متمنيا من الإدارة تثبيته فهو بحق يستحق التثبيت .
الزيدية روح الإسلام
بقلم
أحمد مطهر الشامي
- بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
كانت فترات عصيبة و مقلقة بالنسبة لي كشاب في ريعان شبابه يبحث عما يريح ضميره و قلبه في عالم الأفكار و المذاهب و مررت حينها بتجارب قاسية و عشت فيها لحظات مريرة و كان قلبي معلقاً ما بين اليأس و الأمل , اليأس من الوصول إلى الحقيقة في زمن التبس فيه الحق بالباطل و أصبح للباطل جولات و صولات و لم يعد للحق واهله حضور ,و الامل في غدٍ مشرق يستمد نوره من الله الذي وعد بالتمكين والنصر لأهل الحق والصدق , و سبحت بتفكيري هنا و هناك عساه يجد مهبطاً آمناً يحط فيه رحاله و يستريح فيه من سفره , كانت الأفكار من هنا و هناك تزاحم تفكيري وكانت العقائد من هنا و هناك تزاحم فطرتي و لكن كان هناك فكر و كانت هناك عقيدة فرضت نفسها بنفسها و أثبتت وجودها بذاتها كان لها صدىً قويٌ في وجداني و فطرتي , إنه فكر و عقيدة ـ الزيدية ـ عند ذلك حططت رحالي و هبطت من رحلة طويلة لطالما أنهكت ضميري و وجداني و عندما هبطت وجدت أمة من الناس لم تصل إلى ما وصلتُ إليه وجدتهم يُسيّرُون بأفكار سقيمة و وجدتهم يعانون و يقاسون و يمرون بتجارب قاسية سبق ان مررت بها فقلت لنفسي هيهات ان أنعم بالحق و الحقيقة و هناك أمة حائرة و انسانية ممزقة ما زالت تتخبط في متاهات الأفكار و العقائد السقيمة لم لا أختصر لهم الطريق و القي اليهم بخلاصة تجربتي و معايشتي بدلاً من التخبط و المرور بنفس التجارب حتى تتفرغ لما هو مطلوب منها كأمة مستخلفة في الارض و داعية إلى الله سبحانه و تعالى عند ذلك فكرت ان أكتب عن فكر اهل البيت عليهم السلام (الزيدية ) باعتباره الفكر الوحيد القادر على لَمّ شمل هذه الأمة و اعتباره يمثل فطرة و نبض هذه الانسانية فكان هذا الكتاب ( الزيدية روح الاسلام ) و كان بودي ان اضمّن فيه جميع الأفكار و المذاهب لولا خوف الاطالة و لولا خوف العجز المادي الذي أصيب به هذا الفكر الغني بتراثه و قيمه و مبادئه , الفقير بافراده و امكانياته المادية لذلك اقتصرت على ما شغلت به الساحة الآن من صراع سني شيعي اثني عشري مرير اثقل كاهل الأمة و شغلها عن عدوها الحقيفي .
ولا شك أن المتابع لقضية المذاهب في اليمن يجد أن المنهج السني السلفي والغلاة من الشيعة الإثني عشرية تمثل عناصر دخيلة في نسيج المجتمع اليمني الفكري ولا يعني هذا بحال من الأحوال التعبئة والاستنفار لاستئصال جذوة هذين الفكرين بالقوة بمقدار ما يحتاج الأمر إلى معالجة فكرية وتنوير عقلي لمجتمعنا لخطورة هذين المنهجين على وحدة صف الأمة ولا شك أن أبناء اليمن بشريحتيه الزيدية والشافعية قد عانوا من صلف إخوانهم في الحركة السنية بشقيها السلفي و الإخواني ( الاصلاحي ) ـ والأخيرة تعتبر في عصرنا هذا ضحية المنهج السلفي ـ رغم حداثة سنها في بلادنا لدرجة تصل إلى اقتحام المساجد وضرب القيمين عليها بل في بعض الأحيان تصل المسألة إلى القتل كما حصل في أحد مساجد صنعاء ولاجل هذا السبب ايضاً اقتصرت على مناقشة الروايات السنية السلفية و الإثني عشرية مقارنة بالزيدية وقبل البداية أود أن أضع عدة نقاط حرصت عليها عند وضع هذا الكتاب :
1. خطابي في هذا الكتاب لإخواننا من أهل السنة والإثني عشرية هو خطاب للأفكار والروايات وليس خطابا للأفراد والجماعات وهوكذلك خطاب للأفراد والجماعات التي تمثلت تلك الروايات الشاذة -التي سنذكرها لاحقاً – تمثيلا كاملا حتى أصبحوا بذاتهم فكرة تمشي في أوساط المجتمع .
2. أنا لا أبيح لنفسي تكفير أي مسلم آمن بأركان الإسلام الأساسية سواء كان سنيا أو شيعيا وأسأل الله للجميع أن نجتمع في جنة الله { إخواناً على سررٍ متقابلين } آمين .
3. ( السبيل الأمثل إذا أردنا أن نقاوم مجموعة من الأفكار المنحرفة والنظريات السيئة أن نتحدث عن الفكرة مباشرة لأن الخطورة تكمن فيها – خصوصا إذا تحولت وتمثلت في جماعة أو أفراد – ولا يليق بنا أن نلصقها بجميع الناس ثم ننهال عليهم بالإساءات خصوصا وأن التحمس ضد أي فكرة يزيد في الحدة ويدفع إلى التسرع في الحكم على الآخرين فكم من فكرة ألصقت بأناس هم منها براء وكم من عالم قوِّل بمجرد الإلزام والتخمين ما لم يقل ) (حديث إفتراق الأمة تحت المجهر بتصرف ص129 - 130
و من الله استمد العون ..
البداية:
كانت البداية عندما كنت طالبا ثانويا في جمهورية السودان الشقيقة في تلك الفترة بدأت أشعر بإقبال شديد على الدين وبدأ يشغل حيزا كبيرا من تفكيري إن لم يكن الهم الوحيد الذي كنت أفكر به وكنت أتلقف الدروس والمواعظ والمعلومات الدينية بنهم شديد ولم أكن آنذاك ممن يملك رصيدا معرفيا عن الاتجاهات الإسلامية المختلفة تعينني في غربلة وتصفية ما أتلقاه من معلومات دينية فكنت آخذ كل معلومة دينية بثقة وتصديق تامين دون مراعاة جانب التدبر والتأمل ولما كانت الثقافة الدينية العامة في السودان هي ثقافة القطب الواحد _التيار السني بشقيه السلفي والإخواني _ انعكست هذه الثقافة على تفكيري وصبغته بصبغة سنية _ وإن لم أكن آنذاك قد تعمقت في أفكارهم ومبادئهم إلا النزر اليسير ورغم أن ثقافتي كانت سطحية جدا إلا أنني كنت أتلمس أن هناك صراعا إسلاميا إسلاميا وكانت الصولة والجولة في تلك البلاد للحركة الحنبلية وكانت هناك صيحات من هنا وهناك تمثل السنة المتصوفة الذين يوجدون بكثرة في أطراف البلاد السوادنية ولكنني لم أنشغل بهم كثيرا ربما لأنهم كانوا بعيدين عن واقع الحياة ومنشغلين عن حياة الناس بحياة خاصة بهم في الزوايا والأربطة فتركت البلاد للسلفية تنشر أفكارها دون وجود من يقف في وجهها وحقا كان إخواننا الحنابلة السلفيون غليظون على من خالفهم من أبناء المذاهب الأخرى ولذلك ولد ذلك رد فعل عنيف من أبناء المذاهب الأخرى ضد السلفية وأفكارها وأصبحت تلك الأمة تعيش حالة من الصراع الفكري المرير ، دارت الأيام والليالي وانتهت فترة عمل الوالد ضمن البعثة الدبلوماسية اليمنية في السودان الشقيق وعدت إلى اليمن وفي بلادي تفاجأت بأن الخلاف المذهبي قد بلغ منتهاه في تلك الفترة بين الحنابلة السلفيين والإخوانيين من جهة وبين أبناء الفكر الزيدي الذي يمثل انتماء معظم أبناء المنطقة الشمالية في اليمن أما في المناطق الجنوبية لليمن فقد كان هناك الصراع على أشده بين الشوافع المتصوفة من جهة والحنابلة من جهة أخرى ، والملاحظ أن الحركات الحنبلية رغم حداثتها في بلادنا كانت مشاغبة ومستفزة وفي حارتنا الكائنة في العاصمة صنعاء عشت في بيئة متنوعة المشارب والمذاهب وكان بجوارنا جوامع زيدية وجوامع حنبلية سلفية وإصلاحية ((إخوانية )) وأحد المراكز الإثني عشرية ، كل هذا التنوع المذهبي أوجد نوعا من التناقض في بيئتنا فبدلا من أن يستفيد مجتمعنا من هذا التنوع المذهبي انعكس سلبا على حياة الناس ومثلت تلك الفترة فترة صراع مذهبي كبير بين السلفيين والإخوانيين من جهة والزيدية من جهة أخرى والحق أن الأفكار السلفية استفحلت في ظل النوم العميق لأبناء الفكر الزيدي وفي تلك الفترة كذلك دخل في الصراع طرف رابع ألا وهو الشيعة الإثني عشرية بقوة كبيرة فانتشرت كتبهم ولقيت لها قبولا وسط المجتمع اليمني ربما كرد فعل عنيف على العنف و التعصب السلفي وهكذا أصبحت الساحة اليمنية مسرحا للصراع المذهبي والفكري تارة بين السلفيين والزيدية وتارة بين السلفية والشافعية وبين الإثني عشرية والحنابلة عموما وأحيانا بين الإثني عشرية والزيدية وهكذا وفي هذه البيئة المليئة بالاختلافات ، بدأت الطريق وأيقنت بأن هناك خطا يمثل الحق والحقيقة , و كان من فضل الله ان منَّ عليَّ بمجموعة من الإخوان في الله اخذوا بيدي و اعانوني على هذا الدرب الشاق كان احد هؤلاء الإخوان يدعى – حسين – و كان يسكن بجوار حارتنا تعرفت عليه في احد الجوامع المجاورة للمنزل و كان حقاً مثالاً للاخلاق الفاضلة , اذكر يوماً اننا خرجنا من المسجد و كنا ثلاثة احدنا حسين فكان يحدثنا عن تفرق هذه الأمة و تمزقها إلى فرق متعددة و كان اعتقاده ان سبب تفرق هذه الأمة هو تركها لمنهج اهل البيت , كانت هذه الفكرة تمثل لي نوعاً من التعصب و الغلو و التخلف , دخل معي في نقاشات و حوارات كثيرة , و الحق انني كنت في بادئ الامر اتوجس خيفةً من هذه الأفكار الجديدة التي لم يسبق لي ان سمعت بها او تعرفت عليها و هذا حال الناس _ الناس اعداء ما جهلوا _ كان يساورني الشك تجاه هذا الرجل بادئ الامر و حدثتني نفسي انه احد المتشددين والمغالين المتعصبين لمذاهبهم و لكن الغريب ان هذا الرجل كان من المتأثرين بالمنهج السني السلفي بل انه كان شديد الحنق و الحقد على كل من خالفه , و لم يكن هناك ابغض إلى قلبه من امام جامعه الذي يدعى – الاستاذ ابراهيم – لا لشيء الا لانه كان شيعياً زيدياً , ولكن حنكة هذا الاستاذ و اخلاقه اثرت في حسين فاستطاع ان يؤثر في تفكيره و من ثم تحول حسين إلى منهج اهل البيت _ الزيدية _ كما اخبرني بذلك , المهم انني واصلت الدرب مع اخي حسين فاعطاني مجموعة من الكتب كان لها الفضل بعد الله سبحانه و تعالى في بداية المعرفة الصحيحة , و كان مما يزيد عجبي واندهاشي ان هؤلاء الاخوة يستدلون على آرائهم و عقائدهم من كتب اهل السنة و الجماعة من باب _ وشهد شاهد من اهلها _ و كنت استغرب و اتساءل في نفسي اذا كانت الادلة متظافرة من كتب اهل السنة على احقية منهج اهل البيت في الاتباع فلماذا هذا التكتم بل و الحرب على هذا المنهج , اثر ذلك في نفسيتي تأثيراً بالغاً و اخذت احدث نفسي لماذا كل هذا الاعراض عن هذا المنهج و ما السبب في ذلك هل هو التعصب من جانب بقية المذاهب الاسلامية , ام ان السبب لعدم انتشار منهج الزيدية هم ابناؤه الذين ظلموه ولم يعيروه أي اهتمام , وخلصت في الاخير إلى ان السبب مشترك من الداخل و الخارج , بدأت بعد ذلك لحظات الحماس و الاندفاع و في هذه المرحلة تعرفت على صديق جديد يدعى _ جمال _ و الذي كان سنيا ًإخوانياَ – اصلاحياً _ فيما سبق و كنا نقوم بجولات لمجموعة من المساجد الاصلاحية والسلفية و بعض المراكز الإثني عشرية لغرض البحث عن الحقيقة و غرض المناقشة و المحاورة و في بعض الاحيان المناظرة و كانت هذه الفترة فترة نزق و حمية كنا ندخل في بعض المساجد و ربما يصل الحوار بنا إلى مشادات كلامية بل وصل الامر في احد المساجد ان تعرضنا للطرد بعنف المهم اننا استطعنا ان ننفذ بجلدنا بعد ان شاهدنا مجموعة كبيرة من السلفيين احدهم او بعضهم يحمل العصي الغليظة , المهم انني بدأت بقراءة الكتب الإسلامية بمشاربها المختلفة وكانت مرحلة صعبة ؛ كنت تارة أتحسر وأتألم لحال الأمة وما جرى عليها من فرقة وشتات وتخلف وكانت أمنيتي أن أصل إلى الفكر الذي يجمع شتات هذه الأمة ويحفظ لها عقيدتها صافية وخالية من معالم الغلو والعصبية والتطرف والبدع .
و في الطريق :
و في طريق البحث عن الحقيقة لم أكن أتصور أن الخلاف بين المسلمين وصل إلى حد المسائل الإعتقادية , و كنت أتصور أن المسألة خلافات في المسائل الفرعية كهيئات الصلاة ( الإرسال أو السربلة عند الزيدية و الضم عند الشافعية و الحنابلة ) و كلمات الأذان ( حي على خير العمل في جوامع الزيدية , و عدمها في الجوامع الشافعية و الحنبلية ) و غيرها من المسائل البسيطة التي لا تتطلب منا كمسلمين أن نتشاغل بها و يفرق بعضنا بعضاً من أجلها , و لكن كانت المفاجأة أن القضية وصلت إلى أكبر من ذلك و قد مسَّت أغلى ما يملكه المؤمن في حياته , نعم لقد مسّت إعتقاد المؤمن في خالقه , و في عدله , بل و دخل الإختلاف كذلك في صفات الأنبياء , القرآن الكريم و غيرها من المسائل الهامة , إلى درجة أصبح من الصعب التغاضي عن ذلك , و لما وجدتُ كثرة المسائل المُختلَف فيها أدركت مدى خطورة المسألة و مدى الشرخ و الخلل الذي أوقعه أعداء الإسلام في جسد هذه الأمة الدامي , و كان مما يدمي القلب و يحز في النفس أن هذه الأمة رغم معاناتها و تمزقها اصبح بأسها بينها شديد , عندئذٍ شعرتُ بثقل المسؤلية علينا كشبابٍ واعٍ عايش التمزق و التفرق , و عايش الأفكار و تأثيرها على المجتمعات , و في ظل هذه الظروف المتوترة وجدت بحمد الله سبحانه و تعالى ضالتي ألا و هو منهج أهل البيت عليهم السلام المتمثل بالفكر الزيدي , و من منطلق الرحمة بأمة محمد كما تعلمنا ذلك في ظل هذا المنهج , و محبةً في أن تعيش معي الحقيقة أخي القارئ سواءً كنت سنياً أو شيعياً
آثرت حينئذ أن أكتب عن هذا المنهج كأبسط تقدير عرفانا مني بالجميل وطلباً للقرب من الله سبحانه وتعالى في نصرة الحق وأهله لذلك فضلت أن أكتب هذا الكتاب بأسلوب مبسط وميسر للعوام حتى تحصل به الفائدة الكبيرة بإذن الله سبحانه وتعالى ،وقررت أن أضع هذا الكتاب بأسلوب العرض المقارن لعقائد وأفكار الزيدية في مقابل العقائد السلفية الوهابية وعقائد غلاة الشيعة إيمانا مني بالقاعدة المنطقية أن الضد بالضد يعرف وحتى يتميز للقارئ الكريم الغث من السمين , تعال معي لاكتشاف الحقائق التالية .
العقيدة في الله سبحانه:
منذ أن وجد الإنسان على وجه الأرض وهو يبحث عن حقيقة لهذا الوجود ومن ثم البحث عن خالق هذا الوجود كحقيقة فُطِرَ الناس عليها ولما كانت المجتمعات والثقافات بطبيعة حالها متداخلة إما صراعا أو حوارا فقد تشكلت عدة نظريات وعقائد في محاولة فهم الوجود الأسمى ، انبثقت معظم هذه النظريات والعقائد نتيجة أهواء أنجبتها العصبيات وأظلتها العادات والتقاليد وغذاها ورباها الجهل فساهمت بشكل كبير في طمس أو تشويه الفطرة الإلهية التي فطر الله الناس عليها وكان لزاما أن ينزل الله سبحانه أنبياءه ورسله بكتبه ورسالاته لاستثارة دفائن العقول ولإعادة الفطرة البشرية إلى سابق عهدها بربها سبحانه وتعالى .
وضمن نطاق المجتمع الإسلامي فهو مجتمع كغيره من المجتمعات يخضع لقانون التأثر والتأثير _ ونتيجة لهذا القانون ولهذه السنة الإلهية اختلطت المبادئ الإسلامية بغيرها من المعتقدات والأفكار الإسرائيلية واليونانية والزرادشتية ، ولما كانت بعض الفرق الإسلامية وبالذات الفرقة السنية السلفية وغلاة الشيعة قائمة على أساسات هشة نتج عن ذلك أفكار وعقائد سقيمة حسبها أصحابها من صميم الدين والكتاب والحق رغم أنها من صميم الأهواء والبدع ووجدت هذه الفرق نفسها ناطقة رسمية عن عقائد إسرائيلية ويونانية وزرادشتية وغيرها من العقائد البعيدة كل البعد عن منطق القرآن وبساطة التوحيد وفيما يلي سنتركك لتتعرف على رؤية أهل السنة والجماعة السلفية وغلاة الشيعة الإثني عشرية ونختم بالشيعة الزيدية وهكذا معظم أبواب الكتاب حتى يميز لك الخبيث من الطيب والغث من السمين إن شاء الله تعالى .
عقيدة أهل السنة والجماعة في الله سبحانه وتعالى
كانت المفاجأة كبيرة جداً بالنسبة لي و لكثير من أصدقائي الذين كنت أخطو معهم سوياً في طريق البحث عن الحقيقة عندما تفاجأنا و نحن نطَّلع على الكم الهائل من الروايات الموجودة في كتب اهل السنة و الجماعة التي تتكلم عن الذات الالهية بجرأةٍ عجيبة من تشبيه له بخلقه عبر اضافة الجوارح و الاعضاء لله سبحانه و تعالى و لكن بما يليق بجلاله و عظمته كما يدَّعون !!!
و لا شك ان اغلى ما يملكه الانسان هو حبه و معرفته بالله سبحانه و تعالى و من الصعب على قلب تعلق بحب الله سبحانه و تعالى ان يقبل بمثل هذه الروايات وقد مثلت تلك الروايات ظاهرة شاذة بالنسبة لي و لاصدقائي على المجتمع المسلم الذي يؤمن من منطلق فطرته و ثوابته القرآنية بإله لا يشبه احداً (( ليس كمثله شئ و هو السميع البصير )) و انه لا تدركه العقول (( و لا يحيطون به علماً )) و الغريب العجيب في المسألة انني كنت اتوجه بهذه الروايات إلى بعض المتعاطفين و المنتمين إلى منهج اهل السنة و الجماعة فيجيبني برد فطري (هذا لا يجوز على الله ) ( و هذا كفر ) و لكن عندما يعلم بان هذه المرويات في صحيح البخاري و مسلم سرعان ما ينقلب على عقبيه و ينقض و يعاكس ما اقرته فطرته السليمة كل ذلك و لو كان على حساب الذات الالهية فيعيش حالة من التناقض بين ما يمليه عليه ضميره و فطرته السليمة و بين ما يمليه عليه انتماؤه و منهجه الذي ارتضاه لنفسه تقليداً و تعصباً .
