فارعة ... الفتاة اليانعة كفاكهة الصيف ، فارعة الطول كقوس قزح ، وبارعة المنطق صادقة النية والتوجه ،،، فارعة تحمل كومة من الأعلاف على رأسها ،، تخطو بثبات تهتز الأرض على وقع قدميها الحافيتان يعطرهما التراب وتدغدهما الأعشاب ويطريهما حبيبات الطل .......... تذكرت فارعة الرائعة ..
كنت حينها بمرحلة الطفولة حين أوكل لي أبي مهمة دليل ... وكان الضيف مفتش صحي ،، وكان علي أن أعرج به على المروج والأودية الزراعية ... وبتلك المرحلة سجلت ذاكرتي صورا ،، إستطعت تخيلها مراهقا وفهم جوانبها شابا والتمعن والتحليل بأحداثها وكنهها شيخا ... هي مراحل الحياة ومحطاتها والتي لايمكن تطويع مرحلة أو محطة لأخرى ولا إخضاع تخصص لتخصص فلكل مكانه وزمانه ووظيفته .. وصورتي هنا هي فارعة ..
فارعة ذات العقدين عمرا العزباء ... بثوبها النسائي اليمني الفضفاض الذي لايصف جسدها الأهيف ولايحاكي تمايل خطواطتها الوثابة الثابتة وقد إنتهى من الأسفل بالسروال من الأسفل ليتصل بالقدم .. وجهها الوضاء وإبتسامتها المشرقة من وجه تعلوه ملامح الجمال والجدية ... جدليتها تهتزان متهدلتان تتأرجحان على صدرها وعلى إيقاع مشيتها ،، وعلى رأسها شاش ( مقرمة) تستربه شعرها حتى لايعلق بها العشب الذي كومته على رأسها .... فارعة فلاحة من عامة الناس ..
ومن صورة فارعة ... أقف أمام مشهد المرأة اليمنية التقليدية .... كاشفة الوجة لكن مكامن الغرائز مستترة ومحجوبة بحجابين أولهما شخصية فارعة وثانيهما بروزها كعنصر واضح المعالم يعتبر نصف المجتمع ولايحتاج لتعريف أو مغامرة إكتشاف . ... السلام عليكم ،، كيف الحال ، رفعت رأسها وبنظرة خجولة ،،، هو منطق فارعة وهي تمر بنا .. ولم تنس أن تسألني عن أمي وأبي وأسرتي ..
تمر الأيام وتمر بي فتيات غمرهن السواد الحالك ولا أعشاب على رؤسهن ولاجدائل تتأرجح ... سواد به النعومة والليونة فيكاد أن ينصهر بجسد الفتاة ويصفه كأسطورة بها من المبالغة ما يربو عن الحقيقة ويتجاوزها ... السواد الناعم يدغدغ مكان بروز مكامن الغريزة فيصفها بل ويضخمها ... وبنظرة لمنطقة الوجه وبه عينان كحيلتان تبرزان من خلال البرقع فيصبح غطاء الوجه مجرد إطار به خلفية تبرز جمال العينان حتى وإن كان مصطنعا مزيفا .. العينان تسلطان بدقة وتركيز على ما بالطرف الآخر من خصوصية ..
قرأت أن المرأة تشعر بالإمان خلال توشحها السواد ... بالطبع وبكل تأكيد هو كذلك ،،، ومن المسلم به أن النفس الأمارة بالسؤ تقف خلف النظرات الثاقبة الموجهة من العينين التي أمنت صاحبتها أنها غير معروفة وبالتي تتمتع بالحرية والأمان لتنظر وتتمتع ... وبعكس نظرات فارعة الخجولة بوجهها المكشوف .
صورة فارعة وهي تعبر الدرب من أمامي وضيفنا القادم من مدينة ... والذي ربما كان ينقصه منظر وجه فتاة كاشفة ... فحملق بالفتاة وسلط عينية على أكثر من جزء منه ...
فارعة كانت تمسح أو تنفظ ما توهمت أنه غبار علق بمؤخرة ثوبها ثم ما لبثت أن كررت العملية لصدرها .. فهمت بعد حين أن نظرات الغريب وقعت بمكان حساس ... لكن فارعة بتلقآئيتها فهمت شيئا آخر .. وعندما تقدمت بي السنون إستعطت التحليل بالمقارنة والمنطق .... وندمت على السنين الخوالي وطيبة القلوب .. ثم سكبت عبراتي على وضعنا الحالي وكيف نكصنا وتلكأنا وعدنا للدهاليز بعد أن كانت لمجتمعنا قاعدة النمو الإجتماعي السليم ... إستوردنا قيما فارغة و نكوصا ماحقا .. فمسخنا قيمنا وشيمنا التي بموجبها وصفنا بأهل الحكمة الإيمان ..... وماشاء الله كان .
فتاة اليمن - توارت عن الأنظـــار .. !؟
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 668
- اشترك في: السبت أغسطس 07, 2004 3:39 pm
- اتصال: