هل نقول بعد اليوم:مستحيل

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
زيد بن علي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 120
اشترك في: السبت يوليو 22, 2006 2:58 pm

هل نقول بعد اليوم:مستحيل

مشاركة بواسطة زيد بن علي »

عندما تشتعل القوة الكامنة في إنسان جاهل فإنها تدمره وتحرق من حوله، بينما عندما يحصل هذه القوة إنسان صالح صاحب وعي ورسالة فإنه يعمر قلبه، وتتفجر بين أصابعه ينابيع الخير الوفير، ويصل الإنجاز إلى ذروته عندما تبدأ هذه الينابيع بالغليان، فتدفع الإنسان بطاقة عجيبة تصل به لما يريد أن يصل إليه، ومهما كانت الصعوبات ومهما واجه من متاعب وصعاب، فهو ماضٍ لطريق يرى نهايته في الفجر البعيد، لا يلتفت إلى الوراء حتى يبلغ مبتغاه.

إن التاريخ يحفل بأسماء كثيرة لأصحاب العزيمة والإرادة القوية، الذين ذللوا الصعاب، وحملوا هموم شعوبهم، وعاشوا من أجل تحريرها وكرامتها.
فتاريخ الأئمه مليء بالعجائب ...... وكنموذج من سير ة الأئمه الأطهار..هذا الإمام الناصر الأطروش عليه السلام يسلم على يديه ألف ألف شخص في الجيل والديلم من دون وجود إي وسيله من وسائل الإعلام المتاحه في هذا اليوم...لكنها العزيمه والإراده القويه .......
وكم وكم من الإئمة الذين جعلهم الله لنا منارا لنسير على دربهم .....ولكننا وللأسف تركناهم ورائنا ظهريا....

أحداث اليوم تثبت

ونعيش في هذه الأيام مرحلة جديدة، يسطرها تاريخ الصراع مع الدولة الإسرائيلية؛ تؤكد هذه المعاني على الأرض، وتقطع القول بالفعل، وتتحدى كل الصعاب، معلنة أن لا مستحيل مع الإرادة. الشعب الفلسطيني واللبناني انتصرا -بهذا المفهوم- على عدوهم، بقوة العقيدة وسمو المبدأ وعلو الحق. الشعب الفلسطيني الذي ما زالت قوافل شهدائه ترتفع، القادة قبل الجنود. يواجهون الحصار، والدمار والتشريد، ويُقصفون بالصواريخ، وتجتاحهم الدبابات، وتخرَّب بيوتهم، ورغم ذلك يقفون شامخين، مستمرين في الدفاع عن قضيتهم. كما أنهم استطاعوا أن يثبتوا تميزهم، حتى من الناحية العسكرية، فقد قام المقاومون والمجاهدون بأسر جنود صهاينة، وتفجير بارجة حربية إسرائيلية، رغم ما يتمتع به جيش الصهاينة من قوة.

إرادة الإنسان لا تعرف المستحيل

كل هذه التجارب -وغيرها الكثير- تؤكد معنى واحدًا، ألا وهو أن الإرادة الإنسانية لا تعرف المستحيل، ومتى اشتعلت في قلوب أصحابها، ومتى رسموها بمداد العرق الذي ينصب من جبينهم بعد تعب ونصب دون كلل أو ملل كان لهم ما يريدون.

فما سر هذه الإرادة؟ ومن أين ينطلق الإنسان بها؟ ما الذي يجعله يتعثر ويقوم ويمضي قدمًا رغم أنه مستهدَف من قبل المتربصين، يموت بعضه فيقوم بعضه الآخر - يلملم أشلاءه ويتابع!!.

لقد كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه آله وسلم السيرة الوحيدة التي يمكن للإنسان أن يأخذها كلها؛ نظرًا لأنها تعتمد على تجربة بشرية يمكن تحقيقها، غير قصص الأنبياء التي تتميز بالمعجزات والتركيز على جانب حياتي دون الآخر، أما سيرة رسولنا الكريم و سيرة الإئمة الأطهار فهي قصة نجاح فريدة ما زالت مستمرة وستبقى كذلك حتى يوم الدين.

وكلما تعمق الدارس فيها استخلص العبر والدروس منها، مما يجعلها منهجًا ساميًا لمن أراد أن يحقق رسالة سامية على الأرض، ويصل إلى أعلى الدرجات في السماء، بغض النظر عن العوائق والإمكانات التي يملكها.

وبهذه المعاني تأسست الحضارة الإسلامية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه آله وسلم فقير الحال، لكن غناه في روحه، وقوته مستمدة من ربه سبحانه وتعالى؛ متوكلاً عليه في كل أمره، وآخذًا بالعزم، لا يلتفت إلى الوراء، وقد خاطبه رب العزة بقوله: "يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * ورَبَّكَ فَكَبِّرْ"، علَّمه بذلك أنه مأمور بإيصال الرسالة إلى الأمم من حوله، فكيف سيتصرف رسول الله صلى الله عليه آله وسلم؟ هل سيعتذر إلى ربه بحاله الذي هو أعلم به منه: فقير الحال، أُمّي لا يقرأ ولا يكتب، يعيش بين قوم ألفوا عبادة الأصنام أبًا عن جَدّ؟!.

