برع ... هي إسم وليست فعل ،، ولوفتحنا الباء لكان المعنى لرقصة يمنية عريقة ومعروفة ولكن بضم الباء يكن الإسم لجبل بُرع الشهير بمحافظة الحديدة اليمنية ... هذا الجبل الشامخ والجميل وهوائه العليل وطبيعته الخلابة وإنتصابه وسط سهل تهامة وكأنه يتضايق من مزاحمة السلسلة الجبلية له ويحاول الإنفراد بشرود وتأمل ... إذا جبل برع شاعر بكل ماتعنيه الكلمة حتى وإن لم يشتهر بشاعر اليمن العظيم المتصوف الكبير عبد الرحيم البرعي ..
البرعي بضم الميم طبعا ... هو الإسم الشهير الذي تطأطئ له الرؤوس إحتراما عند ذكر المدائح النبوية والموشحات الصوفية ... والأسماء أحيانا تصبح مشكلة عويصة وخاصة عند محاولة تأويلها أو تحويرها ... فالبرعي بكسر الباء هو الفول اليمني الصنعاني المعروف بأنه وجبة المساكين مع الكدم ( خبز) وبعيدا عن البرع الذي ذكرنا آنفا ... يتردد على ألسنة العامة بأرض النيل إسم " بُرعي " وكثيرا منهم يستحسنه ويسمي به أبنائه ... وكأن قصائد البرعي تحدث أثرا سحريا بالمتصوفين شرقا وغربا ...
وخلال مرحلة الحياة قابلت من يحمل هذا الإسم وكان من أبناء الشقيقة مصر ،، تفاجئت أن الرجل لايعرف شيئا عن مصدر الإسم وأن الصدفة وحدها حسب ما شرح لي كانت وراء تسميته ... وقابلت آخرا لكنه كان يعرف معنى الإسم وفسره لي بقوله إنه الشيخ البرعي الموجود حيا يرزق بقرننا العشرين بصعيد مصر ..؟ ولما رأى إستغرابي إستطرد القول مؤكدا ( إنها مصر أم الدنيا ) .. حاولت جاهدا ثنيه وتعريفه فأزداد عتوا ونفورا وكال كلاما أشبه بالضرب المبرح ... مؤكدا أن اليمن البلاد الفقيرة لايمكنها أن تنجب مثل الشيخ البرعي ولا أم كلثوم .. فما كان مني سوى الإصغاء القسري لذلك الفتى المفتول العضلات ... مهمهما ومتمتما بالمعوذات ثم داعيا متضرعا على من كان السبب بجهل الناس بنا .. وخلال طأطأتي وإنتكاستي وهزيمتي وإنعقاد لساني وإرتعاد فرائصي أمام هذا العملاق .. تحرك العملاق نحوي وخلته يريد النيل مني ... ولكن علت وجهه الإبتسامة حتى خلته سيعتذر لي ... لكنه حك رأسه ثم قال أنه بأحد رحلاته عمل بامارة أبوظبي وسمع هناك من يردد أناشيد البرعي ... وبالتالي تأكد له أن البرعي ظبياني .. وأردف أن هذا الأمر هو المرجح ،، أما اليمن فيستحيل فهي بلاد متخلفة فقيرة ..!.!
وتعود بي الذاكرة لتذكر مشاهد من برنامج " صور من بلادي " بقناتنا التلفزيونية ومقدمه الفذ طيب الذكر الذي سبق له إكتشاف آثار فرعونية باليمن فجعل من ذلك مادة خصبة للقول بأن الفراعنة أسهموا بالحضارة اليمنية وربما وصل به الكلام للقول أن البرع تعريف فرعوني مصدره خفرع ومنقرع ... كيف وهو الذي يصنف الجبال أنها منجزات ، ويتسائل لماذا لم تكن الكهرباء متوفرة باليمن رغم أن المخترع الأميريكي توماس أديسون لم يكن قد إكتشفها بعد ... وبنوعية من هؤلاء يتم التعريف بحضارتنا فيكن العمل من نوعية تكريس جهلنا ..
لالوم على من جهل الشاعر الإسلامي المتصوف الشيخ عبد الرحيم البرعي ... اليمني ،، ولعلي أعرج بآخر الكلام لشاعر آخر ندع له بطول العمر الا وهو الشاعر الأديب والمفكر والفيلسوف والفنان الشيخ عبد الله هادي سيبت .... هذا العملاق اليمني الذي يكاد يلفه ضباب النسيان بمجتمع الفاقة ،، الشيخ هاجر من بلدته لحج وإستقر بالحديدة ثم تزوج من جبل برع ولم ينس أن يسمي إبنه عبد الرحيم ،،، تيمنا ... وبك يا شيخ سبيت تيمنت ثقافة اليمن وبك ستبقى ... ومن البرعي إلى سبيت ستبقى قصائد الشعر العذب تتردد بين جبنات ووديان كل جبال اليمن وأولها جبل بُرع ..
الشاعر عبد الرحيم البُرعي ... صعيدي أو ظبياني ..؟!
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 668
- اشترك في: السبت أغسطس 07, 2004 3:39 pm
- اتصال: