الشورى نت-خاص ( 21/07/2006 )

محافظة الجوف التي طالما حرمت من كل الخدمات والحقوق هي في نظر الحكومة والقائمين عليها مصدر للمشاكل وبؤرة للعنف لكنها أيضاً بؤرة للتخلف والجهل ومصدر للجباية ومرتع خصب للفساد ولم تحصل على شيء من الخدمات أسوة بما توفر من خدمات قليلة لبقية محافظات الوطن, فانعدام التنمية وغياب البنية التحتية هما المعلم الأبرز لهذه المحافظة وكأنها مقاطعة من العصور الوسطى.
غياب الخدمات الأساسية من صحة وتعليم وطرقات وكهرباء وغيرها يؤثر بشكل كبير على طبيعية الحياة هنا وما يطغى عليها من إهمال وانعدام الرقابة والمسئولية لدى مسئولي المحافظة. الثورة المجيدة التي كان من أبرز أهدافها القضاء على الجهل والمرض لم يتحقق لها في الجوف هذا الهدف فالجهل لازال هو السائد والمرض يقضي على العشرات في ظل تجاهل تام وأوضاع سيئة وفساد ينخر معظم ادارات وقطاعات الصحة فالجانب الصحي يشكو الإهمال الشديد والمركزية وانعدام التأهيل وتعطيل الإدارات وتهريب الأدوية والتطفل على مهنة الطب والصيدلة التي يشتغل فيها كثيرون بعضهم لم يكملوا تعليمهم الابتدائي, وعندما يصل الأمر إلى التلاعب باراوح الناس فهو شيء لا يمكن السكوت عليه حتى لو سكت الكثير ممن بأيديهم الامر.
عذاب ومعاناة
وفي ظل وضع صحي تنعدم فيه ابسط المقومات يظل المواطن يعاني الكثير, فمكتب الصحة بالمحافظة معدوم الصلة بالناس, ولم يعرف الناس عن الصحة سوى حملات شلل الأطفال, ويوجد به مكتب الصحة في المجمع الحكومي وهو عبارة عن غرفة يعمل فيها 33 موظف فيما 3 مستشفيات في المحافظة تعاني الإهمال وانعدام الخدمات وأكثر من 80 وحدة صحية مغلقة وموقفة عن العمل، والمهم في تلك المرافق هو حصول القائمين عليها على الاعتمادات والمرتبات، وتلك المرافق تحولت في كثير من المديريات إلى مساكن للمواطنين ومقلب لمخلفات الأعلاف، والناس هنا يصارعون المرض والأوبئة باستمرار، حتى حبوب الأسبرين منعدمة في هذه المرافق، كل ذلك ساهم فيه غياب الاهتمام بحياة الناس وشجع هذا الوضع السيئ انعدام المتابعة والمحاسبة من قبل وزارة الصحة، ويقول الدكتور نايف الحميدي الطبيب في المركز الطبي الأهلي ان الأوضاع الصحية متدهورة فلا تأهيل للقوى البشرية ولا تعاون من المواطنين ناهيك عن انتشار الأمراض الكثيرة ونقص الدواء وهذا يتطلب دورات تأهيلية ونشر الوعي بين المواطنين والتركيز على الفائدة المعرفية لا على الفائدة المالية, لقد أصبح المواطن هنا ضحية المسئولين في الصحة فالمستشفيات الحكومية لديها دعم إلا أن الأدوية المجانية تباع والمرتبات متأخرة بشكل دوري في الكثير من الأحيان.
