المعجزة اليابانية ،،، ونُسختها التايوانية ... والإخفاقة اليمانية .... عنوان عريض طويل وممل يصعب معه التتبع بل ويستحسن إدارة الظهر لمثله حتى لايصاب المرؤ بالدوار والغثيان ،، بعد الحسرة والحيرة والمرارة ... والإحباط .
كان الإمبراطور الياباني ( الميكادو) ميجي يقود مجموعة من فرسان الساموراي مع فئاتهم الأكثر فروسية من الكاميكازي ،،، وهم الفئات التي تقوم بهجمات إنتحارية دفاعا عن الوطن ... بالطبع الإمبراطور كان يقيم على إرث ثقافي غني من الفروسية المرتبطة بحب الوطن وتقديس إبن الشمس ( الإمبراطور) بالرغم من إنقسام المجتمع الياباني بين ثقافتين متناقضتين تماما وهما الشينتو وهي ديانة وثنية ولاتؤمن بالبعث والبوذية وهي ديانة معروفة ...
الإمبراطور ميجي قام بإبتعاث مجموعة من فتيان اليابان لأوروبا وأميريكا للدراسة ورحل قبل أن يشهد النتيجة حيث واصل المشوار الإمبراطور هيرو هيتو فواصل البعثات ... وخلال نصف قرن نسج اليابانيين معجزتهم الإقتصادية المعروفة والتي أصبح لها بعدا عسكريا حيث وصلت الإمبراطورية اليابانية لماعرفناه ودرسناه .
ونرحل عن اليابان للبر ألأسيوي حيث العملاق الصيني ... الصين اِلإمبراطورية الكبيرة كانت أعجز من أي دولة نامية حيث كان الفساد المستشري ينخر كامل مفاصل البلاد والمحسوبية والبرجوازية ( المشائخ) ناهيك عن عادة الأفيون .. مما تسبب بقيام ثورة عارمة وكان طرفا الثورة فئة الوطنيين بقيادة الجنرال شن كاي شيك والشيوعيين بقيادة ماو تسي تونق ... ولم يمهل الوقت وتناقضاته بعد تصفية المحتل الياباني وقبله تصفية الإرث الرجعي الإمبراطوري حتى شب الخلاف بين طرفي التحرير ...
إنتصر الشيوعيين بقيادة ماو ... ورحل الوطنيين بقيادة الجنرال شيك ،، ليستقرون بجزيرة فرموزا خارج الساحل الصيني ..
قام الوطنيين بحملة أشبه بالهستيرية حيث حولوا الجزيرة الصغيرة إلى ورشة عمل دؤؤب وكان شعارهم التفوق أو الموت .... وبعد أربعة عقود تفوقت فرموزا حتى على اليابان وهي القدوة ... وأصبحت رقما صعبا عالميا ... بكل المقاييس ،،، بل وذهب البعض من الساخرين حينها معلقا على الوضع بقوله : لو أن تايوان (فرموزا) أنتجت القنبلة النووية لأصبح سعرها خمسة دولارات ..
ماذا فعلت اليابان ... وماذافعلت فرموزا (تايوان) لنسج معجزتيهما ... هل كانا يملكان بترولا أو ذهبا أو حتى مساحة كافية لزراعة الأرز .... الجواب كلا ..!
السر كل السر كان بإعداد الإنســــــــــــــــــان ،،، فقط ،،، هو السر المعلن .. فإما يصبح إتكاليا أو إرتجاليا أو وطنيا مثاليا ،، وإما بحالنا اليمني فتى مسجرا مشيشا مقائليا ... و كما قال عليه أفضل الصلوات والتسليم (( يولد المرؤ على الفطرة )) .. المعجزتان اليابية والتايوانية لم تنسجا بزمن موغل وإنما خلال المأئة عام الماضية ... وبعيدا عن كليهما هناك مثالان ،، كوريا وهناك بين ظهرانينا إسرائيل ..
اليمن الميمون لم يكن بعيدا عما فعله هؤلاء .... فبعد فترة إعتكاف ليست بالهينة وكانت الظروف محرجة حيث إبتدأت بالحرب الكونية الأولى وإنتهت بالثانية وكانت الظروف الدولية بينهما وخلالهما أمرا لايطاق ... وكان على اليمانون أن يقلدوا بسياستهم الدولية لاعب السيرك الذي يجب عليه المشي على الحبال ... اِلإيطاليين غربا يريدون سندا ، والفرنسيين بجنوب الغرب يمدون يد الصداقة والود ، والإنجليز بالجنوب والشرق والغرب يرسلون أرتال من خطابات التهديد والوعيد ... وللمصداقية لم يبخلوا بزخات من قنابل الطائرات على تعز والبيضاء ... وإستئصال أجزاء من التراب اليمني المستقل آنذاك ..لبسط النفوذ عليها أو لغرس نبتات ناشزة ومن خارج البيئة أما الحلفاء المحليين والقوى الإقليمية وطابور خامس من الداخل ... بحيث تعذر على اللاعب تحسين الوضع وفضل الوقوف والأحتفاظ بالتوازن حتى يأتي الفرج ..
حال بزوغ أنوار الفجر وبداية إنقشاع سحب الظلام تم إبتعاث العديد ممن يعول عليهم نسج المعجزة اليمنية إقتصاديا وثقافيا وإجتماعيا وعسكريا وأمنيا .... كانت المهمة تتسم بالسهولة والمرونة حيث كانت الساحة اليمنية مهيئة لإستنبات كل ماهو حسن ،، لم يكن هناك فساد إدراي .. لم يكن إقتصاد البلاد مرتهن .. كانت اليمن دائنة لامدينة ... وكانت خزينة بيت المال مملؤة بالفضة والذهب ... كانت المُثل اليمنية والفضيلة والتمسك بأهداب الدين والخلق بأحسن حالاتها ...
ياظبي صنعاء بعسجد خدك المنقوش * ولين قدّك وفضة كفك المرشوش
وسحر عينيك وريش أرماشها المريوش * وصبح وجهك وداجي شعرك المحنوش
وخمر ثغرك وبارق درّه المكنون * وطول جيدك وخافي خصرك المضعون
أو ما تقبل قلبي الواجب من المسنون * نبال لحضك فقلبي مشتغل مربوش
وخل هذا الورش واللج والطهياش * والتيه والكبر والتمويه والطيناش
يادولة الحسن ياسلطانها والباش * يامن مقامك مزخرف في الحشا مفروش
سمعت صوت التمائم فوق غصن القد * تقول هذا هزار إن هد والا مد
فقلت ياسيد أنا رحمه كما تعهد * لاافتش مغطى ولاغطي على مفتوش .
رائعة ياظبي صنعاء ، الحمينية للشاعر علي بن صالح العماري ( ت 1789) المصدر : كتاب شعر الغناء الصنعاني للدكتور محمد عبد غانم ..
وبعد إستراحتنا القصيرة مع شئ من الزاد الروحي .... نعود لليمن وقد عادت البعثات .... لنقارن بعثات اليبان ببعثاتنا ... كان الياباني يعود ليقبل الأرض ويلبس الكومينو ويتمنطق بزنار الساموراي وبه يعلق سيف الكاميكازي ... كان ينحني أمام أي رمز لليابان حتى عندما يرى الشمس تمد أشعتها خلف السحب كان يفسر ذلك أنه علم اليابان .. بالطبع كان باليابان ظلم إجتماعي عظيم وكانت علية القوم تستعبد البقية ... وكان البعض ربما يموت دون أن ينتبه له أحد لكنه كان يعمل وينتج من أجل اليبان ..
عادت بعثاتنا وقبل الوصول كانوا يبصقون الأرض لأنها لايوجد بها مراقص أو مسارح ... كانوا يحتجون لعدم وجود الأنهار الجارية ،، وهي حالة منتفية بجزيرة العرب حيث أن آخر نهر غار منذ أكثر من تسعة عشر الف عام ... كانوا ... وكانوا يعيبون على العامة لبس العمائم اليمنية سواء القبع أو العمامة البيضا أو السوداء ... كانوا لايضعون كوفية على الرأس ... وكانوا يلبسون البنطلونات ... ومع ذلك لم يتطوع أحدهم للتدريس المجاني أو التطبيب ... بل تسابقوا مع العامة ليئسسوا أرقى مقائل القات ... ثم يجذبون الناس من الشيشة للسجائر كتطور نوعي ..
هبت رياح التغيير وتغيرت الأمور فكان السير خلف رائد أعرج وفلسوف أخرق ... ففاتتنا فرصة اللحاق باليابان أو فرموزا .... رغم تشاركنا مع البلدين بأكثر من صفه فنحن ( كان ) لنا حب العمل المستمر المفرط تقليديا .. وكان لنا مثل وشهامة وثوابت ...
رياح التغيير قادتنا للمقائل والسجائر عوضا عن المصانع والمعامل والمزارع والمصائد ..
بالماضي كان القاضي يأتي على صهوة حمار أو بغله وبخجل شديد يشتري حزمة القات ... ويذهب ... ومع التغيير صار الخبير إبن الخبير يدير كل قدير ويذهب لشراء حزمة القات ولكن لمشوار أبعد مستقلا رتلا من العربات الحكومية التي تكلف الوطن مليارات .. ودون رقيب أو حسيب فهو نقيب إبن نقيب والفندم له قريب ..
وهكذا وجدنا أن المواطنين الياباني والصيني رغم ماكان يحيط ببلديهما من قلاقل قد وجدا القدوة الصالحة فصلحا وأنتجا ... وبالسعيدة اليمن الميمون كانت الأجواء مقائلية .... فقيلنا وتنيلنا والأخيرة بلهجة أبناء النيل ... والخوف يقبع بإستمرار تكريس الأخطاء ... وجعلها منهجا ،، وتلك هي المكابرة والإستعلاء ،، ... الغبي ، .
المعجزة اليابانية ، ونسختها التايوانية .. والإخفاقة اليمانية
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 668
- اشترك في: السبت أغسطس 07, 2004 3:39 pm
- اتصال: