العزه التي وعد الله بها عباده المؤمنين

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
الثائر
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 111
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 8:25 pm
مكان: اليمن

العزه التي وعد الله بها عباده المؤمنين

مشاركة بواسطة الثائر »

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, العزيز الحكيم, الّذي جعل الإسلام ديننا, وجعلنا مسلمين, والّذي قال في كتابه العزيز: "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً" (المائدة: من الآية3) .

والصلاة والسلام على سيدنا محمّد مبلّغ الرسالة, وحامل الأمانة, وعلى آله الأطهار و بعد:

لسنا بحاجة إلى وصف وضع المسلمين اليوم, فوضعهم معروفٌ ومحزنٌ: تخلّفٌ, وتأخّرٌ, وشعورٌ بالدونية, وانحطاطٌ أدّى إلى القعود, وإلى تسلّط الأمم وتداعيها عليهم .

فأصبح المسلم اليوم يشعر أنّه فاقدٌ للعزّة, فاقدٌ للكرامة, فاقدٌ للمكانة الّتي كان يحتلّها أسلافه بين أمم الأرض سابقاً, مكبّلٌ بالقيود المختلفة, متّهمٌ بشتّى التهم الّتي أُلصقت به, وتبارى مطلقوها في اختيارها وتنقيحها, وصار المسلم, هرباً من واقعه, ينتظر نصر الله ووعده بالتمكين في الأرض, ظنّاً منه أنّ هذا النصرسيأتي دون عملٍ, فغرق في أحلام اليقظة, وفي الاحتمالات الّتي لا تغيّر شيئاً من الواقع الأليم الّذي يعيشه .

وكلنا يعرف أنّ وعد الله للمؤمنين جاء في قوله تعالى:" وَعَدَ اللَّهُ الّذينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الّذي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ" (النور: 55) .

وهذا الوعد لن يحدث إلاّ بالعمل الجادّ الدؤوب, وبالعودة إلى دين الله القويم. ولكن, كلّنا يتسائل: كيف تكون البداية الّتي يجب أن نبدأ بها ؟. كيف تكون العودة إلى الدين الصحيح ؟ . ما هو العمل الّذي يجب أن نعمله لنستطيع أن نحقق وعد الله لنا ؟ . وهل سيتحقق هذا الوعد بأيدينا وبعملنا, أم بمعجزةٍ تنزل من السماء ؟. وإذا كان هذا الوعد لن يتحقق إلا بعملنا, فهل نملك القدرة على تحقيقه, رغم كلّ ما يحيط بنا من أحداثٍ وعوامل ومتغيراتٍ ؟

هل فقدنا القدرة على العودة إلى الطريق الصحيح ؟. هل فات الوقت؟.

هل انتهى الإيمان الحقيقي من القلوب, ولم يبقَ مسلمون حقيقون حقّاً يستحقّون أن يتحقق وعد الله لهم ؟ .

هذه الأسئلة وغيرها سيحاول , بإذن الله , هذا البحث أن يجيب عنها . وأرجو أن يكون بدايةًً للطريق الّذي يجب أن يبدأ به المسلمون لتحقيق وعد الله سبحانه تعالى بالعزّة والنصر . فإن أخطأت فمن نفسي, وإن أصبت فبتوفيقٍ من الله "وَمَا تَوْفِيقِي إِلاّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب" (هود: من الآية 88) .

الفصل الأوّل

شعور المسلم بفقد العزّة, أسبابه:

كثرت الأحاديث والكتابات الّتي تُظهر واقع المسلمين اليوم, وكلّها تجمع على أنّ هذا الواقع هو واقعٌ أليمٌ: أمّةٌ ممزقةٌ, كثيرة العدد, كثيرة الموارد, ولكنّها لا تغني شيئاً, فقد تسلّط عليها أعداؤها, ونهبوا خيراتها, ومزقوها كلّ ممزّقٍ, وتحكّموا بمستقبلها, فحددوا لها ما يجوز وما لا يجوز فغدت من أكثر الأمم تخلّفاً, ومن أكثرها ضعفاً وذلاًّ.

العالم الإسلامي عالمٌ غنيٌّ بموارده وطاقاته, خصّه الله بمساحةٍ كبيرةٍ, تُقدّر بـ31 مليون كيلو مترٍ مربّع, وتعادل 22%, تقريباً , من مساحة اليابسة على سطح الأرض. وهذه المساحة الكبيرة فيها تنوّعٌ كبيرٌ في التضاريس, وفي المناخ, وفي الموارد الزراعية, والمعدنية, والثروات الكثيرة, الّتي أنعم الله بها على المسلمين([1]).

