وَقَفَات مع الأكوَع .... ( في كتَابه ) .... نشوان الحِميَري

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

وَقَفَات مع الأكوَع .... ( في كتَابه ) .... نشوان الحِميَري

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم

وقَفَات معَ الأكوَع ... ( في كِتَابِه ) ... نَشوَان بن سَعيد الحِميَري

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، محمد بن عبدالله النبي الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين ، والتابعين لهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدّين .

وبعد :

استَوقفنا كتابٌ ألّفهُ قاضٍ ذو باعٍ في التّمحيص ، فَعمِلنَا على فحصِ وتمحيصِ تمحيصِ القاضي ، وذلك لاستلهامنا قول مَن قال : إنّ النّاقد بَصير ، فوجدنا القاضي إسماعيل بن علي الأكوع في كتابه (نشوان بن سعيد الحِميري ، والصّراع الفِكري والسياسي والمَذهبي في عصره) ، قد وهمَ على الزيدية ، وهُوَ القريبُ منها ، ولسنَا نحملُ وهمَهُ إلاّ بكلّ محمَلٍ حَسَن ، على أنّ كتابيهِ حول (الزيدية نشأتها ومعتقداتها) ، و (الإمام محمد بن إبراهيم الوزير) ، لا تجعلُ الشّخص يحملهُ هذه المحامِل ، ولكنّا نتّبع حُسن الظّن قدرَ المُستطاع ، فليسَ أحدٌ أجلّ من أن يُنقدَ إلاّ الله سُبحانه وتعالى ، فلهُ حقّ النّقد والبحث عمّا يراهُ صواباً برأيهِ ، ولنا حقّ الرد عليه وإبراز ما نراهُ صواباً برأينا ، بدون تعسّفٍ ولا إسفافٍ في القول ، وللقارئ الحُكم والتمييز ، فالعقلُ حجّةٌ لله على العِباد .

نعم ! وهُنا سنعملُ على استعراض بعض ما نعتبرهُ إجحافاً وخطأً من قاضٍ أصبحَ قُدوةً لغيرهِ من النّاس ، وليس بالضرورة أن نخصّ بالاعتراض شخص نشوان بن سعيد الحميري وسِيرَته ، ولكنّ سنتعرّض لكتابهِ ككل ، المتنُ ، والحواشي ، والإيعازُ للمراجع . فنقول مُتكّلين على الله سبحانه وتعالى :

الوَقفَة الأولَى : قال القاضي إسماعيل الأكوع ، في حاشيةٍ له ص 11 :

(( بدأ ظهور الاعتزال في اليمَن على يد الإمام الهادي يحيى بن الحسين في أواخر المئة الثالثة ، وقد اعتمدَ أئمّة اليمَن على كُتب المُعتزلَة ... وذكرَ يحيى بن الحسين في كتابه (أنباء اليمن) في أخبار سنة 566 ما لفظه : وفي أيام أحمد بن سليمان خرجت كُتب المعتزلة من العراق إلى اليمن ، على يد القاضي جعفر بن عبدالسلام ، لمّا سافرَ إلى تلك الجهة ، فمِن ذلك الوقت ظهرَ واستظهر مذهب المعتزلَة وكتُبُهُم في اليمن ، وتمسّكَ به أيضاً المطرفيّة ، وتابعوا أبا القاسم البلخي ، وسائر الزيدية المُخترعَة تابَعوا أبا هاشم (عبدالسلام بن محمد بن عبدالوهاب الجبائي المعتزلي) ، وكان قبل ذلك في اليمن غير معروفٍ بين أئمّة أهل البيت ولا غيرِهم من سائر العرب ، وإنّما كانَت معرفَة علمائهم المعرفةَ من التمسّك بالكتاب وصحيح السنّة ، وهُو الذي كان عليه السلف الصالح )) اهـ .

تعليق : تنبّه أخي القارئ ، فالقاضِي أخطأ في الإيراد هُنا ، وسنُبيّن خطأهُ من خلال عدّة استقراءات :

الاستقراء الأوّل : أنّه قال : ((بدأ ظهور الاعتزال في اليمَن على يد الإمام الهادي يحيى بن الحسين)) ، والمُؤرّخون على غير هذا التعبير ، وعلى رأسهِم نشوان الحميري!، فهم يقولون : أنّ الإمام الهادي أوّل من أدخلَ الزيدية إلى اليمَن . وفَرقٌ بين الزيدية والاعتزال ، إلاّ إن كانَ القاضي يَرَى أنّ الإمام الهادي (ع) كانَ مُعتزليّاً ؟! ، وهُنا يُسألُ عن الفرقِ بين الزيدية والمُعتزلة ؟ ولا جوابَ إلاّ مسألة الإمامة . والإمام الهادي كانَ قائلاً بها على مذهب أهل البيت (ع) ، فصارَ بهذا زيديّاً لا مُعتزليّاً ، فافهَم ذلك . وأمّا إن كانَ قصدُه أنّ الهادي هُوَ أوّل مَن أدخلَ أفكارَ المُعتزلَة من خلال مذهب الزيدية إلى اليمَن ، فهذا يتوقّف على فَهمِه لأصول وعلاقة مذهب الزيدية بسادات أهل البيت (ع) دونَ المعتزلَة ، لأنّ عبدالله العالم أخو الهادي كان قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، وكذلك الحسين والد الهادي كانَ قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، وكذلك محمّد بن القاسم عمّ الهادي كانَ قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، وكذلكَ القاسم الرسي جدّ الهادي والذي ماتَ وعُمُر الهادي سنةٌ واحدَة كان قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، وكذلكَ عبدالله بن موسى بن عبدالله المحض كانَ قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، وكذلك أحمد بن عيسى بن زيد بن علي كانَ قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، وكذلك الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي كانَ قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، وكذلك محمد بن القاسم بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين كانَ قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، وكذلك علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين كانَ قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، بل وحتّى النّاصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين كانَ قائلاً بمذهبِ الزيدية بأصولِهَا التي يرى فيها القاضي أصولاً اعتزاليّة !! ، فأيّهُم يتّهمُ القاضي إمامَ اليَمن يحيى بن الحسين (ع) بالتميّز عن مذاهبهِم فيه ؟! (إن كانَ يقولُ هذا، وكتابه حول الزيدية ونشأتها يقول : أنّه يقولُ بهذا ، والله المُستعان) .

الاستقراء الثاني : أنّ القاضي بنقلهِ لكلام صاحب أنباء اليمَن ، من أنّ الكُتُبَ المعتزليّة لم تَرِد إلى اليمن إلاّ عامَ 566 هـ ، وأنّه ما ظهرَ ولا استظهَر إلاّ بعد ذلك التاريخ ، وأنّ أئمّة أهل البيت (ع) قبل ورودها كانوا ينتهلونَ مَعارفهم من الكتاب والسنّة الصحيحة ، قد ردّ على نفسِهِ بنفسِه ، وأبطلَ مقولَته أنّ الهادي أوّلُ مَن أدخلَ الاعتزال إلى اليمَن!! ، بل إنّ في هذا إثباتُ صحّة مشارب أئمة الزيدية (ع) قبل دخول هذه الكتُب إلى اليمن ، أي قبل عام 566هـ ، وهذا الاعتراف من القاضي أو من صاحب أنباء اليمَن ، يُبرّءُ ساحَة أئمة الزيدية المُعاصرين لحادثَة لنقل الكتب أو المُتأخّرين عنهُم ، لأنّ أصولَ المُعاصرين والمُتأخّرين مُطابقةٌ لأصول المُتقدّمين لهذه الحادثة ، فلو تأمّلنا عقيدة الهادي (ع) أو ابنه المرتضى أو النّاصر لوجدناها عقيدة المنصور بالله عبدالله بن حمزة !! ، فافهَم ذلك.

الوَقفَة الثانيَة : قال القاضي إسماعيل الأكوع ، ص 15 ، مُتكلّماً عن مذهب نشوان ومُعتقَدِه:

(( فقدَ وجدَ نفسَهُ يعيش في بيئةٍ انتشرَ فيها مَذهبُ الهادويّة ، (نشبةً إلى الإمام الهادي يحيى بن الحسين المُتوفي بصعدة سنة 298هـ) المعروف تجوّزاً !! بالمذهب الزيدي [ ثمّ وضعَ حاشيةً تقول : ] وذلكَ لأنّ الهادي وأتباعه يقولون بإمامة زيد بن علي ، ووجوب الخروج من الظّلمَة ، ويحصرون الإمامَة في مَن قامَ ودعَا من أولاد الحسنين ، وهُو جامعٌ لشروط الإمامة ، فمَن قالَ بإمامته فهو زيدي ، وإن لَم يلتزِم مَذهبَهُ في الفروع ، فإنّ أكثر الزيديّة على رأي غيره في المسائل الاجتهاديّة والمسائل النظريّة )) اهـ .

تعليق : هُنا لن نختلفَ كثيراً مع القاضي ، لأنّه أثبتَ أنّ الخلافَ بين الهادوية نسبةً إلى الهادي ، والزيدية نسبةً إلى زيد بن علي ، ليسَت إلاّ اختلافات في مسائل اجتهاديّة نظريّة، وفي هذا الاعتراف والإقرار تأكيدٌ منه لاشتراك الهادوية والزيدية في غيرِ المسائل الفروعيّة الاجتهاديّة النظريّة ، كمسائل التوحيد والعدل والوعد والوعيد والإمامَة ، وهي أصولُ الدّين . وأمّا الاختلافُ في الاجتهاد وتعددّ المدارس الفقهيّة من خلاله فلا بأس به مادامت الأصول واحدَة ، على أنّ هُناك أصولاً فقهيّة ما زالت مُشتركَةً بين هذه المدارس الفقهيّة العلويّة الفاطميّة ، وإنّما اختلفوا في النزر اليسير منها ، فمن مدارسِهِم الفقهيّة القاسميّة نسبةً إلى الإمام القاسم الرسي (ع) ، والنّاصرية نسبةً إلى الإمام الناصر الأطروش ، والهادوية نسبةً إلى الهادي إلى الحق ، وليتأكّد كلامنا لكَ أخي الباحث ، فانظُر تعدّد هذه الثلاث المدارس الفقهيّة واقرأ عقائدها العقديّة الأصوليّة ، قراءةَ مُقارنَة ، فستجدُها أصولاً واحِدَة تحت ثلاث مدارس فقهيّة ، ثمّ تأمّل هذه المدارس الفقهيّة ستجدُ أنّها اشتركَت في أصولٍ فقهيّة كثيرَة واختلفَت في شيء بسيطٍ من فروعها . فإذا استيقَنَت نَفسُكَ هذا ، فقِس الجميع على مدرسَة زيد بن علي الفقهيّة التي لم تُخالف أصول هذه المدارس القاسميّة والناصريّة والهادويّة العقديّة . وقد فطنَ لهذا الإمام محمد بن الحسن الدّاعي لمّا وافَى الدّيلم قادماً من بغداد فرأى النّاصريّة تُضلّل القاسميّة ، والقاسميّة تُضلّل النّاصرية بسبب فروع الشريعة التي يكون فيها الاجتهاد ، فجمعَهُم الإمام وبيّنَ لهُم أنّ مَذهبَ الإمامَين القاسم بن إبراهيم والحسن بن علي الأطروش واحد ، فتفهّموا وكفّوا . وهُنا افهَمَ رحمَك الله أنّ مذهب الهادي والنّاصر والقاسم وزيد والباقر والكاظم والمحض واحد ، فتفّهموا وكُفّوا .

الوَقفَة الثالثَة : قال القاضي إسماعيل الأكوع ، ص 15 ، مُتكلّماً عن احتجاج نشوان باتباع الكتاب والسنة دونَ النصوص التقليديّة :

(( ورأى –نشوان- أتباعَ هذا المَذهب ، يُرجّحونَ أقوال الهادي على مَا عدَاها ، حتّى يُرجّحوها أحياناً على أدلّة كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، كمَا هُو الحال في بعض المذاهب الأخرى ، فرفضَ التقليد ونفرَ منه ، [ ثمّ ذكَر كلاماً ، مفادُه أن نشوان كان يحتجّ على المُقلّدين والمُحتجّين بالإجماع الفاطمي بالكتاب والسنّة ] )) اهـ .

تعليق : وهُنا نفرضُ تسليمَ القاضي ، بل نُوجبُ عليه أن يُسلّمَ بصحّة عقيدة نشوان بن سعيد فيما سلكَ من احتجاجٍ بالكتاب والسنّة على غيره من المُقلّدين! ، ولسنا نُوجبُهُ عليه ، إلاّ لأنّا وَجدناهُ بكلامهِ هذا ينتصرُ لنشوان ويقطعُ بصحّة موقفهِ على هؤلاء العلماء المُحتجّين عليه بحجج أئمة الزيدية الفاطميين ، الذين لم يأتوا بحججهم من توراة موسى ولا من إنجيل عيسى بل أتَوا به من كتاب الله وسنّة نبيّه (ص) ، كمَا أتى بها نشوان حسب كلام القاضي الأكوع ، فإن كانَ هذا كذا ، فإنّ نشوان لَم يُخالف في أيّ مسألَة من مسائل أصول الدّين من التوحيد والعدل والوعد والوعيد عدَا مَسألَة الإمامَة ، وفي ذلك يقول :

أيّهـا الـسّائـلُ عنّـي إنّنـي ********* مُظهرٌ مـن مَذهبي ما أُبطنُ
مَذهبي التّوحيد ، والعدلُ الذي****** هُوَ في الأرضِ الطّريقُ البَيِّنُ


نعم! فهلَ سيقولُ القاضي ومن يتشيّع في نشوان بقولِه ، ويجعل من فَهمِه للكتاب والسنّة دليلاً على الحقّ في مَا ذهبَ إليه من العدل والتوحيد والوعد والوعيد ؟! ، فيكونُ مُعتزليّاً كما وصفَهُ علي بن الحسن الخزرجي في العقد الفاخر بقوله : الإمام العلاّمة المُعتزليّ النَحوي اللّغوي .. إلخ ، وكما أُثبِتَ من شعرِه وقولِه ، وقد نقلَ القاضي الأكوع قول الخزرجي هذا على جهَة الاستظهار بمنزلة نشوان المَنيفَة!! . نعم ! فهل سيقولون بصحّة استنباط نشوان صحّة هذه العقيدة في هذه الأصول الدينيّة الأصيلَة ، أم أنّهم سَيقُولون بأنّه أخطأ في استنباط الصحيح من الكتاب ، وأخطأ وجه الصواب من السنّة النبويّة !! ، فعندَها سنقول لهُم : وما وجهُ اعتراضكم علينا إن قُلنا أنّه أخطأ وجْهَ الصّواب في فَهمِ واستنباط آيات التفضيل من كتاب الله الكريم ؟! ، وأبعدَ عَنْ فَهمِ نصُوص السنّة في الحثّ على التمسّك بثقل الله الأصغر والتقديم لهُم ؟! ، وللقارئ الاختيار في هذا ، وأمّا القاضي فعليهِ التسليم ، لأنّا وَجدناهُ يحطّ من قدر الزيدية ويُصوّب نشوان في عدم قولِه بالتفضيل والإمامَة بدعوى اتّباع أدلّة الكتاب والسنّة وعدم التقليد كحال السّلف الصّالح!! ، والله المُستعان .

الوَقفَة الرابعَة : قال القاضي إسماعيل الأكوع ، ص 19 ، مُتكلّماً فرقَة المطرفيّة ، وسبب مُحاربَة الإمام المنصور بالله لها :

(( وكانَت الهادوية قد انقسَمَت على نفسِها ، فظهرَت منهَا فرقتان ، إحداهُما ، تُدعى المطرّفية ... وهيَ هادويّة في فروع الفقه ، إلاّ أنها كانَت ترى أنّ الإمامة العُظمى تصلحُ في الأفضل والأعلم من المسلمين ، وهُوَ ما كان يَدعو إليه نشوان نفسه ، وكانَ هذا هُو السبب في أنّ الإمام عبدالله بن حمزة المُتوفّى سنة 614هـ نقمَ عليهِم ، وأبادَهُم على بكرة أبيهم )) اهـ .

تعليق : هُنا مُجازفَة من القاضي في الحُكم ، إذ أنّ الإمام عبدالله بن حمزة صلوات الله عليه لم يُحارب المطرفيّة لأجل عدم قولهِم بالإمامَة فقط ، بل لسوء عقيدتهم في الله توحيداً وعدلاً ، وإظهارهم الشّقاق عليه ، ومَن تأمّل رسائل المنصور بالله (ع) وقصائده ، سيجدُهُ مُتوجّعاً من سوء عقيدتهم في الله سُبحانَه وتعالى ، وهذا ما نشأ من فَراغ ، فكانَ الأحرى بالقاضي أن يُضيفَ إلى جانب سبب حرب الإمام لهم وإبادتهم سوء عقيداهِم في الله حتى يكون بريئاً من تُهمّة التدليس ، إلاّ إن كانَ يقولُ أنّ هذه الفرقة المُطرفيّة ما خالفَت على الزيديّة إلاّ في الإمامَة فقط! ، وهُنا نقول : أنّ هذا قولُ مَن لم يقرأ التاريخ، ولم يطّلع على صولات وجولات المتوكّل على الله أحمد بن سليمان والقاضي جعفر مع هؤلاء المطرفيّة ، وهُم السّابقون لعصر المنصور بالله ، وماكانوا يُجادلوهُم أكثر ما يُجادلون إلاّ في أصولُ الدّين ومُخالفتهِم الفظيعَة فيها ، فافهَم ذلك .

الوَقفَة الخامسَة : قال القاضي إسماعيل الأكوع ، ص 20 ، مُتكلّماً عن فرقَة الحسينيّة ، وما نُسبَ إلى الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم العياني (ع) :

(( والأخرى الحسينيّة (نسبةً إلى المهدي الحسين بن القاسم العياني) ... وذكر أحمد بن عبدالله الوزير في كتابه (تاريخ آل الوزير) ، أنّه صدرَت من الحسين أفعال وأقوال ، منها : أفضلُ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ، وأنّ كلامَه ابهرُ من القرآن إلى غير ذلك [ ثمّ ذكرَ القاضي حالَ أتباع هذه الفرقة الحسينية واستعرضَ جهالاتها] )) اهـ .

تعليق : لا يَهمُّنا هُنا إلاّ توضيح الالتباس حولَ ما نُسبَ إلى الإمام المهدي الحسين بن القاسم العياني (ع) ، دونَ ما استعرَضَهُ القاضي إسماعيل من جهالات أتباعِ هذا الإمام ، بل إنّه ساعدَنَا في كشف قناعِ إلصاق تُهمَة ادّعاء الحسين (ع) الغيبَة والمهدويّة ، وذلكَ عندما ذكرَ في ص21 أنّ جعفر بن القاسم أقبلَ بعد قتل أخيه الحسين والنّاس مُجتمعون ، فلامَهُم (أي لامَ النّاس) على الاعترافِ بقتلِ الحسين ، وقال : (( بِمثلِ هذه العقول تُلاقون النّاس! ، إنّ همدان وكرُنا ، فإن نَسبْنَا إليهم قَتلَهُ ، ونَقمْنَا بالثّأر لم يَصلُح ، وإن تَرَكْنا (يعني الثّأر) لَحِقَنَا النّقص ، فأظهِروا حياتَه )) ، وهُنا تأمّل كيفَ أنّ الأتباعَ هُم مَن ادّعى في الحسين الغيبَة والمهدويّة ، فكانَ هذا دليلاً جليّاً للقاضي حتّى يُبرّئ رايَة الإمام من جهالات الأتباع ، فليسَ ذنبُ الحسين أن كان هؤلاء أتباعهُ ، وليسَ ذنبُ محمد بن القاسم الطالقانيّ إن كان أصحابه ادّعوا فيه المهدويّة ، وليسَ يضرّ النفس الزكيّة في ما ادُّعيَ فيه من الغيبَة والمهدويّة ، والله المستعان .

ثمّ اعلم أخي القارئ ، أنّه قد ثبت لنا براءةُ الحسين بن القاسم العياني (ع) ، وهذه كُتبُه ورسائلُهُ بين أيدينا موجودَة ، وقد كُذِبَ على رسول الله (ص) ، فما بالُكَ بالحسين ، وقد كان يتشكّى مِنَ المُنتحلينَ له ، المُتقوّلينَ عليه ، وهُوَ حيّ !! ، فقال (ع) : ((وَلَسْتُ أُصَدّقُ بِكلّ مَارُوِيَ لِي مِن الرّوايَات عَن رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لِقِلّة الثّقَات ، وطُولِ الزّمَان، وهَا أنَا أسْمَعُ فِي حَيَاتِي مِنَ الرّوايَاتِ الكَاذِبَةِ عَليَّ مَالَمْ أقُلْ ولَمْ أفْعَل، فَرُبّمَا سَمِعَ بِذَلِكَ أولياءُ الله فَيُصَدّقُونَ بِهِ والعَهْدُ قَرِيب فَكيفَ بِرَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولَهُ مُدّةٌ طَويلَةٌ مِنَ الزّمَان )) اهـ من مجموع السيّد حميدان (ع) . ونزّهَهُ المتوكّل على الله أحمد بن سليمان (ع) في كتابه حقائق المعرفة ، فقال : ((وَنَحْنُ نَنْفِي عَنهُ هَذَا الكَلام، ونَقُولُ: هُوَ مَكذوبٌ عَليه، ولا يَصِحّ عَنه)) وذكره الإمام الحجّة مجدالدين بن محمد المؤيدي في التحف شرح الزلف ، تحت سيرة الحسين بن القاسم ، والحمد لله ربّ العالمين .

الوَقفَة السادسَة : قال القاضي إسماعيل الأكوع ، ص 32 ، مُتكلّماً على حديث (الأئمّة من قريش) ، وما ذَكرَهُ عن الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد من ردّ له :

(( وهذَا-عدم تصحيح حديث الأئمة من قريش- هوَ ما ذهبَ إليه الإمام المنصور القاسم بن محمد المتوفّى سنة 1029 ، أحد أئمة اليمن ، وعلمائها الكبار ، في كتابه (الأساس لعقائد الأكياس) في كتاب (الإمامة) من الكتاب نفسه في معرض ذِكر مَن يستحقّ الإمامة بقوله : (( جُمهور المعتزلة وغيرُهم ، بل كلّ قرشي ، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (الأئمّة من قريش) ، قلنا : هذا الحديث غيرُ صحيح (تأمّل) لقول عمر بن الخطاب : (( لو كان سالم مولى أبي حذيفَة حيّاً ما شككتُ فيه )) ، وسالم المذكور ليسَ من قريش ، ولم يُنكر مَن حضرَ من الصّحابَة على عُمَر ، فلَو كانَ الحديثُ صحيحاً لأنكروا عليه ، معَ أنّهُ آحادي لا يثبت الاحتجاجُ به في هذه المسالة لأنّها من أصول الدّين ، وإن سُلِّمَ فَهُو مُجملٌ بيَّنَهُ خبرُ الوصي (عليه السلام) وهو قولُه : (الأئمّة من قريش في هذا البطن من هاشم ) ص161-162 )) اهـ .

تعليق : هُنا يتفرّع الكلام ، ويطول ، حتّى يتّضحَ لنا أبعاد تأويل الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد صلوات الله عليه ، ونفيه لهذا الحديث ، فنتكلّم هُنا في عدّة نقاط :

النقطة الأولى : أنّ الإمام القاسم (ع) ، لا يستنكرُ من هذا الحديث ، إلاّ استدلالَ من استدلّ به من المعتزلَة دخولَ جميع قريشٍ فيه ، الفاطميون وغيرهم ، فهُوَ بهذا الوجه عندَهُ باطلٌ لا يصح . وذلكَ لقول الرسول (ص) : (( الأئمّة مِنْ قُريش)) ، ومِن هُنا تبعيضيّة ، خصّت بعضَ قريش ، والإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه فسّرَ هذا التبعيض ، بما هُو جليّ فقال (ع) : ((الأئمّة مِن قُريش فِي هَذا البَطن مِن هَاشِم)) ، فتجدهُ (ع) قد خصّ بني هاشم من قريش ، ثمّ خصّ أبناء فاطمة صلوات الله عليها وعليهم من بني هاشم.

النقطة الثانية : أنّ تعلّل عمر بن الخطّاب عندي ليسَ إلاّ من باب المُبالغَة ، التي تُعبّر عن شدّة التحرّي في اختيار الخليفَة ، لا أنّه كانَ يرَى أنّ الخلافَة تصحّ في سالم مولى أبي حذيفة ، بدليلِ احتجاجهُ وأبو بكر يوم السّقيفَة بأنّ الأمرَ في قريش ، فردّ عليهم أمير المؤمنين علي (ع) ، بأنّهُم احتجّوا بالشجرَة وأضاعوا الثّمرَة ، ثمّ لا يفوتك أن تتأمّل أنّ عمر بن الخطاب لم يُدخل في الستّة أصحاب الشّورى إلاّ مَن كان قُرشيّاً دون بقيّة الصحابة على جلالة قدرهِم .

النقطَة الثالثة : نستعرضُ فيها احتجاجَ أبو بكر على الأنصار يوم السّقيفة بأنّ الخلافَة لا تكونُ إلاّ في قريش ، فمنهَا ما رواه أبو العبّاس الحسني في المصابيح ، من قول الإمام محمد بن عبدالله النفس الزكيّة (ع)، أن أبو بكر خاطبَ الأنصار قائلاً: (( وَقَدْ سَمِعتُم قَولَ رَسُول الله: (إنّ هذَا الأمر لا يصلُحُ إلاّ فِي قًريش) )) ، ويذكرُ الطّبري في تاريخه 2/234 ، وابن كثيرٍ أيضاً في البداية والنهاية 5/247 ، مُخاطبة أبي بكر لسعد بن عبادة بقوله : ((ولقَدْ عَلِمْتَ يَا سَعد أنّ رَسُولَ الله ، قَال وأنْتَ قَاعِد ، قُريشٌ ولاةُ هَذَا الأمْر ، فَبرّ النّاس تَبعٌ لبرّهِم وفَاجِرُهُم تَبَعٌ لفَاجِرِهِم)) ، ويذكرُ ايضاً ابن خلدون في مقدّمته 1/194 ما نصّه : ((وأمّا النّسَبُ القُرَشيّ فَلإجمَاع الصّحَابَةَ يَوم السّقِيفَة عَلى ذَلِكَ ، واحتَجّت قُريشٌ على الأنصَار لمّا هَمّوا يَومَئذٍ بِبَيعَة سَعد بن عبَادة ، وقَالُوا منّا أميرٌ ومنكُم أمير ، بِقَولِه الأئمّةُ مِن قُريش)) .

النقطَة الرابعَة : أنّ أبو بكر ومَن معه احتجّوا يوم السّقيفَة بالشجرَة وتركُوا الثّمرَة ، فأورَدوا إيراداً غيرَ مُناسب ، إذ أنّ الأمر لم يَكن في كلّ قريش ، بل كانَ في بعض قريش، والبعضُ هؤلاء هُم المتبوعين لا الأتباع ، ولا نعلُم أحداً من قريش أمرَ الله ورسولُه باتّباعه إلاّ الّثقل الأصغر ، وسفينة نوح ، ونجوم السماء ، وباب حطّة ، أبناء البتول والمرتضى ، وأحفادُ النبيّ المُصطفى ، وشطيريّ ريحانتا رسول الله وسيّدا شباب أهل الجنّة الحسن والحسين ، المقصودون بهذا البطن مِن هاشِم ، ونُوردُ هُنا إجماعَهُم على خطأ أبو بكرٍ في احتجاجهِ وإيرادهِ وجلبهِ فضيلَة حديث رسول الله (ص) في قريش بعموم ، وأن الفخرَ لبني فاطمة في هذا المقام لا لغيرهِم من قريش ، وأنّهُم الأولى به دونَ غيرهِم . فقال النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ، فيما رواهُ عنه أبي العباس الحسني في المصابيح : ((وإنّمَا فَخرت قُريش عَلى سَائر الأحيَاء بمحمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ودَانَت العجم للعَرب بادّعَائها لحقّنَا (تأمّلوالفَخْرُ بَأبِينَا صلّى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ مُنِعنَا حَقّه، ودُفِعنَا عَنْ مَقَامِه ... )) . ويقول زين العابدين وسيّدُهُم علي بن الحسين (ع) فيما رواهُ عنه الإمام أبو طالب في الأمالي ، عندما سألَهُ السّائل عن حالهِم ، فأجابهُ بجوابٍ جاء فيه : ((.. أصْبَحَتْ قُريشٌ تَفْتَخِرُ عَلى العَرَبِ بأنّ محمّداً صلّى الله عليه وآله وسلم قُرَشي ، وأصْبَحَتِ العَرَبُ تَفْتَخِرُ عَلى العجم بأنَ محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم كَانَ عَرَبِياً فَهُم يَطلُبُونَ بِحَقّنَا (تأمّل) ولا يَعرِفُونَ لنَا حَقّاً..)) . ويقول الحسن بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ، فيما يرويه عنه أبو العباس الحسني في المصابيح : (( افْتَخَرَت قُريش عَلى العَرَب بأنّ محمّدَاً قُرَشي، وافْتَخَرَت العَرب عَلى العجم بأنّ محمّداً عَرَبي، حتّى إذَا تمّت لقُريشٍ النّعمَة، وللعرَبِ الفَضِيلَة بمَا سَألوا النّاس مِنْ حقّنَا (تأمّل) أخّرُونَا، وتَقَدّمُوا، ورَأوا لأنفُسِهِم مِنَ الفَضْل عَلَينَا مَالَمْ يَرَوهُ لِغَيرِهِم مِن سَائرِ النّاسِ مِنْ حَقّنَا، وقَالوا: نَحْنُ أحقّ وَأولى بِتُراثِ نبيّ الله وسُلطَانِه، فَلا هُم أنْصَفُونَا مْنْ أنْفُسِهِم إنْ كَانَ هَذَا الأمْرُ لِلقَرَابَة؛ إذْ كنّا أقربُ النّاس مِنهُم (تأمّلولا أنْصَفَنَا النّاس إنْ أجَازُوا مَعَ القَرَابَة لِمَن هُوَ أبْعَدُ رَحِمَاً)). أضِف إلى ذلك قول الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في النّهج ، لمّا بلغَهُ احتجاج أبو بكرٍ على الأنصار ، فقال : ((احتجّوا بالشجرَة وأضاعوا الثّمرَة)) ، ولا يَفوتُكَ أنّ بيتَ رسول الله (ص) أشرفُ البيوت ، وفي ذلك روى إمامنا الحسني المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري في الأمالي الخميسية عن محمد ابن الحنفية عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- قَالَ: (( إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ الْعَرَبَ وَاخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَة، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ قُرَيْشاً، ثُمَّ اخْتَارَ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ، ثُمَّ جَعَلَ الْخِيْرَةَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَفُضِّلْتُ عَلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ)) . فكانَ الأولى من قريش هُو الأفضل ، أضِف إلى ذلكَ كلّه إجماعُ سادات بني الحسن والحسين على أنّ الإمامَة بعد رسول الله (ص) كانت لعلي بن أبي طالب وابنيه من بعده وذريّتهم من بعدهِم ، وفي ذلك يقول فقيه الآل الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) ، فيما ذكرهُ عنه الشريف الحسني محمد بن علي البطحاني في جامع علوم آل محمد : (( أجمَعَ عُلمَاء آل رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّ عَلي بن أبي طالب كَانَ أفْضَلَ النّاس بَعدَ رَسولِ الله، وأعلَمَهُم وأولاهُم بِمَقَامِه، ثمّ مِن بَعدِ أميرِ المؤمنين الحَسَن والحُسين ، أولَى النّاس بِمَقَامِ أمِيرِ المُؤمنين، ثمّ مِن بَعدِ ذَلكَ عُلمَاء آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأتقِيَائهُم، وأبرَارهم أئمة المسلمين في حلالِهِم وحَرامهم وسُنَنِ نبيّهِم، فَمَن أمَرَ مِنهُم بالمَعروف ونَهَى عَن المُنكَر، وجَبَت عَلى المُسلمينَ مُعاوَنَتُه ونُصرَتُه، وأنّ القَائِمَ مِنهُم بالمَعروفِ والجِهَاد أفضَلُ عِندَهُم مِن القَاعِد، وكُلُّ مُصيبٍ قُدوَة)) ، وقال (ع) في موضعٍ آخر : ((فَلا تَصلُحُ الإمَامَةُ إلاَّ فِي أهلِ بَيتِ الصّفوَة والطّهَارَة مِن ذُريّة إبرَاهيم، وذُريّة مُحمّد)) ، ومن هذا كلّه أخي القارئ تستشفّ موقف أهل البيت من تخصيص ولاية الأمر القرضيّة في بطن من بطون قريش ، وهو البطن الأفضل ، وليسَ بطنٌ أفضل من بطن حَوى ثقل الله الأصغر المُلازم لكتاب الله تعالى ، والحمدلله ربّ العالمين .

الوَقفَة السّابعَة : قال القاضي إسماعيل الأكوع ، ص 33 ، مُتكلّماً عن رأي الحسن بن أحمد الجلال في الإمامة ، وإلحاق رأيه برأي الخوارج :

(( هذا وقد ذهبَ العلاّمَة الكبير السيد الحسن بن أحمد الجلال المتوفّى سنة 1084 أحد كبار علماء اليمن المجتهدين إلى ما ذهبَ إليه الخوارج ، كما ذكرَ يحيى بن الحسين بن الإمام القاسم بن محمد ، ترجمة الجلال في كتابه (بهجة الزمن) في أخبار سنة 1084 بقوله : ( إنّها أي الإمامة في جميع النّاس عربي وعجمي فيها على سواء ، وإنّما يشترط فيها التقوى موافقةً للخوارج في منصب الإمامَة ) . )) اهـ .

تعليق : كانَ على القاضي أن يكون أكثر تركيزاً ، وأكثرَ تمحيصاً عندما ينقلُ كلام صاحب بهجة الزمن الذي هو صاحب المستطاب ، لأنّ الرّجل في النّهاية بشرٌ يُخطئ ويُصيب ، وإنّا وَجدنا البعض الكثير من الباحثين يتسلّقون تواريخَهُ فيأخذونَ منها أشياء مُتشابهَة غامضَة الوضوح ، فيجعلونَ منها موضع احتجاج ولجاج ، والله المُستعان . وليسَ أدلّ عليها إلاّ ما نقلَهُ القاضي إسماعيل هُنا من عقيدةٍ للحسن بن أحمد الجلال في الإمامَة ، بل ومُوافقتهُ للخوارج فيها !! . وهُنا سنقلُ كلام العلامة أحمد بن الحسن الجلال في الغمامَة من كُتُبِه ، طالبين من القارئ استنتاج عقيدته ، ففي هذا تحرٍ أكبر ممّن يَنقلوَها من تواريخ الرّجال ، فقال الحسن بن أحمد الجلال في كتابه (العِصمَة من الضلال) ، باب الإمامَة ، ص122 :

