الإمامة عند الزيدية إثني عشرية(مكرر)!

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
جعفري
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 63
اشترك في: الخميس يونيو 29, 2006 9:14 pm

مشاركة بواسطة جعفري »

الأخ الكاظم المحترم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سأورد لك الآن بحثاً كتبته إحدى المستبصرات والتي هداها الله لمذهب أهل البيت الحق علماً بأنها كانت زيدية المذهب برجاء قراءته واعطاءنا رأيك فيه

الزيدية : هم فرق شتى، ومعظمهم أربع فرق:
1- الفرقة الجارودية، ينسبون إلى أبي الجارود، وهم قائلون بإمامة علي عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله بلا فصل والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام وبعده ينتقلون إلى زيد بن علي.
2- البترية ينسبون إلى كثير النوا وكان أبتر اليد فسموا به وهم القائلون بإمامة الثلاثة، وعلي والحسن والحسين، وعلي إبنه عليهم السلام، وزيد بن علي.
3- الصالحية، وينسبون إلى الحسن بن صالح وهم قطعوا بإمامة الشيخين، وتوقفوا في فسق عثمان بالنظر إلى ظاهر أفعاله وإن النبي صلى الله عليه وآله أخبر بدخوله الجنة بزعمهم.
4- السليمانية، وهم ينسبون إلى سليمان بن حريز، وهم قائلون بإمامة الشيخين وقطعوا على فسق عثمان، ثم انتقلوا إلى علي والحسن والحسين وعلي عليهم السلام وزيد بن علي، ولا يعد من الشيعة إلا الجارودية(1).
وعرفهم العلامة علي عبد الكريم الفضيل احد كبار علماء الزيدية ما مضمونه(ان نسبة الزيدية إلى الامام زيد رض ليست نسبه مذهبية كنسبة الشافعيه إلى الشافعي والحنفية إلى ابي حنيفه إلى ان قال لان النسبه نسبة انتماء واعتزاء ولم تكن نسبه مذهبيه على النحو المعروف حتى قال اذا فالتسميه هذه تسميه سياسية في الاصل ولادخل لها فيما تعارف عليه الناس بالنسبه للمذهبيه)(2).
الإمام المهدي عند الزيدية :
قال الامام علي ع: (اللهم بلى لا تخلو الارض من قا ئم لله بحجة اما ظاهرا مشهورا واما خائفا مغمورالئلا تبطل حجج الله وبيناته)
اقول: ما معنى خائفا مغمورا الا يدل على الغيبه؟؟؟ اضف إلى قول الامام علي ع قول امام الزيدية الهادي إلى الحق:(من حبس نفسه لداعينا اهل البيت او كان منتظرا لقائمنا كان كالمتشحط بين سيفه وترسه في سبيل الله)(3). ما معنى حبس نفسه و منتظرا لقائمنا الا يدل على قائم بعد غياب تنظره الناس مشحطه سيوفها استعدادا لظهوره في أي وقت؟؟ اضيف إلى ذلك قول الامام الناصر الاطروش: (قال ان المهدي ع في بعض شعاب اليمن)(4). وزعمت طائفة من الجارودية ان الامام محمد بن عبد الله النفس الزكية حي لم يمت وانه المهدي المنتظر. وزعمت اخرى من الجاروديه ايضا انه القاسم بن علي بن الحسين صاحب طالقان(5). ومن اسماء الامام المهدي ع عند الزيدية: (0 قائم آل محمد ص)(6) الا يعني هذا انه قائم ظاهر بعد خفاء؟؟ وعن الحسين بن القاسم العياني قال: عن رسول الله ص قال: (ستاتي من بعدي فتن متشابهه كقطع الليل المظلم فيظن المؤمنون انهم هالكون فيها ثم يكشفها الله عنهم بنا اهل البيت برجل من ولدي خامل الذكر لا اقول خاملا في حسبه ودينه وعلمه ولكن لصغر سنه وغيبته عن اهله واكتتامه في عصره على منهاجي ومنهاج المسيح في السياحه والدعوه والعبادة...)(7). تامل لفظ (غيبته والسياحه كالمسيح) اضيف قول امام الزيديه عبدالله بن حمزة قال: (وقد شاركهم - يعني الاماميه- بعضنا معشر الزيدية في دعوى غيبة الامام كالمغيرية في دعواهم غيبة محمد بن عبد الله النفس الزكيه, والطالقانية في غيبة محمد بن القاسم صاحب الطالقان ع واليحيوية اصحاب يحيى بن عمر ع, والحسينية في دعوى غيبة الحسين بن القاسم ع كل هاؤلاء من خلصان فرق الزيدية الا المغيرية...)(8) لاحظوا الامام لم يستنكر عليهم ذلك بل اضاف انهم من خلصان الزيديه.

اقول: ايها الاخوة الزيديه افيقوا هذه اقوال ائمتكم واني اعتقد انهم عارفون بحق الائمة العصومين بدليل اقوالهم والذي لا يعلم في ذاك الزمان فقد يكون معذورلقلة وسائل البحث انذاك اما الآن وفي عصر الانترنت وتوفر كل اساليب البحث فلا اظن احد معذور امام الله في ان لا يعرف ائمة الهدى والحجة على من فوق الثرى. واقول ايضا اذا كانت نسبة الزيدية إلى الامام زيد لانه قام بثورة ضد الظلمة ولانه امر بالمعروف ونهى عن المنكروعقيدته العدل والتوحيد فما المانع من ان يسموا حسينيين نسبة للامام الحسين ع الذي قام قبل الامام ع زيد وهو معصوم عندهم اذ الامام زيد عندهم مجتهد لا يجوز تقليده في اصول الدين وفي الفروع اكثرهم يقلدوا غيره كالامام الهادي مثلا.

أهل البيت عند الزيدية :
وفي التحف شرح الزلف قال: (ان الذرية يدخلون في لفظ اهل البيت ع وان ذريتهم باقية إلى يوم القيامة و انهم الحجة على الامة بدليل حديث السفينه والامان و....)(9).

لاحظوا هنا يثبت ان الذرية باقية إلى يوم القيامة بدليل حديثي الامان والسفينة وأنهم حجةالله على الامة, و السؤال يوجه الى(المؤلف)مع جل احترامي وتقديري لمقامه العالي من هم الذرية الحجة والسفينة المنجية والامان من الاختلاف؟؟ هل كل سيد كما يدعي اكثر الزيدية؟؟ ام الصالحين منهم والصالحون مختلفون إلى فرق ومذاهب؟؟ وحتى لو قيل انهم اهل العدل والتوحيد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر, فهذا التعريف يشمل الجعفرية والزيدية بفرقها وفي صفحة 449 من التحف يبين من هم اهل البيت فيقول (هم اهل التوحيد والعدل والامامة) اذن ثبت دخول الجعفرية وكل من قال بذلك وليس هذا التعريف خاصا بالزيدية فقط وحتى لو قلنا الصالحين من الزيدية فهل هؤلاء هم أمان أهل الارض؟؟ وهل هم سفينة النجاة وهل هم الذين قال عنهم النبي (ص) (لا تعلموهم فإنهم اعلم منكم ولا تقدموهم فتهلكوا ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا) و (لا يؤمن عبد حتى.... واهلي احب اليه من اهله) وغيره من الروايات الواردة في حق اهل البيت.

وقال صاحب التحف ايضاً ص 450 (فلو لم يعتد بهؤلاء الذين هم من طائفة الحق, لبطلت الادلة على وجود الحجة والخليفة والسفينة المنجية والأمان).

وتأمل في كلمة لا تعلموهم ففيه تأمل إذ لم يدع امام من ائمة الزيدية أو اهل السنة أنه عالم بلا تعلم, أو أنه يعلم الناس ولا يتعلم من احد. فكل الائمة الزيدية قد درسوا عن معلمين ومشايخ لهم .
الإمامة عند الزيدية :
قال الامام الهادي يحيى بن الحسين في رده على سؤال ابنه بشأن الامامة: سألت يا بني احاطك الله وهداك رشدك ووفقك عن مسألة هلك فيها خلق من المتكلمين وحار عن فهمها كثير من المتكلمين...... وكذلك الاوصياء)(10) لا تثبت الامامة لاحد الا بدليل شرعي اجماعا وذلك لما كانت الامامة تابعة للنبوة لان ثمرتها هي حفظ الشريعة وتقويمها..... لم تكن الا لمن اختاره الله واصطفاه وعلم طهارته وقيامه...)(11) وقال الامام احمد بن سليمان في كتاب (حقائق المعرفة) (فقال ابوالجارود ومن قال بقوله من الزيدية علي وصي رسول الله(ص) والامام بعده وان الامة كفرت وظلت في تركها بيعته ثم بعده الحسنان بالنص ثم هي بينهم شورى فمن خرج من اولادهما جامع الشروط للامامة فهو امام....)(12) ولدينا ملاحظات على هذا النص:
1- قوله دليل شرعي ولم يقل الشروط.
2- قال لمن اختاره الله ولم يقل لمن قام.
3- قوله من علم الله طهارته يعني العصمة لا كل من ادعى الامامة.
4- قوله الامام علي (ع) وصي رسول الله (ص) والامة كفرت وظلت في تركها بيعته يعني ان كل من لم يقل بإمامته كافر.
5- التناقض الموجود في العبارة الأولى القائلة بالنص والاختيار الالهي والثانية القائلة بالقيام والشروط.
قال الامام المهدي المرتضى وغيره من ائمة الزيدية: (إن الامامة نص خفي) وقد عرفوا الامامه بانها كرئاسة كما في كتاب (الزيدية نظرية وتطبيق) وغيره من كتب الزيدية. وقال اقول: ان الامام الهادي إلى الحق صرح ان الامام ليست شورى وانتخاب بل وصية وامر ونهي قائلا: فكل من قال بامامة امير المؤمنين ووصيه فهو يقول بالوصيه على ان الله عز وجل اوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن ابي طالب والحسن والحسين والى الاخيار من ذرية الحسن والحسين اولهم علي بن الحسين واخرهم المهدي ثم الائمة فيما بينهما.
وفي التحف للسيد مجد الدين المؤيدي (اذا اجتمع امامان في زمان واحد يقتل الثاني منهما)(13)
وقال (من دعا إلى نفسه او إلى غيره وهناك امام فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين)(14)
وقال صاحب كتاب (الزيدية نظرية وتطبيق): (يجب طاعة الامام مالم يامر بمعصية او يشرب خمر.. وكل ماذكر عمر وابا بكر ترحم عليهم وقال عمر مات شهيدا.)
وفي كتب الزيدية كلاما طويلا مضمونه ذكر الحروب بين ائمة الزيدية كالمنصورعلي بن صلاح والداعي والامام المهدي احمد بن يحيى المرتضى وغيرهم وانقسام الناس بينهما والاشعار والسب بين المهدي وبن الوزير(15), وقال إنه ظهر ثلاثة ائمة في وقت واحد في بلد واحد وهم المهدي والمنصور علي بن صلاح والهادي علي المؤيد(16). وقال ان الصراع بين الائمة انفسهم كالهادي وآلحمزة(17) وقد وقع اإمامين في مكان واحد ووقت واحد(18).
قال صاحب الينابيع الصحيحة (فكان النص على امامتهما(الحسن والحسين(ع)) نصاً جليا)(19) و في كتاب الزيدية والامامية وجهاً لوجه قال(ان الامام عند الزيدية ليس معصوماً والامامة لها شروط ومن اكتملت الشروط فيه وادعى الامامة وقام امام اخر لحربه استحق غضب الله تعالى(20)
اقول: الملفت للنظر ان صاحب هذا الكتاب نفسه يثبت الامامة للسيد مجد الدين المؤيدي في حال ان السيد مجد الدين لا يدعي الامامة لنفسه(هذا وقد الف السيد مجد الدين كتابا عدد فيه ائمة الزيدية منذ نشأتها إلى عصرنا الحاضر ولم يذكر نفسه كإمام لعصره اصلا ولا يمكن ان نقول ان عدم ذكره لنفسه كان من باب التواضع لانه لا تواضع في امر الامامة) ولم يأمر بالمعروف او ينهى عن المنكربمعنى القيام والثورة ولم تكتمل فيه الشروط عند الزيدية وقال من قام لحرب امام آخر استحق غضب الله بينما قد اثبتنا في كتبهم قيام امامين وحربهما مع بعضهما وكلهم ائمة مقدسون عند الزيدية!!!
وفي التحف شرح الزلف ص52 قال قال رسول الله(ص) (....فليتول علي بن ابي طالب وأوصيائه فهم الاولياء والائمة من بعدي اعطاهم الله علمي وفهمي...والله لتقتلنهم امتي.
اقول: نفهم من هذا النص ان لعلي بن ابي طالب اوصياء وهؤلاء الاوصياء هم الائمة وهؤلاء الائمة اعطاهم الله علم الرسول وفهمه,وسوف تقتلهم الامة يعني لا يموتون الا بالقتل بينما نلاحظ ان الكثير من ائمة الزيدية ماتوا موتا طبيعيا,ولم يدع احد منهم علم او فهم النبي(ص) وانما هم مجتهدون يصيبون ويخطئون ولا يدعون الوصية فبالله عليك تأمل.
وفي ص 52 قال (قال رسول الله(ص)للحسين(ع) وإن حبيبي جبرائيل اتاني فاخبرني انكم قتلى ومصارعكم شتى....(وذكرما لمن يزورهم من الاجر)), وفي ص 53 قال ما نصه (قال الوصي(ع) في نعتهم ونعت ائمتهم: اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجة كيلا تبطل حجج الله وبيناته.... اولئك خلفاء الله في ارضه والدعاة إلى دينه).
(اذن فهم يقتلون ولمن زارهم اجر عظيم والارض لا تخلو من حجة منهم ليكونوا حجة الله على الناس وهم خلفاء الله والدعاة إلى دينه).
وفي التحف شرح الزلف قال(ان الامام واحد لقيام الادلة عقلا ونقلا فاما العقل, فان قيام امامين موجب للاضطراب والفساد..... واما نقلا فلو لم يكن الا الاجماع حول الامام الواحد والخلاف في غيره) ثم اورد الحديثين (من دعا إلى نفسه او إلى غيره وهناك امام فعليه لعنة الله......) وقول المنصور بالله (اذا بويع الخليفتان قتل الاخر منهما) وفي ص78 ان الامام الاطروش قام في زمن الامام الهادي!!! (اليس هذا تناقض؟؟!!! مع شديد احترامي للامامين الهادي والاطروش وكذا للعلامة مجد الدين,فان من حقي ان ابين نظري لعله يفتح عيونا مغمضة وليس مني حقدا او جحودا, بل ليفهم الجميع انهم انما كانوا ائمة جهاد,افاضل, علماء ومجتهدين وليسوا الائمة المشار اليهم في الروايات والاحاديث النبوية لانها لا تنطبق الا على معصومين لا يختلفون في الحق ولا يخالفونه) وفي التحف شرح الزلف ص 73 (قال زيد بن علي: ما فينا امام مفترض طاعته بعد الحسين...)
وقال: (فوالله ما ادعاها علي بن الحسين(ع)) وهذا مناقض للقول بإمامة علي بن الحسين كما في التحف وغيرها (الاخيار من ذريه..اولهم علي بن الحسين..) و لقد عد السيد مجد الدين الإمام علي بن الحسين من الائمة كما في التحف باب الامامه وكذا عد الباقر ع) وقال في التحف ايضا: وبعده ابنه الباقر الذي سماه رسول الله بالباقر لانه بقر علم الانبياء (ع ) وسلم عليه مع جابر الانصاري قبل ولادته, وقال مجد الدين ان بعضهم حفظ عن باقر علم الانبياء محمد بن علي سبعين الف حديث راجع التحف ص179
وقال (إنه كان عند محمد بن عبدالله الكامل سيف الامام علي بن ابي طالب(ع) (ذو الفقار)(21) وكذا غيره من الائمة يتوارثون ذو الفقار والجفر و....)
لكن السؤال الملفت للإنتباه هو: من الذي يعطيهم هذا السيف وليست عندهم وصية أي انه عندما يموت امام فهو يوصي بالجفر والسلاح لفلان؟ وعندما يبقون لسنوات بدون امام فعند من يبقى الجفر والسلاح؟؟ وعندما يقوم امامان في قطر من الاقطار فأيهما يأخذها؟؟.
وفي التحف ايضا قال: ان الامام علي بن المؤيد بن جبرائل دعاء إلى الله بعد اياسه من خروج الامام المهدي من الحبس وبعد خروجه سلمها له(22). وقال ايضا: ان الامام شرف الدين بن محمد دعاء إلى نفسه حال غياب المهدي في السجن وذلك مع بقاء الامام محمد الوزير على دعوته...اذ كان كل منهم لا غرض له الا اصلاح الامة واقامة الكتاب والسنه(23)
اقول وهل الامامه رئاسه ياخذها وينزعها متى ما شاء!!!.
وفي كفاية الاثر(24) عن ابي بكير انه قال لزيد: ياابن رسول الله هل عهد اليكم رسول الله متى يقوم قائمكم؟ قال: (يا ابا بكير انك لن تلحقه وان هذا الامر يليه سته اوصياء من بعد هذا واشار إلى الباقر ثم يجعل الله خروج قائمنا فيملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا قلت يا ابن رسول الله الست صاحب هذا الامر؟ فقال: انا من العترة...). وهذا الكلام واضح لا يحتاج تعليق.
قال الامام عبد الله بن حمزه: (اهل البيت معصومون منقبون من الخطاء. وقال ايضا: يقول الرسول ص: يمنع الخطاء منهم عاجلا وآجلا)(25).

اقول: قول عبدالله بن حمزه مطلق ولم يقيده في الخمسه يعني كل من يصدق عليه لفظ (اهل البيت) فهل كل من يسمى اهل البيت في عقيده الزيديه منقب عن الخطاء؟؟! انهم لا يقولون بعصمة كل من يسموه اهل البيت, بل اضاف انهم معصومون عاجلا واجلا أي قديما وحاضرا والى قيام الساعه فهل هذه العصمه تنطبق وتطبق في أي مذهب غير المذهب الامامي الذي يخص العصمه بذرية الرسول الاثنى عشر وهي في نظري العقيدة الوحيده التي تقول بما ورد في اهل البيت وتطبقة في الواقع أي لهم ائمة ياخذوا عنهم كل دينهم وما عمل العلماء ومراجع التقليد الا البحث عن الروايات هل هي ثابته عنهم ام لا فاذا ثبتت له فهي نص لا يجوز الاجتهاد في مقابلها, اما المذاهب الاخرى فكل مجتهد يقول برايه لهذا تشعبت الفرق والمذاهب إلى ما نحن فيه الان.
وقال السيد ابو الحسن: (الامام لابد ان يكون معصوما)(26). وقال الامام المؤيد بالله: (يجوز ان يخطي الامام بلا خلاف في ذلك...)(27).

اقول : هذا مناقض لكلام الامام عبد الله بن حمزه فتامل ولي ان اسال كيف يكون الائمة حجج الله في الارض اذا كانوا يختلفوا فيما بينهم بل قد حصلت هناك حروب بين امامين من ائمة الزيدية كما ذكرنا مصدر ذلك فراجع, فهل يصدق عليهم سفينة النجاة وباب حطه وامان اهل الارض وقرنا القران ووو..؟؟!!!.

شروط الامامة عند الزيدية:
والآن نقرا معا ما قالت الزيديه في شروط الامامه ونرى هل هم مجمعون على هذه الشروط ام لا و....القاسم الرسي يراها تسعة شروط فقط(28) وفي عدة الاكياس ان الشروط اربعة عشر شرطا(29), وفي الينابيع الصحيحة قال: ان العدالة من شروط الامامة(30) بينما قال صاحب كتاب الزيدية والامامية وجه لوجه: ولسنا نقول ان من حكم اليمن من ائمة الزيدية كلهم عدول فمنهم عادلا كالهادي والناصر والمنصور بالله عبدالله بن حمزة وكثير من امثالهم.....)(31) لاحظ في هذه الاقوال حيث ترىالتناقض فبعض يرى وجوب العدالة وبعض لايراها مع العلم ان السيد مجد الدين اعتبر الائمة الذين حكموا اليمن من الزيدية ائمة شرعيين واثنى عليهم بشكل عام راجع التحف, وفي العقد الثمين قال: ان النص جلي وهي بعد الحسنين لمن قام ودعى من اولاد من ينتمي نسبه من قبل احدهما من كان جامعا لخصال الامامة من العلم الباهرو...(32) ويرى الشرفي انها اربعة عشرومنها الاجتهاد(33) ويرى عبدالله بن حمزه انها ستة وقال بعدم اشتراط الاجتهاد في الامام(34), وابي العباس الحسني اشترط العصمة في الامام(35). ويقول الامام الهادي:(كذلك الاوصياء فلاتثبت للخلائق وصية الانبياء اليهم الاباستحقاق لذلك العلم والدليل, واما الاستحقاق منهم لذلك المقام الذي استوجبوا به من الله العلم والدليل فهو فضلهم على اهل دهرهم وبيانهم عن جميع اهل ملتهم بالعلم الارع والدين و...دليلهم العلم بغامض علم الانبياء والاطلاع على خفي اسرار الرسل واحطتهم بما خص الله به انبيائه حتى يوجد عندهم من ذلك ما لا يوجد عند غيرهم من اهل دهرهم فيستدل بذلك على ما خصهم به انبياؤهم والقى اليهم من مكنون علمها وعجائب فوايد ما اوحى الله به اليها مما لا يوجد ابدا عند غير الاوصياء(36).

اقول: نفهم من هذا النص ان الائمه كلهم اوصياء الانبياء وان الائمة يعلمون بغامض علم الانبياء ومطلعين على اسرارهم الخفيه ومحيطين بكل شي خص به الانبياء وليس اناس عاديين بل فوق كل ابناء دهرهم عندهم مالا يجد الا عند اوصياء الانبياء, فبلله عليكم هل ادعى الامام الهادي او غيره هذه الصفات؟؟؟؟؟؟!!!!!!.
التناقض الشديد في كتب الزيدية :
ان هذا التناقض الموجود في كتب الزيديه لا حل له الا الرجوع إلى مذهب اهل البيت الصحيح الذي يستحق ان يسمى مذهب اهل البيت ع, فقد قرات الكثير من كتب الزيديه واغلبها كتب ائمتهم فوجدت الكثير من التناقضات ففي بعضها ينفي الاعتزال عن الزيدية ويقول: ان اول من قال انهم معتزله هو الشهرستاني بينما ائمتهم يقولون بذلك وهذا ماسأذكرمصادره في محله ان شاء الله تعالى, وبعضهم يكذ ب من قال: ان الامام زيد درس عند واصل بن عطاء وسأبين في محله من كتبهم ايضا ان اغلب ائمة الزيدية درسوا عند شيوخ.
وبعضها ينفي علم الغيب للأئمة بينما في نفس الكتاب او كتاب آخر يقول: ان الامام علي ع قال: (ما من فتنة الا وانا اعلم سائقها وناعقها....) وان كتاب الجفر كان عند الامام الهادي فيه علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة وان معه ذو الفقار وانه خطب بمكة وعمره سبع سنينن بينما استشكل بعضهم على الجعفرية قولهم بكتاب الجفرعند ائمتهم ونحوه من الكتب التي توارثها الائمة واحد بعد آخر وفيها علم ما كان ومايكون إلى يوم القيامة وكذا يستشكل عليهم قولهم ان الامام الجواد ع او الامام المهدي عج خطبا في الناس او اخذا الامامة في سن صغير, وكذا بعضهم يوجب العصمة في الامام وبعضهم لا يراها واجبه وبعضهم يترضى على الخلفاء ويمدحهم وبعضهم يقول اناواقفي لا اسب ولا امدح وبعضهم صرح باللعن كالامام الهادي في كتابه تثبيت الامامه وصرح ان عمر كسر الباب على الزهراء ع وطرحها وانهم ضربوها بسوط على عضدها حتى بقي اثره كالدملج وصرح ان من تخلى عن جيش اسامه فقد عصى الله وجعل صلاة ابي بكر عليه فضيحه لا فضيله وبين سبب ذلك وانه حكم بغير كتاب الله وانه آذى رسول الله ص واول من شهد بالزور على رسول الله ص وخذله وروع اهله وانهما يبغضا الله ورسوله ثم لعنهم قال انهم تلاعبو بالدين وو....... كذلك في الينابيع الصحيحه يرد على من جاء بفضيلة للشيخين ويبين مساؤهما, وفي الحدائق الوردية اورد نص للامام النفس الزكية في لعن اصحاب الجمل وانهم ولاة سوء,كذلك بعضهم يترضى ويترحم على ابي حنيفه ومثاله ويذكرهم بخير وانهم دعاة اهل البيت بينما هم في العلم خرجوا عن اهل البيت و ائمتهم اقتتلوا فيما بينهم وجرت حروب وهم في عصر وقطر واحد وعندهم روايات كما بينا انه لا يجوز لامام القيام مع وجود آخر وبعضهم قال ان النص جلي بعد الحسين في العترة وبعضهم قال في البطنين وبعضهم ادخل اولاد علي كمحمد بن الحنفيه والعباس بن علي عمر بن علي كما في عدة الاكياس فراجع والامام زيد نفسه يقول ادعو للرضا من آل محمد ولم يقل لنفسه ووو.......حول ماذكرت راجع كتب الزيديه(37) وهدفي من ذكر ذلك ما هو الا نابع من صدق محبتي للزيديه لعل الله يجمع الشمل وتتوحد الكلمه فلو رجعوا لاصل عقائد الامام زيد والامام الهادي لتم التآلف لانهما لم يبعدا كثير عن خط ائمة اهل البيت بل الامام زيد لم يدعوا الا للجهاد لا لتشكيل مذهب مخالف للامام الصادق فممكن الاقتداء بالامام زيد في الثوره ضد البغاة كما انتم الان لا تاخذوا عنه الا اسم الانتساب والعلم خذوه من معدنه الاصلي الذي لا يخالف الحق ولا يختلفوا فيه,
أئمة الزيدية من اين ياخذوا علمهم؟؟؟
بما ان الزيدية تقول ان أئمتهم هم من يصدق عليهم اهل البيت الذين هم حجج الله في ارضه وامنائه على عباده وو.... فلنقرء معا لنرى هل تنطبق عليهم الروايات التي في كتبهم كقوله ص: (قدموهم ولا تقدموهم وتعلموا منهم ولا تعلموهم ولا تخالفوهم فتكفروا(38). وفي روايه اخرى ان رسول الله ص قال عن اهل بيته: (اعطاهم الله علمي وفهمي. وفي روايه: رزقوا علوي وفهمي)(39). وقال الامام علي ع: (ايها الناس اعلموا ان العلم الذي انزل الله على نبينا من قبلكم في عترة نبيكم فاين يتاه بكم عن امر تناسخ عن اصحاب السفينة... وانهم باب حطه من دخله غفر له)(40).
وفي الحدائق الوردية ان رسول الله ص قال: (اوصيكم باهل بيتي فانهم لحمتي وفصيلتي فاحفظوا منهم ماتحفظوا مني)(41).
قال الاكوع: (... تبع لزيد راس المعتزله)(42). وقال ان اكثرهم يذكر ان الامام الهادي اخذ الاصول عن شيخه ابي القاسم البلخي المعتزلي واقواله في الاصول متابعه له في الغالب. وقال: ان شيوخ الامام الهادي من عراق العجم والعرب كالطبريين وان الامام المؤيد بالله سافر إلى الاهواز ليسمع من قاضي القضاة ابي احمد بن ابي علان( راجع شرح التجريد في فقه الزيديه ج1 ص67)(43) وفي التحف شرح الزلف: ان الامام المهدي المرتضى اخذ براي المعتزله(44).
والإمام احمد بن سليمان تتلمذ على يد القاضي اسحاق بن احمد بن عبد الباعث(45) واخذ عن الشيخ الحافظ اسحاق بن احمد عبد الباعث(46) والامام المرشد بالله اخذ علم الكلام عن بعض مشائخ المعتزلة في عصره(47) وكان من مشائخه ايضا ابي عبد السلام الانباري(48) والامام عبد الله بن حمزه اخذ عن الحسن الرصاص وعن الفقيه علي الاكوع وغيرهم(49) والامام الاطروش اخذ عن محمد بن منصور المرادي(50) وأبو عبد الله الداعي محمد بن الحسن كان شيخه في الفقه الكرخي وهو حنفي(51) والامام حمزه بن سليمان والد الامام المنصور بالله اخذ عن القاضي شمس الدين جعفر(52).
اقول: من تفكر في حديث (لا تعلموهم... ورزقوا علمي ووو...فانه يعلم اكيدا ان هؤلاء ليس باهل البيت المقصودين بذلك ومعرفت اهل البيت واجبه على كل مكلف كما قال علماء الزيديه اذن يجب ان تبحث ايها المسلم المكلف عنهم فاهل البيت يعطو ا لا يخذا وهم امان من الاختلاف فلا يختلفوا مع العلم ان كتب الزيديه قد دونت كثيرا من الاختلافات بين ائمتهم مثلا: عندما قدم الامام الهادي إلى اليمن وجد الزيديه قد انقسموا إلى عدة فرق كالقاسمية نسبة إلى القاسم الرسي وناصرية نسبه إلى الناصر الاطروش وكان يخطي بعضهم بعضا حتى القي اليهم: ان كل مجتهد مصيب و.... وذكر الامام محمد بن ابراهيم الوزير ان الزيديه تفرقت إلى مخترعه ومطرفية وجارودية وصا لحية وحيسنية ومن ا لفروع إلى مؤيدية وهادويه وناصرية وقاسمية واهل الكوفة على مذهب احمد بن عيسى و....ووقع بينهم تفسيق وتاثيم....ولم تمر ماة سنة على قدوم الهادي إلى اليمن حتى افترق اتباعه إلى ثلاث فرق كما ذكر الامام المهدي واكده الحميري......(53).
وقال السيد مجد الدين في التحف شرح الزلف: ان الاعتزاء إلى الامام زيد بمعنى انهم يدينون بما يدين به من العدل والتوحيد والامامة)(54).
اقول: بعد معرفتك ايها المنصف الباحث عن الحق لكل هذه التعاريف لاهل البيت هل ترى انها تنطبق على غير المعصومين ع وبعد معرفتك بوجوب معرفتهم هل ستضل بدون امام فتموت على الجاهلية؟؟؟.
----------------------------------
1- كشف الرموز - الفاضل الآبي ج 2 ص.
2- الزيدية نظرية وتطبيق / ط الثانية / ص.
3- الاحكام 2\ 502.
4- نقلا عن لومع الانوار للسيد مجد لدين ص63 الجزء الاول مكتبة التراث الاسلامي صعده. الناصر الاطروش هو احد ائمة الزيدية.
5- انظر الزيدية للقاضي الاكوع. الجاروديه هم فرقة من الزيديه. والامام النفس ازكيه وكذا القاسم هما من ائمة الزيدية.
6- انظر الاحكام للمام الهادي - من ائمة الزيديه - ج2 \470.
7- عدة الاكياس في شرح معاني الاساس:ج2ص280 ط1.وهو كتاب زيدي معتبر لديهم.والعياني من ائمة الزيدية.
8- انظر العقد الثمين 217 كتاب زيد معتبر لدى الزيدية
9- التحف شرح الزلف ص 447
10- المجموعة الفاخرة مخطوطة ص46.
الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (الامام الزيدي الذي اسس المذهب الزيدي في اليمن ويقال لاتباعه في الفقه هادوية ويقال زيدية لانه دعا إلى الزيدية وتنطبق عليه شروط الزيدية وهي التوحيد والعدل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر(القيام).
11- عدة الاكياس في شرح معاني الاساس ج2 ص136.
12- المصدر السابق ص138
13- التحف ص 309 وقال (قال الامام المنصور بالله - امام زيدي - في الشافي روي عن رسول الله(ص): اذا بويع الخليفتان قتل الآخر منهما).
14- التحف شرح الزلف ص309.
15- راجع كتاب ائمة اليمن للعلامة زبارة وسترى فيه العجب و هذا الكتاب طبع في عهد الدولة المتوكلية.
16- المصدر السالبق.
17- المصدر السابق.
18- المصدر السابق.
19- الينابيع الصحيحة ص 3.
20- الزيدية والامامية وجها لوجه ص 103تاليف محمد بن ابراهيم بن الحسن المرتضى ط 1 1418 مركز الهدى صعده وفيه تقريض العلامه مجد الدين وغيره.
21- التحف شرح الزلف ص 361.
22- التحف شرح الزلف ص285.
23- المصدر السابق ص 376.
24- كفاية الأثر ص 296 - 297.
25- الشافي: ج1ص157 وص90. وعبد الله بن حمزه من ائمة الزيديه وكتابه هذا من اهم مصادرهم كيف لا وهو كتاب امامهم.
26- عدة الاكياس ج2 ص134.
27- عن مجمع الفوائد للسيد مجد الدين ص215 دار الحكمة اليمانيه يرويه عن الامام القاسم بن محمد في الارشاد.
28- الزيديه في اليمن:ص15.
29- عدة الاكياس في شرح معاني الاسلس.
30- الينابيع ص251.
31- ص107.
32- العقد الثمين في معرفة رب العالمين تاليف الامير الحسين بدر الدين,دار التراث اليمني صنعاء ومكتبة التراث الاسلامي صعده.-وهو كتاب زيدي معتبر.
33- عدة الاكياس ج 2 / 120- 134.
34- انظر شرح الازهار ج4 / 520.
35- عدة الاكياس ج2 / 134 -135, وابو العباس الحسني هو احمد بن ابراهيم الحسني المعروف بابي العباس وصف في كتب الزيدية بالسيد الامام الحافظ الحجة شيخ الائمة رباني ال الرسول........ وهو تلميذ الامام الناصر الاطروش وشيخ الامامين ابي طالب والمؤيد بالله وقال عنه عبدالله بن حمزه الفقية المناظر المحيط بالفاظ العترة......كان محل الامامة ومنزل الزعامة, راجع التحف / 118.
36- المجماعة الفاخرة:48.
37- الينابيع الصحيحه: ص 216-228, وواتحف ص130 وص170والحدائق30وص216وص221وكتاب الامام المهدي المرتضى بحث الامامه,وكتاب الزيديه نظرية وتطبيق بحث الامامه, وكتاب الزيديه والاماميه وجها لوجه ص20 و19وص129, و كتاب الدعامه وشرح التجريد في فقه الزيديه مخطوط ج1ص86,وعدة الاكياس ج2\122,كتاب تثبيت الامامه للامام الهادي إلى الحق, وغيرها مما اوردناه في هذا البحث فهو يكمل بعضه بعضا.
38- رواه اللامام المنصور بلله في الشافي وقال مجد الدين: هو في اخبار الثقات راجع لومع الانوار ص82والينابيع الصحيحه ص278.
39- لوامع الانوار ج1 ص14.
40- الحدائق الوردية ص18, وفي عدة الاكياس ص35 وفي التحف ص48.
41- الحدائق ص4.
42- الزيديه ونشاتها ومعتقداتها لاكوع ص11.
43- اتحف ص280.
44- تيارات معتزلة اليمن في القرن السادس عشر ص 26.
45- راجع تيارات معتزلة للدكتور علي محمد زيد ص75.
46- راجع التحف شرح الزلف ص161 مؤسسة الرعيه الاجتماعيه.
47- راجع تيارت معتزلةاليمن ص165, علي محمد زيد.
48- -الامالي الخميسية للمرشد بلله ص4.
49- راجع تيارات معتزلة اليمن, محمد زيد ص59.
50- الزيدية نشاتها ومعتقداتها للااكوع ص52.
51- البحر الزخار ج1 ص33 دار الحكمة اليمانيه.
52- التحف شرح الزلف وكتاب الموعظه الحسنه للمام المهدي لدين الله محمد بم القاسم الحوثي اذ عد الكثير من المشائخ للائمة الزيدية وعلق عليه السيد مجد الدين.
53- راجع الزيدية نشتها ومعتقداتها للقاضي الاكوع1دار الفكر العاصر.
ملاحظه انا احيان لم انقل نصا من هذا الكتاب وانما مضمون ومختصر ما قال لانه كلام كثير وانا بحثي مختصر.
54- التحف ص 67.
------------------------------------------

مع تحياتي لكم بالتوفيق

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرّحمن الرّحيم

اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ......

أوّلاً : الكلامُ على قول الإمام علي (ع) ، في الحجّة الظّاهر ، والمَغمور ، وقد سُقنا الكلام عليها قريباً ، بالتّفصيل المُملّ ، فلتُراجَع .

ثانياً :

5- قالت الإمامية :

قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) في الأحكام :

(( المُنتَظِر للحقِّ والمُحقّين ، كالمُجاهِد في سبيلِ ربِّ العالَمين ، وفي ذلك ما بَلغنا عن رسول الله (ص) : ( من حَبَسَ نَفسَه لدَاعِينَا أهلَ البيت أو كَانَ مُنتظراً لِقَائمِنَا، كَان كالمُتَشَحِّطِ بَينَ سَيفِه وتِرسِهِ فِي سبيلِ اللهِ بِدَمِه )[90]

* ألا يدلّ قول الهادي إلى الحق : ((حبس نفسه ، منتظراً لقائمنا )) ، على قَائمٍ حيٍّ بَعدَ غِيابٍ تنتظِرُهُ النَّاسُ مَشَحِطَّةً سُيوفَهَا ، اسْتعْدَاداً لظُهورِه في أيِّ وَقْت ؟

قالت الزيدية :

وهذا الحديث يُحملَ على وَجهين اثنين :

الوجه الأول :

أن يَكون المراد بالقائم هُو الحجة المغمور ، الخائف المقهور ، الحاضر الغير الغائب!، لأنه (ص) قال : ((من حَبَسَ نَفسَه لدَاعِينَا أهلَ البيت )) ، فيكون المعنى ، مَن وَطَّنَ نفسه لنصرةِ داعينا أهل البيت ، والدّاعي حتماً لن يكونَ إلاَّ مشهوراً ، فحظّه من كلام أمير المؤمنين (ع) في النهج ، حظّ الحجج الظاهرة المشهورة . ثم قال (ص) : ((أو كَانَ مُنتظراً لِقَائمِنَا )) ، فيكون المعنى ، أو كانَ مُستعداً مُتأهباً لإجابة دعوة الإمام اللابد المغمور ، مَتى مَا دَعا وتوفّر له الأتباع والعتاد إن كانَ يَعْلَمُهُ بعينهِ ، وإن لَم يَكن ، فيكون الشخصُ متأهباً لإجابة الدّاعي إلى الرضا مِن آل مُحمّد ، مَتى ما عَلِمَ قيامَ أحدٍ منهم بهذا الأمر ، وأن يكون لهذا مُتشوّقاً ، وأن يَسعى الجاهلُ بعينِ الإمام إلى مَعرفِته بينَ آل رسول الله قدرَ المستطاع ، والكتاب والسنة وآثارُ أئمة الهدى السابقين لهُ خيرُ مُعين فيما يبحثُ عنهُ مِن شخصِ الإمام المغمور ، وإن حَصَل وماتَ على هذا ، كانَ بِهمّته وعزمه على الطاعة والنصرة للإمام ، كالمُتَشَحِّط سيفهُ وترسه في سبيل إعلاء كلمة الله ، ومن ميتة غير أهل الإسلام نجا ، والله أعلم .

الوجه الثاني :

أن يَكون المراد بالقائم هُو المهدي (ع) ، و الداعي من أهل البيت ، بالإمام الظاهر أو المغمور عندما يدعو ، ولا مُشاحّة هُنا في اللفظ ، إذ أنَّ لفظة القائم ليسَت دليلاً قاطعاً جازماً على قيامٍ بَعدَ حياةٍ وغياب إماميّة ، لأنّنا نستطيعُ إطلاقَ لفظةِ القائمِ على المهدي (ع) وهوَ لَم يُولَد بَعد ، لأنَّنا نَعلمُ عِلمَ اليقين أنّهُ قائمٌ لا مَحالة ، انظُر ما نَقلَت الإمامية في مسانيدهِم ، عن جعفر الصادق (ع) عندما سُئِلَ عن القائم أهُوَ إمام ؟ فقال (ع) : نعم إمام ابن إمام([91]) . أقول : تأمّل نعتَ السائل للمهدي بالقائم! معَ أنّه المهدي في عهد الصادق ليسَ حياّ ولا غائباً ، بل إنّهُ لَم يُولَد بعد ! ، وكذلكَ لفظة القائم في حديث الهادي (ع) فإنّها لا تدلّ على شخصٍ حيٍّ غائب . ورواية أخرى عن الجعفرية يَسألُ فيها أبو بصير الإمام الصادق (ع) فيقولُ : يا ابن رسول الله مَنِ القَائمُ مِنكُم أهْلَ البيت ؟ فقال (ع) : يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ([92]) ، فانظُر نعتَ أبو بصير المهدي بالقائم ، وهُوَ ما زالَ في صُلبِ أبيه ، لا حَيٍّ ولا غائب ، وهذه الألفاظُ في أحاديث الجعفريّة كثيرة ، أعني نعتَ بالمهدي بالقائم مِن قِبلَ الأئمة أو أتباعهِم المُعاصرِون لما قبلَ المهدي ، والغريبُ أنَّا وَجدنا هذه الشبهَة تُثارُ على الزيدية من أحدِ الإخوة المُستبصرين المُتحولّين إلى مذاهب الإمامية، ولا أدري هلَّ حقّقَ في هذه المسألة ، التحقيق الذي ينبغي أن يكونَ عليه مَن يتخّذُ هذا القرار الخطير ، هَل فعلاً يستحقّ هذا الخبر عن رسول الله (ص) المورَدُ عن طريق الهادي (ع) إلى تحميلهِ أكبرَ ممّا يتحمل بجعله دليلاً على الغيبة والحياة للإمام القائم ؟ ، أولَم يَعلمْ ويطّلع المُستبصرُ أنّ أمثالَ هذه الرّواية كثيرٌ عن أئمة الجعفريّة وشيعتهم ، أعني عدمَ ضرورة أن يكونَ نعتُ القائم يدلّ على الحياة والغيبة ، أمّ أنَّ المُستبصِرَ لا يرَى إلاّ القذى في العيون دونَ الجذوع ، والله المُستعان ، نعم ! ويدلّ على ذلك أيضاً أنّا قَد نُسَمّي المهدي بالمنتظر ، فهَل في هذا القول تصريحٌ بحياةٍ وغيابٍ فانتظار ؟ ، وهُو فعلاً المُنتظرَ لأنّه موعودٌ به على لسان الذي لا ينطقُ عن الهوى (ص) ، ألا ترى الهادي إلى الحق (ع) يقول : (( نَرجُو أن يَكونَ اللهُ قَرَّبَ ذلِكَ وأدناه ))[93] ، يعني ظهور المهدي (ع) ، فهَل في هذا القول ما يجعلُ العاقلَ يجزمُ بالحياة والغيبة على مقتضى الإمامية ؟ وكذلك القيام في حق المهدي (ع) ، فلو قالَ قائلٌ : (( اللهمَّ عجّل بظهورِ قائمِ آل محمّدٍ ، واجعلنا من أنصارِه وأعوانه )) ، أكانَ في هذا ما يَقطعُ بعقيدة الرجلُ من كلامهِ ، من أنّهُ كانَ يقصدُ قائماً حيّاً غائباً ؟ والجواب : حَتماً لا ، وليسَ يدلّ على بطلانه إلا قول جعفر الصادق الذي روته عنه الجعفرية ، فقال : (( يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت ، و ما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا حفظته الفرس وضيعتموه )) ([94]) ، ولَن أعودَ وأقول ، تأمّل إطلاق لفظة القائم على غير الحيّ وغير الغائب ، ولن أعودَ وأقول تأمّل لفظة الفرَج بالقائم ، مع العِللَ السابقة ، عدم الحياة وعدم الغيبة ، وفي هذا يدخلُ قول الإمام الهادي (ع) : ((نَرجُو أن يَكونَ اللهُ قَرَّبَ ذلِكَ وأدناه )) .

نعم ! ولزيادَة البيان انظرُ أمثلةً حيةً أخرى ، على تسمية الإمام المهدي (ع) بالقائم ، من غيرِ اعتقادِ حياةٍ أو غيبة ، وفيه يقول الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، مُنشأً :

عَسَى فرجٌ يأتي بهِ اللهُ عاجلاً بدولَةِ مَهدِيٍّ يَقُومُ فَيظهرُ

وانظُر أيضاً نعتَ الإمام الهادي إلى الحق (ع) ، المهدي بالقائم ، من غيرِ اعتقادٍ بحياته أو غيبته ، فجاء في بعض قصائده : ((بِعَدْلِ القَائِمِ المَهْدِيِّ غَوثُ الشّرقِ والغَربِ )). وبشعر الهادي نختم الكلام على هذه الشبهة .

========================

[90] الأحكام ، 2/502

[91] - إثبات الهداة ، 1/109

[92] - كمال الدين ، 345

[93] الأحكام 2/468

[94] إثبات الهداة ، 3/571
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

ثالثاً :

6- قالت الإماميّة :

روى الإمام الحسين بن القاسم العياني (ع) ، عن رسول الله (ص) أنّه قال : (( ستأتي مِن بَعدِي فِتَنٌ مُتشابهةٌ كَقِطَعِ الليل المُظلِم ، فَيَظُنُّ المؤمنون أنَّهُم هَالكُون فيها ، ثُمّ يَكشِفها الله عَنهُم بِنَا أهلَ البيت بِرَجُلٍ مَن وَلَدي ، خامُل الذّكْر ، لا أقولُ خاملاً في حَسَبِهِ ودينِه وحِلمِه ، ولَكِنْ لِصِغَرِ سِنّه وغِيبتهِ عَن أهلِه ، واكتتامهِ في عَصرِه على مِنهاجي ومِنهاجِ المسيح في السّياحَة والدّعوة والعِبَادة ، يُؤيّم عرسه ، ويُخلص نفسَه ، ويَكُن بدءُ ناصريه من أهل اليَمَن ))[95] .

قالت الزيدية :

إنَّ هذه الروايَة صدَرَت من إمامٍ عَظِيمٍ ، ووجهُ تأويلُها وتفسيرُها بردّ الفروع للأصول ، وتطبيقها على مَاصحّ عن رسول الله (ص) في النقول ، وأقرّت به العقول ، كما سيأتي بيانه ، وهُوَ المطلوبٌ . فنقول وعلى الله التكلان :



تأويُل هذا الأثر عندَ أهل الشأن ، أنّهُ سيأتي على الناس فِتنٌ كقطع الليل المُظلم ، فيختلطُ الصالح بالطّالح ، وينغمرُ الحقّ ولا يكادُ يظهر[96] ، ثمّ يكشفُ الله هذا البلاء برجلٌ من أهل البيت (ع) من أبناء الحسن أو الحسين (ع) ، خامِل الذّكر ، أي أنّه قَد يُولَدُ في بيئةٍ ليسَ لهُ ذكرٌ فيها، ولا يُعرَفُ بأنهُ المهدي المٌبشّرُ به ، هذا في حالِ الصبا وعدمِ ظهورِ العلامات عليه ، وليسَ خمولاً في نسبه بل هُو ممّن يُعرفُ عنه ولادَة الرّسول (ص) ، ونسبهُ إلى حيدرة الكرّار شاهرٌ معروف ، وليسَ خمولاً في الدّين والحِلم ، إذ أن علامتهما ظاهرةٌ عليه ، يُشارُ بها عليه ، بلَ هُو خُمولٌ في عدَم مَعرِفة أحدٍ له عندَ ولادته وبداية نشأته .

أولاً : خمولٌ بسبب صِغَرِ سنّه ، فلا يكادُ أحدٌ يظنُّ أنّ هذا هُو المهدي المُبشّر به على لسان الرسول (ص) .
ثانياً : خمولٌ بسبب اكتتامه في عصرِه ،فلا يكادُ يختلطُ بالنّاس ، ولا يكادُ يكونُ له ذِكرٌ بينهُم ، مُنعزلٌ عنهُم ، ولا يُشترطُ في الانعزال والاكتتام عدم رؤية النّاس له وعدم التحدّث معهم ، فإنّ عيسى بن زيد بن علي (ع) اكتتمَ عن جماعةٍ ومكثَ عند جماعَة ، ولكن الاكتتام من المهدي (ع) هُو الانطواء وعدمُ الإكثارِ من المُخالطة للنّاس ، وبهذا يتحقق فيه الخمول .
ثالثاً : خمولٌ بسبب غيبته عن أهله ، إذ أنّهُ يرحلُ عن أهله ، فيتنقّل بين البُلدان ، على خمولٍ في شخصِه من عدمِ معرفة أهل تلك البلدان بهذا الجائلُ بينهم ، وبينَ ظهرانيهِم ، ويُعاودُ التنقّل تلوَ التنقّل مُحمّلاً بالعزم على الإصلاح ، وإبادَة الجورِ والظُلم عن أمة جده (ص) ، ولإقامَة الحُجّة بالدّعوة إلى الله ، كما فعلَ الّرسول (ص) عند هجرتهِ إلى الطائف ويثرب طلباً منه ، لعائنٍ يُعينه على هذا الدّين ، وكذلك المسيح عيسى (ع) ، على اختلافٍ في الشهرة والخمول فيما بينَهم وبينَ المهدي (ع) ، فيصرُّ (ع) على إتمام الحُجّة بنشر الدّين ، وتعليمِ مَن يَمُرُّ بهم حلالَ دينهِم وحرامِه ، ومَثلهُ في هذا مَثَلُ إمام اليمن الهادي إلى الحق (ع) ، عندما تغرّب وتغيّبَ عن أهله ووطنهِ وأبناء عمومته في المدينة المنورة وانتقلَ إلى اليمن ، وقالَ : (( واللهِ لَئن لَم يستوِ لي في اليَمن ، أمرٌ لا رَجعتُ إلى أهلي ، أو أَضربُ الشّرقَ والغَرب ، حتَّى أُقيمَ للهِ حُجّتَه ))[97] ، فيعمَل المهدي قدرَ المُستطاع ، على نشر العلومِ في البلدان ، وبهذا يَعرفُ النّاسُ فضلَه ، ويستقطبُ الأنظارَ نحوَه ، ويَكثرُ مُحبيهِ وناصريه ، من بلدٍ إلى بلد ، حتّى يجتمعَ على فضلهِ ما شاءِ الله أن يَجتَمِع ، وبهذا يكونُ قَد مهَّدَ لدعوةٍ حقٍّ تقوم ، وهذا هُو المقصود بتأييم العُرس ، وتخليص النّفس في الحديث ، فيقومُ مُعلناً الإمامة في الدّين ، فيطلبُ البيعات مِنَ المُسلمين المُتقين ، فيُناهِضهُ أهل تلك البلدان ، ورجالُ الدّين ، ويكونُ أولُّ مُناصريه هُم أهل اليَمن السعيد ، أهل الحكمة والإيمان ، مَن قال فيهم رسول الله (ص) : (( الإيمان يمانٍ والحِكمة يمانية )) ، وهذه والله العليّ العظيم ، صفةُ أئمة الزيدية ، التي يّدعونها في أئمتهم ، ولا تنبطقُ على مَن سواهُم ، ولا أدلُّ عليها من انتشارِ أئمتهم في البلدان والأمصار ، بنفس الأهداف التي سيحملهُا المهدي محمد بن عبدالله (ع) في دعوته الجامعة إلى الله ، انظُر زيد بن عليٍّ (ع) في الكوفة ، والنفس الزكيّة (ع) في الحجاز ، ويحيى بن عبدالله (ع) في الدّيلَم ، وإدريس (ع) في المغرب ، والحسين الفخّي (ع) في مكة ، وعلي الرضا (ع) في خراسان ، والقاسم الرسي (ع) في المدينة ، ويحيى بن عمر (ع) في الكوفة ، والحسن بن زيد (ع) في طبرستان ، والهادي إلى الحق (ع) في اليمن ، والناصر الكبير الأطروش في آمل طبرستان ... ، وفي آخر الزّمان سيُواصلُ المهدي (ع) مَسيرةَ هؤلاء الأئمة الأبرار ، في إعزاز الدّين ، وإزالة الظّلمِ والجور ، والقِسمُ بين الناس بالصّحاح ، وسيُؤيّدهُ الله بتأييده ، ويُنزلُ ألطافهُ وتسديداته على هذه الدّعوة ، فيتمهّدُ لها ما لَم يتمهّد لدعوةِ إمامٍ فاطميٍّ حسنيٍّ حُسينيٍّ قبلَه ، فيُعزُّ الإسلام ويَنتَعِشُ ، وبهذا تَقربُ السّاعة ، ويدنو النفخُ في الصور ، فتأزفُ الآزفة ، وتذهلُ العقول ، مِن هولِ يومٍ عظيم . أعاذنا الله وإياكم من الخسارَة فيه . وهذا أقصى ما قَد يُقال هُنا .

[ فائدَة ]

نعم ! فالله .. الله يا طالبَ النّجاة ، لا تتّبع مُتشابهَ الحديث ، وألفاظ الغيبة والاكتتام ، فتجعلَ هذا دليلاً على صحّة قولِ القومِ في مهديّهم ابن العسكري ، لأنَّ الحقَّ يَعلو ولا يُعلى عليه ، فلَو كانَ قولهُم في المهدي بالخصوص ، وبقيّة الأئمة التسعَة بالعموم ، هُو قول الله والرسول (ص) ، ما واجَهَت الأمّة جمعاً فيما عداهُم ، كلَّ هذا الغموض في هذه العقيدة ، وفي هذه الغيبة المهدوية ، والأمّة حتماً لن تُجمِعَ على باطل ، ألا ترى الصلاة والصيّام كيف ظَهرَت فيها النّصوص من الله والرسول ، لما لها من الأهميّة في حياة الفرد المُسلم . ألا ترى فضائل عليّ بن أبي طالب وأخبارَ توليته وأحقيّته يوم الغدير ، ومنزلته من محمّد ، وأخوّته لأحمد ، وتزويجه من سيدّة نساء العالمين ، الذي أمرَ به ملك الملوك جلّ وتباركَ في عُلاه ، وحضرَه جبريل وميكائيل ومعهم ملائكة السماء (ع) ، ألا ترى كيف لم تُكتَم عن الأمّة هذه الأخبار وطارَت في أرجاءها ودوّنتها دواوينهم ، وخطّتها رِيَشهُم ، واستلهَمتها عقولُهُم وقلوبُهم ، واختُلِفَ في تطبيقها وفَهمِها ، والخللُ ليسَ من الله ولا من الرّسول عندما اختلفَ فيها النّاس ، فالله صرّح بأحقيّته في كتابه الكريم وولاّه يومَ سأل السّائل ، والرّسول صرّح بتوليته يوم الدّوح العظيم ، غدير خم ، ونشرَ فضائله أمام الصحابة الكِرام ، فاتّفقَ النّاس على صحّة الأحاديث ، وصحّة صدورها عن رسول الله (ص) ، ومعَ هذا أخطأوا الاستدلال ، والخطأ عليهِم وارِد ، إذ كانَ لهُم أئمةٌ في الدّين أمثال معاوية وأذنابه ، ولهُم عُلماء فُضلاء في أنفُسِهِم لَم يُحسنوا الاستدلال بها على ولاية أمير المؤمنين ، فدّونوا ما اجتهدوا فيما يعتقدونَ أنَّ فيه ردّا وصَرفاً لهذه الأحاديث عن ولاية المرتضى (ع) ، فجاءَ بعدَهُم أقوامٌ ساروا على خُطى هؤلاء الفُضلاء ، وأخذوا الدّين عن أفواه الرّجال دون التّفكّر في الكتاب والصحيح من الآثار ، فجعلوا مِن ذلكَ ديناً لله وللرسول (ص) . ثمَّ انظُر رحمةَ الله بالعباد ، وعلمه الأزليّ بما يؤول إليه أمرُ العباد من التفرّق في الدّين ، فجعلَ لهُم ثِقَلٌ يرجعونَ إليه ، ويُحكّموه فيما بينَهم ، فكانَ أيضاً في عِلم الله المُسبَق الأزلي أنَّ النّاس ستختلفُ في تأويل وتفسير القرآن إلى مذاهبَ ومَشارِبَ مُتعدِّدَة ، فعضّدَ ثِقَل القرآن الأكبر بِثِقَل أهل البيت (ع) الأصغر ، وجعلَهُما عَلاماتٍ على الحق ، وأنزلَ فيهم قُرآناً يُتلى ، يُنزّهُهُم فيه عن العقائد الفاسدَة ، وفي هذا مِن رَحمة الله على العباد ما لا يخفى على أولي النُهى ، وعَمِلَ الرّسول (ص) بأمرِ ربّه ، على إشهارِ فضائلِ أهل بيتهِ (ع) أبناء الحسن والحُسين ، وحثَّ النّاس على اتباعهم واقتفاء آثارِهم ، ومع ذلكَ حصلَ الخطأ في الاستدلال ، والتفريطُ في قُرناء الكتاب ، مع الاتفاق على ورودِ هذه الألفاظِ فيهم من الرّسول (ص) ، فتوجّه العتاب على حضرتهُ نصوص الكتاب في أهل البيت (ع) ، ونصوص الرسول (ص) فيهم ، ثمّ اتّبع أقوال الرّجال دونَ إعمال العقل والفكر في الاستدلال . ثمّ انظر يا طَالب النجاة ، إلى أقوال الإماميّة ، التي انفردَت بها عن أمّة لا إله إلاَّ الله ، فادّعَت نصوصاً على أئمة أهل البيت ، لَم ينزل فيها قرآن ، ولَم يُخبِر بها رسول الله أصحابه الكرام ، ولَم تنتشرُ عند غيرِ الكليني والقمي والمفيد ، أعني أحاديث الأئمة الإثني برسومهِم وأسمائهم ، بَل حتّى شيعة أئمتهم والمُقرّبين منهم ، فكيفَ لَو طالَ الجهلُ أبناء الأئمة ؟! فكيفَ لَو طالَ الجهلُ الأئمّةَ أنفسَهُم ؟ ، ثمّ حصروا لفظة أهل البيتِ في هؤلاء الإثني عشر ، وألصقوا بِهم جميعَ ما مدحَهُم به رسول الله (ص) ، وادّعَو أنّهم المعنيّون بأهل البيت في الأحاديث الشريفة الكثيرة ، والله المُستعان ، فحوّروا مقصد الرّسول (ص) وفرّقوا بين أبناء أصحاب الكساء ، الذي غطّى الحسنَ كما غطّى الحسين (ع) . وحاولوا الاستظهارَ بهذه الأحاديث على عقيدتهم الجعفرية ، والسؤال للعقول : لماذا لَم يَجعَل الله والرّسول لنا قاعدةً نُعوّل عليها ، ونستدلُّ بها على هؤلاء الإثني عشر ؟ كما حَصلَ مع فرائض الصيام والصلاة ، وولاية أمير المؤمنين والآيات والأحاديث في ذلك ، وفضل أهل البيت بني الحسن والحسين ووجوب التمسّك بهم وإنزال الله ذكرَهم في القرآن الكريم ، فلماذا هذا الغموض في عدم استطاعَة استخراجِ حديثٍ واحدٍ يدلّ على الإثني عشر بأسماءهم في مسانيد الزّيدية أو السنة أو حتى الخوارج !! ، أليسَ فرضُ الإمامة خطيراً ؟! أليست الولاية واجبةٌ على المُكلّفين من الذّكور والإناث ؟! فلماذا ، لا نجدُ لها ذكراً في أمّهات مسانيد أمّة الإسلام إلاّ في كُتُبِكُم معشر الإمامية ؟ إن قٌلتم : بلى ! لها ذكرٌ ، انظر حديث الثقلين وحديث السفينة ، وحديث النجوم ، وحديث حطّة ، وهي مزبورة في كتب المُسلمين الحديثية ! ، قُلنا : ومَن سلَّمَ لكُم أنَّ أهل البيتَ المعنيّون في هذه الأحاديث ، هُم الإثني عشر أئمتكم ؟ فإن قُلتُم : روى الكُليني ، وقال القمي ، وبلغَ المفيد ، وحدَّث الطوسي . قُلنا : شهادةٌ غير مقبولَة ! فشهادةُ الجارِ لنفسهِ مردودَة . فخبرٌ كهذا الخبرِ انفردتُم به عن الأمّة ، إدانةٌ عليكُم لا لَكُم . والعجبُ كلَّ العَجب ! من قول بعض الجعفرية ( إنَّ مَذهباً ، يُستدلُّ عليه من كُتُبِ خصومهُ ، هُو الأولى بالإتباع ) ، والله المُستعان ، وكيفَ لا أعجب ، والجعفري لا يستطيعُ أن يسردَ لي النّص على الأئمة الإثني عشر بأسماءهم إلاّ مِن كُتُبِهِم ؟ وليجُرِّب هذا ، فإن حاولَ وما استطاع ، فلا بأس أن يخدع نفسهُ بترديد التواتر ، والدندنة بالعبارة السابقة ، وعندَ الله تلتقي الخصوم .

====================

[95] عدَّة الأكياس في شرح معاني الأساس ، 2/380

[96] وفي هذا إشارَة إلى إبطالِ قولِ مَن استدلَّ بأنّ روايات الإثني عشر خليفة من طرق أهل السنة ، والذي يبقى الدين بهم عزيزاً منيعاً ، تدلُّ على عقيدة الإمامية في الأئمة ، إذ أنَّ الفتن المُظلمَة ، والجور والفساد ، ينتشرُ والمهدي حيٌّ غائب ، على رأي الإمامية ، فلا يكون الدّين عزيزاً ولا منيعاً حينها .

[97] سيرة الإمام الهادي إلى الحق ، ص 50 .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

رابعاً :

قالَ المُستبصر:

أضِف إلى ذلك قول الإمام الناصر الأطروش: ( قال إنّ المهدي (ع) في بعض شعاب اليمن) .


قالَت الزيدية :

هذه المَقولَة عن التي نقلها الإمام الحجّة مجد الدّين المؤيّدي (ع) ، ليسَت بالنّص ، وإنّما بالمعنَى ، ولسانُ حالها يقول ، أنّ بداية ظهور المهدي (ع) بعدَ ولادته في آخر الزّمان ، مِنَ اليمن ، وفي هذا رواياتٌ كثيرة ، أعني بدء ظهوره من اليمَن ، ولا يُفهُم منها إثباتُ غيبَة المهدي ، لأنّ الإمام الناصر الأطروش (ع) لا يؤمنُ بهذه العقيدَة ، فكيفَ يَقصِدُهَا . ولولا ظهورُ الاستغفال من المُستبصِر ، لما عرّجنا على هذه الجزئية ، ولا نَطَقنا بجواب .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

خامساً :

قالَ المُستبصر:

في نهاية مَبحث المهدي (ع) ، سارداً لمواقف أتباع الزيدية الأوائل ، مُتغافلاً عن رأي رؤسائهِم وأئمّتهم ، فقال مُحاولاً أن يجعل من عقيدَة الغَيبَة عند الزيدية ذات أساس ، وأنّ الإيمان بها شيءٌ ليسَ بالغريب : (( وزعمت طائفة من الجارودية أنّ الامام محمد بن عبد الله النفس الزكية حي لم يمت ، وأنه المهدي المنتظر. وزعَمَت أخرى من الجارودية أيضا أنه [ محمد بن ] القاسم بن علي بن الحسين صاحب طالقان ..... أضِف قَول إمام الزيدية عبدالله بن حمزة قال : ( وقد شارَكَهُم - يعني الإمامية- بَعضُنَا مَعشَر الزيدية في دعوى غيبة الإمام كالمغيرية في دعواهم غيبة محمد بن عبد الله النفس الزكية, والطالقانية في غيبة محمد بن القاسم صاحب الطالقان (ع) واليحيوية أصحاب يحيى بن عمر (ع), والحسينية في دعوى غيبة الحسين بن القاسم (ع) كل هؤلاء من خلصان فرق الزيدية إلاَّ المغيرية ) ، لاحِظوا الإمام لم يَستنكر عَليهم ذَلك ، بَل أضافَ أنهم مِن خلصان الزيدية .

قالَت الزيدية :

ماذا يُريدُ المُستبصرُ بهذا النقل ؟ أيُريدُ الاستدلال على صحّة عقيدة الغيبَة عندَ الزيدية ، بتقرير الجاروديّة لها ؟ أم بتقرير الطالقانيّة لها ؟ أم باعتقاد الحسينية لها ؟ فإنّ هؤلاء في الحقيقة جُهّالٌ لا يُعوَّلُ على ما اعتقدوهُ في هذه المسألَة ، فإنْ كانَ الخلل في وَصف الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ، لهُم بالخُلصان ، فذلكَ أنّهُ منَ الحيف أنْ ننزعَ بعض لباس الزيدية عن هؤلاء ، وإن قالوا بها ، معَ الإيمان بعدَم صحّة عقيدة الجاروديّة فيما خالفَت فيه محمد بن عبدالله النفس الزكية (ع) ، عندما نَسَبَت إليه الغيبَة ، وعدَم صحّة عقيدة الطالقانيّة ، وذلكَ لمُخالفتها الإمام محمد بن القاسم الطالقاني (ع) ، إذ لَم تُكن من عقيدته الغَيبة ، وعدَم صحّة عقيدة الحسينية في غيبَة الإمام الحسين بن القاسم العياني (ع) ، وهُوَ مِنَ المُخالفينَ لها ، بَلْ إنَّ هذه المقولَة مكذوبةٌ عليه ( نعني ادّعاء المهدوية ) ، انظُره (ع) يتشكّى منَ الدّجلَة المُتخرّصين عليه بالباطل ، عندما قال : (( وَلَستُ أُصَدِّقٌ بِكلِّ مَارُويَ لِي مِنَ الرّوايَات عَن رَسُولِ الله (ص) ، لِقِلَّة الثّقَات ، وطُولِ الزّمَان، وهَا أنَا أسْمَعُ فِي حَياتِي مِن الرِوايَاتِ الكَاذِبَة عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُل ولَمْ أَفعَل، فَربّمَا سَمِعَ بِذَلِكَ أولياءُ الله فَيُصَدّقُونَ بِه والعَهدُ قَريب ، فَكيفَ بِرَسولِ الله (ص) ولَه مُدّةٌ طَويلَةٌ مِنَ الزّمَان ؟ ))[1] . وقالَ الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان (ع) : ((ونحنُ نَنفِي عَنهُ هَذا الكَلام، ونَقُولُ: هُوَ مَكذوبٌ عَليه، ولا يَصِحّ عَنه ))[2] ، ونحنُ مع الإمام المتوكل على الله ، ننُزّهُ الإمام الحسين بن القاسم العياني عن هذه الشناعات ، وكيفَ لا نُنزّهُهُ ومؤلّفاتهُ بين أيدينا ، ناطقةٌ بالعدل والتوحيد والولاء لأهل البيت (ع) ، وإنكار الغيبَة ، والله المُستعان .

نعم ! قَد خَرجَنا عمّا نحنُ بصدده ، ولكن عسى بفائدةٍ إن شاء الله ، نَعودُ ونقول : هُنا أيضاً تهويلٌ وتضخيم في كلام المُستبصر ، وذلكَ عندما قال : ((لاحِظوا الإمام لم يَستنكر عَليهم ذَلك ، بَل أضافَ أنهم مِن خلصان الزيدية )) ، إذ كيفَ تغاضى المُستبصرُ عن جهود الإمام المنصور بالله (ع) في إبطال عقيدة الغيبَة الجعفرية ، بَل كيفَ تغاضى المُستبصرُ عن سياق النّص المُقتبَس فحاوَل لَويَ عُنقِهِ ليأتيَ بما يُريدُهُ هُوَ ، وهذه والله زلّةٌ رَبُّهَا الهَوى ، إذ لا يصحّ مثلُ هذا الاستنتاج أن يكونَ طُريفَ شُبهةٍ على إيمان الزيدية وتقريرها لعقيدةَ الغيبَة ، انظر كلام الإمام (ع) ، كاملاً ، فقال (ع) : (( وَقَد رَدَدْنَا عَلى الإماميّة فِي هَذا الكتَاب ( العقد الثمين) واسْتَقصَينا كُلّ حجّةٍ يُمكنُهم الاحتجاج بِها مَمّا وَضَعُوهُ فِي كُتُبِهِم، ومِمّا يَجوز أنْ يَضَعُوه مِمّا خَطر في خَواطِرِنَا. وقَد شَارَكَهُم بَعضُنا يا مَعشر الزيدية في دعوى غيبة الإمام كالمغيرية .... إلا المغيرية ، فقد حُكِيَ عنهُم تَخليطٌ في الاعتقاد ( وهُنا لَم يخرطهم الإمام في سلك الخُلصان ) . فَإن كَانَت المَذاهبُ تُثبَتُ بِمجرّد الدَّعَاوى فَقَد شَارَكَ أصحَابُنَا الإمامية فِي الدّعوى، وإنْ كَانَ لابُدّ مِنَ البيان، والبَراهين المُوصِلَة إلى العِلْم ... وَلَيسَ في هذهِ الأصُول دَليلٌ عَلى حَياةٍ، ولا غيبة، وإن زَعَمَ ذَلك زَاعِمٌ فَالحَاجَةُ إلى العِلمِ بِه مَاسّة، ولا مَخْبَأ بَعَد بؤس، ولا عِطرَ بَعد عروس ، .... ، فَعَلى العَاقل أن يَنظُرَ لِنفسِه ويَتَحرّى النّجاة بجهده ، ولا يَقبلَ الهُوينَا فِي طَلب أدلّة دِينِه، ولا تَقليدِ غَيرِه فِي مَذهَبِه. فَقد رَوينا عَن أبينا رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قَال: ((مَن أخَذَ دِينَه عَن التّفكر فِي آلاء اللَّه، وعَن التّدبر لكتابه، والتّفهم لسنّتي زَالَت الرّواسي، ولَم يَزُل، ومَن أخَذَ دِينَه عَن أفواهِ الرّجال، وقَلّدَهُم فِيه ذَهَبَت بِه الرّجال مِن يَمينٍ إلى شِمال ، وكانَ مِنْ دِينِ اللَّه عَلى أعظَمِ زَوال )). وَفّقَنَا اللَّه وإيّاكُم لِصَالِح الأعمَال، وصلى اللَّه على محمد وآله خير آل، والحمد لله أولاً، وآخراً كما أهله، وحسبنا اللَّه ونعم الوكيل. ))[3] اهـ كلام المنصور بالله (ع) ، فهَل تَرى أخي الباحث ، المُستبصر المُستنير ، أيَّ إقرارٍ منه (ع) لهذه العقيدَة ، إلاّ مُجرَّد الحكايَة لفعلِ أولئكَ الأقوام ، مع الاستنكار !! ، ولَولا مخافَة أن يُظنَّ أنَّ هذه الشبهةَ من المُستبصِر قاصمَةً مُفحِمَة ، لما شغَلنا أنفُسنا بإدراجها في هذا المقام ، والله المستعان .

ومعَ ذلكَ فإنّا مُستغلّونَ الموقفَ فسائلوا المُستبصرَ ، عن حالَ الواقفة على الإمام الكاظم (ع) ، هَل يُعدَّ فِعلُهُم هذا حُجّةً على الجعفرية ؟ وهَل تُعدّ الروايةُ عنهُم ، تقريراً لصحّة مُعتقدهِم في الوَقف ، بلْ إنَّ عَجَبَ عَجبي من وجودِ رواياتٍ لدى الجعفرية ، تضمنّت أسانيدها رجال الواقفَة ، ومتونهَا الإيمان بالإثني عشر إماماً !!! ، وهَل هذا إلاَّ منَ التناقضات الجليّة ، التي لا يَلتفتُ إليها مَنْ شغفَ لبّه الهَوى ، والبَحثُ مع الميول المُسبق لتصحيح عقيدة القوم !! ، انظُر هذا الأثرَ الكُليني :

* روى الكليني بإسناده عن علي بن محمد ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبدالله بن عبدالرحمن الأصم، عن كرام ( واقفي ) قال: حَلفتُ فِيمَا بيني وبينَ نَفسي، ألاَّ آكُلَ طَعَاماً بِنهارٍ أبَداً حَتّى يَقُومَ قَائمُ آلِ مُحمّد، فَدخَلتُ على أبي عبدالله (ع) قال: فقلت له: رَجُلٌ مِن شِيعَتِكُمْ جَعَلَ لله عَليه ألاَّ يَأكُلَ طَعاماً بِنهارٍ أبَداً حَتّى يَقومَ قَائمُ آل مُحمّد؟ قال: (( فَصُمْ إذاً يا كرام ، ولا تَصُم العِيدَين ، ولا ثَلاثةُ التشريق ،ولا إذا كُنتَ مُسافراً، ولا مَريضاً ، فإنّ الحُسين (ع) لمّا قُتِلَ عَجَّت السّماواتُ والأرض ومَن عَليهمَا والملائكة، فقالوا: يَا ربّنا ائذن لنَا فِي هَلاكِ الخلق ، حتّى نجدهُم عَن جديد الأرض ، بما استحَلّوا حُرمَتك، وقَتلوا صَفوَتك، فَأوحَى الله إليهِم يَا مَلائكتي، ويا سَماواتي ويا أرضي اسكنوا، ثمَّ كَشفَ حِجَابَاً مِن الحُجُب ، فَإذا خَلفَهُ محمد (ص) واثنا عَشرَ وَصيّاً له (ع) وأخَذَ بِيدَ فُلانٍ القَائم مِن بَينِهِم، فَقَال: يَا مَلائكَتِي ويَا سَمَاواتِي ويَا أرْضِي بِهَذا أنتصِرُ [لهذا] - قالها ثلاث مرات ))[4] .

تعليق : انظُر السّند باطل ، وانظُر المتنَ أيضاً باطل ، أولا : لا وجهَ لتقيّة الصادق من كرام ، لأنه استأنَس به فأخبره بالإثني عشرَ وَصيّاً . ثانياً : انظُر كرام يقولُ أنّهُ من شيعة الصادق ومُعتقدٌ بإمامته وبقيام القائم ، ومعَ ذلكَ فهُو يجهلُ أنَّ القائم لن يكون إلاَّ بعد ستّة أئمة بعدَ الصادق ، والدّليل على جهله إقدامُهُ نَذرهُ ألاَّ يُفطِرَ إلاَّ حتّى يقوم القائم. ثالثاً : تشيّع كَرَّام في الصادق واعتقادهُ بإمامته وهُو لا يَعرفُ النّص الإثني عشري؟ . رابعاً : كرّامٌ هذا لَم يُؤمن بالإثني عشر وصيّا ، بل كانَ ممّن وقفَ على إمامة الكاظم (ع) ! . فعلَى العقول العَفاء .

======

[1] مجموع السيد حميدان (ع) ، ص414
[2] حقائق المعرفة .
[3] العقد الثمين .
[4] أصول الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني ، باب ما جاء في الإثني عشر والنص عليهم ، الحديث التاسع عشر .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

سادساً :

قالت الإمامية : قالَ رسول الله (ص) : (( إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين ، كتابَ الله ، وعترتي أهل بيتي ، أحدُهُما أكبرُ من الآخر ، ولَنْ يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )) ، وهذا الحديث يٌخبرُ عَن مُلازَمة الكتاب للعترة ، والكتابُ اليوم موجود ، إذاً فالعترة مُمَثّلةً في محمد بن الحسن العسكري موجودةٌ حيّةٌ غائبة ، لأنَّ الرسول (ص) لا يكذبُ ولا يصحّ أن يُخبِرَ بغير الواقع .