إن الاعتذار عن حمل هذه الأهوال ليس من شأن أولي العزم، فقد قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووصل الليل بالنهار، وأخلص العمل كله لله، وجعل من الصخور التي واجهته والمشقات سلمًا يصعد عليه ليرتقي بنفسه وبأمته، ويكون ربانيًّا. وعلى هذه التربية قامت حضارتنا ونشأ في ظلالها رجال ونساء كانت هوايتهم حمل الأثقال، اشتعلت في قلوبهم همم عالية، وأنارت إرادتهم بشعلة لا تنطفئ. فكان الإمام الهادي ابنيه والإمام عبد الله بن حمزه والقاسم بن محمد وغيرهم من الإئمة الذين هم في الحقيقه نموذج لمحمد الفاتح، و عبد القادر الكيلاني، و عز الدين القسّام، و أحمد ياسين، وغيهم من مجاهدي فلسطين ولبنان والعراق...، وتوالت الأسماء من بعدهم حتى يومنا هذا لتتميز، رغم أن الناظر لسيرتهم جميعًا يجد أن إمكاناتهم المادية بالذات كانت بسيطة جدًّا، لكنهم كانوا أحرارًا بمبادئهم، وانتصروا على أنفسهم، وتسلحوا بالإرادة والعزيمة، فنجحوا بهزم الصعاب.

تولد الموهبة من رحم المعاناة

وحريّ بالدعاة اليوم أن يعيدوا بناء مجد وحضارة هذه الأمة، ويكتبوا سيرتهم في كتب التاريخ بمداد عرقهم وبدموع مناجاتهم، وأن يجعلوا من فقر الحال وقلة الإمكانات المادية منحة ربانية يزهدون بها عن ملذات الحياة، ففي ذلك حكمة ربانية. وصدق من قال: "تولد الموهبة من رحم المعاناة". فلله الفضل والمنّة أن جعل من المحنة منحة.

فالداعية عصارة بطولة التاريخ، أمير قائد، ومصلح مجاهد. لسانه ينطق بين شفتيه بقرآن كريم، وأحاديث كالرياحين، فمن يملك أن يردَّها إلا من لا يستحق هذا الطِّيب؟!.

فعلام إذن يشغل الداعية نفسه بالهموم، ويكسر عزمه بالظنون، وينظر إلى نفسه كأنه جرم صغير وفيه قد انطوى العالم الأكبر؟!.

مهما بلغت إنجازات غير المسلمين، ومهما حررتهم إرادتهم الصلبة من قيود الطغاة لن يجد المسلم غناه إلا بالتوكل على ربه والاستعانة به، وبجعل شعاره في الحياة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يخاطبه بكل ساعة وحين: "استعن بالله ولا تعجز"، وعلى قدر المؤنة تأتي المعونة.

فالنجاح طائر لا يحلق إلا بجناحَي الروح والمادة، وكلما وازن الإنسان بينهما استطاع الارتقاء.

وهنا لا نطالب الداعية أبدًا بأن يزهد بدنياه حتى لا يجد قوت يومه، بل يسعى لكسب رزقه بتعب يده، لكن يجعل غناه في كسب ثروة روحية يأخذ منها وقت المحن، ويستثمرها وقت الرخاء.

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يسعى في النهار لقضاء حوائجه وحوائج المسلمين وحوائج الدعوة، ثم يقف بين يدي الله سبحانه وتعالى شاكرًا نعمته طوال الليل، حتى تتورم قدماه الشريفتين، ومع ذلك يستغفر ربه ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة!! فأين دعاة اليوم من هذه التجارة؟!.

الجهود تعكس صدق الإرادة

إن الجهود التي يبذلها الداعية هي التي تعكس مدى صدق إرادته، إنه النور الذي يولِّد الطمأنينة وينقلها من قلب إلى قلب. وللصدق أشعة تتجلى منها أنوار ربانية من السماء، فالصدق مع الله أساسها الأول، وذلك بالتوبة والانكسار إليه في كل حال، ويبقى المنادي يردد فيه: إن تصدق الله يصدقك. وفي اللحظات الحاسمة والليالي الحالكة وأصعب الأوقات يظهر صدق الإرادة عند الداعية، ويقول تعالى: "ولَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ولَكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القَاعِدِينَ".

لذا على الداعية أن يتمسك بهذه القوة الخفية التي تساعده على القيام من كل عثرة، وعلى مواجهة كل محنة، وعلى العيش براحة بال؛ فيبيع الأحلام والأماني، ويشتري مكانها الإنجاز الملموس، ويحول التخيل إلى حقيقة؛ ليمتلك بذلك سيفًا يقاوم به، ويطلقها عاليًا: معي إرادة قطع الوعود والوفاء بها. ولا يلتفت بعد اليوم للدنايا، إنما تشغله تجارة الروحانيات مع ربه، ويكون كأنس بن النضر رضي الله عنه حينما غاب عن بدر، فقطع عهدًا على نفسه ألا يعيدها، وسابق في أول قتال بعد ذلك مع المشركين، فحضر "أحد" وقال: "ليرينَّ الله ما أصنع"، فقال أنس بن مالك رضي الله عنه: "فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه"!!.

فاقطع على نفسك الوعد بتحقيق هدفك، مهما كانت الصعاب ولا تقل بعد اليوم: "مستحيل"!!.





--------------------------------------------------------------------------------
صورة
السيد العلامة عبد الله بن حسين الديلمي حفظه الله

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“