من هدي القراءن الكريم (سورة آل عمران )

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
أبوزيد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 13
اشترك في: السبت إبريل 01, 2006 8:58 am

من هدي القراءن الكريم (سورة آل عمران )

مشاركة بواسطة أبوزيد »

سلسلة سورة آل عمران (1-4)



دروس من هدي القرآن الكريم



سورة آل عمران
الدرس الأول


}إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين{



ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ

8/1/2002م



هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت ،وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.

و حرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.

والله الموفق.





























بسم الله الرحمن الرحيم

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ }صدق الله العظيم (آل عمران 100-112)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين

{يا أيها الذين آمنوا} خطاب للمؤمنين أنتم كمؤمنين وباسم (الإيمان) الذي تحملونه وتنطقون به وتقرون به ،أنتم كمؤمنين وتروا أنفسكم مؤمنين {إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب..} ، فريقاً منهم ،وهو الفريق الذي يتحدث عنه القرآن الكريم بصورة خاصة -لأن القرآن الكريم كان حديثه حتى وهو يلتزم جانب العدل ويتحدث عن الواقع -كان حديثه بالنسبة لأهل الكتاب هو أنه لا ينسى فريقاً آخر كان ما يزال ملتزماً ،كان ما يزال فريقاً يهدي ،كان ما يزال فريقاً يمثل الخير في كل أعماله ،هنالك فريق الشر فريق الغدر ،فريق الكفر ، فريق الحسد ، فريق الدهاء الشديد. فريقاً من أهل الكتاب ،أهل الكتاب هم اليهود والنصارى ،وكان معظمهم من يواجه الناس في تلك الفترة ،ويدخلون في صراع معهم هم -خاصة في بدايات فترة المدينة بعدما هاجر الرسول - هم يهود وكان من حول المدينة يهود في خيبر ، وبني قريضة ، وقينقاع ، وبني النضير ، ومناطق أخرى هم يهود ،ولكن أهل الكتاب بصورة عامة ؛على الرغم من أن الله قد ضرب بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ،لكنهم بالنسبة لنا يمكن أن يتشكلوا فريقاً واحداً.

(أهل الكتاب) هو اسم يطلق على اليهود والنصارى ،هم أهل الكتاب السماوي السابق، أهل التوراة وأهل الإنجيل ، والواقع كشف هذا أن أهل الكتاب اليهود والنصارى اجتمعت كلمتهم علينا ، أليس هذا الذي حصل؟. على الرغم ما بينهم من عداوة وبغضاء ،وعلى الرغم مما قد حصل فيما بينهم في هذا العصر مما يُوغِر الصدور أكثر ،ويرسخ العداوة فيما بينهم أكثر ،كما حصل في الحرب العالمية الأولى ، والحرب العالمية الثانية، وكما حصل لليهود في مختلف مناطق العالم ، وكما يقال -إن كان صحيحاً تاريخياً- ما حدث لهم في ألمانيا على يد (النّازِيّة) في ألمانيا في أيام (هِتْلَر) على الرغم من ذلك كله اجتمعت كلمتهم علينا ،وأصبحوا جميعاً يعملون سوياً في مجال أن يردوا الأمة بعد إيمانها كافرة ، أن يردوا المؤمنين كافرين بعد إيمانهم.

الآية تحكي حالة قائمة وستبقى قائمة ،وإن كانت هي في البداية ،ومن يقرأها في أيام رسول الله ،في فترات من بعد موت الرسول يتبادر إلى ذهنه أولئك اليهود الذين كانوا في المدينة وخارج المدينة ،أولئك اليهود كانوا بالنسبة لهؤلاء الذين في عصرنا يُعدّون بدو يعدون بدو، إذا كان أولئك اليهود من يتبادر إلى ذهن من يقرأ هذه الآية في فترة نزولها وما بعد نزولها في القرون الأولى من تاريخ الأمة هذا ،يتبادر إلى ذهنه أولئك اليهود الذين كانوا حول المدينة ،أولئك الذين يُعدّون بالنسبة ليهود اليوم بدو أغبياء ،أما هؤلاء فيهود متطورون جداً ،في مكرهم ،وخداعهم ،وتضليلهم، يهود أصبحوا يمتلكون إمكانيات هائلة ، إمكانيات رهيبة اقتصادية وإعلامية.

ولكن كانت تلك النوعية -الذين هم بدو بالنسبة لهؤلاء- كان فيهم ما يكفي فعلاً من الخطورة البالغة إلى درجة أنهم من الممكن أن يصلوا بالمؤمنين من هم في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، والرسول بين أظهرهم والقرآن يتلى عليهم أن يردوهم بعد إيمانهم كافرين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ }آل عمران100 أليست هذه حالة رهيبة؟. يقلب الأمة يقلب الناس من إيمان إلى كفر، ولم يكن فقط أن مجرد التضليل الذي يصل بك إلى درجة الكفر من حيث لا تشعر، أو التضليل الذي يأتي من قبلهم وأنت لا تشعر أنه من قبلهم ولو شعرت أنه من قِبَلهم لتمردت عليه. لا.

هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى درجة أتلمس أن هذا هو من قِبَلهم هم اليهود ،وستنطلق في طاعتهم ،هم يستطيعون أن يصلوا بالأمة إلى أن تطيعهم هم ،وهم بكامل مشاعرهم يعرفون أن هذا من قِبَل اليهود ،أو أن هذا يهودي ويطيعونهم؛ ولهذا جاء بالضمير { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ }.

توحي الآية بأن اليهود وهم دائماً في كل أعمالهم يلحظون جانب التكلفة ؛لأن المال لديهم عزيز ،المال ينظرون إليه كسلاح مهم جداً ،لكنه لديهم أيضاً له مكانة كبيرة لديهم ،فهم معروفون بالبخل والحرص لشدة نَهَمِهِم بالمال وجَشَعِهم عليه، فهم يلحظون أيضاً في جانب التضليل هو التكلفة ،أن يضل الأمة وبتكلفة أقل، لا يريد أن يخسر كثيراً في تحويل الأمة إلى ضالة ، لا يريد أن يخسر كثيراً وهو أيضاً يتحرك لضرب الأمة حتى ولو عسكرياً، هذا من الدهاء الشديد.

فما هي أقرب الوسائل إلى أن يجعلوا الناس كافرين بعد إيمانهم ،ضالين بعد هداهم ،نفوسهم مسالمة بعد إبائهم؟. هو أن يصلوا بالمجتمع إلى درجة الطاعة.

من يتأمل في أعمال اليهود كانوا يلحظوا هذا الجانب ، وبخطوات متأنية وخطوط دقيقة وقليلاً قليلاً إلى أن يصل بالأمة إلى أن تطيعهم ،بل أن يتحول الناس إلى دعاة لطاعتهم ،وحينئذٍ لا يخسرون شيئاً. يردون الأمة بعد إيمانها كافرة ، بعد عزتها ذليلة ، بعد مَنَعَتِها مقهورة وبتكلفة أقل ، الشعور الذي لا يحصل عند أي شخص منا وهو يتشاجر مع الآخر ويتخاصم معه عند الحاكم ،أليس كل واحد سيفتح الشنطة؟. كل واحد سيفتح الشنطة ولو فيها خمسين ألف سعودي أو مائة ألف سعودي ويشاجر بها حتى يقهر خصمه. ليس بتكلفة أقل ،ليس لدينا هذا الحس في مقام الخصومة في ما بيننا هو أن أتشاجر ولو من منطلق أن أحاول أن أحصل على حكم شرعي وبالطرق الصحيحة عليك ،لكن أريد أن يكون بتكلفة أقل، أليست هذه ستكون ميزة؟. فأصبحنا -تقريباً- لا نملك عقول حتى في الصراع فيما بيننا ناهيك عن الصراع مع هؤلاء الدُّهاة من اليهود والنصارى.

ثم لماذا هم يحرصون أن يردوكم بعد إيمانكم كافرين؟. لماذا تتجه أذهانهم إلى مشاعر السيطرة وقهر الأمة والاستعباد لها بعيداً عن مسألة التكفير والتضليل؟. بعيداً عن مسألة أن يردونا عقائدياً في أفكارنا في ثقافتنا في مواقفنا كافرين؟. أي هم يحرصون على أن يروك كافراً ،لماذا؟؟.

نحن قلنا: اليهود لديهم (خِبرَة دينية) ،ماذا يعني خبرة دينية؟. هم يعرفون أن هذا الدين حق ،ويعرفون أن المؤمنين متى أصبحوا مؤمنين لا يمكن أن يقهروهم ،لا يمكن أن يقهروهم أبداً متى ما أصبح الناس مؤمنين حقاً. ومن منطلق البحث عن تَدْجِين الأمة وبتكلفة أقل، تصور قد يقال -بالعقلية العربية عقلية صدام ونحوه-: (لدينا الدبابات والطائرات والقنابل النووية فلندمر الأمة هذه). أليست هذه عقلية عربية لدينا؟. إنفجار هائل وقهرناهم ،ووطئت أقدامنا هامهم ،لكن كم تكلفته؟. تكون مليارات الدولارات. آثارها سيئة جداً على اقتصادهم ،والاقتصاد هو صمام مُهم في ميدان المواجهة.

وهم يفهمون حتى لو انطلقوا بهذا المنطلق ،من منطلق القوة القاهرة والناس ما يزالوا مؤمنين فلن يستطيعوا أيضاً أن يقهروا المؤمنين.

اليهود مؤمنون بالله ، هل تعرفون هذا أم لا؟. وكان يأتي منهم أنبياء كثير ،وكان يأتي منهم هداة ،ويأتي منهم مصلحون ، ولديهم (خبرة دينية) لديهم تاريخ آلاف السنين عرفوا أحداث كثيرة في مقام الصراع فيما بينهم وبين الآخرين ، كيف أن الإيمان كان هو العنصر المهم في أن تحظى تلك الفئة المؤمنة بنصر الله ، ومتى ما حظيت بنصر الله وتأييده فلن يقهرها شيء. حصل لديهم درس مهم في قصة (طالوت وجالوت) التي نقرأها في{ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ فهزموهم بإذن الله}البقرة249

إذن فكيف نعمل بالبشر حتى نقهرهم وخاصة هؤلاء المسلمين؟. كيف نعمل؟.

أليسوا الآن يمتلكون قنابل نووية ، قنابل ذرية؟. ، أليسوا هم من يمتلكون الصواريخ بعيدة المدى؟. أليسوا من يمتلكون الأسلحة الفتّاكة؟. لكن هل فكروا في الدَّمْدَمة هذه؟. لا. يدمدمونا أولاً من الداخل فيفصلون فيما بيننا وبين الله ،فمتى ما فصلوا فيما بيننا وبين الله وأصبحنا بعيدين عن أن نحظى بنصر الله. أمكنت السيطرة علينا.

بل هم يفهموا بأنه أيضاً من الممكن أن يتحول الله إلى طرف آخر يضرب معهم هؤلاء -وهذا ما توحي به الآيات فعلاً- أنهم هم من جهة يضربون والله من جهة أخرى أيضاً سيضرب ، وهذا فعلاً ما سيحصل ، لماذا؟. أولئك من منطلق العداوة، والله سبحانه وتعالى من منطلق الغضب على هؤلاء ؛لأنهم لم يكونوا جديرين بأن يحظوا بنصر الله ،لم يهتدوا بهداه ، وهم برزوا في الساحة باسمه وممثلون كطرف عنه ، أليسوا هم من يسمون أنفسهم جند الله؟. ، إذن فأنتم سُبّه إن لم تهتدوا بهديي ،إن لم تلتزموا بهديي ونهجي فستصبحون جديرين بأن تُذلوا ،فيتخلى عنا هو ،بل يُذلنا بل يضربنا هو سبحانه وتعالى.

لماذا؟؟؛ لأن المسؤولية علينا أكثر وموقفنا أيضاً بالنسبة للبشرية عامة هو أخطر.

