا كعادتنا اليمنيين ويهرول ليصتدم بتيار هوائي فتطير الغترة وتسبح بالهواء الطلق خلفه ..
ليته فهم أن إزارا يمنيا سيكون الملائم ولكنه التأثير والتأثر ... ولايلام ذلك الرجل العامي ... حيث أن من بيننا ببيئتنا اليمن من يحاول تقليد أهل الغتر الطويلة العريضة ويطويها حول عنقه رغم إمتهانه للفكر والصحافة والأدب كيمني ... ربما معتقدا أن ذلك سيجلب له فألا حسنا ... " لوفاتك اللحم لايفوتك المرق " ..
الهندام .. "اللباس" بين التأثر ... والطقس والمنطق
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 668
- اشترك في: السبت أغسطس 07, 2004 3:39 pm
- اتصال: