بسم الله الرحمن الرحيم
الواقعية السياسية والخلل في موازين القوى.
بعض من السياسيين العرب (الملعمين إعلاميا ) عندما يتناولون قضية الصراع العربي الاسرائيلي ينظرون إليها - كما يقولون - من زاوية الواقعية السياسية واضعين في الاعتبار الخلل الكبير في موازين القوى بين العرب واسرائيل .
وإن كان في كلامهم ما يستوقف العقل إلا أنه - وببعض التأمل والتحقيق - لا يعدو حلقة من حلقات الحرب الاعلامية والنفسية المسلطة على العرب والمسلمين ليسفحوا ما بقي في عروقهم من ضمير مقاوم ومن عزة وإباء .
بالطبع لا يمكن لاي عاقل أن يلقي بالامة جمعاء إلى الهلاك لكي يقتل صهيونيا هنا أو هناك فقط لمجرد القتل والانتقام ( كما تفعل بعض التنظيمات المهووسة بالقتل) تكون الامة جميعا ضحية لعمل غير محسوب وليس في إطار مشروع حضاري متكامل ، فتنظيمات القتل العشوائي - حسب ما يتفاخر المنتمون إليها - لا تزيد على كونها مجموعة من المقهورين على أمرهم المنطوين بكآبتهم وإحباطهم مما دفعهم غريزيا للانتقام - والانتقام فقط - دون اعتبار للعواقب والنتائج .
إنها ضربات لا لهدف وإنما لمجرد التنفيس عن الكرب والتعبير عن الاحباط تؤدي في الغالب إلى المزيد من الكآبة والاحباط في ظل ما تستتبعه من هزائم .
انا بالطبع هنا أحاول تقييم ذلك الاسلوب في التعامل مع الاعداء ولست بصدد تقييم الاشخاص الذين يعتنقون ذلك الاسلوب ، فإنهم كأشخاص في النهاية أفضل مني سلوكا والتزاما وتضحية وصبرا وزهدا وانا اعترف لهم بذلك وهم يستحقون لاجله الاحترام والتقدير ، وانما تطرقت إلى الاسلوب الذي أرى فيه ايغارا في المشكلة لا خروجا منها .
واذا صح تقييمي لاسلوب (تنظيمات القتل العشوائي) من زاوية الواقعية السياسية والخلل في موازين القوى فإن ذلك لا يتناول بحال من الاحوال الجرائم التي يرتكبونها عندما يقتلون المدنيين عشوائيا أو يقتلون من يختلفون معهم في المذهب أو الفكرة ، فإن هذه التصرفات برأيي ليست إلا خروجا سافرا عن الاسلام ومروقا منه - كما وصفهم نبينا الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالخوارج الذين يحقر الانسان صلاته إلى صلاتهم لكنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون!
وللاسف فإن بعض السياسيين والمثققين (الملمعين اعلاميا ) لا يفرقون في تقييمهم بين اسلوب حزب الله وحماس وبين اسلوب تنظيمات القتل العشوائي !! و لا أدري هل عدم التفريق بينهما مقصود أم غير مقصود ؟
فإننا اذا وضعنا اعتبارا للواقعية السياسية والخلل في موازين القوى فإن ذلك لا يعني بحال من الاحوال التفريط في ديننا وحقوقنا ومبادئينا وهويتنا ومقدساتنا وحرمتنا .
والامة هذه الايام إزاء ثلاثة مشاريع :
المشروع الاول: مشروع عملية السلام مع اسرائيل وفق مبدأ الارض مقابل السلام
المشروع الثاني : مشروع عملية سلام مع اسرائيل وفق ما تريده اسرائيل فقط
المشروع الثالث : مشروع المقاومة والصمود والوحدة والاستفادة من عوامل القوة لدى الامة
بيان مختصر للمشروع الاولى : مشروع عملية السلام مع اسرائيل وفق مبدأ الارض مقابل السلام
بعد تدمير العراق في حرب الخليج الثانية والانقسام الحاد الذي خلفه في الصف العربي اضطر العرب للقبول بفكرة الاعتراف بدولة اصطلح عليها المجتمع الدولي بـ(اسرائيل) قامت على اسس عنصرية وكان ضحيتها الملايين من المجازر والمشردين والمظلومين ، فكانت بحق أعظم جريمة في تاريخ البشرية ، ومن الطبيعي أن يرفضها العرب بداية لانها كانت تمسهم في الصميم حيث اقتطعت أرضهم واعتدت على عرضهم ودنست ثالث أقدس مقدساتهم مسرى النبي الكائن في مدينة القدس .