لماذا؟؟؛ الأمة هذه العربية لو نهضت إسلامياً على هدي الله ،أما كان من الممكن أن تهتدي البشرية كلها على يديها؟.أما كان من الممكن أن يسود صلاح العالم هذا ؟. أما كان من الممكن أن يسود العالم كله دين الله؟. أما كان من الممكن أن يسود العرب العالم هذا؟. فكل ما رأيناه في هذا العالم ،العرب بتخليهم عن دين الله وعن هدي الله يمثلون عاملاً أساسياً فيه ،ليس فقط الآخرون. إذاً فأنت من أضعت أنت -بانصرافك عن هديي بانصرافك عن نهجي، بانصرافك عن أعلام الدين- أنت الذي أضعت ديني ، أضعت عبادي جميعاً ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يهمه أمر عباده جميعاً ،لكن عن طريق من؟. -كما اقتضت سنته- عن طريق بعض عباده، إذا لم يتحمل هذا البعض المسؤولية فإنه هو من يجني على البشرية كاملاً ، وهذا حقيقة. أليس صحيحاً لو أن العرب هم من التزموا بالدين فإن الله قد وعد بأن يظهره على الدين كله؟ ، وأمرهم أن يقاتلوا حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.

{ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } حينئذٍ عندما تصبح كافراً، يصبح من السهل على اليهود أن يضربوك ،لأنهم قد فصلوك عن الله ، وستكون في نفس الوقت بدلاً من أن تكون محط عناية الله وتأييده تصبح محط ومحل غضب الله -نعوذ بالله من غضبه- وإذلاله وتعذيبه.

هذا محتمل أن يحصل هذا ، الآية توحي فعلاً ، هو يتحدث عن حقيقة ،وتسمى آيات الله حقائق. { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ.وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101 وهذا الاستنكار يعني أن موقفكم هو مما يثير الاستغراب فعلاً، (قد تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله)، وهذا شيء مدهش جداً ،شيء مزعج جداً ، كيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله؟!!. وبمجرد تلاوتها ناهيك عن فهم معانيها ،وفهم أعماقها وفهم ما توحي به ،فإن مجرد تلاوتها وسماعها فيه ما يكفي للهداية. {وأنتم تتلى عليكم آيات الله} وهي حقائق وأعلام ،ولهذا سميت آيات، هي أعلام على حقائق ،حقائق من الهدى ،حقائق من واقع الحياة ،حقائق من مستقبل الغيب ،حقائق في كل ما تحكيه.

{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ } ربكم ،آياته ليست صحفاً (صحيفة الحياة) أو (صحيفة الشرق الأوسط). آيات هي من قِبَل من؟. من قِبَل الله الذي هو ربكم ،الذي هو الرحيم بكم ،الذي هو الهادي لكم ،الذي هو اللطيف بكم ، الذي هو إلهكم وملككم يهمه أمركم ، آيات الله ،هل أنتم بعد لم تعرفوا الله ،وتعرفوا موقفه منكم ،وتعرفوا أنه يهمه أمركم ،أنه رحيم بكم ،أنه لطيف بكم، أنه حكيم ، أنه عالم الغيب إنه... الخ؟. أليس هذا شيئاً مدهشاً؟!. ممكن يقول وأنتم تتلى عليكم صحيفة كذا أو كتاب البخاري أو كتاب فلان ، فتقول: لكن هذا الرجل أو هذا الكتاب أو هذه الصحيفة لا يهمها أمرنا ،وإن أدت نصائح فليست بالمستوى الذي يهمه أمرنا لدرجة عالية. لكن أما الله سبحانه وتعالى هو رحمن رحيم، وجاءت {بسم الله الرحمن الرحيم} في كل سورة تؤكد أنما يتلوه على الناس من آيات ،وما يهديهم إليه ،وما يشرّعه لهم هو كله من منطلق أنه رحيم بهم ورحمن بهم.

{وفيكم رسوله} إضافة إلى القرآن وفيكم رسوله. لا حظوا الإضافات هذه (آيات الله ،رسوله) ألم تأتِ كلها مضافة إلى الله؟. هو عندما يرسل رسولاً هو يصطفي رسلاً من نوعية معينة ،يصطفي رسلاً لا يأتوا إلى البشرية ليتحكموا عليها من منطلق الجبروت والهيمنة والاهتمام بالمصالح الخاصة ، رسلاً يصطفيهم الله سبحانه و تعالى رحمةً للعالمين ،يحملون هَماً كبيراً و يحملون اهتماماً كبيراً بأمر الأمة.

{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128 هذا الرسول الذي قال {وفيكم رسوله} وليس رسول كسرى ،أو رسول ما أدري من، أو وفيكم خبير أمريكي ،أو فيكم خبراء ألمان ،أو فيكم قانونيون. {وفيكم رسوله} آياته ورسوله ،آياته تتلى عليكم ورسوله يتلو عليكم ،فكيف تكفرون؟.

فلنقل بأنه لم تحصل حالة كفر بل حصلت {أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ }الحشر11 ألم يحصل هذا؟. المنافقون أليسوا من وسط المؤمنين؟. من وسط المجتمع الذي كان يتلى فيه آيات الله وفيه رسول الله ؟. إخوانهم أصبحوا يشعروا بمشاعر الأخوة نحوهم وأصبحوا كمثلهم ،شأنهم شأنهم ، وحكمهم حكمهم.

أناس يمكن أن يكفروا وهم في نفس الوقت تتلى عليهم آيات الله وفيهم رسوله، ما هؤلاء؟. ماذا يمكن أن نقول فيهم؟. هل هناك أحط مستوى من هذا النوع؟. لا. ولا حتى الأنعام ليست أحط مستوى ممن يمكن أن يكفر بطاعته لليهود ،وهو يعلم أن اليهود أذلاء ،وهو يعلم أن اليهود أعداء لدينه ،وهو يعلم أن اليهود حاقدين عليه، وهو يعلم خبث اليهود ،ومكرهم ثم يطيعهم فيكفر ،في نفس الوقت الذي تتلى عليه آيات الله وفيه رسوله، أليست هذه نوعية سيئة جداً؟.

لكن لاحظ يظهر في المجتمع أيضاً من هم أسوء من هؤلاء المنافقين ومعظم المنافقين ما كانوا كافرين بمعنى منكرين للقرآن أو منكرين للرسول ، بل هم مؤمنين بأن هذا هو القرآن وأن هذا هو رسول الله لكن ينطلقون منطلقات أخرى بسبب قلة وعيهم ، وبسبب جهلهم بالله سبحانه وتعالى بالشكل الذي كان يمكن أن يخلق في نفوسهم خشية لله ،اهتمامهم بمصالحهم ،اهتمامهم بنفوسهم ،{يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب}.

ثم لاحظ هؤلاء المنافقين هم أنفسهم ألم يكونوا يشكلون خطورة في ذلك المجتمع الذي كان فيه رسول الله ؟. أصبحوا هم من كانوا يؤثرون على الكثير فلا ينفق الكثير ، فلا يخرج مع رسول الله ويتخلف عن الجهاد معه. تأتي حملة رهيبة في القرآن الكريم على المنافقين ؛لأنهم كانوا شديدي التأثير وكثيري التأثير على المجتمع الذي فيه آيات الله وفيه رسوله ، لدرجة أن الله قال عنهم {هم العدو فاحذرهم} لماذا احذرهم؟. هل لأنهم يعملون في أوساط الكافرين؟. أو أنهم كانوا يعملون في أوساط المؤمنين أنفسهم في أوساط المسلمين؟. فيجعلونهم يتخلفون عن رسول الله ولا يهتمون بمقام رسول الله ، ولا يهتمون بما يصدر منه، ولا يخرجون معه للجهاد إلا متثاقلين ، ويتعبوه جداً ويقلقوه جداً. رجع عبد الله بن أُبَيّ بثلاثمائة رجل عندما خرج رسول الله إلى غزوة (أحد) استطاع أن يرجع بثلاث مائة إلى المدينة الذين تخلفوا عن رسول الله ثلاثمائة ،فعل هذا منافق واحد.

من يتأثر بمنافق عربي وآيات الله تتلى عليه وفيه رسوله، سيعبد يهودي وليس فقط سيتأثر بيهودي ،سيتحول إلى كافر على يد يهودي ،وسيرى نفسه في يوم من الأيام يـعبد اليهودي كعبادة الناس للشيطان؛ لأن المنافق العربي أقل دهاء من اليهود ،أقل خبرة ،أقل فهماً ،أقل دهاء ، أقل ذكاء من اليهود ، فإذا كان منافقين عرب من أهل المدينة وممن حول المدينة هم قد يكونون تأثروا تأثيراً قليلاً باليهود فأصبحوا منافقين مزعجين ،فأصبحوا مؤثرين فالمجتمع الذي يتأثر بالمنافق العربي البدوي سيتأثر باليهودي فيتحول إلى كافر ، اليهودي الذي يمتلك تاريخاً من الخبرة قوامه أكثر من ثلاثة آلاف سنة ،ويعرف هذا الدين أكثر مما يعرفه المنافق العربي. لو تلاحظوا حتى فعلاً منافقين العرب في زماننا ألم يتحولوا إلى خدام لليهود؟. وعن بُعْد يعملوا (بالريموت) ،عن بُعد.

فتأتي الآية هي فعلاً تحكي أن هناك وضعية خطيرة حتى على الرغم من وجود النبي ووجود القرآن { إِن تُطِيعُواْ فَرِيقاً مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ } وهل هناك أبعد من الكفر؟.

{وكيف تكفرون...} لا حظ كأنه يحكي بأنه قد حصل منهم ،أحياناً عندما تكون حالة الإنسان أو حالة المجتمع مهيأة لأن تسودها ظاهرة معينة يصح أن يُحكى عنها وكأنها قد وقعت.

{ وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } هنا قد نضل بيهودي عربي متأثر بيهودي بدوي.

{ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ } توحي الآية أيضاً بأنه لا بد من هداية الله على هذا النحو، وأن الأمة تحتاج إلى هدي من الله بشكل كتب وإلى أعلام للهدى قائمة، تحتاج إلى أعلام للهدى قائمة. لم يقل وأنتم تتلى عليكم آيات الله ،هل اكتفى بهذا؟. لم يكتف بهذا {وفيكم رسوله} عَلَم منكم ،رجل منكم ، عَلَم للهدى يحمل هذا القرآن ،ويدور حوله ،ويهديكم بهديه ، يحمل رحمة القرآن ،ويحمل هدي القرآن.

والقرآن ين‍زل في تلك الأيام آية آية على مرأى ومسمع منهم ،ورسول الله الذي يعرفونه بشخصه ،ويعرفونه بمواقفه، يتحرك بينهم ،ومع هذا يمكن أن يضلوا بمنافق يعتبر عميلاً أو متأثراًَ بيهودي ،يكفر بطاعة فريق من أهل الكتاب.

وأولئك اليهود كانوا أقل دهاء وأقل خبثاً ،بل كانوا فعلاً يعدوا بدواً بالنسبة ليهود اليوم ،والكتاب هو كتاب للعالمين إلى آخر أيام الدنيا ، والرسول هو رسول للأمة إلى آخر أيام الدنيا ،والقرآن هنا ينص على أن الأمة بحاجة إلى قرآن وبحاجة إلى عَلَم يتجسد فيه القرآن هو امتداد للرسول ،ووارث للرسول في كل عصر من العصور، أليس يعني هذا أن الأمة تكون أحوج ما تكون إلى أعلام للهدى تلتف حولهم؟. هم يجسدون القرآن ويهدون بالقرآن ،وينشدون الأمة بالقرآن ،ويعملون على تطبيق القرآن في أوساط الأمة.

أم أن الله ترك الأمة هذه؟!. فكتاب ورسول هو سيد الرسل لمجموعة من البشر في زمن محدود ثم يقول هذا الدين هو كله للعالمين، وهو يهددنا ويحذرنا من أهل الكتاب وهم بدو مقابل أهل الكتاب الرهيبين الشديدين في مكرهم الذين يمتلكون إمكانيات هائلة ، ثم لا يضع حلاً للمسألة!!.

الحل هو نفس الحل :لا بد للأمة من أعلام تلتف حولها ،هم أهل بيت رسول الله .

{وأنتم تتلى عليكم آيات الله} هذه آيات الله قائمة فينا ، لكن عندما فُقدت الأعلام ألم يضع الكتاب نفسه؟. -ضيعناه نحن ولم يضع هو-، ألم تضيع الأمة الكتاب عندما أضاعت الأعلام؟. أم أنه ليس هناك إشكالية؟. هذه نقطة مهمة. أن من قوله {وفيكم رسوله} بعد قوله {وأنتم تتلى عليكم آيات الله} إذا قلنا وأنتم تتلى عليكم آيات الله ،حسبنا كتاب الله ، ألم يقلها عمر؟.حسبنا كتاب الله ، لكن كتاب الله تحتاج الأمة إلى من يجسده -تحتاج الأمة ولا يصح أن نقول: يحتاج يحتاج.. هذه عبارة ليست مؤدبة- ،ولكن نقول الأمة تحتاج إلى من يهديها به ، تحتاج إلى من يجسد قيمه ، تحتاج إلى من يفهم آياته فيرشدها بهديه وإرشاده ، الأمة تحتاج إلى هذا.

فعندما رأت نفسها مستغنية ما الذي حصل؟. هل اهتدت فعلاً بالقرآن؟. لا. بل ضلت ولم تهتد بالقرآن ،وبدلاً من أعلام الحق يصعد لها أعلام سوء ، وأعلام شر ،وأعلام باطل هذا الذي حصل ، فضلت عن القرآن ،وبدلاً من أن يكون لها أعلام حق وأعلام هدى برز لها أعلام شر وضلال على امتداد تاريخها ،وتتعبد الله بولائهم.

وما أسوأ أن يتعبد الإنسان ربه بالضلال ،ما أسوأ أن تعبد الله بضلال ، ولهذا ضللتَ ثم رأيت الضلال حقاً فأصبحت تتعبد الله بضلال ،والله هو المن‍زه أن تقصر أنت في طاعته بالحق الذي هو حق ،متن‍زه ،لا يليق بك أن تقصر في طاعته بالحق الذي هو حق صريح ، أما أن تتعبد الله بالضلال فهذا شيء لا يليق بالله إطلاقاً ، لا يليق بكماله إطلاقاً.

ثم إن الضلال يتجه نحو من هو شر ،أن أتعبد الله بأن هذا هو عَلَم من أعلامه ،وهو نفسه ممن يخالف كتاب الله ويخالف رسوله ،هو نفسه ممن ضرب الأمة وأهان الأمة ، هو نفسه ممن يحمل الباطل من قمة رأسه إلى أخْمص قدميه ، أنا أتعبد الله بأن هذا هو بيني وبين الله ، هو عَلَم من أعلام الله أليس كذلك؟. معنى ذلك أنه إن كان الله شراً ،وكان الله ناقصاً فيمكن أن يكون هذا علم من أعلامه فأنت تدنس الله -إن صح التعبير- أن تتعبده بتولي هذا ؛لأن هذا لا يليق بأن يكون فيما بينك وبينه ، {وما كنتُ متخذ المُضلِّين عضداً} عضداً أو مساعدين أو عوناً فيما يتعلق بهداية عبادي، لا يمكن.

لكن تصبح المسألة إلى هذه الدرجة أن يتعبدوا الله بالضلال فيتولى ذلك الشخص ويصلي عليه كما يصلي على محمد وآله ، يصلي عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين فيدخلهم في الصلاة التي هي كلمة لها معاني رفيعة ،لها معاني سامية جداً ،ولها -فيما توحي به- معاني مهمة جداً من أجل أن تشمل أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وعائشة وفلان وفلان أجمعين.

إذن فالأمة تحتاج في تاريخها إلى القرآن -وهو قائم بين أظهرنا- لكن (رسوله) هل كان رسول لتلك الفترة إذن فنحن يا الله لماذا تضيعنا؟. فترة قصيرة هي ثلاثة وعشرين سنة أو خمسة وعشرين سنة تعطي أهلها وهم لا يتجاوزون آلافاً معدودة تعطيهم رسول الله هو سيد الأنبياء والرسل ، ثم تضيعنا من بعد فلا تهدينا إلى أعلام ،ولا تجعل لنا أعلام ،ولا ترشدنا إلى أعلام، يقوم فينا خلفاء لرسولك صلواتك وسلامك عليه ، يهدون الناس بهديه فيجسدون قيمه ومبادئه ويسيرون بالناس سيرته فيلتف الناس حولهم. لا يجوز هذا على الله إطلاقاً ،لا يجوز على الله وإلا كان منافياً لرحمته ، ونحن من نقرأ في كتابه {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين} {بسم الله الرحمن الرحيم ألم} {بسم الله الرحمن الرحيم حم} أليست كلها في بدايتها (بسم الله الرحمن الرحيم)؟.

وكلمة (رحمن رحيم) فيما تعنيه جملةً المبالغة في الرحمة، كما تقول (الأخ العالم العلامة)، ألسنا نقول هكذا في سؤالنا العالم العلامة؟ ، (عالم وعلامة) اشتقاقها واحد.

وظل المفسرون في معنى فقالوا: رحيم بمن؟. ورحمن بمن؟. ، رحيم في الدنيا أو رحيم في الآخرة ،فيقسمون رحمته ،هي فيما تعطيه جملةً تدل على المبالغة الشديدة في رحمته ،في التعبير عن رحمته بنا.

(رحمن رحيم) عبارة واحدة تنظر إليها كعبارة واحدة ،وهذا في لغة العرب يستعمل على هذا النحو تكرير الصيغتين ذات جِذْرٍ واحد، بصيغتين مختلفتين في الظاهرة واشتقاقهم واحد للمبالغة جملةً.

فأين رحمته -إن جَوّزنا عليه هذا- أن يهتم بسكان الجزيرة العربية خلال فترة ثلاثة وعشرين سنة ،وأمام يهود مساكين مستضعفين بدوا ،لم يكونوا على هذه الخطورة العالية ،ثم يموت نبيه فيغلق ملف هدايته ورحمته ولطفه ،ثم يقول هناك الجنة وهناك جهنم ، جهنم يسعرها بعد أن أغلق ملف هدايته ورحمته ،هل هو يليق بالله؟. لا يليق بالله سبحانه و تعالى ،ولا يجوز أن تعتقده ،بدليل أن الأمة في واقعها بطبيعتها لا يمكن أن تتخلى عن هذا ،حتى وهي تسير في طريق الباطل تحتاج إلى أعلام للباطل ،ولن تتخلى ، أنت لا تستطيع أن تعيش في ذهنيتك بدون أعلام ،تعدل عن هذا لكنك ترجع تلقائياً إلى هذا ، أليس هذا الذي يحصل؟.

متى ما جاء شخص كره (السادة) ولا يريد (السادة) فإلى أين يذهب؟. يكون فاضي؟. تراه يميل إلى من؟. إلى (مقبل ،الزنداني ،ابن باز ،ابن تيمية ،البخاري ومسلم ، أبو بكر ، عثمان ، عائشة) ، أليس هذا يحصل؟. لا يوجد إنسان يكون فاضي من الأعلام. لا يمكن أن تكون فاضياً ؛لأنك في نهاية المطاف إما أن يكون الله هو الذي في ذهنك ،هو الله الذي أمامك أو يكون الشيطان. هل هناك شيء غير هذا؟.

من الذي يستطيع أن يكون بعيداً عن أن يكون عَلَمُه هو الشيطان إذا لم يكن ماشياً على هدي الله؟. لا أحد. المسألة من أساسها سُنّة بشرية ،فطرية لدى الإنسان يحتاج إلى أعلام سوى للحق أو للباطل ، والحق أيضاً يحتاج إلى أعلام والباطل يحتاج إلى أعلام.

الباطل لا ينـتشر من الأشخاص الذين هم في الشوارع مساكين تائهين ،وعمل حديث وأطلقه ،فجاءت الأمة تلتقطه ثم تعممه في مدارسها، هذا لا يحصل.

ينتشر الباطل من داخل أعلام رموز هم يَلُوا أمر الأمة ،أو يكونوا كعلماء في وسط الأمة فيصبح (قاضي القضاة) ،أو يكون له لقب من هذا الألقاب ،أو (إمام المحدثين) ، فيأتي من هنا التضليل ،ويأتي من هنا الانحراف ، ويأتي من هنا الكذب ، ويأتي من هنا الباطل فيعمم على نطاق واسع ؛لأني تلقيت الباطل من عَلَم ،فبقدر ما لهذا العلم في نفسي من مكانة بقدر ما هيئت نفسي لتقبل هذا الباطل من جانبه ، ليس هناك باطل ينتشر من الناس المساكين الفلاحين الذين يكونون بين أموالهم أو في الشوارع مُتَخبِّطين ، لا يمشي الباطل من بينهم ،التحريف الذي هو باطل كتحريف لمعاني القرآن أو وضع ثقافة باطلة.

من الذي يستطيع أن يعمم ثقافة باطلة؟. أليست هي الدول؟. والدول بواسطة علماء يخدمونها من صحابة أو من تابعين أو من غيرهم من بني البشر.

فالباطل نفسه يحتاج إلى أعلام ،وما بين أيدينا لم ينتشر تلقائياً ، إنما عن طريق أعلام شدّونا نحوهم ، ثم قالوا هذا هو دينهم هذه هي عقيدتهم ، هذه هي سيرتهم ، هذا هو ما كانوا عليه ، فالتزموا بما كانوا عليه ،وأصبحوا يملئون أنفسنا ، هكذا يكون انتشار الباطل، ولا بد في نفس الوقت أن الحق يسري على هذا النحو.

إذاً فالحق يأتي عن طريق أعلام لهم مكانة في نفوسنا ،أعلام نجلّهم ،أعلام نحبهم ، أعلام نحترمهم ، أعلام ندين بحبهم ، أعلام نعرف تاريخهم المشرق ، أعلام نعرف كيف كانوا يجسدون القيم الصالحة ،كيف كانوا رحماء بالأمة ،من خلال حبي لهم وانشدادي لهم وإجلالي لهم وحبي لهم ، أتحلى بما كانوا يتحلون به ، أدين بما كانوا يدينون به ، فمن هنا يأتي تقبل الحق.

نفس الشيء الذي أحيط به كل مصادر هداية الله سبحانه وتعالى بدأ من القرآن الكريم ،بدأ منه سبحانه وتعالى ،ألم يقدم نفسه هو كعظيم لدينا ،كعظيم نعظمه ، نُجِلُّه ،نقدسه ليملأ مشاعرنا لننطلق في التمسك بهديه ،إذا كان الله لا قيمة له عندنا فمن الذي يتمسك بهدي من لا قيمة له عنده؟. أليس نسيان الله يؤدي إلى أن ينسى الإنسان أن يهتدي بهديه {نسوا الله فنسيهم}.

كذلك كتابه الكريم ، ألم يثنِ الله في كتابه الكريم الثناء العظيم { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ. فَمَن شَاء ذَكَرَهُ ذكره . في صُحُفٍ مُكَرَمَة . مَرفوعَةٍ مُطََهَرة ٍ. بِأيْدِي سَفرة} هكذا تحدث عنها ، يثني على القرآن الكريم بأنه كتاب حكيم ، بأنه نزله من يعلم السر في السماوات والأرض ،بأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، أنه هدى ، أنه نور ، أنه شفاء ، أنه موعظة ، أنه .. أنه... لدرجة أن تملأ نفسك مشاعر الإجلال والنظرة إلى العظمة في هذا الكتاب فتهتدي بهديه.

إذا كنا نحن ، ونحن الشيعة لم نصل بعد إلى درجة أن نؤمن بما توحي به هذه الآية وتنص عليه كحاجة ماسة {وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله} بأنه يرشد إلى منهج وقدوة ، أليس كذلك؟. يرشد إلى كتاب ،ين‍زل من عنده ،ورسول يصطفيه من عباده ، رسول هو خاتم النبيين ،فلا بد أن يكون هناك أعلام للأمة من بعده يسيرون بسيرته ، ليكن في المسألة كفاية ،لأن يكون من جهة الله هو يرى أن فيها الكفاية للأمة.

وورثة من أهل بيت نبيه ،هم لا يرقون بالطبع إلى درجة أنبياء ،إنما هم ورثة لنبيه يسيرون بسيرته يهدون الأمة بهديه ، يكونون هم أعلام دينه وأعلام هديه، تلتف الأمة حولهم.

تحتاج الأمة إلى أن تهتدي عن طريقه بالكتاب الذي نزل بلغتها، على الرغم من أنه نزل بلغتها ،أو أنه نزل بلغة لا يفهمها إلا محمد ؟. أم أنه بلسان عربي مبين. إذاً لا نحتاج إلى أحد فهو بلسان عربي مبين ،نحن عرب لا نحتاج إلى أحد ،إذاً فاذهبوا مع السلامة ،أنت وصلّت المكتوب والرسالة ومع السلامة ، كما كان يقول الوهابيون ، كانوا يتثقفوا بهذه الثقافة، ولهذا اضمحلت جداً عظمة رسول في نفوسهم ،قالوا محمد هو رسول الله جاء برسالة ، هكذا كانت عبارة معروفة لديهم ، بدوي جاء برسالة ،جاء بمكتوب من عند الله وذهب. ،{قل إنما أنا بشر}، هو بشر جاء بمكتوب وذهب، كانوا يقولون هذه العبارة يحكيها (دحلان) وغيره ، هم كانوا يكرروا هذه.

نحن شيعة أهل البيت عليهم السلام وبالذات نحن الزيدية هم من وُوجِهوا بحملات كثيرة ضد أهل البيت عليهم السلام ،كثير من الناس لا تشعر بأنه فعلاً أصبح يؤمن بهذه القضية فعلاً ، مجرد احترام عادي وتقدير وصداقة ،لكن لو يدخل في مشكلة مع أحد بعضهم قد يقلب عقيدته إلى عند الإمام علي عليه السلام. نحن لا ينبغي أن نكون بهذه العقول ، بهذه النفوس الصغيرة نفهم دين الله.

كما قال الإمام الخميني :(إن الإسلام أسمى مما نتصور) هو شخص صعد عظيماً وهز الدنيا مع هذا كان يصيح بعظمة الإسلام ، ويقول في نفس الوقت (إن الإسلام أعظم وأسمى مما نتصور) ، وفعلاً إذا بقيت الأمة وخاصة نحن الزيدية لم نؤمن بعد بهذه المسألة، إنه فعلاً ثقلين لا بد منهما ((كتاب الله وعترتي)) كما قال هنا {وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله} أليس المعنى واحد؟. والتعبير واحد؟.

ويمكن أن نقول أننا نحن المظلومون، -إذا أردتم أن نقول الصدق- أن الله يقول لأولئك الناس -وهم مجموعة من البشر وخلال ثلاثة وعشرين سنة- {وأنتم تتلى عليكم آيات الله} تتن‍زل {وفيكم رسوله} سيد البشر موجود بينكم، ألسنا نحن المظلومين؟.

معنا كتاب الله ولا زال يواجه بالتشكيك بأنه إنما جمع من خَزَف وأضْلاع وقراطيس وجمعها أبو بكر ،لولا أبو بكر كان يمكن أن ينتهي القرآن ، وفلان كان عنده آية وفلان نسي آية ،وسورة كانت أطول من هذه. فرق كبير بين من يرى محمداً وهو ين‍زل عليه الوحي ثم يستيقظ من وحيه فيقرأ عليه الآية ، تكون آية طرية؟.

{وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله} وفيكم رسوله سيد البشر ،من حكى الله عنه بأنه { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ }التوبة128، وهو واحد عَلَم يرونه ، أما نحن فعترة رسوله ، أليست المسألة أقل؟. لكنها كافية ،لا نريد أن نتنكر للقليل الذي يكفي ،فما هو البديل إذن ؟. ما هو البديل إذن؟.

نحن حتى عندما نؤمن بالثقلين كتاب الله وعترة رسول الله ،ربما -وإن كانت عبارة غير مؤدبة لكن لنعرف نفهم نحن أنا نحن المظلومون لم تصبح وضعيتنا كوضعية من كان في حياة النبي صلوات الله عليه وعلى آله ، ونحن في زمن أطول ،ونحن من وُوجِهْنا من قِبَل أعداء أشد خبثاً وأكثر قوةً ، أليس هذا الذي حصل؟. لو نريد أن نُقاصي الله ،ولولا أنه يعلم أن في المسألة كفاية لكان بالإمكان أن نقول: كان تنعكس القضية كان اجعل محمداً يأتي في القرن العشرين وقت الشدة وقت الأزمات ،لكن لا ؛ لأن الله يعلم أن في المسألة كفاية وفوق الكفاية ،أن عترته فيهم كفاية وفوق الكفاية ،أن يكونوا أعلام للأمة ،ومع هذا نقول: لم تسوغ لنا المسألة ،ولا نريدهم.

يا أخي لو تنظر إلى واقع القضية أنت المظلوم -بعد أن تؤمن وتقبل- بالنسبة لما كان للناس في مجتمع النبي نحن مغبونون ،لولا ثقتنا بالله سبحانه وتعالى أنه سيجعل في هذه الأمة من بعد حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم أزكى وأقوى وأعظم نفعاً للإسلام والمسلمين ممن كانوا في أيام النبي صلوات الله عليه وعلى آله ، ما عدا الإمام علي عليه السلام والأقليلة منهم.

ولهذا في حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يسمي أناساً سيأتون من بعد (إخوانه) -لا أذكر نص الحديث- أنه كان يتأوه على إخوانه، قالوا: نحن إخوانك يا رسول الله. قال : لا إخواني الذين سيأتون من بعدي فيروا كتباً –أو بعبارة تشبه هذه- في قراطيس فيؤمنون به ويصدقون به.

رسول الله نفسه كان يُقَدَّر لمن يأتي بعده أنه ممكن أن يكون بعده ممن هم في واقع المسألة لم يحظوا بما حظي به من كان في مجتمعه ،وفي حياته من مشاهدة القرآن ين‍زل ،ومشاهدة الرسول يتحرك حياً بين أيديهم ، لكن الله سيرعاهم فيكون منهم من سيصبح إخواناً للنبي ،فوق درجة أن يكون صحابي صاحب النبي.

ولهذا كان الحديث محرجاً حتى حاول الكثير أن يقولوا فيه هي فضيلة عظيمة لكنها لا ترقى إلى درجة الصحبة ، مع أن الحديث ينص أن النبي عندما كان يتكلم بهذا الحديث (إخواني إخواني قالوا نحن يا رسول الله؟. قال : لا اخواني من سيأتون من بعدي). أليست كلمة (إخواني) بهذا المعنى أرقى من كلمة (أصحابي)؟. يعني ماذا؟. أن الله حي قيوم وموجود يستطيع أن يجعل فيما بين المسلمين الكفاية.

من كتاب تعرض للهزات من قِبَل المسلمين أنفسهم: نزل على سبعة حروف ، نزل على سبع قراءات ،إلى حد الآن لم يعرفوا ما هي هذه الحروف ، أناس قالوا سبع لغات ، وأناس قالوا كذا ، لحد الآن لم تتميز المسألة فعلاً ،وأنهم كانوا يتضاربون أناس يقرءون كذا ، وأناس يقرءون كذا ، ثم أحرقوه وبقي نسخة واحدة جمعها عثمان وطبع عليها ووزعها في المناطق. وعَظْمِي كان فيه آية ،وعظمي فيه آية أخرى، ولوح من هنا.

اقرؤوا كتاب (علوم القرآن) للقطان ؛لتجدوا كيف تعرض القرآن الكريم لهزات لولا أنه محفوظ من قبل الله لكانت فيه سور أخرى واحدة لمعاوية ،وواحدة لعائشة ،وواحدة لأبي بكر ،وواحدة لعمر ،وواحدة لعثمان ، لكن الله سبحانه وتعالى حفظه.

من أجل من حفظه؟. حتى ممن رأوا النبي من أجل أن يصل إلينا نظيفاً وسليماً. أعتقد أنه حفظه حتى ممن كانوا في زمن الرسول ؛لأنهم بعد موته كانوا يشكلوا خطورة عليه كثير منهم ،معاوية ألم يعاصر النبي أليس صحابياً؟. ، عمر بن العاص أليس صحابياً؟. ، المغيره بن شعبة وعائشة أليسوا صحابة؟. لكن لا يوجد مجال وإلا كان معاوية يختلق لك عشرين مصحفاً ،يجعل لبني أمية سورة ،وفي أهل البيت عليهم السلام سورة تكون لعناً وسباً.

اختلقوا حديثاً في أهل البيت (إن آل أبي طالب ليسو لي بأولياء) أن رسول الله قال كذا ،لكن كَبُرت عليهم المسألة ،حتى المحدثين تحاشوا أن يصدروها في كتبهم ،فجعلوا بدلها (فلان) (إن آل أبي فلان ليسو لي بأولياء) قالوا هذه كبرت ،لكن السند صحيح رواه فلان عن فلان ثقة ضابط ،طبعاً (ضابط) أموي، برتبة (عميد).

أقول نحن فعلاً الزيدية إذا لم نصل إلى القناعة بهذه المسألة بالثقلين ،وأن نتحرك في إطار الثقلين فسنظل أخذل الأمة وأرذل الأمة ، أتعرفون أننا الآن أضعف طائفة؟. وأننا الآن أقل الطوائف أم لا؟. تعال إلى المسلمين تجد المسلمين تحت أقدام اليهود ، تعال إلى الشيعة تجد الشيعة طوائف متعددة كلها في وضعية جيدة احترمت نفسها ، لماذا؟. لأنها -ربما- ليست المسئولية موجهة عليها بشكل كبير كما هي موجة إلى الزيدية ، (الإثنا عشرية) محترمين ولديهم دولة ولديهم أحزاب قوية ،ولديهم إمكانيات هائلة وصحف ومجلات ومطابع وأعلام وأشياء كثيرة يملئون الدنيا بها. (المكارمة) من يحسبوا أنفسهم على الشيعة ،ونحن بعد لم نعترف بهذه النسبة ، (الباطنية) في حراز وفي الهند. (البُهْرة) هؤلاء من يعدوا أنفسهم من الشيعة الإسماعيلية كلهم طوائف وضعيتها جيدة.

ما الذي حصل للمكارمة في (نجران)؟ عندما تعرض واحد من طلاب سيدهم إلى إهانة أو استجواب من السلطة السعودية ماذا عملوا؟. عملوا ثورة في نجران وخرجوا في الشوارع وضرب بالبنادق حتى خربوا مكتب الأمين نفسه ،وكسروا سيارات ، أقاموا لعبة داخل السعودية. (البُهْرَة) طائفة غنية ،طائفة منظمة ،لكن الزيدية يلعب بهم مدير مدرسة ،أو يلعب بهم محافظ أو سائق أو مدير ناحية أو حاكم أو عسكري ،يعني وضعية سيئة جداً ، لماذا؟. ليس لأن أولئك لديهم الحق ،تعال تصفح لن تجد عندهم الحق ،لكن عند هؤلاء الحق وهم من أضاعوا المسؤولية ، هم من أضاعوا المسئولية فاستحقوا أن يذلوا كما قلت سابقاً.

ألم نصبح نحن كعرب أذلاء تحت أقدام اليهود والنصارى؟. ؛لأننا أضعنا ما استوجبنا به أن نكون تحت أقدام من قد أذلوا وضربة عليهم الذلة والمسكنة. ألسنا نحن الزيدية تحت أقدام السنيّة؟ ؛لأننا نحن من أضعنا المسؤولية الكبرى، ونحن من نتنكر لأهل البيت عليهم السلام، ولم نؤمن بعد بقضية الثقلين (كتاب الله وعترتي) ، وقد آمن بها الآخرون ، إنما لم يطبقوها ، آمنوا بها لأن الحديث صحيح ،لكن ثقِّفُوا ثقافة أخرى وانطبعت في نفوسهم عقائد أخرى وثقافة أخرى جعلتهم يعدلون عنها ، وإلا فهم يؤمنون بها ، نحن متى لم نؤمن بالثقلين فسنظل أذلاء وليطل الزمن ما طال، ولن نحظى بعزة ،ولا بقوة ،ولا بتمكن ،ولن نستطيع أن نقدم للإسلام شيئاً.

كيف نستطيع أن نقدم ونحن ندخل بنظرية ناقصة ،هي نفسها تجعلنا ندخل إلى القرآن ناقصين ،وننظر إليه بنظرة ناقصة، نزعم أننا لسنا بحاجة إلى أعلام بينما الله يقول لأولئك -كما قلت سابقاً وأكثر من مرة- {وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله} في مواجهة بدو من أهل الكتاب، أليس الحديث عن {إن تطيعوا فريقاً}؟. كان فريقاً أما الآن دول، أليس هذا صحيحاً؟، فريقاً يعني مجموعة من أهل الكتاب ، أما الآن أنت تواجه الصهيونية بإمكانياتها الهائلة ،وتوسعها في العالم ،أنت تواجه دول بأكملها ،تعمل كلها جاهدة على أن تكفرك ،أن تصل بك إلى درجة الكفر، تمتلك إمكانيات هائلة تستطيع فعلاً أن تعمل على دعم وسائل الضلال، (الدُّشَّات) هذه ألم يكن الدُّش بمائة وستين ألفاً أو بمائة وثلاثين ألفاً؟. ثبت بأخبار مؤكدة أنها دعمته الصهيونية من أجل أن ينتشر بين الناس برخص فيصل سعره إلى عشرين ألف ،خمسة عشر ألف ،والباقي عليهم ،يعطوا الشركات المصنعة المبالغ التي هي قيمة هذه الأجهزة وتن‍زل لدينا برخص.

أتعرفوا ما معنى الدعم؟. إذا كان هذا الجهاز تصنعه الشركات الفلانية فيصل قيمته إلى مثلاُ ألف دولار ،الشركة -مثلاً- يُدْفع لها تسع مائة دولار ويقال لها: بيعيه في السوق بمائة دولار ، هذا هو الدعم.

{ومن يعتصم بالله} نريد أن نعرف كم نحن من الزيدية هنا في هذا المكان قد نكون مائة شخص أو أقل، من يعرف بأننا نحن المائة هذه -ونحن نموذج لغيرنا- أن فينا على الأقل ثمانين في المائة مؤمنين بهذه القضية ،مؤمنين بقضية الثقلين بوعي ،أنها هي المسألة التي لا بد منها في الاهتداء بالدين ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) أليس هذا الضمان من الضلال في كل مجالات الدين في كل مجالات الحياة؟.

والضلال هذا الذي قاله الرسول لا يعني أنك تقع في معصية تدخل في باطل من هذا الباطل المعروف ،بل الضلال بكله ،الضلال في العقيدة ،الضلال في الفكر ،الضلال في الحياة ، ما هو الضلال في الحياة؟. أليس هو التَّيْه ،الجهل ،الضَّعة، الذلة ،افتقاد القوة ،الشقاء ، أليس هذا هو الضلال؟.

الإسلام جاء دين يهدي الأمة فيزكي النفوس ،يعلّم الناس يطهرهم ،يزكيهم ،يجعل الحياة كلها سعيدة بالنسبة لهم ،يجعلهم متمكنين في الأرض ،كل خيرات الأرض تحت أيديهم ،كل أسباب القوة بأيديهم ،هذا الذي أراده سبحانه وتعالى للمسلمين ،للعرب بالذات ، لكن تنكروا لكل شيء فأصبحوا أذلاء وأصبحوا لا يمتلكون شيئاً، إلا ما كان فضلات مما لدى الآخرين.

حتى في المناهج الدراسية نحن ندرس نظريات قد عفا عليها الزمن ،وقد تجاوزوها هم فأصبحت قديمة ،سواء في الطب أو في الفيزياء ،أو غيرها، وأصبحت قديمة غير مجدية ، كاملة أو بنسبة معينة ،أصبحت معروفة لديهم ،وقد تجاوزوها ،وقد تعدوها بزمان، أصبحنا إلى هذه الدرجة لا نستطيع أن نصنع مثل هذه الآلة ،أو قطعة الغيار الفلانية لا نستطع أن نصنع شيئاً.

هذا هو الضلال الذي تقع فيه الأمة ،لكن لم يعش الناس ثقة بالقرآن ،ولا عاشوا ثقة بالرسول ،نظروا إلى القرآن وإلى الرسول وكأنه صاحب مهمة معينة ،ومجال محدود ،لا شأن له بالحياة وبأمور الحياة ،بل نحن الذين سننظر كيف سنهدي أنفسنا، كيف نعمل في سبيل إخراجنا من هذه الأزمات. لدرجة أنه ماذا حصل؟.

أليس العرب الآن يبحثون عن السلام من أمريكا؟. من عدوهم ،وهم يقولون ويصرحون أن أمريكا هي التي تدعم إسرائيل. أليس هذا من الضلال المكشوف؟. الضلال الذي لا يدخل فيه أحدنا، هل أنت ستذهب إلى عدوك الأكبر تطلب منه أن ينقذك من عدو ليس إلا يد من أياديه، وهو إنما يعمل لصالحه؟!.

في هذا الزمن لابد أن يقف الناس موقف صحيح من أنفسهم ،لم يعد الوقت وقت المجاملات والحياء والمداهنة ،بل هو وقت مناقشة الحقائق ،ومعرفة الحقائق. يكفي الناس ما يلمسونه من ذلة وإهانة وضياع لهم كمسلمين كعرب، يكفي. المفروض أن يبحثوا عن حل. الإنسان متى ما اشتد به المرض أليس يشرب الدواء ولو كان مراً؟. فالآن لنبحث عن العلاج ،ولنقبل ولو كان مراً، مع أن العلاج من قبل الإسلام ليس مراً ،لا يمكن أن يكون مراً، لكن نفهم أن وضعيتنا أصبحت وضعية مزرية ، اعتقد أن العرب لو يفهمون وضعيتهم وقالوا: أنتم لن تتخلصوا من هذه الوضعية إلا بعد أن تُتَوِّجُوا ذلك الجَمَل وتجعلوه قائداً لكم ،فإن من الطبيعي أن يسيروا وراء هذا الجمل ،ويُتَوِّجونه ويجعلونه قائداً لهم، ويهتفون باسمه ،ويصفقوا له. ناهيك عن الثقلين كتاب الله وعترة الرسول أهل بيته.

هل كان أعلام أهل البيت عليهم السلام مر؟. غير مقبولين لدى الأمة؟ ،هل الإمام علي عليه السلام غير مقبول لدى الأمة؟. لماذا كان غير مقبول؟. هل كان ظالماً أو كان جشعاً أو كان غبياً ماذا كان؟. أعلام يُشَدّ الناس إليهم فكيف يمكن أن يكونوا مراً؟. كيف يمكن أن لا يُقبلوا؟.

أنت عندما تمرض من (الملاريا) ويشتد بك المرض ألست تشرب (السَّنَاء) وهي مر؟. أو سعال يحصل فيك أو أي شيء من الأمراض، تأكل مراً ،تأكل (صبراً). الأمة هذه لا تدرك بأنها أصبحت مريضة، دع عنك الآخرين ،نحن الزيود هل أننا بعد لم نفهم وضعيتنا؟. هل كل شيء صالح؟. لا والله ليس كل شيء صالح ،وأننا تحت الصفر في كل شيء.

لنستعرض وضعنا: هل لدينا حزب؟. لا. هل لدينا مطبعة؟. لا. هل لدينا قناة تلفزيون؟. لا. هل لدينا إذاعة؟. لا. هل لدينا صحيفة أو مجلة ، لدينا جمعيات؟. حتى الجمعيات نحن لا نهتم بها، ناقصين في كل مجال، نحن نعيش حالة ضلال رهيب. هل نحن طائفة واعية نستمسك بعلمائنا وبأعلامنا؟. أم أننا أصبحنا كما يقال: (تَوْفِيَة مذاهب) من يريد أن يوفي مذهبه أخد له أنصار منا، أصبحنا تائهين، ليس لدينا شيء ثابت. يبرز شخص من هناك فينشدوا إليه ،يرى لمبة مضاءة على الحرم يقول: (أشهد أن هؤلاء على الحق)، أو أي شيء بسيط ، يبني صومعة ،أو أناس يطوفون حول الحرم ،أو رجل يلبس ثوب نظيف ،أو صاحب ذقنة طويلة يقول: (كيف لا يكونوا على حق وهم كأنهم عُطْب).

الزيدية عندما يكونوا على هذا النحو فهم تائهين ضائعين ، حتى الشوافع في اليمن هم أرقى منا ، محافظة تعز أرقى منا ،لديهم خدمات أكثر منا ، نحن الزيود ينظر إلينا نظرة أخرى على مستوى المحافظات.

وهذا يعني أننا أصبحنا ضائعين حتى أمام من هم مضيعين للثقلين.

الزيدية من أسس دينهم من أسس فكرهم هو أن الدولة الظالمة لا يدخلون فيها ،لكن الناس الداخليين قد أصبحت عندهم قضية عادية لديهم هل هم داخلون فيها؟. لا. لا زالوا خارج. فمتى ما أصبحنا غير قابلين ( لمر)، نحن الآن مستعدون أن نقبل ( مراً ) نأكله فنشفى من حالتنا هذه.

لا تقبل الإمام علي عليه السلام ،لا تقبل الإمام الحسن عليه السلام ،لا تقبل الإمام الحسين عليه السلام ،لا تقبل أعلام من أهل البيت عليهم السلام، بل هم يسعون في مختلف مراحل التاريخ ،ويفرضون أنفسهم عليك ،وليس فقط أنت من تحاول أن تلمِّعهم. متى لمّعنا أحداً من أهل البيت؟. أو احتجنا أن نكذب له من أجل أن نلمعه أمام الآخرين. لكن الآخرين يتمسكون بـ(مُرّ)، يتمسكون بأناس منحطين يحتاجون في كل وقت يضربون لهم (رَنْجاً) تارة أصفر، وتارة أبيض من أجل أن يلمّعه أمام الآخرين. فنحن لا نحتاج إلى أن نلمّع أعلام أهل البيت عليهم السلام ،لا نحتاج نحن عندما نراهم ناقصين أن نكبرهم حتى يكونوا جذّابين عند الآخرين، فقط نحتاج أن نتحدث عن نصف واقعهم ،وسيصبحون جذابين عند الآخرين ،لست بحاجة إلى أن تضيف شيئاً من عندك، تحدث فقط عنهم ،تحدث ولو بنصف ما هم عليه وما لديهم فيكفي أن يجعلهم جذابين عند الآخرين.

لكن ما الذي يحصل؟. (توقف يا رجل من الهذرمة في علي ،دائماً علي لا تتحدثون إلا عنه. أهل البيت أهل البيت لا تتحدثون إلا عنهم). بينما لا ينظر ِإلى أن الآخرين يعملون أربعة وعشرين ساعة في التحدث عن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ،في المساجد في المدارس في الجامعات في المعاهد في الأشرطة ،في الصوامع ،في العربيات ،في الإذاعات ،في صفحات الكتب أبو بكر عمر عثمان. الصحابة الصحابة.

وصاحبنا بعيد ثم دخل وسمع ثلاث أو أربع محاضرات فقال: يكفي الحديث في أهل البيت. أليست هذه حالة متدنية. والآخرين العكس متى سمعتم سنياًَ يقول: يكفي حديث في الصحابة ،أو شغلتونا بالصحابة. بالعكس بل يشجع على الحديث في الصحابة. لاحظوا الفارق الكبير وهذا يعني أننا في ضلال كبير. أعلام لديهم يحتاجون أن يلمِّعوهم ،هم منحطون يحتاجون أن يلمعوهم ،يحتاج يتكلم عنهم كثيراً ،هم ينطلقوا يتكلموا عنهم كثيراً وبالكذب ،الذي ليس من رسول الله ولا قاله ،ولا يمكن أن يقوله ،فيتكرر هذا الكلام كثيراً جداً.

ونحن من أعلامنا قدوات يصح أن نتعبد الله بولائهم ،لا تحتاج إلى أن تكذب من أجلهم ،ولا أن تكذب من أجل أن تلمعهم ،وهم لو تحدثت بنص ما هم عليه أو بربع ما هم عليه لكان فيهم ما يجذب الناس إليهم ،ولكان فيهم ما ترى بأنك تعتز وتفتخر بأن يكونوا قدوة لك ،ثم لا تتحدث عنهم ،ثم تصمت عنهم. أليس هذا هو الذي يذهل الإنسان، لا نتحدث عنهم بل متى ما جاء أحد يتحدث عنهم قلنا : (يكفي الحديث عنهم ولا نريد أن نسمع عنهم).

الإنسان إذا أراد أن يعرف وضعيته ينظر إلى الآخرين ،أنت زيدي شيعي ،ولك أعلام من أهل البيت عليهم السلام ،انظر ماذا يعمل الآخرون لأعلامهم، أنظر كيف أعلام أولئك وكيف أعلامك.

