الحاضر الغائب
نقابة المحامين (أم النقابات) وكبراها تجمع تحت مظلتها خبراء القانون ،وخبراء (علم الاجتماع )لأن المحامين من خلال احتكاكهم مع كل مكونات المجتمع وقضاياه المتنوعة صاروا ملمين بمختلف أنواع المجتمع وهمومه وتطلعاته .
وعلى عاتق المحامين تقع مسؤولية الدفاع أمام المحاكم والادعاء وأجهزة الضبط عن الأفراد والمؤسسات والنقابات والاتحادات .
والمحامون هم طليعة المجتمع والشريحة الأوسع تثقيفا والأغزر تنوعا معرفياً .
وكل مرافق الدولة والمؤسسات التجارية والخدمية والمنشآت الصناعية ومكاتب الخدمات لا تستغني عن التعاقد مع محام أو أكثر للاسترشاد بخبراته ومعرفته حرصا على سلامة وقانونية نشاطها وحتى لا تتعرض للمسائلة والإجراءات العقابية نتيجة مخالفات قانونية .
ومن المعلوم بأن المنتسبين لهذه النقابة يمثلون مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية إلا أن الواجب يحتم عليهم أن يقفوا إلى جانب الحق أياً كان صاحبه ويرفضوا أي مخالفة للقانون أو اختراق لمنظومة الضوابط المعمول بها لتنظيم حياة المجتمع كالدستور والقوانين النافذة والمعاهدات والاتفاقيات .
في العامين الماضيين شهدت الساحة اليمنية نشاطا نقابيا فاعلا وجرت انتخابات لقيادات بعض النقابات الهامة وتحركت نقابات لتحقيق مطالب وحقوق منتسبيها فواجهت صعوبات ومحاولات تفكيك وإضعاف وإجهاض ، ولاقى بعض قادتها ومنتسبيها صنوفا من القمع والاضطهاد ، فمثلا نقابة مهندسي وملاحي اليمنية وعامليها واجهوا ضغوطات شديدة ، ثم نقابة الأطباء والمهن الطبية ، ثم نقابة المعلمين والمهن التعليمية ،وبعض النقابات العمالية كعمال موانئ عدن وبعض عاملي قطاع النفط ، وأخيرا نقابة سائقي الدراجات ، أما نقابة الصحفيين فقد كان تركيزها على حماية منتسبيها من الاعتداءات المتكررة بسبب كتاباتهم وتغطياتهم وتناولهم لبعض المواضيع .
وفي جميع الفعاليات والأنشطة التي خاضتها النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني كان للمحامين حضور بارز بحكم مهنتهم ولكن لم يكن لنقابتهم أي حضور يذكر إلا في إصدار بيانات خجولة للاحتجاج على ما يتعرض له بعض زملائهم من اعتداءات .
والذي كان يجدر بنقابة المحامين وينتظر منها أن تكون الحاضر الأبرز إعلاميا على الأقل في مختلف الفعاليات التي يثور حولها جدل قانوني لتكون إلى جانب القانون وتصدر بياناتها بتوضيح الوجهة القانونية وتدعو الجميع لاحترامها والالتزام بها .
كما يسجل لهذه النقابة غياب كامل عن إقامة الندوات وحلقات النقاش حول ما يجري في الساحة من أحداث وفعاليات مهمة يكثر فيها الجدال واللغط عن التجاوزات والخروقات والمخالفات للدستور والأنظمة والقوانين وأبرز مثال لذلك الحديث عن اللجنة العليا للانتخابات وإجراءاتها في القيد والتسجيل وتصحيح جداول الناخبين ، واتفاقية تسليم ميناء عدن لشركة موانئ دبي واتفاقيات النفط والغاز وغيرها وغيرها .
وباستثناء ومضات مشرقة لبعض منتسبي هذه النقابة الأهم في الساحة النقابية مثل (أنشطة منظمة هود بقيادة المحامي القدير محمد علاو الذي تصدى للدفاع عن صحف الرأي العام والحرية ويمن أوبزرفر ورؤساء تحريرها في وجه أحد أبرز قيادات حزبه ،وكذلك أنشطة المرصد اليمني بقيادة الدكتور محمد المخلافي وما قامت به هيئة الدفاع عنا بقيادة الأستاذين القديرين عبد العزيز البغدادي وأحمد الوادعي من الانسحاب من محكمة أمن الدولة لاستهتارها بالدستور والنظام والقانون أولاً ولكونها محكمة استثنائية ثانيا ومقاطعتهم لها التي أيدتها النقابة ممثلة بفرعها في صنعاء بقيادة الأستاذ القدير عبدالله راجح وكذلك اصطفاف أعضاء النقابة للاحتجاج على الاعتداء الذي تعرض له علاو وزملائه باستئناف أمانة العاصمة .
وباستثناء هذه المواقف ويضاف إليها بعض الومضات الخافتة فإن نقابة المحامين متأخرة جدا عن دورها كنقابة كبرى تضم في عضويتها قامات كبيرة من أهل العلم والمعرفة بل والمواقف الشجاعة (الفردية للأسف).
ومن خلال مناقشاتي مع السجناء باعتبارهم أكثر الناس احتكاكا بالمحامين بسبب احتياجهم لهم لاحظت بأن تقييمهم في مجمله سلبي باستثناء حالات قليلة فبعضهم يذكر أسماء بعض المحامين المشهورين (الكبار) ويرى بأنهم يعتمدون فقط على الشهرة والهنجمة ولا يتعمقون في دراسة القضايا التي بأيديهم ومع ذلك يأخذون أجورا كبيرة قياسا بالحالة المادية للمجتمع ، وبعض السجناء يشتكون بأن محاميهم لا يلتزمون بحضور مواعيد الجلسات وبعضهم يقول بأن محاميه لم يلتق به ولم يزره ولم يسمع منه ويحرص فقط على استلام الأجور .
وبعضهم ينتقد بعض المحامين الكبار بأنهم يتهربون عن الدفاع عن الضعفاء والمساكين أمام العتاولة رغم وضوح مظلوميتهم بل إنهم أحيانا يكونون عونا للظالم والمتجبر مقابل المال والمجاملة ، كما يسجل على بعضهم شرهه بالمال وعدم إسهامه بالدفاع ولو مرة عن مظلوم وكل ذلك يذكر النقابة بمسؤوليتها الأخلاقية التي بلا شك تضمنتها لوائحها وأدبياتها .
إن نقابة المحامين غائبة إعلاميا أو قل (ميتة) مقارنة بنقابة المحامين المصريين والأردنيين ،ففي مصر مثلا تضم النقابة حسب آخر الإحصائيات (326)ألف عضو ومع ذلك تجد هذه النقابة العملاقة متماسكة قوية مؤثرة ولها مطبوعاتها ومنشوراتها الأسبوعية والشهرية والفصلية والدورية ومواقعها الالكترونية كما يقوم عدد كبير من أعضائها بالكتابة في مختلف الصحف ويعدون ويقدمون برامج تلفزيونية حقوقية وقانونية ويتواجدون بقوة في الفعاليات العامة وآخر حضور مميز لهم (كنقابة) هو في تبني الدفاع عن القاضيين المحالين للتحقيق بسبب موقفهما من الانتخابات الأخيرة في مصر .
إن الحديث عن المحامين ونقابتهم هو حديث ذو شجون وقد يتشعب ويطول والغرض هو الإشارة وليس الاستقصاء.
وإذا كان لابد من كلمة أخيرة فهي أن نقابة المحامين يجب أن تساهم في إصلاح الاختلال الكبير في أجهزة الضبط وجهازي النيابة والقضاء من خلال جهد فعال وتضامن وعقد ندوات وحلقات نقاش وفعاليات تسلط الأضواء على مكامن الخلل وذلك لن يأتي إلا من خلال نقابة قوية وفاعلة وحاضرة بقوة في الإعلام ولها منشوراتها الموازية لصحيفة القضاء والقضائية وخاصة والإخوة المحامون لديهم الإمكانية المادية والخبرة ولا تنقصهم الإدارة وذلك ما نأمله ويأمله كل مواطن شريف أن يكون الأساتذة المحامون طليعة التغيير بعد أن انسدت الطرق وتاهت قوارب النجاة في لجج محيط من الفساد والاختلالات والمجاملات والمحسوبيات وعبادة المادة وعبادة الذات والانكفاء على متطلبات المعيشة والعائلة .
والله من وراء القصد