أصنام لاحكام
بسم الله الرحمن الرحيم
يظن معظم الناس أن هاؤلاء الحكام المتأمرين فينا والمترأسين علينا، مجرد حكام عاديين، قذفت بهم الصدف الى سدت الحكم، وأزمة الأمر، وأن البعض منهم أوصلتهم الى ذلك القوى الأجنبية من المستعمرين، والطامعين في نهب ثروات بلداننا، فأوصلوهم الى محال القرار، ومناصب الأمر، ليسهلوالهم التدخل في البلاد ، والحصول على امتيازات للتنقيب عن النفط والمعادن، حيث التقت مصلحة الفريقين المتسلطين والطامعين، لتجعل كلا منهم يرفد الآخرويحميه، ويدافع عن مصالحه، بدافع حب المال والتحكم، وينتهي الأمرهنا،
أقول فعلا إن معظم حكامنا قدجاؤاعن هذا الطريق، ولكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، بل من هنا بدأت المأساة، حيث ظهرت الفواقر، وساد الشرك، وانتصبت الأصنام، وأصبح الناس عبيدالأصنام بشرية، أدهى وأشد وأضرمن تلك الأصنام الحجرية والخشبية التي عبدها الجاهليّون قبل الإسلام، لأن تلك الأصنام ليس لها عقول ولاأسماع ولا أبصار، ولا تأمر ولا تنهى، وهاؤلاء أصنام يعقلون ويسمعون ويبصرون وينطقون، يأمرون وينهون ويمكرون، يشرعون الشرائع، ويصدرون التوجيهات، ويلزمون الناس على العمل بها، ويدينونهم وفقها،يعاقبون من لا يدين لهم بالطاعة والولاء، ويستخدمون القوة المالية والعسكرية والدجلة، لقهرنا وإجبارنا على طاعتهم، والمضي في العمل وفق إشاءتهم، ورغباتهم، والى ترك ماينهوننا عنه مما لا يحبونه، ولايريدونه ولايشاؤنه، ومن شاؤا أكرموه، ومن شاؤا أهانوه، ومن رضيوا عنه أسعدوه ومن غضبواعليه عذبوه،أوقتلوه، فالناس لإرادتهم خاضعون، وفي مرضاتهم ساعون،ولأمرهم مطيعون، وعمانهواعنه تاركون، في أعلى صور العبودية تماما كما لوأنهم الله الخالق الرازق الواهب للحياة والمربي للإنسان، يرون لأنفسهم الحق على الحقيقة في أن يأمروننا وينهوننا بما يشاؤن، وعما يشاؤن ويريدون ويفعلون مايشاؤن، وأن علينا أن نسمع لأمرهم وتوجيهاتهم، ونطيع، وننفذها، بل ونعتقداعتقادا جازما لا يخالطه ريا ولاسمعة، ولاتملق، بوجوب الطاعة، وأن نحبهم من داخل قلوبنا، ونواليهم وأولياءهم، ونعادي أعداءهم، وأن لا نناقشهم في أمر، ولانسائلهم عن شأن، ولهم الحق الكامل أن يسائلوننا، ويحاكموننا، ويؤدبوننا، ويقتلون من أرادوامنا، ويستحيون من أرادوا، وهذه أحد أهم صفات الله عزوجل في سيادته على الخلق وعدله فيهم،
حيث قال تعالى ( لايسئل عما يفعل وهم يسئلون) الأنبياء23،ولا أظن أحدامن العقلاء يكابر عقله، وضرورة المشاهدة، والمعايشة لهذا الواقع ينكرهذا، والمنكرإنما ينكره كونه أصلا معتقدا بحقهم في ذلك كله أوجله، في التصرف في عباد الله وبلاده، فهو أصلا وليا من أولياءهم وعبدا من عبيدهم، واعتقاده ذلك فيهم ولهم من أعلى مراتب الشرك وأوضحه، وفي مايلي سرد لبعض النقاط التي تؤكد للقاري اللبيب والمؤمن الصادق صدق ما أطرح ووضوح ما أنصح.