كما أنّ عدد المسلمين, اليوم, يُعدّ بأكثر من 1300 مليون نسمة, أي حوالي 23% من مجموع سكان العالم, وهم متوزّعون في كافّة أنحاء الأرض ([2]).

ولكن للأسف!, فهم مصنّفون ضمن ما يُسمّى بالعالم الثالث, عالم التخلّف, عالم اللاتأثير, العالم المحكوم, المغلوب على أمره, العالم الّذي تنبّأ به النبي r في الحديث الشريف حيث قال: " يُوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ". فقال قائل: ومن قلّةٍ نحن يومئذٍ ؟, قال: " بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ, ولكنّكم غثاءٌ كغثاء السيل, ولينزعنّ الله من صدور عدوّكم المهابة منكم, وليقذ فنّ في قلوبكم الوهن". قال قائل: يا رسول الله ! وما الوهن؟, قال : " حبّ الدنيا, وكراهية الموت"([3]).

صدقت يا رسول الله, فالمسلمون اليوم يمثلّون أمّةً بلا فائدةٍ لا تغني كثرتها شيئاً, بل هي لقمةٌ سائغةٌ تتسابق إليها الأيدي, ولا تستطيع الدفاع عن نفسها, وطبيعيٌّ أن يكون أفراد هذه الأمّة أفرادٌ خاملون, لا فائدة منهم, أفرادٌ بلا عزّة, ولاعزيمة, ولا همّة.

فكثيرٌ من المسلمين اليوم يشعرون أنّهم بلا فائدةٍ, فهم محبطون يائسون, متّهمون, يرون المفاهيم قد قُلبت, المجرم أصبح بطلاً, والمدافع عن نفسه وحقّه يُتّهم بشتّى الصفات الّتي تجعل منه إنساناً مكروهاً, غيرمرغوبٍ فيه.

وهذا كلّه يُشعر المسلم بالدونية وبالانحطاط, وبفقد العزّة, وبالعجز والضعف, فتراه دائماً في حالة الدفاع عن نفسه, وعن دينه, وعن شخصيته وقوميته. ولكن هل أراد الإسلام من هذا المسلم أن يكون بهذه الحال ؟ طبعاً لا .

ولكن هناك أسباباً كثيرةً أوصلت المسلم إلى ماهو فيه من إحباطٍ وانحطاطٍ. فإذا أردنا أن نخلّص المسلم من حاله المزرية الّتي هو فيها, يجب أوّلاً أن نعرف أسباب هذا المرض الّذي ألّّم به, حتّى نستطيع علاجه. فلابدّ إذاً من معرفة أسباب هذا الشعور, وأسباب هذا الانحطاط .

وإذا بحثنا عن الأسباب الّتي أوصلت المسلم إلى ما هو فيه من الذلٍّ والانحطاط, هذا الحال الّذي أقعده عن العمل والسعي البنّاء, نجد أنّ هناك أسباباً متعلقةً بالفرد المسلم نفسه, وأسباباً متعلقةً بالمجتمع والعالم المحيط به :

أوّلاً ـ الأسباب المتعلقة بالفرد المسلم نفسه :

1ـ حبّ الدنيا وشهواتها :

عندما خلق الله تعالى الإنسان جعل من طبيعته حبّ الشهوات والمتع الدنيوية, وسعيه لامتلاك المال وتخزينه, وقد قال تعالى في ذلك :" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشهَوَاتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسنُ الْمَآبِ " (آل عمران :14)

ولكنّ الله تعالى, رحمةً بعباده, لم يتركهم عبيداً لهذه الشهوات بل بيّن لهم أنّها شهواتٌ فانيةٌ لا تدوم, وأنّ المتع الحقيقية الباقية هي متع الآخرة.

وقد جاء الإسلام ليبين للمسلم هذه الحقائق, وليوضّح له أنّ الإسلام يكفل للمسلم السعادة في الدنيا والآخرة, فهو لا يحرمه مما أحلّ الله له من الطيبات, ولكنّه يحميه من الخبائث الّتي تضرّه, وبذلك فإنّه يعطيه الأمن والراحة لأنّه يحقق له التوازن بين ما تريده نفسه, وبين ما يريده الله منه وله من الخير .

