الشبه الوردية حول الزيدية ......... !!!

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

تعقيب

مشاركة بواسطة المتوكل »

سيدي وأخي العزيز / الكاظم
سلمت يداكم الكريمتان على ما تفضلتم بطرحه ، وبارك الله فيكم وأحسن إليكم وكتب الله أجركم .
أحييكم على جهدكم القيم ، وطرحكم المحكم ، وعلمكم الغزير ،، سلمتَ أيها النحرير .
وجزاكم الله كل خير .
صورة
صورة

زيد بن علي العراقي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 118
اشترك في: الاثنين ديسمبر 20, 2004 1:35 am
مكان: ستوكهولم

بارك الله بك اخي الكاظم

مشاركة بواسطة زيد بن علي العراقي »

أدعو الله ان يجعل ماكتبت في ميزان ألصالحات من أعمالكم أخي العزيز وأرجو منكم الإستمرار في هذا الاسلوب الذي يتميز بالوضوح والدقّة في الرد على خصوم وأعداء مذهب الحق، مذهب الآل عليهم السلام.
صورة

حسن زيد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 266
اشترك في: الأربعاء فبراير 11, 2004 7:57 pm
اتصال:

احسنت وبارك الله فيك

مشاركة بواسطة حسن زيد »

سيدي الجليل الكاظم
أجدت وأحسنت
وكنت أتمنى أن امتلك من الوقت مايساعد على التعقيب على جهدك العظيم
وعلى كل حال أود أن أثير في ذهنك أن الزيدية مجمعون على منهج وترتب على هذا أتفاقهم على الأصول المميزة لهم عن غيرهم من المسلمين
ومن يدعي إختلاف إمام عن إمام أو متابعة الزيدية للمعتزلة أو غيرهم أن يحدد فيما

أعني بأن الزيدية يلتقون مع الإمامية (الجعفرية والإسماعيلية في مسائل ويتميزون عنهم في أخرى ويلتقون مع المعتزلة في قضاياء ويختلفون عنهم في أخرى
وأتذكر هنا أن للمقبلي في مقدمة كتابة المسمى العلم الشامخ مايفيد أعتقاده أن المعتزلة أتباع للزيدية وليس العكس

وكذلك الأمر بالنسبة للفروع في العلاقة مع الأحناف
وفقك الله أخي الكريم وكل أخ يبذل أي جهد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن مع العسر يسرا،إن مع العسر يسرا

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الأخ الليث : حياكم الله سيدي ، وبرحابة صدر ، نقبل تأييداتكم واعتراضاتكم .

الأخ صقر اليمن : حياكم الله سيدي .

الاخ المتوكل : انتم السبّاقون ، ولكم التحية .

الأخ زيد بن علي العراقي : إن شاء الله ، لا فتور ، ويد الله مع الجماعة .

الأخ حسن زيد : نعم هو كما ذكرتم بالنسبة لالتقاء المذاهب الإسلامية فيبعض عقائدها ، مع بعضها البعض . ولكنّ البعض يزعمُ أنَّ جميع هذه المذاهب العدلية استقَت علومها من المعتزلة ، والمعتزلة مُبتدعَة ، فالكل مُبتدِع ، ولَم يبقَ إلاَّ هُم أهل السنة !! ، والله المستعان .

ملاحظة : ( أرجو ممّن له تعقيب على أي نقطة إفراد رابط خاص لمدارستها ، ولا يُناقشها هُنا )
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة الثالثة عشر :

أنَّ الزيدية لا تُؤمنُ بظهورِ إمامٍ مَهديّ في آخر الزّمان ، اسمهُ باسمِ الرّسول ، واسمُ أبيه باسمِ أبي الرسول (ص) ، وإنّما تنظرُ إلى أنّ كلّ إمامٍ هُو مَهديُّ زمانه ، وعلى هذا حَملوا خبرَ المهدي الذي تدوالتهُ الأمّة .

الرّد :

للتوسع في موضوع المهدوية راجع الرابط :

http://www.al-majalis.com/forum/viewtop ... df77861417

نقول : أنَّ خبرَ المهدي (ع) وظهورهُ آخر الزمان ، خبرٌ ثابتٌ عن أئمّة أهل البيت (ع) ، والزيدية بهِ مُؤمنون موقنون ، وإن كانَت تسعى فعلاً إلى أن يكونَ كلّ إمامٍ قائمٍ منهم مهديَّ زمانه ، ولا مُفارَقة ولا مُناقَضة ، إذ أنَّ الصفات والشروط التي تشترطُ الزيدية توفرّها في الإمام المُنتصِبَ للإمامَة ، هي أجلّ الصفات وأفضلها وأعظمها وأجلّها ، والتّي تجعلنا نُوقنَّ أنّ المهدي (ع) لو ظهرَ آخرّ الزّمان ما كانَ إلاَّ مُتحلّياً بها ، وقد أخبرَ الرّسول (ص) أنّهُ خليقٌ بها ، كيفَ لا وخُلُقه خُلُقُ رسول الله (ص) ، نعم ! فتوفّر هذه الصّفات في الإمام القائم في أيّ زَمان تجعلُ منه مَهديّ زمانهِ وأهل عصرِه ، حاملاً للأهداف التي يسعى لنشرها المهدي (ع) ، من إرساء العدل وإحياء الدّين ، وإطفاء نوائرِ الفتِن ، والعدل بين الرّعية ، والقِسَمة بالسويّة ، وإذلال والظّلَمة ، والإنتصار للمظلومين ، والإشباع للجائعين ، والتطبيق للحدود ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإرغام لمن عاندَ الله والرّسول ، ونشرَ الظّلمَ والفجور ، وسَعى لتفرقة الصّفوف ، وإطفاء نور علاّم الغيوب .

يقول الإمام القاسم الرّسي في صفة الإمام من أهل البيت (ع) :

(( وإنما صِفَةُ الإمام، الحَسَنُ في مَذهَبِه، الزَّاهِدُ فِي الدّنيا، العَالِم فِي نَفسِه، بِالمؤمنِينَ رَؤوفٌ رَحِيك ، يَأخذُ عَلى يَدِ الظَّالِم، وَينصُرُ المَظلوم ، وَيُفَرِّجُ عَن الضّعِيف، وَيَكُونُ لِليَتِيم كَالأبِ الرّحِيم، ولَلأرمَلَة كَالزّوج العَطُوف، يُعَادِي القَريب فِي ذَاتِ الله، ويُوالي البَعيد فِي ذَاتِ الله، لا يَبخَلُ بِشَيء مِمَّا عِندَه مِمَّا تَحتَاجُ إليهِ الأمّة، مَنَ أتَاهُ مِن مُسْتَرشِدٍ أرْشَدَه ، ومَن أتَاهُ مٌتَعَلّمِاً عَلَّمَه ، يَدعُو النَّاسَ مُجتَهِداً إلى طَاعَةِ الله، ويُبَصِّرَهُم عُيوبُ مَا فِيهِ غَيهم، ويُرَغِّبَهُم فِيمَا عِندَ الله، لا يَحتَجِبُ عَن مَن طَلَبَه، فَهُو مِن نَفسِه فِي تَعَبٍ مِن شِدَّة الاجتهَاد ، وَ النَّاسُ مِنهُ فِي أَدَبٍ، فَمَثلُه كَمَثَلِ المَاءِ الذي هُوَ حَياةُ كُلِّ شَيء، حَيَاتُهُ تَمضِي، وَعِلمُه يَبقَى، يُصَدِّقُ فِعْلُه قَولَه، يَغرِفُ مِنهُ الخاصُّ والعَام، لا يُنكِرُ فَضلَهُ مَن خَالَفَه، ولا يَجحَدُ عِلمَه مَن خَالَطَه، كِتابُ الله شَاهِدٌ لَه ومُصَدِّقٌ لَه، وفِعلُه مٌصَدِّقٌ لِدَعْواه )) اهـ ، من كتاب الرد على الرافضة من أهل الغلو .

ومن الطبيعي ألا يكونَ هُناكَ خلافٌ في أنّ مَهديّ آخر الزّمان ( محمد بن عبدالله ) (ع) بهذه الصّفات مُتحلٍّ .

[ روايات المهدي (ع) ، عند الشيعة الزيدية ]

أ‌- [ما أُثِرَ عن الرسول (ص) ]

1. عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفرٍ من أهل بيته فبكى، فقال بعضهم: ما أبكاك يا رسول الله؟ فقال : (( إنَّا على ذلك أهل بيتٍ اختار الله تعالى لنا الآخرة على الدنيا، إن أهل بيتي سيلقون بعدي أثرة، وبغضاً من الناس، وتشريداً في البلاد، ثم يفرج الله عنهم برجل منا. )) (1).

2. عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-: ((نَحْنُ سَبْعَةٌ بَنُو الْمُطَّلِبِ سَادَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَا، وَأَخِي عَلِيٌّ، وَعَمِّي حَمْزَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَالْمَهْدِي )) (2)

3. عَنْ فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: (( الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِك)) (3) .

4. عن عبدالله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : (( لا تَذهَبُ الدّنيا حَتّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِن أهْلِ بَيتِي ، يُواطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ، واسْمُ أبيهِ اسْمُ أبِي ، يَمْلأُ الأرضَ قِسْطَاً وعَدْلاً ، كَمَا مُلئَتْ جَوْارَاً وظُلمَاً )) (4).

5. عن أم سلمة قالت: قلتُ: يا رسول الله (ص) مِمَّن المَهْدِي؟ قالَ: (( مِنْ بَنِي هَاشِم، قُلتُ: مِنْ أيِّ وَلَدِ بَنِي هَاشِم؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ عَبْدِ المطَّلِب، قَالَت: قُلتُ: مِن أيّ وَلَدِ عَبدِ المُطَّلِب؟ قَالَ: مِن بَنِي فَاطِمَة)) (5)

6. عن ابن عبّاس قال : قالَ رسول الله (ص) : (( أوّلُ سبعةٍ يَدخلونَ الجنّة : أنَا ، وحَمزَة ، وجَعفَر ، وعَلي ، والحَسَن ، والحُسين ، والمهدي محمد بن عبدالله )) (6).

7. عن أبي أيوبٍ الأنصاري : أنَّ رسولَ الله (ص) مَرِضَ مَرضاً شديداً ، فاشتَدَّ عليهِ مَرَضُه ، فَدَخَلَت عليه ابنتهُ فاطمة تعودُه ، وقَد كانَ ناقِهَاً من مَرَضِه ، فلمَّا رأت ما برسولِ الله (ص) من الجَهْد خَنَقَتها العَبرةُ حتَّى جَرَتْ دَمعَتُهَا على خَدِّها ، فقال لها .... : ( يا فَاطِمَة ، إنَّا أهلَ بَيتٍ أعطَانَا اللهُ سبعَ خِصالٍ ، لَم يُعطِها أحداً مِنَ الأوّلين ، ولَنْ يُدرِكَها أحدٌ من الآخرين َ غيرَنا : نَبِيُّنَا أَفْضَلُ الأَنْبِيَاء وهُوَ أبُوك ، وَوَصِيّنَا خَيرُ الأوصِياء وهُوَ بَعلُك ، وشَهِيدُنَا خَيرُ الشّـهَدَاء وهُو حَمْزةٌ عَمُّك ، ومِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ خَضِيبانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الجنّةِ حَيثُ يَشَاء ، وَهُوَ جَعفَرٌ ابنُ عَمِّك، ومِنَّا سِبطَا هَذِهِ الأمَّةِ وهُمَا ابْنَاكِ الحسنِ والحُسين ، وَمِنّا والذَي نَفْسِي بِيدِه مَهْدِيُّ هَذِه الأمّة )) (7).

8. عن أبي الطّفيل ، عن عليّ (ع) ، أنَّ النبي (ص) قال : (( لَو لَم يَبقَ في الدّنيا إلاّ يومٌ واحِد ، لطوَّلَ الله ذلكَ اليَوم ، حتَّى يَبعثَ اللهُ رَجلاً مِن أهلِ بيتي يملاهَا عدلاً كما مُلِئَت جَوراً )) (8) .

9. عن عليٍّ (ع) ، قال : سَمعتُ النبي (ص) يقول : (( مَهَدِي أمُتِي مِن أهلِ بيتِي جوادٌ بالمالِ رحِيمٌ بِالمَساكِين )) (9) .

10. وبرواية القاسم بن إبراهيم ، قال رسول الله (ص) : ((المهدي اسمهُ باسمي، واسمُ أبيهِ باسمِ أبي، سَخِي على المال، شديدٌ على العمال، رحيمٌ بالمساكين )) (10).

11. وعن الأمير شرف الدين الحسين بن بدرالدين (ع) ، ينقل العلامة أحمد بن محمد الشرفي (ع) ، قول الرسول (ص) : (( يخرجُ المَهدِي فِي أُمّتِي يبعثهُ اللهُ غياثاً للنّاس ، تَنعُمُ الأمّة وتعيشُ الماشية ، وتُخرِجُ الأرضُ نباتَها ، ويُعطَى المالُ صحاحاً )) (11) .

12. وعن الإمام الحسين بن القاسم العياني (ع) ، ينقل العلامة أحمد بن محمد الشرفي (ع) ، قول الرسول (ص) : (( يظهرُ في آخر الزَّمان رجلٌ يُسمَّى أميرَ الغَضبِ لله ( وقيلَ أميرَ العُصَب ) ، لهُ أصحابٌ مَنحُوون مَطرودونَ عن أبواب السلاطين ، مُصونَ يجتمعونَ إليه مِن كلِّ أوبٍ كما يجتمعُ قزعُ الخريف ، يُمَلِّكهُ الله مشارقَ الأرضِ ومَغارِبها )) (12( .


ب‌- [ما أُثِرَ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ]

13- عن عليٍّ (ع) ، أنّه قال : (( المَهديُّ مِنّا أهلَ البَيت ، يًصلِحهُ اللهُ في ليلَة )) (13).

14- وعن الإمام أحمد بن سليمان (ع) ، ينقل العلامة مجدالدين بن محمد المؤيدي (ع) ، قول أمير المؤمنين (ع) : (( أولّنا مُحمَّدُ بن عبدالله ، وأوسَطُنَا مُحمَّدُ بن عبدالله ، وآخرُنا مُحمَّدُ بن عبدالله )) ، فالأوّلُ مُحمَّدُ بن عبدالله النبي (ص) ، والأوسَطُ مُحمَّدُ بن عبدالله النفس الزكية (ع) ، والآخرُ مُحمَّدُ بن عبدالله المهدي (14).

ج- [ما أُثِرَ عن زيد بن علي بن الحسين (ع) ]

15- عن أبي خالد، قال: سألنا زيد بن علي عليهما السلام عن المهدي أكائنٌ هو؟ فقال: نعَم، فقيل له: أمِنْ ولَدِ الحسنِ أم مِن ولَد الحُسين؟ فقال زيد عليه السلام: (( أما أنّهُ مِن ولَدِ فَاطمة صلوات الله عليها، وهو كائنٌ مِمَّن شَاءَ الله مِن وَلَدِ الحَسنِ ، أمْ مِن وَلَدِ الحُسَين صلوات الله عليهم )) (15) .

16- حدثنا سفيان ابن خالد الأعشى، قال: دخل نفر من أهل الكوفة على زيد بن علي حين قَدِمَ الكوفة، فقالوا: يا بن رسول الله، أأنت المهدي الذي بلغنا أنه يملؤها عدلاً؟ قال: لا، قالوا: فنخشى أن تكون علينا مفتاح بلاء، قال: ويحكم وما مفتاح بلاء؟ قالوا: تَهدِمُ دُورَنَا، وتَسبِى ذَرارِينا، ونُقَّتلُ تَحتَ كِل حَجَر، قال: (( ويحَكُم ! أمَا عَلِمتُم أنَُّه لَيسَ مِن قَرن تَمشُوا إلاَّ بَعثَ الله عز وجل مِنَّا رَجُلاً ، أو خَرَجَ مِنا رجُلٌ حُجةٌ عَلى ذلك القرن، عَلِمَهُ مَن عَلِم وجَهِلَه مَن جَهِل )) (16) .

17- حدثنا قاسم بن محمد بن عبدالله بن عقيل بن أبي طالب، قال: قال زيد بن علي: (( المهدي حقٌ، وهو كائن منَّا أهل البيت، ولَن تُدركُوه وذَلكَ يَكونُ عِندَ انقطاعٍ مِنَ الزمَن، فلا تنكلوا عَن الجِهَاد مَعَ الدَّاعِي منَّا إلى كِتَابِ الله وسُنّةِ رسَولِه القَائم بذلك المَوثوق به، إمِامٌ لَكُم وحُجَّةٌ عَليكُم فَاتبعوهُ تَهتَدوا )) (17) .

د- [ما أُثِرَ عن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ]

18- عن طاهر بن عبيدٍ، عن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (ع) ، أنهُ سُئِلَ، عَنْ أخِيهِ مُحَمَّد (ع) ، أهُوَ المَهْدِي الذِي يُذكَر ؟ ، فَقَالَ (ع) : (( المَهدِي عِدَةٌ مِنَ الله تعالى لِنَبيّهِ (ص) ، وَعَدَه أنْ يَجعَلَ مِن أهلِه مَهدِياً ، لَمْ يُسَمِّهِ بِعينِه ، ولَمْ يُوقِتْ زَمَانَه ، وقَدْ قَام أخِي للهِ بِفَريضَتِه عليه فِي الأمْرِ بالمَعروفِ والنهي عَن المنكر، فإنْ أرادَ الله تَعَالَى أن يَجعَلَهُ المهدِيَّ الذِي يُذكَر ، فَهُو فَضْلٌ مِن الله يَمُنُّ بِه على مَن يَشَاءُ مِن عَبادِه، وإلاَّ فَلَم يَترُك أخِي فَريضَة اللهِ عَليهِ ، لانتظَارِ مِيعَادٍ لَم يُؤمَر بِانتظارِه )) (18) .

قال الإمام عبدالله بن حمزة (ع) :

(( وقولُ الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع) : المَهدِي عِدَةٌ مِنَ الله وَعَدَها نبيّه، أنْ يَجعَلَ مِن ذُريّتهِ رَجلاً مَهدِياً ، لَمْ يُسَمِّهِ بِعينِه ، ولَمْ يُوقِتْ زَمَانَه ، ولا إشكَالَ فِيه، نَقول : إنّهُ لَمْ يُعَيّنهُ ، فَيَقُول : هُو مُحَمَّدٌ هَذَا ، ولا يَقَولُ : إنّهُ يَخْرُجُ لِسَنَةِ كَذَا، وكَذَا (*) )) .

قلتُ : والسؤالُ وُجّهَ للإمام النفس الرضية (ع) ، قبلَ أن يُقتَلَ أخوه النفس الزكية (ع) .

هـ- [ما أُثِرَ عن إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ]

19- وذلكَ أنهُ قالَ في رسالته الشهيرة لأهل المغرب ، مُتكلّماً عن المهدي العباسي : (( ثم مَلَكَ بَعدَهُ ابنهُ الضّال، فَانتَهَكَ الحُرمَات، واتّبعَ الشّهَوات، واتّخَذَ القَينَات، وحَكَمَ بِالهَوَى، واسْتَشَارَ الإمِاء، ولَعِبَت بِه الدّنيا، وزَعَمَ أنّهُ المَهْدِيُّ الذَي بَشَّرَت بِهِ الأنْبيَاء .. )) (19).

و- [ ما أُثِرَ عن القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ]

20- قالَ القاسم بن إبراهيم (ع) : (( ودلّ [ الرسول (ص) ] على المَهدِي باسْمِه ونَسَبِه وفِعلِه )) (20).

21- أنشأ الإمام القاسم (ع) مُتأملاً دولةَ المهدي (ع) :

عَسَى بالجنوبِ العارياتِ سَتكتَسي ***** وبِالمُسْتذلِّ المُستَظَامِ سينصرُ
عَسَى مشرب يَصفو فتروى ظمية ***** أطالَ صَداهَا المنهل المتكدرُ

إلى قوله :

عَسى الله لا تيأس مِنَ الله إنّهُ ****** يسيرٌ عليهِ ما يعزُّ ويكبرُ

إلى قوله :

عَسَى فرجٌ يأتي بهِ اللهُ عاجلاً ***** بدولَةِ مَهدِيٍّ يقومُ فيظهرُ (21)


ز- [ ما أُثِرَ عن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ]

22- قال يحيى بن الحسين (ع) ، بعد أن تشكَّى من الزمان ، وظهور علامات الفساد: (( فكأنّي بيعسوبِ الدّينِ قَدْ ضربَ بِدِينِهِ ، وَجَأَرَ إلى رَبّهِ ، فأجابَ اللهُ دَعوتَهُ ، ..، بِرَجُلٍّ مِن أهلِ بيتِ نبيِّهِ ، .. ، ويُحِييَ الله بِبَرَكَةِ الطّاهِرِ المهدِي دَعْوةَ الحَقّ، ويُعْلِنَ بِه كَلِمَةَ الصِّدق )) (22).

23- أنشأ الإمام الهادي (ع) يمتدحُ المهدي (ع) :

كَريمٌ هَاشميٌ فَاطِميٌّ جَامِعُ القلبِ ****** رؤوفٌ أحمديٌّ لا يَهابُ الموتَ في الحربِ
تَرَى أَعداؤهُ مِنهُ حذار الحتف في الكرب *** شُجاعٌ يُتلفُ الأرواحَ في الهَيجاءِ بالضَّربِ
رَحيمٌ بأخي التّقوى شَديدٌ بأخي الذّنب **** حَكيمٌ أوتيَ التّقوى وفَصلُ الحُكم والخطب

---------------- بِعَدْلِ القَائِمِ المَهْدِيِّ غَوثُ الشّرقِ والغَربِ ------------------- (23)



وبهذا فخبر ظهور المهدي آخر الزمان أمرٌ ثابتٌ جليٌّ عن أهل البيت (ع) من أتباع الفرقة الرضية المرضية الزيدية ، وصلى الله وسلم على محمد وآل الطيبين الطاهرين .

===========================

(1) رواه الإمام الناصر الأطروش في كتاب الإمامة ، عن أبيه علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن زين العابدين (ع) ، ، نقلهُ عنه الإمام عبدالله بن حمزة في العقد الثمين . ( مخطوطة ) .
(2) رواه الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري ، في الأمالي الإثنينة . وأورده الأمير الحسين بن بدر الدين في ينابيع النصيحة ص 420 ، وذكرهُ السيد مجدالدين المؤيدي في لوامع الأنوار 1/97 ، مع اختلاف يسير في اللفظ .
(3) رواه الإمام المرشد بالله ، في الأمالي الإثنينية .
(4) أورده الأمير الناصر للحق شرف الدين الحسين بن بدرالدين (ع) في كتابه ينابيع النصيحة ، ص 420 ، ونقلهُ عنه العلامة أحمد بن محمد الشرفي في عدة الأكياس شرح معاني الأساس 2/380
(5) رواه الإمام أبو طالب ، الباب الخامس .
(6) أورده الأمير الناصر للحق شرف الدين الحسين بن بدرالدين (ع) في كتابه ينابيع النصيحة ، ص 420 ، وذكرهُ الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي في لوامع الأنوار 1/97
(7) الكامل المنير المنسوب للإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، ص 71 ، وذكره الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي في لوامع الأنوار 1/94 ، مع اختلاف يسير في اللفظ .
(8) رواه حافظ العترة ومُحدّثها محمد بن سليمان الكوفي رحمه الله ، في كتابه مناقب الإمام علي بن أبي طالب 2/173 ، ح650.
(9) رواه الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، المناقب 2/160 ، ح 636 .
(10) كتاب تثبيت الإمامة ، للإمام القاسم بن إبراهيم الرسي .
(11) عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس ، 2/380
(12) عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس ، 2/381
(13) رواه الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، المناقب 2/112 ، ح 603 .
(14) لوامع الأنوار 1/92
(15) رواه علي بن الحسين الزيدي بسنده في كتابه المحيط بالإمامة ، وعنه نقلَ الإمام عبدالله بن حمزة في كتابه العقد الثمين (مخطوطة )
(16) رواه الإمام المرشدبالله يحيى بن الحسين الشجري ، نقلهُ عنه الإمام عبدالله بن حمزة في العقد الثمين .
(17) رواه المرشد بالله (ع) ، نقلهُ عنه الإمام عبدالله بن حمزة في العقد الثمين .
(18) رواه الإمام أبو طالب ، يحيى بن الحسين الهاروني في الأمالي ، الباب الثامن .
(*)العقد الثمين ( مخطوطة )
(19) روى هذه الرسالة أبو العباس الحسني بإسناده إلى إدريس بن عبدالله ، في كتابه المصابيح .
(20) تثبيت الإمامة ، للقاسم بن إبراهيم .
(21) لوامع الأنوار ، 1/99
(22) الأحكام في الحلال والحرام ، للإمام الهادي إلى الحق ، 2/468 وما بعدها .
(23) الأحكام ، 2/470
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الجمعة يونيو 09, 2006 1:59 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة الرابعة عشر :

أنَّ الزيدية ، تقول بإمامة المفضول ، مع وجود الأفضل ، فَتُصَحّحُ بذلكَ إمامة أبو بكر وعمر وعثمان ، مع اعتقادِ أنَّ عليّ بن أبي طالب (ع) هُو الأفضل ، وهُم المفضولين .

الرد :

أقول : أنَّ هذه مقالة السليمانية من الزيدية أتباعُ سليمان جرير رحمة الله عليه ، حكاها عنهم الإمام أحمد بن يحيى في مقدمة البحر الزخار ، ويحيى بن الحسين في المستطاب ، والشهرستاني في الملل والنحل ، وتعميمها على أئمة أهل البيت (ع) من الزيدية باطلٌ قطعاً . وكيفَ لا يكونُ هذا باطلاً والزّيدية غيرُ راضية عن فعل المشائخ في التّقدم على أمير المؤمنين ، كيف لا وأميرُ المؤمنين نفسُه لَم يَرَ صحّة بيعة أهل السقيفة لأبي بكر الصديق ، كيفَ لا وهُو ماكثٌ في بيتهِ ستّةَ أشهرٍ مُغاضبٌ لأبي بكرٍ ، غيرُ راضٍ عَن فعلته واستئثارهِ ، وتَقدّمه ، فإن كانَ أميرُ المؤمنين (ع) لَم يُصحِّح إمامة أبي بكرٍ ولَم يَر شرعيّتها ، أفيُصحّحَها أبناءهُ مِن بعدِه ، وهُم المُقتدونَ بسيرته ، والمُنتهجونَ بنهجه ، نعني أبناء الحسن والحسين ، سادات الأمرِ بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، انظُر أمير المؤمنين عبدالله بن حمزة بن سليمان (ع) ، يصفُ اقتفاء الأبناء بالآباء ، فيقول : (( لنا أئمةٌ نَرجِعُ إليهِم فِي أمُورِ دِينِنَا، ونُقْدِم حَيثُ أقْدَمُوا، ونُحجِمُ حَيثُ أحجَمُوا، وهُم: عَلِيُّ وَوَلَدَاه عَليهِم أفْضَلُ السّلام )) ، وقَد صحّ الاقتداء بأمير المؤمنين (ع) في هذا ، وذلكَ عندما قال في الخبر الذي روته أمّ المؤمنين عائشة ، فيما رواه البخاري في الصحيح ، لأبي بكرٍ عندما دعاهُ في منزله : (( إنَّنَا لَمْ ‏ ‏نَنْفَسْ ‏عَلَيكَ خَيراً سَاقَهُ الله إليك، ولِكِنّا نَرى لَنَا فِي هَذَا الأمْرِ نَصِيباً، فَاسْتَبدَدْتَ!! بِهِ عَلَينَا، فَوَجدنَا!! فِي أنْفُسِنَا )) (1) ، فلَو كانَ (ع) يرى شرعية خلافَة المفضولِ دونَ الفاضل لما كانَ هذا الكلامُ منه إلاَّّ عبثاً ، أعني نعتهُ أبو بكر بالاستبداد والاستئثار ، ولَمَا كانَ لتأخّرِه ستّة أشهرٍ عن المصالحَة والمُسالَمة أيّ معنىً ، ولمَا كانَ لشقشقيته التي هَدَرَت أيضاً أيُّ معنىً ، لأنَّ البعض يتوهّم أنَّ مُسالَمة الكرّار لأبي بكرٍ الصدّيق كانَت مُسالَمةَ رضاً بخلافته، والحقّ أنّها ما كانت إلاّ من باب (( لأسُالمنّ ما سَلِمَت أمورُ المُسلمين )) ، والبعدُ عن شقّ الصفوف ، وتهالُكِ دولَة الإسلام، وتحقيق مصلحةِ الجماعةَ على الفرد ، إذ لو كانَ موقفهُ الرّضا والتصحيح لخلافة الأول ما تشكّى منه بَعدَ أن ماتَ وماتَ معه عُمَرٌ وعُثمان ، عندما قالَ (ع) : (( أَمَا وَالله لَقَدْ تَقَمَّصَها فُلانٌ، وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّيَ مِنهَا مَحَلُّ القُطْبِ مِنَ الرَّحَا )) ، ثمّ يُوضّحُ (ع) سببَ المُصالحَة والمُسالَمة ، ويُبيّن أنَّ ما حَمَلهُ عَليها إلاَّ الصبرُ لا الرّضا ، فيقول : (( فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى ، فَصَبَرتُ وَفي الْعَيْنِ قَذًى!!، وَفي الحَلْقِ شَجاً!! ، أَرَى تُرَاثي نَهْباً، حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ )) (2) ، فيا باغي الجواب على هاكَ السّؤال ، تأمّل مواقف المُرتضى بعين البصيرةِ لا البَصرَ ، فَكم مِن بَصَرٍ لا يُبصِرُ إلاَّ أقوالَ الرّجال والتعنّتُ لتصحيحها وتقويتها ، فأطِلقْ بصرَك بعدَ الذي ذَكرنا مِن موقفِ أمير المؤمنين وموقفهُ الأصل والفَصل في هذا اللجاج ، أطلقهُ وانظُر مقالَة ريحانة الرّسول وبِكرُ أبيه وفلذَةُ كَبِدِ الزّهراء عندما قالَ في إحدى رسائلهِ إلى أهل البصرة : (( إنَّ اللهَ بَعَثَ مُحمّداً وكَانَ النّاسُ عَلى ضَلالَة، فَهَدى بِه الخلق، ثمّ قَبضَهُ وَنَحنُ أحَقُّ النَاسِ بِمَكَانِه !! ، غَيرَ أنَّ أقوامَاً تَقدّمُونَا واجتَهَدُوا فِي طَلَبِ الحقّ، فَكَفَفنَا عَنهُم تَحرّياً لإطفَاء نَارِ الفِتنَة، حَتّى جَاء قَومٌ غيّروا وبَدّلُوا فَحَاربنَاهُم )) (3) ، انظُر أبي محمدٍ الحسنَ (ع) يصِفُ القومَ بأخذٍ أمرٍ كانَ أهلُ البيت أحقّ بهِم منهُم ، وهذا نوعٌ مِن التّشكي من هذا الفِعل ، نوعٌ مِن عدَم الرّضا به ، نوعٌ مِن عدَم رؤية صحّة خلافتهم دونَ الفاضل علي بن أبي طالب (ع)، ويؤكّد هذا من أبي مُحمّدٍ (ع) هُو تعليلهُ الكفَّ عن المشائخ وعدمِ مقاومتهم وهُوَ التّحري لإطفاء نائرَة الفتنة ، والصبرُ مادام في السّلو بُعدٌّ عن تعريض الإسلام للخطر ، فهذا قولٌ صُراحٌ بِعدَم الرّضا عن أصلِ خلافة المشائخ . أيضاً يقولُ الإمام أبي محمد الحسن بن علي (ع) في إحدى رسائله إلى معاوية الطليق : (( وَقَدْ تَعَجّبنَا لِتَوثّبِ المُتَوثّبينَ عَلينَا فِي حَقّنِا وُسُلطَانِ نَبيّنَا صَلى الله عليه وآله ، وإنْ كَانُوا ذَوي فَضِيلةٍ وسَابِقَةٍ فِي الإسلام، فَأمْسَكنَا عَن مُنَازَعَتِهِم مَخَافَةً عَلى الدّين ، أنْ يَجِدَ المُنافِقُونَ والأحْزاب بِذلِكَ مَغمَزاً يَثلِمُونَهُ بِه، أو يَكونَ لَهُم بِذلكَ سَبَبٌ لِمَا أرَادُوا بِه مِن فَسَادِه )) (4) ، أيضاً انظُر سيد شباب أهل الجنة (ع) يتشكّى ممّا كانَ فَعلهُ المشائخ ، ووصفهُ بالتوّثب كما وصفهُ أبوهُ قبلَهُ بالاستبداد ، وفي هذا دليلٌ على عدم الرّضا بالخلافة حتّى بعدَ المُسالمَة بينَ عليٍّ وأبو بكر الصديق ، ثمَّ انظر التعلّل الذي تعلّلَ به الحسن عن عدمِ المُنازعَة للمشائخ ، مِن حفظِ بيضة الإسلام والمُسلمين ، وعدم فتحِ الأبواب للمنافقين والمرتدّين ، وفي هذا جوابٌ على مَن قالَ ألا يستطيعُ عليٌّ أخذَ حقّه وهُو ليثُ الكتائب ومُزلزلُ الصناديد ؟ . نعم! وبعدَ الإمام الحسن يأتي أبو الحسين الإمام الشهيد السعيد زيد بن علي (ع) فيقولُ فيما روته عنه العامّة ، كما قالَ آباؤهُ الطّاهرين ، وذلكَ في خبرِ الرّافضة قبّحَهُم الله عندمَا بَلَغَهُم شدّة هشام بن عبدالملك أخزاهُ الله في تتبّع المبايعينَ له ، فأرادو التملّص من البيعة ، فقَدموُا إليه : (( فَقَالُوا لَه : مَا قَولُكَ يَرحَمُكَ الله فِي أبى بَكرٍ وعُمَرْ؟ فَقَالَ : غَفَرَ الله لَهُمَا ، مَا سَمِعتُ أحَداً مِن أهلِ بَيتِي تَبرّأً مِنهُمَا ، وأنا لا أقُولُ فِيهِمَا إلاَّ خَيراً ، قَالوا : فِلِمَ تَطلبُ إذاً بِدَمِ أهلِ البيت ؟ فَقال : إنّا كُنّا أحَقُّ النّاسِ بِهَذَا الأمْر ولِكِنَّ القَومَ اسْتأثَرُوا عَلينَا بِه ، ودَفَعُونَا عَنه ، ولَم يَبلُغ ذَلِكَ عِندنَا بِهِم كُفراً !!، قَد وَلُو فَعَدَلُوا وعَمِلُوا بِالكِتَابِ والسنّة )) (5) ، انظر حليف الاستقامَة والقرآن ، يقولُ بقول آبائه الكرام ، يصفُ أحقيّة الفاضل على المفضول ، أحقيّة أمير المؤمنين على أبي بكرٍ وعُمَر ، ثم يُبيّن عدمَ رضاهُ بإمامة المفضول بقولهِ لَم يَبلغ بهِم كُفراً ، إذ لوكانَ يرى صحّة فِعلِهِما وخلافتهِمَا ما قارنَ ذلكَ بالكُفر أعاذهما الله منه، فهذا الأصل في المسألة ، أعني أصلَ مسألة الخلافة وعدم شرعيتها وعدم وقوعها بالقولِ الذي يَرضَى به أهل البيت (ع)، لأنّ المفضول تقدّم على الفاضل ، فافهم ذلك ، ولا تَخلِط بين عدمّ الرضا على أصلِ المسألة وبين الرّضا على ما جاءَ بعدها أو قبلَها ، أي لا تَخلِط بين عدمّ الرضا بشرعيّة وصحّة خلافة الثلاثة حالّ تقلّدهم الخلافة ، و بين الرّضا بأفعالِهم وسيرتِهم في النّاس بعدَ تقلّدهم الخلافَة ، وبينَ الرّضا بحميدِ أفعالهم بين يدي رسول الله (ص) قبل الخلافة ، وهذا أصلٌ عظيمٌ في المسألة يختلط على الكثير ، ولا يهتدي إليه إلاَّ حاذقٌ بصير ، نعم! قد ذكرنا حالَ أمير المؤمنين (ع) وموقفهُ من أصل الخلافة – حال التقلّد- ومدى بُغضه وعدمِ رضاهُ لهذا الفعل . وأمّا موقفهُ من سيرتِهم أثناء وبعد الخلافة فيُبينهُ زيد بن علي (ع) في كلامه السابق عندما قالَ : ((قَد وَلُو فَعَدَلُوا وعَمِلُوا بِالكِتَابِ والسنّة )) ، وقولُ عليٍّ (ع) مُشيداً بسيرة عُمر بن الخطاب غفر الله له : (( لِلَّهِ بِلَاءُ فُلاَنٍ ، فَلَقَدْ قَوَّمَ الْأَوَدَ، وَدَاوَى الْعَمَدَ ، وَأَقَامَ السُّنَّةَ )) (6) ، ومنها إشادَته بسيرة أبي بكرٍ وعُمرَ ، في بعضِ كلامه المُوجّهِ لعثمان بن عفّان ، فقال (ع) : (( مَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَلا ابْنُ الْخَطَّابِ بِأَوْلَى بِعَمَلِ الْحَقِّ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَقْرَبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَشِيجَةَ رَحِمٍ مِنْهُمَا )) (7) ، فهذا كما تَرى رضاً منه (ع) بسيرتهما في النّاس ، واجتهادهما في عَمل الصّواب ، وليسَ في هذا الرّضا دلالةٌ على الرّضا بأصل خلافتهما لِمَا تقدّم ، وليسَ في هذا الرّضا أيضاً دلالةٌ على إصابة الشيخين في العَمل بالكتاب والسنّة الإصابَة المُطلَقة ، وإن كانوا مُجتهدين على تطبيقها ، إذ لو كانَ ذلكَ كذلك ما وَسِعَ عُمرٌ غفر الله له أن يقول : (( لولا عليٌّ لهلَك عُمَر )) ، وما كانَ لعليٍّ (ع) أن يَرفضُ الالتزام بسيرة الشيخين يومَ الشّورى . وأمّا موقفهُ (ع) من المشائخ قبل الخلافة وفي عهد الرسول (ص) ، فهوُ الرّضا ، لِمَا كانَ لهُم من الحِرصِ والجَلَدِ في نصرة الله والرسول (ص) ، بالمال ، والعتاد ، والأنفس ، وإلى ذلكِ يُشيرُ الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة ، عندما قال : وأمّا (( مَدائِحُهُ لأبي بكرٍ تَنقَسِم : فَما كانَ مِنها قبلَ الإحداثْ فغيرُ ممتَنِع )) (8) ، ومِن هُنا انتهجَت الزيدية مَنهجَ التوقف في حالَ الثلاثة ، فلعظيم السابقة في الإسلام توقّفوا عن السّب ، ولعظيم ما ارتكبوه في حقَّ عليٍّ (ع) من الاسئثارِ بأمرِ الخلافة توقّفوا عن الترضية ، فكانَ هذا موقفاً وسطاً ، لا إفراطٌ فيه ولا تفريط ، نعم! نعودُ لذِكرِ إجماعات أهل البيت على موقفِ أميرُ المؤمنين (ع) من خلافة المُتقدّمين عليه ، وبيانُ عَدمُ رِضاهُم ، وكُنّا قد ذَكَرنَا موقف أمير المؤمنين، والحسن ، وزيد بن علي ، وهُنا نذكرُ موقفَ باقرُ عِلم الأنبياء (ع) محمد بن علي زين العابدين (ع) ، وذلكَ أنَّ الكميت بن زيد شاعرُ بني فاطمة الأطهار ، أنشأَ بينَ يديه ، قائلاً :

ويومَ الدّوحِ دوحُ غدير خُمٍّ ***** أبانَ لَهُ الولايَةَ لو أُطِيعَا
ولكنَّ الرجَالَ تَبايَعُوهَا ******** فَلَم أرَ مِثلَهَا خَطَراً مَبيعَا
ولَمْ أبْلُغ بِهُم لَعنَاً ولكِن ****** أسَاءَ بِذاكَ أوّلُهُم صَنيعا


فقرَّرهُ الباقر (ع) بالسكوت ، وفي هذا ما يُستدَلّ به على عدم إيمانه (ع) بصحّة بيعة وخلافة أبو بكر الصدّيق ، وأنّهُ يُعدّها من أخطَر البيعات ، كما جَعلها عُمَر بن الخطاب من الفلتات ، ومعَ ذلك لا يرى الباقر (ع) أنّ فعلهُ هذا دليلٌ على الكفر ، أو أنّهُ يستحقّ عليه اللعن ، وهذا الشعر عن الكُميت بن زيد رحمه الله ثابت . وما زال عُلماء آل رسول الله على هذا القول ، جيلٌ بعدَ جيل ، فيقولُ فخرُ وفقيهُ آل الرّسول ، الحسن بن يحيى بن الحسين زيد بن علي زين العابدين (ع) : (( أجْمعَ عُلمَاء آل رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ عَليَّ بْنَ أبِي طَالب كَانَ أفْضَلَ النّاس بَعَدَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وأوْلاهُم بِمَقَامِه، ثمّ مِن بَعدِ أمِيرِ المؤمنين الحَسن، والحسين أوَلى النّاسِ بِمَقَامِ أمِيرِ المؤمنين )) (9) ، انظر حكايَة الإجماع ، ثمّ انظُر التصريحَ بأحقيته بمقام الرسول (ص) ، وفي زماننا هذا يقولُ عُلماء آل الرّسول بمقالة سابقيهم ومُتقدمّيهم ، ويُجمعونَ على ما أجمعُوا عليه ، وكيفَ للولِدَ مُخالفَة الوالِد ، فيقول الإمام الحجةّ مجدالدين بن محمد المؤيدي الرسي الحسني ، مُستنكِراً على مَن قالَ بصحّة بيعة أبو بكر الصّديق : (( وكيفَ تصحُّ البيعةُ وقَد أجمعَ أهلُ بيتِ النبوّة ، أوّلُهُم وآخرُهُم ، وسابِقُهُم ولاحِقُهُم ، على عَدَمِ صِحّتِها ، وإنّما اختلفوا في التأويل للمشائخ الثلاثة ، أمَّا أنّها صحَّت البيعَة وتمّت الإمامة ، فَلَم يَقُل بذلك أحدٌ منهم )) (10) ، يريدُ (ع) بذلك أنَّ الاختلاف وقعَ بين أهل البيت (ع) في التوقّف أو الترضية عن المشائخ ، وأمّا الحُكم بصحّة بيعتهم وإمامتهِم فما مِن قائلٍ بذلك ، ولعلّنا نعودُ ونُشير على العاقل ، ألاّ يخلطَ فيجعلَ مِن مَدحِ أمير المؤمنين للثلاثة كما تقدّم بيانهُ ، ألاّ يجعلَ هذا مُستنداً على الرّضا منه (ع) بالطريقة التي تمّت لهُم بها عقدُ الخلافة . و يُساندُ ما سبقَ من إجماع أهل البيت على عدم القول بإمامة وتفضيل أبو بكرٍ على عليٍّ (ع) ، من غير طريق الزّيدية ، ما رُويَ أنَّ إبراهيم بن عبدالله الحجبي قالَ للإمام الشافعي رحمه الله : (( ما رأيتُ هاشمياً قَد قَدَّمَ أبا بكرٍ وعُمَرَ على عليٍّ رضي الله عنه غيرك ! )) (11) ، والأقوالُ في هذا كثيرة . نعم! نعودُ لذكر رأي أهل البيت (ع) في إمامة المفضول بوجود الفاضل وبطلانً ذلك القول ، فنقول : قال الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب في كتابه الدعامة : (( ولا يجوزُ العدولُ عَن الأفضل فيها – الفضائل والصفات - أو مَن هُو كالأفضل ، بالإمامَة إلى مَن هُو دونهُ على وجهٍ مِنَ الوجوه )) (12) ، ويقول الإمام نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) : (( أمَّا الإمَامَان ، فَلا يَخلُوانِ مِن أنْ يَكونَ أحَدُهُمَا أفْضلُ مِنَ الآخَر، فَيكُونُ المَفضُولُ بِفَضْلِ الآخَرِ عَليهِ قَد زَالَت إمِامَتُه، ويَلزَمُهُ تَقدِيمُ الفَاضِلِ فِي الدّينِ والعِلمِ وطَاعَته، وذَلِكَ أنَّ الله يَقولُ فِي كِتَابِه: ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾ )) (13) ، وإلى هذا أيضاً ذهبَ الشافعي من الفقهاء فيما ذكرهُ عنه أبو عاصم العبادي (14) ، وإلى ذلكَ أيضاً يُشير أحمد بن عبدالله الطبري في كتابه الرياض النضرة في فضائل العشرة (15) . وبهذا يزول الإشكال ، في بطلان جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل ، ويُعضّدهُ كلام وإقرار سادات أهل البيت السابقة الذكر ، والدّالة على عدم الرضا بإمامة المفضول على الفاضل.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله الغر الميامين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين ، والتابعين لهم بخير وإحسان إلى يوم الدين .

=======

(1) رواه البخاري 4/1549 ح 3998 ، من كتاب المغازي ، ورواه مسلم 3/1380 ح 1759 من كتاب الجهاد والسير .
(2) نهج البلاغة ، خطبة 3
(3) الصحابة عند الزيدية ، ص 57 ، وهُو عن منهاج القرشي - مخطوط, و مآثر الأبرار 1/232
(4) الصحابة عند الزيدية ، ص 58 ، الحدائق الوردية 1/169. مقاتل الطالبيين 56.
(5) البداية والنهاية لابن كثير ، 9/330 ، تاريخ الطبري 4/204
(6) نهج البلاغة ، خطبة 228
(7) نهج البلاغة ، خطبة 164
(8) الشافي 2/194
(9) هذا الخبر مسند أهل الكوفة الحافظ أبو عبدالله محمد بن علي البطحاني الحسني العلوي (ع) ، في كتابه الجامع الكافي 6/178 ، وعنهُ نقل العلامة محمد بن حسين الحوثي ، في مُختصرِه المختار من الأحاديث والآثار من كتب الأئمة الأطهار وشيعتهم الأبرار ص723 ، وعنهُ نقلنا.
(10) مجمع الفوائد ، ص 393
(11) الإمام الشافي فقيه السنة الأكبر لعبدالغني الدقر، ص 264 ، وهُوَ عن طبقات السبكي 1/194
(12) الدعامة ، ليحيى بن الحسين الهاروني ص 102 ، وانظر ص 105 ، وهو الكتاب المطبوع تحت عنوان الزيدية والمنسوب للصاحب بن عباد رحمه الله ، وهو غلط .
(13) انظر مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي ، مسائل القاسم (ع) .
(14) طبقات الشافعية الكبرى ، 2/121
(15) الرياض النضرة ، 2/173
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

حيدرة الحسني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 144
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 03, 2003 4:49 pm

مشاركة بواسطة حيدرة الحسني »

مشاركتكم مفيدة دائما يا سيدي الفاضل

شكرا
قال عبد اللّه بن بابك: خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل قال: يا بابكي ما ترى هذه الثريا؟ أترى أنّ أحداً ينالها؟ قلت: لا، قال: واللّه لوددت أنّ يدي ملصقة بها فأقع إلى الاَرض، أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة وأن اللّه أصلح بين أُمّة محمّد (ص)

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

تعقيب

مشاركة بواسطة المتوكل »

سلمت يداكم سيدي وأخي العزيز / الكاظم

ولي مداخله بخصوص ما تفضلتم به في الشبه الرابعة عشر :-

إن القول بــ ( جواز إمامة المفضول ، مع وجود الأفضل ) ، ليس من أصول ولا قواعد المذهب الزيدي .
وإذا قلنا بأن ذلك هو مجرد إجتهاد من سليمان بن جرير ، فإن قواعد الإجتهاد تقول : ( لا إجتهاد مع نص ) .
مادام هناك العديد من النصوص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، فلا يلتفت إلى ذلك الإجتهاد .

ولكن هل لنا بقبول ذلك الإجتهاد في حالة عدم وجود نص على إمام ؟؟؟
بمعنى :-
هل نستطيع القول بجواز إمامة المفضول ( عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ) مع وجود الأفضل ( الإمام زين العابدين عليه السلام ) ، مادام ليس هناك نص من بعد الحسنين عليهما السلام ؟؟

أفيدوني برأيكم في ذلك سيدي الكاظم .

ولكم مني السلام .
صورة
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الأخ الكريم الحسن المتوكل ..... بعد التحية
إن القول بــ ( جواز إمامة المفضول ، مع وجود الأفضل ) ، ليس من أصول ولا قواعد المذهب الزيدي .
وإذا قلنا بأن ذلك هو مجرد إجتهاد من سليمان بن جرير ، فإن قواعد الإجتهاد تقول : ( لا إجتهاد مع نص ) .
مادام هناك العديد من النصوص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، فلا يلتفت إلى ذلك الإجتهاد .
أبا القاسم ، المسألة من ابن جرير رحمه الله ( إن ثَبَتت عنهُ ) ، أعني كونه يذهب إلى : (( أن الإمامة شورى تصح بالعقد والاختيار كقول المعتزلة وأهل السنة وأنها في صنع قريش وتصح الإمامة عنده في المفضول ويقول بإمامة الشيخين مع أولوية علي عنده )) كما أفادهُ صاحب المُستطاب . المسألة منه رحمه الله ، اجتهادٌ في فَهم نصّ عن رسول الله ، وإلاَّ فالتخطئة منه للثلاثة مُتحقّقة بمجرّد إيمانه بأفضلية عليِّ (ع) عليهم ، وإن كانَ يقول بإمامتهم ، إذاً فالخلل منه في فهمِ نصوص الولايَة ، واجتهادُه ليسَ في نفس النّص الذي يتضمّن أحقيّة أمير الؤمنين ، ولكّن في توابعه ، كما سياتي ، والخلل أيضاً في هذه المسألة قد يتحقّق من خلال خلطِ النّاس لتعامّل أبو الحسنين معَ الثلاثة قبلَ الخلافَة وحال تقلّدهم الخلافة ، وبعدَ الخلافَة ، كما بينّا في الأصل .

* وليسَ أدلَّ مِن هذا إلاَّ سوء مَا ذَهبت إليه الجارودية من التكفير للثلاثة ، مع إيمانهم بالنّص وأفضلية علي (ع) ، كما آمنَ به سليمان بن جرير رحمه الله ، ولكنّ الكلّ اختلفَ فيما تبعَ النّص من تقريرات أمير المؤمنين (ع) . فعلى قول ابن جرير بالقول بإمامتهم ( لَم يصح عن أمير الؤمنين رضاه بها في الأصل ) ، وعلى قول الجارودية من القول بالتكفير ( فلم يصح عن أمير المؤمنين القول بالسبّ فضلاً عن التكفير ) ، والكلّ يؤمن بالوصيّة والنّص .

* والمُجتهدُ يُصيبُ ويُخطئ ، واجتهادُ كلٌّ من أبي الجارود وسليمان بن جرير ، ليسَ لهُ أصلٌ عند أئمة أهل البيت (ع) ، ولا يقومُ عليه دليل ، كما تقدّم بيانه في الشبهة الرابعة عشر .

----
ولكن هل لنا بقبول ذلك الإجتهاد في حالة عدم وجود نص على إمام ؟؟؟
بمعنى :-
هل نستطيع القول بجواز إمامة المفضول ( عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ) مع وجود الأفضل ( الإمام زين العابدين عليه السلام ) ، مادام ليس هناك نص من بعد الحسنين عليهما السلام ؟؟


* أولاً : يجبُ أن تستحضرَ أنَّ الإمامة بمعناها الخاصّ والعامّ ، عند أهل البيت (ع) ، سادات بني الحسن والحسين (ع) ، لَيسَت إلاَّ في قُريش ، في هذا البطن ِمن هاشم ، في أبناء علي وفاطمة (ع) .

*ثانياً : أنَّ عُمر بن عبدالعزيز رحمه الله ( المفضول ) ، لا يَصحّ تلقيبهُ بالإمام ( بمفهوم الإمامة عند الزيدية ) ، وذلكَ لعدم ثبوت ولادَة الرّسول له . فليسَ إماماً مفضولاً .

* ثالثاً : أنَّ عُمر بن عبدالعزيز رحمه الله ، وأمثاله ، ممّن اشتُهِرَ عنهم ، السيرةُ الحَسنة ، وإرساء العدل في البلاد ، والتصدّي للجور والظُلم ، فإنّهُ لَم يَثبُت خروجَ أئمة أهل البيت (ع) عليهِم وعلى أمثالِهم مِن حُكّام المُسلمينَ العدلَة . لأنَّ الفاضل من ِأهل البيت (ع) في ذلكَ الزّمان ، كانَ يَرعى حالَ المُسلمين ، ومَدى العدل الذي يتمتّعون به ، ومدى عدم انتشار الفساد في البلاد والعباد ، فآثرَ هذا الفاضل ، الالتزام بقيود الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، إذ لا مَعنى لخروجه لإنكار المُنكر ، وخروجهُ هذا سيجرّ مُنكراً أشدّ منه ! ، انظُر زيد بن علي (ع) لَم يَخرُج على عُمر بن عبدالعزيز رحمه الله ، معَ أنَّ الأوّل كانَ يَرى أنَّ الإمامَة في بني الزّهراء محصورَة ، ولكنّهُ التزمَ سيرة أمير المؤمنين معَ أبو بكر وعُمَر ، عندما نظرَ إلى حال المسلمين فوجدها إلى الاستقرار أقربُ منها إلى الفوضة والتشرذم ، فآثرَ السّكوت ، وليسَ على سكوته ، كما تقرّر ، إثباتٌ لرضاهُ بإمامة أبوبكر المفضول وصاحبه ، كما فَهِمَ سليمان بن جرير وأتباعه ، وهُنا يتكّرر نفس الموقف من زيد بن علي (ع) ، فإنّه لمّا رأى حالَ المُسلمين إلى الصلاح أقرب في عهد ابن عبدالعزيز ، لَم يخرج لإنكار المُنكر ، لِما سيجرّ هذا الخروج من مُنكرٍ اعظَم ، مَعَ التّصريح منهُ (ع) بأحقيّة بني فاطمة بالإمامة الشرعبة المُطلقَة دونَ غيرهِم ، وذلكَ عندما قال : (( فإن قالوا: فَمَنْ أولى الناس بعد الحسين؟ فقولوا: آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم أولادُهما أفضلهم أعلمهم بالدِّين، الدَّاعي إلى كتاب اللّه، الشَّاهر سيفه في سبيل اللّه )) . والإمام زيد بهذا التّصريح بأولوية وأحقيّة آل محمد بالإمامَة بعدَ الحسين (ع) ، ينفي إمامَة غيرهِم ، ومنهم ابن عبدالعزيز ، ولا يُفهُم من سكوته وسكوتِ أعيانِ دَهرهِ من نجوم العترة الزكية الرضية المرضية ، أنّهم قائلون بإمامَة عمر بن عبدالعزيز ( كإمامٍ مَفضول ) ، ولكنّه يُصفُّ في مصافّ ولاةُ المُسلمين الذينَ حكموا فَعدلَوا ، وقَسموا بالسويّة ، ومثلهُ كمثلِ ابن أبي قحافة وابن الخطاب في زمانهِم .

* رابعاً : هذا ما تيسّر نقلُه بخصوص أصل الموضوع ( بطلان إمامة المفضول بوجود الفاضل ) ، وسؤالكم سيدي المتوكل ، تفرَّع إلى أسئلة عديدة ومُهمّة ، لَم أتطرق لها بتركيز ، لما سيجر ذلك من الخروج عن أصل الشبهة المقرّرة ، وسيأتي الكلام عليها بإذن الله في شُبهٍ مُستقلّة ، وبإسهابات واختصاراتٍ ليسَ هذا موضعها .

- منها مَوقفُ الزيدية من إمامة زين العابدين وابنه الباقر (ع) ؟ ولَو تأمّلَت جوابي لوجدتني أذكُرُ زيد بن علي ولا أذكُر زين العابدين (ع) ، فتنبّه أنَّ هذا بُعداً عن إدخال المسائل بعضها ببعض .

- و منها موقفُ الزيدية ، مع عدم إيمانها بالنص على الأشخاص بعد الحسين (ع) ، من حديث الرسول (ص) : ( مَن ماتَ ولَم يعرِف إمامَ زمانه ، ماتَ ميتةً جاهليّة ) .

وسَنُجيبُ عليها متى سَمَحت الظروف ، بإذن الله تعالى .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة الخامسة عشر :

ثبَت عن أمير المؤمنين (ع) عبارت تُفيد عدم الرّغبة منه في الخلافة ، أليسَ في هذا ما يَتعارَض مع النّص على خلافته (ع) ، أليسَ لَنا أن نَقول أنَّ الإمام علي (ع) لَم يَكُن راغباً في الخلافَة من أصله ، وبه تَسقُط دَعاوى عَدم رضاه على خلافَة المشائخ ، ونهجُ البلاغَة شاهدٌ على عَدم رغبَته فيها ، وعلى صحّة كلامنا .

الرد:

يُجاب على صاحب الشّبهَة ، بعدَ التسلسل معهُ في أمورٍ نَرجُو أن يَكونَ مُنصفاً معَنا فيها قدرَ الإمكان ، وأن نُحكّم نحنُ وإياهُ قناعاتنا على قناعَات الرّجال ، وهُوَ لَنَا عليهِ شَرطٌ ، وعلينا التّمام ، فنقول :

الأمر الأول :

يُقالُ لصاحب الشّبهة ، أليسَ قَد ثبَتَ أنّ رسول الله (ص) قال : (( مَن كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه )) ، و (( عليٌّ منّي بمنزلَة هارونَ من موسَى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بَعدي )) ، وقبلَهُ قول الله تعالى : (( إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذينَ يُقيمون الصلاة ويُؤتونَ الزّكاة وهُم راكعون )) ، وقد ثبتَ بالإجماع أنّه لَم يتصدّق حال الرّكوع إلاّ علي بن أبي طالب (ع) ، واختَلفوا بعدَها فيمَن نزلَت الآيَة ( وعلى إنصافِكَ وفِطرَتك أن تَعمَل هُنا ) ، وهُنا لَن أُطيل في سَرد الأحاديث التي نحتجّ بها مَعشر الزيدية على إثبات إمامة علي (ع) ، ولكنّي أنشدك الله أخي الباحث ، لَو كانَ الرّسول (ص) قال : (( مَن كُنتُ مولاه فأبو بكرمولاه )) و (( أبو بكر منّي بمنزلَة هارونَ من موسَى ، إلاّ أنّه لا نبيّ بَعدي )) ، وأنَّ أبو بكر هُوَ المُتصدّق بالخاتَم ، ونَزلَت الآية بعدَها ، ... إلخ . أنشدك الله ، كيفَ ترى مدلوليّة هذه النّصوص الآن ( ألا تَرى أنّها لائقةٌ بأن يكونَ نَعناها إثبات الإمامَة لأبي بكر !! ) ، لَكَ أن تُناقشَ نفسَك بهدوء ، وسأواصلُ مُفترضاً تسليمَك بمدلويّتها على الإمامَة .

الأمر الثاني :

يُقال لصاحب الشّبهة ، أليسَ قد احتججتُم علينَا بنهج البلاغَة ( مِن عدم رغبة الإمام في الخلافَة ) ، وهُنا أطلُبُ منكَ أن تَبحَث في النّهج هَل تراهُ عبّر بمثلِ هذا التعبير في عهد الخليفَة الأول أو الثاني أو حتّى أثناء الشّورى ؟! ( أنا أقولُ لا ، وإنّما برزَ هذا التعبير بعدجَ مقتَلِ عثمان ، ومنهُ عَثرتُ على موضعَين موجّهين إلى طلحة والزبير خاصّة ، وذلكَ لمّا اتهموه بَقتل عثمان - بنصّ النهج - ، والأخرى لعدَم المشاورَة ، والموضعُ الثّالث كانَ الخطابُ فيه عامّا ، وكأنّه يُخاطب العامّة من المتهمينَ له بقتل عثمان ، وسأنقُلها فيما بَعد ) ، وأنتَ عليكَ البحث عَن غيرِها . وسأوضّح عباراتي السّابقَة ، مُركّزاً على رَغبة الإمام في الخلافَة حينَ تولاّها أبو بكر ، وحين تولاّها عمر ، ويومَ الشّورى حينَ تولاّها عثمان ، ثمّ سأتكلّم عَن إشارات الإمام الخفيّة! عَن عَدم رغبته في الخلافَة بعدَ مقتل عثمان .

[[ رَغبَة الإمام علي (ع) في الخلافَة ، وطَلبهُ إياها ، في عهدِ أبو بكر وعمر ، وعند الشّورى ]]

هُنا نَتكلَّم عَن رَغبَة الإمام علي (ع) في إمامَةٍ أوصَى لهُ بها رسول الله (ص) :

1- معاوية بن أبي سفيان ، كانَ يصفُ الإمام علي (ع) بالحَسَد للخلفاء الثلاثة ، وأنّهُ لَم يَكن يُبايع لهُم إلاّ مُساقاً كالجمل المخشوش ، وفي هذا دلالةٌ على كراهيَة الإمام لإمامَة هؤلاء المشائخ من دونهِ ، وانقيادهِ لهُم مَظلوماً لا غضاضة فيه مع وجود اليقين في الدّين ، ومنهُ يجب أن تسنتجَ من هذا الفعل منه (ع) ، أنّ كان يَرى أنّه الأولى بالإمامَة والخلافَة منهم ، فجاء في خ 28 من النهج ، على لسان الإمام (ع) ، مُخاطباً ابنَ هند معاوية بن أبي سفيان :

(( وزَعمتَ أنّي لكلّ الخُلفاء حسَدت ، وعلى كلّهم بَغيت ، فإن يَكُن ذلكَ كَذلك فليسَت الجنايَة عليك ، ... ، وقُلتَ : إنّي كُنت أُقاد كمَا يُقاد الجمل المخشوش حتّى أُبايع ، .. ، ومَا على المُسلم من غضاضة في أن يكونَ مَظلوماً ما لَم يَكُن شاكّاً في دينِه ، ولا مُرتاباً بيقينه )) .

2- وهُنا الإمام يَستعدي الله على قُريش أخذهم أمراً هُوَ له ، قَطعوا رَحِمه ، وأكفأوا إنائه ، وأنّه أحقّ بالخلافة منهُم ( المشائخ ) ، وفيه تأمّل لولا رَغبَة الإمام بهذا الأمر ، لمَا استعدَى الله على قُريش ، ووصَفهُم بالظلم له ، وألصَقَ بنفسِه تجرّعَ غُصص الألم والوَجع ، فقال (ع) في النهج ، خ 217 :

(( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ، فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَأَكْفَأُوا إِنَائِي ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي، وَقَالُوا: أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ، وَفِي الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً، أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً. فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ ، وَلاَ ذَابٌّ وَلاَ مُسَاعِدٌ، إِلاَّ أَهْلَ بَيْتِي، فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ، فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذى ، وَجَرِعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا، وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الغَيْظِ عَلى أَمَرَّ مِنَ العَلْقَمِ، وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ خَزِّ الشِّفَارِ )) .

3- وهُنا أيضاً يتشكّى من قُريش ، وأخذهِم أمراً ليسَ لهُم فيه حق ، والحقّ أنّه وإن عمّ قُريشاً لهذا ، فإنّ للمشائخ النصيب الأكبر من هذا الذم ، إن لَم يَكُن كلّه ، ولا يَفوتُك التركيزُ على الشاهد " رَغبة الإمامة الملحّة في أزمان المشائخ على أخذِ الإمامَة " ، فقال (ع) مُخاطباً أخيه عقيل ، في خ 36 من النهج :

(( فَدَعْ عَنْكَ قُرَيشاً وَتَرْكَاضَهُمْ فِي الضَّلاَلِ، وَتَجْوَالَهُمْ فِي الشِّقَاقِ ، وَجِمَاحَهُمْ فِي التِّيهِ ، فَإِنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى حَرْبِي كَإِجمَاعِهِمْ عَلَى حَرْبِ رَسوُلِ اللهِ_صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَ سَلّم_َ قَبْلِي، فَجَزَتْ قُرَيْشاً عَنِّي الْجَوَازِي ! فَقَدْ قَطَعُوا رَحِمِي، وَسَلَبُونِي سُلْطَانَ ابْنِ أُمِّي )) .

4- وهُناك أمثلةٌ كثيرة يُستنبَط منها هذا الشاهد ، انظُر مثلاً خ 162 لمّا سألَ الأسدي ، أمير المؤمنين (ع) عَن : كيف دَفَعَكم قومُكم عن هذا المَقام ؟ ، وانظُر أيضاً إلى الشقشقيّة التي هَدرَت خ 3 ، والتي لَم نَسُقهَا هُنا بتمامها ( حتّى لا يُظنّ أن ليسَ معَنا غيرُها ، فقدَ كثُرَ ترديدُها منّا ، فلعلّ الخصمَ قَد سئمها ، فمَا عادَ يتمعّن فيها ، على أهمّيتها ) ، ولأنني ذكرتُ قضيّة الشورى في بداية الكلام ، فسأذكُرُ شاهداً على رَغبَة أمير المؤمنين (ع) للخلافة بعد مقتل عمر بن الخطاب ، وقبلَ أن يتولاّها عثمان ، حاثّاً إياكَ على تأمّل العبارات تأمّلَ مُتَدبّر : فقال (ع) : (( فَصبرتُ ( تأمّل ، أنّه في عهد عُمر كانَ صابراً لا راضياً ) على طولِ المُدّة ، وشدّة المِحنَة ، حتى إذا مَضى ( عمر ) لسبيلِه جَعلَها في جَماعةٍ زعمَ أنّي أحدُهُم ، فيا لله وللشورَى ! متى اعترَض الرّيب فيَّ معَ الأوّل ( أبو بكر ) منهُم ، حتّى صِرتُ أُقرَنُ إلى هذهِ النّظائر ! )) .

5- ومن غير النّهج أسيرُ إلى ما رواهُ البخاري من السنّة في صحيحه 4/1549 : عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر ، أنّ علي بن أبي طالب لَم يُبايع لأبيها إلاّ بعدَ ستّة أشهُر ( واستظهرَ به الحجّة مجدالدين المؤيدي في كلامٍ بديع في مجمع الفوئاد ص21 ) ، وفيها أنَّ أبو بكر استدعَى عليّاً (ع) ، فكانَ من كلام الإمام (ع) لأب يبكر : (( إنّنَا لَم ننفس عليكَ خيراً ساقَهُ الله إليك ، ولكنّا نَرى لنَا في هَذا الأمر نَصيباً ، فاستَبدَتَ بها علينَا ، فَوجدنا في أنُفسنا )) ، وهُنا تأمّل رغبة الإمام (ع) في الإمامَة ، وحَرصهُ على المُطالبَة بحقّه .

لعلّ في هذا كفاية ، لإثبات عدمصحّة عدم رغبة الإمام في الإمامة ، ( التي هيَ حثّهُ بنص آي الكتاب ، وصحيح سنّة الرسوب (ص) ) ، في عهد أبو بكر وعمر وقبلَ أن يتولّى عثمان ( حينَ الشّورى ) .

ولِصاحب الشبهة أن يقول : فمَا حالُ تلكَ النّصوص التي تُفيدُ عدم رغبَة الإمام في الخلافَة ؟

[[ الإمام علي (ع) والخلافَة بعدَ مقتل الخليفة الثالث ، مُناقشَة تصريحات عدم رغبتهِ فيها ]]

هُنا نتكلّم عن التصريحات التي احتواها النّهج ، والتي مَفادها عَدم رَغبة الإمام في الخلافَة ، وقبلهُ نُسبّقُ بمقدّمةٍ مهمّة نقول فيها :

أنّ هذه التصريحات منه (ع) بعدَم رغبته في الخلافَة ، لَم تَكن إلاّ بعدَ مقتل عثمان بن عفان ، وتحديداً لَم تَخرُج منه (ع) إلاّ معَ طائفةٍ مُعيّنة من النّاس ، وهُم المُتّهمونَ له بقتل عثمان ، أو التحريض عليه ، حيث لَم يُذكر مثلُ هذا في النهج - فيمَا وقعَ تحت أيدينا - إلاّ في ثلاثة مواضع ، مَوضعين منها ، والإمام يُخاطب طلحة والزبير بعد أن اتهماه بقتل بقتل عثمان - بنصّ النهج - وفي المشورَة ، والموضع الثالث جاء خطاباً عامّا - وهُناك ترجيحٌ كبير أنّهُ كانَ موجّها إلى تلكَ الطائفَة المتّهمَة له بالتحريض على قتل عثمان - ، فإذا عَرفتَ هذا، فافْطَن لتصريحات الإمام (ع) بعدَم رغبَتهِ في الخلافة ، تَجدهَا إشارةٌ خفيّة يُريدُ أن يقولَ من خلالها : (( أنّني بريءٌ من دم عُثمان ، ولَستُ طامعاً في قتلهِ لتأولَ إليّ الخلافَة )) ، أيضاً لَو قرأت السّيَر لوجدتَ أنّ النّاس كانوا يَهتفونَ باسم علي (ع) وعُثمان مُحاصر !! ( قبلَ أن يُقتَل ) ، ممّا حدى بعثمان أن يأمرَ الإمام علي (ع) بالخروج إلى ينبع لتفقّد أمواله ( أموال علي ) هُناك ، انظر خ 240 من النهج ، وذلكَ كي يخفّ هُتاف النّاس باسمه ، فتهدأ الفتنَة ، ومنهَا أدعُوكَ أخي الباحث للتأمّل ، لتظهرَ لك الإشارَة الخفيّة ، فتُصبِحَ كالشّمس رابعَة النّهار ، فتَعرِفَ أنّ تصريح الإمام (ع) بعدَم رغبته في الخلافة ، لمّا انثالَ عليه النّاس في بيته ، ( إنّما كانَ من باب تَبرئة ساحَته من تهمة الطّمع في الخلافة ،التي سيُفسّرها البعض ( بَل قَد فُسِّرَت ) بتحريضه على قتل عثمان ) ، وهُنا - وكمَا وَعدنا - سنسردُ الأقةال التي صرّح بها أمير المؤمنين (ع) على عدم رغبته في الخلافَة :

1- جاء في خ 54 من النهج ، مُخاطباً طلحة والزبير ، حينَ زَعموا قتلَه لعثمان : (( أنّي لَم أرِد النّاس حتّى أرادوني ، ولَم أُبايعهُم حتّى بايعُوني .... وقَد زَعمتُمَا أنّي قَتلتُ عثمان )) .

2- جاء في خ 205 من النهج ، مُخاطباً طلحة والزبير ، بعدَ تولّيه الخلافَة : (( والله ماكَنَت لي في الخلافَة إربَة، ولكنّكم دَعوتموني إليهَا ، وحملتموني عليها )) .

3- جاء في خ 92 من النهج ، عند انثيال النّاس عليه (ع) ( بعدَ أن كانوا يهتفونَ باسمهِ قبلَ مقتل عثمان ) ، لمُبايعتهِ أميراً للمؤمنين : (( دَعُوني وَالْتَمِسُوا غَيْرِي... وَأَنَا لَكُمْ وَزِيراً، خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً! )) .

تعليق : بعدَ أن تستَحضِرَ أخي الباحث ما قَد قرأتَهُ من تأكيد رغبَة الإمام (ع) وبلسانه ، على القيام بفرض الإمامَة في زمن أبي بكر وعمر وأثناء الشورى ، فيما سبقَ وذكرناه ، نطلبُ هُنا التأمّل ( باستحضار المُقدّمة أعلاه ) عدَم رَغبَة الإمام فيها بعدَ مقتل عثمان ؟ لماذا مثلُ هذا التصريح منه (ع) في مثل هذا الوَقت ( تَدافع النّاس لمُبايعته ) ، وجثّة عثمان ما زالَت مُرماة لَم تُدفَن ؟! ، لماذا لَم يَكن يُصرّح بمثلِ ذلك في عهد الأول والثّاني وأثناء الشّورى ؟! هَل لسقوط شأن الخلافَة ( التي هيَ زمام المُسلمين ) عندَه ؟ ( حاشَى وكلاّ ) . أو لسقوط شأن الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ؟ ( حاشى وكلاّ ) ؟ وكيفَ يكون هَذين السببين قائمينِ عليه ، وهُو القائل : في خ 54 : (( فَتَدَاكُّوا عَلَيَّ تَدَاكَّ الْإِبِلِ الْهِيمِ يَوْمَ وِرْدِهَا ، قَدْ أَرْسَلَهَا رَاعِيهَا، وَخُلِعَتْ مَثَانِيهَا ، حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُمْ قَاتِليَّ، أَوْ بَعْضُهُمْ قَاتِلُ بَعْضٍ ولَدَيَّ، وَقَدْ قَلَّبْتُ هذَا الْأَمْرَ بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى مَنَعَنِي النَّوْمَ، فَمَا وَجَدْتُنِي يَسَعْني إِلاَّ قِتَالُهُمْ أَوِ الْجُحُودُ بِمَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ مُعَالَجَةُ الْقِتَالِ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مُعَالَجَةِ الْعِقَابِ، وَمَوْتَاتُ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ مَوْتَاتِ الْآخِرَةِ )). ولَم نَذكُر هذه الخُطبَة الأخيرَة إلاّ مِن باب تبيين حِرص أمير المؤمنين (ع) على إرساء معالم سنّة أخيه سيّد المُرسلين ، وأنّها ذاتُ بالٍ وشأنٍ عندَه ، وهُوَ آخرُ ما وَعدنا به في أوّل كلامنا ، ومنه نعودُ إلى صاحب الشبهة ، الذي نتمنّى أن تكونَ الفكرَة قد وصلَت إليه ، بأبسَط العبارات ، بعيداً عن التطويل المُمل ، هذا والله أدرى وأعلم .

وصلى الله وسلّم على سيّدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة السادسة عشر :

قال أحد المستبصرين ( بما معناه ) ، أنّ حديث الرسول (ص) : (( مَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية )) ، وهذا الحديث يشهد للإمامية ولعقيدتهم في الإمامة ، حيث أنّ محمد بن الحسنِ العسكري المهدي المننتظر هُوَ إمامنا اليوم ، وعليه يصدق حديث الرسول (ص) ، ولا يصدق على معتقد الزيدية ، لتجويزهم خلو الزّمان من الإمام الظاهر ، وواقع حالهم وتاريخهم يقول بوجود فتراتٍ بين الأئمة القائمين . و اختتم المستبصر كلامه بالنصح للزيدية ، وإرادة الهُدى لهم ، بما سطّره وبيّنَه.

الرّد :

قد تبيّنا نُصحَ المُستبصر لنا ، ونحنُ نُعيدُ النّصحَ له ، بما هُو أقوى وأعزّ أركاناُ بإذن الله تعالى ، فنقول له ولإخوانه :

[ فائدة : حول حديث ميتة الجاهلية ، من كتب الجعفرية ]

نقول فيها وعلى الله التّكلان : إنَّ هذا الحديث من أشهر ما يتمسّك به أهل الغيبة من الجعفريّة في دَعواهُم ، والحقّ أنّ رأي أئمة أهل البيت (ع) ، يُخالفُ ما فَهِمَهُ الإماميّة من هذا الحديث ، عندما استدّلوا به على الغيبة ، لأنَّ أهل البيت يقولون بأنّ الإمام الذي يجبُ مَعرفته ، إمامٌ حيٌّ ، ظاهرٌ وليسَ غائب !! ، انظر قولَ أئمة الجعفريّة أنفسهُم (ع) :

1- قال الإمام الصادق (ع) : (( مَن مَاتَ وَلَيسَ عَليهِ إمِامٌ حَيٌّ ظَاهِرٌ! مَاتَ مِيتَةً جَاهِليّة ، قِيلَ : إمِامٌ حَي ؟ قَال : إمِامٌ حَيٌّ ، إمِامٌ حَيّ )) ( 1) .

تعليق : تأمّل لفظةَ ( ظَاهر ) ، وهل الظهورُ إلاّ عكس الغياب والخفاء ، يا معشر الجعفريّة !! ، أيضاً كلامُ الصّادق هُنا يتوافقُ معَ رأي الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) والذي سنذكرهُ عند الكلام على رأي الزيدية في هذا الحديث . نعم! فلا دليلَ على أنَّ إمامَ زماننا يجبُ أن يكونَ هُو ابن الحسن العسكري ، لانتفاء النّص الدّال على إمامته كما تقرّرَ سابقاً ، ولا دليلَ أيضاً على أنهُ إمامُ زماننا لأنهُ غائبٌ مُختفٍ غيرُ ظاهر .

2- عن يعقوب السراج قال : قُلتُ لأبي عبدالله : تَخلُوا الأرضُ مِن عَالِمٍ مِنكُم حَيٍّ ظَاهِر! تَفزَعُ إليهِ النَّاس فِي حَلالِهِم وحَرَامِهِم ؟ فَقَال : (( لا ، إذاً لا يُعبَدُ الله يَا أبا يوسف )) (2 ) .

تعليق : وهُنا تصريحٌ بأنَّ إمام كلّ زّمان لا بُدَّ أن يكونَ حيٌّ ظاهر ، يفزعُ إليه النّاس في حلالِهِم وحرامِهِم ، فيما اشتبهَ والتبسَ عليهم من الدّين ، ثمّ يقول الإمام جعفر روحي له الفداء ، إذاً لا يُعبدُ الله ، بغيرِ هذا الإمام الظاهر ، والسؤالِ للجعفرية ، هل تستطيعون أن تفزعوا إلى إمامِ زمانِكُم ، فتخبروهُ بأمورِ دينكم ، وما التبسَ عَليكُم فيه، يفزعُ إليه النّاس في الحلال والحرام ؟ يفزعُ إليه النّاس في التخلّص من الظلم والطُغاة وكيفية التعامل مع الجورِ والجائرين ؟ ، فإن قلتم : لا نستطيع– ولن تقولوا إلاّ هذا - ، فأعيدوا التدبّر في رواية الصادق السابقة، وابحثوا عن الإمام الظاهر كيلا تموتوا ميتة أهل الجاهلية ، والعياذُ بالله .

3- وعن الصادق (ع) أنّه قال : (( إنَّ الله لا يَدعُ الأرضَ إلاَّ وفِيهَا عَالِمٌ يَعلَمُ الزّيادَة والنّقصَان ، فَإذِا زَادَ المؤمنونَ شَيئاً رَدَّهُم ، وإذَا نَقّصُوا أكْمَلَهُ لَهُم ، فقالَ : خُذُوهُ كَامِلاً، ولَولا ذَلِكَ لالتَبَسَ عَلى المؤمنينَ أمْرُهُم ، ولَمْ يُفَرَّقْ بَينَ الحقِّ والبَاطِل )) ( 3) .

تعليق : تأمّل قول الصادق (ع) ، أنّ الله لا يدعُ الأرض إلاّ وفيها عالِم ، يردّ ما زادهُ المُسلمون وليس مِنَ الشّرع ، ويُكملُ ما قصّروا فيه بتعليمهم وإرشادِهِم ، وأنّهُ لولا ذلكَ الفعلُ من الإمام لالتبسَ على المؤمنينَ أمرُ دينهم ، ولَخُلِطَ الحقّ بالباطل . فهَل توفّرَت في إمامكم هذه الصّفات معشر الجعفرية ، هَلْ عَلمتم إمام زمانكم الغائب! قامَ مُختطباً يوم جُمعةٍ يحثّكم فيها على الصلاح ؟ هل عَلمتم إمام زمانكم الغائب! يجلسُ بعد إمامتهِ لكم في الصلاة للتدريس والتفهيم وإرجاع الفروعٍ للأصول ، وردّ العقائد الباطلة ، والإفتاء ، والفصل بين المُتخاصِمين ، وتبيين الأحكام في الحلال والحرام ؟ هَل عَلمتُم إمامَ زمانكم يتقدّمكم عند لقاء أعداء الله والرّسول ، يأمرُ بالمعروف وينهى عن المُنكر ، يُقيمُ الحدود ، ويجمعُ الزكوات ؟ فإن قُلتم ، لا نعلمُ ذلك – ولن تقولوا إلاّ ذلك - ، فأقول ابحثوا عن الإمام الظاهر المُستحقّ لهذا الأمر من آل رسول الله (ص) ، المُقتدي بالرسول وأمير المؤمنين والحسنين وأفاضل سادات أهل البيت (ع) ، وساندوهُ وكونوا أعواناً له ، تنجوا من ميتة الجاهلية .

4- وعن عمر بن يزيد عن أبي الحسن الأول قال : (( مَن مَاتَ بِغيرِ إمامٍ مَاتَ مِيتةً جَاهلية ، إمِامٌ حيٌّ يُعرَف! ، فَقلتُ : لَم أسِمَع أبَاك يَذكُرُ هَذا ، يَعنِي إمِامَاً حَيّاً ، فَقال : قَدْ والله قَالَ ذَلك رَسُولُ الله (ص) : مَن مَاتَ وَلَيسَ لَه إمِامٌ يَسمَعُ لَه ويُطِيع! مَاتَ مِيتَةً جَاهلية )) ( 4) .

تعليق : تأمّل لفظة : ( يسمعُ لهُ ويُطيع ) ، فإن كانَ غائباً فكيفَ أسمعُ لهُ وأطيعُ ؟

مثاله :

لو أمَرَ رجلٌ طِفلاً أن يَسمعَ كلامَ والديه ، ويتعلَّمَ منهُما حميدَ الأخلاق ، ووالداهُ عنه مُسافرانِ إلى بلدٍ بعيد ، ومعَ ذلكَ فهُم يُراقبان ولدَهما ، ويُحصيانِ تَحرّكاته وسكناته، عن طريق تقنياتٍ ووسائلَ حديثة ، بحيثُ يرونَهُ ولا يَرَاهُم ، فَكَبُرَ الطّفلُ وبَلغَ أشدّه ، ونَشأً على المعَاصِي والفَسَاد الأخلاقِي ، فأتاهُ نفسُ الرّجُلِ بعدَ عَشراتِ السنين ! وسألَه : ماذا تعلَّمتَ من والِدَيك في هذه الفترة يا بني ؟ فردَّ عليه الصبي ، قائلاً : لَم أرَهُما حتّى أتعلّم مِنهُما ؟ فعاودَ الرّجل السؤال قائلاً : ولماذا تَخلَّقتَ بهذه الأخلاق المُشينة ، وارتكبتَ من المعاصي ما يُغضبُ الله ؟ فأجابَهُ الصبي : هذه البيئةُ التي نشأتُ فيها ، أدارَتنِي حَيثُ دَارَت ، تَركَنِي والديّ ، ولَم يُقومَا بِحَقّ الله عَليَّ ، مِن التَعليم و حُسنِ التأديب ! فقالَ الرّجل : فكيفَ يا بنيّ ، لَو عَلِمتَ أنَّ والديكَ كانا يُراقبانك ويَرونَك من حيثُ لا تَراهُم ، وأنتَ تنشأ عَلى الفساد ، وترتَكِبُ المُحرّمات ، وتَنخَرِطُ فِيمَا عَاقِبَتُه عِندَ الله نيرانُ الجحِيم . فيتكلّم الصبي قائلاً : ما أقبحَ ما فعلَ والديّ معي ، يَرَونِي أهلَكُ ، وأغرقُ في لجاج المعاصي ومتغطمط الضلالات ولا يَمدّوا لي يدَ العون ، أو يُرشِدِون . وهذا حالُ أهل الغيبة من الجعفرية ، الصبيّ هُم الأتباع ، والوالدان هُم الإمام ، والرّجل هُو الكتاب والعقل والسّنة . والله المُستعان .

[ رأي الزيدية في هذا الحديث ]

وهُنا ارتئينا أنَّ المقامَ جديرٌ بالتكلم على الحديث ، الذي قال فيه (ص) : (( مَِن مَاتَ ولَم يَعرِف إمَامَ زَمَانِه مَات مِيتَةً جَاهَِليّة )) ، من وجهة نظرنا نحن الزيدية ، ونُتمَّ ما سيسُدّ طريقَ احتجاجاتٍ كثيرة ، فنقول :

قال الإمام الهادي إلى الحق (ع) في تفسيرِ الحديث :

(( إذا كانَ في عَصرِ هذا الإنسان ، إمامٌ قائمٌ زكيٌّ نَقيٌّ ، فَلم يَعرفهُِ ولَم يَنصرهُ ، وتَرَكَهُ وخَذلَهُ وماتَ على ذلك ، ماتَ ميتةً جاهلية ، فإذا لَم يَكُن إمامٌ ظاهِرٌ مَعروفٌ باسمه ، مَفهومٌ بقيامه ، فالإمام الرّسول ، والقرآن ، وأمير المؤمنين (ع) ، ومِمَّن على سيرته وفي صِفَتِه مِن وَلَدِه ، فَتَجِبُ مَعرِفَةُ مَا ذَكَرنا على جميعِ الأنام ، إذا لَم يُعلَم في ذلكَ العصر إمام ، ويجبُ عليهِم أنْ يَعلمُوا أنَّ هذا الأمر في ولَدِ الرَّسول (ص) خاصّاً دُونَ غيرِهم ، وأنّهُ لا يَعدمُ في كُلِّ عَصرٍ حُجّةٌ لله يَظهرُ منهُم ، إمامٌ يأمرُ بالمعروف وينهى عن المُنكر ، فإذا عَلِمَ كُلَّ ما ذَكرنا ، وكانَ الأمرُ عندَهُ كمَا شَرحنا ، ثمّ ماتَ فقد نجا من الميتة الجاهليّة ، وماتَ على الميتةِ المِليّة ، ومَن جَهِلَ ذلكَ ولَم يَقُل به ، ولَم يَعتَقِده ، فَقد خرجَ من الميتة المليّة ، وماتَ على الميتة الجاهلية ، هذا تفسيرُ الحديثِ ومعناه )) (5) انتهى بحروفه .

تعليق : الإمام الهادي (ع) ، يُشيرُ في أوّلِ كلامه إلى الحُجّة الظاهر المشهور، المعروف باسمهِ ورَسمه ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، فإنَّ مَن بَلغتهُ دَعوتهُ ولم يُجبهُ ويُبايعهُ حُقّ عليه حديث الرسول (ص) من الميتة الجاهلية .

ثمَّ يُشيرُ (ع) إلى الحُجّة الخائف المغمور ، الغير مشهورٍ ولا معروفٍ باسمه ، ولَم تصِل دَعوتهُ إلى الأمصار والبلدان ، وأنَّ على الشيعة في هذا الحال ، أن يُؤمنوا بأنّ هذا الأمر – الإمامة – في أهل البيت (ع) دونَ غيرهِم ، وأنّه لا بُدَّ من شخصٍ منهم يحملُ صفاتَ الزّعامَة في زمان الفترة ، وقال العلامة أحمد بن يحيى حابس رحمه الله : (( وسَبَبُ الفَترَة قَهرُ الظَّلَمَة )) (6) ، وأنّه لولا الخوف المُسلّطُ عليهِم ، ما توانوا عن الخروج ، والتحول من طورِ الغمور إلى الظهور ، وعليهِم أن يملأوا أنْفُسَهُم إيماناً بِنُصرَةِ هَذَا الإمامِ المَغمُورِ إنْ كانوا يعرفونه باسمه ، كما نعرفُ إمامَنا اليوم على عدم ظهوره واشتهاره ، وإن كانوا لا يعرفونَ أحداً باسمهِ فالقولُ ما تقدَّمَ عن الإمام الهادي (ع) معَ الاعتقاد الجازم بالنُصرَة لِمن قامَ بهذا الأمر منهم ، بالمال ، والنفس ، والولد .

ثمَّ يشيرُ (ع) بعد هذا ، إلى الإئتمام بالقرآن والرسول وأمير المؤمنين والأئمة من ولده السابقين ، إذ أنَّ الخائف المغمور ، الغيرُ معروفٍ بالاسم للبعض ، والمعروفِ للبعض ممّن يعيش قريباً منه ، لنْ يُخالفَ حَتماً كتاب الله ولا سنة جدّه محمد (ص) ، ولا دَعوة أبيه علي (ع) ، ولا دين آبائه من الأئمة الكرام البررة ، وحديثُ الثقلين على كلامنا ضامن . وبهذا يموت العبدُ ميتة أهل الإسلام ، ويكونُ كلّ هؤلاء له ذخرٌ ووسيلةٌ عندَ الملك الدّيان ، فَمَن أحبَّ قوماً حُشِرَ مَعَهُم . اللّهم أمتنا ميتة أهل السلام ، وانفعنا بولاية محمد وآل محمد ، واجعلنا من أنصارهم وأعوانهم ، لا مِن خاذليهم وأعداءهم ، آمين اللهم آمين .

ثمَّ علّق الإمام يحيى بن الحسين الهاروني الحسني (ع) على تفسير الإمام الهادي السابق للحديث ، فقال : (( وهذاَ هُوَ الصّحيح ، دُونَ مَا ظَنُّ بعضُ النّاس ، مِن أنْ يَدُلَّ على أنّهُ لا بُدَّ في كُلِّ زَمانٍ مِن إمامٍ تَلتَزِمُ مَعرِفتُه ، لأنَّ هذا في نهايَة البُعد )) .

[ تعليق : يُريدُ الإمام أنّهُ لا يُشترطُ معرفةُ إمامُ كلّ زمانٍ بعينِه ، إذا كانَ في طور الغمور وعدمِ الاشتهار ، لما في ذَلِكَ مِن التكليف بما لا يُطاق ، وهُو غايةٌ في البُعدِ في أن يكونَ واجباً مع الغمور وعدم الاشتهار ، وعدمُ قرعِ المسامِعِ لِدعوته العادِلَة الجامعَة ، وعلى مَن هذا حالهُ الإئتمامُ بالقرآن والرسول وأمير المؤمنين والأئمة من ولده السابقين ، والتشحّطِ والتحلّي بعزيمة تحمّسه للقيامِ مع داعي آل مُحمّد (ع) من أبناء الحَسن والحُسين ، وأن يكونَ في حالهِ هذا مُقتدياً في دينهِ وقيلِه ، بأئمتهم السابقين علي فالحسن والحسين فزين العابدين فزيد بن علي فما دون ، وألاّ يُخالفَهُم فيما اجتمعوا عليه من الأصول ، ففي هذا يدخلُ العبد في ميتة أهل الإسلام ، وإن لَم يعرف إمامَ زمانهِ بعينهِ ورَسمه ، لأنَّ تكليفَ ما لا يُطاق كما تطلبُ الجعفرية من العباد فهذا مُحال ، وفي كلام الجعفرية بإمامة الغائب للزّمان ضَحِكٌ على الذقون ، واستخفافٌ بالعقول ، وقولُ الزيّدية أعدلُ الأقوال ، ولا يدخُلُ هذا في بابِ شهادة الجارِ لنفسه، وإنّما يشهدُ لتوسّط قولها مَن سبرَ أقوالَ الفِرق وتعليلاتهِم لهذا الحديث الشريف ، فهُم بينَ مُلحقٍ له ، بسلاطين الدّول على جَورِهِم وظُلمِهم وعدم تحقّقُ عدالَتِهم ، وأنّى يكونُ هؤلاء حُجّة ؟ وبينَ مُهمِلٍ له ، لا يُلقي لهُ ولأهميّته بال ، وبينَ مُلحقٍ لهُ ، بأئمة الأوهام والخيالات مَن لا يَنفعونَ ولا يَضرّون ، ولا يَحلّونَ ولا يَربطون ، لا لِضَعِيفٍ انتصفوا ، ولا لضائعٍ انتشلوا ، ولا لحقٍّ انتصروا ، ولا لباطلٍ غَضِبوا ، فأنّى تكونُ لهؤلاء إمامَة الزّمان والحجّة على العالَمين ، وأنّى يجبُ على العبادُ الإيمانُ الإيجابي بِمَن هذهِ صِفته ؟ ، فتوسّطَ أهل البيت (ع) بين هؤلاء في مقالَتِهم ، فلا هُم أهمَلوا وجوّزوا خُلو الأرضِ من حُجّة ظاهرَةٍ شاهرَة أو مَغمورَةٍ خائفةٍ غيرُ مشهورةٍ ولا غائبة ، ولا هُم أوجَبُوا على العباد معرِفَة المغمور غير المشهور من عُلماء آل مُحمّد (ع) ، فجَعَلوا لهُم منهجَ الكتاب والسنة وأمير المؤمنين وولَدهُ أبناء الحسن والحسين علاماتٌ إلى الموتِ بميتةِ أهل الإسلام ، مع السعيّ منهُم قدرَ المُستطاع لإيجادِ مَن صِفتهُ صِفةُ أئمة أهل البيت السابقين من بني فاطمَة اللاحقين ، فإن لَم يجدوا ، فلا يُكلّفُ الله إلاّ وُسعها ، والمرءُ مَع أنّ أحب ] عودٌ لكلام الإمام الناطق بالحق يحيى الهاروني .

(( فإن قالَ قائل : أتُجوّزنَ أن تَخلُوَ الأرضُ من الأئمة أَزمنةً كثيرَة ؟ .

قيلَ له : إن أردتَ بهذا القول ، أنَّ الأرضَ تَخلو ممّن يَصِحُّ للإمامة ، وسياسَة أمرِ الأمّة مِن أفاضِلِ أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، فهذا يَمتنِع منهُ الزيدية ، ولا يُجوّزونَه ، وإن أردتَ بذلِكَ أنّها تخلو ممّن يقومُ بالأمر ويَتولاّه لأسبابٍ عارِضَة ، وأحداثٍ مَانِعَة ، فهذا غيرُ ممُتَنِع .
)) (7) اهـ كلام الناطق بالحق الهاروني

وإلى هذا القول الأخير ، يُشير الإمام مانكديم أحمد بن الحسين (ع) ، فيقول : (( اعلَم أنَّ مِن مَذهَبِنا أنَّ الزّمان لا يَخلو عَن إمام ، ولَسنا نعني بهِ أنُّ لابُدَّ مِن إمامٍ مُتصرِّف ، فالمعلوم أنّهُ ليسْ ، وإنّما المُرادُ به ليسَ يجوزُ خلوّ الزّمانِ ممّن يَصلُح للإمامَة )) (8) .

تعليق : قال (ع) : فالمعلوم لَيسْ : يُريدُ أنّ الخائف المغمور الغير مشهور الظاهر الغير غائب ، لا تنطبقُ عليه علاماتُ التّصرّف في الأمة ، إذ لو انطبقَت عليه لكانَ ظاهراً داعياً مشهوراً .

وللإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي (ع) ، كلامٌ بديع ، فيه تعزيزٌ لما ذكَرنا ، نكتفي بالإشارة عن الإطالة ، فليُراجَع (9) .

واعلَم أنَّ هذا التأويلَ للحديث ، معَ اجتماعِ سواد الأمّة على صحّة صدورِ عن رسول الله (ص) ، نجدهُ أقربُ التأويلات والتفسيراتِ المُطابِقَة للعقل ، والنّقل ، ويُعزّزهُ قول الرسول (ص) : ((مَن سَمِعَ وَاعِيَتَنا أهَلَ البيت ، ولَم يُجِبهَا كَبّه اللَّه عَلى مِنخَريه فِي نَارِ جَهنّم )) (10) ، والواعية هي الدّعوة ، والدّعوة لَن تكون إلاَّ مع الظهور ، وهيَ مُتوفّرةٌ في الظاهر المشهور والخائف المغمور ، على اختلافِ توسّعها وانتشارها . وقوله (ص) : (( إنَّ عِندَ كُلّ بِدعَةٍ تَكونُ مِن بَعدِي يُكادُ بِهَا الإسلامْ ، وَلِيّاً مِن أهلِ بَيتِي، مُوكّلاً يُعلنُ الحقّ، وينُوّره، ويَردّ كيدُ الكائدين ، فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على اللَّه )) (11) ، وحتماً لن يكون هذا الوليُّ إلاَّ ظاهراً غيرُ غائب ، كما قد تقرّرَ ، وصفةُ الظهور مُتوفّرةٌ في المشهور والمغمور ، والاختلاف في الشهُرَة مِن عَدَمِهَا .

هذا وصلّى الله وسلم على محمد وآله الطيبين الطاهرين .

==================================
(1) الاختصاص ، 269 البحار ، 23/92 إثبات الهداة ، 1/139
(2) البصائر ، 143 علل الشرايع ، 76 البحار ، 23/21 ، 51 ، 24/217 إثبات الهداة ، 1/120
(3) علل الشرايع ، 76 ، 77 ، 78 البصائر ، 96 ، 143 ، 289 الاختصاص ، 289 كمال الدين ، 117 ، 118 ، 128 ، 129 غيبة النعماني ، 68 المحاسن ، 235 البحار ، 23/21 ، 24 ، 25 ، 26 ، 27 ، 39 ، 26/178 إثبات الهداة ، 1/106 ، 108
(4) الاختصاص ، 269 البحار ، 23/92 البصائر ، إثبات الهداة ، 1/129 ، 139
(5) الأحكام 2/466 - 467
(6) الإيضاح شرح المصباح ، مخطوط
(7) الدّعامَة ، ص 226 - 227
(8) شرح الأصول الخمسة ، للقاضي عبدالجبار ، وشرحها للإمام المستظهر بالله أحمد أحمد بن الحسين بن أبي هاشم محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن الإمام محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن - والحسن هذا جد الإمام الناصر الأطروش - بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ص 514 .
(9) مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم بن محمد (ع) ، ص268
(10) رواه الإمام المنصور بالله في العقد الثمين .
(11 ) رواه الإمام المنصور بالله في العقد الثمين .
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الجمعة يوليو 07, 2006 7:16 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

Nader
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1060
اشترك في: السبت إبريل 09, 2005 6:22 pm

مشاركة بواسطة Nader »

مجهود رائع.
وماذا عن المنزلة بين المنزلتين؟ هل هي معتزلة الأصل أم زيدية.؟؟
تحياتي؟
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة السابعة عشر :

أنّ عقيدتي المنزلة بين المنزلتين ( تسمية مُرتكب المعاصي بالفاسق ) ، والخلود عقيدتان دخيلتان على عقيدة أهل البيت (ع) في الله ، وأنّ مُتقدّمي الزيدية كانوا على خلاف هذا القول .

الرد :

في الحقيقة أنّه قد اتّضح لنا ولصاحب الشبهة انطباق عقائد مُتأخّري الزيدية بمُتقدّميهم في نقاطٍ كثيرة وهامة سردناها في بحث ( الزيدية والمعتزلة ... والتأثر ... قراءة متأنّية ) ، وهُنا سنُوضّح أنّ عقيدة المنزلة بين المنزلتين والخلود لأصحاب المعاصي هِيَ مذهب ساداتنا من أهل البيت (ع) المُقارنون للكتاب الكريم ، وعليه ينقسم الكلام :

أولاّ : عقيدة المنزلة بين المنزلتين :

أولاً : على لِسَان الإمام زيد بن علي (ع) ، مَنْ خالَف كتاب الله لايكونُ مؤمناً :

هُنا أخي الباحث ، تأمّل الإمام زيد بن علي صلوات الله عليه ينفي أن يكونَ أحدٌ من أهل القبلَة ينطبقُ عليه اسم الإيمان ، والمحبّة من الله ، مع مُخالفته أوامر الله ، وارتكابه ما نهَى الله عنه على لسان رسوله الكريم صلوات الله عليه وعلى آله ، وفي هذا الإقرار منه (ع) ، إثباتُ عدم دخولِ الجنّة لمَن لا يستحقّ اسم الإيمان ( لمَن لا يُحبّه الله ) ، فقال الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( 75-122هـ) ، مُحتجّاً على مَن ينسبُ اسم الإيمان على أهل المعاصي ، المُخالفين لأوامر الله والرسول (ص) :

(( فَسَلهُم هَل يَدخُل الجنّة إلا مَن يُحبّ اللّه؟ أوْ يَشُكّونَ فِيمَن لا يُحبّهُ اللّه تَبارك وتعَالى، لا يَدرُونَ أيَدخُلُ الجنّة أمِ النّار؟ وقَد قَال اللّه تَبارَكَ وتَعالى: (( لاَ يَتِّخِذِ الْمُؤْمِنُوْنَ الْكَافِرينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُوْنِ الْمُؤْمِنِيْنَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِيْ شَيءٍ )) .

وقَال تبارك وتعالى: (( لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِيْ مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ وَيَقُوْلُوْنَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُوْلِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَريقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِيْنَ وَإَذَا دُعُوْا إِلَى اللَّهِ وَرَسُوْلِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَريقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُوْنَ)).

فَسَلهُم عَن خَمْسَةِ رَهْطٍ مِنْ أهلِ القِبلَة، وافَقُوا عَشرَة رَهطٍ مِن تُجارِ المسلمِين، فَأرَادوا أنْ يَأخُذُوا أمْوالَهُم، فَلم يَستَطِيعوا، فَذهَبَ الخَمسَةُ إلى عَشَرةٍ مِنَ الأكرَاد فَوالَوهُم، فَشَارَكُوهُم على قِتَالِ المسلمِين وأخْذِ أمْوالِهِم. فَدَعَاهُم المسلمُون إلى اللّه تبارك وتعالى ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم وإلى كِتَابِه الكَريم وإلى أنْ يَكونُوا مَعَهُم عَلى قِتالِ الأكْراد، فَأبَوا عَليهِم وقَاتَلُوا - مَعَ الأكْراد - المسلِمِين حَتى قَتَلُوهُم وأخَذُوا أمْوالَهُم فَاقْتَسَمُوهَا هُم والأكرَاد.

فَسَلهُم عَن هَؤلاءِ الخَمْسَةِ الرّهْط حَينَ تَولّوا عَن طَاعَة اللّه تَبَارَك وتَعالى، وقَتَلوا المُسلمِينَ مَع الأكرَاد، أمِنَ المؤمنينَ هُمْ، أمْ هُمْ مِنَ اللّه تَبارَكَ وتَعالى فِي شيء؟ فَإنْ قَالوا: نَعَم. كَانُوا مِنَ الذينَ سَعَوا فِي آياتِ اللّه مُعَاجِزين. والمعَاجِزون: المشاقّون؛ لأنّهم تَركُوا قَولَ اللّه تَبارَك وتَعالى وأخَذُوا بِالظّن والشّبهَات )) (1) .

تعليق : هُنا استحضِر أخي القارئ أنّ الإمام زيد (ع) ، لا يُعدّ أهل المَعَاصِي من أهل الإيمانِ ، ففي الكلام الآتي القريب ، ستجدهُ صلوات الله عليهِم يُقرّ عدم دخول الجنّة إلاّ لأهل الإيمان دونَ الفاسقين من أهل المَعاصي ، وفي هذا إثباتٌ لعقيدة المنزلة بين المنزلتين ، مؤمنونَ وفَسقَةٌ منافقونَ عُصاة وكافرون ، وتأمّل ما يأتي .

ثانياً : على لِسَان الإمام زيد بن علي (ع) ، أنّ النّاس ثلاثة ( مؤمنٌ وفاسقٌ منافق وكافر ) :

وهُنا أخي الباحث إثباتٌ لعقيدة المنزلَة بين المنزلتين على لسان أبرز رجالات أهل البيت سلام الله عليهم من المتقدّمين ، أمير المؤمنين زيد بن علي (ع) ، فتجدهُ صلوات الله عليه يُقسّم النّاس إلى ثلاثَة أصناف ، صِنفٌ مؤمن ، وصِنفٌ مُنافق ( وهو الفاسِق ) ، وصِنفٌ كافر ، قال الإمام زيد بن علي (ع) :

(( فَكَانَ الذينَ أُرْسِلَ إليهِم محمّدٌ صلّى اللّه عليه وآله وسلم ثَلاثَةُ أصنَاف: مُؤمِنَاً ومُؤمنَةً، ومُنافِقاً ومُنَافِقةً، والذينَ كَفَروا ـ أهلُ الأوثَان، عَلى غَير دِينِ محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلم، فَمَنَ لَم يَكن اسمُه يَوم القِيامَة مِن أهلِ الدّعوَة مُؤمِناً كَانَ مُنافِقاً، ومَنْ لَم يَكن اسمُه مُنافِقاً، كَان مِنَ الذينَ كَفَرُوا، ولا يُدْخِلُ اللّهُ النّارَ أحَداً مِنْ أهلِ الدّعَوَةِ حَتّى يَلزَمَهُ اسمُ النّفاق، فَإذَا سِيقَ الذين كَفَروا إلى النّار، وسِيقَ الذِينَ اتّقوا إلى الجنّة، ذَهَبَت الأسمَاء كلّهَا إلا الاسمَان اللّذان خَلقَ اللّه تَعَالى عَليهِمَا النّاس. )) (2) .

تعليق : بهذا القدر أكتفي في النقل ، ومَن أرادَ الاستزادة فعليهِ مُراجعة كتاب الإيمان للإمام زيد بن علي صلوات الله عليه ، وليسَ يكفي صاحب الشّبهَة هنا إلاّ الإشارَة كي يقتنعَ بأصلِ هذه العقيدة عندَ ساداتنا من أهل البيت (ع) ، وسنُعضّدُها بطرحِ مُعتمد الزيدية في إثبات الخلود لأهل المعاصي ، ففي إثباتِ الخلودِ لأهل المعاصي ، إثباتٌ للمنزلة بين المنزلتين من طريقٍ آخر يتنبّه له الباحث الحصيف .

ثانياً: عقيدة خلود أهل المعاصي في النّار :

وهُنا نذكر روايات مُتقدّمي أهل البيت (ع) ، مُثبتين مُتابعَة الزيدية لهم سلام الله عليهم .

1- روَى الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ع) ، بسنده إلى الحسن بن الحسين بن زيد بن علي عن أبيه ( الحسين ذو الدمعَة) عن جَعفر (الصادق) بن محمّدٍ ، عن محمد (الباقر) بن علي، عن علي (زين العابدين) بن الحسين، عن الحسين (الشهيد) بن علي عن علي (المرتضى) (عليهم السلام)، قال: قالَ رَسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم: (( فِي الزّنَا سِتٌّ خِصَالٍ: ثَلاثٌ فِي الدّنيا، وثَلاثٌ فِي الآخِرَة، فَأمّا التِي فِي الدّنيا فَإنّهَا تُذهِبُ البَهَاء، وتُعَجّلُ الفَنَاء، وتَقطَعُ الرّزق. وأمّا التِي فِي الآخِرَة فَسُوءُ الحِسَاب، وسَخَطُ الرّحمَن، والخُلودُ فِي النّار)).(3)

تعليق : تأمّل هُنا إثباتَ الخلود في النّار للزاني ، والزّاني عاصٍ غير مؤمن كما أثبتَ الإمام زيد بن علي (ع) أعلاه .

2- روَى الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ع) ، بسنده إلى أبي عبدالله جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليهم السلام، في قوله تعالى: (( وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ )) ، قال: يُقَال لأهلِ الجنّة: يَا أهلَ الجنّة خُلودٌ لا مَوتَ فِيهَا أبَداً، ويَا أهْلَ النّارِ خُلودٌ لا مَوتَ فِيهَا أبَداً ، وَذلِكَ قَولُه تَعَالى : (( قضي الأمر )) ، قَال: قُضِيَ عَلى أهلِ الجنّة الخُلودُ فِيهَا، وقُضِيَ عَلى أهلِ النّارِ الخُلودُ فِيهَا . (4) .

