من هدي القرءان الكريم ( سورة المائدة)

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
أبوزيد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 13
اشترك في: السبت إبريل 01, 2006 8:58 am

من هدي القرءان الكريم ( سورة المائدة)

مشاركة بواسطة أبوزيد »

سلسلة سورة المائدة (1-4)


دروس من هدي القرآن الكريم


سورة المائدة

الدرس: الأول
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ

13/1/2002م



هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت ،وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.

و حرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.

والله الموفق.

إعداد / ضيف الله صالح أبو غيدنة

























بسم الله الرحمن الرحيم

التولي لليهود وخطورته

الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله الطاهرين.

حقيقة مهمة: قضية أبي بكر وعمر ،إذا كان هناك أي أحد يريد أن يسأل ويستفسر بكامل حريته، نتحدث حول الموضوع ،إذا كان لدى أي أحد أي إشكال في القضية ، أو في نفسه ميل قليلاً إلى أبي بكر وعمر وعثمان يستفسر. القضية لا بد أن يصل الناس فيها إلى موقف.

معاوية سيئة من سيئات عمر -في اعتقادي- ليس معاوية بكله إلا سيئة من سيئات عمر بن الخطاب، وأبو بكر هو واحدة من سيئاته عثمان، واحدة من سيئاته ، كل سيئة في الأمة هذه ،كل ظلم وقع للأمة ،وكل معاناة وقعت الأمة فيها المسئول عنها أبو بكر وعمر وعثمان ،عمر بالذات لأنه هو المهندس للعملية كلها ،هو المرتب للعملية كلها فيما يتعلق بأبي بكر، لأن الإمام علي عليه السلام خاطبه هو فقال: (احلب حلباً لك شَطره ،شدّها له اليوم يردها عليك غداً).

عندما كتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية ليعنّفه على مخالفة الإمام علي عليه السلام وخروجه عليه وأن علياً هو صاحب الحق قال معاوية له: (نحن إنما اقتدينا بأبيك). محمد بن أبي بكر كان من العظماء ،وكان مع الإمام عليه السلام من خاصته ، ومن أوليائه. ابن أبي بكر نفسه قال له معاوية (نحن إنما اقتدينا بأبيك فإن يكن أبوك مخطئاً فنحن مخطئون ،وإن يكون أبوك مصيباً فنحن مصيبون) أو بعبارة تشبه هذا.

معاوية نفسه ممن يتولى أبا بكر وعمر ،وهو ممن عمل على إعلاء صيتهم ،ورفع مقامهم إلى درجة ما كانوا يحلمون أن يصلوا إليها ، هم الآن أعظم منهم في حياتهم، لو كانوا هم يعرفون كيف هم الآن لخرجوا من قبورهم من شدة الفرح.

لهذا قال عمر: (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة) يعني إنما 1نفقناها تلفيقاً حتى مشت وقبلها الناس ،يعني لم يكن هو المؤمل فيه ،ولا المتوقع لمثله أن تستقيم له المسألة ، وكان المتوقع أن يأتيه اضطراب كبير ، وكان المتوقع أن يأتيه أشياء كثيرة.

(فَلْتة لكن وقى الله شرها) هذا يدل على أن أبا بكر نفسه لم يكن هو الشخص المؤهل لأن يلي أمر الأمة ؛ لأن عمر نفسه هو وإياه كانا متخوفَيْن ،وإنما كانت مسألة تجربة ينظروا كيف ستكون الأمور ربما تنجح، من خلال إدراكهم للناس ،وأن الناس قد لا يتحركون في الموضوع ،وفهمهم للآخرين من بني أمية والمنافقين لأنهم لن يتفاعلوا للمسألة ،وكانت فَلْتَة.

الشخص الذي يكون محط إجلال وإكبار الناس جميعاً لا تكون بيعته فلته. الإمام علي عليه السلام أليسوا اتجهوا إليه كلهم بعد ما قُتل عثمان؟. حتى كادوا يطئوا ابنه الإمام الحسن عليه السلام ، اتجهوا كلهم إليه، يـبايعونه جميعاً ؛لأنه لا أحد يشك في أن الإمام علي عليه السلام ليس أهلاً للولاية ، لكن كان عمر نفسه من يشك بالنسبة لأبي بكر ؛لأن الناس عالمون أنه ليس من أهل الولاية وإنما مجرد تجربة، وكانت فلته.

لكن قوله (وقى الله شرها) ليس صحيحاً ما زال شرها إلى الآن ،وما زال شر تلك البيعة التي قال عنها (فلته) ما زال شرها إلى الآن، ومازلنا نحن المسلمين نعاني من آثارها إلى الآن.

هي كانت طامة بشكل عجيب ،هي سبب المشكلة وهي المُعَمِّي عن حل المشكلة ،لا يوجد قضية مثلها ،أن تكون هي سبب المشكلة ،والذي يعمي على ألا تعرف حلها.ألا ترى المسلمين كيف أنهم لم يستطيعوا حل إشكاليتهم أبداً، ألم يكن المسلمون سنيّة وهم متولون لأبي بكر وعمر؟، ما استطاعوا أن يصلوا إلى حل إطلاقاً في قضيتهم هذه في صراعهم مع أعداء الإسلام ،والأمة في كل سنة تهبط نحو الأسفل جيل بعد جيل إلى أن وصلت تحت أقدام اليهود ،من عهد أبي بكر إلى الآن وهي تهبط جيل بعد جيل.

كيف مشكلة مثل هذه؟. تكون هي سبب مشاكل المسلمين ،ثم هي من يعمي عن الحلول أمام المسلمين ،عادة يكون سبب المشكلة هنا وحلها هناك ،لا تكون نفس المشكلة هي من تعمي عن الحل. أما هذه المشكلة فكانت من هذا النوع ،كارثة أبي بكر وعمر كانت هي سبب مشاكل المسلمين ثم هي من غطى على أعينهم عن أن يعرفوا الحل والمخرج منها.

تقبل قبل ألف وأربع مائة سنة، أليست فترة طويلة ألف وأربع مائة سنة؟. والمسلمون لم يجلسوا جلسة واحدة ليناقشوا لماذا؟. ما هو الخلل؟. ما الذي حصل حتى أصبحنا على هذا النحو؟. كل مائة سنة هبوط هبوط، وكم قد جاء من ضربات للأمة هذه ضربها الصليبيون ضربات شديدة ،ضربها التتار والمغول ضربات شديدة، الصليبيون من قبل ،والصليبيون في الفترات الاستعمارية المتأخرة ،وهكذا ضربة بعد ضربة حتى أصبحوا الآن تحت أقدام اليهود ،ولم يجلسوا ليناقشوا المسألة من جديد.

ويرجعون إلى القرآن الكريم لينظروا هل فيه حل؟. هل هو وضع حلاً؟. هل عالج المشكلة هذه؟. هل تحدث عن أسباب هذه المشكلة؟. أبداً.

ولن يتخلوا عن أبي بكر وعمر حتى آخر ذرة من البلاد العربية ،وليس آخر ذرة من أرض فلسطين ،حتى آخر ذرة من تراب الوطن العربي ، إلى آخر ذرة تستعمر وتستذل وتقهر.

من خلال هذه الآية التي سنقرأها، من خلال درس الليلة سنعرف ما لها من علاقة بهذه القضية.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ(52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ(53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ(55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ(56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ(57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ(58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ(59) } (المائدة : 51 - 59)

الآيات هذه من سورة المائدة ،وسورة المائدة هي من أواخر سور القرآن نزولاً ،وتتحدث في كثير من آياتها عن أهل الكتاب، تتحدث عن خطورتهم ، تتحدث أيضاً عما يؤهل الناس لمواجهتم ، الآيات التي قرءناها في الأسبوع الماضي هي كانت من سورة آل عمران ،وكل من تلك الآيات وكل من هذه الآيات في سورة المائدة ،كل واحدة تتحدث عن بني إسرائيل ،وتلك الآيات تحدثت عن بني إسرائيل ،وعن هذه الأمة ،وقدمت جانباً من الحل ،وقدمت نسبة كبيرة من تأهيل الأمة للمواجهة.

تبدأ هذه الآيات الكريمة بنداء يتكرر كثيراً في القرآن الكريم يخاطب الناس الذين قد شهدوا على أنفسهم بأنهم مؤمنون باسم إيمانهم: {يا أيها الذين آمنوا} كل من يرى أنه مؤمن ،كل من ينـتسب إلى هذا الاسم العظيم اسم (الإيمان) ، }يا أيها الذين آمنوا{ أنتم من تعدون أنفسكم مؤمنين انتبهوا ، انتبهوا ،قد تقعون في موالاة اليهود والنصارى من حيث تشعرون أومن حيث لا تشعرون ،فيوجه النهي بصراحة ،{لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء}.

تبدوا الآية وكأنها غريبة كيف مؤمن سيتولى يهودياً ونصرانياً!!، أليست العقائد أصبحت متباينة؟. المؤمن المسلم غير اليهودي وغير النصراني، المسلم من أول أيام إسلامه هو من وُوجه من جانب اليهود بشراسة تجعله يحمل حقداً لليهود ،ويحمل عداءً لليهود، هو من يرى أنه في مكان واليهود في مكان آخر ، هو مفصول عنهم مباين لهم ،ليس بينه وبينهم أي علاقة ،فكيف يمكن أن يكون ممن يتخذهم أولياء؟.

تلاحظون كم هي العبارات متقاربة بين العبارات الأولى في قول الله سبحانه وتعالى }إن تطيعوا فريقاً{ وهنا }تتخذوا{ ،تبدوا القضية وكأنه -على الرغم من أنكم مؤمنون- تكادون أنتم الذين تتخذون ،وأنتم الذين تبحثون عن كيف تطيعون ، يعني هناك جذب يبدو أنه يتحدث بأنه كأننا نحن سنتخذ ،ونحن سنطيع ،فليست المسألة فقط هي أننا سنُخدع ، بل يمكن أن تصل المسألة إلى أن ننطلق نحن لنتخذهم أولياء ، نحن ننطلق لنطيعهم، هذا شيء غريب.

أليس غريباً؟. ألسنا نلعن اليهود ، ونحن نلعن النصارى ، ونحن نبغضهم ونعاديهم ونكرههم ، ومتى ما غضب أحدنا على الآخر قال له : (يا يهودي ،أنت نصراني أنت كذا)، لكن على الرغم من هذا كله قد تصل المسألة إلى درجة أن يكونوا من هم يحملون اسم (إيمان) ينتمون إلى هذا الاسم أن ينطلقوا هم ليتخذوهم أولياء ،لينطلقوا هم ليطيعوهم فيردوهم بعد إيمانهم كافرين.

ما الذي سيدفع إلى هذا؟. هل أن اليهود والنصارى سيبدون أمامنا من أولياء الله فننطلق نحو توليهم أو طاعتهم .. سيتغيرون؟. أو أن عداوتهم ستذوب من قلوبنا؟. ما الذي يشدنا إليهم؟. ما الذين يمكن أن يشد الإنسان المؤمن إليهم فيكاد هو الذي يبحث عن كيف يتخذهم أولياء؟!. ويكاد هو الذي ينطلق في طاعتهم ليطيعهم ليردوه بعد إيمانه كافراً؟. وهنا يصبح مثلهم ،ويصبح ظالماً كما هم ظالمون ،ظالماً لنفسه وظالماً للبشرية.

معنى هذا أنه سيحصل وأنت تحمل اسم الإيمان ،واليهود على ماهم عليه لم يتغيروا بعد إلى درجة أعلى فتجعلك أنت تنجذب نحوهم لكونهم أصبحوا من أولياء الله ،هم هم اليهود ، الذين يبدون أمامك ملعونين ،يبدون أمامك مبغوضين مكروهين. هم من قد تنطلق -وأنت من تحمل اسم الإيمان- لتتولاهم.

المسألة قد تكون على هذا النحو لأن قضية التولي هي خطاب للمشاعر للقلب ،أعمال تنطلق نحو القلب نحو النفس، وهذه هي منطقة خطيرة ،منطقة القلب منطقة خطيرة ،التولي هو من أعمال القلوب ، العداء هو من أعمال القلوب ،ميل إليهم يدفعك إلى أن تكون معهم.

نفس الشيء الذي يحصل من جانبنا بالنسبة للشيطان ،ماذا يعمل الشيطان؟. وسوسة وحاجات بسيطة لكن تتجه إلى القلب، فترانا نلعن الشيطان جميعاً ،ألسنا نحن بني آدم نلعن الشيطان جميعاً؟. ولكنا نسبة ربما 95% يعبدونه ، كيف حصل؟. عندما يقول الله للناس لبني آدم يوم القيامة {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} نحن نرى الشيطان عدواً فنلعن الشيطان ،إذا أراد أحدنا أن يسب الآخر يقول له: شيطان. أصبح اسمه سُبّة عندنا ، ولكن ننطلق في عبادته ، أليست العبادة طاعة وزيادة ، كيف حصل؟. المسألة هي مسألة القلب والقلب منطقة حساسة وخطيرة جداً ، وهي التي تحرك كل شيء ، هي تحرك مواقفك ،وتحرك لسانك ، وتحرك وجهة نظرك ، وتحرك مشاعرك ، وتحرك حتى مالك ، وتحرك سلاحك، القلب هو المضغة الذي إذا صلحت صلح الإنسان ،وإذا فسدت فسد الإنسان.

واتجاه الفساد نحوها سهل إذا كان من جهة تعرف كيف تعمل. الإفساد للقلوب سهل ،إذا كانت قلوب فاضية ، إذا كانت قلوب خالية ،ليست مملوءة بما يحصنها من مثل هذه الخطورة.

القلوب لا تستشعر شيئاً ،قد يكون هناك تصديقات لكنها ليست راسخة في القلب فهي لا تستطيع أن تحصن القلب من خطورة كهذه.

{ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان} عندما ينكشف للناس يوم القيامة للكثير من بني آدم أنهم كانوا يعبدون الشيطان ،وهم كانوا في الدنيا يلعنونه، ألم يكونوا في الدنيا يلعنونه؟. {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون} نفس العمل الذي يقوم به اليهود ،لديهم خبرة شيطانية ،لديهم خبث شيطاني ،ومكر شيطاني رهيب، وهم يتجهون نحو الوسوسة ونحو القلوب، ونحو النفوس، بأي وسيلة من وسائل الإفساد {ويسعون في الأرض فساداً} بأي وسيلة من وسائل الإفساد: بامرأة تبدوا مكشوفة في التلفزيون ،على المسرح ، أو راقصة في السينما ،من خلال شاشة التلفزيون ،من خلال قنوات عربية ،من خلال قنوات أخرى فضائية ، من مختلف البلدان عن طريق (الدُّش) تدخل الذبذبات ،عندما ترى امرأة مكشوفة في التلفزيون فلتعرف أنه لابد أن ينقص من زكاء نفسك شيء. {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم وأطهر} أطهر لنفوسهم.

ألم يعملوا على أن تتبرج النساء؟. لماذا؟. هم يعرفون أن تلك الصورة عندما تراها أنت تجد خللا في نفسك، ووسيلة مع وسيلة أخرى ،وأسلوب بعد أسلوب ،وطريقة بعد طريقة ، ترى نفسك قابلة ، وأنت لا زلت تحس في رأسك أن اسمك مؤمن ،وأنك مؤمن واسمك مسلم ،وتقول للآخرين يا يهودي يا نصراني، وتنطلق تصلي وتصوم وتزكي وتحج ،ومسلم مؤمن ، ولكن واحدةً بعد واحدة ،ضربة بعد ضربة مما يفسد بها زكاء النفس وطهر النفس . ثم تضليل ثقافي ،يترافق أيضاً تضليل ثقافي عن طريق الصحيفة ،المجلة ،التلفزيون ،الإذاعة الكُتّاب، الصحفيين ،مرشدين، أشياء كثيرة جداً تهاجم الإنسان من كل جهة.

وكلها تتجه إلى أين؟. تتجه إلى قلبه ،إلى نفسه ؛ولأن قلب الإنسان يحتاج إلى أن يحظى برعاية عالية من قبل الله سبحانه وتعالى ، وأن يكون مملوء بهدي الله ،مملوءً بالولاء لله ولرسوله وللذين آمنوا ، إذا لم يكن على هذا النحو فما أسهل أن يفسد ، فما أسهل أن يتحول إلى يهودي ،وإلى نصراني ، إلى قلب يهودي وقلب نصراني ،وهو من يرى أنه ما يزال مؤمناً.

القلب الفارغ من هدي الله ومما يرشد إليه الله سبحانه وتعالى هو من سيكون ضحية ؛لهذا جاءت الآية {فترى الذين في قلوبهم مرض} بعد {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض}. هم لا يتولونكم بل إنما يتولى بعضهم بعض، فما لكم ولموالاتهم!. ما الذي يدفعكم إلى موالاتهم؟!. ما الذي يجذبكم إلى موالاتهم؟!. هل هناك من جانبهم شعور بعاطفة؟ بميل؟ بمودة نحوكم؟. حتى تبادلوهم نفس الشعور؟. لا. قال الله في آية أخرى {ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا: آمنا، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ}.

فهؤلاء إنما يتولى بعضهم بعضاً ، فهم لا يتولونكم ، ولا يمكن أن يبادلوكم هذه المشاعر الحسنة التي تنطلق منكم نحوهم ، فما لكم ولتوليهم؟!.

كم يعمل القرآن الكريم على أن يبغّضهم إلينا ،وأن يبين أنه ليس هناك أبداً أبداً ما يمكن أن يشدكم نحوهم ..فلماذا؟.

الله يدفعنا عنهم ونحن نريد أن نلحق وراءهم دون أن يكون هناك أي وسيلة جذب من جانبهم نحونا فننجذب لها إليهم ،لا يوجد شيء، لا تعامل حسن، لا مودة ، لا احترام متبادل، لا صدق ،لا وفاء، لا أمانة، ولا شيء . هم فقط كتل من الحقد ، كتل من العداوة ، {وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ}.

بالمناسبة كان في (شبام) يهود -شبام مدينة خارج صنعاء- ذكر لنا واحد قصة: بأنه كان له صديق يهودي ،وكانا يبيعان ويشتريان سوياً ويسافران جميعاً ، وكان معروف مَثَل (أنه متى ما مشى مسلم وبعده يهودي أن اليهودي من شدة غيظه يَهُمّ بقتل المسلم لو كان يجرؤ). هم أصدقاء ويمشيان جميعاً ، وكان المسلم يمشي قبله والتفت إليه وهو يعض على يده، فسأله بالله: هل هو صدق أنه متى ما كان اليهودي يمشي خلف مسلم فأنه يعض على أنامله ، يهمُ بقتله؟. فقال: والله ما نمشي بعدكم إلا ويَهُمّ الواحد منا بقتل المسلم لو كان يجرؤ.

وهم أصدقاء يتاجران ويسافران سوياً ويبيعان ويشتريان سوياً، وهما جميعاً من مدينة واحدة.

ماذا يعني؟. التولي يبدأ بميل ، ثم ينعكس بشكل تأييد فتكون معهم موقفك موقفهم ، تؤيد مواقفهم ولو موقفاً واحداً ، تصبح في ذلك الموقف ولياً من أوليائهم ومتولياً لهم. هذا معنى التولي.

هل هناك خطورة بالنسبة للتولي؟.

أوضح ما يمكن أن يُعبر عن خطورة التولي بعبارة توجد تقززاً واشمئزازاً من المسألة هذه أنك ستكون مثلهم، ألست أنت تلعنهم؟ ،ألست تبغضهم؟ ،وتقول لمن غضبت عليه يهودي نصراني ،اعلم أنه سيكون حكمك حكمهم ، وتكون مثلهم. جمع في هذا بين بيان حكم من يتولاهم كيف سيكون في واقعه مثلهم ،وبعبارة توجد-وهي نعمة بالنسبة لنا- اشمئزازا وابتعاداً وتقززاً في النفس عن توليهم.

أتولاهم يعني أصبح يهودياً نصرانياً بتوليّ لهم، ،أليس هذا الشيء يوجد في النفس تقززاً؟. فيدفعك نحو الابتعاد، هذا من دقة آيات الله التي هي محكمة {أحكمت آياته} تهدي حتى داخل كل مفردة فيها.

{ومن يتولهم منكم} يتولهم منكم أنتم أيها المؤمنون ،وهو ما يزال يحمل اسم الإيمان ،ويرى أنه ما يزال منكم ،ليس فقط من قد نتصور بأنه تِيَهود.

تراه مؤمناً عربياً ،سيصبح حكمه حكمهم، أن يصبح حكمك حكم اليهود والنصارى ، هل هي قضية عادية؟. تقول: لا بأس ، هم هناك ،بلادهم جيدة ،وقد يكونوا أحياناً يعيشون في مناطق ينشئون فيها نشأة جميلة ،وأجسام كاملة وجميلة ولطيفة. لا. ارجع إلى القرآن الكريم تجد ما قال فيهم حتى تعرف ما معنى أن تكون منهم ،وحكمك حكمهم، ارجع إلى القرآن الكريم ، كم فيه من كلام يبين سوء ما هم عليه وخبثهم ، يبين سوءهم وخبثهم وأنهم لعنوا {لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم} وعندما تكون مثلهم فينالك النصيب الأوفر مما وصموا به في القرآن الكريم ، من اللعن ،ومن الخبث ،ومن المكر ، ومن الكفر بنعم الله.

ستصبح في نفس الوقت ظالماً لنفسك ،وظالماً للأمة ،وظالماً للبشرية ،لأنك أصبحت واحداً ممن يسعون في الأرض فساداً ، ومن يسعى في الأرض فساداً فهو يظلم نفسه ، ويظلم عباد الله ،ويظلم البشر جميعاً. يظلم الناس بدل أن يكون المطلوب والمراد لله سبحانه وتعالى من عباده أن تكون نفوسهم زاكية طاهرة ،وأن يعيش الإنسان مكرماً في هذه الدنيا ، يعيش نفساً مدنسةً ،يعيش ذليلاً، يعيش مهاناً محتقراً مظلوماً، بواسطة خبث نفسه وخبث ما حوله ؛ لأن فساد اليهود يتناول كثيراً من شئون الحياة إضافة إلى فساد النفوس.

فتكون أنت ممن يظلم نفسه ،وممن يظلم البشر جميعاً، وما أوسع هذه الدائرة ؛لأن الله قال عنهم {ويسعون في الأرض فساداً} فتصبح من حيث لا تشعر شريكاً في كل عملية إفساد تنطلق من أي منطقة في هذا العالم ، نحو بقية البشر من داخل أمريكا ، من داخل إسرائيل ، من داخل بريطانيا من داخل أي منطقة تنطلق منها مؤامرات اليهود فتصبح بتوليك لهم شريكاً في كل عمل سيئ ،مفسد في هذه الأرض في أي بقعة كانت من الأرض.

هل تعتقد أن التولي قضية سهلة؟.

القرآن الكريم خاطب اليهود الذين كانوا في زمن الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم وهم من لم يقتلوا الأنبياء السابقين ، هم أنفسهم الموجودون لم يعيشوا فترات طويلة حتى يكونوا هم ممن شارك في قتل أنبياء الله السابقين، خاطبهم القرآن على أنهم يقتلون الأنبياء بغير حق {قل فلِمَ تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين} ألم يخاطبهم هكذا؟.

لماذا أصبح هؤلاء الذين عاشوا في زمن الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وسلم يخاطبون بأنهم قتلوا الأنبياء؟. وكم بين ذلك اليهودي الذي في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم زمن تنزل القرآن وبين أولئك اليهود السابقين قبل مئات السنين الذين قتلوا الأنبياء، أليس الفارق مئات السنين؟. ما الذي جعله يخاطَب بأنه قَتل؟ ؛لأنه تولى أولئك عدّهم السلف الصالح له، فتولاهم. فأصبح حكمه حكمهم فقيل له :أنت قاتل.

وهكذا من يهتفون الآن بأنهم يتولون السلف الصالح ممن قتل الإمام علي وفاطمة والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام ، فاطمة نفسها قُتلت كَمَداً ، قُتلت قهراً وهي ترى هذا الدين يُعصف به من أول يوم بعد وفاة والدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،لم تبك على (فَدَك) ، فدك قضية تؤلمها لكن لم تبك عليه ، ولم تمت كمداً على فدك، إنما ماتت كمداً على هذه الأمة.

هذه خطورة الموالاة ، خطورة التولي ، من يمكن فعلاً أن يكون شريكاً لليهود في عملية إفسادهم في العالم.

وهذه القضية ليست قضية عادية، قضية رهيبة جداً ، فيأتي الإنسان يوم القيامة فيرى أنه عاش في منـزله لم يظلم أحداً، ولا أخذ حق أحد، فتأتي يوم القيامة وأنت شريك في إفساد ذلك الإنسان في أقصى الأرض ، أقصى مشرق الأرض وأقصى مغربها ،وأنت شريك في إفساد كل إنسان داخل هذه المعمورة كلها، شريك في ظلم كل إنسان.

قضية التولي خطيرة جداً جداً، لا يكاد يكون هناك شيء أبلغ من خطورتها ، فتأتي يوم القيامة فتجد كم ملفات من الجرائم أنت شريك فيها، فتقول: من أين هذا؟. هذا الشخص لا أعرف اسمه. ماذا عملت به؟، اسم إنجليزي ،اسم فارسي ، اسم عربي، من هذا؟ ؛لأنك توليت من ظلموا الناس ؛لهذا قال الله هنا }إن الله لا يهدي القوم الظالمين}، ستكون ظالماً ،وظلم اليهود أليس ظلماً للبشرية كلها؟.

يأتي يوم القيامة فتجد غُرماء كثيرين جداً ، العالمُ كلهُ أسماءٌ أنت لا تعرفها ،وجوهٌ لا تعرفها أنت ظلمتها وأنت أفسدتها..

هذا الموقف مما يدفع بالإنسان إلى أن يكون دقيق المراقبة لنفسه في هذا العصر ، الذي انتشرت فيه أبواق اليهود في كل بلاد ، وسائل الإعلام كلها أصبحت تخدم اليهود ، مناهج دراسية تخدم اليهود، صحف تخدمهم ، مجلات تخدمهم ، كُتَّاب يخدمونهم ،من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون ، وإن لم تكن خدمة مباشرة أحياناً بالتدريج ،بطريقة غير مباشرة ،والآثار تُحتسب ، آثار الشيء تُحتسب وكأنها هي الشيء نفسه.

ما معنى {ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين}؟.

{إن الله لا يهدي القوم الظالمين }: ليست مجرد تتمة للآية ليتسق الوزن كما هو شأن الشعراء ،يختم قصيدته بأي كلمة تناسب القافية. القرآن { كتاب أحكمت آياته } القرآن كتاب آياته محكمة {فمن يتولهم منكم فإنه منهم }إذاً فهو ظالم {إن الله لا يهدي القوم الظالمين} لا يهديهم إلى أي خير ، لا يوفقهم ، ولا يهتدون حتى هم إلى كيف يواجهون اليهود؟ ؛لأنهم أصبحوا يتولونهم من حيث يشعرون أو من حيث لا يشعرون، وفي نفس الوقت يضجون منهم، هذا من أغرب الأحداث، ومن أغرب المواقف.

فلهذا كانت أحداث هذا العصر غريبة جداً ، ربما لم يأت مثلها في التاريخ :تُداس بقدم وتقبل نفس القدم التي تدوسك، تُضرَب وتَسْتَجْدِي السلام من اليد التي تضربك!!. لم يحصل مثل هذا.

كان في الزمان القديم يعرف العدو ، ويعرف الولي ، لا تستجدِي من عدوك السلام، تحاول بأي طريقة ولو من باب مصالحة عادية بين طرف وطرف على أشياء واضحة، أما الآن أصبحت مواقف غريبة، نحن نلعن اليهود والكثير يتولونهم ، ونصرخ جميعاً نحن ومن يتولونهم منهم، ونستجدي السلام منهم ، ونبحث عن الحلول من عندهم . مبهمات كلها ، ومواقف غريبة كلها.

ولهذا كان منطق القرآن الكريم فيما يتعلق بموقف اليهود والنصارى منطق يثير الدهشة ،فعلاً لأنه تتجلى مواقف غريبة مدهشة، تتولاهم وأنت تصرخ منهم!!، أي أنت لم تحصل على شيء من خلال توليك لهم ، تتولاهم وتنفذ ما يطلبون منك وأنت عميل لهم ،ثم في فترة من الفترات يركلونك بأقدامهم ويستبدلونك بشخص آخر. أو إذا ثارت الأمة ضدك لا تتسع بلادهم لك ، هذا كما حصل لملك إيران ،(شاه إيران) حصل له هذا، لم تسمح أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا له بالدخول إلى بلادها.

تولي يؤدي إلى خطورة بالغة ، وليس من ورائه ثمرة ولا مصلحة ، لا احترام متبادل ، لا مصالح حقيقية متبادلة ، ولا شيء.

أليست قضية خطيرة جداً؟. وغامضة جداً، عندما يقول لك }يا أيها الذين آمنوا{ أليس يشعر بأنك مؤمن وتتولاهم؟ ؛لأن هناك أعمالاً خطيرة جداً غامضة ، من النوع الذي يتجه إلى أعماق النفوس فينعكس مواقف. بالغ الخطورة جداً في غايتها ، أن تصبح ظالماً لنفسك وللبشرية كلها، أن تصبح تأخذ نصيبك من كل ما ذُمَّ به اليهود في القرآن الكريم، وعلى ألسنة عباد الله.

على الرغم من هذا كله ، من خطورة المسألة {فترى الذين في قلوبهم مرض} وكأنه شيء هذا كله لا يلفت النظر ولا يُنتبه له ، ويقفز من فوقه. {يسارعون فيهم} لاحظوا إضافة (الفاء) في (فترى)، كأنه يقول لك: وعلى الرغم من هذا كله، من خطورة القضية ، وغموض أساليبها ، وخطورة نتائجها وغاياتها، التي تدفع الإنسان في الواقع لأن يكون بعيداً جداً عن هذا ، أو على أقل تقدير بطيئاً وهو ينطلق نحوهم، لكن ترى من داخل المؤمنين من يسارعون فيهم. ماذا يعني يسارعون فيهم؟. يسارعون نحو توليهم نحو خدمة ضمائرهم ، نحو تنفيذ خططهم مسارعة، أليس هذا الموقف مضاداً لما كان ينبغي لأي إنسان مؤمن أن يكون عليه؟. ، أن يكون بعيداً جداً جداً عن أن يكون في نفسه أي ميل ، أو أن يكون قلبه من القلوب التي تتعرض لأن تتولاهم ، ولو بأدنى ولاء.

لكن تجد هناك منهم؟. الذين في قلوبهم مرض.. لاحظ متى حصل مرض في القلوب كيف يحصل مسارعة إلى توليهم ، فاليهود يعرفون كيف يعملون ،هم يوجهون أعمالهم نحو القلوب ،والمرض يتجمع ، تتجمع أمراض من هنا ومن هنا ، من مشاهدة التلفزيون ، ،ومن قراءة صحيفة ،ومن كلمة فلان، زعيم يتكلم , تتجمع تتجمع فحصل مرض في النفوس، في القلوب.

بمعنى أن القلب السليم الذي هو مملوء بتولي الله ورسوله والذين آمنوا لا يمكن أن يميل إليهم ، يبقى سليماً منهم ، سليماً من هذه المخاطر الرهيبة.

ومرض القلوب يتجلى بعناوين متعددة قد يصبح نفاقاً ،شكاً ،ارتياباً ،إيثاراً لمصالح خاصة على الدين ، مما هو مرض مشين. عادة قد لا يكون صادقاً من يدعي أنه من منطلق الحفاظ على المصلحة العامة ،هذا ما يحصل من القلوب المريضة.

فمن يسارع فيهم في قلبه مرض ،وغير صادق عندما يدعي أنه من أجل الحفاظ على المصلحة العامة ، أو على مصلحة شعبه أو على مصلحة المسلمين، غير صادق. القلوب المريضة ليست هي من تهتم بمصالح المسلمين ، القلوب السليمة هي وحدها التي تهتم بمصالح المسلمين ، هي التي تتجاوز خارج إطار وحدود شخصيتها ، أما القلب المريض فلا يمكن أن يحمل اهتماماً بمصالح الآخرين، ولهذا يأتي بعبارة (يقولون) {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة}. فنحن نحافظ على المجتمع من أن يحصل عليه ضربة ،عبارة (يقولون) كما يقول لك (يزعمون يتفوهون) ،والواقع أن هناك مرض ،قد يكون هذا مرض جُبْن ،نفاق ، حب لهم ، تأثر بثقافتهم يدفعه إلى أن يُنَفّذ مؤامراتهم ، ويتولاهم ، ثم يضفي على توليه لهم، ماذا؟. عنواناً كبيراً يقدمه وكأنه يخاف على المصلحة العامة، أو أنه حتى يخاف على نفسه ، حتى من يتفوه بأنه يخاف على نفسه، هو ممن في قلبه مرض.

لأن الله عرض قضيتهم في القرآن أنه متى ما أصبحتم ممن يحملون قلوباً سليمة ليس فيها مرض فستصبحون مؤهلين لدرجة أن يصبح واقعهم معكم على هذا النحو {لن يضروكم إلا أذىً وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون}.

المؤمن مَن قلبه مملوء بالإيمان ، مَن قلبه سليم، لا يمكن أن يخاف على نفسه منهم لأنه يثق بالله ، ويعلم بأنما يقوله الله سبحانه وتعالى عنهم أنه حقائق، بل يكون قوياً عليهم ،جريئاً عليهم.

هل أحد منكم شاهد السيد/ حسن نصر الله في التلفزيون وهو يتكلم بملء فيه ،وبكل قوة وبعبارات تهز إسرائيل.

وليست عبارات واهية كما يتكلم زعماء العرب الآخرين: يتكلم كلمتين أو ثلاث ،وسموه (فارس العرب).

كلمات مجاهد ،كلمات شجاع ، كلمات تحتها جيش من المجاهدين الشباب الأبطال، يتكلم كلمات حقيقية مؤثرة، وهو بجوارهم ، وهو يعلم أن لديهم قنابل ذَرِّيّة ، ولديهم صواريخ ودبابات ، ولديهم كل شيء ، لكن قلبه من القلوب المملوءة بتولّي الله ورسوله والذين آمنوا فأصبحوا حزب الله ، وحزب الله هم الغالبون ،كما سيأتي عندما نصل إلى هذه الآية.

فمن في قلبه مرض هو من يخاف ،فيدفعه خوفه أن يقول: نحن خائفون على أنفسنا. {نخشى أن تصيبنا دائرة} أو نخشى أن تصيب الشعب والمجتمع دائرة، لكن ذلك ليس في الواقع هو مبعث خوف ،وليس هو في الواقع مبرر إدعاء اهتمام بالمصلحة العامة، إنما سببه مرض.

أحياناً قد يكون الخوف الحقيقي مما هو مخيف حقيقة ، قد يكون أحياناً مقبولاً ، بل قد تأتي أحكام شرعية تسوغ مؤقتاً تصرف معين تحت وطأة الخوف فيقال (التقية) {إلا أن تتقوا منهم تقاة} لكن مع هذا الجانب الذي يسارع فيهم عمل يدل على أن في قلبه مرض ، معنى مرض يدفعه إلى أن يكون فعلاً متولياً لهم ، إنما قضية أن يقول: (والله نحن خائفون على مصالحنا ،خائفون على بلادنا). إنما هي تغطية فقط، وإلا فواقعه أن في قلبه مرض ، فهو يسارع فيهم.

ما معنى (فيهم)؟. هي مثل {وجاهدوا في الله حق جهاده} يسارع في خدمتهم ،في تنفيذ خططهم في تنفيذ مؤامراتهم ، في توليهم ؛ لأن في قلبه مرض فهو يتولاهم.

هنا تأتي عبارة (يقولون) بمعنى يتفوهون وكأنها عبارة فعلاً لهجتها أو صيغتها تفيد بأنها شيء غير حقيقي بالنسبة لواقعهم أنهم فعلاً يخافون على أنفسهم ، أو يخافون على أمتهم ، وإنما الذي دفعهم إلى المسارعة هو أن في قلوبهم مرض جعلهم يتولونهم.