و قد مثلت هذه النقطة بالذات بالنسبة لي منطلقاً كبيراً و تحولاً متسارعاً عن منهج اهل السنة و الجماعة الذي صبغت به صبغةً سطحية و بداية التعلق بمنهج اهل البيت عليهم السلام و لكي تدرك ما اقول لك عزيزي القارئ لنبدأ في طرح التصور السني السلفي عن الذات الالهية من خلال مروياتهم , فالتصور السني السلفي للذات الإلهية مبني في مجمله على التشبيه والتجسيم للذات الإلهية فالله سبحانه وتعالى له ((عندهم )) أغلب ما للإنسان من أعضاء وجوارح ولكن بلا كيف وبما يليق بجلاله وعظمته على حسب تعبيرهم ، ويتلمس المطالع ذلك من خلال الاطلاع على أمهات كتبهم وسوف أذكر لك هنا نماذج من روايات التشبيه _ هدانا الله وإياهم _ من كتبهم ومصادرهم حتى تعلم أن إيهامهم العوام بأن كتبهم بريئة من التشبيه دعوى باطلة لا أساس لها من الصحة تشهد بذلك كتبهم كما سيوافيك و لعلك اخي القارئ سواءً كنت سنيا ًام شيعيا ًتُفاجأ بهذه الروايات كما تفاجأت بها بل و قد لا تصدق ذلك ولكنها للاسف الحقيقة و ان كانت مُرَّة للغاية فقبل ان تسارع إلى تكذيب كلامي هذا ما عليك الا ان تدخل أي مكتبة كانت حتى تتأكد بنفسك مما اقول لك و لنبدأ بطرح التصور السني السلفي عن الذات الالهية :
فقد أثبتوا لله يدين ليس هذا فحسب بل جعلوا لها خمسة أصابع كما روي ذلك في أصح كتاب عندهم وهو صحيح البخاري (( عن عبدالله قال : جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله (ص) فقال : يا محمد إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والماء على إصبع والثرى على إصبع وسائر الخلائق على إصبع فيقول : أنا الملك ، فضحك النبي صلى الله عليه وآله حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ، ثم قرأ رسول الله (ص) {وما قدروا الله حق قدره .....}.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فما كان منهم إلا أن يتبرعوا بتحديد طول هذه اليد كما روى أحد كبار أئمتهم وهو عبدالله بن أحمد بن حنبل : (( إن غلظ جلد الكافر أربعون ذراعا بذراع الجبار )) كتاب السنة 2/492
ثم أثبتوا لهذه اليد البرد كما روى الترمذي في سننه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعا فثوب بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتجوَّز في صلاته فلما سلم دعا بصوته فقال لنا : على مصافكم ...........إلى قوله : فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال : يا محمد . قلت : لبيك رب . قال : فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ قلت : لا أدري . قالها ثلاثا . قال : فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي )).
كما ترى في هذه الرواية تثبت صفة البرودة مع أنها من صفات الأجسام المحدثات بل يجعل الله في صورة والصورة تراكيب وأشكال يقول سبحانه وتعالى : { في أي صورة ما شاء ركبك } والغريب أن إمام أهل الحديث الأكبر البخاري يصحح هذا الحديث ! يقول الترمذي : سألت عن صحته محمد بن إسماعيل البخاري فقال : هذا حديث حسن صحيح .
ولما كان أكثر تفكير إخواننا من أهل السنة والجماعة السلفية تفكير قاصر وخال من تعظيم ومعرفة الخالق :كان لسان حالهم يقول : كيف يمكن أن يكون للإله يدين بلا ذراع وصدر ؟ فما كان منهم إلا أن استوردوا الأحاديث والمرويات الإسرائيلية التي تسربت إلى كتبهم فأثبتوا لله سبحانه وتعالى الذراعين والصدر روى عبد الله بن أحمد بن حنبل عن النبي (ص) _ حاشاه _ أنه قال (( خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر )) ويا ليتهم وقفوا عند هذا القدر من التشبيه لله ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا فإذا بهم يثبتون له سبحانه وتعالى القدمين وفي ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي ((ص)) أنه قال : (( يلقى في النار فتقول هل من مزيد حتى يضع قدمه أو رجله فتقول قط قط )) والأغرب من ذلك أن يروي عبد الله بن أحمد بن حنبل ((أن الكرسي كالنعل في قدميه )) كتاب السنة 2/475 ثم بعد ذلك يقولون : إنه لا تشبيه ولا تجسيم في كتبهم هدانا الله وإياهم .
وعندما قاس إخواننا السلفيون من أهل السنة الخالق على المخلوق ولم يستطيعوا الإيمان بالله خارج نطاق المادة وفوق مستوى ادراكات العقول أقحموا الذات العلية إلى حدود المادة وقوانينها بدلا من أن يرتقوا بعقولهم لإدراك أن الله منزه من ذلك , فما كان منهم إلا أن يثبتوا الساق للخالق إذ لا يمكن تصور قدم بلا ساق وفي ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري نأخذ منه هذا المقطع (( فيأتيهم الجبار فيقول : أنا ربكم . فيقولون له : هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا . فيقول : هل بينكم وبينه آية ؟ فيقولون : نعم ، الساق فيكشف عن ساقه )) غفرانك ربنا ونتوب إليك ونسألك الهداية لنا ولإخواننا من أهل السنة من مثل هذه العقائد الدخيلة على ديننا .
ولابد بعد ذلك من أن يكون هناك حقو للخالق في المخيلة السلفية إذ كيف يكون هناك ارتباط بين الصدر والساق بدون حقو !!! روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : خلق الله الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن فقال مه ! قالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة . قال : ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى يا رب . قال : فذاك
ولم يعد من الصعب أن نثبت للإله القعود والنزول والصعود وأن نخضعه لقانون الجاذبية فنجعل له ثقلا كما روي في أحاديث أهل السنة ( أن الله إذا جلس على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد )وزاد بن خزيمة من ثقله .
وأصبح من السهل أن تكتنفه المتغيرات والمحدثات روى البخاري في صحيحه أن الله يتغير من صورة إلى أخرى إقرأ هذا المقطع من حديث طويل عن أبي هريرة .... (( فيأتيهم الله فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاءنا ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون .....)) .
ثم تطور الحال والمقال عند إخواننا فأثبتوا لله دارا ومكانا يحل فيه روى البخاري في صحيحه عن النبي ((ص)) أنه قال : ننقل هذا المقطع (( فيأتوني فأنطلق فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه حتى إذا رأيته وقعت له ساجدا )) .
وليس غريبا حسب منطق القوم على رب تحويه مخلوقاته ويأوي إلى دار أن يدنو ويتدلى روى البخاري في صحيحه حديثا طويلاً عن شُريك ننقل منه هذا الجزء (( حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى )) .
ولقد أجاد الخطابي وهو أحد علماء أهل السنة والجماعة في رده على هذا الحديث بقوله : (( ليس في هذا الكتاب أي صحيح البخاري حديث أشنع ظاهرا ولا أشنع مذاقا من هذا الفصل ؛ فإنه يقتضي تحديد المسافة ....إلى أن قال : هذا إلى ما في التدلي من التشبيه له بالشيء المتعلق من فوق لأسفل )) .
والمعلوم أن الذي دنا فتدلى هو جبريل عليه لسلام بدليل قوله تعالى : { ما كذب الفؤاد ما رأى لقد رأى من آيات ربه الكبرى } وآيات الله غير الله سبحانه وتعالى و لا أدري كيف يستقيم هذا الحديث مع الحديث الذي رواه البخاري نفسه عن أم المؤمنين عائشة أنها قالت في هذه الآية : (( أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله عن ذلك فقال : إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطا من السماء سادا عظيم خلقه ما بين السماء والأرض ))
واستكمالا لمسلسل التشبيه إضافة النزول الحسي لا المعنوي من ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله (ص) قال : ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه ومن يستغفرني فأغفر له ؟ البخاري كتاب التهجد ، باب الدعاء والصلاة في آخر الليل .