ولكن هناك كثيرٌ من المسلمين فهموا من الدين غير مافيه, وسعوا بكلّ قوّتهم وبكلّ الوسائل المتاحة أمامهم لامتلاك أكبر قدرٍ من المال, ليحصلوا به على ما يحبون من الشهوات فانطبق عليهم قوله تعالى: " يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ" (محمّد:12). لذلك فنرى كثيراً من المسلمين:

أ ـ يشعرون بالخوف : من أشياء كثيرةً في هذه الحياة, فهم يشعرون بالخوف من الموت, ومن الأذى, ومن عدم الحصول على الرزق, ومن أشياء أخرى غير هذه . وهذا الخوف الّذي سيطر على نفوس كثيرٍ من المسلمين, جعلهم عبيد غيرهم, فتسلّط عليهم من لا يرحم, واستغلّ هذا الخوف في نفوسهم, وتحكّم بهم وبحياتهم ومصائرهم فأحسّ كثيرٌ من المسلمين بفقد العزّة, وعدم احترام الذّات, وقد نسي معظمهم قول الله سبحانه وتعالى: " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الّذي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ " (قريش:3, 4) .

وكلّما ازداد المسلم ضعفاً وخوفاً, ازداد استغلال المستغلّين وتسلّط المتسلّطين, حتّى وصل المسلم في أحيانٍ كثيرةٍ إلى معصية الله سبحانه وتعالى, والاعتداء على حرماته, وتحليل ما حرّم سبحانه, وذلك بحجّة الخوف على الحياة, أو الخوف من الأذى, أو من الجوع, أو غير ذلك من هذه الحجج, فصاروا كما وصفهم تعالى," يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً " (النساء: من الآية77) .

ب ـ ويشعرون بالعجز : إنّ شعور المسلم بالخوف, وخضوعه وطاعته لمستغلّيه, أشعره بالعجز, هذا العجز الّذي يتمثّل بإحساسه بعدم استطاعته فعل أيّ شيءٍ لتغيير حال المسلمين المزري, وإحساسه بأنّ أمّة الإسلام وما تعانيه من ضعفٍ وذلّةٍ, قد حطّ بها في قاع حفرةٍ عميقةٍ لا يمكن إخراجها منه, فنرى كثيراً من المسلمين اليوم ينطق لسان حالهم بأن: ليس في الإمكان إلاّ ما كان, وبالتالي فليس أمام المسلمين اليوم إلاّ الخضوع والاستكانة, أو التوسّل والمداهنة, وهذا ما جعل كثيراً منهم يبررون لأنفسهم هذا الشعور بالعجز والضعف, بل إنّ بعضهم يعتبر ضعفه أمراً واقعاً لا مفرّ منه, ويستند في تأكيد ذلك إلى آياتٍ من القرآن الكريم, أو أحاديث لرسول الله r, وبالتأكيد يكون هذا الاستدلال ناقصاً, أومشوّهاً.

2ـ البعد عن الدين والفهم الخاطئ له :

كثيرٌ من المسلمين اليوم ابتعدوا عن دينهم وتخلّوا عنه, واستبدلوه بعاداتٍ أو قوانين جوفاء لا تفيد أحداً, ومنهم من فهمه فهماً خاطئاً, واكتفى منه بأداء بعض العبادات والأدعية ولم يحكّمه في حياته. ومنهم من تشدد في فهمه, فضيّق على نفسه وغيره من حيث وسّع الله عليه, لذلك نرى :

أ ـ كثيراً من المسلمين ينتظرون أن يتحقق نصر الله بمعجزةٍ: دون أن يقوموا ببذل أيّ جهدٍ, لتحقيق هذا النصر . فالمسلم "ينتظرأن يتحقق هذا الدين, ما دام منزّلاً من عند الله, بطريقةٍ سحريةٍ, خارقةٍ, غامضة الأسباب, ودون أيّ اعتبارٍ لطبيعة البشر" ([4]). لذلك فهو يعتبر أنّ النصر سيأتي, وسواء عمل أم لم يعمل فإنّ النصر قادمٌ لا محالة, ونسي أنّ الله سبحانه قد قال: " يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " (محمّد:7)

وعندما لا يتحقق النصر المنتظر, يصيب هذا المسلم اليأس والقنوط, ويشكّ بما عنده من مبادئ وقيمٍ إسلاميةٍ. وصدق تعالى إذ قال: "وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ "(الروم:36).

ب ـ كثيرٌ من المسلمين لا يفهمون خطاب الله لهم: ويظنون أنّ الخطاب الموجود في القرآن الكريم ليس موجهٌ لهم, وأنّ آيات الكتاب العزيز أنزلها الله لكي تُقرأ في المآتم, أو للتبرّك أو لفكّ السحر, وغير ذلك من هذه الأمور.

ونحن نعرف أنّ القرآن الكريم جاء بالعبرة والموعظة الحسنة وهو هدىً ونورٌ للناس, ليخرجهم من الظلمات إلى النور " هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ " (آل عمران:138). ويجب على المسلم أن يقرأ القرآن وهو مؤمنٌ أنّ كلّ آيةٍ فيه هي خطابٌ موجّهٌ له, ويجب عليه فهمه والعمل به, فالقرآن هو دستور الحياة والناظم لها, يقول تعالى في كتابه العزيز:" اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلودُ الّذينَ يَخْشوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جلُودُهُمْ وَقلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ "(الزمر:23) .

وجاء القرآن الكريم بقصص الأمم السابقة للعبرة والفهم, ولتكون هذه القصص نموذجاً حيّاً أمام المسلمين ليستفيدوا من تجارب الأمم السابقة, فيبتعدوا عن الخطأ وينهلوا من الخير, ولكنّ المسلم "بحسب مواريثه الثقافية خلال القرون صار ينظر إلى أحداث هذا الكون نظراً يخلو من رؤية الأسباب الّتي تساعد على وجود الأحداث ونموّها, فلا يرى القوانين والسنن الّتي تعمل في أحداث هذا الكون, ولايرى المؤثّرات البعيدة والقريبة, الّتي ساهمت في حدوث الأوضاع الّتي يعيشها. وحتّى صلة الحاضر بالماضي والمستقبل ليست واضحةً لديه" ([5]).

لذلك فهو لا يسعى لتغيير واقعه, لأنّه لا يعرف الطريق, ولا الوسيلة المثلى لذلك, وهو أيضاً لا يستفيد مما آتاه الله من الآيات, الّتي تساعد على رفعة نفسه وأمّته, وكلّ هذا يصيب المسلم بالإحباط والعجز, ويزداد إحباطاً وعجزاً وهو يرى الأمم الأخرى تتقدّم وأمّته ماتزال غارقةً في لجّة الظلام والانحطاط.

3 ـ فقدان الحرية:

من الأسباب الّتي أدّت إلى شعور المسلم بفقد العزّة هو فقد الحريّة. فالمسلم اليوم مقيّدٌ بقيودٍ كثيرةٍ, فهو لا يستطيع أن يعبّر عن نفسه, وعن رأيه دون خوفٍ من المحاسبة والمعاقبة, حتّى في أكثر الأمور تعلّقاً بحياته. وفي كثيرٍ من الأحيان لا يستطيع أن يمارس شعائر دينه كما يجب, فهو يجد كثيراً من الرقابة عليه, كثيراً من الحجر([6]), لذلك فإنّه يحسّ بالقيود تحيط به من كلّ جانب, وبأنّه لا يملك من أمر نفسه شيئاً .

وليس هذا الأمر مقصوراً على المسلمين المقيمين في البلاد الإسلامية فقط, وذلك لما نعلم من غيابٍ لحريّة الرأي في معظم هذه البلاد, ولكنّ المسلم حيثما ذهب, وفي معظم البلاد, هو إنسانٌ متّهمٌ, غير مرغوبٍ فيه, محاربٌ في كلّ مكانٍ, فالإسلام هو العدوّ الأوّل, في نظر أعدائه وفي نظر من يجهل هذا الدين, والمسلم هو الإرهابي, وسواء كان هذا

المسلم ملتزماً بدينه أم لا, فهو في عرف غير المسلمين لا يستحقّ المعاملة الحسنة ويجب الحذر والحيطة منه بشكلٍ دائمٍ, ولا يملك المسلم حتّى قوّة الدفاع عن نفسه لأنّه ممنوعٌ من ذلك, ولا يستطيع أن يُفهم العالم دينه بالشكل الصحيح, فالحروب عليه من كلّ جانب, ووسائل الدفاع شبه معدومة .

وحتّى في البلاد الّتي تُسمّى اليوم متحضّرة لم يعد يملك القدرة على التعبير عن رأيه بحريّة, ولا يستطيع الدفاع عن دينه ومعتقداته دون أن يتّهم بشتّى أنواع الإتهامات وأقلّها الإرهاب وعدم التحضّر. كلّ هذا يُشعر المسلم باليأس والخمول والذ ّل, مما دفع ببعض المسلمين, أو من ينتسب إلى الإسلام قولاً لا اعتقاداً, بالتنصّل من دينهم كليّةً.

4 ـ الحالة الاقتصادية :

من أسباب فقد العزّة, سيطرة الفقر على كثيرٍ من المسلمين اليوم, والعالم الإسلامي فيه كثيرٌ من الفقراء الّذين لا يجدون ما يعيلون به أنفسهم وأسرهم. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ هناك تفاوتاً كبيراً بين الناس بالنسبة للحالة الماديّة, فنجد مجموعةً تملك المال الكثير, الفائض عن حاجتها, ومجموعةً أخرى لا تملك شيئاً ولاحتّى الضروريات الهامّة فكيف بالكماليات الّتي يمكن الاستغناء عنها ؟ .وأصبحنا نجد أنّ كثيراً من الأغنياء يعاملون الفقراء بترفّعٍ واستعلاءٍ, ويظنون أنّ من يتقرّب منهم, إنما يتقرّب لأجل المال لا غير .

وكذلك فإنّ تغيّر الوضع الإجتماعي, وزيادة حاجات الإنسان وتحوّل كثيرٍ مما كان يُعتبر سابقاً من الكماليات الّتي يمكن الاستغناء عنها, إلى ضرورياتٍ لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها, كلّ هذا زاد من حاجات الإنسان الماديّة, مع ظهور مشاكل إقتصادية في معظم بلاد العالم تجعل من الحصول على المال أمراً صعباً. هذه الأمور تؤثّر في نفس المسلم, وتجعل منه إنساناً مستسلماً محبطاً, وهو يرى أنّ حاجته إلى المال تزيد من ضعفه وذلّه .

ثانياً : الأسباب المتعلّقة بالمجتمع المسلم :

1 ـ واقع العالم الإسلامي وتخلّفه :

ونحن لسنا في حاجةٍ إلى برهان ذلك, فالمجتمع الإسلامي هو مجتمعٌ متخلّفٌ من كلّ النواحي: الفكريّة, والاجتماعيّة والسياسية, والاقتصاديّة([7]). لذلك فالمسلم لا يشعر بالفخر بانتسابه إلى هذا العالم المتخلّف ونرى كثيراً من المسلمين يريدون الخروج من هذا المجتمع, فالإنسان " الّذي فقد مسوّغ عيشه في المجتمع, يترك المجتمع كما يترك أيّ إنسانٍ الوظيفة الّتي لم يعد لديه مسوّغٌ للتعلّق بها "([8]).

وإذا ترك المسلم مجتمعه, واتّجه إلى مجتمعٍ آخر, والمسلمون اليوم يتّجهون إلى البلاد الغربيّة والأوربيّة, فإنّ إحساسه بالغربة, ومعاملة الناس له على أنّه غريب يُؤّثر في نفسه, ويُشعره بفقد العزّة .

2 ـ تفرّق المسلمين وتشتتهم :

فالمسلمون اليوم متفرّقون, لا تجمعهم قيادةٌ واحدةٌ, وليس هناك تعارفٌ بينهم, فنرى كثيراً من المسلمين لا يكادون يعرفون أيّ شيءٍ عن إخوانهم المسلمين في غير بلادهم . لذلك فلم نعد نرى, في أغلب الأحيان, من جامعٍ يجمع بين المسلمين" إلاّ العقيدة الدينية, مجرّدةً عمّا يتبعها من الأعمال وانقطع التعارف بينهم, وهجر بعضهم بعضاً هجراً غير جميلٍ"([9]) ومن المعلوم أنّ التفرّق, وغياب التراحم, وعدم الإحساس بالمسؤولية تجاه ما يحدث في البلاد الإسلامية من مآسٍ وفقرٍ وحروبٍ ومشاكل لا تعدّ ولا تُحصى, كلّ هذه الأمور هي عناوين للضعف, هذا الضعف الّذي نراه مسيطراً على كلّ البلاد الإسلامية مقارنةً بغيرها من البلاد الأخرى, والضعف كما نعلم هو سبب الذّل الّذي يحلّ بالأفراد أو الجماعات, وهو الدافع لتسلّط الأعداء .

3 ـ تفشّي المفاهيم الغربية في العالم أجمع :

فالمجتمع الإسلاميّ اليوم يتعرّض لكثيرٍ من الأفكار الغربيّة ولغزوٍ ثقافيٍّ وفكريًّ, وأصبح مفهوم التقدّم مرادفٌ للتغرّب فمعظم " الأقطار الإسلامية تفترض خاطئةً أنّ التغيّر مرادفٌ للتغرّب, وبناء عليه فإنّه يتوجّب استبدال المعايير التقليدية بالقيم الأجنبية"([10]). و تغيّرت المفاهيم العامّة في المجتمع الإسلاميّ, وتغيّرت قيمه وعاداته, فهناك تناقضٌ بين ما يُؤمن به المجتمع المسلم, وبين ما يراه من قيمٍ تنتشر في العالم. وسعياً للتقدّم المنشود صار كثيرٌ من المسلمين يقلّدون الغرب في قيمه وعاداته. والتقليد استصغارٌ للنفوس, وإكبارٌ لمن نقلّد, وهذا يعني أننا استبدلنا الخير الّذي بعثه الله لنا, بالغرب الّذي لا يعرف ديناً ولا خلقاً, وفي هذا فقدٌ للعزّة .