تعليق : قد ثبتَ دُخولُ أهل المعاصي النّار ، وهُنا إثباتُ الخلود على مَن كانَ في النّار .

3- روَى الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين الهاروني (ع) ، بسنده إلى محمّد بن الحنفية رضي الله عنه ، أنّه قال : (( لَمّا قَدِمَ أمير المؤمنين عَليه السلام إلى البَصرَة بَعدَ قِتَال الجمَل دَعَاهُ الأحنَفُ بن قَيسٍ رَضي الله تعالى عنه، واتخذَ لَهُ طَعَاماً، وبَعَثَ إليهِ وإلى أصحَابِهِ فَأقبَلَ إليه أميرُ المؤمنين ثم قَالَ لَهُ: يَا أحنَف ادعُ أصحَابي، فَدَعَاهُم فَدَخَلَ عَليه قومٌ مُتخَشّعُون كَأنّهُم شنان بوالٍ. فَقَال الأحْنَف بن قَيسٍ: يَا أمير المؤمنين ما هذا الذي نزل بهم، أمن قلة الطعام أم من هول الحرب؟ قال: لا يا أحنف. إنّ الله عزّ وجلّ إذَا أحبّ قَوماً تَنَسّكُوا لَه فِي دَار الدّنيا تَنَسُّكَ مَنْ هَجَمَ عَلى مَا عِلِمَ مِنْ فَزِعِ يَومِ القِيامَة ... فَإنْ فَاتَكَ يَا أحْنَف مَا ذَكرتُ لَكَ فَلتَرفُلَنّ فِي سَرابيل القَطِرَان، ولَتَطُوفَنّ بَينَهُمَا وبَينَ حَمِيمٍ آنٍ، فَكم يَومَئذٍ فِي النّار مِن صُلبٍ محطومٍ، ووجهٍ مَشؤومٍ، ولَو رَأيتَ وقَد قَام منادٍ ينادي: يا أهل الجنّة ونَعيمهَا وحُليّها وحُلَلِهَا خُلوداً لا مَوتَ فِيهَا، ثمّ يَلتَفِتُ إلى أهل النّار فَيقول: يَا أهلَ النّار يَا أهلَ النّار، يَا أهلَ السّلاسِل والأغلال، خُلوداً لا مَوتَ، فَعِندَهَا انقَطَعَ رَجَاؤهُم وتَقَطّعَت بِهِمُ الأسبَاب، فَهَذَا مَا أعدّ الله عزّ وجلّ للمُجرِمِين، وذَلك مَا أعدّ الله عزّ وجَلّ للمُتقين )) . (5)

تعليق : وهنا تأمّل لفظات الخلود على لسان أمير المؤمنين كيفَ عمّت أهلَ النّار ، وانظُر انقطاعَ الرّجاء على أهل المعاصي والكفر ممّن حُقّت عليهم النّار ، ولا يفوتك أنّ خطاب أمير المؤمنين للأحنف ومن بحضرته كان خطاباً خاصّا بأهل القِبلَة منَ المُسلمين .

4- قال الشريف الحسني محمد بن علي البطحاني الكوفي (ع) : قال محمد في كتاب أحمد: قُلتُ لأحمد بن عيسى ( ابن زيد بن علي (ت240هـ) ) : يَخرجُ مِنَ النّارِ أحَدُ ممّن يَدخُلُهَا؟ فقال: (( هَيهَات، وأنّى لهُ الخُروج )) (6) .

5- قال الشريف الحسني محمد بن علي البطحاني الكوفي (ع) : قَال الحسن بن يحيى ( ابن الحسين بن زيد بن علي (ت247هـ) ) : (( وسَألتَ عَمّن دَخَلَ النّار ، أيُخرِجُهُ الله مِنَ النّار أمْ لا ؟، فَالجَوابُ : أنّا نَشهَدُ عَلى أهلِ النّار كَمَا يَشهَد اللهُ عَليهِم ، فَمَن قَالَ الله خَالداً فِيها شَهِدنَا عَليه بِمَا شَهِدَ الله عَليه، وقَالَ الله عز وجل: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} ، يَعني غيرَ مَقطوع ، فَنحنُ نَشهَدُ عليهِم بِمَا شَهِدَ اللهُ عليهِم فِي كِتَابِه مِنَ الخُلود فِيهَا أبَداً، والمشيئةُ مَردُودةً إلى الله، كَمَا قَال إنّه فَعّالٌ لمَا يُريد )) (7) .


هذا وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

=====================

(1) مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي ، كتاب الإيمان .
(2) مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي ، كتاب الإيمان .
(3) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب ، الباب الخمسون ، ص545 .
(4) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب ، الباب الرابع والسّتون ، ص592 .
(5) تيسير المطالب في أمالي أبي طالب ، الباب الرابع والسّتون ، ص596 .
(6) جامع علوم آل محمّد ، المجلد السادس .
(7) جامع علوم آل محمّد ، المجلد السادس .
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الجمعة يوليو 07, 2006 7:18 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

ابو عز الدين
مشرف مجلس الفتوى
مشاركات: 416
اشترك في: السبت مارس 20, 2004 9:41 am

مشاركة بواسطة ابو عز الدين »

من المفيد أخي الكاظم أن تورد هنا رد ك الاخير حول حديث(لا تعلموهم فأنهم اعلم منكم) لكن بصياغة جديدة


لكم الشكر موصول اخي
لا تضق ذرعاً بحالٍ *** فالذي سواك حاضرْ *** وهو بي أرحم مني *** كلما دارت دوائرْ *** لا تخف لا تخشَ مهما *** كنتَ للرحمانِ ذاكرْ

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

الشبهة الثامنة عشر :

قول الرسول (ص) ، لأهل البيت (ع) : (( لا تعُلّموهم فإنّهم أعلَمُ منكُم )) ، هل هُوَ ثابتُ عند الزيديّة ؟ فإن كانَ ثابتاً فما تأويلُهُ عندَهُم ؟ ، بمعنى : هل المُرادُ عدم تعليمِ أفرادِهِم مسالكَ الدّين ( تلّقي تلميذٍ عن شيخ ) ، أو غيره ؟ فإن كانَ الأوّل فليسَ ينطبقُ على قول الزيديّة في أئمتها ، وإن كان الغير ، فوضّحوا ؟

الرد :

في الحقيقة أنّ هذا الأثر عن رسول الله (ص) عندنا معشر الزيديّة ثابت على غير تأويل، وبهذا الأثر وأمثالِهِ من مُتشابهات أقوال الرسول (ص) يتشبّث البعض القليل !! ، فيأوّلوه على غير وجههِ الصّحيح ، وهُنا سنتكّلم بإسهابٍ واختصار ، موجّهين الكلام من خلال عدّة نقاط :

أوّلها : مرتبة الحديث : اعلمَ رحمَكَ الله أنّ لهذا الحديث عندَ الزيديّة أصلٌ من طريقٍ أبي العباس الحسني رحمة الله عليه ، إلى موسَى بن عبدالله بن موسى بن عبدالله المحض (ع) ، وهُوَ عن أبيه عن جدّه عن أبيه عبدالله المحض صلوات الله عليهم أجمعين . ورواه الغمام المنصور بالله (ع) في الشّافي بغير لفظ ، وهُوَ مُتلقّىً عند عموم أئمّة الزيدية بالقبول .

ثانيها : تأويلُه : وهُنا ننقلُ بعض متنِ الأثر عن المحض (ع) ، لبعض طولٍ فيه ، فقال (ع) ، قال رسول الله (ص) في خطبةٍ له : (( ... يَا أيّهَا النّاس، سُعِّرت النّارُ وأقْبَلَت الفِتَن كِقِطَعِ اللّيل المُظلِم، إنّكُم والله لا تَتَعَلّقُونَ عَليّ غَدَاً بِشيء ، ألاّ وإنّي قَد تَركتُ الثّقَلين، فَمَن اعتَصَمَ بِهِمِا فَقَد نَجَا، ومَنْ خَالَفَهُمَا هَلَك )). فَقَالَ عمَر بن الخطاب: ومَا الثّقَلان يَا رَسول الله؟ فَقَال: (( أحَدُهُمَا أعْظَمُ مِنَ الآخَر، كِتَابُ الله طَرَفٌ مِنهُ بِيدِ الله ، وطَرَفُ بِأيدِيكُم، وَعِترَتِي أهلَ بَيتي ، فَتَمَسّكُوا بِهِمَا لا تَضلّوا ولا تَذلّوا أبَداً، فَإنّ اللطِيفَ الخَبير أنْبَأني أنّهُمَا لَن يَفتَرِقَا حَتّى يَرِدَا عَليّ الحَوض، وإنّي سَألتُ الله ذَلِكَ فَأعْطَانِيه، ألا فَلا تَسبِقُوهُم فَتَهلِكُوا، ولا تُقَصّروا عَنهُم فَتَضِلّوا ، ولا تُعلّمُوهُم فَإنّهُم أعْلَمُ مِنكُم بِالكِتَاب، أيّهَا النّاس، احفَظُوا قَولِي تَنتَفِعُوا بِهِ بَعدِي، وافْهَمُوا عَنّي حَتى تَنْتَعِشُوا ، لِئلاّ تَرْجِعُوا بَعدِي كُفّاراً، يَضرِبُ بَعضُكُم رِقَابَ بَعض، فَإنْ أنتُم فَعَلتُم ذَلِك - وسَتَفعَلون - لَتَجِدُنّ مَنْ يَضرِبُ وجُوهَكُم بِالسّيف ... )) .

وهُنا تأمّل رَحِمَك الله تجدَ الرّسول (ص) حثّ على التَمَسّكُ بِالثّقلين ، كتاب الله وعترتِهِ أهل بيته ، وليسَ المُرادُ على شرطِ الزيدية بالعترة إلاّ جماعَة سادات بني الحسن والحسين ، لا ما ذهبَت إليه الجعفريّة من تخصيص أعيانٍ معروفين ، والمقامُ في هذه النّقطة مقامُ الكلام على تأويل هذا الخبر عندَ الزيدية ، نعم ! فبعدَ ما حثّ الرّسول (ص) على التمّسك بالثّقلين ، أتَى على ثلاثٍ أمورٍ مُكمّلة وحاثّة على الإقتداء الصّحيح بهذين الثّقلين ، فقال : (( لا تَسبقوهُم فتهلكوا )) ، أي لا تتعدّوا ما وقفَ عليه الثّقل الأصغر من أهل بيت نبيّكم ( سادات بني الحسن والحسين ) ، فتسبقوهُم بما ليسَ له أصل في الدّين ، فيكونُ في ذلكَ الهلاكُ لكم ، لعدم تقيّدكم بما اكتفَى به أهل البيت (ع) من تأصيلٍ في الدّين . أيضاً يُنبّه الرسول (ص) على نقيض المُسابَقَة لهم في علوم الدّين ، وهُو التأخّر عنهُم ، فيقول (ص) : ((ولا تُقَصّروا عَنهُم فَتَضِلّوا )) ، أي لا تُقصّروا وتتأخّروا في اتباعِ هذه الفئَة الفاطميّة ، والالتزام والإقتداء والتمذهب بما أصّلوه وفرّعوه وأجمعوا عليه ، لمَا في ذلكَ من الاجتنابِ للصوابِ ، فيقعُ به الضّلال . ثم بعد يذكُرُ الرسول (ص) حالَة ما بينِ المُسابقة بهُم والتقصير والتأخّر عنهم ، وهي التي عناها بقوله (ص) : (( ولا تُعلّمُوهُم فَإنّهُم أعْلَمُ مِنكُم بِالكِتَاب )) ، أي لا تُجادلوهُم فيما أجمَعوا عَليه ، ظنّا منكم في أنّ الحقّ سيقعُ في خلافِ إجماعهم ، وهذا كلّه منكم على نيّة أن تعُلّموا وتُصحّحوا إجماعاً قد سبقَ واتّفقَ عليه سادات بني الحسن والحسين من المتقدّمين والمتأخرين ، فَهُم أعلَمُ منكُم بالكِتاب والعقيدة المحمديّة الصحيحة ، لأنّهم لم ولن يُجمعوا على باطل . نعم ! وبهذا كلّه يحصلُ الإقتداء والتمسّك بالثِّقَل الأصغر ، لا تسِبق أهل البيت ، فتجعل عقلَك يستنبط ما لم يستنبطهُ ، ولم يَقُل به سادات أهل البيت (ع) . ولا تتأخّر عن الالتحاق بركبِ سادات بني الحسن والحسين والتّمذهب بمذهبهِم . ولا تُظهروا الأعلميّة عليهم بأمور الدّين فتُراجعوا إجماعَهُم ، تَزعُموا أنّكم أتيتُم بحقٍّ ليسَ هُم يَعرِفُوه ، وإلى هذا يُشير الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) في الشافي ، حكاته عنه حامي علوم الآل السيّد حميدان بن يحيى القاسمي (ع) ، فقال (ع) مُتكلماً عن هذا الخبر : (( فَهَذَا تَصريحٌ مِنه صلّى الله عليه وآله وسلم بِمَا قُلنا وفَوق مَا قُلنا مِن وجوبِ اتّباعِهِم، والإقتداء بهم، وأخْذِ العِلمِ عَنهُم، وقِلّة المخَالَفَة لهُم، وتَحرِيمِ الطّعنِ عَليهِم، فَكيفَ يَسوغ لمسلمٍ التخّلف عَنهُم فَضلاً عَن نِسبَة نَفسِه إلى الصّواب والوِفَاق، ونِسبَتهم بِزعمِه إلى الخلافِ والشّقاق ، لولا اتّباعُ الهَوى وتَغليبُ جنبة الظّلال على جنبة الهدَى )) (1) اهـ .

ثالثها : إن قال جعفريّ : تكلّمتم وأسهبتُم مُفسّرين الآل بسادات بني الحسن والحسين ، دونَ مَاذَهَبنَا إليه من اعتبارِهَا في أشخص معُين من هؤلاء الآل ، فهلاّ وضّحتم سبب إهمالكم لهذا الوجه ؟.

قُلنا : لسَبَبٍ رئيس وأسبابٍ أخرى تابعَة ، فأمّا السّبب الرّئيس فإنّه لا صحّة عندنا للنصّ على أشخاصٍ مُعيّنين بعد الحسين صلوات الله عليه ، وقد تكلّمنا في هذا بما لا مزيد عليه، يُقوّي كلامنا عدم اشتهار هذا النّص إلاّ عند طائفةٍ من طوائف المسلمين على أهميّته ، بل على أركزيّته في دين محمد (ص) ، وهذا هُوَ السّبب الرئيس ، يليه أسبابٌ أخرى منها : أن سياقَ الحديث السّابق جاء في الآل بعموم ، ( والآل باتفاق جمهور جمهور الأمّة ، لفظة يدخل فيها بني الحسن والحسين ) ، ومنه ، فإنّه لا مُخصّص في السّياق يخصّص بني الحسين بالمقصوديّة ، ولا بمعنى لفظة الآل ، بل هيَ لفظَة تعمّ بني الحسن والحسين ، ولهذا شاهدٌ من روايات الجعفريّة ( أعني أنّ اللفظات المُبرزَة لأهل البيت (ع) في الآيات القرآنيّة يُقصدُ بها أبناء فاطمَة ، أبناء الحسن والحسين ) ، فهذا علي بن موسى الرّضا صلوات الله عليه يُسألهُ الفقهاء في مجلس المأمون العبّاسي بعدَ أن سردَ حديثاً مُشابهاً لحديث عبدالله المحض (ع) السّابق ، يسألونَهُ عن معنى العترَة في السّياق ، هَل هُم الآل ( والمشهور عندَ فقهاء العامّة آنذاك أنّ الآل هم غير الإثني عشر من بني فاطمة ) ، فيُجيبُهُم ، بِنَعَم أنّ العترَة في حديث الثّقلين وأمثالهُ هُم الآل ، والآل هُم بنو فاطَمة ، ولن أطيلَ هُنا ولكن سأذكُر قبسات من كلامه صلوات الله عليه كشاهدٍ على ما نحنُ بصدده من إثبات أنّ لفظات العترَة في حديث الثقلين وأمثاله غير خاصّة بأشخاصٍ مُعيّنين من بني الحسين ، بل هي عامّة في أبناء فاطمة ، أبناء الحسن والحسين (ع) ، مُنّبها على قراءة الحواشي السّفلية:

* روى الشيخ الصدوق في [ عيون أخبار الرضا م1ب23ح1] :