السنيّة في تعب شديد وهم دائماً في تلجيم لأبي بكر وعمر، حديث يأتي من رسول الله في علي عليه السلام فيحاول بأي طريقة أن يدفعه أن يركله، حتى لا يسقط على أبي بكر فيقضي عليه. يحاولون في آيات القرآن كذلك ،يقفز من فوقها من أجل أن لا يلزم أن تكون في علي فيكون علي هو أفضل من أبي بكر. أليس هذا يعني أن هناك أعلام متعبين؟. أعلام يرهقونك ،أعلام تجد نفسك في موقف ضعف ،أعلام تحتاج إلى أن تدافع ،تدافع من؟. تدافع القرآن وتدافع الرسول من أن يهجم عليهم.

لو كان أبو بكر بالشكل الذي يمكن أن يكون أهلاً لأن يكون علماً لكانت تلك الأحاديث التي تأتي تدفعها هي له لكان هو الذي سيرفع رسول الله يده يوم الغدير ويقول (من كنت مولاه فهذا أبو بكر مولاه). ألم بالإمكان أن يكون هذا؟. كان بالإمكان أن يكون هو الذي قال فيه الرسول (أنت مني بمنزلة هارون من موسى). كان بإمكانه أن يكون هو الذي قال فيه (أنا مدينة العلم وأبو بكر بابها) ألم يكن بالإمكان هذا؟. فلماذا تسمع دائماً يقول: علي.. علي. ثم في الأخير تحاول تدفعها عنه. هذا عمل متعب ،عمل مرهق.

لكن تعال إلى الإمام علي عليه السلام ،تعال إلى أهل البيت عليهم السلام هل تجد تعباً؟. لن تجد تعباً ،لن يحرجك الإمام علي إلى أن تدفع عنه القرآن ،وتدفع عنه الرسول ،ولكن ادفع عنه الباطل ،ادفع عنه معاوية. بل هو الذي تحتاج إليه مع القرآن لتدفع الباطل أن لا يشوهوا القرآن. هل هذا صحيحاً؟.

تدفع أهل الباطل أن لا يدنسوا محمداً ، لكن هل يحرجك الإمام علي عليه السلام؟ ،هل ارتكب أخطاء تاريخية مخزية يحرجك إلى أن تُلَجِّم ،وتغطي وتغالط عليها؟. أو يحوجك أهل البيت عليهم السلام من بعده إلى هذا؟.

حصل ظاهرة في أئمة متأخرين من الزيدية ،حصل داخلهم حركة وتضارب ،وأشياء من هذه، هل نحن أحرجنا أنفسنا بهم، ونقول سلام الله عليه وهو كان كذا؟. لا. لا سلام الله عليه وهو على باطل ،لا سلام الله عليه ولو كانت عمامته كيف ما كانت ،أو يحمل اسماً كيفما كان. نحن لا نتعب أنفسنا بأعلام يرتكبون باطلاً ثم نحاول أن نغطي عليهم. هذا ليس من طريقتنا إطلاقاً.

متى حصل هذا؟. عند متأخري الزيدية عندما امتدت إليهم هَبَّة من الروائح الكريهة من جانب شيعة هؤلاء ،فدخل المعتزلة ودخل السنيّة ،وأصبحوا متأثرين بهم ،فكانوا أعلام منحطين ،وكان صراع فيما بينهم ،لم يكن يحصل مثله بين أئمة أهل البيت عليهم السلام السابقين ،فتدنسوا هم بسبب ما وصل إليهم ؛ولأنهم لم يكونوا كاملين ،لم يحصلوا على الكمال ، أو بعضهم لم يحصلوا على الكمال ؛لأن ثقافته كانت معتزلية أو ثقافته كانت سنية ،ولا يمكن أن يبلغ رجلاً درجة كمال بحيث يمكن أن يلي أمر الأمة ،وهو على هذا النحو ؛لأنه هو أصبح متأثراً بالآخرين ،أصبح متأثراً بما هَبّ من جانب أبي بكر وعمر وشيعتهم.

إذا قالوا أئمة الزيدية حصل فيهم كذا وكذا. قولوا لهم: نحن (مُطَرِّقِيْنَ فيهم) ،من رأيتموه على باطل العنوه. هل سنأتي نحن ونقول: لا، لا. ونحاول أن نرغمه على أن يقتنع به راغماً، لن نحاول أن نشربك حب عائشة وقد خرجت تقاتل الإمام علي عليه السلام ،وتحت قيادتها ما يقارب من ثلاثين ألفاً، وحاشيتها من بني أمية. نحن لا نقول أن هؤلاء كلهم (مُصَرَّفِيْنَ من المعاصي) ،ولا يضرهم ما فعلوا، لكن الرسول يضره عندما قال {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ }الأنعام15.

حتى الإثنا عشرية هم محرجين مما تجلى لنا أنهم محرجين في مسألة أئمة معدودين ،جعلوهم أئمة الكون بكله ،ثم رأوا في الأخير أن المسألة كانت غير طبيعية ،وعندما ظهر الإمام الخميني وطرح نظرية (ولاية الفقيه) كان كثير منهم يقاومها.

ماذا حصل؟. من آمنوا بالمسألة ولا يزال في ذهنيتهم الإثنا عشر وضعيتهم محرجة ،فماذا قالوا؟. عمدوا إلى الجانب الزيدي المجاهد فقالوا: (هذا كان هو الجناح العسكري للأئمة). من أجل ماذا؟. من أجل أن يبرهنوا على أن أولئك الأئمة كانوا رجال ثورة وجهاد ،ورجال يعملون على إقامة حكومة إسلامية. ألم يبحثون عن الزيدية فقالوا هم كانوا الجناح العسكري للحركة الرسالية ،فكان زيد هو القائد العسكري للإمام جعفر الصادق ،فكان هو عبارة عن شخص على رأس معسكر ،وجيش يخرج تحت قيادة جعفر الصادق وهكذا على هذا النحو. من أجل ماذا؟. من أجل أن يحاولوا أن يلبسوا أئمة معينين لباس آلة الحرب. فيقولوا أنهم كانوا أئمة عظماء كانوا يقاومون الظلم ،هم كانوا يعملون لإقامة حكومات إسلامية ،هم كانوا أئمة يلبسون آلة الحرب ،وين‍زلون إلى ميادين القتال.

مع أن المنطق السائد هو أنهم أئمة عباد زهاد ،ليس هناك أي كلام حول هذا الجانب الجهادي ،جانب إقامة حكومة إسلامية من عند زين العابدين إلى عند المهدي المنتظر عجل الله فرجه ،كما يقولون هم أنه قد ولد. إذاً فهناك من أئمتهم تسعة لا يستطيعون أن يتحدثوا عنهم أنهم قاموا بحركة جهادية، وعندما لا حظوا أنه لا بد من ذلك حاولوا أن يضفوا عليهم صبغة الحركة الجهادية.

إذاً أليسوا في حاجة أن يلبسوا أئمتهم دروع الحرب وقد تحولوا إلى رفات؟. لكن تعال إلى أئمة الزيدية لا تحوج نفسك إلى شيء فستجد لديهم ما يدعم نشاطك كله ،وأنت تدعو إلى الإسلام ،وأنت تجاهد في ميادين الإسلام ،وأنت تعمل للإسلام في مختلف ميادين العمل تجد لديهم القدوة الكاملة ،وأنت تريد أن توعي الناس ليفهموا تجد لديهم الأمثلة الكاملة من واقع حياتهم بالشكل الذي يذهل الناس ويرسخ الوعي بأهمية قيم الدين إلى أعماق أعماق نفوسهم.

ثم تجدنا أقل الطوائف ولاءً، أليس هذا هو الحاصل؟. نحن أقل الطوائف ولاءً لأهل البيت عليهم السلام. ولو كانوا أهل البيت الذين هم من نوعيتنا لكانت المسألة بسيطة ،لكن نحن أقل الطوائف ولاء لمثل الإمام علي عليه السلام. المكارمة أكثر ولاء للإمام علي عليه السلام منا ،وكذلك الإثنا عشرية أكثر ولاء للإمام علي عليه السلام منا، والإسماعيلية أكثر ولاء للإمام علي عليه السلام منا ،بل حتى الصوفية السنيّة أكثر ولاء منا للإمام علي عليه السلام فهم يهتفون باسم الإمام علي عليه السلام أكثر منا.

كما قال (محمد عصمت) الرجل المصري وهو يخطب في يوم الغدير قال: (حالة رهيبة بين أوساط اليمنيين ،فلو تدخل نعجة سيد بين زرع قبيلي سيقول: رضي الله عن أبي بكر وعمر ، ويكفر بعلي ،ويرفع أبو بكر بسرعة خليفة). هكذا خطب في الغدير ،لماذا هذه الروحية؟. هو نفسه تشيع لأنه لاحظ أحاديث حول أهل البيت عليهم السلام داخل كتبهم ،تشيع ولا يزال في مصر ،وجاء إلى اليمن فرأى الزيدية هنا في اليمن ليسوا بالشكل الجذاب في مجال التشيع ،ورأى كتبنا ما زالت مخطوطات فما استطاع قراءتها ، ورآنا على هذا النحو المنحط من الولاء لأهل البيت عليهم السلام، حتى قال هذه العبارة (لو تدخل نعجة سيد بين زرع قبيلي وكان يقول قبل أن تدخل النعجة أن الخليفة الأول هو الإمام علي عليه السلام فيجعل أبو بكر هو الخليفة وعمر بعده وعثمان بعده والإمام علي الرابع ثم يرضي على الثلاثة).

ثم أنه لف أدواته وسافر إلى إيران ،ذهب إلى هناك فتجعفر كله عقله وزيه ؛لأنه رأى أننا لسنا جذابين ،ولهذا لسنا حتى عند نفوسنا. هذا الزيدي يتحول وهابي ،وهذا يتحول إلى اثنا عشري لأنه ما رأى من يجذبه، ما رأى ولاء ، ما رأى أمة لها أعلام واضحة تنشد إليهم. يدخل بعض المراكز وهم متعاندين وهم متماحكين ،في الساحة لا يسمع شيئاً ،عندما يسمع الواحد منا كلمة أو كلمتين عن الإمام علي عليه السلام فيقول: توقف.

لم يروا فينا ما يشدهم نحونا ،لا حركة عقائدية ولا حركة جهادية ،ولا حركة سياسية ،ولا اقتصادية ،ولا ثقافية ،لا شيئاً. ألسنا رقم تحت الصفر؟ حقيقةً.

إذا كان هناك أحد لديه ملاحظات في هذا الموضوع فليقل الصدق. أنا لا أتهَجّم على طائفة أخرى، أنا من قلب الطائفة هذه.

{ وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101 ماذا توحي به هذه الآية؟. من قول الله تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا..} أليست توحي بأن هناك عملاً رهيب يحاول أن يطوع الأمة ،عمل رهيب كله شر ،يجعل واقعك تبحث عن من تعتصم به من هنا أو هناك، فبمن تعتصم؟. اعتصم بالله. يعتصم أي يمتنع. كلمة (يعتصم) توحي بأني أنا أبحث عمن أعتصم به ،أليس العرب الآن هكذا؟. تارة يبحث عن أمريكا يعتصم بها، وتارة يبحث عن الاتحاد السوفيتي يعتصم به ،وتارة يحسن علاقاته مع طرف آخر يعتصم به. أليس هذا هو الحاصل؟. المسألة تعني أن القضية أن الأمة تُواجه بصراع جاد ،وعمل جاد من ذلك الزمن إلى الآن ،يتجه نحو تطويع الأمة لأهل الكتاب اليهود والنصارى لنكون تحت أقدامهم كافرين ،وليس فقط يهود كمثلهم ،نحظى بحقوق متبادلة معهم كمواطنين يهود. أليس كذلك؟. أنهم لو كانوا حريصين علينا لكانوا يعملون على أن يجعلونا يهوداً كمثلهم لنحظى بحقوق مواطنة كيهود. لكن يريدونا أن نكون كافرين تحت أقدامهم يسخروننا لهم ، فيجعلون بلداننا كأسواق لمنتجاتهم ،وسائل إعلامنا أبواق لمنتجاتهم وفكرهم، كُتَّابنا أقلامهم تصدر تضليلهم فتحولنا كلنا إلى خدام لهم ،كافرين تحت أقدامهم ،فلا نستطيع أن نخدم أنفسنا ،ولا أن ننقذ أنفسنا ،ولا يكون في واقعنا ما هو عصمة لنا ،ولا يبقى لنا أيضاً توجه نحو الله بشكل يجعلنا نعتصم به ،فالله يقول هنا القضية خطيرة جداً ،خطيرة جداً ، لن يخلصكم منها إلا الله. {وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101

{وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران 101بالتأكيد قد هُدِيَ، أليست (قد) للتحقيق؟. وكلمة (هُدِيَ) توحي بأنه حصل على الهدى من طرف آخر. أي أن المسألة هو أنك في ميدان هذا الصراع تحتاج إلى طرف آخر يهديك لا بد أن يكون من طرف الله تعالى ،يتمثل أولاً بالاعتصام بالله، وما هو الاعتصام بالله؟.