النقطة الأولى : حقيقة العبادة،
العبادة في اللغة هي الذلة، يقال طريق معبد ،أي مذلل سهل للوطيء والمشي فيه، قال طرفة
:تباري عتاقا ناجيات وأتبعت وظيفا وظيفا فوق مورمعبد، يريد فوق طريق سهل، ويقول الله تعالى ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدن) البقرة 138، يعني : خاضعون أذلاء من قول العرب:طريق معبد أي مذلل، وقال النبي موسى (ع) لفرعون ( وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) الشعراء22، أي اتخذتهم عبيدا لك وذلك حيث جعلهم يعملون في الزراعة وغيرها بصفة العبيد المأمورين المجبورين، لا المستأجرين المختارين،
والخضوع هو التطامن والتواضع ، قال تعالى ( فلا تخضعن بالقول) الأحزاب32،
ومعنى خاضعين لله أي منقادين،
والذل والتذل، هو ضد الصعوبة، يقال للناقة التي لاصعوبة في ركوبها: ذلول، وأقوام أذلة وهو اللين والإنقياد، قال تعالى ( هوالذي جعل لكم الأرض ذلولا ) الملك 15، أي سهلة المسالك، وقال تعالى (ودانية عليهم ظلالها وذ للت قطوفها تذليلا ) الانسان14، أي لا صعوبة في تنا ولها وقطفها، سهلة التناول، وقال الطبري في تفسير قول الله عن فرعون وملإه ( أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون) المؤمنون 47: يعنون أنهم لهم مطيعون متذللون يأتمرون لأمرهم، ويدينون لهم، والعرب تسمي كل من دان لملك عابداله، ومن ذلك قيل لأهل الحيرة : العبيد، لأنهم كانوا أهل طاعة لملوك العجم، فالعبادة، والخضوع، والتذلل، معناها واحد هو: الطــاعــــة، والطاعة في اللغة: هي العمل بالمأمور به دون صعوبة، ولذلك يقول العرب: رجل مطواع أي موافق، والمطاوعة : هي الموافقة، وانطاع له، أي انقادله، وأطاعه، وأذعن له انقاد له،
وقال تعالى ( إئتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين) فصلت11، أي منقادات، فالأمر واضح وهو أن الطاعة هي العمل بالمأمور بالموافقة لا بالقسر والإجبار، الذي يخرج الأنسان به عن حد الإرادة والإختيار للفعل، إذا فالعبادة هي: العمل وفق أمرالغير دون صعوبة، وهي حقيقة الطاعة في لسان العرب الذي نزل به القرآن الكريم لإخراج الناس من عبادة الناس الى عبادة رب الناس،
والله تعالى قد خلق هذا الخلق لعبادته وحده لا شريك له قال تعالى ( وماخلقت الجن والإنس الا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات 58، وهو الهدف الذي خلق الله كل هذا الخلق لأجله، والقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تؤكد هذا وتدعوالناس الى عبادة الله وحده وطاعته وتقواه، والعبادة التي هي: الطــاعــة ، طاعته في أمره ونهيه وهي العمل بماأمر والترك لما نهى ، والإعتقاد لما أوجب الإعتقادبه، وترك الإعتقاد لما نهى عن الإعتقادبه، وهذه هي العبادة : الطـــــاعــة، وهو تعالى يستحقها لأنه الذي خلقنا وربانا ورزقنا وخلق لنا مافي الأرض جميعا، فكونه الخالق فهو المالك، وكونه المالك فله وحده حق الطاعة والأمر والنهي والمسائلة والمحاسبة قال تعالى ( الا له الخلق والأمرتبارك الله رب العالمين) الاعراف54، ولأن له وحده الأمر والنهي فله وحده حق التشريع لذلك الأمروالنهي، لأن التشريع هوالأمروالنهي نفسه، ولأن الطاعة هي العمل بذلك التشريع ، وأي عمل بتشريع غير تشريعه تعالى فهو عبادة لمشرعه , ولذلك سماه الله في القرآن الكريم : طاغوتا.
وهنا برزت لنا أهمية عصمة الأنبياء ووضحت أكثر، فلكي تصلنا شرائعه سليمة من التحريف والتعويج والتزوير، أرسل لنا أنبياء عصمهم من التقول عليه والكذب في تشريعه، ليعلمونا قول الله وشرعه، دون زيادة ولا نقصان، لتتحقق له وحده، بالعمل بتشريعه الذي هومنه وحده، عبادة الناس له وحده، قال في نبينا محمد (ص) (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) النجم4، وقال ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ) الحاقة.
ودان الله تعالى عباده وفق تشريعه بدينونة الجزاء، أعد للحساب على ذلك يوما كان مقداره خمسين الف سنة، حيث يحكم الله فيه بينه وبين عباده، وبين عباده فيما كانوا فيه يختلفون، ويجازيهم وفق ما ذكرفي القرآن الكريم ، كما في سورة العصر، وغيرها.
وعلى أساس أن حق التشريع له تعالى وحده، فقد فند بحزم كل تشريع جاء من غيره، حتى في السائبة والوصيلة والحام، مع أن أثرها على المجتمع ضئيل جدا من الناحية الإقتصادية، أو الحقوقية، لكنها تعدّي على حقه وخلاف لتوحيده، قال تعالى ( ماجعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون) المائدة103، وقال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ) الشورى 21.
وهاؤلاء المتسلطون علينا من رؤساء، وملوك، وأمراء وسلاطين، قد جعلوا لأنفسهم حق الله في استعبادنا، حيث يأمروننا وينهوننا وفق مايريدون ويرغبون، وبما يخدم مصالحهم، واستمرارهم في التحكم والتسلط، وبما يشبع رغباتهم وشهواتهم، وبمايضمن لهم استمرارالتصرف فينا وفي مقدراتنا هم وأولياءهم، وأولادهم من بعدهم، ويولون علينا من عمالهم وأولياءهم من يحبون، ويعزلون من يكرهون، ويدفعون بنا الى أن نقتل بأمرهم بعضنا بعضا، ونسجن ونعذب بعضنا بعضا، وندمر مساكن بعضنا بعضا، وفق إرادتهم هم وإشاءتهم هم، ويشرعون لنا أنظمتهم وتعاليمهم، وتوجيهاتهم، بحسب رغبتهم وما اقتضته مصالحهم، ويدينوننا بذلك ويجازوننا عليه عقابا أوإحسانا، فصاروا بهذا بل وبأقل منه آلهة يعبدون.
نعم كثيرا ما يقول وعاظهم الذين سخروهم لإغوائنا وإضلالنا: إننا لم نصل لهم ولم نحج لهم إلخ.. أقول نعم هذا صحيح نوعا ما وإلا فهم يتدخلون حتى في ذلك،حيث يفرضون علينا أن نصلي ونحج ونزكي على الكيفية التي يريدون، ولكن الأوضح من الخوض في هذا، هو أن الصلاة والحج من عبادة لله كونه الذي أمربها وشرعها،
لا لأنها ذات صفة معلومة وأذكار معلومة، ولذلك لو أن أحدنا أبتدع صلاة سادسة أونسكاآخرماقبل منه، لأنه ليس من شرع الله الذي أمرنابه، وإن تظمن ماتظمن من ذكر الله ، فالمسألة هي : الطــاعــة، لأن الطاعة هي العبادة، ومما يوضح أن الطاعة هي العبادة، قوله تعالى (ألم أعهد إليكم يابني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدومبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم) يس، ولا أحدا يصلي أويحج أويزكي للشيطان،وإنما لأنهم أطاعوه فلذلك سمى الله طاعتهم له عبادة كما ترون، وقال تعالى في شأن النصارى واليهود الذين يطيعون أحبارهم ورهبانهم في أمرهم ونهيهم
( إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله الاهو سبحانه عما يشركون) التوبة31، وروى المفسرون أن عدي ابن حاتم الطائي وكان نصرانيا جاء الى النبيء (ص) مسلما وفي رقبه صليب، فقال له رسول الله: الم يحلون لكم الحرام فتستحلونه، ويحرمون عليكم الحلال فتحرمونه؟ قال: بلى قال: فتلك عبادتهم، مع أنهم لم يكونوا يصلون لهم وإنما أطاعوا أمرهم ونهيهم، وقال تعالى (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أولياءهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) الأنعام 121، يعني أطعتموهم فأكلتم لحما حراما فأشركتم لطاعتكم لهم في ما أمروكم به، ولا يعني ان هذا خاص في أكل اللحم الحرام، بل لأنهم أطاعوهم في أمرهم المتمخض عن الجدال ليأكلوا حراما، قال ابن تيمية : من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أوتحليل ما حرم الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله، ذلك لأن رباط الموضوع هو: الطـــاعـــة لغير الله ،لأن تحريم طاعة أحد في معصية الله لا يخص الحكام والعلماء، بل المنع شامل لكل الناس، فليس لأحد أن يطيع أحدا في معصية الله، سواء سلطان ، أوعالم أوالوالدين، أوكائنا من كان، وقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبوبكروعمر، وقال ابن تيمية: إن اتباع المعظمين في كل أمر، وإن أحلوا حراما، وحرموا حلالا بغير هدى من الله شرك، فبا الله قل لي أي حاكم في بلاد العرب كلها على هدى من الله، إنهم أجهل الناس بشرع الله وهديه.
وممايطرحه أولياؤهم وكهنتهم علينالإقناعنابأنهم أولي الأمر قول الله تعالى (ياأيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمرمنكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا) النساء 59 مع أنهم لا يقرأونها بالكامل ليعرف المستمع محتواها، فينزلونهاعليهم كذبا وافتراءعلى الله، فيصدقهم الجهلة بالدين على أنهم أولي الأمر، مع أن حجتهم في ذلك الإدعاء واقع كونهم متسلطين علينا فقط ، حيث استولوا على الحكم بقوة السلاح ودعم الجهات الأجنبية المضادّة للدين، لم نخترهم في شورى يجتمع فيها أهل الحل والعقد من العلماء الكبار والعقال المؤمنين، بعد التعرف على مدى علمهم بالدين والتزامهم به، والعمل على رعاية المسلمين وفق شرع الله، ومع ذلك يقولون أنهم أولي الأمر وذلك يعني أنهم في موقع النبيء إلا النبوة دجلا علينا وافتراء على الله ، مع ماهم عليه من الخنا والفساد، ومعصية الله وظلم عباده، والحكم بأهوائهم، ونحن لو تخيلنا أن النبيء (ص) يبعث ويشاهدهم ، ترى هل سيقرهم في الحكم والتسلط أم سيدعوإلى جهادهم وطردهم وتطهيرالأرض من رجسهم ودنسهم؟ إن من يعتبرهم أولي الأمرالمذكورين في القرآن فإنه يطعن في الدين، لأن أي عاقل في الأرض لن يرضى بدين يمثله هاؤلاء العتاه، ويحكمون باسمه، وما الفرق ـ بحسب واقعهم وسيرتهم التي نراها ونشاهدها ـ بينهم وبين الفراعنه والنمرود؟ لقد كانوا حكاماعلى شعوبهم كهاؤلاء، فهم بحسب طرح كهنة المتسلطين علينا أولي الأمر، فلما ذا أرسل الله اليهم الرسل وهم دول قائمة وسلطات حاكمة؟ أليس ليعملوا وفق قوله تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل 36 أليس لأنهم حكموا عباد الله بغير حكم الله؟ ولما ذا سماهم عالين ، وطواغيت ومجرمين؟ لاشك في أن هاؤلاء وأؤلائك شيء واحد، فمن يعتبر هاؤلاء أولي ألأمر فإنه الى جانب نمرود ضد النبيء إبراهيم (ع) والى فرعون في وجه النبيء موسى (ع) لأنهما قاما وعارضاحكم أولي الأمر بحسب دجلتنا.
وعليه فطاعة هاؤلاء المتسلطين علينا عبادة لهم وشرك أكبرمن شرك الجاهليين الأولين، وليسوا حكاماعاديين، بل أصنام وآلهة يعبدون، ولكن العلماء لايستطيعون أن يبينوا ذلك للناس لخوفهم من بطشهم وظلمهم وتنكيلهم، وإنني لو أطمئن من شرهم لأظهرت إسمي وناظرت على ما أقول عبرأي وسيلة إعلامية، وما قصدي إلا النصح لمن أراد أن ينجي نفسه من عذاب الله وغضبه، أما من كابروأعرض فلا شأن لي به وإنما حسابه على الله.
النقطة الثانية : التعريف بالطاغوت
الطاغوت في اللغة على وزن فعلوت، من الطغيان وهو تجاوز الحد، وطغى السيل إذا طفح الماء عن مجاريه ومساربه ولم يبق منظبطا فيها،
قال تعالى ( إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية) الحاقة 11، وتجاوز حدود المقاييس والمعايير، قال تعالى ( والسماء رفعهاووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) الرحمن، وكل متجاوزللشرع طاغية وطاغوت، فالأصنام والشياطين، والظلمة والمتسلطون من رؤساء وملوك وأمراء، وكل متبوع في الباطل، أومطاع فيه، كلهم طواغيت، والواحد يسمى طاغوتا، لأنه من العبارات التي يستوي فيها المفرد والمثنى والجمع والمذكروالمؤنث، لأنهم على غير أمر الله وحكمه، وشرعه وسلطانه،
قال تعالى لموسى ( إذهب إلى فرعون إنه طغى ) النازعات، لأن فرعون ظالم وعلى غير شرع الله وأمره، وحكم الناس بالقهروالغلبة وعلى هواه وإرادته، وليس لأنه قبطي ، أولأن لقبه فرعون، بل لأنه طغى، أي ظلم وتعدى وأجرم، والتحاكم الى الباطل تحاكم إلى الطاغوت، كونه على غير شرع الله وأمره فالحكم بالباطل طاغوت، والحاكم به طاغوت،
قال تعالى ( الم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا) النساء 60، وذلك لأن شخصين اختصما في عهد النبيء (ص) فاتفقا على الذهاب الى كعب بن الأشرف ليحكم بينهما، والنبيء بينهم يتنزل عليه أمرالله وشرعه، وقال تعالى ( قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل) المائدة 60، وقد فسروا عبد الطاغوت بمن يطيع أحدا في غير شرع الله وأمره، وقال تعالى ( ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل 36، يعني إجتنبوا من يحكم بغير شرع الله فلا تطيعوه ولا تتبعوه، يبين ذلك قوله تعالى ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ) الحديد 25، يعني ليعملوا في الناس بحكم الله الذي هوعدل ورحمة ومنفعة، ويتركوا اتباع الطواغيت والإحتكام إليهم، وانظرالى الدجلة كيف يسعون الى الدفع بالناس نحو الطاغوت بدافع التحكم أولحسد فقد التقت مصلحة قريش واليهود على التنفير من النبيء (ص) فطلب كفار قريش من اليهود إصدار فتوى بحق النبيء محمد (ص) وأتباعة ليحافظواعلى نفوذهم وطاغوتهم، فقالوا: إن ماعليه قريش أهدى مماعليه النبيء وأتباعه، فنزل قوله تعالى( ألم ترإلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفرواهاؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا) النساء 52، فماعليه قريش من عبادة الأصنام والتحاكم بغيرأمرالله طاغوت، وقد رغب الله عباده في اجتناب الطاغوت وترك عبادتها، بقوله تعالى ( والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد) الزمر 17،
وفي الحديث: من رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت، والضلالة ماخالف أمر الله، وقال الراغب: الطاغوت عبارة عن كل معتد، وكل معبود من دون الله، وعن الباقر والصادق: إن المعني به كل من يتحاكم اليه ممن يحكم بغيرالحق.
إذا فالطاغوت، الظلم وعبادة الأصنام، والشيطان، وطاعة أمرغير أمرالله ، والتحاكم الى غير شرع الله، والحكم بغيرهدي الله، وقد تقدم أن طاعة غيرالله في غيرأمر الله عبادة له، ونحن نرى كيف أن المتسلطين علينا في بلادنا العربية لايحكمون بشرع الله، ولا يستنون بسنة رسول الله (ص) وكلهم عصاة ظلمة مرابون، غارقون في الملذات، والشهوات، يقهرون الناس وينهبون البلاد، ويحكمون بأهوائهم ورغباتهم، ولا يخضعون أنفسهم لمسائلة فهم فوق الشرع، وفوق أن يسائلوا، يقتلون من أرادوا، ويسجنون، ويختطفون من أرادوا، ويستحيون من أرادوا، فهل بعد هذاالطاغوت من طاغوت؟
وعليه فمن أطاعهم أوسار في رضاهم مشرك بالله، وعابد للأصنام بلا شك ولا مرية، ومن أراد أن يتأكد فليعرض سيرتهم وألقابهم، والكثير من عباراتهم على القرآن الكريم.
وروى البخاري من حديث أبي هريره، يحشر الناس يوم القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئا فاليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت. أعاذنا الله منهم ومن عبادتهم وشرهم.
النقطة الثالثة: التعريف بالتعالي
التعالي : هو التكبروالتطاول، قال تعالى ( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملإهم أن يفتنهم وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين) يونس 83، قال الطبري: لجبار مستكبر، ومتطاول، وقال تعالى ( وكانوا قوما عالين ) المؤمنون45 قال في الوجيز: مستكبرين قاهرين غيرهم بالظلم ، وقال تعالى ( وأن لا تعلوا على الله ) الدخان19، قال الطبري: لا تطغوا وتبغوا على ربكم فتكفروابه وتعصوه فتخالفوا أمره.
وهاؤلاء المتسلطون علينامتكبرون، ومتطاولون، وقاهرون لنا بالظلم ومستعبدون لنا بأمرهم وطاعتهم، كما أوضحنا سابقا، وقدبلغ بهم التعالي على الله إلى استخدام العبارات التي يستخدمها الله في تشريعه، فيقولون: نكلف فلانا بكذا، ويجب على فلان دفع كذا وكذا، وألزمنا، ونزكي، وعفونا، الخ...والإشكالية هنا لاقتران ذلك بالحكم والسيادة،
كما تسموا بأسماء الله تعالى ، فيقولون: صاحب الجلالة، والجلال ليس إلا لله تعالى، قال ( ويبقى وجه ربك ذوا الجلال والإكرام) الرحمن 27،
وقال ( تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام) الرحمن 78، وصاحب العظمة، قال تعالى ( وهو العلي العظيم ) البقرة ، وصاحب المعالي قال تعالى ( وهو العلي العظيم) وصاحب السمو، والسمو هو العلو، وهو كصاحب المعالي، وهذه أسماء الله الحسنى، لا يجوز لعبد من عباده التسمي بها، كما أن التسمي بها ترفّع عن العبودية لله تعالى، ومن من الأولين أوالآخرين تسمى بهذه الأسماء سوى حكامنا، مع أنهم يصدرون بها قرارات رسمية، وذلك من الإلحاد في أسماء الله ، لأن الإلحادفي أسمائه جعل أسماء الله أوصفاته لأحد غيره، فلولا أنهم يشعرون في داخلهم بروح التعالي على الله وعلى خلقه، مارغبوا بل ولا تنبهوا لأن يغدقواعلى أنفسهم بأسماء الله الحسنى،