(( مسألَة : ولهَا مَنصبٌ من النّاس مَخصوص هيَ حقّ لهُم شَرعيّ ، مَن نازَعَهُم فيه صارَ باغياً . وقيلَ : لا مَنصب إلاّ التّقدم المذكور لنا ما سيأتي من أدلّة المُختلفين في تعيين المَنصِب . واختلفَ القائلون بالمَنصِب [يعني اختلفَ الشيعة] فالمُختار (تأمّل) : أنّ مَنصِبَها عليٌّ وأولادُه من فاطمة عليهم السلام . وقيل : قُريشٌ كُلّها . لنَا (تأمّل) : حديث استخلاف النّبي صلى الله عليه وآله وسلّم الثّقلين : كتاب الله ، وعِترَتِهِ أهلِ بيتِه ، بلفظ : ((إنّي تاركٌ فيكم)) و ((مُخلِّفٌ فيكم)) وفي لفظ : ((خليفتَين)) من حديث زيد بن ثابت ، وفي لفظ : ((فلا تقَدّموهما فتهلكوا)) من حديث زيد بن أرقم ، وله الفاظٌ مُتقاربَة من حديث علي، وابن عبّاس، وأبي ذر ، و... ، كلّ ذلك مُفرّقاً عند أئمّة الحديث في دواوينهِم ، وبعضُها في صحيح مسلم . ولا يُنافيه ورودِ الحَديث في بعض الرّوايات بفلظِ : ((وسُنّتي)) لوَجهَين : أحَدُهُما : أنّ صاحب (ذخائر العقبى) ذكرَ أنّه تكرّرَ من النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في مواقف مُتعدّدَة بعضُها وقعَ بلفظ : ((العترة)) وبعضُها بلفظ ((السنّة)) . وثانيهما : أنّه قد صَحّ وقوعه بلفظ : ((العترة)) فهو سنّة ، فيشمَلُه لفظ : ((وسُنّتي)) ، فيكون التمسّك ثابتاً بالخصوصِ وبالعموم . ومِثلُه : ((أخلُ بيتي كسفينة نوح ، مَن رَكِبها نجا، ومن تخلّف عنها هلَك)) في جمهور دواوين أئمّة الحديث من حديث علي، وابن عبّاس، ... ، وغيرهِم ، ... ، وقد ثبتَ أنّ أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلّم هُم أهلُ خبر الكساء المشهور ، إلاّ أنّ المرأة خرجَت عن الخلافَة بالحديث الصّحيح : ((لَن تُفلح أمّةٌ وُلّيَت أمرَهُم امرأة)) ، والكلّ من تِلكَ الأحاديث ظاهرٌ في إيجاب اتّباعهِما [يعني الكتاب والعترة] الذي هُو معنى الائتمام بهما ، لأنّ فيها النّهي عن تَقدّمها والإخبار بهلاكِ المُتخلِّف عنهُما . قالوا : أحاديث ((الأئمّة من قريش)) كثيرَة صحيحَة . قُِلنا (تأمّل) : إخبارٌ بما يكون لا بِمَا يَجب . ثمّ قريشٌ مُطلَقٌ يُحمَلُ على المُقَيَّدِ بأهل البيت ، لما تقرّر في الأصول مِن حَملِ المُطلَقِ على المُقيَّد إذا كانا في حكمٍ واحد ، كما في مَقامنا ، وليسَ من الحُكم على الخاص بحكم العام ، حتّى يُقال : لا يُخصّصُه . إذ لَفظ ((قريش)) مُطلقٌ لا عموم . ولو سُلِّمَ ففي أحاديث ((الثقلين)) و ((السّفينة)) نهيُ غيرِهِم وتضليلُهُ بمُخالَفَتِهِم ، وذلكَ ظاهرٌ في التخصيص ... إلخ )) .

نعم ! فهذا قولُ العلامة أحمد بن الحسن الجلال ، وزيادةً في الإنصاف وتبرئةً للذمّة من التدليس ، فإنّ هُناك مَن نقلَ على لِسَانِ الجلال ، التخصيص في بني هَاشِم بعموم من آل جعفر وبني العباس وغيرهم ، وذكرَ أنّ الجلال مع هذا يُرجّح احتجاج الفاطميين بآيتي المودّة والتطهير والأحاديث المتواترة فيهم ، فقال الجلال في ضوء النّهار (كتاب السّيَر) : (( نعم يتّجه ترجيحُهُم بما وردَ من آيَتَي المودّة والتطهير والأحاديث المتواترة معنىً على عِصمَة جماعتهِم ، ولا شكّ في أنّ أحكام الجُمَل إنّما تَثبتُ بواسطَة الأفراد ، فيجب أن يكون أفاضلُ أفرادِهِم [ أفراد بني فاطمة] أولَى (تأمّل) بذلكَ المَنصب ، وإن مَنَعَهُ كلّ ناصبيّ مُتعصّب )) اهـ .

وخُلاصَة القول أنّ قول صاحب بهجة الزّمن مُنتقض باعتراف الجلال على نفسه ، ونقلُ القاضي إسماعيل على سبيل الإيقان بغير تبيين ، مُنتقضٌ أيضاً ، وذلكَ لأنّا رأينا الجلال في أسوأ الحالات يُجيزها في بني هاشم بعموم ، ويعترفُ بمرجّحات أدلّة مَن قال بها في الفاطميين بدلالَة الآيات والأحاديث الخاصّة بهِم، وبينَ هذا أخي القارئ وبينَ ما صرّح به يحيى بن الحسين في بهجة الزمن من التعميم للإمامة من الجلال على جميع النّاس وَهم ، هذا وقد وهِم هذا المؤرّخ الجليل على الإمام الهادي (ع) عندمّا نسبَ إليه مُخالفَة الإمام زيد في الأصول والفروع في كتابه المُستطاب ، والله المُستعان . والله أعلم .

الوَقفَة الثّامنَة : قال القاضي إسماعيل الأكوع ، ص 42 ، في حاشيةٍ له ، مُشنّعاً على الشيعَة سلاطَة ألسنتهِم وبذاءتها في شعرِهم المشهورِ عنهُم :

(( مِنَ المُلاحَظ أنّ ظاهرَة القَذف لدى الشيعَة والمُتشيّع فيهم عادةٌ مُتّبَعَة ، ينفردونَ فيها ، فيَصِمون بها مَن لَم يَكُن على هواهم في عقيدَتهِم من الغلو المذموم في حبّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكرّم وجهه ، وسبّ صحابة رسول الله صلى الله عليه وىله وسلّم )) اهـ .

تعليق : في الحقيقة أنّ تخصيص القاضي إسماعيل الشيعَة بالانفراد في القذف ، ليسَ بتمام ن يُدركُ هذا مَن اطّلع على أشعارِ خصومهِم من أهل السنة والجماعة على مُختلف تياراتهِم السنّية ، فهل اطّلع القاضي إسماعيل على ما قال به شاعرهُم :


إن الجهاد على الروافض لازم **** ويثاب فاعله عليه ويؤجر

من لم يعادهم فذاك مذبذب ********أولم يكفرهم فذاك مكفر


* وهل اطّلع القاضي إسماعيل على ما جاء شدا وصدح به اتباعهُم من قول القائل:


لا تعجبوا من منطق وكلام******* يهذي به قزم من الأقزام

كلب تخيل أنه بعوائه ***********سيدك صرح الدين والإسلام


وهي أشعارٌ كثيرَة بين أيدينا ، يمنَعُنَا الالتزام بالاختصَار من سردِها ، ولكنّ نوجّه الخطاب للقاضي ولغيرِه بأنّ هذا أمرٌ اشتركَ فيه الجميع ، فلا يُشنّع على طائفةٍ منهُم بالتعدّي دونَ الأخرَى ، لما في هذا من الإيهام والتهويل ، كما هوّل القاضي على الشيعَة وبرّأ ساحَة السنّة بطريقٍ غير مُباشر ، ولو استلهَمَ القاضي ما نَقلَه هُوَ بنفسِه في حاشية ص43 ، من قول أحمد بن الحسن بركات ، وتكملة الشوكاني له ، في ذم الشيعَة لما وصفَ الشيعة بالإنفراد بسلاطَة اللسان ، والله المُستعان .