إذاً فاليهود يعملون يعملون معنا كثيراً ليوجدوا في قلوبنا مرض ، {ويسعون في الأرض فساداً} إلى أين يتجه هذا الفساد؟. إلى النفوس أولاً ثم ينعكس بشكل أعمال ، إفساد في الأرض، لأنه حتى ما يحصل من إفساد في الأرض إنما يأت عن طريق الإنسان نفسه.

{فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} لاحظ (الفاء) في قوله {فعسى الله} توحي بأن أولئك الذين يسارعون فيهم ، أولئك الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم ، سيأتي اليوم الذي يندمون فيه على كل ما عملوه معهم ، على كل ما بذلوه من جهودٍ فيهم، على تلك الجهود التي سارعوا إليها، سارعوا في بذلها فيهم. {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده} وعبارة (أمرٍ من عنده) واسعة {فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين}.

من هذه الآية من قوله {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم} إلى قوله تعالى {فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} تعنى بأنه يجب أن نكون واعين ، نحن أمام من تنطلق من أفواههم هذه العبارات من كبير أو من صغير، من يدعي أنه خائف علينا منهم، أو من يدَّعي أنه خائف على نفسه منهم، فيريد أن يجمّد المسلمين ، يجمد أي حركة للمؤمنين ؛لأنه إما خائف عليهم وإما خائف على نفسه ، من خلال تحركهم فليتوقف كل صوت يكون معادياً لأوليائه.

هذه في حد ذاتها تخلق لدينا وعياً أن كل من انطلق مسارعاً فيهم ، وتحت أي عنوان يقدمه إنما هو ممن في قلوبهم مرض، وما يقوله إنما هو مجرد تَفَوّه ، فعندما يقول : إنما كان ذلك من أجل حرصي على مصالحكم ، وحفاظاً عليكم. نقول له: لا. لا. نحن رأينا مسارعة ، نحن رأينا المسارعة عندما جاءت أمريكا لتقدم نفسها قائداً للتحالف الدولي ضد ما يسمى بالإرهاب، ألم يسارعوا فيهم جميعاً؟. يكفينا هذه، أن كل كلمة يتفوهون بها من بعد غير مقبولة ، فعندما يقول :اسكتوا لا تتحركوا لا تعملوا شيئاً نحن إنما أوقفناهم، نحن إنما رددناهم ، وإلا ربما كان ستحصل ضربة ،ربما سيحصل كذا ، وإذا عملتم كذا سيحصل كذا، اتركوا ..اتركوا. سنقول له: لا.

إن الله هو الرحمن الرحيم وهو الذي يأمرنا بأن نقف هذه المواقف، أليس الله هو أرحم بنا من أي إنسان آخر ،أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا وأرحم بنا من زعماء بلداننا ، أرحم بنا من حكوماتنا ، هو من يطلب من عباده المؤمنين أن يتحركوا، هو من يعمل هذا العمل الكبير جداً جداً في هدايتنا إلى أن نكون واعين ،هو من يعمل على أن يخلق في قلوبنا وعياً وفهما ، وإيماناً واعياً.

إذاً فنقول لهم: لا تهتموا بمصالحنا أمام هذه القضية ، ولا تُتعبوا أنفسكم من أجلنا ، ولا تَمُنوا علينا بأنكم ستكفون عنا شر أولئك.لا. اكفونا شر أنفسكم فقط. أما أولئك فدعوهم. وإذا كنتم لا يزال لديكم ذرة من الشرف فلا تتحركوا أنتم كجنود لهم تضربون هنا وتضربون هنا ، وتأخذون هذا وتأخذون ذلك تحت اسم (إرهابي) أو تحت اسم (إرهابيين)، دعوا الأمريكيين هم يضربوا ، دعوا الإسرائيليين هم يضربوا ، وهم أحكم منكم، هم لن يضربوا ، هم لن يضربوا إلا بعد أن يحوزوا على رضى الآخرين ، هم حريصون جداً على أن لا يخلقوا في أنفسنا عداءً شديداً لهم.

فلماذا أنتم لا تكونون حريصين على أن لا تخلقوا في أنفسنا نحن أبناء شعوبكم عداءً لكم ، أنتم من ستتلقون الجفاء من كل عمل تعملونه ضد شعوبكم، وسيكون الرابح هو أمريكا وإسرائيل ،هم اليهود والنصارى.

نحن نقول: إذا كنتم لا بد أن تعملوا عملاً ما، فقدموا لهم خرائط عن أماكننا ،خرائط عن بيوتنا ،خرائط عن مناطقنا ، ثم دعوهم يضربوا، وانظروا هل سيضربون ، فتكونون أنتم قد فتحتم لهم كما يقول الناس كما يقول القبائل (حَد وبلاد) ودعوهم هم يضربون، هم لن يضربوا ،ومتى ما ضربوا ،وإن قُدِّر لهم أن يضربوا فإنما سيكون بعد أن تكون المسألة قد أخذت شرعيتها من داخل وسائل إعلامكم ،فتضرب تلك المنطقة أو تلك المنطقة بعد أن أصبح الناس أعجل من أمريكا على أن تَضرب، هكذا يعمل اليهود. أصبحنا -تقريباً وقطع الأمريكيين تتحرك إلى أفغانستان- عجَّالين ،وهي قطع ثقيلة صعبة التحرك ، نريد أن نعرف ماذا سيعملون، كنا عجالين أن تُضرب أفغانستان أعجل من الأمريكيين ،ألم يكن الناس أعجل من الأمريكيين؟.

إذاً فلنحذر ،فلنحذر نحن ممن يُقدم نفسه بأنه إنما يعمل ما يعمل من منطلق الحرص على مصالحنا. القرآن الكريم يقول إن المسارعة تكشف أن هناك مرض في القلوب، وأن أي ادعاءات بعدها إنما هي ادعاءات زيف وتضليل ،وتبرير للعمل الذي هو في الواقع مسارعة فيهم انطلق من قلوب مريضة ملؤها الولاء لهم.

إذا كنا نثق بالله ، نأخذ الحقائق من كتاب الله ربنا الرحيم بنا ،الذي يعلم السر في السموات والأرض ،العليم بذات الصدور، بذات صدور اليهود ، بذات صدور العرب، بذات صدور زعماء العرب، بذات صدور العالمين جميعاً ،أليس هو العالم بذات الصدور بدخائلها بخصائصها بأعماق ما فيها؟.

ثم هنا يأتي تهديداً لهم-، تهديداً لأولئك الذين يسارعون فيهم ممن في قلوبهم مرض ويبررون مسارعتهم بأي كلام- الله يقول لهم:{فعسى الله} و(عسى) من قبل الله هي وعد فهو إذاً يَعِدُ بأن أولئك الذين يسارعون {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} إما بفتح على أيدي أوليائه ،وإما بأمرٍ من عنده فهو الذي له جنود السماوات والأرض. وكلمة (أمر من عنده) واسعة جداً يعلمها الله وحده.

ولسرعة من الانتقام منهم ،لاحظوا ما أسرع عبارة (فعسى..فيصبحوا) {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمرٍ من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} هذا وعيد شديد، ووعيد بعقوبة عاجلة سريعة سواء كانت عن طريق فتح على أيدي أولياءه أو بأمر من عنده ، إذاً فهم فعلاً يعرضون أنفسهم لخطورة بالغة.

فهو يقول لهم على فرض أنكم تقولون {نخشى أن تصيبنا دائرة} اخشوا من يمكن ، أن يضربكم بسرعة، الدائرة معناها ربما ينقلب الموقف علينا.

هم قالوا: اليمن من ضمن البلدان التي قالت أمريكا أن فيها إرهابيين ،ومصر أيضاً ودول أخرى ، لكن الله يقول: إذا كنتم تخشون دائرة وتقولون هكذا فافهموا بأنكم ستتعرضون لغضب سريع ،انتقام عاجل، (الفاء) في {فعسى} يفيد التعاقب وتعاقب الأحداث بسرعة {فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا} ما كأنها إلا عشية أو ضحاها، {فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين} على ما كان في واقع قلوبهم ،تلك القلوب المريضة من أشياء ، هي الحقائق التي على أساسها ينطلقون نحو المسارعة.

{على ما أسروا في أنفسهم} يقول لهم -وهو العالم بذات الصدور- قولكم: (نخشى أن تصيبنا دائرة)، مجرد كلام لكن هناك شيء أنتم تسرونه ستصبحون على ما أسررتم في أنفسكم نادمين.

وحينها تتجلى الحقائق، و عندما تتعاقب الأحداث تتجلى الحقائق وتكشف الحقائق بشكل يجعل الناس يندهشون {ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم} إذا كشفت التقارير ،كشفت الأوراق ،كشفت الحقائق أنهم كانوا عملاء ، وكانوا على تواطؤ مع فلان ولقاء مع فلان، وكانوا ..وكانوا.

حصل مثل هذا في إيران بنحوٍ عجيب، ملك إيران أصبح من النادمين، بعد أن اقتحم الشباب المسلم في إيران السفارة الأمريكية كم اكتشفوا من التقارير ، كم اكتشفوا من الأسرار التي كشفت حقائق كثيرة ،جعلت الناس يرون أولئك الذين كانوا يقدمون أنفسهم وطنيين ، ومخلصين وأنهم أحياناً ينطلقون بعبارات قاسية ضد تلك الدولة أو تلك، ضد أمريكا وإسرائيل {أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم} كيف انكشفوا عملاء ، كيف انكشفوا خونة، كيف انكشفوا متآمرين ، كيف كشفتهم الوثائق والأسرار ، كيف انكشفت بطريقة مدهشة.

اكتشفوا في السفارة الأمريكية في طهران وثائق مهمة ترجموها باللغة العربية وطبعوها ونشروها، وكم داخلها من مؤامرات. وكم داخلها من عملاء يتآمرن على شعوبهم ، وهم يقدمون أنفسهم بأنهم وطنيين ومخلصين، وأنهم أحياناً يَتَنَمَّرُون بعبارات ضد تلك الدولة أو تلك الدولة.

من الذي سيقول هذا من الذي سيفرح بهذا؟. هم الذين آمنوا ،لأنهم من سيزداد إيماناً ، ومن يزداد وعياً ، من يزداد فهماً ، عندما ينطلقون فيرسخوا في أنفسهم إيماناً واعياً على ضوء ما يحكيه القرآن الكريم، فهم في واقعهم وكأنهم مؤمنين بالغيب ،لكن عندما يرون الأحداث تتجلى فيرون أن ذلك الإيمان الذي هو شبه إيمان بغيب يصبح حقائق مشاهدة أمامهم. يبادرون بالفرح فيترسخ الإيمان بشكل أكثر وأكثر ويزداد وعيهم أكثر وأكثر.

أليس الإنسان يزداد فهماً ،ويزداد وعياً عندما يجد الحقائق تتكشف على وفق ما هو يعتقد؟. ووفق ما يرى؟. بلى. {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} (53) سورة المائدة فأصبحوا خاسرين حقيقة. شاه إيران أصبح خاسراً ،أصبح إنساناً مرفوضاً عالمياً ،مرفوض من كل الأمم ،استقبلته مصر فقط، فذهب إلى مصر وبقي فتـرة يتجرع مرارة القهر والذل ،مرارة القهر والذل كيف تخلى عنه من ظل عمره يخدمهم، القهر والذل على أيدي ذلك الشعب الفاتح الذي قهر ذلك العميل فمات كمداً وغيظاً ،ودفن هناك في مصر.

{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ} (53) سورة المائدة. ولأن القضية مع أهل الكتاب هي قضية مواجهة حقيقة في شتى ميادين الصراع عسكرياً ،واقتصادياً ،وسياسياً، وثقافياً ،وإعلامياً؛ ولأن الآيات كلها تسير في إطار أو في سياق خلق وعي لدى المؤمنين ، هدى من الله يسيرون عليه ، حقائق تتكشف أمامهم، لتؤهلهم لأن يكونوا هم من يهاجم أولئك ،من يضرب أولئك الذين يسعون لأن نكون بطاعتنا لهم كافرين بعد إيماننا ، إلى أن نتولاهم فنصبح ظالمين كما أصبحوا ظالمين، فنشاركهم في ظلمهم في العالم بكله.

عندما نـتخلى ، عندما نتوانى ، الله يهدد ، يصف من يحصل منه هذا بأنه يصبح مرتداً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ } (54) سورة المائدة أليس المقام مقام جهاد؟؟ مقام حركة؟. إذاً فالتواني التفريط هو نفسه يكشف أن في القلب مرض، القلب المريض هو معرض لخطورة بالغة أن يتولى اليهود والنصارى ، إذاً فهو سيرتد سيصبح مطيعاً لهم فيرتد عن إيمانه ، فيصبح كافراً، { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ }. تأتي الآية هذه مصدرة بهذا النداء ، النداء الذي يصل إلى أعماق النفوس التي تدعي أنها مؤمنة { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ }. الآية هذه تأتي في إطار السياق من بداية الآيات فهي لا تأتي تتحدث عن موضوع آخر {من يرتد منكم عن دينه} ماذا يعني يرتد عن دينه؟. يصبح كافراً يصبح يهودياً ، يصبح نصرانياً.

فكما قلنا سابقاً من يتوانى ،من يفرط ،من يقصر ، من تنطلي على نفسه عبارات الجمود ،عبارات التضليل ، فليحذر ،وليعلم أن في قلبه مرض، فالله قد حذر في البداية بأن أولئك الذين يسارعون إنما لأن في قلوبهم مرض.

وسواء كانت المسارعة أفقياً أو عمودياً، تحت أو فوق، كلها واحدة ،أنت تخدمهم. أسارع فيهم ،أقدم خدمة لهم ،أنفذ مؤامرة معينة ،أو أسارع نحو التخلي عن مواجهتهم ، ونحو التثبيط عن مواجهتهم ، هي كلها واحدة ، لم يختلف المرض. ولهذا جاء في عبارة عامة {في قلوبهم مرض} أليست كلمة (مرض) في الدنيا تطلق وتحتها أنواع كثيرة ؟. أنواع كثيرة جداً ، وما أكثر مرض القلوب ،وما أكثر مرضى القلوب. نحن البسطاء ،نحن المساكين يحصل في قلوبنا مرض فيجعلنا نسارع باتجاه تحت نَجْمُد و نُجمِّد من حولنا. وهذه خدمة عالية ، خدمة مهمة لليهود والنصارى، التثبيط خدمة مهمة لليهود والنصارى ، ولهذا هم يحاولون بكل وسيلة أن يتفادوا انبعاث الأمة ، يتفادوه بأي وسيلة.

يتركون الآخرين يضربون ، ويتلقون الجفاء ،يتركون هذا الذي يزحف ليتلقى الجفاء ويتلقى الخسارة ؛لأنهم يريدون أن نبقى قاعدين ،وأن يثبط بعضنا بعضاً ؛ لأن هذا هو نفسه يوفر عليهم الشيء الكثير، يسهل مرور ونفاذ مؤامراتهم.

إذاً فأنت قد يكون في قلبك مرض -ونعوذ بالله من أن يكون في قلوبنا مرض من هذا النوع- فتسارع فيهم ، ولكن بأسلوب آخر هو أسلوب القعود عن مواجهتهم ، التثبيط عن مواجهتهم، هو نفس الشيء، كما يقول أولئك الذي يسارعون باتجاه عمودي فوق بتنفيذ المؤامرات وأعمال {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} قد تقول أنت نفس العبارة وأنت تدس نفسك في التراب {نخشى أن تصيبنا دائرة} وكما يقدمون أنفسهم للآخرين ليُـبجِّلوهم على ذلك الموقف، أنت في الداخل قد ترى أنك إنسان حكيم ، وأن هذا هو الرأي، وهذا هو التصرف الواعي، لكن لا. الحكمة ،الهدى ،الوعي هو أن تنطلق انطلاقة القرآن، لا تسارع لا باتجاه فوق ولا باتجاه تحت.

إذا حصل أن أصبح الناس على هذا النحو فإن الله قد وعد -وهو القادر على تنفيذ وعده- {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتِي الله بقوم} غيركم ،وإذا قال (سيأتي الله بقوم غيركم) معناه أنتم سيضربكم ، سيذلكم ،وتنالون بسبب ارتدادكم ، بسبب تثبيطكم وتوانيكم تنالون الخسارة والذل في الدنيا ، والخسارة والذل في الآخرة في نار جهنم ، نعوذ بالله من نار جهنم.

{فسوف يأتي الله بقوم} عبارة (بقوم) هي نفسها تفيد ،أو تكاد تصور لك أولئك القوم وكأنهم صخرات ،كأنهم قطع من الصلب ، في قوتهم في إيمانهم، في وعيهم ،في فهمهم، (بقوم) ، وليس كأي قوم ليسوا كمثلكم ،بل {قوم يحبهم ويحبونه} والله لا يحب إلا نوعية متميزة. يمكن يرحم وتكون رحمته واسعة للناس جميعاً كما هو هنا يرحمنا ،أليس يرحمنا ونحن مقصرون؟ لكن أما أن يحب فلا يحب إلا نوعية متميزة.

{فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} ويقدم كلمة (يحبهم) على كلمة (يحبونه) لتشعر كيف أن هؤلاء جديرون بأن يحبهم هو، فهم جديرون بحبه ،فيسارع إلى التعبير عن محبته لهم قبل التعبير عن محبتهم له.

القوم الذين يحبهم ويحبونه هل سيكونون من هؤلاء الذين في قلوبهم مرض؟. فيسارعون في تنفيذ الخطط والمؤامرات في خدمة اليهود ، أو يسارعون نحو القعود فيصبحوا مرتدين؟؟!. هذا ارتداد كله، من يسارع فوق ومن يسارع تحت هذا كله ارتداد.

هؤلاء قوم نوعية أخرى عمليين، وبنفوس قوية ،لا تحتاج إلى زحزحة ودفع حتى تتحرك. تصور هذه الآية هذه النوعية من القوم بأنهم ليسوا حتى ممن يحتاجون إلى تحريض كثير ،وكلام كثير ،فتظل وراءه كل يوم تحدثه وإلا فسيتوانى ، كل يوم يحتاج إلى تحريض وحديث وإلا كان عرضة للكلام الذي يأتيه من هنا أو من هنا فيثبطه. هؤلاء القوم واعين لدرجة أنهم يقدمون أنفسهم للآخرين بالشكل الذي يهزم نفس من يمكن أن تنطلق من فمه عبارة مثبطة ، هو يرى أنك تخلق في نفسه يأساً أن يؤثر فيك ؛ لأنك معتز بالموقف الذي أنت فيه ،ولا تحس بحرج. كما كان نبي الله موسى عليه السلام بعدما حصل منه ما حصل ،ففقد ذلك المقام الذي كان فيه ، وتلك النعمة التي كان فيها في قصر فرعون ،بعدما قتل القبطي، من منطلق غيرته على المستضعفين وكراهيته للباطل واعتزازه بأن يقف موقف حق ،ورأى نفسه في مواجهة مجرمين ، ألم ير نفسه في مواجهة كافرين مجرمين؟ فقال:{رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين} أليست هذه عبارة رجل لا يمكن أن يتأثر؟. هو الذي سينطلق يؤثر.

{فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} يحبونه فينطلقون في السعي فيما يحصلون به على رضاه ، يحبونه فينطلقون غاضبين له ، يحبونه يكرهون أعداءه، يغضبون على أعداءه ،يكرهون الفساد في أرضه، يغضبون لأن يعصى في أرضه، يغضبون للمستضعفين من عباده؛ لأنهم يحبون الله ،ومتعلقة قلوبهم بالله ، وليس فقط ممن لا ينطلق إلا متى ما لزمته الحجة ، ولم ير لنفسه مخرجاً فينطلق وهو يرهق نفسه ،ويحاول بأي طريقة أن يتملص ويتخلى.

هؤلاء ينطلقون من واقع المحبة لله سواء قالوا واجب أو مندوب المهم أن فيه لله رضى ، وليس من أولئك الذين عندما تحتدم المواقف يبحث عند سيدي فلان أو سيدنا فلان يسأله: (هل يلزمنا أن نخرج مع هؤلاء ،أم لا يلزمنا؟.) فيقول: (عزّ الله أنه لا يلزمنا). ثم يخرج فرحاً ويقول : (يا جماعة قال سيدي فلان أو سيدنا فلان أنه لا يلزمنا). هؤلاء قوم يحبون الله لا يبحثون عن يلزم أو لا يلزم، إما أن يكون واجب فذاك، أو كان مندوباً فليكن مندوباً ، أو كان مستحباً فليكن مستحباً، كله واحد ،المهم أن فيه لله رضى، من منطلق الحب لله.

وهم فيما بينهم أذلة على المؤمنين متواضعين يبدون أذلة ؛لأنهم جداً حريصون على وحدتهم ،حريصون جداً على أن يكونوا بمستوى القيام بالموقف الذي يهمهم ، وأداء المهمة التي تهمهم فعلاً، وليسوا ممن ينشغلون بأنفسهم ومصالحهم الخاصة فقط، فيأنف من هذا ولا يغضب لله ،ولا لرسوله ولا لدينه ، ولا للمستضعفين من عباده، ولا يغضب لهدم أمة بكلها. يغضب لنفسه ويبدوا قوياً على صاحبه وشجاعاً على صاحبه ، عزيز على صاحبه ،وذليل على أعداء الله، هذه الصفة سيئة، عادة ما تكون منتشرة في المجتمع الذي لا يحمل أي اهتمام بقضية من القضايا الكبرى، مجتمع يعرض نفسه لأن يُستبَدل ويُرفَض ، بعد أن تُرفَض من قبل الله ،إذا كنت قد ترفض من قبل الله فهذه حالة خطيرة جداً، ترفض في الدنيا والآخرة.

أما هؤلاء فهم نوعية أخرى فيما بينهم أذلة مع بعضهم بعض يكظم غيظه ،ويعفوا ،ويصبر،ويتحمل ويسامح ويحاول أن تبقى علاقته مع أخيه قوية ،ويبقى الود فيما بينهم قائماً ،وتبقى العلاقة فيما بينهم قائمة ،ونفوس متآلفة ،وقلوب متحابة ، لكنهم في ميادين المواجهة {أعزةٍ على الكافرين} ما معنى أعزة؟. أقوياء ينطلقون بنفوس قوية ،هم ينطلقون بنفوس قوية ، وليس ممن يحتاجون إلى تحريض ودفع ، ولا هم من النوع المتثاقل الذين قال الله عنهم {ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض} ليسوا من هذه النوعية.

تجد الألفاظ هذه ما أجملها وهي تعبر عنهم تعبيراً يصورهم تصويراً أمامك، تتخيلهم {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} فلأن هذا الميدان هو ميدان صراع متكامل يجاهدون بالكلمة ، يجاهدون بالمال ، يجاهدون بالقلم ، يجاهدون بالسيف ، يجاهدون بمختلف الأسلحة التي يمكن أن يحصلوا عليها ، جهاد ،يجاهدون جهاد بناء للأمة وجهاد يهدم أعداء الله في سبيل الله ؛لأنهم يحبون الله والله يحبهم ، فهم يبتغون بجهادهم رضاه ، وما أعظم أن ينطلق الإنسان في سبيل الله ،وما أعظم أمة تنطلق للجهاد في سبيل الله حيث ستكون فيما بينها أقرب أقرب إلى أن يتحقق على يديها النصر.

أي ليسوا من أولئك الذين ينطلقون إذا كان هذا أو ذاك سيعطيهم بنادق وفلوس وطحين ومصروف وصرف وأشياء من هذا. ألم يكونوا أيام الثورة يوم ملكي ويوم جمهوري ، يسير لبندق من عند الملكية ، ويقول ملكي ،وذهب في اليوم الثاني ودخل بزامل للجمهورية على أساس أنه جمهوري وصرفوا لهم بنادق ومال ،فهم متعيشون ، ويسمون مرتزقة ، مرة هنا وأخرى هنا. أما هؤلاء فهم يهمهم أن يجاهدوا في سبيل الله وعندما ينطلقون في الجهاد في سبيل الله ينطلقون بأموالهم وأنفسهم.

ولا يخافون لومة لائم ، أي لومة كانت ، وأي لائم كان؛ ولأنهم هم قد أصبحوا إلى درجة أنهم لا يخافون ممن يمكن أن يحذرهم من القتل لأنهم مجاهدون ، ولا يخافون مثلاً من يهددهم بالقتل ، أو من قد يقول قد تتعرضون للقتل وأشياء من هذا، لأنهم هم مجاهدون والمجاهدون في سبيل الله يبحثون عن الشهادة ، أن تخوفه بالقتل ستخوفه بماذا؟. {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين} تخوفه بالحسنى بالنصر ،أو تخوفه بالحسنى بالشهادة ،ليس هناك ما يمكن أن تخوفه به، ممكن أن يكون هناك لومة لائم من قريب أو من بعيد ، من يقول لـه: (يا أخي لا يوجد أحسن من فلان ، هو من أولياء الله وهو جالس أما أنت فتتحرك ،هل أنت أعلم منه) ومن هذا اللوم كثير، وبوسائل متعددة، هم ليسوا ممن يخافون لومة لائم. أما أنهم يخافون قتل ،أو يخافون سجون أو يخافون أي شيء هم مجاهدون. هم أعزة مجاهدون فينطلقون برغبة، فأن تخوفه مما يرغب فيه فليس معقولاً ،وليس منطقياً أن تخوفه مما هو يرغب فيه.

ثم هل هؤلاء يعتبرون أناس حمقى أو تورطوا؟؟. لا. هم ممن حازوا الفضل ،هم من أصبحوا وحدهم حائزون هذا الشرف العظيم {ذلك فضل الله} ما معنى فضل الله؟. فضل الله أن يهيئهم أن يكونوا هم من يحظون بأن يكونوا على هذه الصفة ، من يكونوا بدلاً عمن تقاعدوا وتوانوا وتخاذلوا. أليس هذا اصطفاء من جانب الله لهم؟. تفضيل الله لهم أن اختارهم؟. أن اصطفاهم هم ليكونوا بدلاً عن أولئك المتقاعسين المتوانين المثبطين المتعرضين للارتداد، فهم هم مفلحون هم فائزون ،وليسوا متورطين.

{ذلك فضل الله} وهو فضل من الله أن يكونوا هم من يقوم بهذه المهمة بهذه المسئولية التي يعد القيام بها فضلاً من قبل الله سبحانه وتعالى {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء} ولا يزال فيها يؤتيه من يشاء ، وليست المسألة تكاد أن تكون مجرد اختيار من قبل الناس هنا أو هنا ، بل قد يكون من قبل الله هو أن يرى أمة من الأمم أن يرى ناساً من الناس مؤهلين وجديرين بأن يؤتيهم ذلك الفضل وبأن يكونوا ممن يستحق هذا الفضل العظيم ، {ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم}.

الله واسع الفضل {وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً} ففضله واسع ،وهو العليم بمن هو جدير بفضله ،بمن هو جدير بأن يصطفيه لمثل هذه المهام التي يتقاعس عنها الكثير من الناس، وإن كانوا يحملون اسم (الإيمان). {يا أيها الذين آمنوا من يرتد} فيرتدون وهم يحملون اسم (الإيمان) ،فلا يدرون أين بلغ بهم الحال ،وكيف أصبحوا ،وهم يظنون أنهم لا يزالون مؤمنين ،وهم قد ارتدوا ،وهم قد استبدل الله بهم غيرهم، وهم قد رُفضوا وأذلوا وأُبْعِدوا ، وهم يظنون أنهم مؤمنين.

{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} وأنتم في ماذا؟. وأنتم في ميادين الجهاد ،وأنتم تحصنون أنفسكم عن أن تصبحوا في يوم ما ممن يتولى اليهود والنصارى ، املئوا قلوبكم بالولاء لله ولرسوله وللذين آمنوا.

من الذين آمنوا؟. أليس يتحدث قبل عن مؤمنين }يا أيها الذين آمنوا ..يا أيها الذين آمنوا{ ،هل نوالي (الذين آمنوا) أولئك الذين قد يتولون اليهود والنصارى ، أو (الذين آمنوا) الذين قد يرتدوا وقد ارتدوا؟. (الذين آمنوا) كثير، من يخاطبوا بهذه العبارة ، ومن يرى أن نفسه ومن يعد نفسه تحت هذا الاسم كثير من الناس ، المسلمون كلهم على اختلاف طوائفهم يعدون أنفسهم (الذين آمنوا). {الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ؛ لأنه هو الذي نزلت فيه الآية، هو من تصدق بخاتمه أثناء الركوع، فن‍زلت فيه هذه الآية.

وتأتي الآية بشكل يشخص نوعية من المؤمنين. ما استطاع المفسرون أن يجعلوها عامة ، حاولوا أن يجعلوها عامة ،فيقولوا راكعون بمعنى خاشعون، راكعون ما أدري ماذا، لكن الآية نفسها ترفض ،ترفض أي محاولة لإخراجها عن أن تكون في الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه.

إن قالوا: {يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} أي مصلون فكلمة (يقيمون الصلاة) هي أوضح من كلمة (وهم مصلون) ، فكيف يأتي القرآن الكريم فيكرر عبارة في مقام التفضيل والثناء ،يكرر عبارة تكون الأخرى هي أدنى من الأولى ، وهي نفس المسألة {يقيمون الصلاة} أليست أوضح في نسبة الفضل إليهم والثناء عليهم من عبارة (وهم مصلون)؟. إذاً {وهم راكعون} هي جملة حالية من فاعل (يؤتون) ،يؤتون الزكاة أثناء ركوعهم.

قالوا: راكعون يعني خاشعون. لا. يأتي ما يعبر عن الخشوع والخضوع بكلمة سجود، {ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض}،وفي آية أخرى {سُجَّداً لله وهم داخرون} ،وكم ورد في القرآن الكريم من عبارة (سجد ويسجد ،وساجدين) وتعني الخشوع والخضوع. مع أن الآية عند أهل البيت ،وعند الكثير من المفسرين أنها نزلت في الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لا شك عندهم في ذلك.

ولو افترضنا أنه ليس هناك حديث ،وليس هناك كلام حول الآية أنها نزلت في شخص معين، فإننا نحن سنسأل: أنت تتحدث هنا عن مؤمنين قد يتعرضوا لتولي اليهود والنصارى، مؤمنين قد يرتدون ويستبدل بهم غيرهم ،وكلهم يطلق عليهم الذين آمنوا ، وأنت تقول من جديد {والذين آمنوا} من هم هؤلاء الذين آمنوا ؟،الذين إذا توليناهم سنبتعد جداً عن أن نكون معرضين لتولي الكافرين من اليهود والنصارى، أو أن نكون مرتدين؟؟!!.

سؤال وجيه ، سؤال وجيه: من هم الذين آمنوا؟.

ألم يقل المفسرون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم خاشعون، كان بعضهم يخشع ، كان علي بن الفضل يخشع في وادي هناك ،وهو يريد أن يزين نفسه في قلوب الناس ليتمكن من السلطة، كان يتعبد في وادي هناك في اليمن ويخشع ،وكثير من الناس يسجلون تلاوة القرآن وهم يخشعون ،ويصلون عند الحرم ، ويصلون في أماكن كثيرة وربما قد يكونوا من المتولين إلى أعماق نفوسهم لليهود أو النصارى، وهم خاشعون.

من هم؟. من هم؟. لا بد أنهم نوعية من المؤمنين متميزة.

لا يجوز لا يجوز أن ننطلق نحن نفسر آية بالتعميم ، الذين آمنوا ،الذين يقيمون الصلاة ،كلنا مصلين ، ويؤتون الزكاة ، كلنا مزكين ، وهم راكعون ،أي خاشعون، كثير منا خاشعون ، هناك زيود خاشعون ، وحنفيون خاشعون ، وصوفية خاشعون ، وهناك بوذيون خاشعون وهم ليسوا بمسلمين ، إذاً لم توضح لنا الآية إن كان الأمر كما يقول أولئك المفسرون. والمقام مهم ، المقام خطير جداً، نقول :آمنوا قد يتولوا اليهود والنصارى ، يا أيها الذين آمنوا قد ترتدوا ، يا أيها الذين آمنوا قد تتولوا اليهود والنصارى،يا أيها الذين آمنوا تولوا الذين آمنوا ، كما قال أحدهم (يا أيها الناس اتبعوا الناس).

هذا من محاولة مسخ معاني كتاب الله الكريم ، الذي أحكمت آياته وفصلت من لدن حكيم عليم ،لا بد أن هناك مؤمنين معروفون بأسمائهم ،معروفون بأشخاصهم ،هم من يريد منا أن نتولاهم بعد التولي له ولرسوله، وإلا كانت الآية مثل (يا أيها الناس اتبعوا الناس) يا أيها الذين آمنوا اتبعوا الذين آمنوا ، يا أيها الذين آمنوا تولوا الذين آمنوا.

فعندما يقول :{يا أيها الذين آمنوا} أنتم يا من تسمون أنفسكم مؤمنين والذي يسمى نفسه مؤمناً أليس يصلي ، ويزكي ، يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة؟. فتصبح الآيات ،يا أيها الذين آمنوا قد تتولوا اليهود والنصارى ، قد ترتدوا ، فكيف تعملون؟. تولوا الذين آمنوا. فيكون هذا كلاماً غير عادي ،حتى ولا كلام أناس عقلاء ، هكذا يدفع أولئك الذين يحاولون بأي وسيلة أن يدفعوا الآية عن أن تكون نزلت في الإمام علي عليه السلام ، يدفعهم إلى أن يجعلوا كتاب الله الذي أحكمت آياته ، ولا ككلام الناس ،ولا ككلام الناس العاديين ،دع عنك البلغاء والعقلاء من الناس.

هذا كله من أجل من؟. من أجل عمر ؛لأنه إذا كانت الآية في هذا المقام المهم هي تتحدث عن نوعية عالية جداً من المؤمنين وتكون في علي بن أبي طالب يعني علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر ، إذا كان علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر فهذه هي الطامة على تسعين في المائة من الأمة ، يعتبرونها كارثة عليهم ،أن يكون علي بن أبي طالب أفضل من أبي بكر وعمر. لا. فلنمسح الآية بكلها دفاعاً عن أبي بكر وعمر ،فلهذا قلنا: من في قلبه ذرة من الولاية لأبي بكر وعمر لا يمكن أن يهتدي إلى الطريق التي تجعله فيها من أولئك الذين وصفهم الله بقوله { فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ } (54) سورة المائدة. ولن يكون من حزب الله لأنه قال فيما بعد {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} فلن يكون غالباً لأنه رفض أن يتوليّ الذين آمنوا الذي نزلت فيه الآية ، رفض رفضاً قاطعاً، فإذا كان رافضاً أن يتولى الإمام علي عليه السلام فلن يكون من حزب الله ، ولن يغلب.

والواقع شهد بهذا أنهم غُلبوا وقُهروا وهم أكثر عدداً وأكثر عُدة من إسرائيل ،وهي داخل بلاد المسلمين ، فقهرتهم وأذلتهم وهم أكثر عدداً وأكثر عدة ؛لأنهم لم يكونوا بمستوى أن يكونوا حزب الله ، الذين وعدهم الله بأنهم سيكونون غالبين ، لن يكون من حزب الله إلا من يتولّ التولي الذي رسمه الله هنا في القرآن :{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ،حينئذٍ سيكونون هم كما كرر من جديد {ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا} فيصبح من حزب الله ،(الذين آمنوا) فيما بعد ، يعني (الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة) ؟. لكن القرآن لا يخاطب أطفالاً بل يخاطب عرباً فاهمين ، أن الذين آمنوا فيما بعد تعني الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، فيؤتون الزكاة وهم راكعون ، سيكونون حزب الله فعلاً ،وحزب الله لا بد أن يكونوا غالبين.

وخطورة من جانب آخر: أنك لن تكون من حزب الله سواء أنت ستنطلق للجهاد أم لا تنطلق للجهاد إذا لم تكن متولٍ لله ورسوله وللإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ،وإذا لم تكن من حزب الله فتكون من حزب من؟. هناك حزبين فقط ، ستكون من حزب الشيطان ، القرآن تحدث عن حزبين :حزب الله ،وحزب الشيطان ،أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون، وقال بعد {أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} إذاً سيكون الإنسان من حزب الشيطان ولن يَغلب ولن يُنصر في مقام المواجهة مع أهل الكتاب. من هم أهل الكتاب؟. هم الآن الدول العظمى والقوى العظمى ، أليست كلها باسم يهود ونصارى؟.