الدكتور/ حسن, سوداني الجنسية يعمل في مركز أهلي، يقول: المريض هنا يقطع المسافات الطويلة للوصول الى صنعاء وغيرها من المحافظات لغرض العلاج لأنه لا توجد في المرافق الصحية في المحافظة ابسط مقومات الصحة الأولية وأما المراكز الأهلية وهي محدودة للغاية فتفتقر إلى المقومات التي تجعلها تغطي العجز القائم, الناس هنا يعانون الكثير ولكن لا أحد يتلمس معاناتهم ولا احد يريد ان يسمع ويخفف ولو جزء من عذاباتهم وهمومهم, الحاج علي صالح يقول: خدمات الصحة غير موجودة وما عليك إلا أن تذهب إلى اقرب مركز صحي لترى حقيقة الأمر ويفضل الناس الذهاب الى طب الأعشاب لان المرافق الصحية مغلقة وعبارة عن مباني فارغة يجني مسئولوها الاعتمادات فقط, والذهاب الى صنعاء يكلف الناس الكثير ويجعلهم يبيعون مواشيهم للذهاب للعلاج في صنعاء وغيرها ويتحملون تكاليف السفر والعلاج والإقامة مع أن المفروض أن توفر الصحة الطببيب والعلاج والا ما هي الفائدة من وجودها.
فساد جاثم
العبث والإهمال وانعدام الرقابة شجع الفساد على ان يحقق آماله في ظل هذا الوضع, مكتب الصحة لم يشهد الاستقرار كثيرا ويتوالى على المكتب مجموعة من المدراء بشكل سريع اخرهم المدير السابق الدكتور علي حزام الذي قدم استقالته الى المحافظ وعين بدلاً عنه الدكتور عبدالملك الصنعاني, ويعلق الكثير من ابناء المحافظة آمالهم في ان يقوم المدير الجديد بخطوات عملية تساهم في التخفيف من معاناتهم وان يضع حداً للتسيب الذي يعاني منه مكتب الصحة وان يقوم بتشغيل المرافق الصحية ويوفر الكادر والعلاج.
فهناك الملايين من الريالات تصرف بحجة تشغيل تلك المرافق وهي في الحقيقة مغلقة لم تقدم شيئا كما ان ايرادات المكتب تذهب إلى غير جهة الاختصاص وتحول لصالح أشخاص قد يكونون من القطاع الصحي.
في تقرير للجنة الصحة والسكان عن زيارة للمحافظة بشأن تقييم الوضع الصحي قال التقرير ان هناك اختلاسات في صندوق الدواء حيث تم في ديسمبر 2003م استلام أدوية ومستلزمات طبية من المخزن الإقليمي بصنعاء بمبلغ 59.000 الف دولار فيما وصل مخازن المحافظة ماقيمته 25.000 الف دولار فقط بعجز قدره 33.000 ألف دولار ذهبت إدراج الرياح، وأشار التقرير الى وجود مستشفيين مغلقين وأكثر من 80 وحدة صحية مغلقة، كما أشار إلى غياب البنية التحتية وبطء في عملية التنمية وحرمان أبناء المحافظة من أدوات التدريب، وأوصى التقرير بضرورة تشكيل لجنة من الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ووزارة الصحة لمعرفة أين ذهبت تلك المبالغ. وألمح التقرير إلى ما حدث في ترميم مستشفى الحزم العام من قبل الحكومة الألمانية بمبلغ مليون ومائتي يورو الا ان الواقع يقول غير ذلك ملاحظا وجود أجهزة طبية قد استنفدت عمرها الافتراضي وأثاث قديم, كما ان في الحملات الطبية للقاحات شلل الأطفال وغيرها تشهد أداء سيئا ويحدث من تلاعب بالمخصصات المالية التي توزع بطريقة عشوائية ومزاجية وكما يشوب تلك الحملات قصور في التنفيذ وقصور في تغطية العزل كما ان الكثيرين ممن يقوم بتنفيذ تلك الحملات ليسو من موظفي الصحة وليس لهم علاقة