قالت الزيدية : أنَّ حديث الثقلين معلومٌ مشهورٌ بين الموالِف والمُخالِف ، سنُةً وشيعةً الزيدية منها والإمامية والإسماعيلية ، والخلاف وقعَ حولَ مَن هُم الثِقَل الأصغر المُلازِم للكتاب ؟ فالسنة يزعمونَ أنّهُ منهُم مَن وافقَ نهجَهُم ومذهبَهُم ، والإمامية زَعمَت أنّه في الإثني عشر بدءاً بأمير المؤمنين (ع) وانتهاءً بابن الحسن العسكري ، وأنّهم أبناء الحُسين دونَ الحَسن ، والإسماعيلية تدّعيه في أئمتهم بدءاً بأمير المؤمنين (ع) وانتهاءً بإمام الزّمان محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (ع) ، وأنّهم أبناء الحُسين (ع)، والزيّدية جَزَمَت أنّهُ في أصحاب الكساء الخمسة وذُريتهم أبناء الحسن والحُسين، وأنّ تأويلَ الخبر الصحيح المُتماشي مع العقلِ والنّقل والإقرار من أكابر سادات آل رسول الله وعلى رأسهِم أبناء الحُسين (ع) ! ، فتقول : أنَّ العترة (ع) مُلازمونَ للكتاب لا يَفترقونَ عنهُ ، ولا يَفترقُ عنهُم ، وأنّه لا يخلو زمانٌ مِن قائمٍ من أهل البيت (ع) ، مشهوراً كانَ أو غير مشهور (مغمور) ، يعملُ بما احتوى عليه الكتاب الكريم ، وبما أُرسِلَ به النّبي العظيم (ص) ، يأمُر بالمعروف ، وينهى عن المُنكر ، قدر استطاعته ، يُقيمُ الحدود ، ويُقسّم الأفياء والصدقات على المحتاجين والمساكين ، يَحفظُ بيضةَ الإسلام ، ويُذلّ أعداء الله والرّسول ، يرَدُّ المسلمين إذا ما زادُوا في الدّين ، ويُقيمُ الحجّة بالإعذار والإبلاغ عن شناعة التبديل والتغيير والزيادة على ما جاء به رسول الأمة (ص) ، فيُركبُهُم الحجّة بعدَ الإعذار ، وعلى ذلكَ كان أئمةُ أهل البيت (ع) ، مُنذُ عهدِ عليٍّ (ع) إلى يومِ النّاس هذا ، فهُم مُلازمون للكتاب ، يظهرُ منهمُ القائمُ تِلوَ القائم ، الإمامُ تلوَ الإمام ، الدّاعي تِلَو الدّاعي ، لإحياء ونعشِ الدين كَي لا يَثوى ، على اختلافٍ في الظروف المحيطة بهم ، وعلى اختلافٍ في النّصرة والقبول مِنَ العباد لَهُم، وأمّا دلالة النقل على صحّة ما ذهبنا إليه : قول الرسول (ص) : وقوله (ص) : (( مَن سَمِعَ وَاعِيَتَنا أهَلَ البيت ، ولَم يُجِبهَا كَبّه اللَّه عَلى مِنخَريه فِي نَارِ جَهنّم ))[49] ، والواعية هُي الدّعوة . وقوله (ص) : (( إنَّ عِندَ كُلّ بِدعَةٍ تَكونُ مِن بَعدِي يُكادُ بِهَا الإسلامْ ، وَلِيّاً مِن أهلِ بَيتِي، مُوكّلاً يُعلنُ الحقّ، وينُوّره، ويَردّ كيدُ الكائدين ، فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على اللَّه ))[50] . قال المنصور بالله (ع) : ( فَأخبرَ (ص) ، أنَّ الوَلِي المُوَكّل مِن أهلِ بَيتِه يُعلنُ الحَقَّ، ويُنَورّه، فَهَل يُنوّرُه إلا وهَو حَاضِرٌ غَيرٌ غَائب ؟! مُقَاومٌ غَيرُ هَارب ! يَردَعُ أهلَ البِدَع بالبُرهَان، وأهلُ السّطوةِ بالسّيفِ والسِنَان ؟! ولا فَرضٌ عَلى القَائمِ أنْ يَقهَرَ الخلقَ، وأنْ يَملِكَ الأرضَ، وإنّمَا فَرضُهُ إبلاءُ العُذرِ فِي إعزَاز دِينِ اللَّه، والجهادِ فِي سبيلِ اللَّه، قَال اللَّه تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾، و﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ ، فَقَد يُعبَدُ اللَّه تعالى بِبَذلِ الجُهدِ واستفرَاغِ الوُسْع فِي إعْزَازِ دِينِ اللَّه ، وصَلاحِ أمُورِ المُسلمين، فِإذَا تَوارَى عَن الأمّة، وغَاب عَن أوليائه وأعْدائه ، كَانَت لَهُم الحُجّة عَلَيه!! ، أمَّا أولياؤه فَيقُولون : لَو أتيتَ لفَعَلنَا وصَنَعنَا وبَذَلنَا أرْواحَنَا وأمْوالَنَا، وأمَّا أعداؤُهُ فَيقولون : لَو ظَهَرَت حُجّةُ اللَّه لأطَعْنَا )[51] انتهى كلامه (ع) ، ونحسبُ والله أعلم ، أنّ كلامَ الإمام واضحٌ وضوحَ الشمس رابعَة النّهار .

وأمّا دلالة إقرار كبارُ سادات أهل البيت (ع) على الدّعوة في كلّ زمان ، إقرارُ مَن لا يَمتري فيهم وفي دينهم إلا شقيٌ مُعانِد ، هُو خروجهُم زرافاتٍ زُرافات ، الإمام بعدَ الإمام ، عليٌّ بعد الرّسول (ص) ، والحسن بعدَ علي ، والحسينُ بعدَ الحسن ، والحسن بن الحسن بعد الحسين ، وزيدُ بن علي بعد الحسن المثنى ، والثائر الحُسيني يحيى بعد أبيه ، والنفس الزكية بعده ، فالنفس الرضية ، فالحسين الفخي ، فصاحب الدّيلم يحيى بن عبدالله ، فإدريس صاحب المغرب ، فمحمد بن إبراهيم طباطبا .. إلخ ، يُغنينا الإسهاب في ذكرهِم وذكر مواقفهم ما زبرتهُ كُتُب التواريخ الزيدية ، فراجعها ، وفي هذا الفعلُ منهُم (ع) يصدقُ قول الرّسول (ص) أنَّ لكّل بدعة رجلاً موكّلاً من أهل بيته ، وقوله مَن سمع واعيتنا ، وهؤلاء هُم الوُعاةُ الدّعاة ، ومَن سار بسيرتِهم من سادة أهل البيت في الجيل والديلم وطبرستان واليمن والكوفة والحجاز والمغرب ، ولَو لَم يكفِ هؤلاء شرفاً إلاّ معرفةُ أنّهم المرادون بتصريح الرسول (ص) ، أنّ أهل بيته سيلقون بعدهُ قتلاً وتشريداً ، وستظلمهُم هذه الأمّة ، لأنَّ هذه الدلالة فيهم أوضحُ منها في التسعة من ولد الحسين ، زينُ العابدين فَمن بعده ، لأنَّ سادات أبناء الرسول من أئمة الزيدية على رفعة مكانتهم وجلالة قدرهِم هُم مَن شُرّدَوا وطُوردُوا وظُلِمُوا ، بسبب رفضهم سُنَن خُلفاء السّوء ، وإصرارهم على البقاء مع الكتاب ومع ما جاء فيه ، حتّى بلَغت دعواتهم مشارقَ الأرض ومغاربها ، حتّى قال القائل :

يَا أمّة السَوءِ مَا جَازيتِ أحْمَد عَن **** حُسنِ البَلاءِ عَلى التنزيلِ والسّوَرِ
خلّفتموهُ عَلى الأبناءِ حِينَ مَضَى **** خِلافَةَ الذّئبِ فِي أبقَـارِ ذِي بَقَرِ
وليسَ حَيٌّ مِنَ الأحياءِ نَعلـمُه ***** مِن ذِي يَمَانٍ ومِن بَكرٍ ومِن مُضَرِ
إلا وَهُم شُركَاءُ فِي دِمَائِهُـم ***** َمَا تَشَارَكَ أنسَـارٌ عَلـى جـزرِ
قتلاً وأسْراً وتًحريقًاً ومَنهبَـةً ****** فِعلَ الغُزاةِ بَأرضِ الأرّومِ والخَزَرِ
أرَى أميّة مَعذورينَ إنْ قَتلُـوا *****ولا أرَى لبَنِي العبّـاس مِـن عُذرِ


وهذا لا يعني ، أنَّ التسعة من ولد الحسين (ع) ، لَم يُظلموا على أيدي ولاةُ الجور ، فنحنُ مُقرّون بذلك ، ونبرأُ إلى الله منه ، ولكنّا ننُكرُ على مَن أرادَ حصرَ صفةَ الرّسول في أهل بيته بالتشريد والقتل في هؤلاء التسعة دونَ غيرهِم ، والله المُستعان . لأنَّ الإمامية ما يرونَ أهل البيت إلاّ هؤلاء الإثني عشر وفقط ، فرحمةُ الله على الصّادق والنفس الزكية ، وترحاً وتعساً لقومٍ فرّقوا بينَكما ، وخلقوا فجواتٍ بينكما وصلَتْ إلى الحقد والسّباب ، والله المستعان ، فأرادوا أن يمدحوا الصّادق بذمّهم النفس الزكية ، وما عَلموا أنّ مذمّة النفس الزكية مذمّةٌ للصادق ، فأهلُ البيت ذريةٌ بعضها مِن بعض ، وبعضهُا لبَعض ، ودينها واحِد ، وما أجمعوا عليه من قولٍ وعَملٍ فهو الحجّة ، سلامُ الله عليهم أبناء الحسن والحسين ، وعليٌّ وفاطمة . اللهم صلّ على محمد وآل محمد .

نعم ! بعد ذكرَ دلالة النقل والإقرار ، نذكر دلالة العقل على صحّة ما ذهبنا إليه في الثقل الأصغر المُلازم للكتاب ، وأنّهم الدّعاة من أهل البيت (ع) ، دونَ الغائب المهدي ، وذلكَ أنّ الغائبَ المهدي في الحقيقة غير مُلازمٍ للكتاب ، لأنّه لَم يعمَل بما فيه ، فلَم يُطبّق أحكامه على البلاد والعباد ، ولَم يأمر بالمعروف ولَم ينهَ عن المُنكر ، ولَم يردّ بدعَ المُبتدعَة في الدّين ، بل لَم يُشر إلى ذلك ، والله المُستعان ، دَعُونا في الغيبة الكبرى مَعشر الإمامية ، وانظروا بعين العقل قبل القلب والهَوى ، فمَن عَلا على هواهُ عقلهُ فقد نجا ، هل خدم الغائب المهدي أمة جدّه (ص) ، هل اقتدى بسيرة رسول الله (ص) في الدّعوة ؟ هل اقتدى بسيرة جدّه علي (ع) في الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكَر ؟ هَل خرج إلى الزيدية والسنّة وقام عليهم خطيباً ، يعظهُم ويُبلّغُهم ويُركبُهُم الحجّة ، ويُوكلهُم إلى أنفُسِهم بعدَ البلاغ ؟ هَل أجهدَ نفسهُ ولو قليلاً في رفعِ الظلم على الأمة الإسلامية ، التي هُو عليها حُجّة ، وهُو إمامهم الذي يُساقونَ وراءهُ يوم القيامة ، إلاّ أن تقولوا أنّه لا يوجدُ ظُلمٌ في يومنا هذا ! وقد باتَ الكثير يرقبُ دنّو السّاعة لما نراهُ من تحقّق علاماتها من فشاءٍ للفساد وأسبابه ، وبُعدٍ عن الدين وأربابه ، وتقربٍ ونصرٍ للباطل وأحزابه ، يا لله ويا للحجّة التي سيُحْتَجّ بها على هذا الغائب يوم القيامة ، بين يدي ربّ جليل ، فيقولُ المُحتجُّ : عبدُكَ وابن عبدِك يارب ، ربيتُ في أحضان بيئةٍ مُجبرة يُحمّلونَك آثام العباد ، ربيتُ في بيئة مُشبّهة يُلصقونَ بك صفات النّقص والهوان ، ربيتُ في بيئةٍ تسبّ الصحابة ، ربيتُ في بيئةٍ ترى الرقص والتطبير في المساجد ، ربيتُ في بيئةٍ لا تقولُ بهلال يوم رمضان ، ربيتُ في بيئةٍ تقول بالمتعة ، فمتّعتُ عِبادَك بمحارمي ، ربيتُ في بيئةٍ لا تُحرّم الخمرَ والمراقص ، ربيتُ في بيئةٍ لا يُزجرُ فيها الظَلمة ، ربيتُ في بيئةٍ صار معاشها وقوتها من الحرام والربا ولا يرونَ بذلكَ بأساً . ياربّ وأنا أتضرّع إلى المهدي الغائب أن يُعجّل فرجه علينا بالخروج ، ليملأ الأرض عدلاً ، ويُقيمَ سنّة رسولك الكريم ، فَلم يَمدُد يدهُ لي ، ولا لغيري مَن المُحتاجين له ، بل ظلَّ غائباً بعيداً عنّا ، لا يَسمعُنا ولا يعي قولَنا ، وإن سَمِعنا وسمعَ تضرّعنا إليه لَم يُحرِّك ساكناً ، وهذه ظلامتي طرحتها بين يدي مَن لا يَجورُ ولا يَظلم .

فيا لله وللعقول ، كيفَ يُصرفُ حديث الثقلين ، إلى الإيمان بحياة وغياب المهدي ، ولا يُصرفُ أنّ هُناك فرقةٌ ظاهرةٌ من أهل بيت الرسول (ص) مُلازمةٌ إلى الكتاب ، والكتابُ ملازمٌ لها . فهذه دلالة العقل على عدم ملازمة الكتاب للمهدي الإمامي الحي الغائب ، وبها وبما سبق يسقطُ قولُ مَن تعلَّل بهذا الحديث .

واختصاراً للقول ، فإنّ القوم قد يتعلّلون بنفس هذا التعليل ، بالنسبة لحديث السفينة (( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق وهوى )) ، فأينَ سفينتنا اليوم أيها الإمامية ، وأين نوحُ السفينة كي يَدُلّنا عليها ويُركبنا إيّاها ؟! ومثله حديث النجوم : ((( النجوم أمان لأهل السماء .. )) ، وأمثال هذه الأحاديث الواردة في التمسك بأهل البيت كثيرة ، ولكنّ القوم موّهوا على الأغمار بكثرتها واتّفاق سواد الأمة علي صحتّها عن رسول الله ، فعَملوا على صرفها إلى ما يُحبونهُ ويَهوَون ، ولا ندري هل المهدي الغائب المنتظر راضٍ عنهم أم لا ؟ ، لأّنهم لا يعرفونَ له طريق ، فهُوَ إمامٌ حيٌّ بينهُم يشمّونه في روايات الكليني والطوسي والمفيد وفقط ، والله المُستعان .

=========

[49] العقد الثمين .

[50] رواه الإمام زيد بن علي (ع) ، في المسند ، وأورده المنصور بالله (ع) في العقد الثمين ، ورواه الكليني الجعفري في أصول الكافي ج1 باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ح2 . والمفيد في الاختصاص ص4 .

[51] العقد الثمين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

سَابعاً :

الشبهة الثامنة عشر :

قول الرسول (ص) ، لأهل البيت (ع) : (( لا تعُلّموهم فإنّهم أعلَمُ منكُم )) ، هل هُوَ ثابتُ عند الزيديّة ؟ فإن كانَ ثابتاً فما تأويلُهُ عندَهُم ؟ ، بمعنى : هل المُرادُ عدم تعليمِ أفرادِهِم مسالكَ الدّين ( تلّقي تلميذٍ عن شيخ ) ، أو غيره ؟ فإن كانَ الأوّل فليسَ ينطبقُ على قول الزيديّة في أئمتها ، وإن كان الغير ، فوضّحوا ؟

الرد :

في الحقيقة أنّ هذا الأثر عن رسول الله (ص) عندنا معشر الزيديّة ثابت على غير تأويل، وبهذا الأثر وأمثالِهِ من مُتشابهات أقوال الرسول (ص) يتشبّث البعض القليل !! ، فيأوّلوه على غير وجههِ الصّحيح ، وهُنا سنتكّلم بإسهابٍ واختصار ، موجّهين الكلام من خلال عدّة نقاط :

أوّلها : مرتبة الحديث : اعلمَ رحمَكَ الله أنّ لهذا الحديث عندَ الزيديّة أصلٌ من طريقٍ أبي العباس الحسني رحمة الله عليه ، إلى موسَى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله المحض (ع) ، وهُوَ عن أبيه عن جدّه عن أبيه عبدالله المحض صلوات الله عليهم أجمعين . ورواه الغمام المنصور بالله (ع) في الشّافي بغير لفظ ، وهُوَ مُتلقّىً عند عموم أئمّة الزيدية بالقبول .

ثانيها : تأويلُه : وهُنا ننقلُ بعض متنِ الأثر عن المحض (ع) ، لبعض طولٍ فيه ، فقال (ع) ، قال رسول الله (ص) في خطبةٍ له : (( ... يَا أيّهَا النّاس، سُعِّرت النّارُ وأقْبَلَت الفِتَن كِقِطَعِ اللّيل المُظلِم، إنّكُم والله لا تَتَعَلّقُونَ عَليّ غَدَاً بِشيء ، ألاّ وإنّي قَد تَركتُ الثّقَلين، فَمَن اعتَصَمَ بِهِمِا فَقَد نَجَا، ومَنْ خَالَفَهُمَا هَلَك )). فَقَالَ عمَر بن الخطاب: ومَا الثّقَلان يَا رَسول الله؟ فَقَال: (( أحَدُهُمَا أعْظَمُ مِنَ الآخَر، كِتَابُ الله طَرَفٌ مِنهُ بِيدِ الله ، وطَرَفُ بِأيدِيكُم، وَعِترَتِي أهلَ بَيتي ، فَتَمَسّكُوا بِهِمَا لا تَضلّوا ولا تَذلّوا أبَداً، فَإنّ اللطِيفَ الخَبير أنْبَأني أنّهُمَا لَن يَفتَرِقَا حَتّى يَرِدَا عَليّ الحَوض، وإنّي سَألتُ الله ذَلِكَ فَأعْطَانِيه، ألا فَلا تَسبِقُوهُم فَتَهلِكُوا، ولا تُقَصّروا عَنهُم فَتَضِلّوا ، ولا تُعلّمُوهُم فَإنّهُم أعْلَمُ مِنكُم بِالكِتَاب، أيّهَا النّاس، احفَظُوا قَولِي تَنتَفِعُوا بِهِ بَعدِي، وافْهَمُوا عَنّي حَتى تَنْتَعِشُوا ، لِئلاّ تَرْجِعُوا بَعدِي كُفّاراً، يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعض، فَإنْ أنتُم فَعَلتُم ذَلِك - وسَتَفعَلون - لَتَجِدُنّ مَنْ يَضرِبُ وجُوهَكُم بِالسّيف ... )) .

وهُنا تأمّل رَحِمَك الله تجدَ الرّسول (ص) حثّ على التَمَسّكُ بِالثّقلين ، كتاب الله وعترتِهِ أهل بيته ، وليسَ المُرادُ على شرطِ الزيدية بالعترة إلاّ جماعَة سادات بني الحسن والحسين ، لا ما ذهبَت إليه الجعفريّة من تخصيص أعيانٍ معروفين ، والمقامُ في هذه النّقطة مقامُ الكلام على تأويل هذا الخبر عندَ الزيدية ، نعم ! فبعدَ ما حثّ الرّسول (ص) على التمّسك بالثّقلين ، أتَى على ثلاثٍ أمورٍ مُكمّلة وحاثّة على الإقتداء الصّحيح بهذين الثّقلين ، فقال : (( لا تَسبقوهُم فتهلكوا )) ، أي لا تتعدّوا ما وقفَ عليه الثّقل الأصغر من أهل بيت نبيّكم ( سادات بني الحسن والحسين ) ، فتسبقوهُم بما ليسَ له أصل في الدّين ، فيكونُ في ذلكَ الهلاكُ لكم ، لعدم تقيّدكم بما اكتفَى به أهل البيت (ع) من تأصيلٍ في الدّين . أيضاً يُنبّه الرسول (ص) على نقيض المُسابَقَة لهم في علوم الدّين ، وهُو التأخّر عنهُم ، فيقول (ص) : ((ولا تُقَصّروا عَنهُم فَتَضِلّوا )) ، أي لا تُقصّروا وتتأخّروا في اتباعِ هذه الفئَة الفاطميّة ، والالتزام والإقتداء والتمذهب بما أصّلوه وفرّعوه وأجمعوا عليه ، لمَا في ذلكَ من الاجتنابِ للصوابِ ، فيقعُ به الضّلال . ثم بعد يذكُرُ الرسول (ص) حالَة ما بينِ المُسابقة بهُم والتقصير والتأخّر عنهم ، وهي التي عناها بقوله (ص) : (( ولا تُعلّمُوهُم فَإنّهُم أعْلَمُ مِنكُم بِالكِتَاب )) ، أي لا تُجادلوهُم فيما أجمَعوا عَليه ، ظنّا منكم في أنّ الحقّ سيقعُ في خلافِ إجماعهم ، وهذا كلّه منكم على نيّة أن تعُلّموا وتُصحّحوا إجماعاً قد سبقَ واتّفقَ عليه سادات بني الحسن والحسين من المتقدّمين والمتأخرين ، فَهُم أعلَمُ منكُم بالكِتاب والعقيدة المحمديّة الصحيحة ، لأنّهم لم ولن يُجمعوا على باطل . نعم ! وبهذا كلّه يحصلُ الإقتداء والتمسّك بالثِّقَل الأصغر ، لا تسِبق أهل البيت ، فتجعل عقلَك يستنبط ما لم يستنبطهُ ، ولم يَقُل به سادات أهل البيت (ع) . ولا تتأخّر عن الالتحاق بركبِ سادات بني الحسن والحسين والتّمذهب بمذهبهِم . ولا تُظهروا الأعلميّة عليهم بأمور الدّين فتُراجعوا إجماعَهُم ، تَزعُموا أنّكم أتيتُم بحقٍّ ليسَ هُم يَعرِفُوه ، وإلى هذا يُشير الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي ، حكاته عنه حامي علوم الآل السيّد حميدان بن يحيى القاسمي (ع) ، فقال (ع) مُتكلماً عن هذا الخبر : (( فَهَذَا تَصريحٌ مِنه صلّى الله عليه وآله وسلم بِمَا قُلنا وفَوق مَا قُلنا مِن وجوبِ اتّباعِهِم، والإقتداء بهم، وأخْذِ العِلمِ عَنهُم، وقِلّة المخَالَفَة لهُم، وتَحرِيمِ الطّعنِ عَليهِم، فَكيفَ يَسوغ لمسلمٍ التخّلف عَنهُم فَضلاً عَن نِسبَة نَفسِه إلى الصّواب والوِفَاق، ونِسبَتهم بِزعمِه إلى الخلافِ والشّقاق ، لولا اتّباعُ الهَوى وتَغليبُ جنبة الظّلال على جنبة الهدَى )) (1) اهـ .

ثالثها : إن قال جعفريّ : تكلّمتم وأسهبتُم مُفسّرين الآل بسادات بني الحسن والحسين ، دونَ مَاذَهَبنَا إليه من اعتبارِهَا في أشخص معُين من هؤلاء الآل ، فهلاّ وضّحتم سبب إهمالكم لهذا الوجه ؟.

قُلنا : لسَبَبٍ رئيس وأسبابٍ أخرى تابعَة ، فأمّا السّبب الرّئيس فإنّه لا صحّة عندنا للنصّ على أشخاصٍ مُعيّنين بعد الحسين صلوات الله عليه ، وقد تكلّمنا في هذا بما لا مزيد عليه، يُقوّي كلامنا عدم اشتهار هذا النّص إلاّ عند طائفةٍ من طوائف المسلمين على أهميّته ، بل على أركزيّته في دين محمد (ص) ، وهذا هُوَ السّبب الرئيس ، يليه أسبابٌ أخرى منها : أن سياقَ الحديث السّابق جاء في الآل بعموم ، ( والآل باتفاق جمهور جمهور الأمّة ، لفظة يدخل فيها بني الحسن والحسين ) ، ومنه ، فإنّه لا مُخصّص في السّياق يخصّص بني الحسين بالمقصوديّة ، ولا بمعنى لفظة الآل ، بل هيَ لفظَة تعمّ بني الحسن والحسين ، ولهذا شاهدٌ من روايات الجعفريّة ( أعني أنّ اللفظات المُبرزَة لأهل البيت (ع) في الآيات القرآنيّة يُقصدُ بها أبناء فاطمَة ، أبناء الحسن والحسين ) ، فهذا علي بن موسى الرّضا صلوات الله عليه يُسألهُ الفقهاء في مجلس المأمون العبّاسي بعدَ أن سردَ حديثاً مُشابهاً لحديث عبدالله المحض (ع) السّابق ، يسألونَهُ عن معنى العترَة في السّياق ، هَل هُم الآل ( والمشهور عندَ فقهاء العامّة آنذاك أنّ الآل هم غير الإثني عشر من بني فاطمة ) ، فيُجيبُهُم ، بِنَعَم أنّ العترَة في حديث الثّقلين وأمثالهُ هُم الآل ، والآل هُم بنو فاطَمة ، ولن أطيلَ هُنا ولكن سأذكُر قبسات من كلامه صلوات الله عليه كشاهدٍ على ما نحنُ بصدده من إثبات أنّ لفظات العترَة في حديث الثقلين وأمثاله غير خاصّة بأشخاصٍ مُعيّنين من بني الحسين ، بل هي عامّة في أبناء فاطمة ، أبناء الحسن والحسين (ع) ، مُنّبها على قراءة الحواشي السّفلية:

* روى الشيخ الصدوق في [ عيون أخبار الرضا م1ب23ح1] :

(( ... فَقَال المأمون : أخْبِرونِي عَن مَعنَى هَذِهِ الآيَة : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا )) ، فَقَالت العُلماء : أرَادَ الله عزّ و جَلّ بِذَلِكَ الأمّةَ كُلّهَا . فَقَال المأمون : مَا تَقول يَا أبَا الحسَن ؟ . فَقَالَ الرّضا ( ع ) : لا أقُولُ كَمَا قَالوا ، و لكنّي أقُول أرادَ الله عزّ وجَلّ بِذَلِكَ العِترَة الطّاهِرَة (2) .... فَقَالَ المأمون : مَنِ العِترَة الطّاهِرَة ؟ . فَقَالَ الرّضَا (ع) : الذّين وصَفَهم الله فِي كِتَابِه فَقَال عزّ وجل : (( إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )) ، وهُم الذينَ قَال رَسول الله (ص) : (( إنّي مُخلّفٌ فِيكُم الثّقَلين كِتابُ الله و عترتي أهلَ بيتي ألا و إنّهمَا لَن يَفتَرِقَا حتّى يَرِدَا عليّ الحَوض ، فَانظرُوا كَيفَ تخلفوني فِيهمَا ، أيّهَا النّاس لا تُعلّمُوهُم فَإنّهُم أعلَمُ مِنكُم . قَالَت العُلماء : أخبِرنَا يا أبَا الحَسن عَن العِترَة ، أهُمْ الآل ؟ أمْ غَيرُ الآل ؟ . فَقَال الرّضَا (ع) : هُمُ الآل (3) .. [ ثمّ سألَهُ العُلماء عن : هل فسّر الله الاصطفاء في كتابه الكريم ، ثم بدأ (ع) يذكر مواطن الاصطفاء من الله للعترة [ تأمّل شمول لفظة العترة والاصطفاء لبني الحسن والحسين ] في القرآن في اثني عشر موضعاً ، فكان منها قوله (ع) ] ... و الآية الخامسَة قولُ الله عزّ وجلّ (( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ )) ، خُصُوصيّة خَصّهُم الله العَزيزُ الجبّار بِهَا ، و اصْطَفَاهُمُ على الأمّة [ تأمّل ] فَلمّا نَزَلَت هَذِه الآيَة على رسول الله (ص) قَال : ادعُوا إليّ فَاطِمَة، فَدُعِيَت لَه . فَقال : يَا فَاطِمَة . قَالت : لَبّيكَ يَا رَسولَ الله . فقال : هَذِهِ فَدك، مِمّا هِي، لَم يُوجَف عَليه بِالخيل و لا رِكاب ، و هِي لِي خَاصّة دُونَ المسلمِين ، و قَد جَعلتُها لَكِ لمّا أمَرَنِي الله تعالى بِه ، فَخُذِيهَا لَكِ و لِوَلَدِكِ [ تأمّل ] (4) ، فهذه الخامسة . و الآيَة السّادسة قَول الله عزّ وجل : (( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )) ، و هَذِهِ خُصوصيّة للنبّي (ص) إلى يَومِ القِيَامَة وخُصوصيّة للآل [ تأمّل ] (5) دُونَ غَيرِهِم . ..[ ثمّ ردّ عليه المأمون : أنّ هذا لا خلاف عليه ، وأنّ هذا إجماع الأمّة ، وهذا دليلٌ على دخول بني الحسن والحسين في ألفاظ العترة السّابقة ودخولهم في خصوصيّة فدك ، وآية المودّة ، فهذا المشهور عند الأمّة ، وإنّما غير المشهور هو اختصاصُ الإثني عشر بلفظة العترة ، التي هي الآل ، وأنّ فدك لهم دون بني عمومتهم من بني الحسن ، وكذلك آية المودّة في ذريّة الرسول (ص) شملتهم دون بني عمومتهم من بني الحسين ، نعم ! وواصل الإمام الرضا (ع) سردَ الآيات القرآنيّة التي اختصّ بها أهل البيت ، مؤكّدا دخول بني الحسن والحسين في لفظ الآل والعترة المُفضّلة من الله سبحانه وتعالى ، فقال (ع) : ] ... وأمّا الثَامِنَة فَقول الله عزّ وجلّ : (( وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى)) ، فَقَرَنَ سَهمَ ذِي القربى بِسَهمِه ، وبِسَهم رَسُولِ الله (ص) ، فَهذَا فَضلٌ أيضاً بينَ الآل [ تأمّل ] (6) و الأمّة ، لأنّ الله تَعالى جَعَلَهُم في حيّز وجَعَلَ النّاس فِي حيّز دُونَ ذَلك ، ورَضِيَ لهُم مَا رَضِيَ لِنَفسِه ، واصْطَفَاهُم فِيه [ تأمل ] ، فَبَدأ بِنَفسِهِ ثمّ ثنّى بِرَسُولِه ، ثمّ بِذِي القُربى فِي كلّ مَا كانَ مِنَ الفَي‏ء و الغَنيمَة و غَير ذلك ..[ تأمّل الرضا (ع) كيفَ جعلَ أصحابَ الخُمس من بني فاطمة والمودّة ، ومن حُرمَت عليهم الصدقَة كما سترى قريباً ، من أولي الأمر المأمورين بطاعتهِم ، ومن أصحاب آية الولاية ، فإذا عرفتَ هذا ، عرفتَ أنّ سادات بني الحسين من أئمّة الجعفريّة بريئون من تهمَة إلصاق الفاظ العترة والثقلين والتبعيّة بهم دونَ غيرهم من سادات بني فاطمة أبناء الحسن والحسين ، ولن أطيلَ بالتعليق على ما سياتي لثقتي بانّ الباحث الحاذق سينفتحُ امامه استنتاجات كثيرة ] ... و كَذَلِكَ فِي الطّاعَة ، قَالَ : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) ، فَبَدَأ بِنَفسِه ثمّ بِرَسُوله ، ثمّ بَأهلِ بَيتِه .كَذلكَ آية الولاية : (( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ )) ، فَجَعَل طَاعَتَهُم مَعَ طَاعَة الرّسول مَقرونةً بِطَاعَته ، كَذلكَ وَلايتُهم مَع ولايَة الرّسول مَقرونةً بِطَاعته ،كمَا جَعَل سَهمَهُم مَع سَهم الرّسول مَقروناً بِسَهمِه فِي الغَنيمَة و الفَي‏ء، فَتبارَك الله وتعَالى مَا أعظمَ نِعمَتَهُ عَلى أهلِ هَذَا البَيت . فَلمّا جَاءت قصّة الصّدَقَة نَزّهَ نَفسَهُ ، ورَسُولَهُ ، ونَزّهَ أهَلَ بَيتِه [ تأمّل ] ، فَقال : (( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِيالرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ )) ، فَهَل تَجدُ فِي شَي‏ء مِن ذَلك أنّه سمّى لِنَفسِه أو لِرسولِه أو لذي القُربى؟! ، لأنّهُ لمّا نَزّهَ نَفسَه عَن الصّدَقة ونزّه رَسولَه و نزّه أهلَ بَيتِه ، لا ! بَلْ حَرّمَ عَليهم، لأنّ الصَدقة محرّمَه على محمّد (ص) و آله ، وهِيَ أوسَاخ أيَدي النّاس ، لا يحلّ لهُم لأنّهُم طُهّرُوا مِن كلّ دَنَسٍ وَوسَخ [ تأمّل إشارة لاشتمال آية التّطهير على الآل ] ، فلمّا طهّرَهُم الله عزّ وجَل و اصْطَفَاهُم ، رَضيَ لهم مَا رَضِي لِنَفسِه و كرهَ لهم مَا كرِه لِنَفسِه عزّ وجَل فَهذِه الثّامنة .. إلخ كلامه (ع) )) . اهـ .

نعم ! فهذا أخي الباحث من الرضا (ع) اعترافٌ صريح بمُشاركَة سادات بني الحسن وبل وإخوة الأئمة وبني عمومتهم من أبناء الحسين ، لخصائص التفضيل والاصطفاء الإلهي، ودخولِ ساداتهم في معاني حديث الثقلين والسفينة والنجوم وغيرها ، ومنه لم ولن يبقى مجالٌ لتأويل خبر شيخ آل الرسول في زمانه عبدالله المحض (ع) حول التمسّك والأعلميّة والتعلّم ، إلاّ ما كُنّا قد أشرنا إليه سابقاً .

ورابعها : إن قيل : ولكنّهُ قد وردَ على لسان الإمام يحيى بن زيد (ع) إثبات أعلميّة بني عمومته عليهم ، وذلكَ عندما قال في سَند الصّحيفَة السجّاديّة : ((كُلُّنَا لَهُ عِلْمٌ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُلَّمَا نَعْلَمُ، وَلاَ نَعْلَمُ كُلَّمَا يَعْلَمُونَ )) ، وكذلك قولُ الإمام زيد بن علي (ع) : (( من أراد الجهاد فإلي ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي )) ، أليسَ في هذا إشارَة إلى مزيد اختصاص بالعلم ؟ .

قلنا : اعلم رحمكَ الله ، أنّ لسادات أهل البيت (ع) من بني الحسن والحسين ، علوماً يروونها عن آبائهم ، كلّهم عن أبي عن جده عن أمير المؤمنين ، ولكنّها في الحقيقية ليسَت بتلكَ الكثرة التي يرويها الباقر والصادق والكاظم والرضا ! ، أتدري اخي الباحث لماذا ؟ ، فإن كنتَ لا تدري أخبرتُك ، بأنّ لهؤلاء السّادة مُلازمَةٌ جمّة وكثيرة بآبائهم أكثر من سادات بني الحسن وبعض بني الحسين ، انظُر محمد الباقر كان تلميذَ والده وربيب حضنه وبيته ، لا يكادُ يُفارقه طرفَة عين حتّى أنّه قد كان يُقال : ما رأت عين الباقر الكوفَة قط!!، وهذا يدلّ على مُلازمة لبيت أبيه زين العابدين ، بل ومُلازمَة دائمَة ، على عكس حالِ ابن عمّه عبدالله المحض فإنّ والدَهُ الحسن بن الحسن كان مُطارداً إلى مات من قبل السلطات الأمويّة ، فهل يتوقّع القارئ أن يروي هذا عن آبائه مثل ما يروي ذاك ؟! ، ولكن انظُر زيد بن علي عندما لازمَ والدَهُ زين العابدين مُلازمة كبيرة ( وهي أقلّ من مُلازمة الباقر لزين العابدين بالتأكيد ) ، انظُر زيد بن علي كيفَ روى كمّا هائلاً عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين ، حتّى بلغت رواياته مُسنداً كاملاً ، سيدلّك هذا كلّه أنّ الأعلميّة جاءت لطائفة من أهل البيت دون غيرهم لشدّة المُلازَمَة من الأبناء للآباء ، ومثاله ، انظر الكمّ الروائي الهائل عن الصادق (ع) ، وانظر الروايات القليلة عن النفس الزكية عن آبائه تجدها قليلة ، فما السبب برأيك ؟ ، انظر الصادق يُلازمُ أبيه مُلازمَة شديدة ، على العكس من النفس الزكيّة فإّنه عاشَ أكثر زمانه غائباً مُختفياً مُطارداً من السلطات العباسيّة ، وكان طوال هذه المدّة بعيداً عن والده ، وكذلك الحال مع يحيى بن عبدالله المحض (ع) مع ابن عمّه موسى الكاظم ، أضِف إلى هذه العوامل أنّا لا ننفي خاصيّة التفاضل في العلم بين أبناء فاطمة ، فمثلاً كان محمد النفس الزكية أعلمُ من أخيه سليمان، وكذلك كان علي بن موسى الرضا أعلمُ من أخيه زيد ، ومحمد بن القاسم الرسي كان أعلمَ إخوته ، وهلمّ جرّا ، ولكنّا معشر الزيدية نُشدّد في جعل اختصاصِ طائفةٍ من بني فاطمة مخصوصونَ بالعلم دون غيرهِم ، فإنّا نرى الجميع (( ذريّةٌ بعضها من بعض )) .