ما ين‍زل الساحة الآن في أوساط المسلمين: (لو تمسك الناس بكتاب الله وسنة رسول الله لاستطاعوا أن يخرجوا من هذه الأزمة). أليس هذا المنطق موجوداً الآن؟. نحن قلنا بأن كلما نسمع لم يعد منطق نرى فيه الحل ،إما لأن التعبير عنه ناقص ،وإما لأن التعبير عنه يؤدي إلى ضلال ، أو أن هذا الذي قُدم كحل ليس حلاً في الواقع ،وإنما يرسخ الإشكالية أكثر فأكثر ،ويهيئ الأمة لأن تبقى في وضعية على ما هي عليه قروناً بعد قرون. الله عندما قال {ومن يعتصم بالله} لأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل شيئاً آخر بديلاً عنه. هل تفهمون هذا؟.

تم الصف والإخراج

في مركز الشهيد للكمبيوتر
-----------------------------------------------------------
دروس من هدي القرآن



سورة آل عمران



الدرس الثاني



}واعتصموا بحبل الله{



ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ:

9/1/2002م

اليمن -صعدة

هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.

وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.

والله الموفق.

إعداد:ضيف الله صالح أبو غيدنة



































بسم الله الرحمن الرحيم

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عمران : 102, 103)

الحمد لله رب العالمين

اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

قد يكون من مظاهر الضياع بالنسبة لنا كمسلمين من مظاهر الضلال في نفوسنا أن يصبح الحديث عن قضايا مهمة جدا هي من صميم الدين، الحديث عن مشاكل كبيرة جداً وخطيرة جداً هي عامة لجميع المسلمين قد تبدو عند الكثير شيء ليس هناك حاجة للحديث عنه، أو شيء ليس هناك حاجة لمعرفته، شيء لا يهمنا عمله.

هذه الحالة النفسية في حد ذاتها ضلال كبير، وخطورة بالغة على الإنسان. يعود الواحد إلى تشغيل البرنامج المعروف لديه: (ليس لنا حاجة سنصلي ونصوم، ونِلْهَم الله بين أموالنا).

إذا كانت هذه النظرة عند إنسان فليعرف بأنه في خطورة بالغة، ويعيش في حالة رهيبة من الجهل بدينه، وقد يكون فعلا سائرا إلى طريق جهنم وهو يعتقد بأنه هو الذي رسم لنفسه طريقا سليمة هادئة إلى الجنة، لكن محمداُ رسول الله احتاج إلى أن يسلك الطريق الشاقة إلى الجنة.. أليست هذه حماقة؟.

حماقة في النظرة إلى الدين، وفي النظرة إلى الجنة، في النظرة إلى الله سبحانه وتعالى، أن أتصور أنا، ومن أنا؟. أن باستطاعتي أن أرسم لنفسي طريقاً هادئة، طريقاً لا تشغلني عن أي شيء من أمور ديني، لا تشغلني عن أي شيء من أمور دنياي وأصل إلى الجنة بكل هدوء، لكن أولئك الأنبياء صلوات الله عليهم كانوا مساكين احتاجوا إلى أن يسلكوا الطريق الشاقة إلى الله.

سيد الأنبياء والمرسلين الله يقول له: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ } (84) سورة النساء {فاستقم كما أمرت ومن تاب معك} {فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل} {جاهد الكفار والمنافقين واغْلُظ عليهم}.

رسول الله وهو سيد المرسلين، وهو من هو في إيمانه بالله، وقربه من الله، إذاً فالإنسان يقيس نفسه برسول الله صلى وهو ذلك الرجل العظيم الذي قال الله لنا في مقام النظر إليه: {لقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا} أصبحت المأساة لدى المسلمين أنه ليس فقط مجرد تقصير في قضية هم يؤمنون بأهميتها، ويؤمنون بأنها جزء مهم من دينهم الاهتمام بأمر المسلمين، الاهتمام بأمر الدين، محاربة أعداء الله من اليهود والنصارى وعملائهم، لم يعد هناك شعور تقريباً عند كثير من الناس وخاصة داخلنا نحن الزيدية، من أصبحوا في أحط مستوى من الوعي.

قد نشعر بأن هذه القضية مهمة ولكن نبدو مقصرين فهذا لا بأس يمثل شعوراً جداً ،ولكن أحياناً وعند الكثير، بل وعند بعض المتعبدين أيضا تبدو قضايا لا أهمية لها، وأشياء خارج إطار ما يجب أن نهتم به من أمر ديننا، إذا كان هناك حالة مثل هذه تحصل عند أي شخص منا فلينظر إلى ما حكاه الله سبحانه وتعالى عن رسوله محمد أنه هو كُلّف بأن يمشي ولو بمفرده في الطريق الشاقة..

قد تكون كثيرة عند الناس، وقد ينطلق بعض الناس فيها بإعجاب أيضا، بإعجاب بأنه قد رسم لنفسه طريق سلام من أحسن الطرق، ما الذي ينتج منها؟. ينتج منها تقصير في القضايا التي هي بالغة الأهمية عند الله، عدم شعور بأهميتها، وقد يرى نفسه في الأخير في وضعية سيئة جداً، بسبب تقصيره، قد يكون قد رسم لنفسه طريقاً ويرى نفسه أيضاً أنه مسلم، وقد يأتي الواقع فيكشف ولو لم يكن إلا يوم القيامة فيرى أنه كان قد كفر فعلا، وأصبحت تلك الطريقة التي رسمها لنفسه إنما هي طريق أبعدته عن الله، طريق جعلته بعيدا عن الجنة، طريق أدت به إلى النار.

من هذه الآيات نعرف هذا في قول الله سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}.

أمس وصلنا في الكلام حول هذه الآيات إلى قول الله تعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم} وتأتي كلمة {يعتصم} و{اعتصموا} في هذه الآيات مرتين بالشكل الذي يوحي أن القضية خطيرة جداً جداً هي إلى درجة أنك يجب أن تبحث عمن تعتصم به، عمن تلتجئ إليه فيهديك، وينقذك، ويهديك إلى ما فيه خروجك من هذه الأزمة الشديدة، أم أنها لا تعتبر قضية كبيرة إذا كان الإنسان في الواقع قد يصل إلى أن يكون كافرا؟. {إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين} كلمة (كافرين) هل هي سهلة لدينا وعلى مسامعنا؟. ماذا تعني كافرين؟. تعني أذلاء في الدنيا، مقهورين في الدنيا، تعني في الأخير جهنم، جهنم، أيمكن أن يكون الإنسان من الكافرين وليس هو من كافرين جهنم؟!. ليست كلمة عابرة أن يقول: {فيردوكم بعد إيمانكم كافرين}؟. ليست كلمة عادية (كافرين) يجب أن تَهُز ضمير كل شخص، أن تقشعر منها جلودنا، أن تملأ قلوبنا خوفا ورعبا من أن هؤلاء قد يصلون بنا إلى حالة خطيرة جداً هي حالة الكفر، الكافرون أليس مثواهم جهنم؟. جهنم هل هي مسألة عادية لا تمثل أي خطورة، لا تمثل أي شيء يثير الخوف في نفوسنا والقلق؟.

{يردوكم بعد إيمانكم كافرين} أي فتصبحوا من أهل جهنم، جهنم التي وصفها الله في القرآن الكريم بأوصاف رهيبة جداً {وقودها الناس والحجارة} بالنسبة للوقود، طعامها الزقوم، شرابها الحميم، {إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مُبْلِسُون} {ونادوا يا مالك ليقضِ علينا ربك قال إنكم ماكثون . لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون} جئناكم في الدنيا بوسيلة نجاتكم وهو الحق لكنكم كنتم كارهين للحق، فإلى ماذا أدت بهم كراهتهم للحق؟. أدت إلى أن يكونوا كافرين، فاسقين، ضالين، عاصين، تحت أي عنوان من هذه العناوين التي كلها تسير بأهلها إلى جهنم.

إذاً فالقضية من أساسها قضية يجب أن تبعث في نفوسنا حالة من الخوف؛ لأنها تحكي أننا في مواجهة مع طائفة تعمل دائما على تَطْوِيْعِنا لنصبح كافرين، تطويعنا لما تريد أن تصل بنا إليه ،إلى أن نكون كافرين ونصبح كافرين، فيجب أن يبحث الناس عمن يعتصمون به، عمن يلجئون إليه. الله يقول: {ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم} ليس هناك أي وسيلة للنجاة سوى الاعتصام بالله.

الاعتصام بالله يُقدم في ساحة المسلمين من زمان طويل أن معناه (العمل بكتاب الله وسنة رسوله ). أليس هكذا يقال؟. وهي آخر ما يمكن أن نتصور للمسألة باعتبارها هي هذه ليس غير هذا.. هذه هي حق ،لكن ما معنى {ومن يعتصم بالله}؟.

وصلنا أمس إلى أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل شيئا بديلا عنه في علاقتنا به ،وحتى القرآن الكريم ليس بديلا عن الله إطلاقا بل هو من أكثر ما فيه، وأكثر مقاصده، وأكثر ما يدور حوله هو أن يشدك نحو الله.

الله ليس كأي رئيس دولة، أو رئيس مجلس نواب يعمل كتاب قانون فنحن نتداول هذا الكتاب ولا نبحث عمن صدر منه هذا الكتاب، ولا يهمنا أمره، أليس هذا الذي يحصل بالنسبة لدساتير الدنيا؟. دستور يصدر، أنت تراه وهو ليس فيه ما يشدك نحو من صاغه، وأنت في نفس الوقت ليس في ذهنك شيء بالنسبة لمن صاغه ربما قد مات، ربما قد نفي، ربما في أي حالة، ربما حتى لو ظلم لا يهمك أمره، لكن القرآن الكريم هو كل ما فيه يشدك نحو الله ،أن تعيش حالة العلاقة القوية بالله، الشعور بالحب لله، بالتقديس لله، بالتعظيم لله، بالالتجاء إليه في كل أمورك، في مقام الهداية تحتاج إليه هو، حتى في مجال أن تعرف كتابه بالعظمة.

{إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا} ألم يتحدث القرآن عن التنوير، والفرقان، والنور الذي يجعلها تأتي منه؟. ليس هناك شيء بديلا عن الله إطلاقا. فأن تأتي للقرآن الكريم هو هو وليس في ذهنك الله سبحانه وتعالى العلاقة القوية بالله، الثقة القوية بالله، فإن القرآن في الأخير لا تستفيد منه. ما أكثر ما يُقرأ القرآن في أوساطنا، ما أكثر ما يسجل القرآن، ما أكثر الدارسين للقرآن خاصة في أوساط السنية، أليسوا هم أكثر من يدرس القرآن؟. أشرطتنا تأتي من عندهم، ومصاحف من عندهم، وكل شيء من عندهم من الطبعات للقرآن الكريم أليس معظمها من هناك؟. إلا من بعد ما قامت الجمهورية الإسلامية في إيران وطبع القرآن طبعات أخرى في إيران وإلا كلها أتت من عندهم. لكن هذه النظرة القاصرة التي تفصل القرآن عن الله جعلت المسلمين يفصلون أنفسهم عن الله، وعن كتابه فعلا.

