* سعار المصادرة:
لجأت إدارة المعتقل ـ الذي تبوأته السلطات لمعاقبتنا على الدعوة إلى السلم ونبذ العنف ـ إلى مصادرة ما بحوزتنا من أقلام ودفاتر لمنعنا من الكتابة بعد أن تعذر عليهم منعنا ـ بواسطة الحصار المشدد ـ من إخراج بعض الخواطر ونشرها في بعض الصحف ، ومع تقديرنا لما تتعرض له إدارة المعتقل من ضغوط ممن ضاقت صدورهم بكلمة نصيحة في منبر الجامع فأمطروا قائلها بصواعق غيظهم ونزقهم مسخرين أجهزة القمع ومستبيحين قداسة ونزاهة واستقلال القضاء ، إلا أن ما أثار الدهشة هو استحواذ عقلية المصادرة التي أضحت منهجية شاملة تحكم الحياة في بلادنا ، فمن مصادرة الممتلكات إلى مصادرة الدين والقناعات الشخصية إلى مصادرة حق الانتماء الوطني إلى مصادرة الخصوصيات الشخصية والعائلية إلى مصادرة الحريات العامة والفردية إلى مصادرة حقنا في أن ننعم بشهقة هواء غير متعفنة بروائح المعتقل أو برشفة ماء نظيفة أو حتى أن نرى السماء في العشية ونتطلع إلى نجومها وقمرها وصولاً إلى مصادرة حق الحياة والحكم بالإعدام أو الإعدام بدون حكم ، ومنذ عام 2004 وعشرات آلاف النسخ من المصاحف والكتب المنهوبة من مخزني لا زالت حبيسة المجهول إن لم تكن قد أتلفت نتيجة سوء التخزين ، أو بعثرت وبيعت في البسطات ، ولا زالت أشرطة الفيديو العائلية والخاصة جدا في قبضة أجهزة القمع بدون حياء ولا خجل.
و منذ قرابة عامين وأنا أتمنى لمس أصابع أبي أو تقبيل أطفالي أو رؤية وجه زوجتي وأختي.
إن سعار المصادرة الشرهة والضارية للإنسان وكرامته وإنسانيته يجب أن تتوقف إذا أريد لليمن الاستقرار والنماء ومعالجة مشاكله المتفاقمة والمتكاثرة
وإذا بقيت منهجية المصادرة المتطرفة والمسعورة هي المهيمنة على البلاد والعباد فإن المستقبل ينذر بأسوأ العواقب ، ويحمل في طياته بوادر فتن موبقة ـ كفانا الله شرها ـ والمعلوم أن عواقب الفتنة لا تصيب الظلمة وحدهم وإنما تشمل كل من رضي بالظلم وسكت عليه ، وصدق الله القائل ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب )
* ثلاثية سعد الدين :
الناشط الحقوقي والسياسي المصري سعد الدين إبراهيم ( رئيس مركزابن خلدون ) يرجع سبب تخلف العالم العربي وضعفه وهشاشته إلى ما أسماه تسلط الطغاة الذين يفرزون ( الغلاة) الذين بدورهم يجلبون ( الغزاة) .
ويطلق سعد الدين الجملكيات على الجمهوريات العربية لأنها في نظره تسمى جمهورية وهي في الواقع أنظمة شمولية وراثية وعائلية ، ويرى بأن هذه النظم هي مساهمة العرب في التطور الذي شمل العالم في القرن العشرين ، كما يرى بأن مشكلة الأنظمة مع الأقليات هي انعكاس لمشكلتها مع الأكثرية .
الجدير بالذكر أن الدكتور سعد الدين إبراهيم من أبرز الناشطين الحقوقيين الأقباط ، وقد قضى في الفترة القريبة عامين في السجن بتهمة إذاعة وترويج معلومات تسيء إلى مصر .
* مواقف مزدوجة:
عندما تقع تفجيرات داخل دولة الكيان الصهيوني للرد على جرائم الاحتلال أو عندما تقع تفجيرات في مكان آخر تستهدف غربيين ترتفع موجة عالمية من الشجب والتنديد والاستنكار ويتبارى القادة والزعماء بتسجيل مواقفهم ، أما في أسواق العراق ومساجده ومدارسه وكذلك في مساجد باكستان فإن التفجيرات تحصد مئات الضحايا من قتلى وجرحى ولكن لا نسمع أحداً يستنكر فيا ترى ما الفرق بين بشر وبشر ودماء ودماء ؟!!
* لسان الحال :
أيها العلامة الكبير لن نقول لك أننا لن نقبل الاعتذار عن الكتابة بل سنقول لك لا بأس أن تأخذ قسطاً من الراحة لبعض الوقت كلما احتجت لذلك وإن كان ذلك لا يسرنا، لكن عندما تجد أن موضوعاً ما يستدعي تدخلك فلا تبخل علينا بالنصح والإرشاد والتوعية بالكتابة عنه، فالكاتب الناصح الناقد ـ وأنت من أقصد ـ لا يعزله عن الكتابة إلا هادم اللذات ، والكُتَّاب كما تعلم يا سيدي يموتون والأقلام بأيديهم ،فلم يمت كاتب إلا ولديه موضوع لم يكتمل
محمد صالح البخيتي / الأمة عدد ( 365 )20 /4 /2006 م