نعم ! وأمّا بخصوص ما رُويَ عن يحيى بن زيد (ع) في مقدّمة الصحيفَة السجّادية ، فإنّ تأويلَهُ داخلٌ ضمنَ كلامنا السّابق ، وهو حقّ ، أنّ محمد الباقر والصادق أكثرُ اختصاصاً بالعلم لمُلازمتهم آبائهم أكثر من غيرهم من علماء آل الرّسول ، ويحيى بن زيد يتكلّم عن نفسه ، فهو فعلاً لم يُلازم والدَهُ تلكَ المُلازمة مُقارنةٍ بمُلازمة ابن عمه الصادق لأبيه الباقر ، كيفَ لا ويحيى بن زيد (ع) استُشهد وهو في النيّف والعشرين من العُمر !! . تنبيه : لا يُعمّم كلام يحيى بن زيد (ع) على جميع أهل البيت من سادات بني الحسن والحسين ، فإنّ الإمام زيد بن علي (ع) فاقَ أهل دهرهِ علماً وشجاعَة ، حتّى صارَ أعلَم وأفضل من جعفر الصادق (ع) ، فتجدهُ (ع) يقول لأصحابه وهُوَ مُمتطٍ فرسه ، ورايات الحرب تُرفرف على رأسه : (( سَلونِي، فَوالله مَا تَسألونِي عَن حَلالٍ وحَرام، ومحكَمٍ ومُتَشابَه، ونَاسِخٍ ومَنسوخٍ، وأمَثالٍ وقَصصٍ ، إلاّ أنبَأتكُم بِه، والله مَا وقَفتُ هَذا الموقفَ إلاّ وأنَا أعلمُ أهل بيتي بما تحتاجُ إليهِ هذهِ الأمّة )) (7) ، بلْ حتّى باقر علوم الأنبياء يشهد بأعلميّة على أهل زمانه ، فيقولُ لمَن وفدَ إليه : (( بايعوهُ فإنّه اليوم أفضَلُنا )) (8) ، ويقول الإمام زيد (ع) مُؤكّداً علمه ، ومُتكلّماً بفضل الله عليه ، (( والله لَقَد عَلِمتُ عِلمَ أبي عَلي بن الحسين، وعِلمَ عمّي الحسَن، وعلم جدّي الحسين عليهم السلام وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله وعَيبة عِلمِه، وإنّي لأعلَمُ أهل بيتي، والله مَا كَذَبتُ كذبة منذ عَرفتُ يَميني مِن شمَالي، ولا انتهَكتُ محرَمَاً مُنذُ عَرفتُ أنَّ الله يُؤاخِذُني، هَلمّوا فَسَلونِي )) (9) ، وكذلك محمد بن عبدالله النفس الزكيّة صلوات الله عليه فإنّ القاسم بن مسلّم أخبرَه أنّ بعض النّاس يُشكّك في علمه وفقهه ، فردّ عليه النفس الزكيّة قائلاً : (( يَا قَاسم بن مسلّم، مَا يَسُرّني أنّ الأمّة اجْتَمَعَتَ عَليّ فَكَانَت كَعلاقَة سَوطِي هَذَا، وأنّي سُئلتُ عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لَم آتِي بَالمخرج مِنه، يَا قَاسِم بن مسلّم ، إنّ أضلّ النّاس مَن ادّعَى أمرَ هَذهِ الأمّة ثمّ يُسأل عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لم يأتِ بِالمخرَج مِنه. )) (10) ، ومنه اعلمَ رحمكَ الله أن صفَة العلم في هؤلاء كما هي أولئك ، ولا يُحملُ قول الإمام زيد بن علي (ع) السّابق (( من أرادَ الجهاد فإليّ ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي )) ، على أعلميّة الصادق على زيد بن علي (ع) ، ولكن الإمام صلوات الله عليه يُشير إلى أن مكان التفقّه والتعلّم في حلقات الدّرس والتدريس ، وأنّ ما هُوَ فيه الآن مقام جهاد وأمر بمعروفٍ ونهي عن مُنكر ، فليسَ تفرّغ العالم و قائد الكتائب في ساحات الوغَى ، كتفرّغ العالمِ في المساجد ، فافهم ذلك رحمك الله . وبهذه الإشارَة نختم كلامنا هُنا ، وبها نُصلّي ونسلّم على سيّد الخلق أجمعين محمد بن عبدالله ، وعلى آله الغرّ المسامين سادات بني الحسن والحسين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين ، والتّابعين لهم بخيرٍ وإحسان إلى يوم الدّين .

===================================

(1) مجموع السيّد حميدان ، الأقوال العاصمة من الضلال .
(2) يروي صاحب البصائر بسنده ... ، سورة بن كليب عن أبي جعفر عليه السلام ، أنه قَال فِي هذِه الآية : (( ثم أورَثنَا الكِتاب الذين اصطَفينَا مِن عِبَادِنَا )) ، الآية ، قال : السّابق بِالخَيرات الإمام ، فَهي فِي وَلَد عَلي وَفَاطِمَة [ تأمّل ، وبني الحسن والحسين من أولاد علي وفاطمة ] عليهم السلام. )) [ بصائر الدرجات م1ب21ح3 ] ، وروى الكليني بسنده ، عن أحمد بن عمر قال: سَألتُ أبَا الحسن الرّضَا عليه السلام عَن قَول الله عزّ وجَل: (( ثمّ أورَثنَا الكِتاب الذينَ اصطَفَينَا مِن عِبادِنا )) الآية، قَال: فَقَال: ولَدُ فَاطِمَة [ تأمّل ، وولدُ فاطمَة هُم أبناء الحسن والحسين ] عَليهَا السلام ، والسّابقُ بالخيرات: الإمام، والمقتصد: العارف بالإمام، والظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام. )) [أصول الكافي باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (ع) ح3] .
(3) والآل لفظة تشمل بني الحسن والحسين ، وتأمّل كيف سيُدخلُ الرضا (ع) بني الحسن والحسين في كلامِهِ عن هؤلاء الآل ، وذلك في كلامه التالي ( راجع سياق النص ) .
(4) تأمّل ، أن الرسول (ص) يقول ، خُذيها لك ولولدك ، وتأمّل أنّ الرضا (ع) يُثبت خصوصيّة واصطفاء من الله بهذا الإعطاء ، وهُوَ يشمل فاطمة وأولادَها بلا شك ، وهُنا اسأل نفسَك أخي الباحث : أكانت فدكاً في التاريخ الإسلامي حكراً على أبناء الحسين فقط ، امّ انّها كانت في أيدي بني الحسن والحسين جميعاً ، فإذا وُفّقت لمعرفة الجواب ن فاعلم أنّ الاصطفاء والشرف والتفضيل شملَ هؤلاء كما شملَ هؤلاء .
(5) هنا تأمّل وأمعِن النّظر ، فهل سأل الرسول المودّة لبني الحسين فقط ، بل لتسعةٍ منهُم ، دون أبناء الحسن ، والتاريخ شاهدٌ فيما بيننا وبين المُجيب . ولا يفوتك أيضاً أن تنظر إلحاق صفة المودّة بالآل ، وتفسير الرضا (ع) الآل بالعترة في حديث الثقلين .
(6) وهنا أيضاً تأمّل أنّ لسادات بني الحسن والحسين حقّ في الخمس .
(7) رواه أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح
(8) رواه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ، كتاب معرفة الله عز وجلّ .
(9) رواه أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح
(10) رواه أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

ثامناً :

ما جاء على لسان الإمام الهادي (ع) ، ونُقِلَ من المجموعة الفاخرَة ، فحولَه مدار بَحث في صحّة نِسبَتخ وتوثيقهِ للإمام الهادي (ع) .

==========================

تاسعاً :

قالَ المُستبصِر :

وفي التحف للسيد مجد الدين المؤيدي ( إذا اجتمع إمامان في زمان واحد يقتل الثاني منهما ) . وقال : ( من دعا إلى نفسه أو إلى غيره وهناك إمام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) . وقال في موضع آخر : وفي التحف شرح الزلف قال: (إن الإمام واحد لقيام الأدلة عقلا ونقلا فأما العقل, فان قيام إمامين موجب للاضطراب والفساد..... وأمّا نقلا فلو لم يكن إلاّ الإجماع حول الإمام الواحد والخلاف في غيره)، وفي ص 78 أن الإمام الأطروش قام في زمن الإمام الهادي!!! ( أليس هذا تناقض ؟! ) .

قالت الزيدية :

مسألة قيامُ أكثرِ من إمامٍ في عصرٍ واحد ، قد أكثرَ فيها المُخالفُ الجِدال ، بل واستغلَّها أيّما استغلال في التمويه على الأغمار ، والله المُستعان . ونحنُ شارحونَ هذه المسألةَ قدر المُستطاع ، فنقول مُؤصّلين قولَ الزيدية فيها : أنّ في الإمامَة إكمالٌ لدور النبوّة ، معَ الفارق بينهما ، فالنّبي يُحيي سنّة الله تعالى ويُقيم الحدود ، ويَصرفُ الزّكوات ، ويُقيم الجُمعَ والجماعات والأعياد ، ممدوداً بوحي السماء . فإذا ماتَ الرّسول ، احتاجَت الأمّة إلى شخصٍ يُقيمُ لها حدودها ، ويُبصرّها حلالها وحرامها ، ويُحيي مَعالم سنّة الرّسول (ص) من الاندثار ، مُستمداً ذلكَ كلّه من كتاب الله ، وصحيحة سنّة الرسول (ص) .

ومنه ، فإنَّ الناس بحاجةٍ إلى مَن يُجدّد لهم معالمَ دينهم ، بأن يَبثّ فيهم روحَ التوحيد والسنّة ، فإن كانَ الزيدية في طُبرستان ، والزيدية في اليمن ، يَحمْلونَ نفسَ المُعتقَد ، ويدينون بإمامَة صَالحي بني فاطمة (ع) ، فخرجَ إمامٌ في اليمَن ودَعا إلى الله تعالى ، وإلى إقامة الحدود ، وقمعِ الفساد ، وبعدها بمدّة يسيرة قامَ إمامُ طُبرستان ، ودَعا إلى الله تعالى ، وإلى إقامة الحدود ، وقمعِ الفساد ، وكانَ الدّافعُ لهذا وذاك هُوَ دافعُ آبائهم ، من إحياء سنّة الرّسول ، واستنقاذ النّاس بهِم من الضّلال والبِدَع . وكانوا يَدعونَ إلى دينٍ واحد ، إلى العدل، والتوحيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى تفضيل أهل بيت رسول الله (ص) والقول بإمَامَتهِم ، كأن لَو كانوا إماماً واحداً .

قدَ يقول البعض ، إن قيامَ إمامَين في نفس الوقت ، سيجرّ خلافاً وخلافات ! وذلكَ أنّ آراء هؤلاء قد لا تتّفق ، هذا يجتهدُ ، وذاك يجتهد ، وبه يحصلُ الخلاف . قُلنا : اعلمُوا رحمكُم الله ، أنَّ هذا ليسَ لازماً في النّادر القليل ، وإن كانَ ممُكنًا في الغالب الكثير . ومن بعدِ عِلمِكُم اعلمُوا ، ثمّ أيقِنوا ، أنَّ إمام اليمن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين الحسني (ع) ، وإمام طبرستان الناصر الحسن بن علي الأطروش الحسيني (ع) ، قَد جسّدا نظريّة النادر القليل ، إذ اجتمعوا على أصلٍ واحد ، وعلى دَعوةٍ واحدَة ، وعلى مَذهبٍ واحد ، بل إن جماعةً من طُبرستان اتجّهت إلى القطر اليماني والتحقَت بالهادي (ع) ، وجاهدَت بين يديه ، بل وألّف أبو الحسين الطبري رحمه الله على شرط الهادي (ع) ، و في المُقابل ، كانَ الإمام الناصر الأطروش (ع) ، يُشيدُ بالهادي (ع) أيّما إشادة ، وكان يقول : مَن اقتربَ منه فليُناصرهُ ، ومَن اقتربَ منّي فليُناصرني . وما قال ذلك (ع) ، إلاَّ وهُوَ يعي الهَدف المُشترك الواحد الذي لأجله قامَت الدّعوتَين ، بل إنّ الناصر (ع) ، ضحكَ مستهزئاً عندما سمعَ بعضَ أصحَابه يقول : كان الهادي فقيهاً ! ، فردّ عليه (ع) ، قائلاً : كانَ والله من أئمّة الهدى ، بل إنّه لمّا بلغهُ وفاة الهادي (ع) ، قال باكياً مُنتحِباً : اليوم انهدَّ رُكن الإسلام . فرحمهما الله تعالى ، فقد جسّدا صورةً ناصعةَ البياض ، لعلماء آل الرّسول صلوات الله عليهم ، على بُعدِ الدّيار.

ونحنُ إنّما وضّحنا لكَ هذا ، لتعلَم أنَّ الله قد بعثَ نبيّاً وأنبياء في زمنٍ واحد ، فانظُر يحيى بن زكريا وعيسى بن مريم صلوات الله عليهما . بَعَثَهُما الله في زمنٍ واحد ، وفي أمكنةٍ مُتقاربَة ، وهُم المُؤيّدونَ بالعصمَة والوحي من الله تعالى ، والنّادر القليل فيهم متحقّق نعني استحالَة اختلافهم لعصمتهم ولوحي الله فيهم ، ونحنُ إنّما جوّزنا قيام إمامَين في وقتٍ واحد في أضيق الظروف ، لا في كلّها ، و إلاّ فالأصل المَنع ، وذلكَ كأن تكون الأقطار فيما بينهُما مُتباعدَةٌ جداً ، والفسادِ فيهما مُنتشر ، والفاطميّ الموثوق في عِلمِهِ وعَملهِ ورباطَة جأشهِ موجود في كلا المَكانين ، فهذا يَدعو إلى الإمامَة في مشارق الأرض ، وذاك يدعو إليها في مغاربها ، على أنَّ الناصر الأطروش (ع) في بداية دَعوته لَم يكن يعَلمُ أنّ الهادي (ع) قد أعلنَ دَعوته في اليمَن ، فأصبحَ لهذا شيعته ، ولذاك شيعته ، والدّعوةُ واحدة . على أنَّ المفضولَ منهما يجب أن يُسلّم للأفضل ، عندَ تقارب الأقطار والبلدان ، وهذا شرطُ الزيدية فيمَن هذا حاله ، فافهم ذلكَ موفّقاً . إذ لَو كانَت الزيدية مؤمنةٌ بقيام ، وتصحيح إمامة ، أكثر من إمامٍ في نفس الوقت على أيّ حال ، لقالَت بإمامَة مَن خرجَ مُجتهداً من العُلماء على الأئمّة (ع) في نماذج مُتفرّقة ، وقد ذكرَ المُستبصرُ منها نموذجاً مثّلَهُ في : المهدي أحمد بن يحيى المرتضى ، والمنصور علي بن صلاح ، وعلي بن المؤيد ، - وسيأتي الكلام عليهم قريباً - ، خرجوا في نفس الوقت ، بل وفي نفس المكان ، وكلّهم سادةٌ أفاضل ، عُلماء عاملين ، ولكنّ الزيدية لم تؤمن إلاّ بإمامٍ واحد منهُم .

وخلاصَة ما مَضى ، هي : أنّ الأصل إمامُ زمانٍ واحد ، يُستثَى منها ، أن يَدعو إمامَين من آل رسول الله (ص) ، في زمنٍ واحد ، في قطرين مُختلفين ، ولَم يعلَم كلٌّ منهما دَعوَة الآخر ، فإن عَلِمَا وتقاربَت أقطارُهم ، كانَت الإمامة للأفضل دونَ المفضول، وهذا أصلٌ لدى الزيدية ، وقد شرحَ إمامنا الهاروني يحيى بن الحسين الحسني (ع) هذا ، ومسألة قيام أكثر من إمام في كتابه الدّعامة ، بما لا مَزيد عليه .

وبقيَ الكلام على حديث : ((( إذا اجتمع إمامان في زمان واحد يقتل الثاني منهما )) . وحديث : (( من دعا إلى نفسه أو إلى غيره وهناك إمام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين )) ، فالقول فيهما : أنَّ هذا حقّ ، فلَو قامَ الإمام الموثوق به من علماء آل الرّسول ، ثمّ خالَفَهُ مُخالفٌ بأن قام يَدعو إلى نفسه ، في نفس قُطره ومكانه ، وليس بذي أهليّة للقيام ، لا عِلمَ ولا وَرَع ، ولكن حبّ سُلطَةٍ ورئاسة ، فإنَّ هذا ينطبقُ عليه الحديثين السّابقين . لمَا في هذا الفعِل من إثارةٍ للفتَن ، وشقٍّ لعصا الطّاعة على إمام الحق المُستأهل لهذه الإمامَة . ولا يُقال : قد تحقّق هذا أيضاً في النّاصر والهادي . لأنّا نقول : أنَّ الرسول (ص) كان يقول : ادرؤا الحدود بالشّبهات ما استطعتم ، فليسَ كلامُنا على مَن لا أهليّة لقيامه ، ولا اجتهاد فيه ، مثلُ كلامنا على مَن لَو لَم يدعُ الإمام الأوّل ، لكان بلا شكٍّ هُو الإمام ، فافهم هذا رعاك الله ، فمنزلةٌ الناصر (ع) منزلةٌ رفيعه ، ودَعوته جامعةٌ غيرُ مفرّقة ، مُحاربةٌ للفتن لا مُحييَةٌ لها ، بَل هيَ مُعينةٌ لدَعوَة إمام اليمَن ، معهَا لا علَيها ، إضافةً إلى عامل بعد الدّيار فيما بينهُما ، كما أشرنا سابقاً . وصلى الله وسلّم على محمد وآله الطيبين الطّاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

عاشراً :


قالَ المُستبصِر :

و في كتاب الزيدية والامامية وجهاً لوجه قال: ( إن الإمام عند الزيدية ليس معصوماً والإمامة لها شروط ومن اكتملت الشروط فيه وادعى الإمامة وقام إمام آخر لحربه استحق غضب الله تعالى ) .

أقول: الملفت للنظر أن صاحب هذا الكتاب نفسه يثبت الإمامة للسيد مجد الدين المؤيدي في حال أن السيد مجد الدين لا يدّعي الإمامة لنفسه ( هذا وقد ألّف السيد مجد الدين كتابا عدّدَ فيه أئمة الزيدية منذ نشأتها إلى عصرنا الحاضر ولم يذكر نفسه كإمام لعصره أصلاً ، ولا يمكن أن نقول أن عدم ذكره لنفسه كان من باب التواضع، لأنّه لا تواضع في أمر الإمامة ) ، ولم يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر ، بمعنى القيام والثورة، ولم تكتمل فيه الشروط عند الزيدية ، وقال من قام لحرب إمام آخر استحق غضب الله بينما ، قد أثبتنا في كتبهم قيام إمامين وحربهما مع بعضهما وكلهم أئمة مقدسون عند الزيدية ! ، نعم قد سألت مرة زوجة أحد الزيدية عن إمامة السيد مجد الدين فقالت لقد دعا إلى نفسه قبل الثورة في اليمن ولكني تبادر إلى ذهني أن قبل الثورة كان هناك أئمة زيدية هم آل حميد الدين وقد اعترف السيد مجد الدين بهم كأئمة في كتابه (التحف). فهل يصح أن يدعو إلى نفسه في حال وجود أئمة ، مع أنه ذكر في كتابه التحف أن يحيى حميد الدين وابنه احمد أئمة ؟ . ثم قال المُستبصر في موضع آخر ، ردّا على صاحب كتاب الإمامية والزيدية وجها لوجه# ، وذلك عندما سردَ حديث : (( اللهم بلى لا تخلو الارض من قائم لله بحجه )) ، وذكرَ أنّ الإمام مجد الدين (ع) ، مصداقيّة هذا الحديث في هذا الزمان ، فعلّق المُستبصِر قائلاً : (( ولي تعليق على قوله أن السيد مجد الدين (مع احترامي الشديد له ) من مصاديق ذلك يعني أنه حجة الله. فهل هو حُجّةٌ على أهل اليمن فقط ؟ أم على الزيدية فقط ؟ أم على الخلق كافة ؟ حيث وظاهرٌ من الروايات أن الإمام حجة على جميع الخلق فإذا كان ذلك ، فإنه يجب أن يَدعُوَ النّاس ويُخْبِرَهُم بأمْرِه ، ولكنّي مَا أظنُّ السيد مجد الدين يَدّعِي ذلك ، ولم يدّعه غَيره قَبله ، إلاَّ المَعصُومين فَقَط ، يَدّعُوا أنّهم حُجَجُ الله على جَمِيع الخلق ، فَهَل مِن مُتفكّر فِي مَعاني الرّوايات يا أولي الألباب ؟ )) .

قالت الزيدية :

هُنا معشر الجعفرية ، فتأمّلوا نقاش المُستبصر ، ففيه من الاحتجاجات عليكُم ما نُحاولُ جاهدين ، بل مُستميتين ، إيصالَ فكرتهِ إليكم ، فاستلهموها محفوفين بألطاف الرّحمن ، فنقول : أنَّ إمامة المولى العلامة السيد مجدالدين بن محمد بن منصور المؤيدي الهادوي الحسني (ع) ، ثابتةٌ لدى أهل اليمَن ، مُعترفونَ بها مُقرّون بها ، علماءً وقُضاةً ، وعواماً ، وليسَ أدلّ عليه إلاّ إقرار مَن نقلَ عنه المُستبصر ( أعني صاحب كتاب الإمامة والزيدية وجهاً لوجه ) ، وهذه الزوجة العاميّة التي نقلَت قولَها وقولَ أقاربها ،زوجها وغيره ، من خلال كلامها وإثبات إمامته عندها . على أنّا أيضاً و آلافٌ مؤلّفَة معَنا ممّن يُعرفون بسيماهم داخل القطر اليماني وخارجَه مؤتمّين بهذا العلَم الفاطمي ، وقد وَصلَت دَعوته الجامعة الغير مُفرّقة إليهِم ، ولا هُوَ (ع) يستنكُرَ مُخاطبتَهُ بالإمامة ، ، بل يسكتُ سكوتَ المُقرّ عليه ، بل إنّه يوجّه ويأمُر أوامرَ من وقفَ موقفَ الإمام بين شيعته ، وبعدَ هذا نقول : أولَيسَت إمامة أئمة أئمّة الجعفرية ثابتةٌ عندَكُم من غير إعلان الإمام إمامته أمام مَن جَهِلَهَا ؟! فنحنُ نقولُ ، أنَّ الإمام المؤيّدي (ع) ، ثبتَت دَعوته لأهل اليمَن ، وقيامُه حالَ الثوّرة - أي بعدَ وفاة الإمام أحمد حميد الدين - ، لا أنّه دعا في زمانه كما توهّم المُستبصر ، ثمّ انزَوتَ الدّنيا عنّا ، فآثرَ الإمامُ المؤيدي (ع) ، جهاد العِلم على جهاد الثورَة والسيّف ، لعدم توفّر الأنصار ، فإن كانَ السّابقون من الأئمة (ع) يخرجون بالعدد القليل ، والسيف والخيول ، فإنّ العدد الكثير اليوم ، لا يستطيعُ الصمود أمام الصواريخ ، والطائرات ، والمُدرّعات ، فافهَم هذا وفّقَك الله ، فآثر إمامنا (ع) ، وهُوَ المغمورة دَعوته ، الغير مشهور كحال سابقيه ، الدّعوة والجهاد بالعِلم . فهذا من خبر إثبات إمامته (ع) .

ثمّ اعترض المُستبصر على الإمام المؤيدي (ع) ، بأن كيفَ نجعلهُ حجّة الله في الأرض ، وتعلَّلَ بأنّه يجب لكي يكونَ كذلك ، أنْ يَدعُوَ الخلق ، ويُخبِرَهُم بأمرِه ، فهلاّ أيها المُستبصر الحصيف أخبرتَنا عمّا عجِزنا أن نُفهمَك ونُفهِمَ أصحابَك إياه ، عَن كيفَ قُلتُم بإمامَة وحجيّة أئمتكم الجعفريّة على النّاس أجمعين ، وهُم لَم يَدعوا النّاس ، ولَم يُخبروهُم بأمرهِم ، انظُر الإمام الصادق (ع) ، هل أخبرَ النّاس بإمامته ، أخبرَهُم بأمر إمامته ، أقلّها على مَن جهلَ ذلك من النّاس ، أو حتّى حجّة الله علينا اليوم ، المهدي الجعفري ، هلاّ أخبرنَا عن أمر إمامته ، ودعانا إليها ، أليسَ بهذا تستوجبُ له علينا الحجّة عندَ الله !! . فإن قيلَ : فأنتم توافقون بهذا الكلام على من حيث المبدأ ، على عدم صحّة دعوَة السيد المؤيدي ، حيثُ أنّهُ لَم يدعُ النّاس ، ولَم يُبلِ فيهِم جهداً ، ممّن هُوَ خارجَ اليمن ؟ قلنا : ليسَ هذا كذلك ، أوَكنتُم معشر الجعفرية تقولونَ أنّ رسول الله (ص) ، لَيسَ حجّةَ الله على جميع البشريّة ، لأّنه وفي عهده بقيَ أناسٌ ممّن هم بعيدون عن المدينة ومكّة ، لم تصلهُم دَعوته ؟! ، إن قُلتم : نعم ، ليسَ هُوَ حجّة . قُلنا : خالفتُم إجماع الأمّة ، وردّهُ إنصفاكُم عليكُم . وإن قُلتُم : بلى هُوَ حجّةٌ على البشريَة ، فإنّه قد أبلى بلاءً قدر استطاعته في نشر رسالة الرّب عزّ وجل ، يُحاكي كُبراء قريش ويعظُهُم ، ويُراسل قياصرة الرّوم ، وأكاسرَة الفرس ، ويَبعث على أهل اليمَن ، ويُجاهد المُشركين ، ويُعاهدُ أهل الذمّة ن ويأخذ الجزية منهم ، ويعلّم أصحابه أصول دينهم وفروعه ورقائقه . فهذا حجّة منه إلى مَن وصلتهُم دعوتهُ المُباشرَة حالَ حياته ، وبعدَ موته فإنَّ الله تكفّل ببقاء هذه الدّعوة ما بقيَ التكليف ، فعلى مَن وصلته هذه الدّعوة أن يؤمنَ بها ، ويؤمنَ بحجيّة من أتى بها عليه . فعندها سنقولُ للمُستبصر وإخوته : وكذلكَ هُوَ عندنا الحجّة المؤيدي (ع) ، فإنّه سعَى قدرَ المُستطاعَ، لإيصالِ دَعوة أهل البيت ، ودينَهُم إلى أمة محمد (ص) ، بدءاً بالأقربين ، فالأقربين ، حتّى طالَت جهودهُ في تثبيت قواعد علوم الآل عوام اليمَن قبلَ عُلماءهم ، جمعَ وألّف ونشر دعوته من خلال كُتُبه ، وقال مُخاطباً جميع البشريّة : (( قَسَمَاً بالله العليّ الكبير، قَسَمَاً يَعلَمُ صِدقَه العَليم الخبير ، أنْ لا غَرَضَ ولا هَوى لَنَا غَير النزولِ عِندَ حُكمِ الله، والوقُوف على مُقتضَى أمْره، وأنّا لَو عَلِمنَا الحقّ فِي جَانِبِ أقْصَى الخَلق مِن عَرَبِيٍّ أو عَجَمِيٍّ أو قُرَشِيّ أو حَبَشِيّ لَقَبِلْنَاهُ مِنه، وتَقَبّلنَاه عَنه، ولما أنِفْنَا مِن اتّبَاعه، ولَكُنَّا مِن أعْوانِه عَليه وأتْبَاعِه، فَلْيَقُل النّاظِر مَا شَاء ، ولا يُراقِب إلا ربّه، ولا يَخشَى إلا ذَنْبَه، فَالحَكَمُ الله ، والمَوعِدُ القِيامَة، وإلى الله ترجع الأمور. ))[1]، هذا وقد صحّ عنه (ع) : أنَّ دَعوتَهُ لمَن ائتمَّ به في العِلم والدّعوة والإرشاد ، حتّى صارَ علماً يُذكَر ، عرفَهُ المُستبصرُ ، بل وأكنَّ له التقدير والاحترام كما صرّح بذلك ، فَهل في هذا إخلال ، ويلُك؟! . هذا واعلَم أنّه ليسَ من الواجب أن تبلُغَ أصداء الدّعوة بُلداناً وبُلدان ، ليسَ في استطاعة الدّاعي الوصول بدعوته إليها ، وقد نقلنا كلام الإمام المنصور بالله (ع) ، عندما قال : (( ولا فَرضٌ عَلى القَائمِ أنْ يَقهَرَ الخلقَ، وأنْ يَملِكَ الأرضَ، وإنّمَا فَرضُهُ إبلاءُ العُذرِ فِي إعزَاز دِينِ اللَّه، والجهادِ فِي سبيلِ اللَّه، قَال اللَّه تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾، و﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ ، فَقَد يُعبَدُ اللَّه تعالى بِبَذلِ الجُهدِ واستفرَاغِ الوُسْع فِي إعْزَازِ دِينِ اللَّه ، وصَلاحِ أمُورِ المُسلمين )) ، فإن قال الجعفريّة : وكذلكَ كانَ أئمّتنا ، يُبلونَ الجهدَ في إقامَة الحجّة علي البشرية ، وبهذا استحقوا ما وصفَهُم الله به من الحجيّة ، فمَا تنقُمونَ علينا إذاً ؟ قُلنا : ليسَت دَعوتُكم ، لا كدعوَة رسول الله (ص) في الجلاء ، ولا كدعوة أئمة أهل البيت من الزيدية في الجلاء ، بل وليسَت كدعوة الإمام المؤيدي في الجلاء أيضاً ؟ فدعَوة أئمتّكم على أصولكم ( لا على أصولنا ) لَم تَطُل أهل المدينة فضلاً عن أهل مكّة والعراق ، بَل لَم تطُل أبناء عمومتهم ، بل ويلكم لَم تطَل أبناءهُم الذين هُم من أصلابهم ، فأينَ وجهُ الشّبه ، بينها وبين دعوة الرّسول التي صدعَ بها على رؤوس الكفرَة المُشركين ، وعلى رؤوس الملوك والرؤساء ، الفُرس والرّوم ومصر واليمن وغيرها ، أينَ هيَ من دَعوة أئمة الزيدية الظاهرَة غير الخافيَة ، بَل إنَّ دعوةالحجّة المؤيدي التي لا زال يتشكّك المُستبصرُ في مِقدار حجّيتها ، أهي على أهل اليمن فقط ، أم على البشر جميعاً ، هيَ أبلغُ وأنفَعُ للنّاس من دعوة إمامكم في هذا الزّمان ، محمد بن الحسن العسكري الغائب ، ألا ترى أنّ هناكَ أناساً من أهل اليمن وغير أهل اليمن ، يستفيدونَ من مؤلّفات ومصنّفات هذا الإمام ، بل قُلْ يَدرسونَ على يديه ويتتلمذونَ له ، وفي النقيض لا صدى لدعوةِ إمام زمانكم لا في قرية صغيرةٍ ولا في دولةٍ كبيرة ، حتّى في إيران معقل الجعفرية ، أتباعه وأشياعه ، لا صدى لها ، والله المُستعان ، فمَن كانَ لهُ بيتاً من زجاج ، فلا يرمي النّاس بالحجارة ، على أنَّ دعَوة إمامكم المعصوم لَو وُجِدَت لما اكتفَينا بنظائر دعوات أئمة الزيدية منها ، ولما اكتَفينا منها بمثل دعوة الحجّة المؤيدي (ع) ، لأنّكم صَبغتُموا إمامتهم بهالةٍ من القدسية عظيمة !! غلَوتُم فيها حتّى جعلتموهم أفضل من الأنبياء ، فإن دَعواتهم يجب ألاَّ تقلّ عن دَعوات الرّسل في المكانَة والأهميّة ، بل يجب أن تكونَ أكبرَ منها أصداءً ، لتفضيلكُم إياهُم عليهِم ، فكيفَ ، ويلَكُم ، ونحنُ لَم نرَ منهُم لا دعوَةَ إمامٍ زيديّ ، ولا دَعوةَ رسولٍ مُنتجَب ، في المكانة .

وكيفَ للمستبصر المُتجرّد ، الباحث عن الحقيقة ، أن يقولَ أنّه لَم يدّع الحجيّة على العالمَين ، إلاَّ المعصومين ، فإن أراد ، أنّ روايات الجعفريّة أتت بذلك ، قُلنا فهل تترجمُها لنا رحمك الله على أرض الواقع . قديماً وحديثاً ، فعل من إمامٍ لك اليوم تَعرضُ عليه كتابنا هذا ، ليردَّ علينا ، ويُنبّهنا عن غفلَتنا ، أغفلَ الله قلبَ أعداء الدّين .

====================

[1] التحف شرح الزلف ، خاتمة
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الحادي عشر :

الشبهة العشرون :

روى الإمام المنصور بالله (ع) في الشافي ، أنّ رسول الله (ص) قال : (( مَن سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل جنّة عدنٍ التي غرسها ربي بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، وأوصياءه فهم الأئمّة من بعدي ، أعطاهم الله علمي وفهمي ، وهم عترتي من لحمي ودمي ، إلى الله أشكو من ظالمهم من أمتي ، والله لتقتلنّهم أمتي ، لا أنالهم الله عز وجل شفاعتي )) ، ما رأيكم في هذا الحديث ؟ ومَن هُم أوصياء علي بن أبي طالب (ع) في السياق ؟ وهل رُزِق هؤلاء الأوصياء علم الرّسول (ص) وفهمه ؟ وهل قتلتهُم الأمّة ، بمعنى هل ماتوا جميعاً مقتولين ؟ ولفظة اليد في حق الله سبحانه وتعالى ، في الحديث ، ما تأويلها ؟ .

الرد :

أجاب عن هذا الأثر المروي عن رسول الله (ص) ، السيد العلامة المجتهد عبدالرحمن شايم المؤيدي أسعده الله ، وقيّدنا جوابه بآثار دالّة سننبه عنها ، فقال (ع) ما نصّه :

(( هذا الحديث روي في الشافي وخرّجه محمد بن سليمان في المناقب وغيرهما ، وهُو يُفيد فضيلةً لأمير المؤمنين صلوات الله عليه ، ولأولاده الأئمّة الهُداة ، وليسَ فيه دلالة على ما تذهبُ إليه الإمامية ، بل المُراد أنَّ أهل البيت : مَن سارَ بسيرَة أمير المؤمنين وسيرة ولديه الطاهرَين ، هُم خُلفاء الله وخُلفاء رسوله في الأض ، كما روى الهادي يحيى بن الحسين صلوات الله عليه حديث (( مَن أمرَ بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله )) ، ولا تُفيدُ الوصاية الجعفرية ، بل تفيد إقامة أحكام الشرع الشريف ، وإحياء السنة الشريفة ، وحياطة الأحكام ، وحفظ دين الإسلام من أن يُضام .

وأمّا أوصياء علي بن أبي طالب (ع) ، فهُم أولادهُ مثل الحسن والحسين ، ولا شكّ أنّهما أوصياءهُ حقيقة ، ومَن خلفهما من ذريتهما وله في العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكانة ، فلا شك أنّه داخلٌ في الوصاية ، كيف وقد قال (ص) : (( العلماء ورثة الأنبياء )) ، ولا شكّ أنّ الوصيّ هُوَ مَن يقوم في تركة المُوصي بما يجب من الإصلاح ، والتنمية ، والحفظ ، وكذلك أئمة الهدى من آل محمد هم الأوصياء والخلفاء بما قاموا به من حفظ شريعة جدهم باللسان وبالسنان ، فهؤلاء أوصياء مجازاً ، والوجه ظاهر ، كما في الحديث : (( العلماء ورثة الأنبياء )) ، لأنّهم وَرثوا الهدي النبوي وبلّغوه إلى غيرهم وكذلك هلمّ جرَّا إلى آخر الزّمان . ))

قلت : وخلاصة كلام السيد أيده الله ، أنّ الأوصياء في الأثر النبوي الشريف ، لفظةٌ تُطلق على الأئمة من الذريّة المستحقين لدرجة الإمامة العظمى ، لا أنّ لفظة الأوصياء تدلّ على أوصياء بأعيانهِم وأسماءهم ، كما هو مشرب الإمامية ، ولنا في هذا من طريق الإمامية ما يُقنعُ إنصافهم ، وأنّ المقصود بالأوصياء هم الذرية ، فقد روى صاحب بصائر الدرجات محمد بن الحسن الصفار (ت290 هـ ) بسنده إلى رسول الله (ص) أنّه قال : (( مَنْ أرادَ أنْ يَحيا حَياتى ، ويَموت مماتي ، ويَدخل الجنّة التي وعدني ربى ، وهو قضيب من قضبانه غرسه بيده وهى جنة الخلد، فليتول علياً وذريته من بعده فإنّهم لَن يخرجوهُ من بَاب هدىً ، ولن يُدخلوه في باب ضَلال )) ، وهذا الأثر الجعفري على مذهب الزيدية يستقيم ، و على ما أوردته سابقاً دليل قوي . وهُنا نعود لكلام العلامة عبدالرحمن شايم ، فقال أسعده الله :

(( وأمّا ما يخصّ فهم الأوصياء وعلمهُم لعلم رسول الله (ص) ، فنقول صحيحٌ أنّ العُلماء ورثَة الأنبياء ، قد وَرثوا فهَم علم القرآن ، وعلم السنّة ، وهي الشريعة الظاهرة ، وهي المرادة بقوله (ص) : (( أعطاهُم الله علمي وفهمي )) ، فأمّا علوم الغيب التي أطلعَ الله عليها نبيه (ص) ، فهي أمرٌ لا يتعلّق بها تكليفٌ في الدنيا ، فليسَت مُرادة في الحديث ، وقد أعُطي أمير المؤمنين صلوات الله عليه من العلوم التي أسرّها إليه النبي (ص) كثيراً ، ولسنا مُكلّفين إلاّ بالعلم الظاهر ، الذي تتعلّق به الأعمال والاعتقادات ، ولم يُبعث (ص) إلاَّ لتبيلغ الشرع الذي يتعلّق به التكليف ، وسائر العلوم الغيبية هي إما لتقرير معجزاته ، وإخباره بالمغيبات ، أو ما يتعلّق ببعض الأشخاص ، كتعليمه (ص) لحذيفة بن اليمان أسرار وعلم المنافقين. )) .