الوَقفَة التّاسعَة : قال القاضي إسماعيل الأكوع ، ص 92 ، خاتماً كتابَه ، ذاكراً أنّه قد استكملَ عرضَ آراءه :

(( عرَضتُ آراءهُ وحقيقة أمرهِ ومُعتقَدِه ، وما قالَهُ فيه خصومُه وما ردّ عليهِم ، ولَم أُعلِّق على ما قالَه ، ولا على مَن اعترضَ عليه ، لا مُؤيّداً ولا مُفنِّداً ، وتركتُ الحكم للقارئ وحدَه )) اهـ .

تعليق : أن تصريحَ عدم التفنيد من القاضي لمَن يعترِض على نشوان بن سعيد ، غير مُستقيم ، فمن اطّلع على كتابه وَجَدَهُ ينتصرُ لنشوان غمزاً ولمزاً ، وإن لَم يُفصّل ويُصرّح ، وهذا غير غابٍ على مَن له أدنى مسكة اطّلاع في هذا الكتاب ، ثمّ إنّا نَعيبُ عليه عدم ذِكرهِ لأقوال نشوان المأثورَة عنه في تراجعهُ عن قولهِ في الإمامة ، والظّاهر أن القاضي لا يَرى توبتَهُ كما صرّح في93 ، وأيّا كانَ محلّ هذا من الصحّة أو السّقم فإن الواجب على القاضي (من باب الإنصاف) أن يُدرجَ هذه الأشعار المُلصقَة به ، على عادتهِ في كتابهِ هذا من ذكر أقوالِه وأقوالِ مُخالفيه الرّادين عليه ، والمُساجلات الشعرية بينَه وبينَهُم ، فإنّه ذكرهَا إلاّ هذه النّقطة فإنّ القاضي لم يَذكُرها ، فكانَ حريٌّ به أن يقول ، وقال نشوان بن سعيد الحميري ، أو على الأقلّ أن يقول : ونُسِبَ!! إلى نشوان من الشّعر ، والله المُستعان . أضِف إلى ذَلكَ أنّ القاضي إسماعيل يجعلُ من مسألة الإمامَة مسألَة عقديّة (تأمّل) بحتَة لم يتنازلَ عنها نشوان ، فقال في ص94 : (( فالخلافُ بينَهُ وبين الإمام أحمد بن سليمان ، وبين الأشراف عميق الجذور لأنّه يمسّ العقيدَة ، وليسَ خلافاً في الرأي حتّى يزول )) ، هذا معَ إثبات القاضي أنّ نشوان من أهل العدل والتوحيد ، فهلاّ خفّفَ من الإيهام على القارئ بهوّة وتجذّر الخلاف!! ، فالقارئ قد يَذهبُ إلى أنّ الزيدية يعيبونَ عليه عقيدتَهُ بعموم ، الإمامَة وغيرها ، والله المُستعان .

الوَقفَة العَاشرَة : وبها أختمُ ، فأقول : هذا أخي القارئ ، ما أردتُ التنبيه عليه من استدراكاتي على القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ، ولستُ بهذا أغمطهُ بحثَهُ واطّلاعه ، ولكنّي أنتقدُ عليه بعضَ زلاّت في كُتُبه ومؤلّفاته ، وليسَ هذا منّا إلاّ لإيماننا بعدم عِصمَة القاضي ، ونُعاتبهُ في اجتهاده في ضمّ كبار علماء اليمن ممّن اشتُهِرَ عنهُم اجتهادٌ مُغايرٌ لأصحاب الزيدية ، في فروع العقيدة وأصولها ، إلى طائفة أهل السنّة والجماعَة ، تهويلاً وتضخيماً ، وليسَ أدلّ عليه إلاّ ما فعلَهُ مع الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير الحسني (ع) ، وليسَ هذا بصحيح ولا قريبٌ من الصّحيح ، والله المُستعان .

هذا وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، ورضوانه على الصحابَة المُتّقين الراشدين .

كَتَبَه / الكَاظِم الزّيدي

3/2/1427هـ .

=====
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

مجدد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 115
اشترك في: الثلاثاء فبراير 28, 2006 10:48 am
مكان: اليمن
اتصال:

مشاركة بواسطة مجدد »

الاخ

الكاظم

سلمت اخي الكريم

ووقفات هامة ...


والمزيد اخي الفاضل ...

تحياتي
مجدد
صورة

المتوكل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2274
اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
مكان: صنعاء
اتصال:

مشاركة بواسطة المتوكل »

أحسن الله إليكم ، سيدي وأخي العزيز / الكاظم :ok2:
وكتب الله أجركم بحق محمد وآله صلوات الله عليهم
صورة
صورة

عصام البُكير
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 241
اشترك في: الأحد مايو 08, 2005 12:21 am
مكان: اليمن - صنعاء

مشاركة بواسطة عصام البُكير »

جزاكم الله خير جزاء على حُسن طرحكم للموضوع وتفنيدكم لكتاب القاضي / الأكوع


ولا تنسى يا اخي السيد/ الكاظم ان اكثر كتب المذكور يجب الوقوف عليها



واخيراً حفظكم الله ذخراً للإسلام و للعدليين (الزيدية) خاصه
قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت و يطهركم تطهيرا)
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي ولفاطمة وحسن وحسين(اللهم هؤلاء اهل بيتي فأذهب عنهم الرجس)
اللهم صلي على محمد وآل محمد

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“