من هدي القراءن الكريم(محاضرات متفرقة 2)

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
أبوزيد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 13
اشترك في: السبت إبريل 01, 2006 8:58 am

من هدي القراءن الكريم(محاضرات متفرقة 2)

مشاركة بواسطة أبوزيد »

دروس من هدي القرآن الكريم



الهوية الإيمانية



ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ :

31/1/2002م
اليمن ـ صعدة

هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.

وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.

والله الموفق.

إعداد:ضيف الله صالح أبو غيدنة






أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

)الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (1) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (3) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (4) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (5) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ(6) غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7) ( (2) سورة الفاتحة

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد.

السلام عليكم أيها الأخوة ورحمة الله وبركاته.

نشكر لكم في المقدمة حضوركم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكتب أجوركم.

في هذه الجلسة سيكون حديثنا حول مقارنة بين خيارين أمامنا.

وقبل أن نتحدث عن هذا الموضوع سيكون مقدمة حديثنا حول قول الله سبحانه وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ *لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (285- 286) سورة البقرة. صدق الله العظيم.

هذه الآية الكريمة هي الهوية الإيمانية لأنبياء الله ورسله وللمؤمنين جميعا، هي البطاقة الكاملة العناوين لأنبياء الله ورسله والسائرين على طريقهم من المؤمنين بهم، هي تقرير للمؤمنين أنه هكذا يجب أن يكون إيمانهم ، هو تعريف بالمسيرة الإلهية لأنبياء الله ورسله والصالحين من عباده جيلا بعد جيل، شملت وبصورة موجزة المجالات الإيمانية الكاملة بدأ من الإيمان بالله سبحانه وتعالى. وهكذا تتصدر الآية الكريمة بالتقرير على الإيمان بالله، ثم تنتهي بالمواجهة لأعدائه.

أنه إيمان على غير هذا النحو ليس إيمانا، إيمان لا يبدأ من الله وينتهي بالمواجهة مع أعداءه فليس هو إيمان الرسل والأنبياء والصالحين من عباد الله، لقد جاءت هذه الآية بصيغ إخبارية في التقريرات الإيمانية؛ لتوحي لنا بأنه هكذا يكون الإيمان، الإيمان الذي هو إيمان الأنبياء والرسل والصالحين من عباد الله .

وكما كررنا أكثر من مرة أن الإيمان، أن العقائد في الإسلام العظيم كلها عملية، إيمان يترك تأثير على النفس ، ثم نفس تترك تأثيرا في واقع الحياة، ما عدا ذلك يعتبر إيمانا أجوف لا يقدم ولا يؤخر، ولا ينفع لا في الدنيا ولا في الآخرة، وأول المؤمنين بهذا الإيمان هو الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى وآله .

إن الآية هذه نزلت في القرآن الكريم الذي هو خطاب للناس جميعا في هذه الأمة والتي أولها الرسول محمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، هكذا إيمانه، وأن نعرف بأنه هكذا كان إيمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، يعني ذلك أنه بغير إيمان من هذا النوع لا نكون صادقين حتى في إيماننا بالرسول صلوات الله عليه وعلى وآله ، ولن نلتقي معه في الطريق الإيمانية ولا في غاية تلك الطريق لا في الدنيا ولا في الآخرة، أو لم يقل الله له: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء}؟. لست منهم في شيء، لا تلتقي مع محمد صلوات الله عليه وعلى آله، لا تلتقي الأمة مع رسولها صلوات الله عليه وعلى وآله ، إلا في طريق إيمانية واحدة هي هذه الطريقة التي بدأ الخطوة عليها الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله ، هو الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله آمن بما أنزل إليه من ربه، وعندما آمن بما أنزل إليه من ربه كانت مصاديق ذلك الإيمان كلها حركة، كلها حركة نشطة كلها عمل، كلها استقامة وثبات، كلها إخلاص لله سبحانه وتعالى وانقطاع إليه وثقة عظيمة به؛ لأن ما أنزل إليه هو أنزل إليه من ربه الذي أرسله، وأرسله إلى من؟ هل إلى نفسه؟ أم إلى البشرية كلها؟.

الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام

هل كان الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله يكتفي بأن يبلغ الآخرين، ويرشد الآخرين، وبعض الآخرين، ويأمر وينهى أولئك الآخرين ثم هو يَقْبَع في زاوية من زوايا مسجده ويدعو لأولئك، أو يدعو على أولئك؟!. أم أنه كان هو في مقدمة المؤمنين في كل الميادين؟.

الإيمان بالرسول صلوات الله عليه وعلى وآله الذي يجب أن يترسخ في نفوس من يحملون العلم برسالته يجب أن ينطلقوا هذا المنطلق الذي انطلق منه الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله وأن يتحركوا بحركته.

لكن للأسف ما نشاهده عند الكثير ليس على هذا النحو الذي كان عليه الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله ، يجلسون في زوايا بيوتهم، أو في زوايا مساجدهم وَيَعِضُونَ الآخرين، أو يدعون للآخرين، وأحيانا ينطلقون لمعارضة العاملين في سبيل الله، وهم يؤمنون بما أنزل إلى رسول الله صلوات الله عليه وعلى وآله هذا القرآن العظيم ، ويؤمنون بالنبي محمد صلوات الله عليه وعلى وآله لأنه في الوقت الذي نرى فيه هذه الآية هي تقرير للمؤمنين كيف يجب أن يكون إيمانهم؟.

هي في نفس الوقت توضح لنا ما هو مقاييس صحيحة وصادقة ننظر من خلالها إلى بعضنا البعض ونقيم على أساسها مواقف بعضنا بعض، فلا نتسمى باسم الإيمان، ولا نتسمى باسم أولياء الله، ولا نحمل اسم الصالحين إذا لم يكن إيماننا على هذا النحو.

{والمؤمنون} آمن الرسول وكذلك المؤمنون كل منهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله نفسه والمؤمنون كل منهم آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله.

الإيمان بالله سبحانه وتعالى هل هو فقط مجرد تصديق بأنه إلهنا؟. وأنه ربنا؟ أم أنه لا بد أن يكون إيمانا واعيا، إيمانا عمليا، إيمانا يبعث على التطبيق، إيمانا يعزز الثقة في نفوسنا بالله سبحانه وتعالى فيما وعد به أولياءه في الدنيا والآخرة. هو من قال سبحانه وتعالى في كثير من آيات كتابه الكريم: أنه سيكون مع أوليائه المؤمنين سيكون مع عباده الصالحين، سيكون مع عباده الصابرين، هو من طمأنهم على أنه سيكون معهم، فأي عذر لهم في أن يقعدوا عما أراد منهم أن يتحركوا فيه؟، عما أراد منهم أن يعملوا به؟، عما أوجب عليهم أن يدعوا إليه؟.

الإيمان بالله وكذلك الإيمان بملائكته، والإيمان بملائكة الله له قيمته الكبرى، له أثره الكبير عند من يعرف الملائكة، وعند من يعرف الدور الذي يقوم به الملائكة، قد يرى الناس أنفسهم في ظرف من الظروف وهم عازمون على أن يتحركوا في ميدان المواجهة لأعداء الله، ولكنهم قد يرون أنفسهم قليلا، وقد نرتاح فيما إذا بلغنا أن هناك منطقة أخرى تتحرك نفس التحرك، أو عددا من الناس ينطلقون نفس الانطلاقة، ويقفون نفس الموقف، أليس ذلك مما يعزز من معنويات أنفسنا؟.

الإيمان بالملائكة باعتبارهم جند من جند الله، الإيمان بالملائكة متى ما كنت في طريق تصبح فيها جديرا بأن تحظى بوقوف الملائكة معك فإنك قد ترى في ميادين المواجهة آلافا من الملائكة من جند الله ينطلقون وبكل إخلاص وبكل نصيحة وبما يملكون من خبرة عالية لتثبيت قلوب المؤمنين متى ما توجه الأمر الإلهي إليهم { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ } (12) سورة الأنفال.

قد لا نشعر نحن بقيمة الإيمان بالملائكة وقد لا يشعر كل إنسان قاعد، كل إنسان لا يحمل هم العمل في سبيل الله، لا يكون إيمانه بالملائكة إلا مجرد تصديق بأنهم عباد مكرمون وأنهم كما حكى الله عنهم، { لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم . لكن في أن يترك ذلك الإيمان أثرا في نفسك لا يحصل شيء لأنه ليس في ميدان يرى فيه قيمة إيمانه بالملائكة، لكن أولئك الذين ينطلقون في ميدان العمل في سبيل الله سيعرفون أهمية الإيمان بملائكة الله سبحانه وتعالى.

لقد تحدث القرآن عن دور للملائكة في بدر، وفي يوم الأحزاب، وفي أيام غيرها في حركة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، أولئك الذين خرجوا وعددهم قد لا يزيد على نحو ثلاثمائة شخص إلا عددا قليلا الله وعدهم بأنه سيعزز بجند من عنده يبلغ عددهم أضعاف أضعاف أولئك، هناك سيعرف الإنسان قيمة إيمانه بالملائكة وسترى بأنه لست أنت وحدك في ميدان المواجهة، سترى تلك المجاميع الصغيرة من المؤمنين بأنها ليست وحدها في ميدان المواجهة بل هناك آلافا من ملائكة الله سبحانه وتعالى، الذين ليسوا كمثلنا يقعدون، ويتثاقلون، ويعصون ويتحايلون، ويتهربون، ويبحثون عن مبررات. لا .. هم من ينطلقون انطلاقة واحدة { لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (6) سورة التحريم.

الله أكبر..الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود..النصر للإسلام

فإذا كانت معنوياتك ترتفع عندما تسمع بأن هناك عددا قد يكون أقل من هذا أو أكثر فإن عليك أن ترتفع معنوياتك وتستشعر القوة إذا ما كنت في طريقة ستقف معك فيه آلاف من ملائكة الله، إذا ما توجه الأمر منه سبحانه وتعالى إليهم، فقط عليك أن تبحث عن كيف تؤهل نفسك، على تلك المجاميع أن تبحث عن كيف تؤهل نفسها لتكون جديرة بأن تقف ملائكة الله معها.

فإيماننا بالملائكة هو إيماننا بجند من جنود الله، متى ما تصدر أمر إلهي نحوهم انطلقوا لتثبيت نفوس المؤمنين، فهم من سينطلقون بكل جد، وبكل إخلاص، وبكل نصح، ينطلقون ولديهم خبرة ولديهم معرفة، فيكون لهم تأثيرهم الكبير في تثبيت نفوس المؤمنين، أو في أي عمل يأمرهم الله أن يقوموا به ، إذاًُ لا بد من إيماننا بملائكة الله.

يأتي أيضا الإيمان بكتب الله، الكتب السابقة إضافة إلى القرآن الكريم، التوراة والإنجيل والزبور وغيرها كصحف إبراهيم وغيرها من الكتب السماوية الإلهية ما نعرفها وما لا نعرف أسماءها.

{ورسله} الإيمان بكتب الله ورسله السابقين له أثره أيضا فيما يتعلق بنفوس العاملين في سبيل الله حينما يرون أنفسهم بأنهم امتداد لخط إلهي واحد يتمثل في خط كتب الله ورسله والسائرين على نهج كتبه ورسله جيلا بعد جيل وعصرا بعد عصر، منذ أول نبي وأول كتاب إلى خاتم الأنبياء وخاتم الكتب القرآن الكريم وسيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، هناك تشعر بطمأنينة، أنك تمشي وتسير في هذا الخط، الذي رسمت لك غاياته ونهايته في آيات القرآن الكريم، العاقبة التي يصير إليها أولياء الله، الجزاء العظيم الذي يناولونه في الدنيا وفي الآخرة، سترى نفسك لست وحيدا، وهكذا الرسول صلوات الله عليه وعلى آله عندما انطلق لحمل الرسالة، تنزلت آيات الله عليه لتخبره بأن هناك أنبياء سابقين عليه أن يؤمن بهم، أن يهتدي بهم، أن يصبر كصبرهم، مجرد إخباره بأنه واحد من سلسلة طويلة من الأنبياء والمرسلين السابقين له أثره الكبير في نفسيته في ميدان العمل، وهكذا المؤمنون.

الإيمان بكتب الله أيضا هو إيمان بتدبير الله الدائم المستمر للسابقين من عباده والمتأخرين، بقيامه سبحانه وتعالى بهداية عباده السابقين والمتأخرين، وأنه لم يأت في عصر من العصور ليهمل عباده، ولم تقفل ملفات كتبه في أي زمن من الأزمنة، ولا عن أي جيل من الأجيال على امتداد التاريخ، إيمان بوحدة الرسالات، إيمان بوحدة الهدي الإلهي لعباده.. هذا ما يتركه الإيمان بكتب الله في نفوس المؤمنين من أثر تركه قبل في نفس الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله .

{ورسله} الإيمان برسل الله سواء من عرفنا أسمائهم في كتاب الله الكريم ومن لم نعرف عنهم { ورسلا قد قصصناهم عليك ورسلا لم نقصصهم عليك} رسل أخبر الله محمدا صلوات الله عليه وعلى وآله بأسمائهم في كتابه الكريم، ورسل آخرين لم يخبره بأسمائهم.

الإيمان من جانبنا برسل الله يعني إيمان بأن الله سبحانه وتعالى – كما ذكرنا يتعلق بالكتب- لم يهمل عباده في أي فترة من فترات الأمة، لم يهملهم عن نبي من أنبيائه أو عن ولي من أوليائه، ووارث من ورثة كتبه يسير على نهج أي نبي من أنبيائه السابقين الذي تركوا كتبا في أممهم.

الإيمان بالرسل كشخصيات مهمة، أشخاص مهمون اصطفاهم الله، أكملهم الله لم يكونوا أناسا عاديين، أنت حينئذ ستحس وأنت تؤمن بأولئك العظماء على امتداد التاريخ تحس بافتخار، بعز برفعة نفس، أن قدواتك على امتداد التاريخ، أن من أنت تسير على نهجهم وعلى طريقهم هم أناس عظماء اصطفاهم الله وأكملهم واختارهم لأن يكونوا المبلغين لدينه، لهديه إلى عباده.

الإيمان بالرسل نحن بحاجة ماسة إليه على هذا النحو، والقرآن الكريم عرض لنا عددا كثيرا من الأنبياء والرسل، وشرح لنا كثيرا من أحوالهم، وأورد كثيرا من نصوص دعواتهم، وأبان كثيرا من أساليب دعوتهم، وكشف لنا كثيرا عن خصائص نفسياتهم فيما تحمله من جد، من اهتمام، من إخلاص، من نصح من حرص على البشر لهدايتهم إلى صراط الله المستقيم.

الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام

في مسيرة الرسل صلوات الله عليهم الكثير من الدروس، الكثير من العبر، لكنها كلها لن يكون لها قيمة، وهذه هي المشكلة أن من رضي لنفسه بأن يظل جامدا فكل شيء لن يكون له قيمة لديه، متى انطلقت , متى شعرت بتحمل المسئولية أمام الله سبحانه وتعالى , أن تكون من أنصار دينه , أن تكون من العاملين في سبيله , حينها ستعرف قيمة كل شيء، وأهمية كل شيء، كم من الأنبياء في القرآن الكريم عرفنا كثيرا من أخبارهم، عرفنا كثيرا عن تلك الأمم التي بُعثوا إليها. ولكن نمشي على كل تلك القصص المهمة دون اعتبار دون استلهام ما نحن بحاجة إليه من واقع تلك الشخصيات المهمة، دون تعرف على السنن الإلهية، دون تعرف على الأساليب المهمة التي يجب أن يتوخاها، وأن يعمل بها العاملون في سبيل الله.

هكذا ستجد في سيرة الأنبياء، في أخبار الأنبياء، في قصصهم ما هو عبرة لأولي الألباب، ما هو دروس مهمة ، ما هو دروس عظيمة ومهمة.

الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله أخبرنا القرآن الكريم بأنه كان بحاجة إلى أن يقص عليه أنباء الرسل السابقين قبله، وقص عليه من أنباء الرسل، وقال: بأن الغاية من ذلك هو {ما نثبت به فؤادك}، لأن فؤاد النبي صلوات الله عليه وعلى وآله فؤاد رجل قلب رجل مهتم يعمل، يتحرك، وأمام كل الأحداث أمام كل المتمردين، أمام كل المعاندين ، أمام كل الظروف والمواقف الصعبة، سيكون لأخبار الأنبياء السابقين أثره الكبير في تثبيت فؤاده {وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } (120) سورة هود{ {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ } (111) سورة يوسف. رسل الله وتلك الأمم التي بعثوا إليها عدد كبير، وأمم كثيرة، وأجيال متعاقبة، وأزمنة مختلفة، ونفسيات متعددة، وأحوال متباينة.

من حسن حظنا نحن المسلمين الذي نحن آخر الأمم أن كان بين أيدينا رصيد عظيم رصيد مهم مليء بالعبر والدروس، مليء بالمواقف المتماثلة، والمواقف المتباينة، كلها دروس مهمة، تراث مهم.. فمن العجيب، ومن الغريب أن تضل أمة بين يديها هذا التراث العظيم هذا الرصيد المهم الذي عرضه القرآن الكريم بين يديها. تجد في أنبياء الله – على الرغم من كمالهم هم في أنفسهم باعتبار الظروف وباعتبار نوعيات الأمم التي بعثوا إليها- تجد وحدة الأنبياء ، روحية الأنبياء الواحدة على اختلاف الزمان والفارق الكبير بين كل نبي ونبي تشعر كأنك أمام مجموعة من التلاميذ عاشوا في زمن واحد، وتلقوا تعليمهم على يد أستاذ واحد، هذا نفسه هو شاهد حي على أن بإمكان منهج الله سبحانه وتعالى وهديه أن يبني أمة متوحدة.

من الذي يقرأ أخبار أولئك الأنبياء ثم لا يلمس أنه أمام روحية واحدة ونفس واحدة؟ تقرأ عن نوح، عن إدريس، عن إبراهيم، وهكذا وهكذا إلى أن تصل إلى نبينا محمد صلوات الله عليه وعلى وآله إذا بك ترى نفسك أمام مجموعة واحدة كلها على قلب رجل واحد، نظرتها إلى الحياة واحدة، اهتمامها بعباد الله واحد، تفانيها لنقول لأنفسنا نحن في هذه الأمة التي تفرقت وتمزقت بعد أن حذرها الله في كتابه الكريم، ونهاها عن التفرق والاختلاف، وأن لا تقع فيما وقعت فيه الأمة السابقة، أو جملة من الأمم السابقة قبلها {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم} نقول لأنفسنا: ما الذي فرقنا؟ هل هو دين الله؟ هل هو هدي الله؟ إن هدي الله استطاع أن يوحد ويخلق روحية واحدة بمجاميع من أنبيائه ورسله وأوليائه على اختلاف عصورهم، على اختلاف بيئاتهم، على اختلاف مجتمعاتهم.

لنقول لأولئك الذين يشرعون الاختلاف، ويؤصلون للفرقة: ليست هذه هي روحية الأنبياء، ليست هي الروحية التي يمكن أن يخلقها هدي الله في نفوس الأمة، ليعرفوا هم جسامة الخطأ الذي ارتكبوه، وما زالوا يرتكبونه، أن ينطلقوا إلى أولئك الذين سيكونون هم الفئة التي تنطلق لإصلاح المجتمع، الفئة التي تحمل دين الله، ليقولوا لكل واحد منهم أن له صلاحية أن ينطلق معتمدا على نفسه فيدين بما أداه إليه نظره واجتهاده، مع علمهم ومع علمنا جميعا بالتباين الذي يحصل في وجهات النظر وفي النتائج التي تحدث بناء على اختلاف وتعدد وجهات النظر.. هل هذا دين الله؟ ليس هذا دين الله. نرجع إلى هدي الله في كتابه الكريم الذي أبان لنا أمة واحدة، وليس فقط الأنبياء بل عرض علينا شخصيات أخرى من أوليائه، ومجاميع أخرى من أوليائه ليبين لنا نفسياتهم كيف هي وهم في ميدان الاهتداء بهدي الله والالتزام بدينه، والعمل في سبيله، تراهم كذلك نموذجا واحدا تراهم نفسيات واحدة ، ونظرة واحدة ، ووعي واحد.

هذا مما يمكن أن نستفيده من خلال التعرف على أنبياء الله ورسله في القرآن الكريم، تجد في نفس الوقت الأمم التي بعث إليها الأنبياء والرسل كيف كانت أساليبهم واحدة، كيف كانت بواعث تمردهم وعنادهم ودعاياتهم ضد الأنبياء واحدة، {تشابهت قلوبهم} هكذا قال الله عنهم، إنما أحيانا – وهو الشيء الطبيعي- مع تعاقب الأمم أن تكثر الدروس وتتعدد المواقف التي تتجلى من خلالها الدروس والعبر في هذا الاتجاه أو في هذا الاتجاه، فإذا نحن نرى في أنفسنا أن بين أيدينا تراثا مهما، رصيدا مهماً لكننا نحن ونحن طلاب علم نرجع إلى الأنبياء أو نظرتنا للأنبياء فنجد أنها نظرة غير واقعية وغير حقيقية بسبب الأخطاء الثقافية التي تلقيناها فقدمت لنا الأنبياء مجموعة من المساكين الذين لا يعرفون كيف يتحركون، والذين لا يكادون يعرفون كيف يتكلمون، أناس لا حنكة لديهم، أطياب مساكين الله ، فلم يكن هناك ما يمكن أن يجعلنا نستلهم من حياتهم، ومن أساليبهم، ومن حركاتهم ، ومن أعمالهم ومن مواقفهم الدروس المهمة.. فإذا بنا نعطل تلك الآيات الكثيرة. على الرغم من قول الله لنا في كتابه الكريم: إن في قصص الأنبياء تثبيتا لفوائد نبيه.

رسول الله صلوات الله عليه وعلى وآله الذي نؤمن بأنه سيد الرسل كيف نظرتنا إليه؟ ومن أين يمكن أن نتعرف على شخصيته بالشكل الذي يملأ نفوسنا حبا له، وشعورا بعظمته، وكمال نفسيته، وكمال شخصيته، وقدرته الهائلة، وذكائه الكبير؟.

متى ما جئنا إلى السير التي تحمل عنوان سيرة النبي صلوات الله عليه وعلى وآله ثم نأتي فيتحدثون عن مولده ونبذة بسيطة من الإرهاصات التي حصلت عند مولده، ثم يبدأ المؤلف غزوة بدر، بعدها غزوة أحد بعدها غزوة كذا غزوة كذا. يتحدث عن الغزوة كم عدد المسلمين كم كان عدد الكافرين، ما الذي حدث أخيرا، متى كانت ومتى انتهت، ثم ينتقل إلى الغزوة الأخرى، فنخرج من كتب السيرة ولدينا معرفة بتواريخ أحداث غزوة بدر غزوة أحد غزوة حنين غزوة كذا إلى آخره، ولكن أين هي شخصية محمد صلوات الله عليه وعلى وآله التي تعرفنا عليها من بين ذلك الركام من كتب السيرة؟. بل نقرأ في كتب الكلام الأساليب التي توجهنا إلى كيف نعمل ونحن نستدل، ونحن نحتج ونحن نناقش، ونحن نبحث، ونحن نجادل الآخرين، وحتى ونحن ندعو الآخرين، وإذا بنا نرى أنفسنا بعيدين عن شخصيات الأنبياء وعن أساليبهم بما فيهم سيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى وآله .

بل سترى أخيرا أن منطق الأنبياء ليس منطقيا وهم يتحدثون مع أممهم، وكأنهم لم يجيدوا ترتيب ونظم المقدمات المنطقية لإقناع أممهم. هكذا علمنا المعتزلة، وهكذا علمنا الأشعرية، هكذا علمتنا الثقافة الخاطئة، كيف لا نعتمد على كتاب الله ولا نستلهم ونحن في ميدان العمل شيئا من حياة أنبياء الله ورسله.. هذه هي الخسارة ونحن كلما حاولنا أن نبحث في جانب وجدنا أنفسنا أمام إشكاليات، أمام ضياع، أضعنا هنا الشيء الكثير، وأضعنا هنا الشيء الكثير، وضلينا هنا وضلينا هنا بسبب هذا وبسبب هذا.

الإمام الخميني رحمة الله عليه هو الشخص الوحيد – فيما أعلم – ممن قرأت لهم – ومقرواتي قليلة – لكني لم أسمع حتى ولا ممن قرؤوا أكثر مني عن آخرين، هو الشخص الذي كان يقول للناس: يجب علينا أن نهتم بدراسة حياة الأنبياء، وأن نتعرف على الأنبياء، وأن نستلهم منهم – ونحن في ميدان العمل- الكثير الكثير من أساليبهم وحركتهم، أن نتعرف على حركة الأنبياء، والقرآن الكريم قدم هذا. نحن كدعاة ونسمي أنفسنا أحيانا دعاة لماذا لا نحاول أن نتعرف على أساليب الأنبياء في الدعوة؟. أساليب مهمة، أساليب بالغة الدقة، وشخصيات قوية ومواقف جريئة، مع تواضع كامل لله، مع رحمة عظيمة بعباد الله، وحرص على هدايتهم.

ننطلق لنبحث عن أي كتاب هنا أو هناك مما كتبه الإخوان المسلمون أو غيرهم ولا نكاد نعرج على أخبار أنبياء الله إلا في القليل النادر، رسل الله هم سلسلة واحدة، وطريق واحد وصف واحد، وأمة واحدة. ورسل الله جاءوا بديانات وكان أعظم الديانات، وأعظم الرسل هو سيدنا محمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، والإسلام العظيم، وهذا الكتاب الكريم الذي جعله الله مهيمنا على كل ما سبقه من الكتب؟!. فلماذا تفرق الناس؟. لماذا ندرس ونتعلم كيف نتفرق؟!. ثم ندين بالاختلاف؟!. فيصبح واجبا، يصبح التفرق حتما لا مفر منه، ونصبغه بصبغة شرعية، أليس هذا هو نكران لنعمة الله العظيمة بهذا الدين العظيم؟. أليس هو كفر بنعمة الله المتمثلة في نبيه محمد صلوات الله عليه وعلى وآله وفي القرآن، وفي الإسلام العظيم؟.

{لا نفرق بين أحد من رسله} ولن تفرق مسيرة واحدة، روحية واحدة، نفسية واحدة، وعمل واحد، لا بد أن تؤمن بهم، وإيمانك بهم هو إيمان أيضا بعدل الله وحكمته ورحمته لأن كل رسل الله هم رحمة لعباده، وكل رسل الله هم بمقتضى حكمته لأنه هو الملك، هو الرب، هو الإله، وكل البشر عبيد له فلا يمكن أن يتركهم دون أن يبين لهم ما يهديهم، دون أن يكون لسلطاته نفوذ فيهم عن طريق كتبه ورسله. هكذا المؤمنون لا يفرقون بين أحد من رسله، والمسلمون هم الوحيدون الآن في إيمانهم على هذا النحو {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } (286) سورة البقرة . لكن اليهود لا يؤمنون بعيسى ولا بمحمد، والنصارى لا يؤمنون بمحمد صلوات الله عليه وعلى وآله فهم مفرقون بين رسل الله، أما نحن والحمد لله فنحن مؤمنون برسله جميعا موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام ومحمد صلوات الله عليه وعلى وآله ومن سبقهم من أنبياء الله. ولكن للأسف أننا افترقنا عنهم جميعا نحن لا نفرق بينهم لكننا في واقعنا مفارقين لهم جميعا.

الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام

فرسول الله محمد صلوات الله عليه وعلى وآله الإيمان برسالته العمل وفق ما هدى إليه وأرشد إليه هو يجسد الإيمان الذي لا تفريق فيه بين رسل الله، ولكن لو عرضنا أنفسنا وواقعنا على ما كان لدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إيمان وعلى ما أرد رسول الله صلوات الله عليه وعلى وآله وهذا القرآن الكريم أن نكون عليه لوجدنا أنفسنا بعيدين جدا وابتعادنا عن محمد صلوات الله عليه وعلى وآله في واقعنا ملموس وهو ابتعاد أيضا عن بقية الأنبياء.

بل سنرى أنفسنا – وهو الموضوع الذي نريد أن نتحدث عنه هذه الليلة- كيف أننا أيضا بعيدون عن موسى عليه السلام ومتأثرون باليهود، عن روحية موسى، عن اهتمام موسى، عن جدية وحركة موسى عليه السلام، وأصبحنا نميل إلى المفسدين الذين تنكروا لشريعته، وتنكروا للتوراة، وتنكروا لمحمد، وتنكروا للقرآن، أليست هذه مفارقة لموسى؟.

ونحن أيضا نفارق عيسى عليه السلام ونلتجئ إلى النصارى ونتولى النصارى الذين هم اليوم ليسوا على منهاج عيسى، اليهود اليوم وقبل اليوم الذين ليسوا على منهاج موسى ولا على طريقته ولا على كتابه، رأينا أنفسنا مباينين لمحمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، ثم رأينا أنفسنا أمام موسى عليه السلام وعيسى عليه السلام في القرآن وأمام اليهود والنصارى في واقع الحياة فإذا بنا وراء اليهود والنصارى وبعيدين عن موسى وعيسى ونحن من نقول في إيماننا {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } (286) سورة البقرة لأن كل واحد من أنبياء الله في حركته في مسيرته ما أنت بحاجة إلى أن تهتدي به.

{لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ } (286) سورة البقرة . ولا يعني ذلك بأن تعود أنت لتدين برسالة موسى التي كانت قبل رسالة عيسى وبرسالة عيسى أن تدين بها عمليا والتي كانت قبل رسالة محمد صلوات الله عليه وعلى وآله .

أنت لو حاولت هذا لأصبحت مفرقا فعلا لأنك حينئذ سترى في الإسلام أنه ليس لب تلك الرسالات، ليس غاية تلك الرسالات، ليس الشامل لكل تلك الرسالات، فأقول سأعود إلى هذا لأنه هذا لا يكفي، وأعود إلى هذا لأن هذا لا يكفي فأنت تفرق، بل أنت ستحك على كل ديانة بمفردها بالنقص، الإيمان الذي هو إيمان لا تفريق فيه بين أنبياء الله هو الإيمان برسالة محمد صلوات الله عليه وعلى وآله ، فالقرآن الكريم يؤكد لنا بأنه كتاب مهيمن على ما سبقه من الكتب ومصدق لما بين يديه من الكتب، فإيماني بالقرآن التزامي بالقرآن هو إيمان والتزام وتطبيق لدين الله الذي أراد أن يتعبدنا به، وأن يهدينا إليه، ما عرفنا منه وما لم نعرف.

ألم يقل هو لمحمد صلوات الله عليه وعلى وآله {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى } (13) سورة الشورى . هذه شريعة الله الواحدة ونحن عندما ننطلق في الإيمان بهذا أو بهذا بعد هذا الإيمان أيضا بمجموعهم كرسل لله هو استجابة لله سبحانه وتعالى، وهذا هو ما كان يريده من اليهود ومن النصارى أن يقول لهم هو من يبعث الرسل. فالرسول الذي أنتم تؤمنون به موسى،والرسول الذي تؤمنون به عيسى الذي بعثه وأرسله هو الله الذي بعث محمد وأرسله، فلماذا لا تؤمنون به؟ له الأمر وحده ، له الحكم وحده، له التدبير وحده، هو الذي يبعث من يشاء من رسله متى ما شاء ومن أي فئة شاء، فإيمانك بالله يفرض عليك أن تؤمن بهذا النبي كما آمنت بالنبي الذي قبله، أن تؤمن بهذا الكتاب كما آمنت بالكتاب الذي قبله، بل نحن في إيماننا نحن المسلمين بموسى وعيسى وغيره من الأنبياء السابقين إنما كان عن طريق إيماننا بمحمد وبالقرآن، فلولا محمد ولولا القرآن لما صح لنا إيمان بهم، ولما عرفناهم، ولما اعترفنا بهم.

أحيانا يقول اليهود: نحن وأنتم مختلفون في محمد ومتفقون على موسى، لماذا لا ننطلق جميعا على ما نحن متفقون عليه؟ وقد يقول النصارى: نحن وأنتم مؤمنون بعيسى ومختلفون في محمد، لماذا لا ننطلق جميعا على ما نحن متفقون عليه؟. نقول لهم: إنما آمنا بموسى وعيسى عن طريق محمد فإذا لم تصح نبوته فلا صحة للنبوات السابقة قبلها لدينا، وهكذا المؤمنون يقول الله عنهم: { وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } سمعنا وأطعنا سمعنا كتبك، سمعنا رسلك سمعنا هديك وأطعناك، وهذا هو في واقعه ميثاق بين الناس وبين الله، ميثاق أعطيناه الله على أنفسنا، ألم يقل: {وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا}؟. أن ترى نفسك في وضعية لا بد أن تقول فيها سمعنا وأطعنا، أن ترى أنه لا مناص من أن تقول: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } وهو ما نحن عليه، أليس كذلك؟ إذاً نحن أعطينا ميثاقا لله أن نلتزم، والمؤمنون هكذا يقولون: { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } سمعنا وأطعنا، والطاعة أليست لا تتجسد إلا في الالتزام في العمل؟. متى يمكن أن تكون مطيعا إذا لم يكن هذا منك إلا مجرد قول. سمعنا وأطعنا انطلقنا لنعمل وفق ما سمعنا.

وعندما قال المؤمنون: سمعنا وأطعنا لم يكن من منطلق التمنن على الله سبحانه وتعالى والشعور بالقفزة الكبيرة إلى حيث لا يرون في أنفسهم أي تقصير {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ونحن سمعنا وأطعنا هديك من منطلق شعورنا بضرورة أن نؤمن بهديك وحاجتنا الماسة إلى هديك الذي جئت به على يد رسلك نحن بحاجة إليه في حياتنا،نحن نحس بالشرف العظيم لنا أن نهتدي بهديك ، نحن نحس بأنفسنا أن تتزكى بهديك، إلى أن تتطهر من الذنوب بهديك، فلك المنة علينا، وأنت من نرجع إليه في كل تقصير يحصل منا.

{ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } ما أكثر ما يتكرر هذا الأسلوب في القرآن الكريم، ليقول لأولئك الذين يتمنون على الله بأنهم استجابوا، بأنهم اهتدوا أن عليهم أن يفهموا أن هذه النظرة إلى أنفسهم نظرة مغلوطة، نظرة سيكون ضحيتها إيمانهم، سيكون ضحيتها مصيرهم، سيكون ضحيتها زكا أنفسهم {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ } (17) سورة الحجرات . المنة لله على عباده، ونحن عندما نرجع إلى هدي الله الواسع، نحن مسلمين نحن من في هذه القاعة، ألسنا نتعرف كثيرا عندما نرجع إلى كتاب الله سبحانه وتعالى عندما نسمع شيئا عنه ونتعرف على كثير من التقصير لدينا فيما يتعلق بهدي الله، حينئذ انطلق وقل لله: غفرانك ربنا عما بدر من تقصير.

هدي الله واسع، ومجالات العمل به واسعة، مجالات النفس التي انطلق لتزكيتها واسعة، إشكالياتها كثيرة، أدناسها متعددة، أمراضها كثيرة، انطلق دائما فكلما اكتشفت علاجا لمرض نفسك كلما اكتشفت وسيلة كنت بعيدا عنها لتزكية نفسك حينها قل: {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ َ} (286) سورة البقرة

الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام

الإيمان بالله الذي ينطلق الإنسان فيه من واقع الشعور بأنه عبد لله، بتواضع لله، بشعور بحاجته إلى هدي الله هو من ينطلق ليتلمسه ويبحث عنه، ما هو الشيء الذي أنا لا بد أن أعرفه؟. ما هو العمل الذي أنا لا أزال مقصرا فيه؟. ينطلق ويعتذر إلى الله سبحانه وتعالى من كل تقصير يكتشفه، لكن ذلك الذي دخل بنفس المُتَمَنِّن على الله أو على أوليائه الذين انظم إلى صفهم هو من لا يفكر بأن لديه تقصيرا ما، هو من لا يفكر بأنه ما يزال بحاجة إلى معرفة ما، أنه ما زال بحاجة إلى اهتداء كثير في مجالات كثيرة، يعيش نفسا تنظر إلى محيطها بنظرة اختيال وكبرياء وإعجاب وغرور فيعيش جاهلا، يعيش ضالا، يعيش قاصرا وناقصا، لأن الإنسان الذي يمن على الله أن استجاب لهديه هو من ينظر إلى نفسه نظرة اختيال وإعجاب، ومن ينظر إلى نفسه نظرة إعجاب نظرة اختيال، هو من لا يفكر أو من لا يشعر أيضا بأن لديه قصور، أو أن لديه نقص، أو أنه بحاجة إلى أن يعرف منك أو يعرف من هذا أو يزداد معرفة حتى بكتاب الله الكريم.

{وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} إليك مرجعنا في كل أمورنا في هذه الدنيا وإليك مرجعنا في الآخرة بعد الدنيا فنحن من نحن بحاجة إلى أن نقول سمعنا وأطعنا لأن إليك مرجعنا لأن إليك مصيرنا.

{لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (286) سورة البقرةهذا مما يؤمن به المؤمنون من أن الله سبحانه وتعالى فيما أنزله إلى رسله، فيما دعا إليه رسله، فيما قالوا فيه وله: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} كله تشريع كله هداية فيها سعة لنا ونحن نتحرك فيها، ونحن نلتزم بها، ليس فيها تكليفات لا نطيقها، ليس فيها تشريعات لا نطيق أن نتحملها كلها مما هي في وسعنا أن نعملها وأن نلتزم بها، وسنعرف هذه. وهذه قضية مهمة يجب أن نعرفها لأننا أصبحنا الآن في واقعنا ننظر إلى كثير من تشريعات الإسلام ونعدها في قائمة المستحيلات، منها توحد الكلمة، منها الجهاد في سبيل الله، منها العمل على إعلاء كلمة الله، منها العمل على إقامة دولة الإسلام، كل هذه في قائمة المستحيلات.

المؤمنون يرون أن كلما أوجبه الله عليهم، كلما دعاهم إليه، كلما شرعه لهم، كلما هداهم إليه كله { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} داخل هذه الدائرة، ولكن بجهلنا نحن، نحن الذين صنفنا مجموعة كبيرة من هدايته من تشريعاته المهمة في قائمة تكليف ما لا يطاق، في قائمة المستحيلات، في سجل الغائبات، أليس هذا ما هو حاصل؟.

تحصل هذه عند من ينظر إلى الدين في مهمته في الحياة نظرة تجزيئية، لي وحدي، ولك وحدك ولهذا وحده إلى آخره. أنظر إلى الدين كدين للأمة وأنك واحد من بناء هو صرح الأمة حينها سترى الإسلام مترابطا، وتراه لكل مجالات الحياة شاملا، أن تنظر إلى التشريعات التي شرعها الله سبحانه وتعالى، إلى كل ما هدانا إليه، إلى كل ما ألزمنا به كمنظومة واحدة، وستجدها حينئذ كلها يخدم بعضها بعضا، ويهيئ بعضها للوصول بك إلى البعض الآخر الذي تراه في قائمة المستحيلات، لكن أن تنظر نظرة تجزيئية للتشريعات الإلهية وللهدي الإلهي ستراها متباينة عن بعضها البعض، ثم لا تدري وإذا بك ترى مجموعة كبيرة منها في قائمة المستحيلات.

فتعيش أنت حياتك وأنت تنظر إليها هذه النظرة، وطلابك الذين علمتهم يعيشون حياتهم أيضا من بعدك وهم ينظرون هذه النظرة، وكذلك أبناؤك، وكذلك مجتمعك الذي تتحرك فيه لإرشاده، وتمر في الحياة الكثير من المتغيرات التي تجعلك لا تفهم علاقتها بهذا أو بهذا، من الأشياء التي قد جعلتها وصنفتها في قائمة المستحيلات، ستمر بك وأنت لا ترى لها قيمة ولا تلمس لها أثرا، ولا تلتفت إليها.. ثم في الأخير تتعبد الله جهلا بالذل الذي أنت فيه ، وبضياع الحق الذي أنت وغيرك من الأمة عليه، وتحت سيادة الباطل وانتشار الفساد تتعبد الله أنك مسكت على ما تبقى من دينك، وأصبحت تنظر إلى ما تبقى من عمرك يوما بعد يوم يمر لتقول في الأخير: هذه دنيا وإن شاء الله ينتهي كل شيء ثم ندخل الجنة عندما نحشر بين يدي الله.

ما يدريك؟ ربما لا يكون بينك وبين الجنة أي صلة، ربما لا تكون ممن يسير على طريق الجنة لأنك من جئت لتجزئ طريق الجنة الذي هو الصراط المستقيم فتصنع فيه العقبات، تلك التشريعات التي جعلتها مستحيلات، ذلك الهدى الذي جعلته بعيد التأثير، أنت هنا شقيت طريقا للجنة لا تصل بك ولا بالآخرين ممن يسيرون عليها إليها، طريقا مليئة بالمستحيلات، ومن الذي سيصل الغاية عن طريق المستحيلات؟. هل أحد؟. هل المستحيل يؤدي إلا إلى المستحيل؟.

حينئذ يجب علينا جميعا أن نراجع أنفسنا وأن ننظر إلى دين الله نظرة صحيحة، إنها شريعة سمحة، إنها شريعة كلها تحت قول الله سبحانه وتعالى: { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (185) سورة البقرة . { مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم فيْ الدَين مِّنْ حَرَجٍ}. لكن أسأل كثيرا من المتعلمين كم ستطلع لك في قائمة الحرج من أشياء كثيرة فترى نفسك من يغمض عينيه إذا ما مر بقول الله سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (185) سورة البقرة يريد بنا من خلال ماذا؟ من خلال هديه، من خلال تشريعه، وهو هو من قال للمؤمنين بأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها لا يكلف نفسا إلا ما آتاها، لأنه هكذا الإنسان عندما ينظر إلى التشريعات ينظر إلى نفسه فيرى أنها صعبة بالنسبة إليه ، أنت عندما تنظر إلى نفسك النظرة الأولى انظر إلى دين الله بأنه للأمة ، انظر إلى دين الله وهديه بأنه تشريع مترابط، ثم انظر إلى نفسك في الأخير سترى بأنك لم تكلف أنت شخصيا إلا ما فيه سعة.

نحن مثلا، من في هذه القاعة، ألسنا نرى أن بإمكاننا أن نتوحد؟. ما الذي يمنعنا على أن نتوحد؟ هل هناك قرار دولي يمنع مجاميع معينة عن التوحد؟ هل هناك قانون يقضي بعقوبة على من يتوحدون؟. حينئذ نقول: أن بإمكاننا أن نتوحد، أليس سهلا؟ أليس يسرا؟ وهكذا بقية تشريعات الدين.

هو من يقول للمؤمنين أيضا أو يعبر عن لسان حالهم أنه هكذا في واقع إيمانهم تكون نظرتهم إلى الدين بأن كل تشريعاته وهديه وأحكامه هي مما فيها سعة على أنفسنا، حتى تلك التي أصبحنا الآن وعلى مدى زمان طويل ننظر إليها أنها من ضمن المستحيلات، ومن ضمن ما لا يطاق، المؤمنون هكذا يقولون ويعتقدون {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (286) سورة وهم يقرؤون أن الله كلفهم بالجهاد في سبيله أليس كذلك؟ هم يرونه مما في وسعهم أن يعملوه كيف؟ هم ينظرون إلى الدين أنه عندما شرع الله هذا المبدأ المهم كم شرع له من أشياء مهمة هي في متناول الناس يصبح واقع ذلك المبدأ يصلون إليه تلقائيا بل يشتاقون إليه فلا يشعرون بحرج إطلاقا وهم ينطلقون فيه، ألم يكن الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله والإمام علي عليه السلام ونبذة من أولئك الذين يعرفون الدين أكثر مما نعرف، كانوا ينطلقون في ميادين الجهاد في سبيل الله بنشوة وارتياح وسرور، ألم يكونوا يتسابقون في ميادين الجهاد؟.

هو هذا الدين، هي تلك النظرة التي جعلتهم يفهمون أن كل شيء في هذا الدين لا يخرج عن السعة التي تطيقها أنفسنا بل تشتاق لها أنفسنا، أليست العبادات أليست كل أحكام الله عند أوليائه لها مذاقها ولها قيمتها؟. يرتاحون لها. ألم يكن الرسول صلوات الله عليه وعلى وآله يقول: ((وجعلت قرت عيني الصلاة)). وهكذا في بقية العبادات لا يشعرون بحرج من خلال فهمهم لعظمة هذا الهدى، من خلال فهمهم للأثر العظيم لهذا الدين، من خلال فهمهم أنه يسر كله، أنه لا حرج فيه كله، فتكون نظرتهم إليه نظرة المشاق، نظرة المرتاح، نظرة من يشعر بالسرور وهو ينطلق في أي ميدان من ميادين العمل بهدي الله وتطبيق أحكامه.

الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام

وهكذا هم أيضا يؤمنون بالجزاء ، والجزاء لكل نفس فتطمئن كل نفس بأن جزاء عملها لا يضيع وإن كانت واحدة من آلاف المنطلقين في ذلك الميدان العملي لتطبيق أي حكم من أحكام الله، والسير على أي هدى من توجيهاته وإرشاداته، إيمانهم بالجزاء، والجزاء الذي جاء في القرآن مؤكدا ومكررا الجزاء الحاسم {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}, فينطلقون في أعمالهم من منطلق الثقة بالله سبحانه وتعالى أن أعمالهم لا تضيع ، من منطلق خوفهم من الله أن كل تقصير منهم عليهم محسوب ومرصود {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} فهم ينطلقون بدون أي تقصير.

ومع ذلك يطلبون من الله سبحانه وتعالى أن لا يؤاخذهم على تقصير يحصل منهم أو سيئة يقترفونها في حالة خطأ أو نسيان {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (286) سورة البقرة. أما نحن فنتعمد الترك، أما نحن فنتعمد التقصير.. فأين نحن من أولئك الذين هم بعيدون جدا عن أن يحصل منهم تقصير متعمد؟. أن يحصل منهم اقتراف لسيئات أو عمل لمعاص بتعمد، بل هم من وصل بهم الأمر إلى أن يخافوا من أن يحدث منهم شيء في حالة خطأ أو نسيان، وهم يؤمنون أيضا بأن الخطأ والنسيان – وإن كان معفواً عنه فيما يتعلق بالجزاء الأخروي- فإنما يحدث من الإنسان ولو على سبيل الخطأ والنسيان في واقع الحياة قد يكون له أثره {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (286) سورة البقرة..

أليست هناك آية تقضي بأن ما حصل من الإنسان خطأ لا يؤاخذ فيما يتعلق بالجزاء الأخروي؟. {ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم} جناح. هناك من المفسرين من يقول: بأن خطيئة نبي الله آدم كانت على سبيل النسيان وكانت على سبيل التأويل أي وقع فيها خطأ ونسيانا، نحن حتى لو سلمنا بأنها كانت على هذا النحو، ألم يعرض الله لنا بأنه حصل الأثر السيئ لتلك الخطيئة بالنسبة لآدم نفسه؟. ألم يشق؟ ألم يطرد من الجنة؟ ألم تنزع عنه وعن زوجته ملابسهما؟. شقي فعلا حتى وإن كان الله قد تاب عليه فيما يتعلق بالمؤاخذة في الآخرة أو بالمؤاخذة على أوسع نطاق ممكن أن يستحقها لاقترافه تلك الخطيئة ..

إذاً وحتى لو قلنا بأن المعاصي أو التقصير الذي يحصل منا على سبيل الخطأ والنسيان فإن أثره في الحياة لا بد أن يقع، أو لسنا الآن نعمل على أن نكتشف أخطاءنا؟. ونكتشف ما ضيعنا من أعمال وقصرنا فيها؟. ونحن ناسون بأنها واجبة علينا، أو أن علينا أن ننطلق فيها؟ أليس هذا هو ما نعمل؟ ثم أليس الواقع؟ أليست الساحة تشهد بأن آثار تقصيرنا قائمة؟ أن مساوئ الوضع الذي نحن فيه هو آثار لذلك التقصير على الأعمال التي كان يجب علينا أن ننطلق فيها وعلى الأمة أو حتى على جزء من الأمة أن تنطلق فيها؟. ولكنها ابتعدت لخطأ أو نسيان، ألم يكن الكثير منا ناسين أن هناك أشياء مهمة؟. بل كنا ناسين أننا نعيش في وضع سيئ، أليس كذلك؟ هناك خطأ، هناك نسيان، لكن هل أننا لم نؤاخذ على خطئنا ونسياننا؟. نحن مؤاخذون عليه وقد أوخذنا فعلا عليه، أليس المسلمون الآن تحت أقدام اليهود والنصارى؟ أليسوا مستضعفين؟ أليسوا أمة – الآن – مستكينة ،مستسلمة خاضعة ،ذليلة ،جاهلة ،ممزقة؟ الأمة هذه التي هي مكونة من آلاف من مجاميع البشر من الناس المساكين الناسين لما يجب عليهم أن يعملوا، أليس هو هذا الواقع؟.

المؤمنون يبحثون عما يجب عليهم أن يعملوه، ويخشون من أن يقصروا خطأ أو نسيانا؛ لأنهم يعلمون أن هناك مؤاخذة على الخطأ والنسيان في واقع الحياة.

وأحيانا قد تكون المؤاخذة على الخطأ والنسيان توصلك إلى ترك متعمد لحق، توصلك إلى دخول في باطل متعمد، أو توقعك في ضلال بل توقعك في كفر من حيث لا تشعر {يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم يردوكم بعد إيمانكم كافرين} ألسنا في مسيرة أن نرتد بعد إيماننا كافرين؟. ونحن ناسون، ونحن مخطئون لا ندري ماذا يجب علينا أن نعمل؟ ولا نعرف ماذا ينبغي أن نعمل بل ناسين تماما، لماذا ناسين لأن نفكر في ماذا ينبغي أن نعمل؟. فقد يصل الناس إلى درجة الكفر أثرا للمؤاخذة على نسيانهم نسوا وتناسوا وأخطئوا وتجاهلوا فأصبح واقع على هذا النحو، واقع سيكون هم ضحيته عندما يرون أنفسهم يساقون إلى مواقف باطلة.

أولسنا الآن يطلب منا أن نسكت عن أمريكا وعن إسرائيل؟ من الذي شجع أولئك أن يطلبوا من المسلمين أن يسكتوا؟ سكوتنا عن العمل ونحن في مرحلة النسيان لما يجب أن نعمل، لما يجب أن نفكر فيه، لما يجب أن نعمله، أصبحنا نرى أنفسنا يطلب منا قسرا أن نسكت عن أمريكا وعن إسرائيل، أن نسكت عن لعن اليهود والنصارى أن نسكت عن فضح حقائقهم وفضح تضليلهم وفضح ما جنوه على هذه الأمة.. المؤمنون حذرون جدا.

لكن مما جني علينا نحن طلاب العلم أن فهمنا بأن الخطأ والنسيان معفو عنه ولم يقل لنا أولئك بأن الخطأ والنسيان ستبقى المؤاخذة عليها في واقع الحياة على هذا النحو.

الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام

{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (286) سورة البقرة. أما نحن فالمتعمدون، أليس كذلك؟ بل ربما قد يكون فينا – والله أعلم – من لا يزال مصرا على أن لا يكون له أي عمل، أليس هذا تركا متعمدا؟. إذاً افهم من خلال هذا مقدار إيمانك، الإيمان الذي بدأ بالرسول صلوات الله عليه وعلى وآله أنه إيمانك وبدأ بالإيمان بالله، وسارت على هذا النحو معالمه، معالم الإيمان هي على هذا النحو، أولئك المؤمنون الذين يخافون أن يقع منهم تقصير على سبيل الخطأ والنسيان أما تعمدا فهم يرونه في أنفسهم بعيدا جدا جدا عنهم، ممن يرون أنفسهم من غير المحتمل أن يقع منهم تعمد لتقصير أو اقتراف معصية.

{ربنا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} (286) سورة البقرة. نحن مؤمنون بأن الله –فيما يتعلق بالشرائع- لا يكلف نفسا إلا وسعها، ما كلف عباده إلا ما فيه سعة لهم.

لكن قد تبرز هناك أحمال كما حصل على بني إسرائيل {فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا} كانت هناك مراحل ما زال التشريع فيها قائما فكان بسبب تقصيرهم في مجال ما ، يكونون جديرين بأن يحملوا أحمالا ثقيلة تشريعية، لكنها تسجل في قائمة الاستثناءات وليست هي السنة الإلهية الثابتة في التشريع، وهكذا ألم يحرم عليهم الاصطياد يوم السبت؟. ثم تظهر الحيتان يوم السبت، أليس هم سيرون أنفسهم في حالة من الضيق والحرج وهم يرون السمك يوم سبتهم شرعا فوق سطح الماء ويوم لا يسبتون لا تأتيهم، من هذا الأحمال تأتي.

كيف قد تكون الأحمال بالنسبة لنا وملف التشريع قد أقفل فلا نبي يبعث من جديد محمد صلوات الله عليه وعلى وآله هو خاتم النبيين؟؟.

قد يكون في نتائج تصبح أنت ملزم بها أو ترى نفسك داخل في باطل وترى نفسك في ضلال، مثلا: من المعروف أنهم يقولون: بأن الناس إذا لم ينطلقوا في ميدان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تصبح وضعية البلد الذي هم فيه فسقا ظاهرا أو كفرا، عصيانا ظاهرا لله سبحانه وتعالى يغيب في أجوائه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فترى نفسك أو ترى هذه المجموعة نفسها مقصرة في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ترى نفسها عاجزة عن أن تعمل شيئا حينها سيجب على كل واحد أن يرحل من بيته وماله ويغادر إلى منطقة أخرى، الهجرة: أليست هذه من أصولنا أيضا؟ الهجرة. في الدين ما يشكل ضغطا بالنسبة للناس في ما إذا قصروا، وسائل ضغط، نتائج ثقيلة في الأخير، تقصيرك أنت الآن وتقصيري وتقصير هذا وتقصير الرابع عن أن تجتمع كلمتنا، وتتوحد كلمتنا، ويتوحد صفنا لننطلق جميعا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل ما نملك، سأرى نفسي وترى نفسك في وضعية تفرض علينا أن نغادر بيوتنا ونغادر أموالنا.

نقول لأولئك الذين يبخلون بجزء بسيط من أموالهم في سبيل أن تحيا أمة أو أن تؤهل أمة لتكون قادرة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيجدون أنفسهم في يوم من الأيام في مرحلة عصيان كامل أن تبقى في بيتك ومالك، فإما أن تنطلق لتضحي بنفسك وأنت ترى بأن تلك العملية قد تقوم بها وليس لها تأثير يذكر ..

ألسنا نرى الفلسطينيين الآن يضحون بأنفسهم أحيانا رجالا ونساء عملية في وسط السوق، عملية داخل شاحنة، وغالبا ما تكون ضد مواطنين يهود، أي ليس لها أثرها الكبير وإن كانت عملية شجاعة وعملية مهمة لكن لاحظ من هو الضحية؟. هم في الغالب ليسوا أولئك العساكر، ليسوا أولئك الجنود الذين هم درع الدولة الصهيونية، الذين هم وسيلة الظلم، الذين هم يقومون بتلك المجازر، لا يستطيعون أن يصلوا إلى معسكراتهم، لا يستطيعون أن يصلوا إلى ثَكَنَاتهم، أعمال فردية لا يستطيعون أن يتكونوا ولا بشكل مجاميع ولو على أقل تقدير إلى مائة شخص إلى خمسين شخصا، هل هناك من يمكنهم من هذه؟. لا ... قد ينطلق بمفرده ثم ليس بإمكانه أن يصل ثكنة عسكرية في أغلب الأحوال فيفجر نفسه هناك في هذا الشارع أو في ذلك السوق، فليقتل ما يقتل، سيقتل لكن هل هناك نكاية حقيقة ومؤثرة جدا بالعدو؟. لا.

قد يرى الناس أنفسهم في وضعية كهذه فإما أن تفجر نفسك لتقول لله ها أنا قد أعذرت، وما يدرينا لعله لا يقبل منك حتى حالة كهذه؟. لأنك فرطت يوم كان العمل اليسير سيترك أثرا كبيرا في نصر الدين، وفي القضاء على المنكر، وفي سيادة المعروف، فتنطلق لتفجر نفسك أو تقيم على فسق، على ضلال، وأنت تعلم أنه واجب عليك أن تهاجر فتترك بيتك ومالك، أو أن تنطلق في حمل ثقيل لتنزع نفسك من مالك وبيتك لتغادر إلى منطقة أخرى، أليس هذا حمل أولئك الذين يستثقلون ألف ريال في سبيل الله، سترى نفسك في واقع من هذا النوع إذا لم تنطلق، أم أن الفساد يقف عند حد؟. أم أن الظلم يقف عند حد؟. لا ... الفساد لا يقف عند حد، الظلم لا يقف عند حد إذا لم يوقفه المؤمنون بأيديهم، أو ننتظر الظالمين أو ننتظر الفاسقين هم من يوقفون الفساد والظلم، لا ...

إذاَ سيصل بالناس الحال إلى أن يروا أنفسهم أمام أحمال ثقيلة في ميدان العمل، ينطلق ليفجر نفسه فلا يرى أن هناك نكاية شديدة في العدو، أو أن يخرج من بيته وماله فتكون الأعمال مجهدة وتكون الانطلاقة لتبتعد عن مالك وعن عمارتك عن مزارع القات عن مزارع البن عن العمارة الجميلة فتغادرها وترى نفسك ملزما بأن تهاجر عنها وتتركها، أليس هذا حملا ثقيلا؟.

سيكون ثقيلا فعلا، ولكن سيكون حينها لا مناص منه، واحد من اثنين: إما أن يكون مسكنك أحب إليك من الله ورسوله وجهاد في سبيله، أو تنطلق لتجاهد في مرحلة ليس معك أحد ولا تستطيع أن تقوم بعملية مع مجموعة بسيطة من زملائك، بل لا تستطيع أن تُكَوِّنَ مع الآخرين جيشا ولا كتيبة واحدة.

ثم ما هو العمل الذي ينكي بالعدو؟ إن أردت أن تتكلم كمموا فمك وضربوك وداسوك، وتكون أنت من تتكلم وحدك ولا ينفع كلامك، ترى نفسك أنه لا مجال وليس هناك أي وسيلة أخيرة إلا أن تربط نفسك بالمتفجرات ثم تنفجر، تنفجر بكل ما تعنيه الكلمة غيضا وتنفجر ألما على ما ضيعت وتنفجر حيث ترى أنه لا وسيلة غير هذا الانفجار لتعمل ما يمكن أن يكون له أثر ولو بسيط في العدو، أنت تركت يوم كانت الكلمة الواحدة يمكن أن يكون لها أثر عمليات متعددة من هذا القبيل في مرحلة كتلك المرحلة المظلمة.

الكلمات في مراحل معينة هي من تفجر أوضاعا، هي من تهز عروش ظالمين، هي من تبني أمة، لكن ستجد نفسك – أنت المؤمن المقصر – في مرحلة لا تستطيع أن تقول كلمة فلا يكون أمامك إلا هذا العمل أن تفجر نفسك أو تترك بيتك ومالك وتغادرها إلى حيث يكون هناك أجواء بعيدة عن أجواء البلد الذي أنت فيه.

الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام

{رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} (286) سورة البقرة. أبعدنا يا إلهنا عن أن يكون في أعمالنا في تقصيرنا في تفريطنا ما يجعل النتيجة أن نتحمل أوصالا شديدة وثقيلة.

{ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} حتى فيما يتعلق بالابتلاءات، الابتلاءات نفسها التي قال الله عنها: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} كثير من الابتلاءات –في علم الله- قد يستطيع الناس أن يتفادوها فيما إذا انطلقوا بإخلاص وجد واستجابة لله ولرسوله في علم الله، حيث ينفع الدعاء، ألسنا نسمع أن رسول الله صلوات الله عليه وعلى وآله يقول: ((الدعاء يرد القضاء)). لكن الدعاء في مرحلة لا يستجاب لا يرد قضاء، وقد يكون القضاء من جانب الله بشكل ابتلاءات بشكل عقوبات، كثيرا كثيرا يتردد ويتكرر، متى ما صحح الناس أوضاعهم مع الله ورجعوا إلى الله وانطلقوا في الأعمال التي ترضيه كاملة حينها سينفع دعاؤهم، حينها سيكف الله سبحانه وتعالى كثيرا من العقوبات التي كانوا يستحقونها ويستحقها أمثالهم بسبب تقصيرهم.

{رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} (286) سورة البقرة. نحن مؤمنون بأن الله لا يحملنا في ميدان التشريع ما لا نطيقه، بل المجال أيضا مجال التشريع من جديد قد أقفل بموت رسول الله صلوات الله عليه وعلى وآله خاتم النبيين، هل هناك احتمال أن تضاف تشريعات قاسية؟. هل يحتمل أن يكون هناك توبة بالنسبة لنا تفرض من جانب رسول الله صلوات الله عليه وعلى وآله أن نقتل أنفسنا؟ ألم تكن توبة بني إسرائيل بعد أن عبدوا العجل أن يقتلوا أنفسهم؟. قتل أنفسهم في قضية عبادتهم العجل، كانت توبتهم أن يقتلوا أنفسهم فانطلقوا ولا خيار أمامهم إلا هذا أن يقتلوا أنفسهم، هذا من تحميل ما لا يطاق، لكن ليس كتشريع ضمن السنة التشريعية الإلهية إنما هذه الأحمال التي كان سببها من عندك أنت، فأنت الذي حملت نفسك.

{رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ} (286) سورة البقرة. المؤمنون حريصون جدا على نجاة أنفسهم. بعد أن قالوا: سمعنا وأطعنا هم يعلمون بأن كل نفس لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ، وكثير من الأعمال تنطلق من الإنسان حتى على سبيل الخطأ والنسيان، وكل عمل هم يرون أثره سيئا، فهم يحرصون جدا على أن يبحثوا عن نجاة أنفسهم من عقوبات أعمالهم التي يقترفونها سواء عمدا أو خطأ أو نسيانا فيدعون الله ويطلبونه بكل المجالات التي تحقق لهم النجاة {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ} (286) سورة البقرة. المهم أن تنجينا من عقوبات أعمال نقوم بها ونقترفها على أي سبيل كانت عمدا أو خطأ أو نسيانا، اغفرها سواء من باب عفوك أو من باب رحمتك أو من باب مغفرتك {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ} (286) سورة البقرة. ألم يطلبوا الله من كل المجالات ومن كل الأبواب أن يتجاوز عنهم؟ هذا ينبي عن شدة حرصهم على نجاة أنفسهم فهم يطلبون من الله من كل الأبواب عسى أن يحصل التجاوز من هنا أو من هنا أو من هنا.

{وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا} (286) سورة البقرة. أنت وحدك مولنا ولينا ولي أمرنا من له الأمر فينا من له الاختصاص تدبير أمرنا وشؤوننا ، أنت ملكنا أنت إلهنا أنت وحدك مولانا ، مولانا هنا بمعنى ولينا ولي أمورنا من إليه نرجع ، ومن به نرتجى ، ومن منه ننتصر ونطلب التأييد ، ومن بهديه نهتدي ، ومن له وحده نذعن ، ومن بحكمه وحده نرضي ، ومن له وحده نستجيب .

{ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (286) سورة البقرة. أليس أنت مولانا تنزل لنا المطر وتبارك لنا الأرزاق ، تعمل معنا هكذا أصبح واقعنا نريد من الله أن يعمل معنا يهيئ الأشياء التي نحن بحاجة إليها ولا نستجيب له ، ولا نؤمن به أيماناً فعلاً عمليا بأنه مولانا ، ولا ننطلق في ميادين المواجهة لأعدائه ، أما المؤمنون فهم قالوا هذه من واقع الشعور بالحاجة ، وهم لم يدعوا فقط لأن لأن ينطلقوا في ميادين المواجهة بل هم في ميادين المواجهة مع أعداء الله ، هم في مواجهة مع أعداء الله لهذا كان دعاءهم دعاء من يعمل ، دعاء من يعمل في ميادين المواجهة {أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (286) سورة البقرة. .

وهكذا المؤمنون يدعون الله سبحانه وتعالى وهم في ميادين العمل وليس في زوايا بيوتهم ولا في زوايا مساجدهم بعيدين عن واقع الحياة ، بعيدين عن الأعمال التي لا بد إن ينطلقوا فيها كما أمر الله سبحانه وتعالى .

المؤمنون يدعون الله دعاء من يؤمن بأنه هو وحده وليه {أَنتَ مَوْلاَنَا} (286) سورة البقرة. أنت مولانا ، وها نحن في ميدان المواجهة لأعدائك {فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، هكذا هو دعاء المؤمنين .

من هذه الآيات تعرفنا على ما يتعلق بالإيمان برسله والذي كان نريد أن يكون هو موضوع هذه الجلسة ولكنها طالت يمكن إنشاء الله أن نتعرض لها في الأسبوع المقبل في ما يتعلق بالمقارنة في واقعنا بين ما عرضه القران الكريم عن أنبياء بني إسرائيل وبين ما عرضه عن اليهود والنصارى من خبثهم ، وخبث نفسياتهم لأننا في واقع الحال بين هذين الخيارين : إما أن نقتبس من نفسيات أنبياء بني إسرائيل أنفسهم ، أو أن نقتبس من بني إسرائيل الحديثين الذين يسعون في الأرض فساداً فنرى في الأخير الروحية التي نحملها هل هي روحية موسى وعيسى وسليمان وداوود وإبراهيم وغيرهم من أنبياء بني إسرائيل ؟. أم أنها روحية المفسدين في الأرض ؟. على أساس أن نتلمس الفارق ، نضع أقدامنا على الطريق الصحيح لأنه ليس هناك – فيما أعتقد – واحد منا يرضى أن يصير على طريقة قارون أو شارون ، وأن يكون من يصنع ثقافته ونفسيته قارون أو شارون ، أو أن يكون ممن يصنع نفسيته موسى ، أليس كلنا نؤمن بموسى ؟. في حياة نبي الله موسى الكثير من العبر وترددت قصته كثيراً في القرآن الكريم ، وربما مما يمكن أن نفهمه من خلال الحديث الكثير عنها عن قصة موسى وفرعون ، أنها هي القضية التي ستبقى لنا علاقة بها مستمرة ليقال للمسلمين في ما بعد : أولئك الذين يدعون أنهم أتباع موسى وعيسى هم من يسعون الآن في الأرض فسادا وعلى امتداد تاريخكم أولئك أنبياؤهم فأنتم بين خيارين تعرفوا على أنبيائهم وتعرفوا عليهم ،على أولئك المفسدين في الأرض منهم ثم اختاروا أنتم ، ثم قيموا واقعكم أنتم ، ثم انظروا أنتم أيهما أكثر تأثيرا في نفسياتكم هل إبراهيم وموسى وعيسى الذين هم مسيرة واحد وروحية واحدة مع محمد صلوات الله عليه وعلى وآله ؟ أم أولئك الذين يسعون في الأرض فساداً ؟.

وفعلاً سنجد أننا نمشي وراء الذين يسعون في الأرض فساداً حكومات وشعوب وأننا نرمى بأولئك الأنبياء العظماء الذين من بني إسرائيل بدءاً بإبراهيم جد بني إسرائيل وجد الأنبياء من بني إسرائيل إلى أخر نبي من أنبيائهم .

إنشاء الله سنتعرض لهذا الموضوع في الأسبوع المقبل .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المؤمنين الواعين المستبصرين ، المستقيمين وأن نكون من أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....

...........................................................................................................................

الله أكبر/الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود/النصر للإسلام
------------------------------------------------
-

محاضرات من هدي القرآن الكريم
معنى التسبيح


ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ
9/2/2002م
(اليمن – صعدة )



هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.
وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
والله الموفق


بسم الله الرحمن الرحيم

معنى التسبيح لله



اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله.

قبل أن نبدأ بالدرس بعض الشباب قَدّّم سؤالاً حول معنى التسبيح في الصلاة (سبحان الله العظيم وبحمده... سبحان الله الأعلى وبحمده )

التسبيح في الصلاة جاء في القيام في الركعتين الآخرتين ، وفي الركوع وفي السجود .. ويدل ذلك على أهمية التسبيح ، وعلى حاجتنا نحن ، حاجتنا نحن البشر إلى تسبيح الله سبحانه وتعالى .

تسبيح الله معناه تنزيهه وتقديسه ، تنزيهه عما لا يليق به ، تنزيهه عن نسبة أي شيء لله يتنافى مع عدله وكماله المطلق ، سبحانه وتعالى ، يتنافى مع حكمته ، مع رحمته ، مع عظمته وجلاله .

التسبيح يمثل قاعدة مهمة ، ومقياساً مهماً جداً ، لذلك كان من المهم أن يتكرر في الصلاة التي تتكرر هي في اليوم خمس مرات ، وأمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بتسبيحه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا $ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} (41.42) سورة الأحزاب .{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} (17) سورة الروم.

ووردت أخبار في أذكار معينة :(سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) ، روي عن الإمام زيد عليه السلام عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه قال في هذه التسبيحة : ( أنه من سبحها مائة مرة في اليوم دفع الله عنه سبعين نوعاً من البلاء أدناها أو أهونها القتل ).

(سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ).

التسبيح – كما قلت سابقاً- يعتبر قاعدة مهمة جداً ، نكرر التسبيحة في صلاتنا وفي كل أوقاتنا حتى يترسخ معناها في أنفسنا ، فتكون نظرتنا إلى الله سبحانه وتعالى نظرة تقوم على أساس تنزيهه ، وتقديسه سبحانه وتعالى ، لأننا لما كانت ادراكاتنا محدودة فيما يمكن أن نتعقله من الأشياء . أيضاً تكون إمكانية التعقل لدينا محدودة أيضاً، وأفعال الله سبحانه وتعالى ، قد يكون شيء من أفعال الله في مخلوقاته لا نفهم نحن وجه الحكمة فيها ، لا ندرك نحن الغاية من فعلها ، أو من تشريعها ، أو من خلقها ، فإذا ما كنا نستشعر دائماً تنزيه الله سبحانه وتعالى في ذاته وفي أفعاله وفي تشريعاته ، فستكون هذه القاعدة هي التي ستحافظ على سلامة إيماننا بالله ، وحسن ظننا به ، واستمرار إيماننا بنزاهته ، وقدسيته سبحانه وتعالى .

وما أكثر ما نجهل من الأشياء في مخلوقات الله وفي تشريعاته ، ما أكثر ما نجهل وجه الحكمة فيها ، أو إدراك الغاية فيها ، ولكننا نقطع بأن الله سبحانه وتعالى ما دام وقد ثبت أن هذا فعله فهو الحكيم الذي لا يفعل إلا ما فيه حكمة ، ونقطع فيما ثبت لنا من تشريعه وهدايته مما لا ندرك وجه الحكمة فيه أن الله لا يشرع إلا تشريعاً فيه حكمة ، فليس هناك عبث في أفعاله ، وليس هناك تلاعب في أفعاله سبحانه وتعالى هو الحكيم .

التسبيح لله سبحانه وتعالى أيضاً أمام ما نسمع من هنا أو هنا من مقولات تُنْسَب إلى الله سبحانه وتعالى .. ونحن سنعتمد على هذه القاعدة ويتجلى لنا من خلالها بطلان ذلك القول أو تلك العقيدة ، لأنها تخالف ما يجب علينا أن نحكم به ونعتقده وننطق به من تنزيه الله . وقد جاء التسبيح كما كررنا ذلك في جلسات متعددة ، جاء التسبيح لله سبحانه وتعالى واسعاً جداً {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} (1) سورة الجمعة {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (1) سورة الحديد الملائكة كما حكى الله عنهم {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (20) سورة الأنبياء ، فهذا الاستنفار العام لكل المخلوقات أن تنطلق في تسبيح الله تعالى بلسان المقال ولسان الحال ، يدل على أهمية أن نتعقل التسبيح ، يدل على أهمية أن تملأ نفوسنا مشاعر التنزيه لله سبحانه وتعالى ، وأن من يغفل عن هذه القاعدة سيقع في الضلال ، تفسد عقائده ، يؤمن بالباطل ، فينسِِب إلى الله القبائح ، ينسب إليه الفواحش ، ينسب إليه الظلم ، أليس هذا ما حصل عند كثير من البشر ؟. يجعلون لله شركاء ، يجعلون لله أنداداً ، يجعلون معه آلهة ، هذا الذي حصل عند كثير من البشر ، وهو حاصل عند كثير من المسلمين .

هناك عقائد كثيرة منتشرة عند أغلب المسلمين تتنافى منافاة صريحة مع جلال الله ، وقدسيته ، وحكمته ، وعظمته ، فأولئك يسبحون الله بأفواههم .

ويرون كم عرض القرآن الكريم من آيات تؤكد أهمية التسبيح ، ولكنهم قد انعقدت قلوبهم على عقائد معينة استوحوها من أحاديث ، فلم يعودوا إلى القرآن بالشكل المطلوب ، ومن عاد إلى كتاب الله سبحانه وتعالى فلن تفسد عقيدته ولن يضل .

نحن نسبح الله في الصلاة أثناء القيام ، نسبحه أثناء الركوع ، نسبحه أثناء السجود ، يعني ذلك أنه يجب علينا أن نسبح الله سبحانه وتعالى في كل أحوالنا ، في كل الأحوال التي تمر بنا .

عندما يحصل لك مرض شديد ، عندما تحصل لك شدة من المصائب أو من الفقر أو من أي نكبة تحصل عليك ، أو أي مشكلة تقع فيها يضيق بها صدرك ، فبعض الناس يسيء الظن بالله ، وهذا حاصل في يوم الأحزاب عند بعض المسلمين {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } عندما حاصرهم المشركون فحصل لديهم رعب كما حكى الله عنهم في سورة الأحزاب {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (11) سورة الأحزاب . كما قال { وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (10) سورة الأحزاب بدأت الظنون السيئة .

عندما يدخل الناس في أعمال ونكون قد قرأنا قول الله تعالى { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } (40) سورة الحـج . فيحصل للناس شدائد إذا لم تكن أنت قد رسخت في قلبك عظمة الله سبحانه وتعالى وتنزيه الله أنه لا يمكن أن يخلف وعده فابحث عن الخلل من جانبك .

ربما نحن لم يتوفر لدينا ما يجعلنا جديرين بأن يكون الله معنا ، أو أن ينصرنا ، أو يؤيدنا ، أو تبحث عن وجه الحكمة إن كان باستطاعتك أن تفهم فربما أن تلك الشدائد تعتبر مقدمات فتح ، تعتبر مفيدة جداً ، في أثارها .

وقد حصل هذا في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية ، عندما اتجه المسلمون وكانوا يظنون بأنهم سيدخلون مكة ، ثم التقى بهم المشركون فقاطعوهم فاضطروا أن يتوقفوا في الحديبية ، ثم دخل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المصالحة معهم ، وكانت تبدوا في تلك المصالحة من بنودها شروط فيها قسوة ، وقد حصل في تلك المصالحة هدنة ، هدنة لعدة سنوات كأنها لعشرة سنوات تقريباً .

لا حظ ماذا حصل بعد ذلك الصلح الذي دُوَّن فيه بنود تبدوا قاسية ، وظهر فيه المسلمون وكأن نفوسهم قد انكسرت ، كانوا يظنون بأنهم يدخلون مكة ، ثم رأوا أنفسهم لم يتمكنوا من ذلك فرجعوا ، بعد هذه الهدنة توافدت الوفود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مختلف المناطق في الجزيرة العربية واليمن وغيرها ، وفود إلى المدينة ليسلموا ، فكان ذلك يعتبر فتحاً ، وكان فتحاً حقيقياً في ما هيئ من ظروف مناسبة ساعدت على أن يزداد عدد المسلمين ، وأن يتوافد الناس من هنا وهناك إلى المدينة المنورة إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ليدخلوا في الإسلام ، فما جاء عام الفتح في السنة الثامنة إلا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد استطاع أن يجند نحو اثني عشر ألفاً الذين دخلوا مكة .

إذا كان الإنسان ضعيف الإيمان ، ضعيف الثقة بالله ، ضعيف في إدراكه لتنزيه الله سبحانه وتعالى قد يهتز عند الشدائد ، إما أن يسيء الظن في موقفه ، فيقول : ربما موقفنا غير صحيح وإلا كنا سننتصر ، كنا سننجح ، تحصل ظروف ربما ربما .. الخ.

أن نسيء الظن بالله تعالى وكأنه تخلى عنا ، وكأنه ما علم أننا نعمل في سبيله ، وأننا نبذل أنفسنا وأموالنا في سبيله لماذا لم ينصرنا ؟.؟لماذا ؟.

الإنسان المؤمن يزداد إيماناً مع الشدائد {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173) سورة آل عمران .

لأن الحياة كل أحداثها دروس ، كل أحداثها آيات تزيدك إيماناً ، كما تزداد إيماناً بآيات القرآن الكريم {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} (2) سورة الأنفال كذلك المؤمن يزداد إيماناً من كل الأحداث في الحياة ، يزداد بصيرة ، كم هو الفارق بين من يسيئون الظن عندما تحصل أحداث ، وبين من يزدادون إيماناً ؟. وهي نفس الأحداث ، أليس الفارق كبيراً جداً ؟. لماذا هذا ساء ظنه ، وضعف إيمانه وتزلزل وتردد وشك وارتاب ، وهذا ازداد يقيناً وازداد بصيرة وازداد إيماناً ؟!.

هذا علاقته بالله قوية ، تصديقه بالله سبحانه وتعالى وثقته بالله قوية تنزيهه لله تنزيه مترسخ في أعماق نفسه يسيطر على كامل مشاعره فلا يمكن أن يسيء الظن بالله ، ومهما كانت الأحوال حتى ولو رأى نفسه في يوم من الأيام وقد جثم على صدره شمر بن ذي الجوشن ليحتز رأسه ، كالإمام الحسين صلوات الله عليه .

حادثة كربلاء ألم تكن حادثة مؤلمة جداً ؟. كانت كلمات الإمام الحسين عليه السلام فيها تدل على قوة إيمانه ، كمال وعيه ، كمال يقينه ، بصيرته ، فكان همه من وراء كل ذلك أن يكون لله فيه رضى ، مادام وفيه رضى لله فلا يهمني ما حصل ، وهذه هي نفسية المؤمن ، هو أن ينطلق في أعماله يريد من ورائها كلها رضاء الله ، رضاء الله هو الغاية .

وإن وضع له أهداف مرحلية وداخلية هي ليست كل شيء لديه ، ليست كل شيء لديه فإذا لم يتحقق ذلك شك وأرتاب ، أن يجندوا أنفسهم لمعركة ما مع أعداء الله ثم ينهزموا ، أو يروا أنفسهم مضطرين إلى أن يتصالحوا صلح مؤقت فيرجعون بنفوس مرتابة لماذا ؟. ألم نسمع أن الله تعالى قال : { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحـج لماذا ؟. المؤمن هدفه هو أن يحصل على رضا الله ، وإن يكسب رضا الله ، وأن يكون في أعماله ما يحقق رضا الله ، وأن النصر الذي يريده ، النصر الذي ينشده هو نصر القضية التي يتحرك من أجلها ، هي تلك القضية التي تتطلب منه أن يبذل نفسه وماله ، فإذا كان مطلوب منك أن تبذل نفسك ومالك فهل ذلك يعني بالنسبة لك نصراً مادياً شخصياً ، الذي يبذل ماله ونفسه فيقتل في سبيل الله ، هل حصل نصر مادي له شخصياً ؟. هو انتصر للقضية ، هو حصل على الغاية التي ينشدها ، حتى وإن كان صريعاً فوق الرًّمْضَاء ، ألم يصبح شهيداً؟. ، حظي بتلك الكرامة العظيمة التي وعد الله بها الشهداء ، دمه ودم أمثاله ، وروحه وروح أمثاله ، أليست هي الوسيلة المهمة لتحقيق النصر للقضية ؟.

المؤمن لا ينظر إلى نفسه ، النصر الشخصي ، المقصد الشخصي ، قضيته الخاصة ، خطته المعينة ، موقفه الخاص المسيرة هي المسيرة الطويلة ، العمل على إعلاء كلمة الله ، النصر لدين الله في هذه المرة أو في المرة الثانية أو في المرة الثالثة ، إن لم يكن على يديك أنت فقد يكون على يد آخرين ممن هيأتهم أنت ، وهكذا حتى تنتصر ، ولا بد أن يتحقق النصر .

وأنت منتصر أيضاً عندما تسقط شهيداً في سبيل الله ، أنت منتصر أيضاً ، أنت عملت ما عليك أن تعمله فبذلت نفسك ومالك في سبيل الله ، فإن يرى المسلمون أو يرى المؤمنون بعضهم صرعى في ميادين الجهاد كما حصل في يوم احد ، ألم يتألم رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله عندما رأى حمزة صريعاً ؟. وصرع كثير من المجاهدين ، ولكن هل توقف بعدها ؟. لم يتوقف أبداً ، وإن كانت تلك خسارة أن يفقد أشخاص مهمين كحمزة لكنه نصر للمسيرة نصراً لحركة الرسالة بكلها ، ولا بد في هذه المسيرة أن يسقط شهداء ، وإن كانوا على أرفع مستوى ، مثل هذا النوع كحمزة سيد الشهداء المهم أنَّا نريد أن أقول أنه في حالة الشدائد ، في حالة من الشدائد التي يضطرب فيها ضعفاء الإيمان يضطرب فيها من يفقدون نسبة كبيرة من استشعار تنزيه الله تعالى الذي يعني تنزيهه عن أن يخلف وعده وهو القائل { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحـج ..وفعلاً لو توفرت عوامل النصر لدى فئة تكون على المستوى المطلوب ، ويوفرون أيضاً من الأسباب المادية ما يمكن أن يوفروه لا شك أن هؤلاء سيحققون نصراً كبيراً .

ولا يعني النصر ألا يتعبوا ، ألا يستشهد منهم البعض أو الكثير ، ولا يعني النصر أن لا يحصل لهم من جانب العدو مضايقات كثيرة ، ولا يعني النصر هو أن لا يحصل منهم سجناء ، إنهم مجاهدون ، والمجاهد هو مستعد لماذا ؟. أن يتحمل كل الشدائد في سبيل الانتصار للقضية التي من أجلها أنطلق مجاهداً وهو دين الله .

عمار بن ياسر في أيام صفين كان يقول : والله لو بلغوا بنا سَعَفَات هَجَر – أو عبارة تشبه هذه وسعفات هجر قرى يشير إليها في البحرين – لعلمنا أننا على الحق وهم على الباطل . يقول : لو هزمنا معاوية وجيشه حتى يصلوا بنا البحرين لما أرتبنا أبداً في أنهم على باطل وأننا على حق .

إنسان واعي ، إنسان فاهم ، يعرف طبيعة الصراع ، يعرف ميادين الجهاد التي تتطلب من هذا النوع ، يحصل فيها حالات كر وفر ، يحصل حالات تداول في الأيام فيما بين الناس يحصل كذا يحصل كذا .

فهو لا ينطلق على أساس فهم قاصر للمسألة ، أن يفهم قول الله تعالى { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } (40) سورة الحـج إذاً سيتحرك وبالتالي فلن يلاقي أي صعوبة ، وأن معنى إمداد الله هو إمداد غيبي لا يلاقي أي عناء ، ليس هذا هو الفهم المطلوب ، وأنت واثق من المسيرة التي تسير عليها أنها مسيرة حق ، والمواقف التي تتحرك فيها أنها مواقف حق هذا شيء مهم ثم ثق وعندما تثق هل تثق بنصرك شخصياً ؟. يجب أن تلغى ، وإلا فسيكون من ينظرون إلى أنفسهم شخصياً كل تلك الوعود فهم من قد يضطربون عند أول شدة يواجهونها .

أنظر لماذا تتحرك ؟. هل أنت تتحرك في سبيل الله ؟. ألم تكن هذه العبارة هي التي تكررت في القرآن الكريم بعد كلمة { يجاهدون ، جاهدوا في سبيل الله في سبيل الله في الله } هذه هي الغاية هو الهدف الذي من أجله تتحرك أنا أتحرك في سبيل الله ، وأن التحرك في هذا الميدان هو يتطلب مني أن أصل إلى استعداد بأن أبذل نفسي ومالي .

أليس معنى ذلك إلغاء النظرة الشخصية والمكسب الشخصي ؟. أن أتحرك في هذا الميدان لأحقق النصر لدين الله والعمل لإعلاء كلمته وأن كان ذلك بماذا ؟. ببذل نفسي ومالي ، أليس معناها التلاشي ، التلاشي المادي بالنسبة لي ، وجودي جسدي وماديات أموالي ، أليس المعنى هكذا ؟. أذاً فليس هناك مجال للتفكير في النصر الشخصي .

كل شخص ينطلق على أساس أنه يريد أن يتحقق له النصر الشخصي . لا . ربما قد يكون مكتوباً لك أن تكون من الشهداء هذا هو النصر الشخصي النصر الشخصي بالنسبة لك حتى لو لم تكتمل المسيرة ، أوجَبُن الآخرون من ورائك ، أما أنت فقد حققت النصر ، قمت بالعمل الذي يراد منك أن تقوم به ، وبذلت كل ما بإمكانك أن تبذله ، فأنت قد نصرت القضية على أعلى مستوى ، وتحقق لك النصر ، أوليس نصراً عظيماً أن تكتب عند الله من الشهداء الذين قال عنهم {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}} (169-) سورة آل عمران. أليس هذا هو نصر ؟.

تنزيه الله سبحانه وتعالى الذي يعني تنزيهه في ذاته ، فلا يمكن أن نَصِفَه بما يستلزم منه أن يكون مشابهاً لمخلوقاته أبداً ، تنزيهه في أفعاله هو ، فلا يمكن أن نتهمه في فعل من أفعاله أنه صدر منه مخالفاً لمقتضى الحكمة ، مخالفاً لما يليق بجلاله وحكمته وعظمته ، تنزيهه في أن ننسب إليه – فيما يتعلق بوعوده – أنه يخلف الميعاد أنه لم يَفِ بعهده { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمِْ} (40) سورة البقرة.

تنزيهه في تشريعه أيضاً أن يشرع ما يتنافى مع كماله سبحانه وتعالى ، أن يشرع لنا ما يتنافى مع قدسيته ، مع عظمته ، مع جلاله مع حكمته مع عدله كل ما يتنافى مع ذلك لا يمكن أن يشرعه الله سبحانه وتعالى لعباده هو الذي لعن الظالمين ، هل يمكن أن يوجب عليَّ طاعتهم ؟. .لا.

فمن يأتي ليقول : إن الحاكم الفلاني هو خليفة المسلمين يجب طاعته لأنه أصبح ولي الأمر فتجب طاعته . فهو يحدثني بكلمة (تجب طاعته) يضفي على المسألة امتداداً تشريعياً أي أن الله أوجب عليَّ طاعة هذا أليس كذلك أي أن من شريعة الله من دين الله أن أطيع هذا .. هذا لا يمكن أبداً أن يكون من دين الله ، لا يمكن أبداً أن يكون مما يرضى به الله سبحانه وتعالى .

وهكذا ظهرت أشياء كثيرة جداً نسبت إلى دين الله سواء في مجال العقائد ، أو في المواقف ، أو في التشريعات الأخرى ، قد يلقاها أي إنسان طالب علم ، فإذا ما كان ينطلق من هذه القاعدة (تنزيه الله سبحانه وتعالى) فسيرى كم ستفيده هذه القاعدة ، وسيرى البصيرة العظيمة التي تتحقق له من وراء اعتماده على هذه القاعدة ، ماذا ؟. تنزيه الله سبحانه وتعالى .

الله يعلم أن كثيراً من عباده سينسبون إليه ما لا يليق به فأوضح لنا نحن خطورة المسألة على أنفسنا في نظرتنا إلى الله سبحانه وتعالى ، خطورة المسألة على أنفسنا فيما يتعلق بواقع الحياة ، فأبان لنا في القرآن الكريم الآيات التي تدل على ماذا ؟. على أن قضية تنزيهه قضيه مهمة استنفر لها كل مخلوقاته {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ } (1) سورة الجمعة . أليس هذا استنفار عام لكل المخلوقات ؟. طبعها بأن تسبحه ما كان منها بلسان المقال وما كان منها بلسان الحال ، فهو يشهد بأنه – فيما هو عليه – يشهد بنزاهة الله .

التنزيه لله سبحانه وتعالى ليس فقط مجرد حكم ببراءته من كذا، عندما نقول في صلاتنا أثناء الركوع (سبحان الله العظيم وبحمده) نقول (وبحمده) التنزيه الذي يجب أن ينطلق منا نحو الله سبحانه وتعالى ليس فقط مجرد التبرئة وإصدار حكم ببراءته من كذا بل التنزيه المتلبس بالثناء عليه.

وكمثال على ذا أنك تجد من الناس من إذا نسب إليه أنه عمل عملاً سيئاً ولكن لم تثبت إدانته فحكمنا ببراءته فقط ، قلنا : هو بريء . هل في هذا ثناء عليه ؟. لكن أن ينسب ذلك الفعل إلى شخص أنت تعرفه بالتقوى ، بالعبادة ، بالصلاة ، بزكاء نفسه ،بطهارة روحه ، وتعرفه عمره لم يحدث منه مثل هذا الشيء ، كيف ستقول أنت ؟. ستقول : هذا ما يمكن أن يحصل منه كذا أبدا وهو كذا وهو كذا ونحن نعرفه أنه كذا ، وهو من أولياء الله ، وهو .. وهو .. إلى آخره . ألسنا نقول هكذا؟. هذا هو التنزيه المتلبس بالثناء ، أي مترافق بالثناء ، والذي يقدم في صِيَغٍ متلبسة بالثناء تقول: أبداً ما يمكن أن يحصل منه هذا ، نحن نعرفه إنسان ولي من أولياء الله ، وإنسان متدين وعاقل و..و.. الخ.

ونعرف الفرق بين مجرد البراءة ومطلق البراءة، وبين التبرئة المتلبسة بالثناء ، أيهما أفضل ؟. التبرئة المتلبسة بالثناء فنحن نقول : (سبحان الله العظيم ) نسبحه ننزهه ، (وبحمده) بالثناء عليه ننزهه لأنه إنما يستحق الثناء من هو منزه .

{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (2) سورة الفاتحة . أليس هذه أول سورة الفاتحة ؟. بعد { بسم الله الرحمن الرحيم الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أول آية بعد البسملة تصدر بالثناء على الله {الحمد لله } أن يكون هو أهل للثناء عليه ، هو من يستحق الثناء عليه ، فأن يثني على نفسه ويثني عليه عباده يعني ذلك أنه منزه ، أنه الكامل الذي لا يليق به ، لا يليق بكماله ، لا يليق بجلاله أن يصدر منه هذا الشيء أو هذا الشيء ، أو أن يكون على هذا النحو في ذاته ، أو أن يصدر منه هذا الفعل السيئ ، هذا معنى ( سبحان الله العظيم وبحمده ....سبحان الله الأعلى وبحمده ) الحمد معناه الثناء على الله سبحانه وتعالى.

فأنت تنزه الله في كل حالاتك , وأنت تحمده في كل حالاتك ، تثني عليه في كل حالاتك في حالة القيام في حالة الركوع، في حالة السجود ، في ما قد توحي به هذه الحالات الثلاث داخل الصلاة من حالات في واقع حياتك تمر بها أنت ، أليس الإنسان يمر في حياته بأحوال يرى نفسه مرتاحاً ، بخير ، متوفر له حاجاته ، ليس عنده مشكلة ، قد تحصل عليه مواقف تؤلمه ، قد تحصل عليه مشكلة ، أم أن الإنسان يبقى منتصراً في حياته دائماً ؟. لا . بل يمر بمشاكل ، العرب كانوا يمثلون للمصائب الكبيرة بالدواهي ، أو بقاصمة الظهر ، أو تثقل الكاهل أو بعبارات من هذه .

هذه تسيء الإنسان وكأنه فيما إذا وقعت عليه مشكلة أو مصيبة أوعانا معاناة من مرض في بدنه أو مرض في أحد من أصدقائه ، أو أفراد أسرته - يتبادر إلى الذهن وكأنه شيء يثقل كاهل فيحنيه - أنت في كل الحالات كن مسبحاً لله ، كن واثقاً بالله ، وفي كل الحالات يكون همّك هو رضاء الله، متى ما عرفت أن المعاناة التي أنت فيها هي في سبيل ، المعاناة التي أنت فيها ليست خنوعاً لأعدائه ، ليست ذلاً تحت وطأة أعدائه تحمل واصبر وهذا هو المطلوب من المؤمن أن يَتَجَلّد ، أن يكون لديه حالة من الجلد والتجلد والتصبر ، وهذا النوع من المؤمنين هو الذي يستطيع أن يقف المواقف المهمة في سبيل إعلاء كلمة الله ، أما الذي يسقط من أول شدة يتعرض لها ، سواءً تحصل عليه شدائد في نفسه ، أو في غيره .

بعض الناس قد يرى نفسه متى ما توجه توجهاً إيمانياً ثم مرض أحد من أقاربه ، أو وقع عليه بَرَد في أمواله ، أو حصل أي شيء ، فلن يتجه في هذا الاتجاه فيحاول أن يتخذ قراراً آخر بأنه يترك ، يدعوا الله فلا يرى أنها استجيبت دعوته ...........

بسم الل
مدحي لكم يآل طه مذهبي** وبه افوز لدى الاله وافلح
واود من حبي لكم لو أن لي ** في كل جارحه لسان يمدح

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“