قلت : وخلاصة كلام العلامّة عبدالرحمن شايم حفظه الله وأبقاه ، أنّه لا يُشترط في أوصياء الرسول (ص) ، سادات بني الحسن والحسين ، ذريّة المرتضى والبتول ، أن يكونوا مُحيطين بجميع علوم رسول الله (ص) المُستقبليّة الغيبيّة ، والمكنونَة الغابيَة عن مداركنا ، لأنّ هذه العلوم ليسَ يحتاجها المُكلّفون ، وإنّما المقصود بفَهِم الرّسول (ص) وعِلمِه ، هُو العِلمُ بما تحتاجُ إليه الأمّة ، من علوم الكتاب ، تفسيراً وتأويلاً ، وناسخاً ومنسوخاً ، وفرائضاً وأحكاماً ومعاملاتٍ ، .. إلخ ، فمَن صقّع في هذه العلوم من بني الحسن والحسين ولم يمتَز عن مشارب آبائه باتّباع غير إجماعاتهم وتقريراتهم ، فهوَ الإمام الذي يُمثّل رسول الله (ص) . نعم ! وليسَ ما ذهَبَت إليه الإماميّة في تأويلها للعلم والفهم المحمّدي ، وأنّ ذلك يُلزِمُ أن يكونَ الإمام مُحيطاً بعلوم الرّسول الغيبية والمستقبليّة والمكنونَة ، وليسَ هذا مِن ذاك ، ولنا على كلامنا شاهدٌ تَقرُّ به عينُ الإنصاف ، فقد روى مُحدّث الجعفريّة وثِقَتهُم محمد بن يعقوب الكليني (ت329هـ) في الجامع الكافي العلوم الضروريّة التي يحتاجها المُكلّفون ، فروى بسنده إلى أبي الحسن موسى عليه السلام قال : دَخَلَ رَسُول الله صلّى الله عليه وآله المسجِد ، فَإذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أطَافُوا بِرَجُل ، فَقَالَ: ((مَا هَذَا؟)) . فَقِيلَ: عَلاّمَة! فَقَال: ((ومَا العَلاّمَة؟)) . فَقَالُوا لَه: أعْلَمُ النّاسِ بِأنْسَابِ العَرَبِ وَوَقَائِعِهَا، وأيّامِ الجَاهِلِيّة، والأشْعَارِ العَرَبيّة، قَال: فَقَالَ النّبي صلّى الله عليه وآله: ((ذَاكَ عِلْمٌ لا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهْ (تأمّلولا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَه )) ، ثمّ قَال النبي صلى الله عليه وآله: ((إنّمَا العِلمُ ثَلاثَة: آيَةٌ مُحكَمَةٌ، أو فَرِيضَةٌ عَادِلَة، أو سُنّةٌ قَائمَة، ومَا خَلاهُنّ فَهُوَ فَضْلٌ)) . أقول : ولا شكّ أنّ أمور الأمّة تستقيم بيدِ الإمام العادل وإن غابَت عنه العلوم الغيبيّة المستقبليّة ، وليسَ يضرّه ولا يضرّ الأمّة شيء بغيابها عنهُم ، ولا يضرّه ولا يضرّ الأمّة أن يكونوا جاهلينَ بتقاسيم الكون الدقيقة ، أو جهلهِم بمنطق الحيوانات وكلامهم ، أو عدمِ إلمامهِم بجميع لغات بني الإنسان على وجه الأرض ، فكلّ هذه الأمور أمورٌ زائدةٌ على العلوم الضروريّة التي تحتاجها الأمّة ، ويحتاجها الإمام لتعليم الأمّة ، والله المستعان ، ولو تأمّلنا أنبياء الله لوجدنا أنّ بعضهُم يخلو من هذه العلوم التي هي أفضالٌ من الله يُعطيها مَن يشاء ويمنعها عمّن يشاء ، فإن أعطاها الله النبيّ الفلاني فليسَ هذا يعني أنّ ذلك النبي الذي لم تكن عندَه ناقصٌ في نبوّته ، أو أنّه ليسَ بنبيّ . هذا مع اتّفاق أهل ملّة الإسلام أنّ الجميع من الأنبياء صلوات الله عليهم ما فَقَدُوا العلوم الضروريّة التي تهمّ المُكلّفين من أُمَمِهِم ، بعكس فقد بعضهِم لتلك العلوم الزائدة على الضرورة ، فافهَم ذلك ، ونُعضّد ما سبقَ من طريق الجعفريّة بما يشهدُ لكلامنا بالصحّة مَا رواه الكليني في الجامع الكافي : عن عبدالله بن حماد، عن بريد بن معاوية، عن أحدهما عليهما السلام [ هكذا كُتبَت ] فِي قَولِ الله عزَ وجَل: (وَمَا يَعْلَمُ تَأويله إلا الله والرّاسِخونَ فِي العِلم) ، ((فَرَسُولُ الله صلّى الله عليه وآله أفْضَلُ الرّاسِخِينَ فِي العِلم، قَدْ عَلّمَهُ الله عزّ وَجلّ جِمِيع مَا أنزِلَ عَليه مِنَ التنزِيل والتّأوِيل، ومَا كَانَ الله لِيُنَزّلَ عَليهِ شَيئَاً لَمْ يُعَلِّمْهُ تَأويلَه، وأوصِيَاؤه مِن بَعدِهِ يَعَلمُونَهُ كُلّه، والذينَ لا يَعْلَمُونَ تَأويلَه ، إذَا قَال العَالِمُ فِيهِم بِعلمٍ، فَأجَابَهُم الله بقوله : (يَقُولُونَ آمنّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رِبّنا) ، والقُرآنُ خَاصّ ، وعَامٌّ ، ومُحْكَمٌ ، ومُتَشَابَه، ونَاسِخٌ، ومَنْسُوخٌ، فَالرّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَعْلَمُونَه )) ، اهـ . أقول : وليسَ هذا إلاّ ما نقول به في صفَة الإمام الزيدي . وهُنا نعود لكلام العلامة عبدالرحمن شايم ، فقال أسعده الله :

(( وأماّ ما يخصّ قتلَ الأوصياء على أيدي الأمة ، فنقول أن ذلك لا يلزم قتل عموم أهل البيت بل يصدق على قتل من قُتل من أئمتهم وأفَاضِلِهِم وقَد قُتل تحت رماح أعداء الله من أئمّتهِم الكَثير الطّيب كأمثال الحسين وزيد ومحمد بن عبدالله وإبراهيم بن عبدالله وغيرهم كثير ، وكثير ممّا به يصدق الحديث النبوي ، ولله القائل :

وليسَ حيٌّ من الأحياء نعلمُه ****** من ذي يمانٍ ومن بكرٍ ومن مضر
إلاَّ وهم شركاء في دمائهم ****** كما تشارك أنسار على جزر

أو كما قال المنصور بالله (ع) :

لقد مال الأنام معاً علينا ******** كأن خُروجَنا مِن خَلفِ ردم )) .

قلت : وزيادةً في البيان نُضيف : أنّه وإن كانَ لفظُ الحديث يُفيد القتل لهؤلاء الأوصياء الذي هُم أفاضل الذرية الحسنية والحسينية ، فإنّه عمومٌ يَدخلُ فيه خصوص ، فإنّ من سادات أهل البيت (ع) مَن قَتلتَهُ الأمّة كمَا ذَكََر سيدي العلامة عبد الرحمن شايم أسعده الله ، لا أنّ جميَع أبرار الذريّة الحسنيّة والحسينية بموجبِ هذا الحديث يجب أن يكونوا في ميتاتهم مَقتولين على مذهب الزيدية ، فهذا وجهٌ لا يُحتمَل ، وبمعنى آخر : أنّ هذا الحديث يُفيدُ انّه سيكون مِنْ أهل البيت (ع) مُن يُقتلونَ تحت أسنّة هذه الأمّة ، لا أنّهم كلّهم يُقتلَون . ودليلٌ عليه أنّا نسأل الجعفريةّ على فرض تسليم صحّة تأويلهم للحديث ، ما موقع المهدي محمد بن الحسن العسكري هُنا ؟ هل سيُقتَل ؟! . ثمّ نسألهُم عن قول الرسول (ص) : (( .. إنّا أهلَ بَيتٍ اختَارَ الله لنَا الآخِرَة عَلى الدّنيا ، وإنّ أهلَ بَيتِي سَيَلقونَ بَعْدِي تَطرِيداً و تَشرِيداً .. الحديث )) ، نسألُ عن أئمة الجعفرية هل تحقّقت فيهم صفَة التطريدِ والتشريد ؟ ، هل عاش الباقر مثلاً مُشرّداً عن أهله ووطنه وأصحابه وأحبّائه؟ أم هَل طُورِدَ الصادق (ع) في الفيافي والقِفار ، فلجأ إلى بلاد الحبشة واليمن والجيلم والديلم ، خوفاً من أئمة الجور والظّلم ؟ أم هَل خافَ الجواد وهربَ في البلدان ، وعيون الجواسيس تُلاحقهُ ، وكلّما وَصَلَتهُ هربَ منها ؟! . فإن قالوا : صحيحُ أنّ أئمتنا الأحد عشر لم يُلاقوا هذا التطريد والتشريد من الأمّة ، ولكن هذا الحديث عامٌ في أهل البيت الإثني عشر ، وخاصّ في الإمام المهدي ابن الحسن العسكري ، فهو الخائف ، المُشرَّد ، المُطارد! . قُلنا : فما وجهُ اعتراضكم علينا إذاً ، وذلك عندما قُلنا أنّ ذاك حديثٌ يُفيد أنّه سيكون جماعة من أهل البيت تُقتَل ، وأنّه عموم يَدخُلُ تحتَهُ خصوص . [ فائدة ] : ثمّ إنّا لا نُسلّم لكم أنّ حديث التشريد والتطريد ينطبق على أئمتّكم ، فكلام الرّسول (ص) يدلّ على أنّ هناك جماعَة من أهل بيته ستُشرّدُ وتُطارَد ، ولا يَدلّ على أنّه سيكون منهُم فرداً واحداً مُطارَداً ومُشرّداً ؟! ، وهذا تحقّق على شرط الزيدية ولم يتحقّق على شرط الجعفريّة ، وفائدَةٌ أخرى أنّا لا نُسلّم أنّ المهدي الجعفري هُوَ مُشرّدٌ وخائفٌ في غيبتهِ هذه، فالمعلوم لنا وللأمّة جمعاً أنّه لَم يحصُل له مُوجبات الخوف حتى يَتشرّد ، ولم يَحصُل له أيضاً موجبات التطريد حتّى يُطارَد ، وهُو أنّا لا نعلمُ أحداً طاردَهُ ولا تَهدّدَهُ ولا توعّدَهُ ، بل لا نَعلمُ أنّه ضايقَ إمامَ جورٍ حتّى يُلاحِقَه ، ولا ضايقَ طائفَةُ من المسلمين أو حتّى من الكفّار حتى تَنقُمَ عليه !! ، ألا تَرى أنّ محمد بن عبدالله النفس الزكية استحقّ صفَة التّشريد والتطريد ، لمّا أخافَ السّلطان العباسي ، فعملَ الأخير على مُلاحقته ومُطاردته حتّى يُمسكَ به ، وكذلك الحال مع الإمام صاحب الدّيلم يحيى بن عبدالله المحض (ع) فإنّه عاشَ مُطرّداً مُشرّداً حتّى التجأ إلى التّرك والعجم !! ، كلّ هذا خوفاً من هارون العبّاسي، فهؤلاء وأمثالهم من سادات أهل البيت (ع) هُم مَن يستحقّون صفَة التطريد والتشريد ، إضافةً إلى صفَة القَتل في الحديث الأوّل ، فإنّ الأمّة إضافةً إلى تشريد وتطريدهِم قتَلتهُم ، فهذا زيد بن علي المقتول بأرض الكوفة ، بل قُل المصلوب ، بل قُل المحروق جثمانه الطّاهر المنسوف في اليّم ، وكذا النفس الزكية الطاهرة النقيّة التي سالَ دمها إلى أحجار الزيت ، أعني محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ، وناهيكَ عن قتيلٍ بأرض فخّ ، قتيلُ أرضٍ صلّى على ثراها إمامنا الصادق صلوات الله عليه ، وأخبرَ عن الحسين الفخي وعن مصرعه عليها ، فهؤلاء بحقّ هُم من تنطبقُ عليهم مصاديق الحديثين السّابقين ، فأمّا مهدي الجعفريّة فإنّه خائفٌ بلا مُخوِّف! ، ولا مُطَارَدٌ بلا مُطارِدْ. والله المُستعان . وهُنا نعود لكلام العلامة عبدالرحمن شايم ، فقال أسعده الله :

(( وأما ما يخصّ ذِكر اليد في الحديث فهي عندنا بمعنى القوة و القدرة ، قال الشاعر :

إذا ما رايةٌ رُفعَت لمجدٍ ******* تلقّاها عُرابةُ باليمين

وكما قال الغنوي :

فإذا رأيتَ المرء يشعبُ أمره **** شعب العصا ويلج في العصيان
فاعمِد لما يعلُو فما لك بالذي *** لا تستطيع من الأمور يدان )) .

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الثّاني عشر :

الشبهة التاسعة عشر :

وضّحوا لنا معشر الزيدية عقيدتكم في العصمة ، وما هي أبرز الفروقات بينها وبين العصمة الجعفرية ؟

الرد :

بسم الله الرحمن الرحيم

العِصمَة عِند الزّيديّة والجَعفَريّة

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، النّبي الأمين المعصوم من كبائر الظّنون والذنوب ، وعلى آله الطيبين الطّاهرين ، المعصومُ أصحابُ كساءهِم ، والمعصومَةُ جَمَاعُة ذريّتهِم ، ورضوَانه على الصحابَة الرّاشدين المتّقين، والتّابعين لهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدّين .

وبعد :

موضوع العِصمَة ، موضوعٌ شغلَ طائفةً من الباحِثين ، بل حتّى والمُقلّدين من العامّة ، وهُوَ الموضوع الوَعرُ في مسالِكِه ، المُنمّقُ في حُجَجِ أصحابِه ، وهذا بحثٌ يُسهم بإذن الله تعالى في بيان العصمَة من منظورٍ قد يكون غائباً عن بعضنا ، وقد خصصّنا الكلام فيه على فرقتين من الشيعة ، وهما الزيدية والجعفرية ، وإنّما خصَصْنا الجعفرية بكلامنا هُنا لأنّها هي الطائفَة التي حقّقَت في هذا تحقيقاً كثيراً ، وغلَت فيه غلوّاً ظاهراً، وفي المُقابل عَرضْنا رأياً آخرَ لجماعَة أهل البيت (ع) من سادات بني الحسن والحسين الزيدية ، لأنّ الجعفرية استعرضوا رأي أفراد أهل البيت الإثني عشر وفقط ، ولسنا نتكلّم في هذا كلّه عند هؤلاء وهؤلاء إلاّ بُغيَة الوصول إلى القول الحق في موضوع العِصمَة بإذن الله تعالى ، فكان للبحث ثلاثة فصول ، الفصل الأول : في بيان عقيدة الزيدية في العصمة. والفصل الثاني : في بيان عقيدة الجعفرية في العصمة . والفصل الثالث : في استعراض شُبَه يُثيرها الجعفرية على نظرية العصمة الزيدية .

[ الفَصل الأوّل : بيان عقيدة الزيدية في العصمَة ]

وكلامنا في العصمة عند الزيدية ينقسم إلى أربعة أوجهٍ ، منها :

الوجه الأول : أن تعلمَ أنّ الزيدية في مسألة العِصمَة على عَقِيدَتين وكلّها مَتينة (بالدليل): أوّلها : عِصمَة الأفراد . وثانيها : عِصمَة الجماعَة . فأمّا عِصمَة الأفراد ، فإنّها لا تكونَ إلاّ فيمَن ثبتَ النّص عليه ، وتواترَت القرائنُ من الكتاب والسنّة حَوله ، وقد ثبتَ النّص على عليٍّ (ع) وعلى الحسنين (ع) ، بَل و أثبتَ الكتاب والسنّة عصمَتَهُ وعِصمَتَهُمَا سَلام الله عليهم أجمعين ، وذلك في آية التطهير ، وهذا الكلام فيما يخصّ الأئمّة الثلاثة ، و إلاّ فالكلام عامٌّ في أصحاب الكساء الخمسَة ، ولكنّ المقام هُنا مَقامُ الكلام على عصمّة الأئمّة منهم . قال الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين (ع) ، فيما سَمِعَه عنه إسماعيل بن إسحاق ، أنّه سُئِلَ : (( عَن رَجُلٍ تَجوزُ شَهَادَتُه وحدَه ؟ فَقال [ أحمد بن عيسى (ع) ] : لا ، إلاَّ عَلياً والحسَن والحسين، فِقيل : وكَيفَ ذلك؟ قال: لأنّهم مَعصُومُون ))[1] ، وفي ذلك روى الحافظ محمد بن سليمان الكوفي رحمة الله عليه في كتابه مناقب أمير المؤمنين ، بسنده ، عن الإمام زيد بن علي (ع) أنّه قال : ((المعصُومون منّا خمسة : النبي (ص) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين ))[2] ، ورواهُ عنه (ع) أيضاً ابن عساكر في تاريخ دمشق[3] ، وروى الحافظ محمد بن سليمان (ع) عن الباقر (ع) أنه قال: ((المعصُومون منّا خمسة : رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ))[4] . وقال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ، مُتكلّما عن العِصمَة الفرديّة في كتابه (الرسالة النافعة بالأدلة الواقعة) : ((وَلَمْ تَقَع العِصْمَةُ فِيمَن عَلِمْنَا مِن وَلدِ إسمَاعيل إلاّ لِمُحمّدٍ وَعَليٍّ وَفَاطِمَة وابنَيهَا سَلام الله عليهِم أجْمَعِين))[5] .

الوجه الثاني : أن تعلمَ أنّ عِصمَة المنصوص عليهِم من الأئمّة الذين هُم أصحاب الكساء عليٌ وولدَاه ، بل حتى الأنبياء صلوات الله عليهِم ، فإنّهم عند الزيدية ليْسوا مَعصومِين إلاَّ عَنْ مُواقعَة الكبائر المُخلَّة ، فأمّا ما دونهَا من مُقارفاتٍ للذنوب الصغيرَة فليسوا بمعصومينَ عنها ، بل لا يَخلو مخلوقٌ عنها ، كالأخطاء الغير مُتعلّقة بالتبليغ بالنسبة للأنبياء صلوات الله عليهم ، وهي من أنواع الظّلم الذي قال عنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : ((وأمّا الظُلْمُ الذي يُغْفَر فَظُلمُ العَبْدِ نَفْسَهُ عِندَ بَعْضِ الهنّات))[6] ، والهنّات هي العوارض الحياتية المؤدية إلى ارتكاب الصغائر ، ويقول المولى العلامّة السيد الحسين بن يحيى الحوثي حفظه الله مُبيّناً الفرق بين عقيدة الزيدية في العصمة وعقيدة الجعفرية : ((والعِصمَةُ عِندَنَا عَنِ الكَبَائِر، وهِيَ عِندَهُم عَن الكَبَائِرِ والصّغَائِر، وحُجّتُنَا: أنَّ الأنْبِياء - صَلوات الله عليهم - مَعصُومُونَ وَقَد وَصَفَهُم الله بِمُقَارَفَةِ الذّنوب، قَال تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} ، وقَالَ فِي موسى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي}، وقال في يونس: {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ }، وفي داود: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} ، وفي سليمان: {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ } ، وفي آدم: {وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}. والعِصْمَةُ عِندنَا : ألْطَافٌ وتَنويرٌ يَخْتَارُ صَاحِبُهَا مَعَهَا تَرْكُ المحرّمَاتِ ، وِفعل الوَاجِبَات، ولَيْسَت بِالإجبَار وإلاّ لَمَا كَانَ لِصَاحِبِهَا مَزيّة وَفَضل، ولَمَا اسْتَحقّ الجَزاء))[7] اهـ كلامه (ع) . وقال السيد العلامّة الضحياني في كتابه (نظرات في ملامح المذهب الزيدي) : ((وَمِنهَا: أنَّ أنبياء الله صَلوات الله عَليهِم مُنَزّهُونَ عَن ارتِكَابِ الكَبَائر ، وَمَا فِيه خِسّةٌ وِضِعَةٌ مِنَ الصّغَائر، وَمَا يُروَى فِي بَعضِ كُتُب التفسِير لَيسَ بِصحِيح، أمّا مَا ذَكرَ الله سبحَانَه فِي القُرآن مِن عِصيانِ بَعضِهِم فَقَد كَانَ مِنهُم عَلى جِهَةِ الخطَأ والتّأويل، وَليسَ عَلى جِهَةِ التّجَرّي والعِصيَان))[8] اهـ .


نعم ! فهذا ما كان من الأنبياء صلوات الله عليهم ، وهُم عندَ الزيدية أعظمُ درجةً من أصحاب الكساء الخمسة ، - عدا نبيّنا محمد (ص)- ، وسنأتي هُنا على إثبات عدم عِصمَة المنصوص عليهم عليٌّ وولدَاه (ع) ، نعني العِصمَة من الصغائر من الذنوب ، التي لا تضرّ ولا تُوهمُ خلافاً لطريقِ الحقّ ومَنهجه ، كأخطاء الأنبياء (ع) السابقة الذكر ، فنقول مُتّكلين على الله : أنّ منها في حقّ أمير المؤمنين علي (ع) ، ما نجدُهُ جليّاً من خلال دُعاءه الذي قال فيه : ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ لِي بِالْمَغْفِرَةِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسِي، وَلَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَاني، ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ، وَسَقَطَاتِ الْأَلْفَاظِ ، وَشَهَوَاتِ الْجَنَانِ، وَهَفَوَاتِ اللِّسَانِ))[9] ، فإنّ هذا كلّه جائزٌ على أمير المؤمنين الوقوع فيه ، وليسَ هذا يُنافي العِصمَة ، فإنّما العصمة من كبائر الذنوب ، والله قد عَصمَهُ منها عندما أوجبَ طاعتَه ، وما وقعَ على أمير المؤمنين حُكمَ به على ابنيهِ الذي هُوَ خيرٌ منهما ، ومن ذلك ما رواه محمد بن منصور المرادي ، بسنده ، عن أبي جعفر الباقر (ع) ، أنّه قال : (( جَاءَ رَجُلٌ إلى الحسين بن علي فِي حَاجَة، فَسَألَهُ أنْ يَقُومَ بِهَا؟. فَقَال: إنّي مُعتكف، فَجَاء إلى الحسَن فَأخْبَرَه، فَقَال: إنّي أتيتُ أبَا عبدالله لِيَقُومَ مِعِي فِي حَاجَة، فَقَال: إنّي مُعتَكِف، فَقَامَ مَعَهُ الحسَنُ فِي حَاجَتِه ، فَجَعَلَ طَرِيقَهُ عَلى الحسين، فَقَال: يَا أخِي، مَا مَنَعَكَ أنْ تَقومَ مَعَهُ فِي حَاجَته؟ فَقَال: إنّي مُعتَكِف. قَال الحسن: لأَنْ أقومَ مَعَ أخِي المُسلِم فِي حَاجَتِه أحَبّ إليَّ مِنِ اعتِكَافِ شَهر ))[10] ، وهُنا فتأمّل رحِمَك الله كيف عاتبَ الحسن الحُسين ، على خطأ صغير للحسين فيه عُذرُه ، ولم يكنُ المانعُ لهُ من القيام مع الطّالِبِ للحاجة إلاّ التأويل بالاعتكاف ، فصحّحَ له الحسن المجتبى صلوات الله عليه وعلى أخيه ، وهذا فصغيرٌ من الخطأ ، ليسَت العصمَة تضمنُ عدم وقوعه على الأئمّة المنصوص عليهم علي وولداه ، وغير هذا فأمثلة كثيرة ، ولكنّا نختصرُ المقال بهذا البيان ، وسيأتي عليه مزيد بيان عند الكلام على عقيدة الجعفرية في عصمة أئمتهم الإثني عشر ، بإذن الله تعالى .

الوجه الثالث : يخصّ عقيدة الزيدية في عِصمَة جَمَاعة أهل البيت (ع) ، وفيه نتكلّم عن مَنْ هُمْ أهل البيت بعد الحسنين ، وفيه اعلمَ رحمك الله ، أنّه لم يثبت لغير علي والحسنين نصّ اسميّ لإثبات الإمامة ، من طريق الزيدية ، ولا يصحّ عندنا ما انفردَت به الجعفريّة دونَ الأمّة!! من النصّ على التسعة من ولد الحسين، وإن كانوا في الحقيقة مُجمعين معنا على إمامة الثلاثة ، ونحنُ غير مُسلّمين لهُم بإمامة التسعة الإمامة الرّبانيّة النصيّة . ثمّ أجمَعنا وإياهُم على حجيّة قول الرسول (ص) : (( إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبأني أنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )) ، وقوله (ص) : (( مَثلُ أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرقَ وهوى )) ، ومنها حديث النجوم ، وأمثاله وأمثالها من الأحاديث الدّالة على حجيّة أهل البيت (ع) ، وعلى استحالَة مُفارقتهم للحق . ثمّ اختلفنا وإيّاهُم في مَن هُم أهل البيت .

نعم ! وبعد الإجماع على حجية هذه الأحاديث اختلفنا مع الجعفريّة في مَنْ هُم أهل البيت المُقصودين بالأحاديث ، فهُم ذهبوا إلى أنّهم الإثني عشر ، علي والحسنين والتسعة من ولد الحسين ، ونحنُ ذهبنا إلى أنّهُم الأئمّة والمُقتصدون من ذريّة الحسن والحسين إلى يوم القيامة ، وممّا نعيبُهُ ويعيبهُ العقل على الجعفريّة ، هُو تخصيصهُم لفظة أهل البيت وحصرها في اثني عشر شخصاً ، بالرغم من اشتمال لفظة أهل البيت على بني الحسن والحسين ، فهُم بهذا جعلوا الإثني عشر كلّ أهل البيت ، وعليه فإنّه لا يصحّ أن يكونَ هُناك اليوم سادةٌ ولا أشراف يُطلق عليهم أهل البيت ، لأنّ أهل البيت لا بقاء لهم إلاّ في الإمام الثاني عشر الغائب ؟! ، وعندي ( ولا أشكّ أنّ العُقلاء سيُخالفوني ) أنّ في هذا إفراطٌ في القول ، فالحقّ أن تخصيص الجعفرية وابتزازهُم قدسيّة أحاديث الثقلين والنجوم والسفينة ، وجعلها في إثني عشر شخصاً مُجازفةٌ سببُها النّص الجليّ الإثني عشري عند الجعفرية والخفيّ ( بل المعدوم ) عن الزيدية ، بل وعند الأمّة الإسلاميّة قاطبَة !! . فإن قيل : مهلاً عِبتونا ، بمَا أنتمُ به مؤمنون ، إذ كيفَ خصصّم الأئمّة والمقتصدون من ذريّة الحسن والحسين بهذه الأحاديث دونَ الظّالمين من هذه الذريّة ؟ فإنّه على قولكم يجب أن يكون الظّالمون من ذرية الحسنين داخلون في قداسة هذه الأحاديث وما تدلّ عليه ؟ ، ولكنّكم استثنيتموهم هكذا بلا مخصّص !. قُلنا : نحنُ فضّلنا أهل البيت (ع) بعموم ، ذريّة الحسن والحسين ، لتفضيل الله واصطفائه لهم ، وهُم في أصلاب آبائهم، فمَن وُلِدَ منهُم ، وبلغَ التكليف ، فإنّه لن يكونَ إلاّ واحداً من ثلاث طوائف، فإمّا أن يكونَ ظالماً لنفسه ، يرتكبُ ما يرتكبهُ النّاس من المعاصي ، وإمّا أن يكونَ مُقتصداً عابداً زاهداً ، وإمّا أن يكون سابقاً بالخيرات ، وهذا الرّجل الحسني أو الحسيني هُو أفضلُ سابقيه من الذريّة ، إذ هُو الإمام الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر ، وهُوَ العابد والزاهد . فإن قُلتم : بقيَ الزامنا لكم قائماً ، لماذا استثنيتم الظّالمون من الذرية ؟ ، قُلنا : لم نستثنِ إلاّ من استثناهُ الله تعالى منهم ، والله سبحانه وتعالى استثنى طائفة الظالمين ، وذلك في قوله : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) ، ولسان حال الآية يقول : أنّ الإمامة يا إبراهيم ستكون في ذريّتك ، وذريّتك سيكون منهم الصّلحاء (السّابقون بالخيرات) والإمامة فيهم ، وسيكونُ فيهم ظالمون وهؤلاء الإمامة عنهم بمعزَل. ( ولا خلاف بيننا وبين الجعفرية أنّ المقصود بذريّة إبراهيم في الآية هُم ذريّة محمد ، وذريّة محمد هم ذريّة علي ، وذريّة علي هُم ذريّة الحسن والحسين ، لا أنّهم ذريّة الحسين دون الحسن ، ولا أنّهم التسعة من ولد الحسين دون بقية ذريّة الحسين ، بل إنّ ذرية إبراهيم هُم ذريّة الحسن والحسين بدون تفريق ، وهذا كلام العقل والنقل ) ، ويعضّد ما سبق من كلامنا حول اصطفاء الله لعموم ذريّة إبراهيم (ذرية الحسن والحسين) ، وانقسامهم إلى ثلاث طوائف ، قول الله تعالى : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ )) ، نعم ! فنحنُ استثنينا الإقتداء بالظالمين وعدم اشتمالهم على خصوص قدسيّة ثقل الله الأصغر ، ووجوب التبعيّة لهم ، ومعَ هذا فإنّا لا ننفي عنهم اشتمال لفظة أهل البيت عليهم ، ولكنّا نُميّزهُم بطائفتهم التي اختاروا الانضواء تحتها ، فنقول هذا ظالمٌ لنفسه ، والله لم يحثّنا على الإقتداء بالظّالم ، ولفقيه أهل البيت ومُقتصدهِم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) ، في معنى كلامنا الأخير كلامٌ رائق ، احتواهُ جامع علوم آل محمد للشريف الحسني فليُراجع .

وخلاصة كلامنا في هذا الوجه : أن تخصيص الجعفريّة أئمتهم الإثني عشر بلفظة "أهل البيت" الواردة في الأحاديث النبويّة ، دون بقيّة الذريّة الحسنية الحسينيّة باطل ، وأنّ تعميم هذه اللفظة على صُلحاء ( المقتصدين والأئمة ) من ذرية الحسن والحسين دون الظّالمين هُوَ الأليَق بالدّليل ، وهُوَ الأقوى في الحجّة . وإن عارضَنا الجعفريّة في هذا ، قُلنا أخبرونا رحمكم الله مَنْ هُم عباد الله الذين اصطفاهُم الله ، فكان منهُم الظّالمون والمقتصدون والسّابقون بالخيرات ، على أنّه قد ثبتَ من طريق الجعفريّة بروايات كثيرة أنّ هذه الآية خاصة بذرية الحسن والحسين ، وننبّه هُنا من الوقوع في شَرَك تخصيص التسعة من ولد الحسين بصفة السّبق بالخيرات وجعل صفة الظلم للنفس والاقتصاد من نصيب بني الحسن والحسين من غير التسعة ، فلنا في هذا مداخلٌ ومداخل . ثمّ نطلبُ منهم تدبّر قول الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ )) ، ففيه استنتاجٌ لطيف ، ينحو نحو ما انتحينَاهُ قريباً ، ونجعلُ استنباطه للقارئ .

الوجه الرابع : يخصّ عقيدة الزيدية في عِصمَة جَمَاعة أهل البيت (ع) ، وفيه نتكلم عن معنى عصمَة الجماعة ، وذلكَ بعد أن أشرنا قريباً إلى عدم ورود نصوصٍ ربّانيّة اسميّة خاصّة في إمامة أفراد هذه الذريّة بعد الحسين (ع) ، و أشرنا إلى مَنْ هُم أهل البيت وأنّهم صُلحاء بني الحسن والحسين ، واختصاصهم بأحاديث الثقلين والنجوم وأمثالها ، وهُنا نتكلّم عن أبعاد وأهميّة أحاديث الثقلين والسفينة والنجوم ، و تدعيم عقيدتنا في وصف إجماع جماعة صُلحاء أهل البيت بالعصمة ، فأمّا أهميّة ودلالة الأحاديث فهي غير غابية ولا خافية ، ولكنّا نقول مُختصرين : إنّ الله سبحانه وتعالى بعلمه الأزلي ، علمَ أنّ أمّة محمد بن عبدالله (ص) ، بعد انقطاع النبوّة والوحي بموت رسولها الخاتم ، سينالُها ما نالَ الأمم السّابقة ، من التفرّق والتشرذم ، فأراد سبحانه وتعالى بعظيم رحمتهِ أن يجعلَ لهذه الأمّة علاماتٍ إلى الحق ، فنصبَ فيهم أهلَ بيتِ نبيّهم ، ذريّة فاطمة ، ذريّة الحسن والحسين ، وقرنَهُم على لسان رسوله الكريم بكتابه الكريم ، وجعلهُم كسفينة نوح ، فكانَ الحقّ في هذه الذريّة الحسنية الحسينية ، ومع أئمتها وعُلماءها ، وفي أصولها وتقريراتها . فإن قيل : وكيفَ ذلكَ ونحنُ وأنتم واقفون على اختلافٍ بين علماء بني فاطمة أئمة الزيدية ، في الأصول والفروع ؟ قلنا : في هذا الطرح تضخيم لهوّة الاختلاف بين أئمتنا ، أئمة أهل البيت (ع) ، إذ ليسوا عند التحقيق بمُختلفين في أصول دينهِم العقديّة ، بعكس فروع الشريعة مما للاجتهاد فيه مسرح ومرتع ، فإنّ أئمّة الزيدية لا يرونَ بذلكَ بأساً مادامت اجتهاداتهم مُقيّدةً بالسنّة المحمّدية ، على أنّه جديرٌ بالذّكر هنا ، أن نُذكّر القارئ أنّ هناك أصولاً فروعيّة فقهيّة ثابتَة لا يخرجُ عنها مُجتهدي أئمة الآل في الغالب الكثير ، كالجهر بالبسملة في الصلوات الجهرية ، والتأذين بحيّ على خير العمل في الأذان ، وتثنية الإقامة ، وعدم المسح على الخفّين ، وعدم القول بالمتعَة ، ولا بجواز نكاح دُبر المرأة ، وشرط الولي والشهود في عقود الأنكحة ، ..إلخ ، وفي المُقابل نذكُر نماذج اجتهاديّة قد يختلف فيها الاجتهاد من إمامٍ لآخَر ، كالقنوت في الفجر أقبلَ الركوع أم بعدَه ، و رفع اليد عند تكبيرة الإحرام ، وكذلك رفع اليد وخفضها في كلّ ركعة ، وأمثالها من الأمور التي لا تخلّ بالعقيدة المحمّدية ذاكَ الإخلال، خصوصاً أنّ لكلّ إمام مُستندٌ من الكتاب أو السنّة في اجتهاده هذا ، على أنّ الجميع اتفّقوا في التوحيد والعدل والوعد والوعيد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإمامة ، وعلى أركان الإسلام الأصيلَة كالصلاة والزكاة والصوم والحج . فإن قيل : فإن اجتهد إمام من أئمة الزيدية في الأصول وخالفَ سَابِقيه ، فهل قَولهُ فيما خَالفَ فِيه حجّة ؟ ، وهل لغيرِهِ أن يُقلّدَهُ في خلافهِ هذا ؟ . قلنا : هُنا يأتي تفسير إلحاقنا معنى العصمة فيمَن هُم دونَ الحسنين ، وجَعْلنَِا لها في جماعة أئمة أهل البيت الزيدية ، فمنَ ثبتَ عنهُ مُخالفَةُ ما أجمعَ عليه أربابُ سفينةُ نوح من أئمّة الآل ، فإنّه لا يُؤخَذُ بقوله فيه ، وعلى الأئمّة الآتينَ بعد هذا الإمام أن يُبيّنوا مُخالفَة ذلكَ الإمام في تلكَ المسألَة ، وذلكَ بعد الإحاطَة بمقصدِ الإمام المُخالف باجتهاده ، فلربّما كانَ هذا غير ثابتٍ عنه ، أو فُهِمَ على غيرِ قصده ، وأمّا الغير ، فإنّه يُبيّن بطلانَ الخلاف متى ثبَت ، ويجعلُ من إجماع أهل البيت (ع) حاكماً ، وسنوردُ هُنا أدلّةً على أصالة الإجماع تَقَرُّ بِهَا عين الإنصاف ، وهي لمذهب الزيدية شاهدَة ، ولمذهب الجعفريّة مُبطلَة ، فَمِنهَا ما سُئلَ عنهُ إمامنا وقُدوتنا وعَلَمُنا ونِبرَاسنُا وبَاقِرِ علومِ نبيّنا محمد بن علي صلوات الله عليه ، عندما قيلَ له : إنّكُمْ تَخْتَلِفُون؟! فقال (ع) : ((إنّا نَخْتَلِفُ وَنَجْتَمِع، ولَنْ يَجْمَعَنَا الله عَلى ضَلالَة))[11] ، وقال الإمام فقيه آل رسول الله الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) (ت247هـ) في الإجماع الحسني الحسيني : ((كُلّ مَا أجْمَعَ عَليهِ أبْرَارُ العِترَة ، أنّ رَسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم قَالَه ، فَقَدْ لَزِمَ أهلُ الإسْلامِ العَمَلُ بِه ))[12] ، وقال الحسن بن يحيى (ع) أيضاً ، بما لو كُتبَ بما الذّهب لكَانَ أليَق : (( وإذَا رُوِيَ عَنِ النّبي صلى الله عليه وآله وسلم خَبَر ، فَرَواهُ عُلمَاءُ آل رَسولِ الله صلّى الله عليه وآله وسلم عَلى غَيرِ مَا رَوَتهُ الأمّةُ عَن النّبي صلى الله عليه وآله وسلم، كَانَت الحجّة فِيمَا رَواهُ آل رَسول الله، وأثْبَتوهُ عَن النّبي صلّى الله عليه وآله وسلم، وكَذِلِكَ الرّوَايَةُ عَن أمِيرِ المؤمنين، إذَا رَوَت الأمّة عَنهُ خِلافَ مَا رَوَى خِيارُ آل رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كَانَت الحجّة وصِحّةُ النّقل مَا رَوَاه عُلمَاءُ آل رَسول الله عَن أميرِ المؤمنين، فَإذَا اخْتَلَفَتِ الأمّة بَعدَ أميرِ المؤمنين فِي الأحكَام، فِي الحلال والحرَام والسّنَن، كَانَ مَا صَحّ عَن علمَاء آل رسول الله أوجَب أنْ يُؤخَذَ بِه، وتَركُ مَا سِواه، وبِذَلِكَ أُمِرُوا أنْ يَتَمَسّكُوا بِهِم عِندَ الاختِلاف والتّفرق، فَإنْ جَاءَ عَنْ أبَرارِ العِترَةِ مَا تَخْتَلِفُ الرّوَايَة فِيه فِي النّقل والأخبَار ، أخَذْنَا مِنْ ذَلِكَ بِأوْثَقِ مَا جَاءنَا عَنهُم وأحْوطه للدّين ، وأبَعده مِنَ الشّبهَة ، .. إلخ ))[13] ، فإن قيل : كيف تُحاجّونا بما تروونَهُ في كُتبكُم ، فلسنا نروي هذا في مسانيدنا الحديثية ؟ . قُلنا : قد حاججتمونا سابقاً وحاضراً باثني عشر اسماً من أهل بيت النبوّة روتهَا كتُبكم ، لم نروها في مسانيدنا ، بل ولم تروِها الأمّة في مسانيدها ، ومع ذلك ، فإنّه لا احتجاجَ لكم علينا هُنا ، فإنّكم رَويتُم عن أئمّتكم المعصومين ما يشهدُ لرواياتنا السّابقَة، بخصوص حجيّة الإجماع الفاطمي الحسني الحسيني، ، دونَ حجيّة الأفراد الفاطميين الحسنيين الحسينيين ، وما يشهدُ لمعقوليّة الخلاف بينَ أفرادهِم (ع) ، فقد روى صاحب بصائر الدرجات محمد بن الحسن الصفار بسنده إلى الإمام جعفر الصادق (ع) أنّه قال : ((إنّ رَسولَ الله صلّى الله عليه وآله قَال : مَا وَجَدْتُم فِي كِتَابِ الله فَالعَمَلُ بِهِ لازِم ، لا عُذْرَ لَكُم فِي تَرْكِه ، ومَا لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ الله وكَانَت فِيه سُنّةٌ مِنّي ، فَلا عُذْرَ لَكُمْ فِي تَرْكِ سُنّتي، ومَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سُنّةٌ مِنّي ، فَمَا قَالَ أصحَابي (تأمّل) فَخُذُوه ، فإنّمَا مَثل أصحَابي فِيكُم كَمثلِ النّجوم ، فبأيّهَا أخذ اهتدى ، وبأيّ أقَاوِيلِ أصحَابي أخَذْتُم اهتَدَيْتُم ، واخْتِلافُ أصحَابي (تأمّل) لَكُم رَحمَة ، قِيلَ : يَا رَسول الله صلى الله عليه وآله ومَنْ أصحَابُك ؟ . قَال : أهلُ بَيتي ))[14]. وهذا بيّنٌ والحمد لله .

ومنه عرفنا وعرفت أخي في الله أنّ الحجّة والعصمَة فإنّها ليسَت إلاّ في جماعة أهل البيت (ع) ، وأنّ الاختلاف في أفرادهِم وارِد ، وليسَ الجعفرية يُنكرون اختلاف فُتيا أئمّتهم في المسألَة الواحدَة لسبب التقيّة ، وهذا خللٌ في نظريّة العِصمَة الفرديّة ، ومَن تتبّع سيرَ أهل الكساء صلوات الله عليهِم ، عليٌّ وولدَاه ، لم يجدهُم أصحاب فتاوى مُختلفَة ، ولا أصحاب أقوالٍ مُتضادّة ، مع أنّ مظاهر الخطر حولهُم موجودة مُتوافرَة ، والله المُستعان . وبهذا القدر من تلك الأوجه أكتفي على رجاء أن تكون عقيدة الزيدية في العصمَة قد اتّضحَت بإذن الله تعالى ، ولعلّها تزيد وضوحاً وجلاءً عندما نستعرض الفصل الثاني الذي يتكلّم عن عقيدة الجعفرية في العصمة .

[ الفَصل الثاني : بيان عقيدة الجعفرية في العصمَة ]

وفيه نُقدّمُ بمُقدّمةٍ تقول : أنّ على القارئ أن يعلَم ، وعلى الباحث الحاذق أن يتنبّه، أنّ عقيدة العصمة الجعفرية على أفراد الأئمّة إنّما هيِ حِبرٌ على ورَق الشٌّرّاح ، وصوتٌ في هواء الخُطباء والواعظين ، ومسانيدهُم الحديثيّة ستُدينُهم ، فنقول : إنّ الجعفريّة قد أحدثَت في العِصمَة أقوالاً لم يكُن أوائلُهم مُتبنّين لها ، نعني قولَهُم أنّ الأئمّة معصومين من الخطأ في أمور دينهم ودُنياهم ، صغيرها وكبيرها ، العمدُ منها والسّهو ، وهذا قولُنا ، والبُرهان علينا ، فنقول مُتكّلين على مَن لا يَسهو!! ، مُتكلّمين من عدّة أوجه :

الوجه الأوّل : نُبيّن فيه اختلافَ سلف الجعفرية أئمّة ومشائخاً فيما يخصّ تعريف العصمة الجعفرية ، فَمِن علماء الجعفرية المُتأخرين يقول العلامّة المجلسي ، إنّ : ((الإمَاميّة أجمَعُوا عَلى ، عِصمَة الأنبياء والأئمّة مِنَ الذّنوب الصّغيرة والكبيرَة ، عَمداً وخَطأً ونِسيَانَاً قَبلَ النبوّة والإمَامَة وبعدَهَا ، بَل مِن وقتِ ولادَتِهِم إلى أنْ يَلقَوا الله سبحانه))[15] ، ففي الوقت الذي نجدُ العلاّمة المجلسي يَجعل من إثبات عدم سهو الأنبياء والأئمة ، والذي منهم الرّسول (ص) ، إجماعاً للإمامية ، الذين هُم أتباعُ أهل البيت –كما يزعمون- ، نجد الإمام علي بن موسى الرضا (ع) الذي هُو إمامهُم!! ، يلعنُ مَن لا يؤمنُ بأنّ الرسول (ص) قد يَسهو ، في رواية الشيخ الصدوق في العيون : (( عَن أبي الصّلت الهروي، قَال: قُلتُ للرّضا (ع) : يَا ابنَ رَسولِ الله إنّ فِي سَوادِ الكوفَة قَومَاً يَزعمُون أنّ النبي (ص) لَمْ يَقَع عَليه السّهو فِي صَلاتِه! ، فَقَال : كَذَبُوا لَعَنَهُم الله ، إنّ الذي لا يَسهُو هُوَ الله الذي لا إلهَ إلاّ هُو))[16] ، أقول : والكوفَة منبعُ الإمامية ، ولا مجالَ للتقيّة هُنا ، فليسَ الأمرُ يتعلّق بالسياسَة ولا هُو يتعلّق بمحظور حتّى يُتّقَى لأجلِه ، نعم ! فَوجدنا الإمام الرضا في هذا الموضِع يَلعنُ مَن لا يُثبتُ السّهو مُطلقاً للرّسول (ص) ، وهُنا نجدُ الشيخ المفيد (413هـ) ، يُنكر سهو الرسول (ص) ، فيقول : ((الحديث الذي روته الناصبة ، والمقَلّدة من الشيعة أن النبي صلى الله عليه وآله سها في صلاته .... من أخبار الآحاد التي لا تثمر علما ، ولا توجب عملا ، ومن عمل على شيء منها فعلى الظن يعتمد في عمله بها دون اليقين ، وقد نهى الله تعالى عن العمل على الظن في الدين ، وحذر من القول فيه بغير علم ويقين . ))[17]، فكيفَ يُخالفُ المجلسي والمُفيدُ وجماعة الجعفرية إمامَهم الرّضا المعصوم عند لعنهِ لمن لم يُثبت السّهو على الرّسول (ص) ؟! . ثمّ نجدُ الشيخ الصدوق على عِظم قدره عند الجعفريّة يُبيّن عقدية العِصمَة على مذهب الجعفريّة ، ولا يُدخل السّهوَ فيهَا فَيقول : ((إنّ جَمِيعَ الأنبياء والرّسل والأئمّة ، أفضلُ مِنَ الملائِكَة!! ، وإنهُم مُطَهّرونَ مِن كلّ دَنَسٍ ، وَرِجس ، لا يَهمّون بِذنبٍ صَغيرٍ ولا كَبير ولا يَرتَكبُونَه))[18] ، ويُصرّح الصّدوق أيضاً (ت381هـ) (وهُو المُتقدّم على المفيد) بأنّ الرّسول (ص) قد يَسهو ، فقال في كتابه من لا يحضرُه الفقيه : ((إنّ الغُلاة! والمفوّضَة لَعَنَهُم! الله ، يُنكرونَ سَهوَ النبي صلى الله عليه وآله ويقولون: لَو جَازَ أنْ يَسهُو عَليه السلام فِي الصّلاة لجَازَ أن يَسهُوَ فِي التّبليغ لأنّ الصّلاة عَليه فَريضَة كمَا أنّ التبليغَ عَليه فَريضَة .... وكَانَ شيخنَا محمّد بن الحسَن بن أحمد بن الوليد رحمه الله يقول: أول دَرَجَة فِي الغلوّ نَفي السّهو عَن النبي صلى الله عليه وآله ))[19]. فمَن المُعبّر عن دين أهل البيت معشر الجعفرية أعلي الرضا والصدوق وابن الوليد أم الشيخ المفيد والمجلسي ومُتأخريكم؟!. هذا ومَن راجعَ وتأمّل المجلد الثاني ، باب أحكام السهو ، لكتاب تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي (ت460هـ) ، سيجد ما يؤيّد كلام الإمام الرضا (ع) من ثبوت السّهو في الصلاة عن الرسول (ص) .

الوجه الثاني : نُبيّن فيها وجهَ الخلل ، وعدم انطباق التعريف الجعفري للعصمَة ، بما دوّنتهُ أيدي نحاريرهم من المُحدّثين ، ولو كانَت قليلةً ، أو حتّى تقبلُ التأويل ، لأوّلناها لهم ، بل لو كانَت تقبلُ التقيّة لسلّمنا لهُم ، وسنأتي على نماذج منها ، ما :

1- ما رواهُ العلاّمة الخبير عبد علي العروسي الحويزي في تفسيره نور الثقلين : ((عن المفضل بن عمر عن أبى عبدالله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : إنّ جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله ، وقال له : يا محمّد قال : لبّيك يا جبرئيل ، قال : إنّ فلان سَحرك! ، وجَعَل السّحر فِي بِئر بني فلان، فابعث إليه ، يعنى البئر ، أوثَقَ النّاس عِندَك وأعظَمُهم في عينك ، وهو عديل نفسك حتى يأتيك بالسّحر ، قال : فبعث النبي صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب ، وقال : انطلق إلى بئر أزوان ، فإنّ فيها سِحرا سَحَرَني بِه لبيد بن أعصم اليهودي ، فأتني به ، قَال عليه السلام : فَانطَلَقتُ في حَاجَة رسول الله صلى الله عليه وآله ، فَهَبطتُ فَإذا مَاءُ البئر قَد صَار كأنها الحنّاء مِنَ السّحر ، فَطَلَبتُه مُستَعجلاً حَتّى انتهيتُ إلى أسفلِ القليب فَلم أظفَر به ، قَال الذين معي: مَا فِيهِ شَيء فَاصْعَد ، فَقلتُ : لا والله مَا كَذَبتُ ومَا كُذِّبت ، ومَا نفسي به مِثل أنفُسِكم ، يعنى رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثمّ طَلبتُ طَلباً بلطف فاستخرجت حُقّاً ، فأتيت النبي صلى الله عليه وآله فقال : افتَحْهُ ، فَفَتَحتُه وإذا فِي الحقّ قِطعةُ كرب النّخل في جوفه وُتِرَ عليها أحد وعشرون عقدة ، وكان جبرئيل عليه السلام أنزل يومئذ المعوذتين على النبي صلى الله عليه وآله فقال النبى صلى الله عليه وآله : يا علي اقرأها علي الوتر ، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام كلما قرء آية انحلت عقدة حتى فرغ منها ، وكشف الله عز وجل عن نبيّه ما سُحِرَ وعَافَاه )) [20] .

تعليق : تأمّل أخي الجعفري ، بعين الإنصاف أليسَ هذا مُنافياً للعصمَة التي تؤمنونَ بها في حقّ مَن هُو أفضلُ من أئمتكم الإثني عشر ، ولنا أن نقول : إن كنتم معشر الإمامية تُحاجّوننا بمعقوليّة اشتراط العِصمَة في الإمام ، وأنّ الإمام لا يُخطئ أبداً ، بل ولا يَسهو أبداً ، وأنّه لو كان يُخطئ ويَسهو لما ضَمِنّا كونَهُ على الحقّ ، ولكُنّا مُقلّدين لهُ على الظّن!! ، بأنّ ذلكَ منكُم حِبرٌ على ورقِ الشّرّاح والأصوليين ، وهُو أمرٌ استَرَحتُم إليه ، ليسَ يُشيرُ إليه واقع أئمّتكم ، ولا تراثهُم الحديثيّ المُنتشر في أمّهات مسانيدِكِم الحديثيّة ، وما بُنيَ على الوَهم ، فليسَ يصحّ أبداً ، ألا ترى أنّ الإمام الصادق (ع) بإثباته لوقوع السّحر على الرسول (ص) ، يجعلُنا نقول : أنّ في هذا تشكيكٌ في صِدقِ رسالَة الرّسول (ص) ، وأنّا لا نأمَنُ أن يكونَ مسحوراً فيما أتانا به من عقائد إسلاميّة ؟ ، وهذا عينُ ما سَتَحتجّونَ به علينا معشر الزيدية ، عند تجويزنا على الإمام الزيدي الحسنيّ أو الحسينيّ ، السّحر لعدم العصمَة !! ، أليسَ كذلك ؟ . فإن قُلتم : هذا ليسَ لكم، فرسول الله (ص) صحيح الإتيان بالرسالَة الرّبانيّة ، ولَو سُحِر ، لأنّ الله هُوَ المُتعهّد بحفظِ رسالته صحيحةً سليمَة ، فإنّه سيكشفُ عن الرّسول (ص) هذا السّحر ، ثمّ إنّ هذا السّحر الذي وقع على رسول الله (ص) لم يؤثّر على أمور الدّين ، بقدر ما كان يؤثّر على أحوال الرّسول الشخصيّة ، كأن يظنّ أنه فعلَ وهُو لم يفعَل . قُلنا : فأنتم بدفاعكم هذا عن صدق تبليغ الرّسول (ص) ، حتّى ولو كان مُعرّضاً للسحر ، مؤمنونَ بعدم معصوميّته في غير أمور الدّين وكبائر الذّنوب ، وبما دافعتُم وأجبتُم به عن سحر الرّسول (ص) ، وأنّ الله لا بُدّ أن يُبيّنَ ذلك ، فإنّا نقول أنّ الإمام الفاطميّ الحسني أو الحسيني لو سُحِرَ ، فأخطأ في تطبيق الدّين ، فإنّا عارفونَ لخطأه ، وعارضوهُ على كتاب الله تعالى ، ثمّ على إجماع أهل البيت (ع) الذين هم أوعية صحيح أحاديث الرسول (ص) ، فمَا وافقَ من فِعل الإمام المسحور ، وافقنا عليه ، وما خالفَ خالفناهُ فيه . نعم ! ولسنا نُوردُ هذا الرّبط هُنا إلاّ ليتبيّنَ للقارئ أنّ الجعفريّة يُمنّونَ أنفُسَهُم بُحججِ عقليّة أصوليّة حول بُطلان أن يكون الإمام غير معصومٍ ، لأنّ هذا قد يُعرّض إلى الإتباع بمجرّد الظنّ !، وليسَ لهذا مجالٌ عند الزيدية وإن كانوا لا يشترطون العصمَة في أئمّتهم ، فإنّ هُناك ثوابتاً يُعرَض عليها فِعلُ الإمام ، الكتاب وصحيح السنّة وإجماعُ سادات بني الحسن والحسين الذين هُم ثِقلُ الله الأصغر في الأرض ، فليسَت وظيفَة الإمام عندنا إلاّ اقتفاء وتطبيق ما أصّلَه القرآن والسنّة والإجماع ، فليسَ ينطبقُ عليه ما اعتلّ الجعفريّة لأجله ، من أنّه قد يأتي بما يُخالِف ، فيُتّبَعُ ، فَيَحصُلَ اللّبس والالتباس على النّاس ، ألا ترونَ معشر الجعفريّة أنّ سلفَكم من الجعفرية المُعاصرون للباقر يكفيهُم الإيمان بما أصّلَهُ لهم الباقر (ع) ، وبما وَصلَهُم من حديث السجّاد والحسين والحسن وعلي والرّسول (ص) ، إذاً فدينهُم الإلهي مُكتمل ، سواءً جاء الصادق والكاظم وبقية السلسة من بعد هؤلاء أم لَم يأتوا ، لأنّ الصادق ومَن بعدَهُ من الأئمة ليسوا إلاّ مُبلّغينَ لما قد بَلّغَهُ الباقر ومَن قبلَهُ من الأئمّة (ع) ، فليسَ الصادق ولا مَن بعدَه سيأتونَ لمُعاصريهِم بأصولٍ في الدّين جديدَة ليسَ يعرفُها المعاصرونَ لآبائهِم ، وما وظيفَة الصّادق والكاظم ومَن بعدَهُم من الأئمّة إلاّ تطبيقُ وتوطيدُ تلك الأصول التي طبّقها ووطّدَها آباءهم السّابقين ، وليسَ هذا إلاّ قولُنا معشر الزيدية في وظيفَة الإمام الحسني الحسيني ، فإنّ دين الله قد أُصِّلَ مِن قِبَل سادات أهل البيت (ع) بني الحسن والحسين ، وعلى رأس الموطّدين له رسول الله (ص) ، وأجمعوا على أصوله قولاً واحداً ، وانتشرَ وزُبِرَ وعُرِفَ هذا الإجماع بينَهُم ، توحيداً وعدلاً ووعداً ووعيداً وإمامةً ، فمتَى خالفَ الإمام القائم من هؤلاء السّادة إجماع العترة ، فقد خالفَ حتماً كتاب الله ، لارتباط الاثنان ببعضهما البعض إلى أن يَرِدَا الحوض على الرّسول (ص) ، وستُعرَفُ مُخالَفَتُه لإجماعِ سلَفَه ، فلن يَحصُلَ اللّبس أبداً على مُقتضى مذهبِ الزيدية ، فمتى وَقَعَ الخطأ عُرِف ، وبهذا يسقطُ التعليلُ الذي لأجلِهِ أوجبَ الإماميّة عِصمَة الإمام . فإن قالوا : فإنّ هُناك أموراً حادِثَة ليس يثبتُ فيها إجماعٌ عند الزيدية ، بل أمورٌ يبتّ فيها الإمام بقرارته في الحال ، كالاجتهاد في الفروع ، أو إعلان الجهاد والثورة على طائفة من الطوائف ، فإنّ هذا يحتاجُ لعصمَةٍ تكونُ في الإمام ، وإلاّ كيفَ تضمنونَ ويضمن الإمام صحّة اجتهاداته وَوقعاته وحروبه ؟! قلنا : قَد أصبتُم في مَقتَل ، وليسَت هذه الإصابَة فيه على الزيدية تنطبِق!! ، بل عليكم معشر الجعفرية ، وعليه فإنّا مُجيبونَ بما يفتّ عُضُدَ الباطل بإذن الله تعالى ، فنقول : خبّرونا عَن حالَكم معشر الجعفريّة في زمن الغيبَة ، أعلى الحق أنتُم أم على الباطل ؟ ، إن قُلتم : على الحق . قُلنا : وكيفَ عرفتُم ؟ ، فإن قالوا : لاتّباعنا آثار أهل بيت النبوّة ، وما صحّ عنهُم من إجماع وتقرير واجتهاد في أصول الدّين وفروعه. قُلنا : فإن لم يصحّ عنهُم إجماعٌ في شيءٍ مِن هذا كلّه ، كأن تقعَ عليكم أمورٌ حادثَة تحتاج للاجتهاد والنّظر ، ويحتاجها النّاس في أمورهِم اليوميّة تأتي على شكل فتاوىً في الدّين ، وكالخروج والثّورَة ، وعن قريب خرج الإمام الخميني في ثورة زكّاها جُلّ الجعفرية إن لم يكونوا كلّهم ، فكيفَ تعلمونَ بصحّة ما أنتم عليه من هذه الاجتهادات والخروج والجهاد ؟ . إن قلتم : نسألُ عنها إمامنا المعصوم المهدي ابن الحسن العسكري ؟. قلنا : لا سبيلَ إليه ، وليسَ هُوَ بكم يأبَه!! . فإن قالوا : نلجأ إلى فُقهائنا ، وعُلماءنا ، ونتبّع اجتهاداتهم ، وتوجيهَاتهِم ، فما أفتَوا به عَمِلنا به ، فإن قالوا: يجب الخروج على الطائفة الفلانيّة خرجنَا ، وإن قالوا : البِدِوا ، لَبدْنا ، فنحنُ مُقلّدينَ لمرجعياتنا الدينيّة . قُلنا : أصابَ السّهُم المَقتل ، فأخبرونا أيضاً عن مرجعيّاتكم الدينيّة التي تُقلّدونها أواحدةٌ هي في فتواها ، أم هيَ عدّة مراجع يُقلّد النّاس أيّهم ركنُوا إلى علمِهِ وفهمه ، ثمّ أخبرونا ، هل هؤلاء المراجع معصومين ؟ . فإن قُلتم : بل هُم مرجعيّاتٌ مُتعدّدة ، وقد تتّفق اجتهاداتهم ، وقد تختلف ، وليسوا هُم بمعصومين! . قُلنا: الآنَ اخترقَ السّهم المقتَل ، وافتضحَ ما زبرَهُ شُرّاحُكم ومُتكلّميكم ، وبانَ الوهُم الذي اعتمدوا عليه لإيجاب العِصمَة على الإمام ، فقولُكم : باللجوء إلى فقهائكم الغير معصومين ، فيما طرأ عليكم من أمورٍ دينيّة مُستجدّة ، يُثبتُ أنّكم لستُم إلاّ على الظنّ ، لا على اليقين ، وأنّ مَن هلكَ منكُم فإنّه هالكٌ لا على دين أهل البيت الجعفري ، فإنّ هُناك احتمالٌُ بأن يُخطأ المرجعية الجعفري في فتاواه واجتهاداته ، بما لا يُوافقهُ عليه الإمام المعصوم المهدي الغائب ، بل ولا يرتضيه ، ودعكَ من هذا أخي الجعفري ، ولكنّ هلّم بنا إلى الشّهداء من الجعفرية في ساحات الحروب ، وأقربُهم أصحاب الخميني الراحل ، هل اتّبعوا الخميني على اليقين ، هل أيقنوا بعصمَة رأي الخميني في الخروج والثورَة ، أم أنّهم جنّدوا أنفُسَهُم على الشكّ والريبَة ، وخرجوا على غير بيّنةٍ من إمامهم المعصوم الغائب ، فلربّما كان هذا الغائب المعصوم غيرُ راضٍ عن خروج الخميني في ثورته تلك ، فعندها ماذا سيكون موقفُ الخميني عند الله وعندَ الرّسول وأئمته من أهل البيت ، وعلى رأسهِم المعصوم المهدي الذي هُو إمامُ عصرِه ؟! ، وما حالُ أولئكَ الشّهداء الذين ماتوا وهُم على غير يقين ، ماذا سيقولون لإمامهم الحجة المهدي عندما يُساقون إلى المحشر وهو إمامهُم ؟! ، وما حال فقهاء الشيعة ومرجعياتهم المُؤازرون للخميني بعد موته بالإشادة والافتخار به ، أهل على يقينٍ يُندّدون أم على ظنّاً منهم بذاك ، ثمّ أخبرونا معشر الجعفرية عن مراجعكم الدينية المُختلفَة في فتاواها ، أجميعُ فتاواهم المُتناقضَة صحيحَة ؟! ، فمثلاً نجدُ بعضَهُم يُفتي بجواز نكاح المرأة من دُبُرِهَا ، والبَعض الآخَر لا يُفتي بذلك ، فيُقلّدُهم الأتباع!! ، فما حالُ المُفتي بالباطل ، وما حالُ المُقلّد ؟ فبلله عليكم معشر المُنصفين بعد كلّ ما مضَى ، ألِلعِصمَة في حياة الجعفريّة تطبيقٌ من حوالي أربعة عشر قرناً ؟! ، إلاّ في الدّفاتر والأوراق والأوهام ، ثمّ اعلَم أخي المُنصِف أنّ الجعفريّة لن يُطبّقوا العصمَة التي يؤمنونَ بها في زمان الغيبة إلاّ إذا عطّلوا الإفتاء، وتركوا اتخاذ القرارات التي هيَ للإمام ، من قبضٍ للزكوات ، ومن جهادٍ في سبيل الله ، ومن إقامَةٍ للجُمعات ، ومن استنباطِ أحكامٍ من الكتاب والسنة ، ..إلخ ، إن قالوا : إنّما على المرجعيّة أن تُفتي بما وصلَت إليه أنظارُهُم بعد التأمّل في الكتاب والسنّة الصحيحة وآثار أهل البيت الإثني عشر ، فإن وافقَ فله أجرٌ في هذا ، وإن خالفَ ، فإنّما يُخالفُ في فروع الدّين ، وأمّا أصوله فقد ثبتَ عن طريق أهل البيت ثبوتاً كاملاً لا يُحتاجُ إلى الاجتهاد فيه بعدَه . قلنا : فأنتُم بهذا تُبتون أنّه لا حاجَة للفقيه المرجع بأن يكون معصوماً ، وإنّما عليه الإقتداء بالكتاب وصحيح السنّة وآثار أهل البيت (ع) ، حتّى وإن خالفَ في اجتهاداته الفروعيّة فليسَ هذا بالضارّ في الدين المحمّدي ، وعندَها نوجّه الخطاب لكم مشعر الجعفرية ، فنقول : أنّكم ما عَديتُم قولَنا في الإمام الفاطمي الحسني الحسيني ، فإنّما عليه عندما ينتصبُ لهذا الأمر أن يُطبّق ما قد أصّله الكتاب وصحيح السنّة وإجماع سادات أهل البيت بني الحسين والحسين ، في العقيدة المحمديّة ، وأن يجتهدَ للأمّة بما وافق الكتاب والسنة فيما لم يُؤثَر فيه إجماع ، وليسَ هُوَ مُحتاجٌ إلى العِصمَة ليكونَ إماماً ، لأنّ الأمّة بحاجةٍ إلى إقامة الجُمَع والجماعات ، وإقامة الحدود ، والقضاء بين النّاس ، وتجييش الجيوش والردّ على أعداء الله والرّسول ، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ، وهذا كُلّه يستقيم على شرطِ الزيدية في الإمام لعدم اشتراطهم للعصمَة فيه ، وليسَ هُوَ يستقيم على شرط الجعفرية ، لاشتراطهِم العصمَة في الإمام ، فكلّ هذه الأمور السّابقة لا يَقومُ بها على شرط الجعفرية إلاّ المأمون المعصوم عن الخطأ فيها ، ولهذا السّبب أوجبوا العِصمَة لكي يأمنَ الأتباع جازمينَ لا ظانّين بما يُقلّدون فيه أئمّتهُم ، وبما أنّه لا أئمّة –على مذهب الجعفرية- في هذا الزمان ، إذاً لا خيارَ لمُتكلّمي الجعفرية ، فإمّا أن يُبطلوا تعليلهُم عدم صحّة الإمامَة في مَن ليسَ معصوماً لاحتماليّة وقوع الخطأ منه ، وإمّا أن يُسقطوا فروض الله تعالى ، ويُعطّلوا أحكامَه ، ولا يُفتوا بجواز تقليد واتّباع مراجعَ غير معصومين ، الأخطاء عليهِم واردةٌ مُحتملَة ، وهذا والله قولٌ عظيم . وبهذا أختم أطروحتي التي أعتذرُ فيها من أهل الشأن لترديدي للكلام فيها ، بما أخافُ أن يكون ممُلاًّ ، ولكن ليسَ هذا إلاّ لطويّة انطوت عليها أنفُسنا ، نسأل الله أن يُتمّها . نعم! وبعد هذا كلّه تبيّن لنا أنّ نظرية العصمة الجعفرية ، لا تطبيق لها على أرض الواقع في زمان الغيبَة ، وهُنا نُواصل بيان أنّ هذه النظريّة لم يكُن لها أيضاً أيّ أساسٍ من الصحّة بما قبلَ عصر الغيبة ، أي في أزمنة الأئمة (ع) :

2- ما رواهُ العلاّمة الخبير عبد علي العروسي الحويزي في تفسيره نور الثقلين : أنّ يهود خيبر شتموا رسول الله (ص) ، فبلغ ذلك الرّسول (ص) (( فقال رسول الله صلى الله عليه واله : يا علي لعلهم شتموني ، إنهم لو رأوني لأذلهم الله ، ثمّ دَنا رسول الله صلى الله عليه وآله مِن حِصنِهِم ، فَقال : يا إخوَة القِرَدَة والخنازير ، وعَبَدة الطّاغوت ، أتشتموني أنا ، إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم ، فأشرف عليهم كعب بن أسيد من الحصن فقال : والله يا أبا القاسم ما كنت جهولا فاستحيا رسول الله حتى سقط الرداء من ظهره حياء مما قاله)) [21] .

تعليق : هُنا تأمّل إقدام الرّسول (ص) على أمرٍ استحيا ، وليسَ (ص) يستحي إلاّ من أمرٍ ظهرَ لهُ خطأهُ فيه ، وعليكَ النّظر أخي الجعفري في جواز هذه الصغيرة على الرسول (ص) .

3- ومنها ما اتّفقت عليه الشيعة بعموم ، في كيفيّة تبليغ رسول الله (ص) لأهل مكة ، عندما بعث بآيات براءة إليهم ، فبعثَ بها أوّلاً مع أبي بكر ابن أبي قحافة ، ثمّ تراجع الرّسول (ص) بأمر الله سبحانه وتعالى ، وبَعَثَ عليّاً خلفَه ، ليؤدّيها عنه (ص) .

تعليق : وهُنا نسألُ الجعفرية (ص) عن هذا الفِعل من رسول الله (ص) ، أيُعدّ خطأً أم صواباً ، وليسَ هذا الفعل إلاّ من الصغائر التي لا تضرّ الرسول (ص) .

4- ومنها وممّا اتفق على صحّته الشيعة بعموم ، يقول الإمام علي (ع) في النهج: ((اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَإِنْ عُدْتُ فَعُدْ لِي بِالْمَغْفِرَةِ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا وَأَيْتُ مِنْ نَفْسِي، وَلَمْ تَجِدْ لَهُ وَفَاءً عِنْدي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا تَقَرَّبْتُ بِهِ إِلَيْكَ بِلِسَاني، ثُمَّ خَالَفَهُ قَلْبِي. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي رَمَزَاتِ الْأَلْحَاظِ، وَسَقَطَاتِ الْأَلْفَاظِ ، وَشَهَوَاتِ الْجَنَانِ، وَهَفَوَاتِ اللِّسَانِ))[22].

5- ما رواهُ المجلسي في البحار ، (( عن أبي بصير ، عن أبي جعفر (ع) ، قال : إنَّ أبي ضربَ غلاماً له ، قرعة واحدة بسوط ، وكان بعثَهُ في حاجة فأبطأ عليه، فبكَى الغلام ، وقال : الله! ، يا علي بن الحسين ، تَبعثُني في حاجَتِكَ ، ثمّ تَضربني ، فبكَى أبي وقال : يا بني ، اذهب إلى قبر رسول الله (ص) فصلّ عندَهُ ركعتين ثمّ قُل : اللهمّ اغفِر لعليّ بن الحسين خطيئتَهُ يومَ الدّين ، ثمّ قال للغلام : اذهَب فأنت حرّ لوجه الله ، قال أبو بصير : فقلتُ له –للباقر- جُعلتُ فداك ، كانَ العتقُ كفّارةً الضّرب؟! فسكت ([23]) .

تعليق : وهُنا تأمّل إثبات زين العابدين (ع) الخطيئة على نفسِه ، وطلب الله أن يغفرها له يوم الدّين ، تجد في هذا أّنه يُقدم على الله وله أخطاء مُتفاوتة في الصّغر والكبَر، ثمّ تأمّل نَدَمهُ (ع) على ضربه للغلام ، تجدهُ يدلّ على أنّه أخطأ ، ولَو معَ نفسِه في هذا الضرب للغلام .

6- وعن حمران قال : قلت لأبي عبدالله : أنبياء أنتم ؟ قال : لا ، قلت : حدثني من لا أتهم أنك قلت : إنكم أنبياء ؟ قال : من هو أبالخطاب ؟ قلت : نعم ، قال : كنت إذا أهجر ([24]) .

7- وعنه أيضا قال : فوالله ما نحن إلا عبيد الذي خلقنا واصطفانا ، ما نقدر على ضر ولا نفع ، وإن رحمنا فبرحمته ، وإن عذبنا فبذنوبنا ، والله مالنا على الله من حجة ولا معنا من الله براءة ، وإنا لميتون ومقبورون ومنشرون ومبعوثون وموقوفون ومسؤولون ([25]) .

8- وعنه [ الصادق] : إنا لنذنب ونسيء ثم نتوب إلى الله متابا ([26]) .

نعم ! وبهذا القدر من النقولات نكتفي ، على كثرةٍ من النماذج المؤيّدة لما نقول ، فهذا كما ترى أخي في الله نقضٌ وتنزيهٌ لهؤلاء الأئمّة الأطهار من ادّعاء العصمَة من الأدناس والأرجاس الصغير منها والكبير ، بل هُم صلوات الله عليهم مُنزّهون من ادعاء الإمامة النصيّة ، ويكفيهُم دونَ ذلك المُدّعى عليهِم ، أن يكونوا فروعاً من دوحَة نبويّة حسنيّة حُسينيّة ، طابَت شمائلُهُم بأفعالهِم ، وشَهِدَ لهُم القاضي والدّاني ، وليسَ حالهُم عندَنا إلاّ كحالَ الإمام الحسن بن الحسن السبط ، والإمام زيد بن علي بن الحسين السبط ، والإمام شيخ آل الرسول في زمانه عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن ، في الاعتبار والقدوة .

مَنْ تَلْقَ مِنهُم تَقُلْ لاقيتُ سَيّدهم ****** مِثْلَ النُّجوم الّتي يسري بها الساري

وبهذا نختمُ كلامنا في هذه المقدّمة ، بعد أن عَرفنا أنّ العِصمَة الجعفريّة ، نظريّةٌ لم تُصَغَ جيّداً ، وجميع الإماميّة مُتهّمَون في أديانهِم بوجودِهَا ، كما بيّنَا ذلك في موضعه ، والله المستعان .

[ الفَصل الثالث : شُبَه يُثيرها الجعفرية حول الزيدية ]

في هذا الفصل نتكلّم بإذن الله تعالى ، عن شُبه يُثيرها الجعفرية ضدّ الزيدية فيما يخصّ موضوع العِصمَة ، ولسنَا نعيبُهُم لهذا ، لأنّا لا نأمَلُ ولا نتوقّعُ أن يعيبونا في أبحاثنا المُخاطِبَة المذهب الجعفري ، ولهُم علينا الإجابَة بالدّليل ، وأين ما مالَ الدّليل نميلُ وإياهُم معَه ، فممّا أوردهُ الجعفرية على الزيدية :

قالت الجعفرية :

قَد قال بالعصمة في حقّ الإمام ، وأثبَتَها حافظ الزيدية أبو الحسن أحمد بن إبراهيم الحسني (ع) (ت353هـ) ، صاحب المصابيح ، وفي هذا دلالة على أصالَة العصمة التي أثبتَها الجعفرية .

