اليوم نتكلم عن البتول الزهراء وتجسيد حياتها رضي الله عنها . والموضوع يبداء من المولد وسرد القصص في حال حياتها الى يوم وفاتها رضي الله عنها .
فاطمة الوليدة
في ظلال أبيها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وبين أحضان أمها الطاهرة، خديجة بنت خويلد ابن أسد، ولدت فاطمة الزهراء في مكة المكرمة في يوم الجمعة في العشري من شهر جمادي الآخرة. (لقد اختلف المؤرخون في سنة ميلاد فاطمة، فقال بعضهم: أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين، وقال بعض آخر: أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين، وروى بعضهم: أنها ولدت بعد البعثة بسنة أو سنتين، والأرجح أنها ولدت قبل البعثة بخمس سنين، لأن عمر خديجة يكون مع هذا التاريخ خمسين سنة وهو أعلى سنة للولادة كما نقل الفقيه الشهيد السيد محمد باقر الصدر في رسالته الفقهية (الفتاوى الواضحة) ص138، ج1، ط2(السيد محسن الأمين، المجالس السنية، ج5، ص53، ط6)).
فاستقبل رسول الله ابنته الحبيبة بالفرح والرضا وسماها (فاطمة).. لقد أثمرت شجرة النبوة، وأذن الله لدوحة الرسول (صلّى الله عليه وآله) أن تمتد فروعها، وتستطيل آفاقها بميلاد فاطمة في أجيال هذه الأمة.
لقد ولدت فاطمة، وهي تحمل روح رسول الله، وصفاته، وأخلاقه، فكانت الوارث والشبيه، إذ لم يكن في الدنيا أحد يماثل رسول الله في صفته وشمائله كفاطمة، ولقد لفتت هذه العلاقة والرابطة بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وابنته فاطمة أنظار الذين عايشوها، فتحدثوا عن ذلك الشبه، وكرروا القول فيه، فهذه زوج رسول الله أم المؤمنين عائشة تتحدث عن هذه العلاقة والرابطة الجسدية والروحية والأخلاقية بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وابنته فاطمة فتقول: (ما رأيت أحداً أشبه سمتاً، ودلاً وهديا برسول الله (صلّى الله عليه وآله) في قيامها، وقعودها، من فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)...). (السيد مرتضى الحسيني الفيروز آبادي، فضائل الخمسة من الصحاح الستة، ج3، ص127، ط3)
وروت عائشة أيضاً: (ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله...). (المصدر نفسه، عن مستدرك الصحيحين ج3، ص154)
لقد ملأت فاطمة بيت الأبوين رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وزوجته خديجة بالبهجة والسرور، فهي ملتقى الحب بينهما، وثمرة العلاقة الودية في حياتهما، وفرع النبوة الشامخ، وظله المستطيل، ومستودع نور النبوة المتقلب في أصلاب الساجدين، فحق لهذا البيت أن يزهو بمناغاة فاطمة، ويمتلئ سروراً بابتساماتها المشرقة الوليدة
فاطمة البنت
وهكذا ولدت فاطمة، ودرجت في بيت النبوة، وترعرعت في ظلال الوحي، ورضعت مع لبن خديجة، حب الإيمان، ومكارم الأخلاق.. وحنان الأب الرسول (صلّى الله عليه وآله) والأم، أم المؤمنين الطاهرة، وهكذا عاشت فاطمة في ظلال هذا الجو الروحي، والسمو العائلي، وتشبعت روحها بالحنان النبوي الكريم.
وشاء الله تعالى أن تبدأ فاطمة طفولتها الطاهرة، في مرحلة من أشد مراحل الدعوة الإسلامية ضراوة ومحنة، وأكثرها قسوة وأذى لأمها وأبيها..
لقد ولدت فاطمة في حدة الصراع بين الإسلام والجاهلية، وفتحت عينيها في ضراوة الجهاد بين الطليعة المؤمنة، وقريش الوثنية الجائرة.. وهاهي قريش تفرض المقاطعة والحصار على رسول الله، وأعمامه بني هاشم، وأصحابه من الدعاة وطلائع الجهاد، فيدخل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شعب أبي طالب، وتدخل معه زوجته المجاهدة رفيقة حياته، وشريكته في جهاده وتدخل معهم فاطمة، وتحاصرهم قريش ثلاث سنين، في هذا الشعب، ذاق (صلّى الله عليه وآله) ومن معه فيه شظف العيش، وقساوة المقاطعة، ومرارة الجوع والحرمان، دفاعاً عن الحق وتضحية من أجل المبدأ، وكانت بداية هذا الحصار في السنة السابعة بعد البعثة النبوية..، وبذا عاشت الزهراء الحصار، وذاقت في طفولتها مرارة الجهاد، وألم الكفاح..