بالتطعيم ويقومون بذلك بغرض الحصول على المبلغ المالي المحدد غير مكترثين بحياة الناس وأطفالهم والمهم هو ما يحصلون وأسفرت تلك الأعمال في وضع الكثير من المعوقات والأخطاء الطبية. انعدام المتابعة له الدور الكبير عن انتشار الكثير في الظواهر مثل تهريب الأدوية كما أن الصيدليات مليئة بالأدوية المنتهية وغير الصالحة والممنوعة, وفي العام الماضي وصلت أدوية بمبلغ 50.000 ألف دولار من صنعاء إلى المحافظة فتم تخزينها في بدروم المجمع الحكومي حيث تنعدم فيه التهوية مع ارتفاع درجات الحرارة الذي افقد تلك الأدوية صلاحيتها لكنها توزع على بعض المديريات وهي مشارفة على الانتهاء وربما وصلت في المناطق البعيدة وهي قد مر عليها أيام وهي غير صالحة للاستخدام, والباقي لازال في بدروم المجمع الحكومي بعد أن فقدت صلاحيتها وحرم منها الناس وكل ذلك بسبب انعدام المسئولية والضمير الحي, وحتى درجات التوظيف في الصحة لم تراع فيها التخصصات العلمية بل الوساطة فقط, حتى من كان معهم مؤهلات وتوظفوا في مكتب الصحة في الجوف عادوا بعد استكمال توظيفهم إلى محافظات أخرى بعد الاتفاق على تقديم مبلغ مقابل ذلك.
أخطاء طبية متكررة
تدهور الوضع الصحي وانعدام وسائل التامين والسلامة والرعاية والمتابعة يساهم بشكل كبير في حدوث اخطاء طبية متكررة تشهدها المحافظة يكتنف اغلبها الغموض ونتيجة تلك االخطاء تزهق اروح الكثيرين دون معرفة السبب.
في العام الماضي ذهبت إحدى النساء إلى مستشفى الحزم العام للعلاج وأعطيت عن طريق الخطأ غاز لحام الأوكسجين اعتقاداً من الأطباء انه أوكسجين صالح للاستخدام الآدمي ونسبة السموم فيه 70% حسب تقرير وزارة الصحة والداخلية التي حققت في الحادث. ويقول الدكتور مصلح الصماط وهو أخصائي تخدير في المستشفى, لقد أصبت بالصدمة فالمتوفية امرأة عمرها 41 عام فحين تم إجراء عملية قيصرية لها انعدمت حركتها وتوقف قلبها لكن الطفل كان حياً وبعدها ذهبت امرأة ثانية إلى نفس المستشفى وعمرها 14 عاماً ووضعت كمامات الأوكسجين على فمها ورفضت ذلك عدة مرات, ويقول احد الأطباء: اضطررنا لاستخدام بعض المهدءات حتى وضعت المرأة وتوفيت الفتاة وكان السبب أيضا هو الغاز السام وعند التحري والفحص تاكد ان الغاز غاز لحام الأوكسجين وهو قاتل، وظل الأهالي يطالبون بمحاسبة المخطيئن والتعويض ولكن شيئا من هذا لم يحصل وبعد اتهامات بين الصحة وشركة الغاز ميعت القضية ورفعت الى مجلس النواب ومن ثم الى النائب العام وبدوره وجه إلى قيادة الجوف التي لم تفعل شيئاً.
وهناك الكثير من الأخطاء المتكررة منها إصابة 33 طفلاً بالتبلد في المحافظة نتيجة سوء استخدام لقاح أعطي بكميات كبيرة جداً أدت إلى التبلد لديهم
ووفيات الأطفال حديثو الولادة ووفاة الأمهات بسبب أخطاء طبية تحصل بشكل دائم وانعدام رعاية الأمومة والطفولة ساهم بشكل كبير كما أن المحافظة كلها لا توجد فيها عيادة للنساء والأطفال وهناك أكثر من 100.000 مائة ألف من النساء لا يتلقين رعاية صحية مما يجعلهن عرضة لمختلف الأمراض التي تؤدي إلى الوفاة.
http://al-shoura.net/sh_details.asp?det=4388