قالت الزيدية :

أمّا ما يخصّ حافظ الزيدية ومُحدّثها أبي العباس أحمد بن إبراهيم الحسني (ع) (ت353هـ) ، من إيجابه للعصمَة في الإمام ، فإنّ هذا يُأوَّل ، خصوصاً مع تيقننا من زيديّته ، ونفيّه النص على الأئمّة بعد علي والحسنين صلوات الله عليهم ، فكلّ زيديّ يقول بالعصمَة ، فإنّه يُستحالُ أن يكونَ مَقصدُهُ ما ذَهبت إليه الجعفرية من معناها ، الذي هُو : العِصمَة من الصّغائر والكبائر والسّهو والنّسيان ، إن قيلَ : لماذا ؟! ، قلنا : لأنّه زيديّ العقيدة في الإمامة ، والزيديّ ينفي النصّ عن الأئمّة بعد الحسنين ، ويؤمنُ بأنّ طريقَ الإمامة الدّعوة مع اجتماع الشروط الواجبة في الدّاعي الحسني أو الحسيني ، فكيف يقول بإيجاب العصمَة -بالمعنى الجعفري- على شخصٍ ليسَ بمنصوصٍ عَليه ، وهَل هذا إلاّ من تكليف ما لا يُطاق ، بل منَ المُستحال مَعرفتهُ في الإمام ، وهذا كلّه ، مع معرفتنا لمنزلة أبي العباس الحسني ، وعلوّ شأنه ومرتبته في الزيدية ، يجعلُنا ننفي أن تكونَ العصمَة الجعفريّة مُبتغاه من تصريحِه هذا ، فالعِصمَة كلمةٌ تختلفُ باختلاف المشارب ، فمحمد بن محمد المفيد من الجعفرية يجعلُها شاملة للكبائر والصغائر والسّهو والنسيان ، بينما يجعلُها الشيخ الصدوق وابن الوليد من الجعفرية أنفسَهُم في الكبائر والصغائر من دون السّهو والنسيان ، والزيدية تجعلُها في حقّ أصحاب الكساء والأنبياء ، عِصمةً من الكبائر والإصرار على الصغائر ، وأنّ العصمة في مَن دونَ أصحاب الكساء من الأئمّة إنّما هي في إجماعاتهم ، وكذلك يجب أن نقول مع قول أبي العباس الحسني (ع) ، فإنّ زيديّته تمنَعُهُ من القول فيها بقولَي الجعفرية ، فكانَ علينا التأويل بقدر المعقول ، وهُوَ أنّه صلوات الله عليه، ما عنَى إلاّ أنّ الإمام القائم من بني الحسن أو الحسين ، يجب أن تكون معه عِصمةُ توفيقٍ من الله ، فيكون بها في أكثر أعماله إن لم يكن كُلّها صائباً ، وهذه العِصمَة الإلهية التوفيقية لَن نعلَمَها في هذا الإمام إلاّ بسلامَة ظاهِره ، وبظهور علامات الصّلاح عليه وعلى تصرفاته في رعيّته المؤتمّين به ، بأن يَظهرَ العَدل ، وتأمَن البلادُ والعِباد ، ويُنتصر للضعيف ، ويُؤخَذُ الحقُّ من الشريف ، وتُقامُ الحدود ، وعليه نضربُ مثالاً سيرةُ الهادي والناصر الأطروش صلوات الله عليهما ، فإنّ الخطيئَة الكبيرَة ، والجور الفادح ما نُسِبَ إلى أحدِهِما، فهؤلاء حقيقٌ أن يُقالَ أنّهما معصومينَ توفيقاً من الله تعالى ، بسلامَة اتّخاذ القرار ، ويدخُلُ في قول أبي العباس أيضاً أنّ من يتصدّى لهذا الأمر من بني فاطمة لو كانَ مُبطلاً في الباطن ، لَحُجِبَ عن النّصر والتوفيق من الله ، فليسَ ينالُ رضوان الله وتوفيقه إلاّ مَن كانت همّتهُ العلياء ، والارتقاء بكلمة الرحمن ، إلى أعالي الشِّمَمِ والقِمَم ، فكانَ زيد بن علي (ع) ، يُنادي أصحابَه إلى الجنّة ، مُنادَاة الواثق ، معَ أنّه يعلمُ صلوات الله عليه أنّه ليسَ بمعصوم ، ولكنّ أيادِ الله الخفيّة التوفيقية مُحيطةٌ بزيدٍ (ع) من حيثُ لا يعلَم ، فصُلِبَ وتحقّقَت ثِقةُ زيدٍ في دَعوته ، بأن ظهرَت كرامات الله عليه بعد استشهاده وتحريقه، وكانَ كذلك الإمام النفس الزكيّة محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ، فإنّه ما باتَ في أمّة جدّه إلاّ داعياً مُخطّطاً ، مُدبّراً ، مُفتياً ، مُجَاهداً ، كلّ هذا وثوقاً منه في دَعوته التي اقتبسَها من أسلافه سادات بني الحسن والحسين ، وكانَ (ع) يعملُ هذا كلّه وهُوَ يعلمُ أنّه ليسَ بمعصومٍ تلك العِصمَة الجعفريّة ، ولكنّ أيادِ الله الخفيّة التوفيقيّة كان تُحيطُ به وترعاه ، فاستُشهِدَ وهُوَ النّفس الزكيّة التي أخبرَ عنها الرّسول (ص) ، بأنّ دمهَا يسيلُ إلى أحجار الزّيت ، فلَو اتّبعنا قول الجعفريّة في اشتراط العصمَة من جميع الصغائر والكبائر والنسيان ، ورفَضنا دعوَة هذا الحسني القرم ولم نُجبه ، مُتعذّرين بهكذا أعذار ، مِنْ أنّه قد يُخطأ ويُصيب فكيفَ نخرجُ على الظنّ!! معه ، لفَاتَنَا حَظّ عَظيم ، وأجرٌ مِنَ الله كَبير ، وهُوَ الحال مع بقيّة الأئمّة صلوات الله عليهم ، فحديث الثّقلين والسفينة والنجوم في حقّهم تَضمنُ بقاء الصّلاح والإصلاح فيهِم دائماً أبدَ الدّهر ، وكنُا قد سَمِعنَا عالمَ آل محمّد وعلاّمتَهُم السيّد الحسني عبدالرحمن بن حسين شايم حفظه الله ، يقول به أو بما معناه: إنّ لعلماء آل محمّدٍ عصمةُ توفيق فيما يعملون به ، وصدقَ رضوان الله عليه .

قالت الجعفرية :

ذكر السيد مجدالدين المؤيدي في مجمع الفوائد عن الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة (ع) ، أنّه قال : ((يَجوزُ أن يُخطِئ الإمامُ بلا خِلاف فِي ذَلك)) ، فكيف يصحّ منّا الإيمان بأئمّةٍ يُصيبونَ ويُخطئون ، فنكونُ بهذا مُتّبعينَ على الشكّ والظنّ ؟! .

قالت الزيدية :

قد سبقَ مُناقشَة احتماليّة خطأ الإمام [راجع الفصل الأول] ، وأنّ هذا عُذرٌ يُضخّمُ حسبَ الميلِ والهَوَى، وإلاّ فإنّ الواقع العِلمي البَحثي يجعلُه صغيراً ، خصوصاً إذا أُرفِقَ بالمُقارنَة بين حال الاختلافات عند الزيدية أتباع غير المعصومين ، والجعفرية أتباع المعصومين! ، على أنّ من سيتتبّع في هذا المجال ، لن يجدَ إلاّ اختلافاتٍ فروعيّة فقهيّة في الغالب الكثير بين أئمة الزيدية ، وقد أشرنا أنّ هذا مما لا بأس به عند الزيدية ما دام مُحاطاً ومُستَنِدَا بأدلة الكتاب والسنة والهَدي الفاطِمي ، وبمعنى آخر : أنّ هذا الاختلاف لا يَمسّ العقيدة المحمّدية ، ومَن ثبتَ عنه من غير الأئمّة كالعلماء والفقهاء والقضاة والشيعة ممّن يشمَلهُم اسم الزيدية ، مُخالفَة العقائد الزيدية ، فإنّه في الغالب الكثير ، يقولُ بقولهِ واجتهادِه ، وليسَ معهُ مُستندٌ إلى أهل البيت في اجتهادهِ المُخالِف هذا ، وأمّا الأئمة فإنّهم لا يختلفونَ في عقائدهم المحمّدية " أصول الدّين" ، ومن أخطأ (على الافتراض) ، فإنّ الإجماع يُصحّح خطأه ، ولكن أخبرني أيّها السّائلُ الجعفري كيفَ تعرفُ دينَ أئمّتك الأحد عشر ، إن كانَت تأتي الرّوايات عنهُم مُختلفَة ، بل ومُتضادّة ؟! ، ويشَهَدُ بتضادّها منكُم شيخ الطائفة الطوسي في مقدمة كتابه التهذيب أنّ سبب تأليفه لهذا الكتاب ، هُو : (( مَا وَقَعَ فِيهَا –أحَاديث الجعفرية- مِنَ الاختِلاف، والتَباين والمُنَافَاة والتّضَاد، حتّى لا يَكادُ يَتّفِقُ خَبرٌ إلا وبإزَائهِ مَا يُضَادّه ، ولا يَسْلَمُ حَدِيثٌ إلاّ وفِي مُقابلِه مَا يُنافِيه !! )) [27] ، نعم ! كيفَ تعرفُ دين أئمّتك عندما تجدُ روايةً رواها النعماني : (( عَن الأصبغ بن نباتة، قَال: سَمِعتُ عَلياً (ع) يقول: " كَأنّي بِالعجم ، فَسَاطِيطُهم في مَسجِدِ الكُوفَة ، يُعَلّمُونَ النّاسَ القُرآن كَمَا أُنزِل!! ، قُلتُ: يَا أميرَ المؤمنين أوَ لَيسَ هُوَ كَمَا أُنزِل؟ فَقَالَ: لا! ، مُحيَ! مِنهُ سَبعُونَ مِن قُريشٍ بِأسْمَائهِم وأسْمَاءِ آبائهِم!، ومَا تُرِكَ أبولهب إلا إزرَاءً عَلى رسول الله (ص) ، لأنّهُ عمّه " ))[28] ، وهيَ روايةٌ صريحةٌ في تحريف القرآن ، وعندما تجدُ روايةً أخرى وأقوالَ مشائخ ينفون التحريف ، فهُنا اختلاف وتضادّ في عقيدة أصيلة يُصبح بها الإنسان كافراً والعياذ بالله ؟! ، إن قُلتَ : بأقوال المشائخ وترجيحاتهم ؟! ، قُلتُ : هُم غير معصومين ، والروايات عن المعصومين مُختلفَة ومُتضادّة ، فترجيحهُم واختيارُهُم وتصحيحهُم وتضعيفُهُم ليسَ بمُعتمَد في ردّ وقبول هذه الآثار المُتعارضَة عن أئمتكم المعصومين ، لأنّ هؤلاء الفقهاء بشرٌ يُصيبون ويُخطئون ، فلربّما ضّعفوا صحيحاً ، وصحّحوا ضعيفاً ، بما له نواتج وخيمة كمسألة التحريف مثلاً ، فإن قلتَ : كلامكُ فيه مُجازفَة ، وتضييق شديد ؟! . قلتُ : وكلامُكم في أنّ جميع الأمّة مؤمنةٌ على الشكّ والرّيب عند اتّباعهم غير المعصومين ، أليسَ فيه تضييقٌ شديد؟ ، فقد وقعتُم فيما عِبتُم به على الأمّة! ، وأصبحَ يلزمُكم في زمن اللامعصومين أن تكونوا مثلَهُم بحاجةٍ إلى معصومين ، يُقرّروا لكم أصول الكتاب والسنّة ، ويُعلّمُوكُم صحيح الأحاديث وضعيفها الموجودة في كُتُبكم ، وهي كثيرةٌ جداً ، حتّى صرّح المُحدّث البحراني بأنّ نصف كتاب الكافي لثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني محكومٌ عليه بالضّعف[29]!! ، فكيفَ حكم الغير معصومين على نصف كتاب أمضى فيه صاحبه حوالي عشرين سنة[30] وهُو يجمعُ أحاديثه!! بالضّعف؟! . إن قُلتم : بالاجتهاد ، وإرجاع الأصول للكتاب والسنّة ، ففيها كلّ شيء . قلنا : هذا لا يُسقطُ احتجاجنا عليكُم ، من أنّ الاجتهاد مهمّة المعصومين من أئمتكم دونَ الفقهاء والعلماء ، ولكن سنُسلّم لكم جدلاً ، حتّى لا يطول النّقاش بما نعتقد أنّه تكرار ، فنقول : الاجتهاد الجعفري هذا ، هل يحتملُ الاختلاف ؟! ، إن قلتم : لا ، كذّبتم الواقع . وإن قُلتم: نعم ، قلنُا فلما تعيبونَ علينا رُحمِتَ بوازيكم ، فأنتمُ من خلافٍ في خلافٍ ، ومن تناقضٍ إلى تناقض ، فهلاّ أجبتم ، وأجاب السّائل على نفسه بما يُمليه عليه بحثهُ المُتبصِّر المُتبحِّر ، والله الرّقيب .

[ فائدة ، وخاتمة لهذا المبحَث حول العِصمَة ]

بعد الذي كان وذُكِرَ حول العِصمَة ، فإنّي كُنتُ أكتُب ما يُمليه عليَّ عقلي قبل نقلي ، فأحببتُ الاستزادَة من الخير ، وإيصالَ الفكرَة لمَن يطلُبُها قدر المُستطاع ، فبحثتُ في مكتبتي فإذا بحثٌ رائقٌ عظيم لأخي ورفيقي في البحث ياسر بن عبدالوهاب الوزير الحسني أسعده الله ، بعنوان ((الإمامة الدينية والسياسية عند أهل البيت (ع) ))، وجدتُهُ فيه نطقَ على لسان الحقّ ، ولم يُخالف استنتاجنا العقلي استنتاجَه ، وهُوَ ذا ننقلُه كاملاً للفائدَة ، وما كان بين [ ] فهو مُضافٌ منّا على البحث :

[ إن قيل : ] لا بد إن يكون الإمام معصوماً و إلا وقع الاختلال في أمور الدين والدولة ، وأمر بالمحظور ونهى عن الواجب ، ويدل على ذلك قوله تعالى : (( لا ينال عهدي الظالمين )) ، وقوله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) ، وكذلك القياس على النبي . رُدّ على هذا.

[ قُلنا : ] العصمة في الإمام هي أحد ما يعترض به بعض المخالفين مدعين ضرورتها ، ونحن نجيب عليهم إجابة كافية شافية إن شاء الله فنقول وبالله التوفيق : هذه العصمة المدعاة ليست إلا لأحد شيئين ؛ الأول الحفاظ على الدين ، والثاني القيام بأمر الدولة ، ونحن نبطلهما ثم نبرز الشبهات الحائمة حول مدّعَى المخالف بناء على أصوله ، والتي لا يجد سبيلاً إلى ردها .

أما كون الغرض من عِصمَة الإمام الحفاظ على الدين فقد أغنى عنها نقل الشريعة بشكل عام والنقل المتواتر فيما يتعلق بالعقيدة ، فجميع المذاهب التي لا توجب العصمة لا تشك في القرآن ونحوه وما ذاك إلا لتواتره عن الرسول بحيث يحيل العقل كذبه.

وكون أكثر المسائل الفقهية مروية بطرق آحادية لا تفيد إلا الظن ليس قادحاً ؛ لأن الشارع أوجب علينا العمل بالظن – مع مراعاة شروطه المعتبرة – فأوجب العمل بشهادة شاهدين عدلين في القصاص ونحوه مع كون شهادتهما لا تفيد إلا ظناً ، ثم إن بعث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالآحاد لتبليغ الشريعة كما علم من فعله دليل على ما قلناه ، إلى غير ذلك من الأدلة الموضّحة في كتب الأصول ، على أن ذلك لا يعني أن الأحكام قد تتبدل لأن الله وعد بحفظها ، كيف وأهل البيت - وهم الحجة علينا مع القرآن - بين أظهرنا لا يخرج الحق عن أقوالهم على ما قدمناه ، فلا نجوّز خفاء أو ضياع الأدلة الموصلة إلى مراد الله .

وأما كون الغرض منها القيام بأمر الدولة فهذا أوسع من مفهوم العصمة في حق الأنبياء أنفسهم صلوات الله عليهم ، لأن النبي كان جائزاً عليه الخطأ في بعض الأمور الدنيوية ولا يعد ذلك قدحاً في دينه ، يؤكد ما ذكرناه ما حدث في غزوة بدر عندما نزل قبل الآبار فسأله بعضهم إن كان أمراً من الله أم رأياً رآه ، فقال إنه رأي رآه فأشار عليه بالنزول بعد الماء حتى لا يجد الكفار ماء يشربونه ، وكذلك استشارته المعلومة لأصحابه كما في الخندق عندما استشارهم فأشار عليه سلمان الخير رضوان الله عليه بما رآه في بلده من حفر الخندق ففعل ، وكذلك خروجه صلوات الله عليه وآله إلى الطائف ظناً منه أنه سيلقى استجابة من أهلها ، ويدل عليه كذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض ، فمن قضيت له بشيء من مال أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار ) ، على أن ذلك لا يعني جهل النبي أو الإمام بالأمور التي تحتاجها الدولة ، بل المقصود أنه يجوز عليه الخطأ فقط لا أن حاله مطردة في الخطأ ، فالإمام لو كان ذلك لم تصح إمامته إذ من شروطها القدرة على تدبير الأمور وذلك واضح فيه .

ثم نقول للمخالفين قد صحّحنَا قَولنَا وهَاكم هذه الأدلة على بطلان قولكم فَردّوها إن استطعتم :

قلتم : إن عصمة الإمام واجبة للحِفَاظِ على الدين ، فنحن اليوم بلا إمام معصوم ، فالإمام بزعمكم غائب منذ ألف ومائة وستين عاماً ؛ فهل تقولون إن الدين الصحيح باقٍ مَعَنا أم لا ؟ إن قلتم : إنه غير باقٍ . فهل نحن مُكلّفون بِهِ أم لا ؟ إن قلتم: إنا لسنا مكلفين به – وحاشاكم من قولها – ، فهذا انسلاخ عن الدين ومخالفة لما علم ضرورةً منه ، وإن قلتم: إنا مكلفين به . فهل هذا إلا تكليف ما لا يطاق وهو ظلم يتعالى الله عن فعله . وإن قلتم: إنه باقٍ لكن لا نستطيع معرفته إلا بواسطة الإمام . قلنا: وهل نحن الآن مكلفون به أم لا ؟ إن قلتم: لا . كان انسلاخاً من الدين وحاشاكم ، وإن قلتم: نعم. فهل نحن مكلفون بالدين الذي جاء به أبو القاسم صلوات الله عليه وآله ، أم بما توصلنا إليه فقط ؟ إن قلتم: إنا مكلفون بعين ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإمّا أن نَعرفَه من دون المعصوم وهو الذي نقول ، وإمّا أن لا نَعرِفَه إلا به وأنتم لا تقولون بوجوده فَكانَ تَكليفاً لما لا يُطاق ، وإن قلتم: لَسنا مُكلّفين بعين ما جاء به الرسول ، بَل بِمَا تَوصّلنا إليه فقط كيفَ مَا كَان – مع كونكم أدخلتم القدح في الشريعة وفتحتم باباً للملاحدة واليهود لنقضها – . قلنا: إنّا توصلنا إلى عدم اشتراط عصمة الإمام، ثم ما معنى دفاعكم عن مذهبكم وإيجابكم على الناس اتباعه ؟!! هل لأن الحق معكم ؟ فكيف عرفتموه مع غياب المعصوم ؟!! .

وقلتم: إن عصمة الإمام واجبة حتى لا يخطئ في قيامه بأمر الدولة ، فأي دولة هذه التي يُحافِظ عليها!، ولا يوجد إمامٌ لكم حَكَم دولة على مرّ التاريخ غير الإمام علي عليه السلام الذي ما حكم إلا خمس سنوات فقط ، فَلَم تُفِدْ عِصمَة أولئك الأئمّة بِزَعمِكُم شَيئاً ، وهَا هُو الإمام الحسن عليه السلام الإمَام المعصوم ، ألَمْ يُرسِل عبيد الله بن العباس المخذولَ – كافأه الله - في مُقدّمة جَيشه ، فَهل يُعدّ ذَلكَ قدحاً في عِصمَتِه ؟! ، وهَاهُو الإمام الحسين عليه السلام ؛ ألَمْ يُخطِئ فِي إجَابَته أهل الكوفة المخذولين؟، أوَلَمْ يَكُن أجدر بِهِ مُتَابَعَةُ ابن عمّه عبد الله بن العباس رضي الله عنهما فِي الخروج إلى اليَمَن !! ، ثمّ هلاَّ أوْجَبتُم عِصمَة كلّ مَن يَعمَلُ فِي الدّولَة مِنَ القُضَاة والولاة ، والوُزَرَاء وغَيرِهِم لأنهم قَد يُخطئون!!.

نعم ! وأما بقية ما زعمتموه دليلاً فنقول فيه :

أما الآية وهي قوله تعالى : (( لا ينال عهدي الظالمين )) ، فَلا تُفيدُ العِصمَة مِن قَريبٍ ولا بَعيد ، فَهل كلّ مَنْ لَيسَ مَعصُوماً ظَالِم ؟! ، وهَلْ مَنْ أخطَأ فِي حُكمٍ مِنَ الأحكامِ يُسمّى ظَالِمَاً ؟ أليس هذا تكليفاً لما لا يطاق ؟! فإن قيل: إنّ غير المعصوم قَد يَكونُ مُبطناً للشرّ . قلنا: نحن قد اشتَرَطنَا العَدَالة والوَرَع ، وهي أمَارة على البَاطِن ، واستَدَلّينَا على هذا بِنفس الآيَة ، فَإنْ كَان بَاطِنُه غَيرُ ظَاهِرِه ، فَلسنَا مُكلّفِينَ بِه ، إلاَّ إنْ أظْهَرَه ، فَإنْ أظهرَهُ بَطُلَت إمَامَته ، كمَا أنّ إمام الصّلاة قَد يَكون كَافِراً ، والزّوج كذلك، فَهل هذا الإمكَان يُعمَل بِه فِي الشّريعَة أمْ أنّ الشَارِعَ حرّم العَمَل بِهَذَا الإمْكَان المجرّد ! .

وأما قوله تعالى : (( يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم )) ، فالمقصود به الطاعة فيما يتعلق بالدولة إذ لا يتم المقصود بالإمامة إلاّ مَعَ الطاعة، لا أنّ قَولَ الإمام حجّة قَاطِعَة يَحرُم مُخَالَفَتُهَا [ فيما هُوَ ليس بمعصومٍ منه ]، يَدلّ عَلى هذا بقيّة الآيّة وهُو قَوله عز وجل : (( فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول )) ، وأمّا قِياس الإمامَة بالنبوّة فَهو قياس مَع وجود الفَارق ، فَنحن إنّمَا أوْجَبنا عِصمَة الأنبياء عليهم السلام عن الخطأ فيمَا طَرِيقه التّبليغ حتّى نَعلَم صحّة جَميع مَا يُبلّغون ، ولا نُجوّزُ خَطَأهُم ونَحوه ، وقَدْ أغنَى عَنه النّقل المتواتر عَن النبيّ المعصوم )) .

انتهى البحث ، وبه نختم ، مُشيرين إلى أنّ عقيدة الجعفرية في العِصمَة مُنهارةٌ عند التحقيق ، ولن يَعرِفَ حقيقة كلامنا إلاّ من كان قريباً فِكرُهُ من الجعفرية بسعَة الإطّلاع ، ولو تأمّلنا ما طرأ على مُتأخري الجعفرية من إدخالٍ أصلٍ جديد ليس يعرفهُ مُتقدّموهم ، ولا حتّى أئمّتَهُم ، نعني أصل ما يُسمّى بـ ((ولاية الفقيه)) ، فإنّا سنقفُ منهُم على نفيٍ لأصل عقيدة العِصمَة التي احتجّوا علينا بها ، ومن أنّها لا تُفيدّ إلاّ الاتباع على الظنّ ، ونكتفي بهذه الإشارة ، التي لن يُدرك أبعادَ مغزاها إلاّ الحاذق الفطين ، وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين .


الأحد 8/5/1427هـ


================================

[1] الجامع الكافي ، للشريف العلوي : ج6
[2] مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، للحافظ محمد بن سليمان الكوفي (ع) : ج2/ص153/ح628
[3] تاريخ دمشق : 19/464
[4] مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) : ج2/ص162/ح639
[5] الرسالة النافعة بالأدلة الواقعة .
[6] نهج البلاغة ، خ176 .
[7] الجواب الكشاف للالتباس عن مسائل الإفريقي إلياس ويليه الجواب الراقي عن مسائل العراقي .
[8] نظرات في ملامح المذهب الزيدي ، للعلامة الضحياني .
[9] نهج البلاغة ، خ78 .
[10] أمالي أحمد بن عيسى : نسخة الكترونية .
[11] أمالي أحمد بن عيسى : نسخة الكترونية . ، وأورده الشريف العلوي في جامع علوم آل محمد م6 .
[12] جامع علوم آل محمد م6 ، باب القول في الإجماع .
[13] جامع علوم آل محمد م6 ، باب القول في الإجماع .
[14] بصائر الدرجات في فضائل آل محمد (ص) : م1 ب6 ق نادر ح 2
[15] بحار الأنوار ، 17/108 ، 25/350
[16] عيون أخبار الرضا م2ب46ح5
[17] عدم سهو النبي ، للشيخ المفيد ، ص20
[18]بحار الأنوار ، 10/393
[19] من لا يحضره الفقيه ، للشيخ الصدوق ، باب أحكام السهو في الصلاة ، 1/359.
[20] تفسير نور الثقلين 5/718 ، وله طريقٌ أخرى عن الصادق (ع) ، انظر 5/719 .
[21] تفسير نور الثقلين ، 4/216
[22] نهج البلاغة ، خ78 .
[23] - بحار الأنوار ، 46/32
[24] - البصاير ، 134 البحار ، 25/56 ، 52/320
[25] - الكشي ، 147 البحار ، 25/289
[26] - البحار ، 25/207
[27] تهذيب الأحكام 1/ص2 .
[28] الغيبة للنعماني ب21/ح5 .
[29] نقلَ الشيخ السبحاني ، عن المحدّث البحراني عن مشائخه ، ما نصّه : (( أمّا الكَافِي فَجَمِيعُ أحَادِيثِه حُصِرَت فِي ستّة عشر ألفَ حَديث ومَائة وتِسعَة وتسعين حَديثَا (16199حديث) ، الصّحِيحُ مِنَهَا (تأمّل) باصطِلاحِ مَن تأخّر ، خَمسةُ آلاف واثنان وسبعون حديثاً (5072حديث) والحَسن مائة وأربعة وأربعون حديثا (144حديث) ، والموثّق مائة حديث وألف حديث وثمانية عشر حديثا (1118حديث)، والقَوي منها اثنان وثلاثمائة (302حديث)، والضّعيف! (تأمّل) منها أربعمائة وتسعة آلاف وخمسة وثمانون حديثا!! (9485حديث) )) . ص307
[30] كليات في علم الرجال : 312
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الثّالث عشر :

قال الإمام الهادي إلى الحق (ع) : ((وأما الوصية فكل من قال بإمامة أمير المؤمنين ووصيته، فهو يقول بالوصية، على أن الله عز وجل أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن أبي طالب والحسن والحسين، وإلى الأخيار من ذرية الحسن والحسين، أولهم علي بن الحسين وآخرهم المهدي، ثم الآئمة فيما بينهما. )) .

تعليق : الإمام الهادي (ع) ، أرادَ بقوله بالوصيّة في حقّ الذريّة الفاطمية (ذريّة الحسن والحسين) ، أنّ الله أوصى إليهم بعموم بالإمامة ، بدايةً من أوّل ذَكَرٍ منهِم إلى آخِر ذَكَرٍ منهُم ، وأوّلهم علي بن الحسين ، أي أوّل بني فاطمة الداخلون في الوصايَة العامّة ، أي أوّل بني فاطمة الصّالحون للإمامة إن استوفى الشروط ، وآخرهُم المهدي محمد بن عبدالله ، القائم في آخر الزّمان ، فالإمام الهادي لا يُريد بكلامه السّابق تحديد أسماء أئمّة ، بقدر ما يُريدُ (ع) حصرَ الذريّة الفاطميّة ، بأنّها تشملُ أوّل رجلٌ من ذرية الحسن والحسين (وهو علي بن الحسين) إلى آخر رَجلٍ منهم ، وهو المهدي محمد بن عبدالله ، وهذا فدليلٌ على أنّ الهادي (ع) كان يرى أنّ علي بن الحسين أكبر من الحسن بن الحسن ، إذ لو كانَ الحسن بن الحسن هو الأكبرَ لذكرَهُ الهادي (ع) ، بدلاً من علي بن الحسين. فإن قيل : ماذا تقصدُ بقولِك ، أنّ المهدي هُو آخر رجل من بني فاطمة ، هل تُريد أنّ بني فاطمة لن يتناسلوا بعده ؟ . قلتُ : ليس هذا المُراد ، بل المُراد أنّ الوصيّة بالإمامة إلى هذه الذريّة الفاطميّة تنتهي بدعّوة المهدي ، فلا يكون بعدهُ أئمّةٌ من بني فاطمة ذريّة الحسن والحسين . وبمعنى آخرَ ، نُجمل كلامنا السّابق في أنّ الهادي حَصرَ الذريّة الفاطميّة التي تصلحُ فيها الإمامة متى اجتمعَت في قائمهم الشروط ، فذكرَ أولّهم علي بن الحسين وأنّه يستحقّ الإمامة متى ما قام ودعا ، ثمّ ذكرَ مَن يأتي بعدَه من بني الحسن والحسين جامعاً لشروط الإمامة ، وذلك واضحٌ من قوله : ((ثم الآئمة فيما بينهما)) ، ثمّ ختمَ استحقاق الدّعاة ، بداعي بني فاطمة المهدي محمد بن عبدالله صلوات الله عليه .

مثالُه :

لَو كانَ هُناكَ مَلِك ، وله من الأبناء ، الحسَن والحسين ، ووللحسن ابنٌ اسمه (الحسن) ، وللحسين ابنٌ اسمهُ (علي) ، وكان علي بن الحسين هُو أكبرُ أحفاد المَلِك ، وكانَ الملكُ يعلمُ قطعاً أنّه سيكون في آخر الزمان من ذريّته رجلٌ يحكمُ الدّنيا ، اسمه (المهدي) ، نعم ! فقال المَلِك : المُلْكَ سيكون في أخيار (أي الصّالحين) ذريّة الحسن والحسين ، ((أوّلهم علي بن الحسين وآخرُهُم المهدي)) ، أي : ((بدايةً بأكبر واحدٍ منهُم بعد الحسنين ، وهو علي بن الحسين ، وانتهاء بآخر واحدٍ منهُم ، وهُو المهدي)) .

وهذا رَحِمَك الله فليسَ إلاّ حَصرٌ للذريةّ الحسنية الحسينية ، وأنّ المَلِكَ جعلَ المُلكَ جائز لمن استحقّ من ذرية ابنيه الحسن والحسين ، بداية بعلي بن الحسين (لأنّه أكبَرُهُم) ، وانتهاءً بالمهدي.

زيادَة فيها فائدَة جمّة :