(( ... فَقَال المأمون : أخْبِرونِي عَن مَعنَى هَذِهِ الآيَة : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا )) ، فَقَالت العُلماء : أرَادَ الله عزّ و جَلّ بِذَلِكَ الأمّةَ كُلّهَا . فَقَال المأمون : مَا تَقول يَا أبَا الحسَن ؟ . فَقَالَ الرّضا ( ع ) : لا أقُولُ كَمَا قَالوا ، و لكنّي أقُول أرادَ الله عزّ وجَلّ بِذَلِكَ العِترَة الطّاهِرَة (2) .... فَقَالَ المأمون : مَنِ العِترَة الطّاهِرَة ؟ . فَقَالَ الرّضَا (ع) : الذّين وصَفَهم الله فِي كِتَابِه فَقَال عزّ وجل : (( إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً )) ، وهُم الذينَ قَال رَسول الله (ص) : (( إنّي مُخلّفٌ فِيكُم الثّقَلين كِتابُ الله و عترتي أهلَ بيتي ألا و إنّهمَا لَن يَفتَرِقَا حتّى يَرِدَا عليّ الحَوض ، فَانظرُوا كَيفَ تخلفوني فِيهمَا ، أيّهَا النّاس لا تُعلّمُوهُم فَإنّهُم أعلَمُ مِنكُم . قَالَت العُلماء : أخبِرنَا يا أبَا الحَسن عَن العِترَة ، أهُمْ الآل ؟ أمْ غَيرُ الآل ؟ . فَقَال الرّضَا (ع) : هُمُ الآل (3) .. [ ثمّ سألَهُ العُلماء عن : هل فسّر الله الاصطفاء في كتابه الكريم ، ثم بدأ (ع) يذكر مواطن الاصطفاء من الله للعترة [ تأمّل شمول لفظة العترة والاصطفاء لبني الحسن والحسين ] في القرآن في اثني عشر موضعاً ، فكان منها قوله (ع) ] ... و الآية الخامسَة قولُ الله عزّ وجلّ (( وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ )) ، خُصُوصيّة خَصّهُم الله العَزيزُ الجبّار بِهَا ، و اصْطَفَاهُمُ على الأمّة [ تأمّل ] فَلمّا نَزَلَت هَذِه الآيَة على رسول الله (ص) قَال : ادعُوا إليّ فَاطِمَة، فَدُعِيَت لَه . فَقال : يَا فَاطِمَة . قَالت : لَبّيكَ يَا رَسولَ الله . فقال : هَذِهِ فَدك، مِمّا هِي، لَم يُوجَف عَليه بِالخيل و لا رِكاب ، و هِي لِي خَاصّة دُونَ المسلمِين ، و قَد جَعلتُها لَكِ لمّا أمَرَنِي الله تعالى بِه ، فَخُذِيهَا لَكِ و لِوَلَدِكِ [ تأمّل ] (4) ، فهذه الخامسة . و الآيَة السّادسة قَول الله عزّ وجل : (( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى )) ، و هَذِهِ خُصوصيّة للنبّي (ص) إلى يَومِ القِيَامَة وخُصوصيّة للآل [ تأمّل ] (5) دُونَ غَيرِهِم . ..[ ثمّ ردّ عليه المأمون : أنّ هذا لا خلاف عليه ، وأنّ هذا إجماع الأمّة ، وهذا دليلٌ على دخول بني الحسن والحسين في ألفاظ العترة السّابقة ودخولهم في خصوصيّة فدك ، وآية المودّة ، فهذا المشهور عند الأمّة ، وإنّما غير المشهور هو اختصاصُ الإثني عشر بلفظة العترة ، التي هي الآل ، وأنّ فدك لهم دون بني عمومتهم من بني الحسن ، وكذلك آية المودّة في ذريّة الرسول (ص) شملتهم دون بني عمومتهم من بني الحسين ، نعم ! وواصل الإمام الرضا (ع) سردَ الآيات القرآنيّة التي اختصّ بها أهل البيت ، مؤكّدا دخول بني الحسن والحسين في لفظ الآل والعترة المُفضّلة من الله سبحانه وتعالى ، فقال (ع) : ] ... وأمّا الثَامِنَة فَقول الله عزّ وجلّ : (( وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى)) ، فَقَرَنَ سَهمَ ذِي القربى بِسَهمِه ، وبِسَهم رَسُولِ الله (ص) ، فَهذَا فَضلٌ أيضاً بينَ الآل [ تأمّل ] (6) و الأمّة ، لأنّ الله تَعالى جَعَلَهُم في حيّز وجَعَلَ النّاس فِي حيّز دُونَ ذَلك ، ورَضِيَ لهُم مَا رَضِيَ لِنَفسِه ، واصْطَفَاهُم فِيه [ تأمل ] ، فَبَدأ بِنَفسِهِ ثمّ ثنّى بِرَسُولِه ، ثمّ بِذِي القُربى فِي كلّ مَا كانَ مِنَ الفَي‏ء و الغَنيمَة و غَير ذلك ..[ تأمّل الرضا (ع) كيفَ جعلَ أصحابَ الخُمس من بني فاطمة والمودّة ، ومن حُرمَت عليهم الصدقَة كما سترى قريباً ، من أولي الأمر المأمورين بطاعتهِم ، ومن أصحاب آية الولاية ، فإذا عرفتَ هذا ، عرفتَ أنّ سادات بني الحسين من أئمّة الجعفريّة بريئون من تهمَة إلصاق الفاظ العترة والثقلين والتبعيّة بهم دونَ غيرهم من سادات بني فاطمة أبناء الحسن والحسين ، ولن أطيلَ بالتعليق على ما سياتي لثقتي بانّ الباحث الحاذق سينفتحُ امامه استنتاجات كثيرة ] ... و كَذَلِكَ فِي الطّاعَة ، قَالَ : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )) ، فَبَدَأ بِنَفسِه ثمّ بِرَسُوله ، ثمّ بَأهلِ بَيتِه .كَذلكَ آية الولاية : (( إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ )) ، فَجَعَل طَاعَتَهُم مَعَ طَاعَة الرّسول مَقرونةً بِطَاعَته ، كَذلكَ وَلايتُهم مَع ولايَة الرّسول مَقرونةً بِطَاعته ،كمَا جَعَل سَهمَهُم مَع سَهم الرّسول مَقروناً بِسَهمِه فِي الغَنيمَة و الفَي‏ء، فَتبارَك الله وتعَالى مَا أعظمَ نِعمَتَهُ عَلى أهلِ هَذَا البَيت . فَلمّا جَاءت قصّة الصّدَقَة نَزّهَ نَفسَهُ ، ورَسُولَهُ ، ونَزّهَ أهَلَ بَيتِه [ تأمّل ] ، فَقال : (( إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَ الْمَساكِينِ وَ الْعامِلِينَ عَلَيْها وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِيالرِّقابِ وَ الْغارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ )) ، فَهَل تَجدُ فِي شَي‏ء مِن ذَلك أنّه سمّى لِنَفسِه أو لِرسولِه أو لذي القُربى؟! ، لأنّهُ لمّا نَزّهَ نَفسَه عَن الصّدَقة ونزّه رَسولَه و نزّه أهلَ بَيتِه ، لا ! بَلْ حَرّمَ عَليهم، لأنّ الصَدقة محرّمَه على محمّد (ص) و آله ، وهِيَ أوسَاخ أيَدي النّاس ، لا يحلّ لهُم لأنّهُم طُهّرُوا مِن كلّ دَنَسٍ وَوسَخ [ تأمّل إشارة لاشتمال آية التّطهير على الآل ] ، فلمّا طهّرَهُم الله عزّ وجَل و اصْطَفَاهُم ، رَضيَ لهم مَا رَضِي لِنَفسِه و كرهَ لهم مَا كرِه لِنَفسِه عزّ وجَل فَهذِه الثّامنة .. إلخ كلامه (ع) )) . اهـ .

نعم ! فهذا أخي الباحث من الرضا (ع) اعترافٌ صريح بمُشاركَة سادات بني الحسن وبل وإخوة الأئمة وبني عمومتهم من أبناء الحسين ، لخصائص التفضيل والاصطفاء الإلهي، ودخولِ ساداتهم في معاني حديث الثقلين والسفينة والنجوم وغيرها ، ومنه لم ولن يبقى مجالٌ لتأويل خبر شيخ آل الرسول في زمانه عبدالله المحض (ع) حول التمسّك والأعلميّة والتعلّم ، إلاّ ما كُنّا قد أشرنا إليه سابقاً .

ورابعها : إن قيل : ولكنّهُ قد وردَ على لسان الإمام يحيى بن زيد (ع) إثبات أعلميّة بني عمومته عليهم ، وذلكَ عندما قال في سَند الصّحيفَة السجّاديّة : ((كُلُّنَا لَهُ عِلْمٌ غَيْرَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُلَّمَا نَعْلَمُ، وَلاَ نَعْلَمُ كُلَّمَا يَعْلَمُونَ )) ، وكذلك قولُ الإمام زيد بن علي (ع) : (( من أراد الجهاد فإلي ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي )) ، أليسَ في هذا إشارَة إلى مزيد اختصاص بالعلم ؟ .

قلنا : اعلم رحمكَ الله ، أنّ لسادات أهل البيت (ع) من بني الحسن والحسين ، علوماً يروونها عن آبائهم ، كلّهم عن أبي عن جده عن أمير المؤمنين ، ولكنّها في الحقيقية ليسَت بتلكَ الكثرة التي يرويها الباقر والصادق والكاظم والرضا ! ، أتدري اخي الباحث لماذا ؟ ، فإن كنتَ لا تدري أخبرتُك ، بأنّ لهؤلاء السّادة مُلازمَةٌ جمّة وكثيرة بآبائهم أكثر من سادات بني الحسن وبعض بني الحسين ، انظُر محمد الباقر كان تلميذَ والده وربيب حضنه وبيته ، لا يكادُ يُفارقه طرفَة عين حتّى أنّه قد كان يُقال : ما رأت عين الباقر الكوفَة قط!!، وهذا يدلّ على مُلازمة لبيت أبيه زين العابدين ، بل ومُلازمَة دائمَة ، على عكس حالِ ابن عمّه عبدالله المحض فإنّ والدَهُ الحسن بن الحسن كان مُطارداً إلى مات من قبل السلطات الأمويّة ، فهل يتوقّع القارئ أن يروي هذا عن آبائه مثل ما يروي ذاك ؟! ، ولكن انظُر زيد بن علي عندما لازمَ والدَهُ زين العابدين مُلازمة كبيرة ( وهي أقلّ من مُلازمة الباقر لزين العابدين بالتأكيد ) ، انظُر زيد بن علي كيفَ روى كمّا هائلاً عن أبيه عن جده عن أمير المؤمنين ، حتّى بلغت رواياته مُسنداً كاملاً ، سيدلّك هذا كلّه أنّ الأعلميّة جاءت لطائفة من أهل البيت دون غيرهم لشدّة المُلازَمَة من الأبناء للآباء ، ومثاله ، انظر الكمّ الروائي الهائل عن الصادق (ع) ، وانظر الروايات القليلة عن النفس الزكية عن آبائه تجدها قليلة ، فما السبب برأيك ؟ ، انظر الصادق يُلازمُ أبيه مُلازمَة شديدة ، على العكس من النفس الزكيّة فإّنه عاشَ أكثر زمانه غائباً مُختفياً مُطارداً من السلطات العباسيّة ، وكان طوال هذه المدّة بعيداً عن والده ، وكذلك الحال مع يحيى بن عبدالله المحض (ع) مع ابن عمّه موسى الكاظم ، أضِف إلى هذه العوامل أنّا لا ننفي خاصيّة التفاضل في العلم بين أبناء فاطمة ، فمثلاً كان محمد النفس الزكية أعلمُ من أخيه سليمان، وكذلك كان علي بن موسى الرضا أعلمُ من أخيه زيد ، ومحمد بن القاسم الرسي كان أعلمَ إخوته ، وهلمّ جرّا ، ولكنّا معشر الزيدية نُشدّد في جعل اختصاصِ طائفةٍ من بني فاطمة مخصوصونَ بالعلم دون غيرهِم ، فإنّا نرى الجميع (( ذريّةٌ بعضها من بعض )) .

نعم ! وأمّا بخصوص ما رُويَ عن يحيى بن زيد (ع) في مقدّمة الصحيفَة السجّادية ، فإنّ تأويلَهُ داخلٌ ضمنَ كلامنا السّابق ، وهو حقّ ، أنّ محمد الباقر والصادق أكثرُ اختصاصاً بالعلم لمُلازمتهم آبائهم أكثر من غيرهم من علماء آل الرّسول ، ويحيى بن زيد يتكلّم عن نفسه ، فهو فعلاً لم يُلازم والدَهُ تلكَ المُلازمة مُقارنةٍ بمُلازمة ابن عمه الصادق لأبيه الباقر ، كيفَ لا ويحيى بن زيد (ع) استُشهد وهو في النيّف والعشرين من العُمر !! . تنبيه : لا يُعمّم كلام يحيى بن زيد (ع) على جميع أهل البيت من سادات بني الحسن والحسين ، فإنّ الإمام زيد بن علي (ع) فاقَ أهل دهرهِ علماً وشجاعَة ، حتّى صارَ أعلَم وأفضل من جعفر الصادق (ع) ، فتجدهُ (ع) يقول لأصحابه وهُوَ مُمتطٍ فرسه ، ورايات الحرب تُرفرف على رأسه : (( سَلونِي، فَوالله مَا تَسألونِي عَن حَلالٍ وحَرام، ومحكَمٍ ومُتَشابَه، ونَاسِخٍ ومَنسوخٍ، وأمَثالٍ وقَصصٍ ، إلاّ أنبَأتكُم بِه، والله مَا وقَفتُ هَذا الموقفَ إلاّ وأنَا أعلمُ أهل بيتي بما تحتاجُ إليهِ هذهِ الأمّة )) (7) ، بلْ حتّى باقر علوم الأنبياء يشهد بأعلميّة على أهل زمانه ، فيقولُ لمَن وفدَ إليه : (( بايعوهُ فإنّه اليوم أفضَلُنا )) (8) ، ويقول الإمام زيد (ع) مُؤكّداً علمه ، ومُتكلّماً بفضل الله عليه ، (( والله لَقَد عَلِمتُ عِلمَ أبي عَلي بن الحسين، وعِلمَ عمّي الحسَن، وعلم جدّي الحسين عليهم السلام وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول الله وعَيبة عِلمِه، وإنّي لأعلَمُ أهل بيتي، والله مَا كَذَبتُ كذبة منذ عَرفتُ يَميني مِن شمَالي، ولا انتهَكتُ محرَمَاً مُنذُ عَرفتُ أنَّ الله يُؤاخِذُني، هَلمّوا فَسَلونِي )) (9) ، وكذلك محمد بن عبدالله النفس الزكيّة صلوات الله عليه فإنّ القاسم بن مسلّم أخبرَه أنّ بعض النّاس يُشكّك في علمه وفقهه ، فردّ عليه النفس الزكيّة قائلاً : (( يَا قَاسم بن مسلّم، مَا يَسُرّني أنّ الأمّة اجْتَمَعَتَ عَليّ فَكَانَت كَعلاقَة سَوطِي هَذَا، وأنّي سُئلتُ عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لَم آتِي بَالمخرج مِنه، يَا قَاسِم بن مسلّم ، إنّ أضلّ النّاس مَن ادّعَى أمرَ هَذهِ الأمّة ثمّ يُسأل عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لم يأتِ بِالمخرَج مِنه. )) (10) ، ومنه اعلمَ رحمكَ الله أن صفَة العلم في هؤلاء كما هي أولئك ، ولا يُحملُ قول الإمام زيد بن علي (ع) السّابق (( من أرادَ الجهاد فإليّ ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي )) ، على أعلميّة الصادق على زيد بن علي (ع) ، ولكن الإمام صلوات الله عليه يُشير إلى أن مكان التفقّه والتعلّم في حلقات الدّرس والتدريس ، وأنّ ما هُوَ فيه الآن مقام جهاد وأمر بمعروفٍ ونهي عن مُنكر ، فليسَ تفرّغ العالم و قائد الكتائب في ساحات الوغَى ، كتفرّغ العالمِ في المساجد ، فافهم ذلك رحمك الله . وبهذه الإشارَة نختم كلامنا هُنا ، وبها نُصلّي ونسلّم على سيّد الخلق أجمعين محمد بن عبدالله ، وعلى آله الغرّ المسامين سادات بني الحسن والحسين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين ، والتّابعين لهم بخيرٍ وإحسان إلى يوم الدّين .

===================================

(1) مجموع السيّد حميدان ، الأقوال العاصمة من الضلال .
(2) يروي صاحب البصائر بسنده ... ، سورة بن كليب عن أبي جعفر عليه السلام ، أنه قَال فِي هذِه الآية : (( ثم أورَثنَا الكِتاب الذين اصطَفينَا مِن عِبَادِنَا )) ، الآية ، قال : السّابق بِالخَيرات الإمام ، فَهي فِي وَلَد عَلي وَفَاطِمَة [ تأمّل ، وبني الحسن والحسين من أولاد علي وفاطمة ] عليهم السلام. )) [ بصائر الدرجات م1ب21ح3 ] ، وروى الكليني بسنده ، عن أحمد بن عمر قال: سَألتُ أبَا الحسن الرّضَا عليه السلام عَن قَول الله عزّ وجَل: (( ثمّ أورَثنَا الكِتاب الذينَ اصطَفَينَا مِن عِبادِنا )) الآية، قَال: فَقَال: ولَدُ فَاطِمَة [ تأمّل ، وولدُ فاطمَة هُم أبناء الحسن والحسين ] عَليهَا السلام ، والسّابقُ بالخيرات: الإمام، والمقتصد: العارف بالإمام، والظالم لنفسه: الذي لا يعرف الإمام. )) [أصول الكافي باب في أن من اصطفاه الله من عباده وأورثهم كتابه هم الأئمة (ع) ح3] .
(3) والآل لفظة تشمل بني الحسن والحسين ، وتأمّل كيف سيُدخلُ الرضا (ع) بني الحسن والحسين في كلامِهِ عن هؤلاء الآل ، وذلك في كلامه التالي ( راجع سياق النص ) .
(4) تأمّل ، أن الرسول (ص) يقول ، خُذيها لك ولولدك ، وتأمّل أنّ الرضا (ع) يُثبت خصوصيّة واصطفاء من الله بهذا الإعطاء ، وهُوَ يشمل فاطمة وأولادَها بلا شك ، وهُنا اسأل نفسَك أخي الباحث : أكانت فدكاً في التاريخ الإسلامي حكراً على أبناء الحسين فقط ، امّ انّها كانت في أيدي بني الحسن والحسين جميعاً ، فإذا وُفّقت لمعرفة الجواب ن فاعلم أنّ الاصطفاء والشرف والتفضيل شملَ هؤلاء كما شملَ هؤلاء .
(5) هنا تأمّل وأمعِن النّظر ، فهل سأل الرسول المودّة لبني الحسين فقط ، بل لتسعةٍ منهُم ، دون أبناء الحسن ، والتاريخ شاهدٌ فيما بيننا وبين المُجيب . ولا يفوتك أيضاً أن تنظر إلحاق صفة المودّة بالآل ، وتفسير الرضا (ع) الآل بالعترة في حديث الثقلين .
(6) وهنا أيضاً تأمّل أنّ لسادات بني الحسن والحسين حقّ في الخمس .
(7) رواه أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح
(8) رواه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ، كتاب معرفة الله عز وجلّ .
(9) رواه أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح
(10) رواه أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح .
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الجمعة يوليو 07, 2006 7:18 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“