لقد اضطر العرب للاعتراف بشرعية مجتمع عسكري كمجتمع اسرائيل لم يعرف منذ وجوده سوى المؤامرات والقتل والتنكيل والتشريد دون مراعاة لمقدسات أو حقوق أو إنسانية أو اخلاق.
وبحصول هذا الخيار على شبه الاجماع كان مبرر العرب للاعتراف بهذا المصطلح هو الواقعية السياسية والخلل في موازين القوى ، فمضوا فيه على قاعدة "الارض مقابل السلام" ولكن ثبت للعرب بعد المضي فيه هذا الخيار أن الصهاينة لن يقدموا للعرب شيئا يذكر في مقابل التنازلات الكبيرة التي قدموها .
وباختصار فقد مرت هذه العملية بعدة انعطافات مهمة كان آخرها الحملة العسكرية الاخيرة فلسطين ولبنان والتي عقب عليها عمرو موسى ناعيا عملية السلام إلى الابد.
بيان مختصر للمشروع الثاني : مشروع عملية سلام مع اسرائيل وفق ما تريده اسرائيل (الشرق الاوسط الجديد)
هذا المشروع يقوم على التسليم التام لاسرائيل دون مقاومة - حتى بالتنديد - ولان الشعوب العربية لن تقبل بذلك فقد اختار العرب الابتعاد عن الحديث عن موضوع فلسطين أو موضوع الحقوق العربية وتحويل الحديث إلى ما يسمونه "بالمصالح العربية " وبالحفاظ على البنية التحتية وعدم تهديم البلدان العربية كالجسور والبيوت وغيرها .
هذا الخيار وبالاضافة إلى كونه انهزاميا بما تعنيه الكلمة من معنى فهو أيضا في منتهى الخطورة فهو يعطي اسرائيل الحق المطلق في التصرف في محيطها العرب كيفما تشاء دون أدنى مقاومة او ادانة بل قد تتحول الادانة واللعنات على من يرفض طغيانها أو من يصبر على ضرباتها !! فيا للسخرية .
وهذا الخيار بالاضافة إلى كونه انهزاميا فهو أيضا خيار غير شرعي "بالمفهوم الاسلامي " الذي يبدو أن العرب لم يعودوا يؤمنون به أو يعولون عليه مطلقا ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن اخطر حلقات هذا المشروع انه يلعب كثيرا على حبل التباينات المذهبية والعرقية في المنطقة فالحديث يكثر فيه عن السنة والشيعة وعن العرب والفرس وغيرها.
بيان مختصر للمشروع الثالث : مشروع المقاومة والصمود والوحدة الاسلامية
هذا المشروع يقوم على اساس تنفيذ تعاليم الاسلام والنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم باعتباره عزة في الدنيا وفوزا في الاخرة وهو في الوقت نفسه يقوم على اساس الواقعية السياسية ويضع في اعتباره الخلل في موازين القوى ويعمل على تحويل ذلك الخلل إلى توازن وفق الامكانات المتاحة لديه ،
فهو مشروع يتسم بالعقلانية والحسابات الدقيقة رغم ما يتخلله من تضحيات وهو ليس مشروعا تدميريا بل هو مشروع يستفيد من عوامل القوة لدى العرب والمسلمين ويوظفها بشكل جيد ويستغل في المقابل نقاط الضعف لدى الاعداء بشكل رائع ،
ولذلك فإننا نرى حزب الله يستخدم صواريخ كاتيوشا في مقابل قنابل ذكية ويحقق اهدافا سياسية أفضل مما تحققه ترسانة اسرائيل
ولذلك فإننا نرى مقاتلي حزب الله (بثباتهم الحسييني والعلوي ) يتفوقون على دبابات اسرائيل ذات الخلفية المادية العاشقة للترف والحياة.
ولذلك فإننا نرى أمين عام حزب الله بصدقه وزهده وصبره وحكمته وتضحيته بولده يتفوق على سياسة الكذب والطغيان والعدوان التي ينتهجها قادة اسرائيل
ولذلك فإننا نرى قناة المنار بثوريتها وايمانها وملامستها لهموم الجماهير تفعل مفعولا أكبر من طقم لا حد له من القنوات العربية والامريكية والصهيونية .
الواقعية السياسية .. والخلل في موازين القوى.
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 105
- اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 1036
- اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am