ورغم أنه يمكن تأويل الحديث إلى النزول المعنوي كما ذكر بن حجر العسقلاني شارح البخاري إلا أن إخواننا من السلفية يرفضون ذلك رفضا قاطعا ويؤكدون أنه ينزل بذاته ولا أدري كيف يستقيم ذلك مع الحديث الذي يقول : إن السموات على إصبع والأرضين على إصبع المذكور سابقا فإذا كانت السموات بأكملها على إصبع كيف يكون النزول من السابعة إلى الأولى إلا إذا أثبتوا للخالق سبحانه وتعالى خاصية التمدد والإنكماش ولم لا؟ لم يعد ذلك صعبا بعد كل هذه الخزعبلات .
بل كيف يكون على العرش ثم ينتقل إلى السماء التي لا تساوي شيءا أمام العرش كل ذلك يدل على حدودية الخالق وحلوله في خلقه بالمقتضى السلفي و إلا ما معنى ذلك والحق أنني سألت كثيرا من إخواننا السلفيين والإخوانيين من أهل السنة عن هذه الإشكالات فلم أجد منهم إلا جوابا واحدا وهو يجب أن نؤمن بهذه الأحاديث بلا كيف .
وروى عبدالله بن أحمد بن حنبل بإسناده عن النبي أنه قال : (( لما كلم الله موسى عليه السلام ربه عز وجل كان عليه جبة صوف وعمأمة ونعلاه من جلد حمار غير زكي )) كتاب السنة 1 /293 يقول الباحث الإسلامي حسن فرحان المالكي معلقا على هذا الحديث " وقد أخرج هذا الأثر الآجري في الشريعة وابن بطة وهما من الحنابلة والأثر مكذوب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه تجسيم وتشبيه واضح يلزم منه استهانة بالذات الإلهية لكن لازم القول ليس بقول وقد يقول البعض : إن هذا يريد من القائل وصفا لموسى لا لله عز وجل ، أقول أرجو ذلك ولكن يعكر على هذا الاعتذار أن سياق الآثار في الباب كله إثبات صفات الله عز وجل من جلوس وقيام وصوت وكرسي وصدر وذراعين ..........ونحو ذلك ولا فائدة لهم هنا في ذكر لبس موسى فإن هذا مما لا دخل له بالعقيدة ولا السنة )) أ.هـ قراءة في كتب العقائد ص124_125 .
مثل هذه العقائد لا تثمر إلا قلوبا خاوية من تعظيم الخالق حتى أن التشبيه والتجسيم والاستهزاء بالذات العلية أصبح تنزيها وتعظيما عندهم حتى أن الشيخ ابن تيمية والملقب عندهم بشيخ الإسلام يقر مقولة الدارمي الشنيعة (( ولو شاء الله لاستقر على ظهر بعوضة ، فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيتة فكيف على عرش عظيم )) التأسيس /1/568 .
وحتى تكتمل لديك الصورة وتدرك تماما أن حمَّى التشبيه متجذرة لدى إخواننا السلفية السنية تأمل هذه الروايات :
1- أن السماء ممتلئ بالله عز وجل . كتاب السنة 2/457.
2- وأن أسباب الزلازل أن الله يبدي بعضه للأرض فتزلزل . كتاب السنة 2/ 407 .
3- وأنه خلق آدم على صورته هو . المصدر السابق 2/ 472 .
4- وأن عرش الرحمن مطوق بحية . المصدر السابق 2/ 474 .
5- وأن الله يطوف في الأرض . المصدر السابق 2/ 486 .
6- وأن الله يضع يده في يد داود . المصدر السابق 2 / 502 .
7- ويأمره أن يأخذ بحقوه . المصدر السابق 2/503 .
8- وأن الرياح من نفس الرحمن . المصدر السابق 2/510 .
يقول الكاتب والباحث الإسلامي الكبير حسن فرحان المالكي مستعرضا طامات الحنابلة السلفيين بقوله :
1- صحح الشيخ عبد المغيث الحربي الحنبلي حديث الاستلقاء !! الذي فيه أن الله لما انتهى من الخلق استلقى ووضع رجلا على رجل )) أنظر سير أعلام النبلاء للذهبي 21/ 160 .
2- أما الأهوازي [الحسن بن علي بن إبراهيم ] _ وهو من غلاة أهل السنة وغلاة أهل السنة حنابلة – الحنبلي فقد ألف كتابا طويلا في الصفات أورد فيه أحاديث باطلة ومنها حديث عرق الخيل الذي نصه : " إن الله لما أراد أن يخلق نفسه خلق الخيل فأجراها حتى عرقت ثم خلق نفسه من ذلك العرق " تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
إلى أن وصل إلى قوله : كما حدث الأهوازي هذا بحديث (( رأيت ربي بمنى على جمل أورق عليه جبة )) وهذا تشبيه واضح وتجسيم صريح .......
وروى عبد الصمد بن يحيى الحنبلي قال : قال لي شاذان : إذهب إلى أبي عبدالله – أحمد بن حنبل – فقل ترى لي أن أحدث بحديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال : ((رأيت ربي عز وجل في صورة شاب )) قال : فأتيت أبا عبدالله فقلت له : فقال لي : قل له : تحدث به قد حدث به العلماء ..!! إ.هـ
وكثيرة جدا هي الروايات من هذا القبيل في كتب إخواننا من أهل السنة والجماعة وخصوصا كتاب السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ، وكتاب التوحيد لابن خزيمة ،والغريب أن شيخ السلفية في العصر السابق عبد العزيز بن باز يصف هذين الكتابين ضمن الكتب الهامة في العقيدة وينصح بهما إلى جانب كتب أخرى .
والأغرب من ذلك أن علماء السلفيين من لدن عبد الله بن أحمد بن حنبل إلى ابن تيمية في كتابه التأسيس في رد أساس التقديس , إلى ابن باز يصححون الحديث المكذوب على رسول الله (ص) (( أن الله خلق آدم على صورة الرحمن )) أنظر فتاوى بن باز . وقد قام أحد مشائخهم وهو المدعو حمود التويجري بتأليف كتاب بهذا الشأن سماه (( عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن )) .
ثم تجدهم يصدرون كلامهم هذا بقولهم : إجماع السلف ، وقال السلف الصالح ، وإجماع الصحابة ، ورغم تشديدهم وتركيزهم على هذه التصديرات لم يستطيعوا أن يأتوا بشاهد واحد من أقوال الصحابة ولا أحد من الجيل الأول من التابعين تصديقا لعقائدهم الفاسدة والحق أن السلفيين هم أكثر الناس افتراءاً على السلف الصالح رضي الله عنهم .