الذين يقولون: (قد معنا كتاب الله وسنة رسوله). نفس الشيء بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو هاديا إلى الله، أليس كذلك؟. هاديا إلى الله، فُصل الرسول عن القرآن في ذهنية الأمة، وهو رجل قرآني بكل ما تعنيه الكلمة، فُصل عن القرآن، ثم قسموه هو فأخذوا جانبا من حياته، جانبا مما صدر عنه وسموه سنة، فأصبحت المسألة في الأخير: الله هناك، رسوله هناك. هناك بدائل نزلت قرآن، وكتب حديث.

ولاحظنا كيف أصبح الخطأ رهيبا جداً جداً في أوساطنا؛ لأننا فصلنا كتاب الله عن الله، وفصلنا رسول الله، جعلنا شيئا سميناه سنته، ثم سنته جعلناها بديلا عنه، لاحظوا في القرآن الكريم كم يتكرر (الله ورسوله ،في طاعة الله ورسوله، إتباع الله، ورسوله، استجابة لله، ورسوله). ألم يتكرر كثيراً في القرآن بهذه العبارة (الله ورسوله) أكثر من كلمة (كتاب الله، أو كلمة سنة رسوله)، هل ورد شيء عن سنة رسول الله في القرآن الكريم؟.

المسألة من أساسها يجب أن تترسخ في ذهنك العلاقة بالله، العلاقة برسوله ، الثقة بالله، الثقة برسوله. رسوله نفسه يكون له مقام عظيم عندك، تعرفه هو، تعرف حياته، تعرف مواقفه، وتنظر إليه كرجل قرآني، تنظر إليه كرجل يدور مع القرآن، {إن أتبع إلا ما يوحى إليّ} ألم يقل الله عنه هكذا ؟. {اتبع ما يُوحى إليك} {فاستمسك بالذي أوحى إليك} أليست هذه آيات صريحة؟. فصل رسول الله قسموه، وتصبح المسألة في الأخير مجموعة كتب حديث، تطلع في الأخير أصحابها هم الحاكمون عليها، هم المقدسون لدى الأمة، تصبح هي البديل عن النبي ، ألم يحصل في هذه الكتب أحاديث نحن نقول وعلماؤنا يقولون: بأنه لا يمكن أن تصدر من رسول الله ؟. ما الذي حصل؟. أنها جُعلت بديلا عنه، ولم يلحظ جانبه، لم يلحظ مسألة العلاقة به،ولم يلحظ جانب التعرف عليه هو ، لم يلحظ جانب أن تترسخ له عظمة في نفوسنا، وإجلال، واحترام، وتقدير. الأمر الذي سيصل بنا إلى أن نن‍زهه من مثل هذا الحديث، أو هذه العقيدة، أن تكون صدرت منه، لكن إذا لم تكن لك علاقة قوية برسول الله وقالوا: هذا الحديث هو منه، وهذا الرجل الذي دوّن هذه الأحاديث هو فلان، وهو كذا، وهو.. وهو.. وهو أئمة السنة، إمام في السنة، أعلم الأمة بالسنة. أنت تعمل بالحديث وإن كان فيما يترك في نفسك من اعتقاد، أو نظرة مما لا يمكن إطلاقا أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأنك فُصِلت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فُصِلت عنه فقدم لك بديلا عنه، هذا البديل صنعه الآخرون، أمكن أن تنطلي عليك الخدعة، وتقول: انتهى الأمر نحن متمسكون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. أي متمسكون بكتب حديث معينة، أو بأشخاص معينين جعلناهم أعلاماً للسنة، فأصبحوا هم بدائل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

{ومن يعتصم بالله} يشعر بأنه لاشيء ينقذه من هذا الوضع السيئ إلا الله فيلتجئ إليه، وعندما تلتجئ إلى الله سبحانه وتعالى ليس على أساس أن يقوم هو بالقضية بديلا عنك، عندما تلتجئ الأمة إلى الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكون على أساس أن يقوم هو بدلا عنها، الحالة التي نحن نعبر عنها بالدعاء، فنستخدم الدعاء: (اللهم أهلكهم، اللهم دمرهم، اللهم عليك بهم، واتركنا وشأننا). أليست هكذا؟. هكذا واقع صريحاً، ويهتمون بالقضية فيقنتون في ظهر، وعصر، ومغرب، وعشاء، وفجر: (اللهم دمرهم، اللهم رد كيدهم في نحورهم، اللهم.. اللهم..). هذا لا يمثل حالة الالتجاء الصحيح إلى الله، أنت إذا انطلقت هذا المنطلق فأنت في نفس الوقت تفترض لنفسك حالة هي لم تحصل لسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم. وهذه الثانية، نحن تحدثنا سابقا أن الإنسان يرسم لنفسه طريقة هي لم تتهيأ للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فنقرأ عن حياته، وما واجه من مصاعب، ومشاكل، وكأنه ما كان بصيراً مثلنا، ما كان ذكيا مثلنا يعرف كيف يرسم له طريقاً إلى الجنة سهلة ،(مقربة) توصلك بسرعة إلى الجنة ،أما الرسول فجاء من الطريق البعيدة إلى الجنة ،جاء من الطريق التي يراه الكفار إذا عبر منها فاحتاج إلى جهاد وحركة ،نحن نعمل هذا نلتجئ إلى الله لكن بطريقة غير صحيحة، بنظرة قاصرة، نحن نريد أن الله يقوم بالمسألة بديلا عنا: (قم أنت يا الله انصر دينك أما نحن فنحن مشغولون. اللهم دمرهم، اللهم أهلكهم، اللهم دمر إسرائيل). وذاك (شارون) يظهر في التلفزيون وهو يزن حوالي 95 كيلو، (شارون) أليس كالثور؟. كم تنصب من دعوات؟.لو كانت مستجابة لصار مثل الريشة، و إسرائيل قد انتهت.

هل أن الله لا يسمع دعاءنا؟. هو يسمع السر والنجوى، هو يعلم السر والنجوى {{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } (186) سورة البقرة إذا دعاني أجيب لكن { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة استجابة إيمان من منطلق أن نسترشد بالله سبحانه وتعالى، هو يرشدنا كيف نعمل ،ونحن سنعمل هنا سيستجيب إن استجبنا له، هو يريد أن نعمل، قال في الجنة: {فنعم أجر العاملين} في الآية التي قرأناها في الدروس السابقة {فنعم أجر العاملين}.

{فليستجيبوا لي} أنا دعوتهم إلى طريق معين، إلى هدي معين {فليستجيبوا} هم وأنا سأستجيب {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} أليست هذه آية صريحة؟. هو دعا فلنستجب له، فمتى ما دعوناه ونحن قد استجبنا سيستجيب لنا، أليس هذا هو المنطق الطبيعي عندما يقوله أي واحد لشخص آخر؟. {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} ومن رشادهم عندما يدعون استجيب لهم.

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألم تكن دعوته مستجابة؟. كان بالإمكان أن يجلس في زاوية مسجده -وهو أول ما عمل، عمل -عندما وصل إلى المدينة- بنى المسجد، لكن ما بنى المسجد ليجلس في الزاوية، بنى المسجد كقاعدة عسكرية، قاعدة للجهاد، بنى المسجد ليؤاخي -داخل هذا المسجد- بين أصحابه، بين جموع المهاجرين والأنصار، بنى المسجد ليكون منطلقا ليوحد بين الأمة، بنى المسجد لينطلق منه لمقارعة الظلم والطغيان، أم أنه اهتم أن يجلس ويقول لعائشة أن تخرج له فنجان قهوة، ويجلس في المسجد، ويدعو: اللهم اهلك قريشا. فيمسحوا من هناك. اللهم اهلك (هوازن). فيمتسحوا، اللهم اهلك (ثَقِيْفاً)، اللهم دمر الروم، اللهم دمر كسرى. أليس هو سيد الأنبياء والمرسلين ودعوته مهمة؟. ولكن لا ليست هذه هي الطريقة.

إذاً نحن كلنا بما فينا أولئك الذين يقولون وهم مهتمون بالقضية فيقنتون داخل الصلاة -الوهابيين وهؤلاء السنية- يقنتون في الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر كلها دمر أمريكا، ودمر روسيا، وهم يعملون في خدمة أمريكا وإسرائيل من حيث يشعرون أو لا يشعرون.

فليستجيبوا لي أولا كما قال الله: {فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة متى ما استجابوا استجابة صحيحة فالدعاء سيكون له أثره. ومعنى فليستجيبوا لي أي أنه دعانا إلى شيء، والشيء الذي دعانا إليه ما هو؟. هل شيء نعمله له هو؟. لا. دعانا إلى أعمال، أعمال قلبية، أعمال في واقع الحياة، قِيَم نتحلى بها، قضايا نهتم بها، سلوك نسير عليها، سلوك معينة من الأخلاق الحسنة نتحلى بها، أعمال في واقع الحياة كثيرة جداً نؤديها، تتحقق الاستجابة.

أليست هذه من الحماقة أن يفترض الناس أو تفترض الأمة لنفسها حالة هي لم تحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؟. أن نفترض لأنفسنا مقاما هو لم يحصل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؟. ألم يقل الله سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: {فقاتل في سبيل الله} ما معنى قاتل؟. أليست هي كلمة صريحة؟. أصرح من كلمة (جاهد) التي تفسر في زماننا بأنه جهاد الكلمة، جهاد القلم، جهاد النفس، نصف أنفسنا بأننا مجاهدون لكن نريد بالقلم لأنه أسهل.. أليس هو أسهل؟. القلم يعتبر جهاداً إذا كان هو يصدر خطوطاً تؤدي إلى القتال فهو جهاد، أما إذا كان يصدر سطوراً تجمد الأمة، وتخدع الأمة فيعتبر ماذا؟. يعتبر منافيا للجهاد، يعتبر حربا على كل ما تعنيه كلمة (جهاد).

الكلمة نفسها إذا لم تأخذ بالبال أن تكون كلمة تحرك في مشاعر الأمة أن تصل بنفسها إلى درجة القتال لأعداء الله فهي كلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار، لا تترك أي أثر، ليس لها قيمة، إذا كانت الكلمة التي تصدر من فمي، ومن فمك، ومن أفواه الآخرين هي كلمة، هي دعاء لله.. ألم يأتِ في الأحاديث أن الدعاء هو مخ العبادة؟. الدعاء أليس من الكلمات الطيبة؟. إذا كانت هذه الكلمات الطبية لا تترك أثرها، فلا قيمة لها عند الله، إذا لم تنطلق من حناجر تهيئ نفسها للعمل، فكيف بالكلمات الأخرى سيكون لها اثر؟.

الدعاء أليس كلاما طيبا: (اللهم دمر الكافرين، اللهم دمر أمريكا وإسرائيل). أليست هذه الكلمات جميلة؟. دعاء لله، لكنها أيضا لا أثر لها عند الله، إذا لم تكن كلمات تنطلق من حناجر هي في ميدان المواجهة كما كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كان يهيئ، ويلبس لامة حربه، ويدعو المسلمين إلى الإنفاق، وإلى الخروج في سبيل الله، ثم يدعو وهو في الطريق، ويدعو وهو في ميدان القتال، هنا الدعاء يقبل، لكن أفواج من العلماء، أفواج من العباد في كل مساجد الدنيا: اللهم.. اللهم .. اللهم... وفي يوم الجمعة، من فوق المنبر: (اللهم احفظ قادتنا، اللهم أيدهم بنصرك، وأصلح بهم الدين، وارزقهم البطانة الصالحة)، وأشياء من هذه. أليس هذا تناقضاً في الموقف؟. تناقض، عملياً نعمل ضد الله، ودعاء ومجرد كلام ننطلق به مع الله ، مجرد كلام مع الله، وعمل وخدمة مع أعداء الله. من يكون واقعه على هذا النحو يصبح واقعه سيئاً. حتى علماء على هذا النحو، التعامل مع الله مجرد كلام، والتعامل مع أعداء الله عمل وبإخلاص.

إذاً فلماذا لم يعتصم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالله على هذا النحو الذي نزلت عليه الآية {ومن يعتصم بالله} فيقول: (هذا صحيح ه
مدحي لكم يآل طه مذهبي** وبه افوز لدى الاله وافلح
واود من حبي لكم لو أن لي ** في كل جارحه لسان يمدح

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“