4 ـ ترفّع العلماء والمصلحين عن الانخراط في المجتمع وغياب القدوة الصالحة:

فهناك كثيرٌ من العلماء المسلمين اليوم يتعاملون مع مجتمعهم على أنّه مجتمعٌ ضالٌّ مضلٌّ, فينسحبون من العمل على إصلاح هذا المجتمع ويتركونه إمّا ترفّعاً ويأساً, أو لا تُعطى لهم الفرصة أصلاً للعمل على إصلاح المجتمع. ونرى كثيراً ممن ينخرط في المجتمع منهم إمّا أنّه بحاجة هو إلى إصلاح, كونه يقول ما لا يفعل, أو يكون بوقاً للسلطة يفتي بما يناسب الحكّام والمتنفّذين. كلّ هذا جعل الناس يفقدون احترامهم للعلماء, وفقد العلم درجته في النفوس, وصدق الشاعر حيث قال :

ولوأنّ أهل العلم صانوه صانهم ولوعظّموه في النفوس تعظّما

ولكنهم قد دنّسوه وعرّضوا محيّاه للأطماع حتّى تجهّما ([11])

ولا يمكن لنا أن نعمم هذا على كلّ العلماء والمصلحين, ولكنّ الأعمّ الأغلب منهم لا يملك الجرأة والإمكانات ليكون قدوةً صالحةً لأفراد المجتمع, لذلك نرى أنّ كلّ مسلمٍ اليوم يشعر بأنّه لا يجد بين هؤلاء العلماء من يمكن أن يعتبره قدوةً صالحةً له وهذا يشعره بالإحباط فقد تغيّرت المفاهيم والمعايير الناظمة للأفضل بين الناس .

وصدق رسول الله r إذ قال: " إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد, ولكن يقبض العلم بقبض العلماء, حتّى إذا لم يبقَِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهّالاً فسؤلوا فأفتوا بغير علمٍ, فضلّوا وأضلّوا"([12]).

5 ـ عدم تناهي المسلمين عن المنكر, وغياب التراحم في المجتمع :

حيث أصبح أفراد المجتمع يرون الخطأ ولا ينكرونه, وأصبحت حرمات الله تُنتهك أمام سمع وبصر المسلمين, ولا يتحركون لفعل أيّ شيءٍ, فكثرت المعصية, وأصبح وجودها في المجتمع مما عمّت به البلوى. وفي الحديث الشريف, عن أبي بكرٍالصديق رضي الله عنه قال: " يا أيّها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية " يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ " (المائدة: من الآية105) فإني سمعت رسول الله r يقول: "إنّ الناس إذا رأوا المنكر لايغيّرونه, أوشك أن يعمّهم الله بعقابه "([13]).

ومع غياب التراحم بين أفراد المجتمع, انشغل كلّ إنسانٍ بحياته, وعمّ النفاق النفوس, وسادت روح الأنانيّة, مما أدّى إلى ضعف الروح المعنوية, وهذا طبعاً يؤثّر في نفس المسلم ويضعفه.

هذه أهمّ الأسباب في رأيي لشعور المسلم بفقد العزّة والإحباط, هذا الشعور الّذي ترك آثاراً سيّئةً, على مستوى الفرد المسلم نفسه, وعلى المجتمع الإسلاميّ والأمّة الإسلاميّة وعلى العالم بأسره, لذلك فسوف نستعرض معاً هذه الآثار, لنعرف مدى أذاها وضررها على حياتنا كمسلمين وعلى حياة الإنسانية جميعاً .

آثار فقد العزّة :

أوّلاً ـ أثر فقد العزّة على المسلم :

1ـ الضعف الّذي يحلّ بالمسلم :

فمن فقد العزّة فقد معها القوّة وأصبح خائر القوى لا يدفع عن نفسه أذى, ولا يستطيع حفظ كرامته, بل ربّما يُساق إلى فعل ما لا يريد وما لا يحب, فيصبح تبعاً للمتسلّطين عليه, ينفّذ ما يطلبون, سواء أحبّ ذلك أم كرهه.

2ـ اليأس والقنوط :

فهو بضعفه, الّذي سيطر عليه, لا يستطيع تغيير واقعه, وهذا يشعره باليأس والقنوط, وإذا أصاب اليأس روح إنسان فاحكم عليه بالموت, حتّى ولوكان حيّاً, فاليأس موتٌ لهمّة الإنسان وعزيمته, أمّا " علّو الهمّة فإنّه باعثٌ على التقدّم, وداعٍ إلى التخصيص, أنفةً من خمول الضعة, واستنكاراً لمهانة النقص "([14]).

3ـ الإحباط :

وفي علم النفس يصاب الإنسان بالإحباط إذا نشط فيه دافعٌ نفسيٌّ, وحاول إشباعه ولكنّه لم يستطع, وذلك بسبب الواقع الّذي يعيشه, أو بسبب عجزه هو عن إشباع هذا الدافع.([15])

وفاقد العزّة إنسانٌ عاجزٌ, لايستطيع تحقيق ما يريد, لذلك يُصاب بالإحباط, وهذا يؤدّي في بعض الحالات إلى شكلٍ من أشكال العدوان, الّذي يدفع الإنسان للعمل على إيذاء نفسه أو غيره. ([16])

4ـ الانغماس فيما حرّم الله :

ففاقد العزّة قد يُجبر على فعل ما حرّم الله, وإذا عصى المسلم الله وهو يعلم, أصبحت معصية الله أمراً سهلاً عليه فيتجرّأ على حرمات الله ويصبح فعل المنكرات من عاداته الّتي لا يستطيع الابتعاد عنها, وذلك بسبب ضعفه, الّذي يُوصله إلى مرحلةٍ لا يقدر معها على التراجع, وكلما ازداد ضعفاً, ازداد انغماساً فيما حرّم الله, وكلما ازداد انغماساً فيما حرّم الله, لم يعد في مقدوره التراجع, وبالتالي يبدأ باحتقار نفسه ذلك أنّه يعرف أنّ الطريق الّذي يسير عليه هو طريقٌ خاطئ لا يُرضي الله هذه الحالة لابدّ أن توصله إلى طريقٍ مسدودٍ إذا لم يرجع إلى الله ويعلن توبته على ما فعل .

5 ـ فقد الإحساس , وعدم الإهتمام بما يجري حوله:

فقد أراح نفسه من تقصّي أحوال غيره من المسلمين, وذلك بحجّة أنّه لا يستطيع أن يفعل لهم شيئاً, وبالتالي لماذا يُتعب نفسه ويتألّم لأحوالهم التعيسة ؟ . فهناك مسلمون فقدوا الإحساس بإخوانهم المسلمين الأخرين, وأصابهم البخل, والجبن, لأنّهم فقدوا العزّة الّتي تستحقّ أن يبذلوا أنفسهم من أجلها, "وحين يفقد الإنسان شيئاً يستحقّ أن يبذل نفسه من أجله, فقد فقدَ أساس الفعالية, وغرق في أساس الكلالة والوهن " ([17]).

ثانياً : أثر فقد العزّة على المجتمع المسلم :

إنّ المجتمع الّذي يعاني أفراده من الضعف والقنوط والإحباط وفقد الإحساس, والإجتراء على حرمات الله, يعيش في وضعٍ لا يُحسد عليه, وهذا ما نراه في المجتمع الإسلامي اليوم, والّذي يعاني من :

1 ـ انتشار القيم الغربية والمنحرفة في المجتمع :

فهذا المجتمع الّذي أصبح مفتوحاً للغرب, وذلك بسبب ضعف أفراده, صار متلقيّاً ومتأثّراً بأفكار وانحرافات الغرب, فصرنا نرى في المجتمعات الإسلامية كثيراً من المظاهر المنحرفة, هذه المظاهر الّتي استوردها المجتمع المسلم من الغرب بحجّة التقدّم والتطوّر, حتّى أصبحت كالسرطان الّذي يغزو أعضاء الجسم فيبدأ بجزءٍ صغيرٍ منه ثمّ يعمّ في كلّ أعضاء الجسم حتّى يقضي عليه في النهاية .

2 ـ الخوف من الحكّام , وانعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم :

فالحاكم أصبح بحاجة إلى الحماية من شعبه, بدل أن يكون أفراد هذا الشعب هم عونه وحماته . والمحكوم أخذ ينظر إلى حكّامه على أنّهم خونةٌ, وغير أهلٍ للثقة, وليس لهم همّ سوى استغلال الناس وإخضاعهم , ونهب ثرواتهم, ومعاملتهم معاملة العبيد, وما هذا إلاّ نتيجةٌ لما يعانيه أفراد هذا المجتمع من فقدٍ للعزّة .