• واعلم أن عامة المسلمين قد شنعوا على الحنابلة السلفيين عقائدهم هذه فما كان من إخواننا السلفية إلا أن التفوا على هذه المرويات بإلحاق ذيل بعد كل تشبيه وتجسيم فتراهم يقولون : إن التشبيه والمشبهة هم الذين يقولون : يد كيدي ووجه كوجهي ولكننا نقول : بلا كيف وبما يليق بجلاله ، والحق أننا لا نعلم أحدا حتى اليهود الذين هم أئمة التشبيه يقولون أن لله يدا كأيدينا أو رجلا كأرجلنا ، ولله در العلأمة الكبير جار الله الزمخشري حيث يقول معلقا على ذلك :
وجماعة سموا هواهم سنة *** وجماعة حمر لعمري موكفة
قد شبهوه بخلقه وتخوفوا*** شنع الورى فتستروا بالبلكفة
روايات التشبيه و التجسيم في كتب الإثني عشرية
اما الشيعة الإثني عشرية فهم أخف وطئاً من السلفية في هذا الجانب و من خلال مطالعتي لكتب علمائهم و بالذات المتأخرين منهم فقد ألّفوا الكثير من الكتب التي ترد على المشبهة , ولكن رغم ذلك لم تخلُ مراجعهم و كتبهم من روايات التشبيه و التجسيم ربما لأن كتبهم مصابة بداء الحشو الزائد و اليك امثلة لروايات التشبيه عندهم : -
1. ( إن بين الله و بين خلقه تسعين الف حجاب , و أقرب الخلق إلى الله أنا و إسرافيل , وبيننا و بينه أربعة حجب , حجاب من نور , و حجاب من الغمام , و حجاب من ماء ) حق اليقين 1/239
2. و روى عبد الله شبّر في كتابه حق اليقين 1/239 عن النبي صلى الله عليه و على آله و سلم أنه قال ( فلما دخلت إلى الجنة رجعت إلى نفسي , فسألت جبريل عن تلك البحار وهولها و أعاجيبها , فقال : سُرادقات الحجب التي احتجب الله تبارك وتعالى بها )
3. و روى في الكافي 2/7 عن ابي عبد الله عليه السلام ( إن الله لمّا أراد أن يخلق آدم أرسل الماء على الطين , ثم قبض قبضة فعركها , ثم فرقها فرقتين بيده )
4. و روى في الكافي 2/5 ( فأمسك القبضة الأولى بيمينه , و القبضة الأخرى بشماله ... إلى أن قال للذي بيمينه : منكِ الرسل , و إلى أن قال للذي بشماله : منكِ الجبارون )
5. و من كتاب نور العين في المشي إلى زيارة قبر الحسين أنظر الفهرس و فيه باب : من زار قبر الحسين كان كمن زار الله فوق عرشه !!!
باب : من زار قبر الحسين كان كمن زار الله فوق كرسيه!!!
باب : من سرّه أن ينظر الى الله فليكثر زيارة الحسين !!!
وغيرها من الروايات الإسرائيلية التي امتلئت بها كتبهم هدانا الله و إياهم .
عقيدة الزيدية في الله:
إن شئت أن تسميهم بأهل المعرفة فسمهم وإن شئت أن تسميهم بأهل العدل والتوحيد فسمهم فالحق والحق أقول إنني ومنذ فترة طويلة وأنا أبحث عن المعرفة الحقيقية الصادقة بالله سبحانه وتعالى ولم أجدها إلا في بطون الكتب الزيدية ؛ إن الإله في المفهوم الزيدي إله خارج نطاق المادة وفوق مستوى إدراكات العقول إنه إله لا تحويه الأقطار ولا يقاس بالناس ولا يدرك بالحواس .
وبهذا تجد كتبهم مشحونة وقد نذر الزيدية أنفسهم للدفاع عن أصل الدين الأول ألا وهو العدل والتوحيد وها أنا ذا أذكر لك نماذج مما روي في كتبهم وما نطقت به أئمتهم حتى تكون على بينة مما أقول لك .
• روى الإمام أبو طالب الهاروني في أماليه بسند صحيح قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا رسول الله علمني من غرائب العلم ، فقال (ص) وماذا صنعت في رأس العلم حتى تسألني عن غرائبه ؟ قال وما رأس العلم ؟ يا رسول الله . قال : أن تعرف الله حق معرفته . قال : وما معرفة الله حق معرفته ؟ قال: أن تعرفه بلا مثيل ولا شبيه وأن تعرفه إلها واحدا أولا آخرا ظاهرا باطنا لا كفؤ له ولا مثل له )) وروى الإمام أبو طالب الهاروني عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : خمس لا يعذر بجهلهن أحد معرفة الله ، أن تعرفه ولا تشبهه بشيء ومن شبه الله بشيء أو زعم أن الله يشبه شيءا فهو من المشركين ، والحب في الله والبغض في الله ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، واجتناب الظلم .
• وقال الإمام علي عليه السلام واصفا ربه سبحانه وتعالى :" فاعل لا باضطراب آلة ، مقدر لا بجول فكرة ، غني لا باستفادة ، لا تصحبه الأوقات ، ولا ترفده الأدوات " وقال أيضا :" لا يوصف بشيء من الأجزاء ، ولا بالجوارح والأعضاء ، .......ولا يقال له حد ولا نهاية ، ولا انقطاع ولا غاية ، ولا أن الأشياء تحويه فتقله أو تهويه ، أو أن شيءا يحمله فيميله أو يعدله ، ......... يخبر لا بلسان ولهوات ، ويسمع لا بخروق وأدوات ، يقول ولا يلفظ ، ويحفظ ولا يتحفظ ، ويريد ولا يضمر ، يحب ويرضى من غير رقة ، ويبغض ويغضب من غير مشقة )،
• روى العلوي عن عبيد الله بن العلاء قال: سمعت زيدا عليه السلام يقول في قوله تعالى : {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان } المائدة 64 ، قال : مجاز الآية النعمة منه والفضل ، وقوله تعالى :{ ينفق كيف يشاء } المائدة 64 يدل على ذلك وقد يقول الرجل من العرب لفلان علي يد أي نعمة . وقد قال علي عليه السلام في قوله تعالى : {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } الإسراء 29 قال : (( لا تمسك يدك عن النفقة في حق بمنزلة المغلولة يده إلى عنقه ..... )) مجموع كتب ورسائل الإمام زيد ص 338 .
• ويقول الإمام القاسم الرسي عليه السلام : " فأما دلائله لنا سبحانه أنه خلاف للأشياء ، ولكل ما يعقل في جميعها من العجزة والأقوياء فقوله سبحانه وتعالى :{ ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} وما ليس كمثله شيء فهو خلاف لكل شيء وقوله سبحانه في سورة التوحيد والإفراد بعد تنزهه فيها سبحانه عن الوالد والأولاد { ولم يكن له كفؤا أحد } ومن لم يكن له كفوا أحد فهو خلاف لكل أحد وما كان خلافا للآحاد كلها كان خلافا اضطرارا لأصلها لأن الأصل في نفسه وتحداده فهو غير شك جميع آحاده فالله سبحانه هو خلاف الآحاد المعدودة وجميع ما يعقل من الأصول الموجودة ، وهو الله الصمد الحق الذي ليس من وراءه مصمد يصمد إليه صامد " مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي ص230 .
• ويقول الإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام : " وأن الله علام الغيوب لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولا في الدنيا ولا في الآخرة وأنه القادر الذي لا يعجزه شيء من الأشياء لم يزل عالما قادرا ولا يزال قادرا عالما ، ليس لقدرته غاية ولا لعلمه نهاية ، وليس علمه وقدرته سواه ، هو القادر لا بقدرة سواه ، والعالم لا بعلم سواه ، وهو السميع البصير ، ليس سمعه غيره ولا بصره سواه ، ولا السمع غير البصر ولا البصر غير السمع ، ولا يوصف بسمع كأسماع المخلوقين ، ولا يبصر ببصر كأبصار المخلوقين ، تعالى الله عن ذلك ولكنه سميع لا تخفى عليه الأصوات ،ولا الكلام ، ولا اللغات ، بصير لا تخفى عليه الأشخاص ولا الصور ولا الهيئات ولا مكان شيء من الأشياء وموضعه ، ولا يغيب عليه أمره وحاله ، لم يزل سميعا بصيرا ليس ذلك على إضافة شيء ثان له تبارك وتعالى ، ولا كما ظن المشبهون أن له وجها وصورة وتخطيطا ، وأنها نفس في جسد حاشا الله من ذلك ، ولكنه على تحقيق إثباته جل جلاله ....)) مجموع كتب ورسائل الإمام الهادي عليه السلام ص 88 .
بعد هذه المقاطع النورانية التي قرأتها والتي تستحق أن تكتب بماء الذهب لم يعد لذي لب حجة في ترك تلك الأفكار والعقائد السقيمة والارتحال إلى كنف التنزيه والنور والحقيقة .
مناقشة غلاة أهل السنة والجماعة في التشبيه و التجسيم
لقد وضع علماء الزيدية وأئمتها ردودا كثيرة في هذه المسألة بحيث لم يجعلوا لأحد الحجة في جهل الحقيقة وسوف أتكلم هنا بإختصار كبير وأحيل القارئ الكريم إلى الكتب الهامة التي يجب أن يحصل عليها ليتوسع في معرفته بهذه المسألة ، وقد حدد أئمة الزيدية أسبابا كثيرة لنزوع إخوانهم من أهل السنة إلى التشبيه نحاول ذكرها هنا بإختصار :
1- الجهل بلغة العرب :
يعد سببا رئيسيا في الوقوع في التشبيه والتجسيم ولما كان أكثر تفكير إخواننا من السلفيين تفكيرا سطحيا لم يفهموا من القرآن إلا ظاهره فأسروا بالظواهر ولم يستطيعوا الغوص في معانيها المجازية لقلة مادة التفكير في عقولهم ولقد قسم علماء الزيدية و الأصوليون عموم الكلام إلى حقيقة ومجاز وقالوا الأصل في الكلام الحقيقة ولا يجوز الخروج عن ظاهره إلى مجازه إلا بقرينة صارفة ومثلوا لذلك بأدلة كثيرة تثبت بأن هناك في القرآن والسنة النبوية ألفاظ مجازية لايراد ظاهرها ، من تلك الأمثلة :
أ- المجاز في القرآن :
1- قال تعالى : { نسوا الله فنسيهم } التوبة 67 ، وقوله تعالى : { إنا نسيناكم } فظاهر هاتين الآيتين غير مراد بقرائن عقلية ونقلية ، أليس يقول سبحانه وتعالى :{وما كان ربك نسيا } ولا يصح أن يقال ينسى لا كنسياننا أو بما يليق بجلاله وعظمته فظاهر الآية غير مراد لذلك تصرف إلى معناها المجازي وهو الكناية عن الترك والإهمال .
2- قال تعالى :{واسأل القرية التي كنا فيها والعير .. ..} يوسف 82 ، وقال تعالى : {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } فلا القرية تُسأل ولا العير ولا الحبل المعروف على حقيقته مطلوب وإنما المراد بالقرية أهلها وبالعير أصحابها وبالحبل صراط الله المستقيم الذي هو الكتاب والسنة الصحيحة .
وقد طرحت هذه المسألة في زمن الأئمة سلام الله عليهم وكانوا يتصدون لها بالرد والتبيين .
روى العلوي عن عبيد الله بن العلاء قال : سمعت سعيد بن بارق يقرأ على الإمام زيد بن علي عليهما السلام شيءا حتى انتهى إلى قوله سبحانه وتعالى { بل مكر الليل والنهار } فوقف ، قال الإمام زيد بن علي ما يوقفك ؟ قال جعلت فداك أي مكر الليل والنهار وهما لا يمكران ؟
قال الإمام زيد بن علي عليه السلام : وهذا الحرف أو أعجبك فله مثل { واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها } يوسف 82 والقرية لا تُسأل إنما يُسأل أهلها { وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا } الكهف 59 أي أهلها مجاز ذلك على ما يفعلون والعرب تقول : بنوا فلان تطؤهم الطريق أي أهل الطريق لأن الطريق لا تطأ وقولهم : مازلنا نطأ السماء حتى جئناكم ، أي ماء السماء والسماء لا تطأ .
وكذلك بل مكر الليل والنهار ، وكذلك في{ولكن البر من اتقى } البقرة 189 ، ومن اتقى ليس البر ولكنه البار والبر فعله .
و{ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة } أي كخلق نفس واحدة ........... مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي عليه السلام ص334 .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين ))الشعراء 215 ، وقوله تعالى : { إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } فليس هناك ثم جناح لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا ثم يدين لكتاب الله عز وجل فلا تعلق هنا بالمعنى الظاهري أبدا.
ولو أردنا حصر الآيات المجازية في القرآن لاحتجنا إلى مجلد كامل كما فعل ذلك العلأمة الكبير الشريف الرضي في كتابه المعروف بـ(( تلخيص البيان في مجاز القرآن )) .
ب _ المجاز في السنة النبوية
والغريب أن إخواننا السلفيين غفلوا أو تغافلوا عن كثير من الأحاديث والمرويات الموجودة في كتبهم التي لا يراد ظاهرها ونذكر هنا بعضا منها كي تكون حجة عليهم :
1- ثبت في صحيح مسلم / الحديث رقم 2569 عن رسول الله (ص) أن الله تعالى يقول : يابن آدم مرضت فلم تعدني ، قال : يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده ، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده.......))
فهل يعقل أن يمرض الله بمرض عبده وهل صحيح أننا إذا عدنا المريض فسنجد الله بظاهره وحقيقته ؟ !!! الحديث دليل قوي على ظهور المعنى المجازي فيه كما قال العلماء فإضافة المرض إلى الله سبحانه وتعالى والمراد عبده ما هو إلا تشريفا للعبد وتقريبا له وقالوا : معنى وجدتني عنده أي وجدت ثوابي وكرامتي .
2-ثبت في صحيح البخاري أن النبي (ص) قال : إن الله تبارك وتعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بأحب مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ......) فهل حقا أن سمع وبصر ويد أولياء الله هو الله بذاته بل وهل يعقل أن يكون الله أرجلهم التي يمشون بها !!! أم أن المراد معان مجازية والمراد أن الله يؤيدهم فهم لا يسمعون ولا يبصرون ولا يبطشون ولا يمشون إلا لله وفي الله وفي كنف ورعاية الله ونصرته وتأييده .
3- ثبت في صحيح مسلم كتاب الذكر والدعاء عن ابي ذر أن الله عز وجل يقول في الحديث القدسي : (( أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حيث يذكرني ، فإن ذكرني...........وإن اقترب إلي شبرا ، تقربت إليه ذراعا ، وإن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )) فالتقرب ضرب مثل لإنعام الله على عبده والهرولة لزيادة الإنعام بزيادة الطاعة من العبد .