وتمر سنين الحصار، صعبة ثقيلة، ويخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومن معه من الحصار والمقاطعة، وقد كتب الله تعالى لهم النصر والغلبة، وتخرج خديجة وقد أثقلتها السنون، وأرهقها عناء الحصار والحرمان.. وهاهي قد بلغت الخامسة والستين من عمرها الجهادي المشرق، وحياتها المثالية الفريدة في دنيا المرأة.. لقد قرب أجل خديجة.. وشاء الله تعالى أن يختارها لجواره.. فتتوفى في ذلك العام، الذي خرج فيه المسلمون من الحصار، وكان العام العاشر من البعثة..
وتوفي في العام ذاته أبو طالب عم الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وحامي الدعوة الإسلامية، وناصر الإسلام، ولقد شعر رسول الله بالحزن والأسى.. وأحس بالفراق والوحشة.. أنه فقد الحبيب والعون والمواسي، فقد خديجة، زوجته، وحبيبته وعونه، وفقد عمه، الحامي والمدافع عنه.. فسمى ذلك العام بعام الحزن، حقاً إنه عام الأحزان.. عام فقد فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أحب الناس إلى قلبه، وأكثرهم عطفاً عليه..
وليس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وحده هو الذي رزئ في ذلك العام، بل وفاطمة الصبية الصغيرة التي لم تشبع من حنان الأمومة، وعطف الوالدة بعد.. فقد شاطرته هذه المأساة، ورزئت هي الأخرى، فشملتها المحنة في ذلك العام الحزين.. عام الألم والمأساة، وشعرت بغمامة الحزن واليتم تخيم على حياتها الطاهرة...
لقد فقدت أمها، وفارقت مصدر حبها وحنانها.. فشعرت بالألم والفراق وغياب الأم يملأ قلبها، ويحز في نفسها، فتسأل أباها بلهفة وحزن: (أبي، أبي، أين أمي، أين أمي؟!) ثم تفيض الحزن دموعاً.. والفراق حسرة.
ويحس الأب الرسول (صلّى الله عليه وآله) بوطأة الحزن على نفس فاطمة (عليها السلام)، ويرى دموع الفراق تتسابق على خديها، فيرق القلب الرحيم، وتفيض مشاعر الود والأبوة الصادقة، فيحنو رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على فاطمة، يعوضها من حبه وحنانه ما فقدته في أمها، من حب ورعاية وحنان..
لقد أحب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فاطمة وأحبته، وحنا عليها، وحنت عليه، فلم يكن أحد أحب إلى قلبه ولا إنسان أقرب إلى نفسه من فاطمة.. لقد أحبها وصاغ حبه لها، وقربها منه؛ أوسمة شرف، وعبارات خلود، فكان يؤكد كلما وجد ذلك ضرورياً هذه العلاقة بفاطمة، ويوضح مقامها ومكانتها في أمته، وهو يمهد لأمر عظيم، وقدر خطير، يرتبط بفاطمة، وبالذرية الطاهرة التي أعقبتها فاطمة، وبالأمة الإسلامية كلها.. كان يؤكد ذلك ليعرف المسلمون مقام فاطمة، ومكانة الأئمة من ذريتها، ليعطوا فاطمة حقها، ويحفظوا لها مكانتها، ويرعوا الذرية الطاهرة حق رعايتها..
فها هو رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعرّف فاطمة، ويؤكد للمسلمين: (فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني) (الفيروز آبادي، المصدر السابق، ج3، ص151)
(إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها). (المصدر نفسه)
ويسأل الإمام علي (عليه السلام) رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيقول: (يا رسول الله أي أهلك أحب إليك، قال: فاطمة بنت محمد..).
إن قولة الرسول (صلّى الله عليه وآله) هذه ليست عاطفية بقدر ما هي توجيه للأمة نحو هذه المرأة الأسوة القدوة.
وتكبر فاطمة وتشب، ويشب معها حب أبيها لها، ويزداد حنانه عليها، وتبادله فاطمة هذا الحب، وتملأ قلبه بالعطف والرعاية فيسميها (أم أبيها).
لقد كانت تحنو عليه (صلّى الله عليه وآله) حنو الأمهات على أبنائهن، وترعاه رعاية الوالدات لصغارهن.
انه النموذج القدوة من العلاقة الأبوية الطاهرة التي تساهم في بناء شخصية الأبناء، وتوجه سلوكهم وحياتهم، وتملأ نفوسهم بالحب والحنان، لقد كانت هذه العلاقة هي المثل الأعلى في رعاية الإسلام للفتاة والعناية بها، وتحديد مكانتها
حتى الايكون الموضوع ممل قمت بتقسيم الموصوع الى اجزاء حتى يستمتع في قراءة القصه