3 ـ التحديات الخارجية, وتسلّط الأعداء :

فكلما كان المجتمع قويّاً كان أكثر تحصّناً من الأعداء, وكلّما كان ضعيفاً صار مطمعاً لغيره. لذلك فالمجتمع الإسلاميّ, ومنذ فترةٍ طويلةٍ, يتعرّض لهجماتٍ صليبيةٍ شرسةٍ, هدفها السيطرة عليه, ونهب خيراته, ومازالت هذه الهجمات مستمرّةً, وإن اختلفت أساليبها, وتنوّعت غاياتها .......فنرى, في بقاعٍ كثيرةٍ من العالم الإسلامي, جروحاً تنزف, ولا نستطيع, بسبب ضعفنا, أن نداويها .

4 ـ التمزّق والتفرّق والخلافات المستفحلة بين الأقطار الإسلامية :

وكما قلنا, فإنّ التفرّق هو نتيجةٌ للضعف, والبلاد الإسلامية بلادٌ ضعيفةٌ, لذلك نراها متفرقةً متشتتةً, والخلافات مستفحلةٌ فيما بينها ومازالت القوى العالمية تغذّي هذه الخلافات, بل وتزرعها إن لم تكن موجودةً أصلاً .

وليس انتشار الطائفية, والإقليمية, والقوميّة, إلا بصنع وتشجيع من هذه القوى الخارجية, الّتي رأت أنّ من مصلحتها بقاء هذه الخلافات, الّتي تستنزف قدرات العالم الإسلامي, وطاقاته, وأمواله, حتّى يبقى تحت السيطرة, ولا يقوى على النهوض .

5 ـ التدهور الخطير في الإقتصاد, وفي مناحي الحياة عامّةً :

وهذا أمرٌ معروفٌ فالدولة الضعيفة ليس لها سيطرةٌ أصلاً على مواردها, حتّى تستطيع تطويرها, واستغلالها الاستغلال الأمثل .وضعف الاقتصاد يعني ضعفاً في كلّ المرافق الأخرى, لذلك نجد أنّ البلاد الإسلامية, ذات الخيرات الكثيرة, هي بلادٌ متخلّفةٌ اقتصاديّاً, وتنمويّاً, وثقافيّاً, وسياسيّاً, وإداريّاً, ومازالت القوى الكبرى تستفيد من خيرات البلاد الإسلامية ومن مواردها البشرية, الّتي تهاجر إلى الغرب لتحصيل لقمة العيش .كلّ ذلك بسبب الضعف, وعدم فعالية الأفراد في المجتمع المسلم, ولعدم غيرتهم, وعدم مقاومتهم للتحديات الخارجية الطامعة فيه.

وللأسف لم يكن " العالم الإسلاميّ, في فترةٍ من فترات التاريخ, أغنى, وأقوى, وأوسع, منه في هذا الزمان ........ ولم يكن أهون, ولا أذلّ, ولا أضعف, وأخفّ في الميزان السياسي الدولي, منه في هذا الزمان " ([18]).

ثالثاً : أثر فقد العزّة على العالم كلّه :

إنّ تردّي الأخلاق في العالم, وابتعاد الناس عن الدين, وتقديس المادّة, ما هو إلاّ نتيجةٌ لغياب القدوة الصالحة, والّتي كان يمثّلها الإسلام. ومع ابتعاد المسلمين عن دينهم, واتّباعهم للغرب, أصبح العالم يعيش في جاهليّة, بالرغم من تقدّم العلوم, وانتشار الإختراعات, وكأنّ هذا التقدّم, وهذه الإختراعات قد جعلت الإنسان يغترّ بما عنده من العلم,

ويزداد بعداً عن الدين وعن الخالق . وهكذا, تحوّلت البشرية إلى " جاهلية ماديّة, تجرّدت من كلّ ما خلّفته النبوّة من تعاليم روحيةٍ, وفضائل خلقيةٍ, ومبادئ إنسانيةٍ. وأصبحت لا تؤمن في الحياة الشخصيّة إلاّ باللذّة والمنفعة الماديّة. وفي الحياة السياسية إلاّ بالقوّة والغلبة. وفي الحياة الاجتماعيّة إلاّ بالوطنيّة المعتدية, والقوميّة الغاشمة. وثارت على الطبيعة الإنسانية, والمبادئ الخلقيّة, وشُغلت بالآلات, واستهانت بالغايات, ونسيت مقصد الحياة " ([19]). وماهذا إلاّ لتخلّي المسلم عن دوره في العالم, لأنّه فقد عزّته, وكرامته وهمّته.
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“