حزب الله في جنوب لبنان طرد أمريكا من لبنان ، وقد أتت ببارجات تضرب بقذائف ضخمة جداً قطعاً قريبة من بيروت ،وداخل بيروت مبنى كبير لقيادة الأمريكيين سموه (المارنز) حطموا هذا المبنى بعملية استشهادية ،وجعلوا الأمريكيين يهربون من لبنان منهزمين ،وطردوا إسرائيل من جنوب لبنان، حزب ؛لأنهم فعلاً تمثل فيهم حزب الله ، هم شيعة من أولياء الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام الذين صح توليهم لله ورسوله والذين آمنوا ،فغلبهم حزب ولم تغلبهم دول بأكملها من ستين مليوناً ، من عشرين مليوناً من ستة عشر مليوناً ، من خمسة ملايين إلى مائة مليون عربي لم يغلبوا إسرائيل ؛لأنهم لم يصبحوا حزب الله ، ولم يكونوا من حزب الله فغلبهم اليهود وهم داخل بلادهم ،أليست إسرائيل داخل البلاد العربية؟.

ولهذا جاءت الآية قاطعة {ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون} عبارة (هم) تعني وحدهم ، من لا يكون حزب الله على هذا النحو في مواجهة اليهود والنصارى فلن يغلبوا ،جاءت بعبارة مؤكدة {فإن حزب الله} أصبح معناها: فهم حزب الله ،أولئك حزب الله ، ثم يقول: فعندما يكونوا حزب الله فإن حزب الله هم الغالبون، و كلمة (هم) تعني وحدهم ،في مقامات كثيرة في القرآن الكريم ،{الغالبون} و(ال) نفس الشيء تفيد الاختصاص، {الغالبون}. ما هي الغلبة؟. أليست هي القهر للأعداء الذين تتحدث الآيات عنهم، اليهود والنصارى؟.

لاحظ الربط المهم ،الربط الشديد بين قضية ولاية الإمام علي عليه السلام في مقام ، وبين التأهيل للأمة في مواجهة اليهود والنصارى، مواجهة اليهود والنصارى ،وتحصين القلوب أيضاً من أن يصيبها مرض فتصبح ممن تتولى اليهود والنصارى ،أو ترتد بعد إيمانها، فقال هناك {فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم}.

إذاً فولاية الله ورسوله والإمام علي بن أبي طالب هي فعلاً عندما تملأ القلب ستملؤه إيماناً واعياً ،ستحصن القلب من أن ينفذ إليه أي ذرة من ولاء لليهود والنصارى أو لأولياء اليهود والنصارى، ستحصن الإنسان نفسه ،من يحمل هذا القلب من أن يصبح مرتداً عن دينه ، ستحصنه أيضاً من أن يصبح طائعاً لأهل الكتاب ، لفريق من أهل الكتاب، كما في الآية الأخرى في سورة آل عمران، فيرتد بعد إيمانه كافراً.

إذاً فهي مهمة جداً ،مهمة جداً في المقامين: في مقام الحفاظ على نفسي بعيداً عن هذه الخطورة العظيمة ، وفي مقام تأهيل نفسي لضرب مصدر ذلك الخطر العظيم.

ولكن الإمام علي عليه السلام مهما كبر لديهم لا يساوي شيئاً بالنسبة لأبي بكر وعمر، وأبي بكر وعمر حتى آخر إنسان عربي ، حتى آخر ذرة من البلاد العربية ، حتى آخر قيمة من قيم الإسلام ومبادئه. أبو بكر وعمر لا يمكن أن يتخلوا عنهم، اللهم إلا أن يفهموا هم من جديد ويعيدوا النظر من جديد ،ويتساءلوا من جديد: أنه إن كان هذا هو مصداق للآية ما هم عليه، فلم ينقصهم ولاء ،أليسوا متولين لأبي بكر وعمر أكثر من تولينا للإمام علي عليه السلام؟. ، يهتفون بأسمائهم في مساجدهم في مدارسهم ، في جامعاتهم ، في كتبهم يعلمون أطفالهم ونسائهم ويحاولون أن يُشربوا من يلقوه في الطريق أبا بكر وعمر ، أبا بكر وعمر في المسجد في السيارة في السوق في أي مكان.

فإن كان توليهم هو فعلاً التولي للمؤمنين لأولئك المؤمنين الذين قال الله عنهم في هذه الآية ،فهم إذاً لم ينقصهم ولاء ، ولم تنقصهم أسلحة ، ولا عدد ، ولا إمكانيات فلماذا لا يكونوا حزب الله فيغلبون تلك الشرذمة القليلة من اليهود داخل وطنهم؟. لماذا؟.

هل أن القرآن غير صادق عندما يقول {أولئك حزب الله } ثم يقول {ألا إن حزب الله هم الغالبون}؟. لماذا لم يغلبوا؟. لماذا غُلِبُوا؟. لماذا قُهِروا؟. لماذا أُذِلوا حتى أصبحوا لا يستطيعون أن يستخدموا في مواجهة إسرائيل إلا الحجارة ، أصبحوا لا يستطيعون أن يستخدموا في مواجهة إسرائيل إلا الحجارة؟!!.

فمن أين الخلل؟. هل أن القرآن غير صادق لا. لم يقولوا هم أن القرآن غير صادق.

إذاً الخلل من آخر الآية {والذين آمنوا} أنتم صرفتموها إلى آخرين إلى آخرين هم من هزموا أمام أقلية من اليهود ،فكيف يمكن لأوليائهم أن يهزموا أعتى يهود في تاريخ اليهود ، أعتى قوة يهودية في تاريخ اليهود.

كأن رسول الله عندما جعل أبا بكر قائداً في غزوة خيبر وهو يحاصر خيبر فرجع منهزماً ، ثم في اليوم الثاني عمر فرجع منهزماً ، ثم في اليوم الثالث الإمام علي عليه السلام وهو أرْمَد ؛ليقول أن الأمة بحاجة إلى الإمام علي عليه السلام حتى وإن كان في مقامه تعتقدون أنه لا ينفع فيه. فنحن بحاجة أن نتولى علياً عليه السلام. وإن كنا نعتقد أن الإمام علي عليه السلام لن يخرج بسيفه فيقاتل ،عندما كان أرمداً لا يبصر موضع قدميه ، ألم يكونوا يرونه بأنهم لا يحتاجون إلى الإمام علي عليه السلام ؟، فعندما قال رسول الله :((لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)) نفس ما تقولـه الآية {فسوف يأتِي الله بقوم يحبهم ويحبونه} نفس المنطق يضعه رسول الله على الإمام علي عليه السلام ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار يفتح الله على يديه)).

أبو بكر رجع منهزماً ، وعمر رجع منهزماً ، فليفهم أولياؤهم أنهم سيظلون منهزمين أمام اليهود ؛لأنه إذا كان قد هُزم الكبار من يجعلونهم قدوة لهم فسيُهزم الصغار ؛لأن أي واحدٍ منهم يرى بأنه ليس في مقام أبي بكر وعمر. إذاً أبو بكر قد هُزم ، وعمر قد هُزم فبالأولى أن يهزموا هم ، لقد هُزموا هم وهزم أولياؤهم من بعدهم الآن أمام اليهود وأمام الصليبيين ،وأمام المغول ،وكم حصلت من هزائم عليهم في تاريخ هذه الأمة.

إذاً ماذا ينقصهم؟ الولاء لأبي بكر وعمر؟ هم يتولونهم إلى النخاع، ولا عَدد ولا عُدة فلماذا لم يكونوا حزب الله؟ ؛لأنهم عندما صرفوا هذه الآية عن الإمام علي عليه السلام ليلبسوها أبا بكر ، وأبو بكر لا تتلبس عليه ، كبيرة عليه ، وسيعة عليه ، أكمامها طويلة عليه، تغطيه حتى لا ترى أبا بكر بكله داخلها.

عندما صرفوها إلى ذلك عمُوا هم عن الحل فلهذا قلنا سابقاً أن مشكلة أبي بكر وعمر مشكلة خطيرة ،هم وراء ما وصلت إليه الأمة ، وهم وراء العمى عن الحل ،أليست طامة؟. هذه طامة. الحل هنا لكن من يتولي أبا بكر وعمر لا يرى حلاً ، لا يعرف سبب المشكلة ، ولا يعرف حل المشكلة.

لهذا قلنا بالنسبة للشيعة هم عليهم هم من يتبنون العمل بعيداً عن أولئك ؛لأنهم هم من يمكن أن يكونوا هم حزب الله ، ليس لدينا عوائق من هذا النوع، نحن لا نحمل أبا بكر على جنب وعمر على جنب، فندخل إلى آيات القرآن نرْكُلها آية كذا وآية كذا ، ورسول الله كلمة منه تأتي في الإمام علي عليه السلام نرْكُلها كذا وكلمة كذا ، ونحن محافظون على أبي بكر وعمر ، نحن لا نتولاهم ، فنحن أقرب إلى أن نتولى الإمام علي عليه السلام ،بل يجب علينا في هذا العصر بالذات أن نرسخ جداً جداً ولاءنا لله تعالى ولرسوله وللإمام علي عليه السلام حتى نحصن أنفسنا ،وحتى نكون جديرين بأن نكون حزب الله وسنكون حزب الله فعلاً. إلا إذا كنا لا نثق بالله إذاً فعلينا أن نصحح ولاءنا حتى نكون مع الله ،منشدين إلى الله ،نثق بالله ، نسير على هديه ، نصدق ما وعد به، ونثق بما وعد به. ليكون الشيعة الجديرون بأن يكونوا هم الغالبون.

إذا كان الشيعة الإمامية كما نراهم الآن ،أليسوا هم متميزون من بين العرب جميعاً بموقفهم العالي من بين العرب؟. أليسوا هم رافعين رؤوسهم من بين العرب في إيران وفي جنوب لبنان؟. من لديهم ولاية الإمام علي عليه السلام ،وسنكون نحن الزيدية جديرون بأن نكون أعظم قوة منهم لأن ولاءنا للإمام علي عليه السلام ولأهل البيت عليهم السلام -فيما نعتقد- هو أكثر إيجابية من ولائهم هم لهم فتلك فقط شذرة من شذارت ولاية الإمام علي عليه السلام أعطتهم هذا المقام العالي ، فعندما ألقوا أبا بكر وعمر من فوق جنوبهم وتولوا الإمام علي عليه السلام أصبحوا في هذا المقام. السُّنِّي الوهابي يُجَنُّ من حديث مثل هذا ،يُجَنُّ ، وهو مستعد أن تتحطم الأمة كلها ولا يتخلى عن أبي بكر وعمر. إذاً فأنت تشهد على أنك تعيش المشكلة وتعمى عن حل المشكلة ،وأنك تحب المشكلة نفسها: أن تتحطم هذه الأمة ولا تتخلى عنهم.

وإذا كنت تعتقد أنما يقال وما يصدر من مثل هذا القول قول غير حقيقي فارجع أنت إلى القرآن الكريم وارجع إلى واقعك أنت ،انظر ما الذي ينقصك ، إن كان {والذين آمنوا} هم أبو بكر وعمر أو الصحابة كما تقول فأنت تتولاهم وتهتف بولائهم أكثر مما نتولى الإمام علي عليه السلام وأنت لا ينقصك عدد ولا تنقصك عدّة ، ومن يحكمك هم من توجب طاعته ،هم من ينسجم حكمهم مع القرآن -من وجهة نظرك- إذاً فلماذا لا تكون حزب الله فعلاً؟. لأنهم غير جديرين بأن يكونوا حزب الله ، هناك خلل واضح هم لا يكادون يعترفون به إطلاقاً.

فمن الحماقة أن نرتبط بهم ،أو نفكر بأن بالإمكان أن نتوحد معهم إذا توحدنا معهم فهم يريدون أن نتوحد معهم تحت رايتهم، هم لن يقبلوا أي واحدٍ من أهل البيت أو من شيعة أهل البيت ، من أولياء الإمام علي عليه السلام ليلتفوا حوله ؛لأنه عندما يصعد سيواجه بأنه رافضي خبيث ، كما عملوا بالإمام الخميني نفسه ، وكما عملوا بحسن نصر الله ،وكما عملوا بحزب الله بكله ، لا يتكلمون عن حزب الله بكلمة ولم يتكلموا عن عباس الموسوي ولا عن حسن نصر الله ولا عن أولئك الذين قادوا ذلك الحزب الذي هو حزب الله ، لم يتكلموا عنهم بكلمة ؛لأنهم روافض خباث ، فأن نتجه نحن نحوهم لنـتوحد تحت رايتهم نحن سندخل في المشكلة وسنعمى كما عموا.