أما عن الصفات التي هي لله والتي يصفهم بها أبواقهم وكهنتهم فحدث ولا حرج،
كما وينسبون إلى فعلهم الخير والرزق، ومنهم من ينسبه الى الثورة، فيقولون هذا من خير الثورة ، وهذا من عطاءات الثورة، وبركات الثورة، وهكذا يشركون في الثورة، فينسبون اليها الأرزاق التي هي من الله تعالى، وهذا عين الشرك والإلحاد، ومن التعالي على الناس مانراه من أن الملك أوالأمير ينتصب كالصنم في يوم معين، فيدخل الناس للتشرف بالسلام على سموه كما يقولون فيقبلونه على كتفه ودون أن ينا صفهم، فأي تعالي واستعباد أكثر من هذا؟ ومنهم من جعل هوية الشعب باسم الأسرة الحاكمة وذلك غاية في العبودية، لأن الإنتساب في الإسلام لايكون إلا إلى الأسرة المنحدر الشخص منها بالأبوة، أو نسبة عبودية، كما يقول المترجمون فلان الهاشمي أوالأموي أو القرشي، فينسبون العبد الى الأسرة التي تملكه، وتسمى نسبة ولاء، لا نسبة نسب، فهم بأقل من هذا التعالي أصنام وآلهة يعبدون من دون الله.
الخاتمة
هذا وحيث قد وضح للقارئ الكريم بما لا يدع لذي عقل مجالا للشك بأن هاؤلاء الحكام مجرد أصنام آلهة لاحكام عاديين، وذلك بعرض ماهم عليه من السيرة والسلوك على كتاب الله الكريم،الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه، فإن علينا أن نتعامل معهم على أساس أنهم أصنام آلهة، وذلك بنفس التعامل الذي عامل به الأنبياء والمؤمنون الأصنام وكهنتها وبقدرالإستطاعة، واعتبار أعوانهم وأتباعهم قد جعلوهم أندادا لله، قال تعالى ( ومن الناس من يتخذمن دون الله أندادا يحبونهم كحب الله) البقرة 165، قال الشوكاني في تفسيره: قيل المرابالأنداد هنا الرؤساء أي يطيعونهم في معاصي الله، ويقوي هذا الضمير في قوله ( يحبونهم) وقوله عقب ذلك( إذتبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأو العذاب وتقطعت بهم الأسباب). وقريبا من هذا قول البيضاوي. وقال البغوي: أي أمثالا يعبدونهم كعبادة الله.
فحيث أن أشياعهم من قادة وسياسيين، وقضاة، وبقية رجال دولهم يطيعونهم كما نرى طاعة عبادة، ويحبونهم ويتولونهم على ماهم عليه من المضادة والمحادة لله تعالى، والتعنت والتعالي عليه، فقد اتخذوهم أندادا لله وآلهة يعبدونهم، دونما أدنى شك في ذلك، ومن اعتقد لهم جواز أوصحة ماهم عليه فهو أيضا مشرك، نعوذبالله منهم ومن شرهم ، والحمد له رب العالمين والله من وراء القصد.
أبوذر الحجازي
أصنام لاحكام
أصنام لاحكام
سأجعل قلبي قدساً، تغسله عبراتي، تطهره حرارة آهاتي، تحييه مناجاة ألآمي، سامحتك قبل أن تؤذيني، وأحبك بعد تعذيبي..