الإخوَة الأفاضل ، على مَذهب الزّيديّة رِحمَكم الله ، العالِم الفاطمي، يجب أن تتَوافر فيه شرائط الإمامة ، وما ذَكرتُموهُ من مواقف مُشرّفة لمولانا زين العابدين صلوات الله عليه ، ومن علومٍ جمّة وغزيرَة ، لَسنا نُنكرُها عليه ، بَل لَسنَا نَستَغرِبُها منه ، بل هِيَ مُتوقَّعَةٌ عنه ، ولكن لماذا هذه القريحة السجّاديّة ، والرّواية الكثيرة عن آبائه ؟! ، نحنٌ لا نَقولُ بقولِكم بالوراثة اللّدنّية ، أو بالإلقاء الإلهي في الرّوع ، بَل نقولُ بأنّه تتَلمُذٌ واكتسابٌ من الآباء، وقد تَحقّق لزين العابدين صلوات الله عليه من الفُرصَ التعليميّة على يد أبيه ، أكثرُ ممّا تحقّق للحسن بن الحسن (ع) ، فالحسن بن الحسن لَم يُعاصِر من زمن والده إلاَّ أقلّ من العقد الواحد (أقل من عشر سنوات) ، ومعَ ذلِك روى عنه ، وأمّا زين العابدين (ع) ، فعاصرَ والِدهُ الحسين قُرابة ثلاثة وعشرين عاماً !! ، وهذا سِنٌّ قد يَصلُ فيه العُلماء إلى الإجتهاد ، يزدادُ هذا بصفاء الذّهن وحُسن الإقبال على الطّلب ، وهذا فقد تحقّق في يحيى بن زيد بن علي وهُو المُستَشهِد والخائص للمعارك في النّيف والعشرين من العُمر ، وكذلك في الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم العياني (ع) ، الذي أبهرَ النّاس بعلومه وهُو لم يَعدُ السّابعَة عشر من عُمره ، نعم ! ومن كلّ هذا إخوتي في الله فإنّ علوم زين العابدين لا تُستَغربُ منه لهذه المُلازمة الكثيرة لأبيه الحسين السّبط (ع) ، وهذا قولُ العَقل ، وهذا الموقِف فعلَى العَكس تماماً ، فإنّه لمّا اُثِرَ مُلازمَة زيد بن علي (ع) لأبيه وأخيه البَاقر ، بِقدر تلكَ المُلازمَة التي لازَمها الصادق لأبيه وجدّه ، وَجدنَا زيد بن علي (ع) يَروي روايتاً كثيرة عن آبائه (بَلَغَت مُسندا ضَخماً كاملاً) ، ولو أُضيفَ إليه باقي الرّوايات المأثورة عنه (ع) لأصبحَ ضِعفاً ، وهذا مربطُ فَهمٍ للمسألَة ، فليُتأمّل جيّداً ، فبني الحَسن عاشوا مُطارَدين ، مُحارَبين ، مُقتَّلين ، فلا غرابة إن قلّت الرّواية عنهم ، ولا نَقول انعدَمَت لأنّه مع هذا التضييق عليهِم ، والتباعد الذي قد يَحصُل بين الآباء والأبناء ، فإنّهم رَووا كمّا لا بأسَ به من الرّوايات عن آبائهم ، يكفي لتحديد مَسار ورأي أهل البيت (ع) ، وقولُهم هذا، ورواياتُهم ، الثّابتَة عنهُم ، مع روايات إخوتهم ، وبني عمومتهم من أبناء الحسين ، ومنهُم زين العابدين ، والباقر ، والصادق ، ..إلخ ، فهذا كلّه عنهُم هُوالإجماع الذي تقولُ الزيديّة بمَعصوميّته ، وأنّ الحقّ لن يَخرُج عن تقرير عُلماء هذه الزّمرة الفاطميّة ، الحَسنيّة الحُسينيّة . ثم اعلَم رَحِمَك الله أنَّ الزيديّة لا تَنفي تفاضلُ هؤلاء العُلماء الفاطميون (حَسنيّون وحُسينيّون) في درجات العِلم ، ولكنّها تشترطُ في أعلَمِهِم الدّعوة أو ما يَقومُ مقامَها في زمَن عدم القُدرَة على القيام بالاستحالَة ، فالدّعوة لم تتوفّر في زين العابدين وهُو فأعلَمهُم ، ولكنّها تَوفّرت في الحسن بن الحسن وهُو من أعلمِهِم ، وذلكَ لمّا توفّر معه القدر الواجب الذي يَحتاجهُ المُكلّفين ، من العلم بالكتاب وعلومه ، والأحكام وتوابِعها ، فدعَا فكان إماماً واجبَ الطّاعَة ، والحقّ أنّه لَم يُؤثر دَعوةٌ من زين العابدين بإمامَة نَفسِه لا سِرّ ولا جهراً ، حتّى على مَذهب الجعفريّة فلم يذكُر السجّاد إمامَة نَفسِهُ على مِنبر يزيد ، مع عدم خوفِه ولا اتّقائِه ، بل صرّح بما يَنفي التقيّة ، وذكرَ عليّا وفاطمة والحسن والحسين ومهديّ آخر الزّمان ، ولم يَذكر تسعةً من ولد الحُسين ، والله المُستعان ، فلا جهرَ منه بادّعاء الإمامَة ، وأمّا عدم ادّعاء للإمامة في السّر فقد صَرّح به زيد بن علي (ع) ، عِندمَا جزمَ أنّه لم يحصُل هذا من أبيه ، بل ولا من أخيه (الباقِر) ، وذَلكَ فيما رواه عنهُ صاحبُ الحور العين ، أنّه قال عندما استفزّه الجعفريّة بإنكارهم لإمامته ، وادّعاءهم عليه البغي والحَسد لأبيه وأخيه ، فردّ عليهم (ع) قائلاً : ((ثُمّ كُنّا ذُرّيَة رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مِن بَعدِهمَا وَلد الحسَن والحسين، مَافِينَا إمَامٌ مُفترضٌ طَاعَته، ووالله مَا ادّعَى عَلي بن الحسين أبي، ولا أحد مَنزلَة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا مَنزلةَ عَلي ، ولا كَان مِنْ رَسول الله فِينَا مَا قَال فِي الحسَن والحسين، غَير أنّا ذُرّية رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ، فَهؤلاء [ أي الإمامية ] يَقولون : حَسَدتُ أخي وابن أخِي !! أأحسد أبي حَقاً هُوَ لَه؟ لَبِئسَ الوَلَدُ أنَا مِن وَلَد ، إنّي إذاً لَكَافِر إن جَحَدُتُه حَقاً هُو لَهُ مِنَ الله، فَوالله مَا ادّعَاهَا عَلي بن الحسين ، ولا ادّعاها أخي محمد بن علي منذ صَحِبته حتّى فَارَقَنِي . ثمّ قَال [تأمّل]: إنّ الإمَامَ مِنّا أهلَ البيت ، المَفروضُ عَلينَا وَعَليكُم وعلى المُسلمين ، مَنْ شَهَر سَيفَه وَدَعَا إلى كِتاب ربّه وسنّة نبيّه ، وَجَرَى على أحكَامِه وعُرَف بذلك، فَذلك الإمام الذي لاتَسَعُنَا وإيّاكم جَهالَته. فَأمّا عبدٌ جَالسٌ فِي بيتِه، مُرخٍ عليه سِترَه ، مُغلقٌ عَليه بَابه ، يَجري عليه أحكَام الظالمين ، لايَأمر بمعروفٍ ولاينهى عن مُنكَر ، فأنّى يَكون ذَلك إمَاماً مَفروضة طَاعته؟! .)) اهـ ، وصدّق هذه الرّواية عن الإمام زيد (ع) ، الإمام النّفس الزكية محمّد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي (ع) ، وذلكَ عندما قال : ((أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِكْرَامَ قَوْمٍ بِكَرَامَتِهِ وَأَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْقِذَهُمْ فَسَاقَ إِلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ حَتَّى نَزَلَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَوَصَفَهُ لَهُمْ خِلاَفاً لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: إِنَّ أَبَاكَ كَانَ إِمَاماً وَإِنَّ أَخَاكَ كَذَلِكَ لِيُزِيْلُوهُ عَنْ دِيْنِهِ وَيُحِيْلُوْهُ عَنْهُ، فَقَالَ: فَجَرْتُ إِذاً، وَعَقَقْتُ وَالِدِي، وَظَلَمْتُ أَخِي، وَافْتَرَيْتُ عَلَيْهِمَا أَنَا أَعْلَمُ بِوَالِدِي وَأَخِي مِنْكُمْ، وَإِنَّ هَذِهِ لَلَفْرِيَةُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَيْنَا، وَلَوْ غَيْرَ زَيْدٍ تَكَلَّمَ بِهَذَا، لَقَالُوا: ظِنِّيْنٌ جَاهِلٌ لاَ يَعْلَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ عَلَى هَذَا أَمْرَ أَوَّلِنَا وَآخِرِنَا لَمْ يُقِرْ لَهُمْ بِفِرْيَةٍ وَلَمْ يُلَبِّهِمْ عَلَيْهِمَا، فَمَنْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ زَيْدٍ وَأَصْدَقَ وَأَعْلَمَ بِأَبِيْهِ وَأَخِيْهِ كَانَ مِنْهُ وَلاَ أَرْضَى فِيْ الْمُسْلِمِيْنَ)) ، وهذا فبرواية المرشد بالله الحسني في الأمالي الاثنينيّة ، والنّفس الزكيّة هذا ، فهو الرّجل الذي عادَته الجعفريّة عداءً فظيعاً ووَصفَته بالأحول المشؤوم ، والدّاعية الكَذّاب ، والمُبتغي لِسَجْنِ الصّادق (ع) ، وهذا كلّه مَزبورٌ في كافي الكُليني وغيره من مسانيد الجعفريّة ، وأقربُ مَن أقذَعَ فيه وفي أبيه ، أبو القاسم الخوئي في معجمه فليُناظَر ، والله المُستعان ، نعم ! فلم تَثبت من السّجاد لا الدّعوة الجهريّة ، ولا الدّعوة المُصاحبَة لزمن القهَر والغلبَة ، والأولى فواضحٌ وجهُهَا ، والأخيرةُ فَبيَّن عَوارَها مَن هُو ساكنُ مع السّجاد في بيتِه (نعني ابنه زيد) ، ومَن هُو حفيدٌ للسجّاد من جهة الخؤولَة (نعني محمّد النّفس الزكيّة) ، بل حتَى أبوه عبدالله المحض لم يَكُن يعلَمُ عن إمامَة خالِه السجّاد شيئاً ، لا بِدعوةٍ ، ولا بِنَصّ ، وهذا فِمن كلام ابنِه يُستنتَج ، ومِن وَيلات الجعفريّة التي تَصُبُّها عليه ، الامر الذي جعلَ الخوئي يَرفض رِوايَته ويُدخِلهُ في زُمرَة المَقدوحِين ، والله المُستعان ، فمَا هذا الجهلُ من سادات بني الحسن بإمامة بني عمومتهِم ، مع اتّفاق الأمّة خلا الجعفريّة على فضلِهم ، هَل الحَسدُ مِنَ النّفس الزكيّة وإخوته ، إبراهيم ، ويحيى ، وإدريس ، وموسى ؟! أم الجَهل بالنّصوص على أشخاص هؤلاء الأئمّة (بدءاً بزين العابدين وانتهاء بابن العسكري) ؟! ، إن قُلتَ بالاخيرَة : حَسمْتَ الأمرَ ، فنصّ تَدّعي فيه الجعفرية رواية ستٍّ وعشرين صحابياً له (نعني خبر الاثني عشر بالاسم والعدد) ، ثمّ لا يعلَمُه اهل المدينة مع قربِ العهد والدّيار ، بَل لا يَعلمه سادات بني الحسن مع قُرب الأنساب والأصهار والبيوت (مع بني اعمامهم أبناء الحسين) ، بل لا يَعلَمُهُ أبناء الأئمّة كزيد بن علي ، ومحمّد بن جعفر الصّادق مع اتّحاد البيوت والمراقِد مع آبائهِم ، نصّ تدّعيه الجعفريّة ، وتدّعي فيه التواتر والشُهرَة ، بإزاء ما ذكرناهُ من مُعضلات ، فهو حقيقٌ بالاطّراح وعدم الالتفاتِ له . وأمّا إن قيلَ بالوجه الأوّل ، وهُو معرفة سادات بني الحَسن لهذا النّص ، ولإمامة الائمّة ، ثمّ هُم يَحسدونَ بني عمومتهم ، ويُنكرونَ عليهِم طُغايناً وكُفراً ، وهذا قولٌ عظيم ، وعِندَ الله شَنيع ، وللأسف فقد قالَت به روايات الجعفرية ، التي منها رواية الصّفار ، التي سُئلَ فيها الصّادق (ع) : هل يَعرفُ بنوا الحسن بهذا الأمر ، فأجاب بما نصّه : ((أي والله ، كَمَا يُعْرَفُ اللّيل أنّهُ لَيل ، والنّهَارُ أنّه نَهَار ، وَلَكِن يَحْمِلُهُم الحَسَدُ وَطَلَبُ الدّنيا [يعني لمّا طلبوا الإمامة وادّعوها عن طريق الدّعوة والخروج] ، وَلَو طَلَبُوا الحَقّ لَكَانَ خَيراً لَهُم)) [بصائر الدّرجات:171] ، وهذا قولٌ شنيع ، تَستبشِعهُ الفِطرَة السّويّة ، وهُو الذي اضطرّ إمامنا النّاطق بالحق يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) ، وهُو المُعاصِر للإماميّة والمُخالِط لهم في زمانه ، الأمر الذي جعلَهُ يقول ، بخصوص إمامة زيد [ونحنُ فنطلبُ التعميم ، لانطباقِهِ على الجميع] : ((والغرضُ بمَا أوردناهُ ، أن نَكشفَ عن ظهور الحال في وجوب القول بإمامته [إمامة زيد] على مذاهب أهل العلم أجمعين من الموافقين والمُخالفين ، سِوى الطّائفَة التي حُرِمَت التوفيق [يعني الجعفرية] ... ولَم يَشذّ عن بيعته عليه السلام ، إلاّ هذه الطّائفة القليلة التوفيق ، التي قطَعَت من حبل أهل البيت عليهم السلام ما أمرَ الله به أن يُوصَل ، وفرّقَت بينَ عترة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الموضِع الذي أمر تعالى بالجمع فيه)) [الدّعامة :230] ، أقول : صدقَ النّاطق بالحق ، فالسنّة والمُعتزلَة بل وقد يُقال حتّى بعض الخوارج شاركوا في دَعوات بنوا الحسن ، إلاّ الجَعفريّة ، والعجيبُ من البرقي الجعفري يَدّعي توبَة سليمان بن خالد البُجلي الذي خرج مع زيد ، ونجا من المَعركَة ، العجيبُ منه (البرقي) يَصفه بالتّوبَة بعد الإفلات والرّجوع إلى الحق (يعني مذهب الجعفرية والقول بإمامة الصّادق) ، فكيفَ يتوبُ أيّها المُحقّقُ الجعفري مَن خرجَ معَ رجل يدعو باسم الرّضا من آل محمّد ، يَدعوا بأمر إمامه الصّادق وباسمِه ، أليسَ قد رَوينَا ورَويتُم عن ائمّتكم أنّ زيداً من الشّهداء ، ومِثَلُ أصحابه كمَثَلِ أصحاب الطّف ، فممّ يتوب سُليمان هذا ، لَو لم تكونوا مُوقنين بخروج زيدٍ (ع) بالدّعوة لِنفسهِ بالإمامة على شرط الزيديّة في الإمامة ، والله المُستعان ، وشاهدُ هذا في معجم الخوئي تحت ترجمة سليمان بن خالد البجلي ، نعم ! فهل من نصٍّ إخوةَ البَحث بعدَ هذا الجهل النّابع من بيوت بني فاطمة بأئمّة بني عمومتهم ؟! ، ناهيكَ عن انقسامات الجعفريّة الرّهيبة في عدم الوقوف والاهتداء إلى الائمّة بعدَ الائمّة ، إسماعيليّة وجهلٌ بانّ الخبر يقول اثني عشر إماماً ، وواقفيّة وجهلٌ بأنّ الخبر يقول اثني عشر مُحدّثاً ، وفطحيّة وجهلٌ بأنّ الخبر يقول اثني عشر عالِماً ، فيالله ويا للنّص الظّاهر المشهور المُتواتر ، ويالله وياللائمّة النّاشرينَ لهُ في كلّ حَدْبٍ وصَوبْ ، يأتي يزيد بن سليط يتودّد الكاظم لِكي يُخبرَه مَن هُو الإمامُ بعدَهُ ، يُريدُ منهُ أن يُخبِرَهُ بإمامة اللاحِق ، كما سبقَ وأن أخبرَه الصّادق بإمامته (إمامة الكاظِم) ، فردَّ عليه الكاظم قائلاً : ((كَان أبي عليه السلام فِي زَمَنٍ لَيس هَذا مِثلُه . قَال يزيد فقلتُ: مَنْ يَرضَى مِنكَ بِهَذا فَعَليهِ لَعنةُ الله . قال: فَضَحِكَ ، ثمّ قَال: أُخْبِرُكَ يَا أبا عَمَارة أنّي خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي ، فَأوصَيتُ فِي الظّاهِر إلى بَنِيَّ فَأشْرَكْتُهُم مَعَ ابني علي ، وَأفْرَدْتُهُ بِوَصِيّتِي فِي البَاطِن ، ... ، قال: ثمّ قَالَ: يَا يَزيد إنّهَا وَدِيعَةٌ عِندَك ، فَلا تُخْبِر إلاَّ عَاقِلاً أو عَبداً امْتَحَنَ الله قَلبَهُ للإيمَان ، أو صَادِقاً ، ولا تَكفُر نِعَمَ الله تَعالى )) [عيون أخبار الرّضا:2/33] ، أقولُ تأمّل موقف الكاظم ، إذ لو لَم يُلحّ عليه يزيد في المَسألَة لمَا أخبرَه بمن هُو حجّة الله عليه ، ولتركَهُ يموج ، وعلى هذا فالعُذرُ للواقفَة ، إذ يبدو أنّ الكاظم الذي هُو حجّة الله عليهِم ، لم يُخبرهُم بإمامهم بعدَه بِعُذر التقيّة ، ولكن هل هذا عُذر كافٍ في مثل هذه المَسألَة ؟! أليسَ على الحُجّة المؤيّد بروح القدس ، المُؤيّد بالقوّة الإلهيّة ، أن يَبتدئَ الّناس بالإخبار؟! ، ثمّ تأمّل رَحِمَك الله هذه التّعمية من حجّة الله الكاظم ، التّعمية على أبنائه عندما كَتَب لهم وَصيّتان ، ظاهرةٌ يَعلمُها الجميع وهي فلا تخصّ علي الرّضا بالإمامة ، ووصيّة باطنَة تخصّ الرّضا بالإمامة !! ، هَل كانَ أبناء الكاظم جاهلون بإمامة أخيهم الرّضا ، جاهلون بالنّص الذي رواه آبائهم عن جدّهم رسول الله (ص) ، ثمّ ما موقِفُ هؤلاء العُقلاء من تصوير الجعفريّة للكاظم (أعزّه الله وشرّفه) بهذه الصّورة المُستهجنَة ، هذا الفِعلُ يُولِّد (الوَصيّتان المُتضادّة) الاختلاف والتّنافر بين الإخوة ، وهذا ماقد حَصلَ بينَ العباس بن موسى ، وبين علي الرّضا ، وتهكّم الأول بالأخير ، فراجع الرّواية المُشار إليها سابقاً وما بعدها من روايات تجد العَجب ، والله المُستعان ، ثمّ تامّل تشديد الكاظم على يزيد بعدم الإشاعة والإخبار بامر إيصائه لابنه علي الرّضا ، ففي هذا من التعمية من حجّة الله على النّاس في ذلك الزّمان ، ما لا يَخفى على اصغرنا اطّلاعاً ، ثمّ اينَ النّص الإثني عشري المُتسلسل بالاسم والعدد إن لَم يَكُن طريقٌ في إثبات إمامة الإمام إلاّ الوصيّة فقط ، دون النّص ، نعم ! فهذا إخوتي في الله غيظٌ مِن فيض ، وقطرةٌ مِن مَطرَة ، وذَرّةٌ مِن كَون ، ممّا يُعاب على نظريّتكم الإثني عشريّة ، التي أثّرت على فَهمِكم سلباً ، وهي (أي الّنصوص) فمتى لم تَثبُت ، لَم تَثبت عقائد كثيرة لدى الجعفريّة ، على راسها الغيبة ، والرّجعة ، والعِصمَة ، ومُعوّلات حديثيّة استُنتِجَ منها البدا ، والمُتعَة ، والله المُستعان ، وختاماً أًهدي هذه الكلمات لكلّ شخصٍ يُنصِفُ نَفسَهُ مِنْ نَفسِه ، ويُعلي عَقلَهُ على هَواه ، ورِسالَتُنا المُختصرَة هذه فشامِلَةٌ لأطراف الّنزاع في هذا الموضوع ، فلتُتَأمّل ، ولتُقرأ عدّة مرّات ، والحمدُ لله ربّ العالمين ، والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمُرسلين ، وعلى آله خيار أبناء الحسن والحسين الطّيبين الطّاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الرّابع عشر :

قالَ المُستبصِر :

وقال: ( إنه كان عند محمد بن عبدالله الكامل سيف الامام علي بن أبي طالب(ع) ، (ذو الفقار) ، وكذا غيره من الأئمة يتوارثون ذو الفقار والجفر و....) ، لكن السؤال الملفت للإنتباه هو: من الذي يعطيهم هذا السيف وليست عندهم وصية. أي أنه عندما يموت إمام فهو يوصي بالجفر والسلاح لفلان؟ وعندما يبقون لسنوات بدون إمام فعند من يبقى الجفر والسلاح؟ وعندما يقوم إمامان في قطر من الأقطار فأيهما يأخذها ؟.

قالت الزيدية :

أنَّ مسألَة وراثَة ذي الفقار ، ليسَت ضروريّة ، بمعنى ليسَت دالّة على إمامَة الإمام ، وكذلك كُتب الإمام علي (ع) ، وكذلكَ هيَ ليسَت خاصّة بأبناء الحسين دونَ أبناء الحَسن ، ولكنّ ما يخصّ ذي الفقار ، فإنّا نقول : أنّه قد يكونُ لوجوده مع الأئمّة القائمين بالدّعوة من أهل البيت (ع) ، وَجهُ قوّة ، وقدْ جاءت الأقوال بخروجِ عليّ (ع) به ، وكان أوّل وجوده معه في غزوة أحد ، وقيلَ كان قَد حملَهُ محمد بن عبدالله النفس الزكيّة ذكره أبو الفرج في المقاتل ، والإمام المؤيدي في التحف ، وقيل كان ايضاً مع الهادي إلى الحق . وأيّا كانَ ، ومعَ مَن كانَ من هؤلاء ، فإنّه لا يجب أن يَجعلنا نقطعُ بعقيدةٍ ما لأجلِه ، كالإمامَة مثلاً ، ألا تَرى أنّي أستطيع أن أحجَّ الجعفريّة بان أقولَ لهُم : هَل تقولون أنَّ مَن امتلكَ كتاباً للإمام علي (ع) ، بل وبخطّه ورَسمِه ، أكُنتم تقولون أنّه إمام؟! أم تَجعلونَ هذا من المُستحيل ، والمَكذوب ، بأنْ لَن يستطيع أحدٌ غير المعصومينَ امتلاكه ، وحالَهُ لَن يكونَ إلاّ كحالَ ما قلتموهُ في ذي الفقار ، وامتلاك بعض الحسن له ، وحملهِم إياه !! ، فإن قُلتُم هذا . قُلنا : فما رأيُكم في مُصحَف الإمام علي (ع) ، والذي هُوَ بخطّه وبرسمه ، وهُوَ موجودٌ باليَمن ، والذي تسعى إيران جاهدَةً لامتلاكه !! . أكانَ في هذا مُستحال ؟! ، بل إنّه قد صحّت الرّوايات باطّلاع الإمام القاسم الرسي (ع) على مُصحَف عليٍّ (ع) عند السيّدة نفيسة رضوان الله عليها . ولا هُوَ مَعصومٌ منصوصٌ عليه ، ولاهيَ معصومةٌ منصوصٌ عليها ، ولا يدلّ هذا على إمامتها لوجوده عندها ، ولا يدلّ هذا على إمامة القاسم لمجرّد اطّلاعه عليه !! .

وكذلكَ الجفر ، فإنّه لَم يختصّ به التسعة أبناء الحسين ، عن أبناء الحسن (ع) ، فإنّهُ وصلَ لهؤلاء من حيث وصلَ إلى هؤلاء ، بل إنّ محمد بن الحنفية رضوان الله عليه كان على علمٍ كبيرٍ بهذا العِلم . انظُر زين العابدين (ع) يُخبرُ بمقتل ابنه زيد حالَ ولادته . وانظُر محمّد الباقر (ع) يُخبرُ بخروج أخيه زيد ، ويحثّ على مُبايعته ، ونُصرته ، وأفضليّته، وانظُر جعفر الصادق (ع) يُخبرُ بمقتل النفس الزكيّة على يد أبي جعفر المنصور ، وانظُر عبدالله المحض (ع) يُخبرَ بـالأصيفر المذبوح ، وانظُر الإمام النفس الزكية يُخبر امرأته بحال السماء مع مقتله ، وانظُر إخبار يحيى بن عبدالله صاحب الديلم بأنّ لهم رايةٌ في خراسان ، وانظُر إخبار القاسم الرسي (ع) بشأن حفيده الهادي إلى الحق وأنه صاحب اليمن ، وانظُر الإمام الهادي إلى الحق (ع) ، يُخبر بني الحارث أن يحذروا أن يكونوا غداً المُعلّقين على رؤوس النخيل ، وغير هذا كثير ، لو أمعنّا في هذا النظر ودّققنا ، فليسَ معشر الجعفريّة في هذا اختصاصٌ بفئةٍ دونَ فئة ، وليسَ وجودَهُ عند قومٍ يدلّ على صحّة عقيدةٍ كالإمامة .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الخامِس عشر :

وفيه علوم أهل البيت ومَنبَعها ، والأخذ عن أهل الاعتزال ، والقاسميّة والناصريّة ، فإنّا نُحيلُ على الرابط التّالي ، ففيه وجهُ الجواب بإذن الله تعالى :

الزيدية والمعتزلة .. ( والتأثّر ) .. قراءة مُتأنيّة ! :

http://www.al-majalis.com/forum/viewtop ... 30&start=0

الشّبه الوردية حولَ الزيدية :

http://www.al-majalis.com/forum/viewtop ... postdays=0
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرّحمن الرّحيم

اللهمّ صلّ على محمد وآل محمّد ......

الأخ (جعفري) ، أسعدكَ الله ، ورزقَكَ نِعمَة الإنصاف ، سيّدي لاحظنَا عليُكم (وأقولُها بكلّ صراحَة) أنّكم تقفزونَ الاحتجاجات التي تُلقَى عليكم قفزاً رَهيباً ، وليتَ أنّها تتمكّنُ منكم (كي تُناقشوها فيما بينَكمُ وبين أنفُسِكم ، أو مع منْ تَرضونَه من زملائكم أو مشائخكم) ، بل وَجدتُكم تُعيدونَ طرحَ ماسبقَ وإن ألزمناكم به في مواضيع أُخرى ، بل وبترديد نفس الحُجَج ، ثمّ نحنُ نُعيدُ عليكم نفس الإلزامات السّابقَة !!، ثمّ تقفزونَ إلى مواضيع أخرى مُتشعّبَة ، وهذا خارجٌ عن اللائق ، وهُوَ الذي ليسَ لَنَا وقتٌ لاحتوائِه ، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد ، واعلَم أنّي قَد أهدَيتُك بٌستاناً ، هواءهُ كفيلُ بِتنقيَة ما طرحتهُ من شُبهٍ حولَ الزّيديّة ، فتأمّلهُ تأمّل الباحث ، لا تأمّل الشّارِد ، ثمّ بعدَ أن تتأمّله فعرّج على ما كنُا قد ألزمناكَ به سابقاً ، ثمّ قَفزَته وتَركتهُ خلفَك وأتيتني باحتجاجات جديدة!! ، وقد عَلِمَ الله أنّي لستُ أُحبّ الحوار بهذه الطريقَة ، ولا بهذا الأسلوب ، ولكنّكم أجبرتموني عليهِ إجباراً ، وقسرتُموني عليهِ قَسراً ، الأمر الذي جعلني أُعيدُ عليكم إلزاماتنا كي لا تُنسَى .

مسَائل مُهمّة للتذكير :

1- قال الإمام علي (ع) :

((أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الْإَمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ (تأمّل) حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ.)) [ نهج البلاغة خ173] .

سؤال : أينَ محلّ الشورى في نظرية الإمامة الإثني عشرية الجعفريّة ؟! .

2- الكاظِم كتَب : (والخطاب عام) :
الإخوة الجعفرية :

1- قال الإمام الصادق (ع) : (( مَن مَاتَ وَلَيسَ عَليهِ إمِامٌ حَيٌّ ظَاهِرٌ! مَاتَ مِيتَةً جَاهِليّة ، قِيلَ : إمِامٌ حَي ؟ قَال : إمِامٌ حَيٌّ ، إمِامٌ حَيّ )) ( 1) .

تعليق : أينَ إمامَك أخي (عبدالمؤمن) ، الظّاهر (غير الغائب) ، الذي لَو لَم تَعرِفه ، ستموتُ ميتَة جاهليّة ؟!.

2- عن يعقوب السراج قال : قُلتُ لأبي عبدالله : تَخلُوا الأرضُ مِن عَالِمٍ مِنكُم حَيٍّ ظَاهِر! تَفزَعُ إليهِ النَّاس فِي حَلالِهِم وحَرَامِهِم ؟ فَقَال : (( لا ، إذاً لا يُعبَدُ الله يَا أبا يوسف )) (2 ) .

تعليق : أينَ إمامَك أخي (عبدالمؤمن) ، الظّاهر (غير الغائب) ، الذي لَو لَم تَعرِفه ، ستموتُ ميتَة جاهليّة ؟!.

3- وعن الصادق (ع) أنّه قال : (( إنَّ الله لا يَدعُ الأرضَ إلاَّ وفِيهَا عَالِمٌ يَعلَمُ الزّيادَة والنّقصَان ، فَإذِا زَادَ المؤمنونَ شَيئاً رَدَّهُم ، وإذَا نَقّصُوا أكْمَلَهُ لَهُم ، فقالَ : خُذُوهُ كَامِلاً، ولَولا ذَلِكَ لالتَبَسَ عَلى المؤمنينَ أمْرُهُم ، ولَمْ يُفَرَّقْ بَينَ الحقِّ والبَاطِل )) ( 3) .

تعليق : أيَن إمامكَ اخي (عبدالمؤمن) ، الذي يُعلّم النّاس متى ما زادوا ن ويُكملَ لهُم متى ما نَقّصوا وفرّطوا ؟! .

4- وعن عمر بن يزيد عن أبي الحسن الأول قال : (( مَن مَاتَ بِغيرِ إمامٍ مَاتَ مِيتةً جَاهلية ، إمِامٌ حيٌّ يُعرَف! ، فَقلتُ : لَم أسِمَع أبَاك يَذكُرُ هَذا ، يَعنِي إمِامَاً حَيّاً ، فَقال : قَدْ والله قَالَ ذَلك رَسُولُ الله (ص) : مَن مَاتَ وَلَيسَ لَه إمِامٌ يَسمَعُ لَه ويُطِيع! مَاتَ مِيتَةً جَاهلية )) ( 4) .

تعليق : أينَ إمامُك أخي (عبدالمؤمن) ، الذي يُسْمِعُكَ كَي تُطيعَه ؟! .
3- الكاظم كتب :
فأمّا أئمّة الجعفرية (كما تُصوّرُ الأصول والرّوايات الجعفريّة) فليسُوا دُعاةً إلى الله ، بَل هُم مُضّلّلون للعبَاد ، غيرُ آبهين بنشر دعوة جدّهم الرّسول ، ولا هدايَة النّاس ، والله المُستعان ، ولستُ أقول هذا إلاّ تبرئةً لهؤلاء الأخيار ، من أولئكَ الأتباع ، فنحنُ مازلنا نُطالعُ مُحدّثين ، ومُسندي الجعفرية ، يروون فواجعَ عن أولئك الأطهار ، فممّا رَووهُ ، وهُو يُمثّل تَقاعُسَهُم عن الدّعوة إلى سبيل الله : [مُلاحظَة استبِط الشّاهد ، وهُو عدم انطباق قول أمير المؤمنين السّأبق على أئمّة الجعفريّة : ((أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ،)) ] :

1- روى ثِقة الجعفريّة الكُليني ، بسنده : ((عن ثَابت بن سَعيد ، قَال: قَال أبوعبدالله: يَا ثَابِت (تأمّل) مَالَكُم ولِلنّاس، كُفّوا عَنِ النّاس ، (تأمّل) ولا تَدْعُوا أحَداً إلى أمْرِكُم، فَوالله لَو أنَّ أهْلَ السّمَاواتِ وأهْلَ الأرضِين اجْتَمَعُوا على أنْ يَهْدُوا عَبداً يُريدُ الله ضَلالَته مَا استَطَاعُوا على أن يَهْدوه، وَلو أنّ أهلَ السّمَاواتِ وأهْلَ الأرضين اجتمَعُوا على أن يُضلّوا عبداً يُريدُ الله هِدَايَتَهُ مَا استَطَاعُوا أنْ يُضِلّوه، (تأمّل) كُفّوا عنِ النّاس ، ولا يَقولُ أحَدٌ: عَمِّي ، وأخِي ، وابنُ عَمّي ، وَجَارِي، فَإنّ الله إذَا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً طَيَّبَ رُوحَهُ فَلا يَسْمَعُ مَعْروفاً إلا عَرَفَهُ ، ولا مُنكَراً إلاّ أنْكَره، ثمّ يَقْذِفُ الله فِي قَلبِهِ كَلِمَةً يَجْمَعُ بِهَا أمْرَه )) . أصول الكافي : 1/165 .

تعليق : التّعليقُ ليسَ لي ، ولا لكُم إخوتي في الله ، بل للهِ سُبحانه وتعالى ، إذ يَقول مُخاطِباُ نبيّه (ص) : ((ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)) ، ويقول جلّ شأنه : ((وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)) ، وقولُه جلّ شأنُه : ((وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )) .

2- روى ثِقة الجعفريّة الكُليني ، بسنده : ((عن فُضيل بن يَسار ، قال: قُلتُ لأبي عبدالله عليه السلام : نَدْعُو النّاس إلى هَذا الأمْر؟ فَقَال: لا يَا فُضَيل ، إنَّ الله إذَا أرادَ بِعَبدٍ خَيراً ، أمَرَ مَلَكَاً فَأخَذَ بِعُنُقِهِ فَأدْخَلَهُ فِي هََذا الأمْر طَائعاً أو كَارِهَاً )). أصول الكافي : 1/167 .

تعليق : فكيفَ يكون الإمام حُجّة على العباد وهُوَ لا يَسعى لإقامَة الحجّة عليهِم؟! هَل هذا هُوَ شرط الله ، والرّسول، وأمير المؤمنين ؟! .

3- روى الصّفار ، بسنده : ((عن عبدِالله سُليمان ، قَال : سَمِعتُ أباجَعفَر عليه السلام وِعندَهُ رَجُلٌ مِنْ أهلِ البَصرَة ، يُقَالُ لَهُ عثمَان الأعمَى ، وَهُو يَقول : إنَّ الحسَن البَصرى يَزعُمُ أنَّ الذين يَكتُمُونَ العِلم يُؤذِي رِيحُ بُطونِهِم أهلُ النّار ، فَقَال أبوجَعفر عليه السلام : فَهَلَكَ إذاً مُؤمنُ آلِ فِرعَون ، وَمَا زَالَ العِلمُ مَكتومَاً مُنذُ بَعَثَ الله نُوحَاً عليه السلام فَلْيَذْهَبِ الحسَن يَميناً وَشِمَالاً فَوالله مَايُوجَدُ العِلمُ الاَّ هَيهُنَا)) . بصائر الدّرجات:29 .

تعليق : تأمّل في كلام الباقر (ع) ، تجدهُ يُصرّح ويُلمّح بشرط كتمان العِلم ، وصحّته ، وخطأ إلجام الله لكاتِم العِلم ، بلجامٍ من نار ، ولكن هَل يَجوزُ على الحجّة الكِتمان ؟ هل يجوزُ على الرّسول كتمان بعض الوَحي ؟! هل يَجوز على الصّادق كِتمان بعض العِلم؟! ولا يُقاس الحجّة على العِباد بمؤمنِ آل فِرعون ، لعدم لزوم التبليغ عليه ، كما لَزِمَ حُجج الله وآياته من الأئمّة ، ونحنُ فنقول الأئمّة والعُلماء .

4- روى المجلسي ، بالسّند ، ((عَن يُونس بن ظبيان ، قَال: دَخَلتُ على الصّادق جَعفر بن مُحمّد عليه السلام ، فَقُلتُ: يا ابنَ رَسول الله إنّي دَخَلتُ على مَالِك وأصْحَابِه ، ...[وذكرَ خبر الإثني عشر]... ، ثمّ قُلتُ: يا ابنَ رَسول الله إنَّ عَبدَ اللهِ بن سَعْد دَخَلَ عَليكَ بِالأمسِ ، فَسَألَكَ عَمّا سَألتُكَ فَأجَبْتَهُ بِخِلافِ هَذَا، فَقَال: يَا يُونُس ، كُلّ امْرِئٍ وَمَا يَحْتَمِلُه ، وَكُلّ [ولكلّ] وَقت حَدِيثه ، وإنّكَ لأهلٌ لِمَا سَألْتَ، فَاكتُمْهُ إلاّ عَنْ أهْلِهِ والسّلام)) بحار الأنوار:36/403.

تعليق : ما رأيُكم رَحِمَكُم الله ، هل يُعتبرُ هذا من التّضليل ، وخصوصاً أنّ الخبَر يخصّ الإثني عشر ، حُجج الله على الأرض ، فيُجيبُ الصّادث عبدَالله بن سعد بجوابٍ مُختلِفٍ عن جواب يونس بن ظبيان ، فكيفَ سيكونُ الصّادق حُجّة على عبدالله هذا يوم القيامَة ؟!.

5- روى الطّبرسي ، بسنده ، حكايةً طويلةً عجيبَة ، بين هشام بن سالم ، والكاظم (ع) ، نختصرُ منها الشّاهد : (( عن هشام بن سالم ... فَقُلتُ [أي هشام بن سالم]: جُعِلتُ فِدَاك، مَضَى أبُوك ؟ قَالَ: نَعَم . قُلتُ: مَضَى مَوتاً ؟ قالَ: نَعم . (تأمّل) قُلتُ: فَمَنْ لَنَا بَعْدَه ؟ قَال: إنْ شَاء الله أن يَهدِيَكَ هَدَاك. قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاك، إنّ عَبدَ الله أخَاك يَزْعُمُ أنّه إمَامٌ مِنْ بَعدِ أبيه. فَقَال: عَبدُ الله يُريدُ أنْ لا يُعبَدَ الله. قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاك، فَمَنْ لََنَا بَعدَه ؟ قَال: إنْ شَاءَ الله أنْ يَهْدِيَكَ هَدَاك. قُلتُ: جُعلتُ فِدَاك، فَأنْت هُو ؟ تأمّل) قَال: لا، مَا أقول ذَلك. قَال: فَقُلتُ فِي نَفسِي: لَم أُصِبْ طَريقَ المَسْألَة، ثُمّ قُلتُ لَه: جُعِلتُ فِدَاك عَليكَ إمَام ؟ قَال: لا . قَال: فَدَخَلنِي شَئ لا يَعْلمُه إلا الله تعالى إعظَامَاً لَهُ وَهيبة، ثمّ قلتُ: جُعِلتُ فِدَاك، أسْألُكَ كَمَا كُنتُ أسْألُ أبَاك ؟ تأمّل) قال: سَلْ تُخبَر ولا تُذِع، فَإنْ أذَعْتَ فَهُو الذّبح. قَال: فَسَألتُه فَإذا بَحْرٌ لا ينزف ، (تأمّل مدى الجهل بالنّص الإثني عشري والوصيّة) قُلتُ: جُعِلتُ فِدَاك، شِيعَةُ أبيكَ ضُلاّل فَألقِي إليهِم هَذَا الأمر وأدْعُوهم إليك ؟ فَقَد أخَذْتَ عَليَّ الكِتمَان. قَال: مَنْ آنَسْتَ مِنهُ رُشداً فَألقِ إليهِ ، (تأمّل) وَخُذ عَليه الكِتمَان، فَإنْ أذَاعَ فَهُو الذّبح ، وأشَارَ بِيدِه إلى حَلقِه ... )) إعلام الورى بأعلام الوَرى:2/16.

تعليق : تأمّل جَهلَ هشام بن سالم ، وهُو َمن هُو في المنزلة العِلميّة عندَ الجعفريّة ، ولو تأمّلت بقية الرّواية ستجدُ معه ، مؤمنُ الطّاق الأحول ، وزرارة بن أعين ، عاشوا في حيرَة رَهيبَة بعد موتِ الصّادق ، يتخبّطون ، لا يَعرفونَ إمامَهُم الكاظم بعد إمامهِم الصّادق ، ويبدو أنّ الصّادق (ع) لم يُخبر أقربَ المُقرّبين إليه بإمامة ابنه ، ولو حتّى بالوصيّة . ثمّ تأمّل ممُاطلَة موسى مع هشام هذا ، فلَم يُخبِرَهُ بإمامته عليه الإمامة الرّبانيّة ، وكأنّ الكاظم يجهل مَنْ هُو صاحبُ أبيه هشام بن سالم ، ثمّ تأمّل إنكار الكاظم ، عندما قالَ له هشام : أنت ُهو ، فقال : لا ، فهذا فغريبٌ وَجهُه ، ثمّ تأمّل المُبالغة من الإمام الكاظم في التكتّم في نشر الدّين ، حتى قرَنَهُ بالذّبح ، ثمّ تأمّل ما أشار إليه هشام من أنّ شيعة الصادق (ع) يعيشونَ في ضلال ، تجد أنّ حجّة الله لم تَقُم عليهِم من الصّادق ، وذلكَ عندما لَم يُخبرهُم بإمامة ابنه بعدَه ، بل لَو تأمّلت ابنهُ عَبدُ الله ، يدعو لإمامة نفسِه ، تجدهُ لاا يعرف إمامةَ أخيه الكاظم ، والله المُستعان ، فأين الدّعوة ، وأين الأئمّ’ الدّعاة معشر الجعفريّة ؟! .

نعم ! وهذا ما وَقفنا عليه في عُجالة ، وإن طُلِبَ المَزيد ، أتينَا بِه مُستعينين بالله ، ولا ننسى أن نُُذكّر بالشاهدِ من كلامنا ورَبطِه بكلام الأخ (جعفري) المُقتبَس ، فإنّه جاء من ضمن كلام الإمام علي (ع) : ((أُولئِكَ خُلَفَاءُ اللهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ،)) ، فأينَ الخِلافَة ، وأينَ الدّعوَة ، ممّا سبق وأشرنَا إليه ؟! .
سؤال : أينَ الخلافَة والدّعوة إلى الله ، وإقامَة الحُجّة من الحُجَجَ الإثني عشر على النّاس ؟!

اللهم صلّ على محمد وآل محمّد ...........
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“