إذاً فالشيعة وخاصة الزيدية هم فعلاً من يكونون جديرون بأن يكونوا هم حزب الله الغالبون إن وثقوا بالله وعززوا ولائهم لله تعالى ولرسوله وللإمام علي عليه السلام.

اللهم وفقنا ،واجعلنا من حزبك فإن حزبك هم الغالبون ، واجعلنا من جندك فإن جندك هم المفلحون وهم المنصورون. وصدق الله العظيم.

تم الصف والإخراج

بمركز الشهيد للكمبيوتر
-------------------------------------------------------------------------

سلسلة سورة المائدة (2-4)

دروس من هدي القرآن الكريم


سورة المائدة

الدرس الثاني

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ :

14/1/2002م
اليمن ـ صعدة

هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.

وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.

والله الموفق.

إعداد:ضيف الله صالح أبو غيدنة


















بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين

أي شيء مهما كان مهماً ، مهما كان عظيماً لا بد أن يسمع الإنسان حوله كلاماً معاكساً ، كلاماً مثبطاً ، كلاماً مشوهاً ، والقرآن الكريم عرض علينا نماذج مما حصل ، القرآن الكريم هو كتاب من عند الله سبحانه وتعالى وهو أعظم كتبه التي أنزلها إلى عباده ، ماذا قال الآخرون عن القرآن ؟ . { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ } { وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً . قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } جاء الأنبياء من عند الله سبحانه وتعالى نعمة للبشر ، هدى للعالمين ، كل أمة كان يأتي من بينها نبيها ، وقد يكون الكثير يقول للنبي الذي هو أكمل الناس عقلاً وأزكاهم نفساً : مجنون شاعر ، مفتري ، كذاب ، ساحر . هذه أيضاً عرضها القرآن الكريم ، لأنه لم يحدث أن أرسل رسول إلى أمة إلا وجاء من بينها من يقول مجنون أو ساحر { مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ } أن يتكبر عليكم .

العبرة في هذا هو أن تفهم أنه من الطبيعي أن تسمع أمام كل شيء مهما كان عظيماً أن تسمع كلاماً يعمل على الحط من مكانته وتشويهه وإبعاد الناس عنه ، ماذا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو سيد البشر ، سيد الأنبياء والمرسلين الكامل في نفسه ، الزاكي في نفسه الحريص على هداية البشر ، الناصح العظيم لهم قالوا عنه ( مجنون ، مفتري ، ساحر ، شاعر ، كذاب ، مفتري على الله ) يسخرون منه أحياناً فيقولون { أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً . إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا } لقد كاد أن يغوينا لولا أننا كنا رجالاً وتمسكنا بآلهتنا .

هذا الموضوع طرحناه سابقاً وقلنا أنه من العجيب أن نكون نحن المسلمين ولدينا كتاب الله سبحانه وتعالى وهذا الدين العظيم دين الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لا يحصل لدينا حمية لهذا القرآن ولذلك النبي العظيم ولهذا الدين العظيم مثل ما كان يحصل عند بعض عباد الأصنام ، الله ذكر قصة قوم نبيه إبراهيم عليه السلام عندما كان يذهب كل واحد منهم يقطع حطباً حتى جمعوا جبلاً من الحطب كان لديهم اهتمام ، { قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ } ليس الوقت وقت النوم الأصنام في خطر ، وهم منذ لحظات رأوا أصنامهم محطمة ، كذلك هؤلاء في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون { أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً . إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا } لو لم نقف وقفة رجال عندها لكسرها ، ويقول الله عنهم { وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ } امشوا ، تحركوا ، اصبروا على الآلهة ، جاهدوا في سبيلها ، كافحوا في سبيلها ، لا تتركوها تتعرض لأي كلام يصرف الناس عن عبادتها ، مع أنها أحجار مركزة أو أخشاب منصوبة لا قيمة لها ، فكيف بالمسلمين وإلههم رب العالمين الذي سيقف معهم إذا وقفوا ، سينصرهم إذا نصروه ، سيضربهم إذا توانوا .

نعود إلى صلب الموضوع ، وهو أنه هكذا تسمع في كل زمان أمام كل عمل مهما كانت الأمة في أمس الحاجة إليه في مرحلة من مراحل تاريخها ، وفي أي جهة كانت مهما كانت عظيمة لا بد أن يأتي من هنا وهناك من يتكلم ، من يثبط ، من يشوه ، من يحارب ، هذا شيء ذكره القرآن الكريم وليس فقط في آية أو آيتين بل في آيات كثيرة ، لأن معرفة هذا نفسه يمثل جانباً مهماً من وعي القضية وفهمها ، أن تعرف أنك قد تسمع كلاماً على هذا النحو ، فليكن لديك ، ولتكن على مستوى تجعل ذلك الكلام لا أثر له عندك .

الكلام لا يخلوا إما أن يكون تخويفاً أو يُقدم بأسلوب نصح من جانب الذين يواجهون أي عمل مهما كان عظيماً ، فليكن لديك قاعدة ثابتة ، عندما يخوفونك فلتعلم أن الله هو الذي يجب أن تخافه ، الله هو الذي يجب أن تخشاه لأنه هو القادر على أن يضر بك ولا يحول أحد دون إرادته فيك ، هو الذي يمتلك جهنم ، هو الذي بيده جهنم – الذي يخوفك شيء أخر-هل هناك ما يمكن أن يرقى إلى درجة البقاء يوماً واحداً في جهنم ؟ . ليس هناك أي شيء يساوي غمسة واحدة في نار جهنم ، إذا تخوفني بماذا ؟ . يجب أن أخاف من لا أستطيع أنا ولا غيري يستطيع أن يصرف عني عذابه وسخطه ومقته .

كان جواب نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما كانوا يخوفونه بأنه ستضره الأصنام وسيحصل عليه كذا قال { وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ } ؟ . تخوفوني بماذا ؟ . أنتم الذي يجب أن تخافوا وأنتم تشركون بالله ، أنتم من تتعرضون للخطورة العظيمة لنار جهنم ولسخط الله .

لاحظوا نبي الله إبراهيم عليه السلام كيف كان إنساناً واعياً على درجة عالية من الوعي ، انطلق من مقاييس المقارنة ، من قواعد ثابتة لديه ، يخوفونه بهذا ويخوفونه بهذا ، كل تخويف يبدوا تخويفاً بشيء لا يشكل خطورة مع المقارنة بما يجب أن نخافه من قِبَل الله سبحانه وتعالى { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ } ؟ . أنت تريد أن تخوفني من أجل أن تدفع بي إلى جانب الأمن ، أليس كذلك ؟ . وأنا أخوفك بالله أريد أن أدفع بك إلى جانب الأمن { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ } ؟ . فأي الفريقين يصح أن يقال هو الآمن ؟ . من يكون في واقعه آمناً من عذاب الله وسخطه أو من يحاول أن يأمن من عذاب الناس وسخطهم ، ويوقع نفسه في عذاب الله وسخطه ، هل هو أَمِنَ ؟ . لم يأمن ، أمن من شيء في الواقع لا يقارن بينه وبين ما يمكن أن يحصل من قبل الله سبحانه وتعالى ؛ ولهذا جاءت الآية بالسخرية من التخويف بشيء من دون الله { وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } يخوفنك بأنه سيحصل عليك كذا وكذا ، أو سيحصل عليك من الأصنام ما يضر بك ، أي تخويف بشيء من دون الله لا يشكل خطورة .

الآمن هو من يأمن من عذاب الله وسخطه ، وكل شر وكل عذاب ، وكل أمر مخوف هو دون جهنم لا قيمة له ، بل هو بالنسبة للواعين الفاهمين للخطورة العظيمة التي يجب أن يأمنوا منها ، أنه إذا لم يحقق له الأمن من عذاب الله إلا أن يخوض هذه الغمار التي تبدو مخيفة للكثير ، فليخوضها بارتياح ؛ لأنها لا تشكل شيئاً بالنسبة لما يخاف منه ، وسيكون خوضها مما يحقق له الأمن يوم القيامة ، الأمن من نار جهنم ، الأمن من أهوال القيامة ، الأمن من شدة الحساب ؛ ولهذا قال الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم ليخاطب الناس { قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } هذا الذي يخيفني ، فلابد أن أنطلق في طاعته ، وفيما يحقق لي الأمن من ذلك الشيء المخيف من نار جهنم ، مهما كان الأمر ، لا يقعد بي أي أمر مخيف من أمور الدنيا ، أي شيء مخيف على أيدي الآخرين ، أو ألسنة الآخرين { أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } .

هذا فيما يتعلق بجانب التخويف أن يكون لديك قاعدة ثابتة من ينطلق ليخوفك كيفما كان هدفه من تخويفك فارجع إلى القرآن الكريم تعرف ما هو الأمر الذي يجب أن تخافه فعلاً وبيد من هو ؟ . هذه واحدة ، والمتأمل في القرآن الكريم عندما تتلوا القرآن الكريم تجد ما كان يحصل من تخويف للأنبياء للمصلحين ، وكيف كانوا يواجهون من يخوفونهم بأنهم يخوفونهم بلا شيء بما ليس مخيفاً مقارنة بما يجب أن نخافه مما هو بيد الله ، الله القاهر فوق عباده ، الذي لا يستطيع أحد أن يحول بينك وبين أن يوقعك في هذا الأمر المخوف نار جهنم .

أليس الإنسان يولد رغماً عنه ؟ . ثم يموت رغماً عنه ؟ . وستبعث أنت أيها الإنسان رغماً عنك ، وتساق إلى المحشر رغماً عنك ، وتساق إلى جهنم إذا كنت من أهلها رغماً عنك ، من الذي يستطيع أن يسحبك من أيدي الملائكة وهم يسوقونك إلى جهنم ؟ . لا أحد ؛ لأن من كان يملك أعظم قوة في هذه الدنيا سيأتي يوم القيامة وهو في حالة رهيبة { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ } كل واحد يكون مشغولاً بنفسه ، من كان يمثل في الدنيا قوة جبارة من المجرمين سيأتي يوم القيامة وهو أكثر الناس خوفاً ورعباً وانشغالاً بنفسه .

فالقرآن الكريم يثقفنا ويعلمنا كيف يجب أن نواجه من يخوفنا بما دون الله ، هذه واحدة ؛ لأنه في هذا الجانب الله هو الجبار ، الله هو الذي بطشه شديد { إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } .

ثم لنعد إلى الجانب الأخر الذي قد نفسر به كلام من يتكلم معنا ليثبطنا عن أي أمر من الأمور التي هي طاعة لله سبحانه وتعالى أو أداء لمسئولية أمامه في مجال نصر دينه فيتحدث معك من جانب أنه ناصح ، وأنه شفيق عليك ، وأنه رحيم بك ، وتأتي شفقته ونصحه ورحمته بك متركزة على أن لا تتحرك في أمر من هذه الأمور ، نعود إلى القرآن الكريم لنحصل من خلاله على ما يجعلنا واعين أمام هذا الطرح ، القرآن يعلمنا بأن الله الذي يأمرنا ويرشدنا لمختلف الأعمال الصالحة مهما بدت أمامنا ثقيلة على أنفسنا أنه فيها ومن خلالها تتجسد رحمته بنا ، أليس هو الرحمن الرحيم ؟ . هو الرحيم بعباده ، هو الناصح لعباده ، هو اللطيف بعباده ، هو الخبير بما يصلح عباده إذاً فلأثق به فعلاً ولأقل لأي شخص ــ سواء قلت له مشافهة أو أقول له بلسان الحال ــ : إن الله هو أرحم بي منك ، الله هو أنصح لي منك حتى وإن كنت رحيماً وإن كنت ناصحاً فقد توقعني في الهلكة من حيث لا تشعر أ
مدحي لكم يآل طه مذهبي** وبه افوز لدى الاله وافلح
واود من حبي لكم لو أن لي ** في كل جارحه لسان يمدح

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“