بعد عرض هذه الآيات والأحاديث النبوية أصبح من السهل أن نقول أن هناك الكثير من الآيات والأحاديث الغير مراد ظاهرها ولكن المراد روح الآية أو بمعنى أصح المعنى المجازي ,
ومن آثار جهل إخواننا السلفية باللغة أنهم سموا الأخبار أخبار صفات وإنما هي إضافات وليس كل مضاف صفة فقوله تعالى على سبيل المثال :{يد الله فوق أيديهم } فاليد هنا مضاف وليست صفة ولم يرد في القرآن ذكر لليد والوجه والساق على أنها صفات لله سبحانه وتعالى إلا في مخيلة وقواميس إخواننا السلفية .
يقول الأستاذ عبد المجيد الحوثي ((بتصرف )) " يقول سبحانه وتعالى :{ قرآنا عربيا غير ذي عوج } ولما كان المعلوم من لغة العرب أنه ينقسم إلى حقيقة ومجاز فإذا ما رأينا آيات يفيد ظاهرها التشبيه كذكر الوجه واليد والساق ونسبت إلى الله سبحانه وتعالى علمنا أن لها في لغة العرب معان مجازية ومعان حقيقية فالوجه يطلق حقيقة على عضو من الإنسان مخصوص بما فيه من عينين ولسان وشفتين ومجازا يطلق على ذات الشيء كما يقال : هذا وجه الرأي أي هذا هو الرأي بذاته وكذلك يطلق مجازا على أول الشيء كقوله تعالى : { وقالت طائفة من أهل الكتاب ءامنوا بالذي أنزل على الذين ءامنوا وجه النهار واكفروا آخره } فأين وجه النهار وأين أذانه ولسانه .
السلفيون يتأولون ولكن:
فإما أن يحملوا الآيات على ظاهرها ومعانيها الحقيقية فيثبتوا لله وجها كما هو معروف في اللغة وهو العضو المخصوص المؤلف من خدود وأنف وعين وفم ، وكذا يثبتوا له يدا حقيقية مؤلفة من أصابع وراحة ، وإما أن يحملوها على معانيها المجازية المستخدمة في لغة العرب بما يتناسب مع عظمة الله سبحانه وتعالى ويجعلوا الآيات النافية للتشبيه كقوله تعالى : { ليس كمثله شيء } قرينة صارفة لظاهر الآية إلى مجازها ، ولكن إخواننا السلفيين أخرجوا الألفاظ عن معانيها الحقيقية والمجازية وأثبتوا لها معان لا توجد في لغة العرب ولا توجد إلا في أذهانهم وبذلك أخرجوا القرآن عن أن يكون عربيا ، فهم في الحقيقة متأولون وليسوا بباقين على ظواهر القرآن والسنة كما يدّعون ، والفرق بينهم وبين أهل البيت أن أهل البيت عليهم السلام يتأولونها على مقتضى لسان العرب . نظرة وبيان في محكم ومتشابه القرآن ص21 .
2- إهمال دور العقل :
كثيرا ما كنت أتكلم مع بعض إخواننا من السلفيين والإخوانيين من أهل السنة والجماعة ونتبادل الحديث في جوانب كثيرة وخصوصا في الجوانب العقائدية لدى المدرستين مدرسة أهل البيت عليهم السلام ومدرسة أهل السنة والجماعة وكنت أجد منهم تغييبا تاما لدور العقل ورفضا تاما لإعماله في تدبر ايات القرآن و سنة النبي للوصول إلى الحقيقة وكثيرا ما كنت أسمع منهم عبارة " نحن يجب أن نقر ونمر " وأذكر يوما بل أياما أنني تكلمت معهم بخصوص حديث النزول فقلت لهم الحديث المروي في صحيح البخاري يقول : (( إن الله ينزل ثلث الليل إلى السماء الدنيا )) فهل المراد بالنزول نزول الرحمة والعفو الإلهي من باب المجاز ، أو نزول الملائكة ام انها بضم الياء أي ( يُنزل ) كما ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري ضمن اراء متعددة للعلماء ، أم أن المراد أن الله ينزل بذاته ؟ فيجيبون بلا أدنى تفكير بل ينزل بذاته . فقلت لهم : إن معنى كلامكم هذا أنكم تقولون أن الله ينزل إلى السماء الدنيا ولا يصعد بعد ذلك أبدا لأن ثلث الليل باق في الأرض لا يزول ؛ فإذا اختفى ثلث الليل من جزء من الأرض فهو في جزء آخر وهكذا باستمرار كما أقره علماء الفلك نتيجة لكروية الأرض ، هذا من جهة ومن جهة أخرى كيف يستقيم ذلك ؟ مع الحديث المروي في البخاري من أن السموات على إصبع من أصابع الرحمن !!! فإذا كانت السموات كلها على إصبع كيف ينزل من العرش إلى السماء الدنيا إلا إذا كنتم تؤمنون بأن لله صفة التمدد والانكماش ، والأغرب من ذلك أن السماوات والأرضين لا تساوي شيءا أمام العرش فعلى كلامكم يصبح المولى شيءأ صغيرا جدا بجانب العرش تحويه الأماكن وتحده الأقطار ، وهذا هو الحلول والتشبيه بعينه ، ثم ألم يكن الله سبحانه و تعالى موجوداً و لم يكن هناك سماءٌ و لا أرض و لاعرش ولا كرسي و لا مكان و لا زمان و يوم القيامة سيفنى كل شيء و لن يبقى الا الله كل ذلك يدل ان الله سبحانه ليس بحاجة الى المكان و أنه منزه من التحيز و الحلول , وبعد كل هذا الكلام والشرح لمحاولة إقناعهم للعدول عما هم عليه أفاجأ برد على وتيرة واحدة وكأنك تستمع إلى شريط كاست مكرر (( يجب علينا أن نؤمن بذلك بلا كيف )) وأخبرني أحد الإخوان من الزيدية أن أحد طلاب جامعة الإيمان أجابه بقوله : في مجال العقيدة يجب أن تضع عقلك تحت أرجلك ؛ وعندما تكون العقول تحت الأرجل لا ننتظر إلا عقائد تخرج أناسا بلا عقول مفكرة وهذا هو حال إخواننا للأسف الشديد.
الزيدية والعقل :
أدرك أئمة الزيدية أكثر من غيرهم من الأئمة أن العقل نور يدرك الإنسان به ويميز بين الحق والباطل وبين الخير والشر وبين الممكن والمستحيل إلى جانب النقل الصحيح .
ويعتبر مناط التكليف وأداة النظر والتدبر (( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر )) وقد أخبرنا القرآن بأن العقل مع العلم قال سبحانه وتعالى : { لا يعقلها إلا العالمون } وقد بشر الله أهل العقل والفهم فقال : { فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب } وذم الذين لا يعقلون فقال : { إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون } ولذلك نجد القرآن الكريم استخدم العقل في إثبات مسائل أصول الدين في مثل قوله تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } وقوله تعالى : { ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض } وقوله تعالى : { أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون } والفكر الزيدي _فكر أهل البيت عليهم السلام _ انتهج النهج القرآني في استخدام الدليل العقلي والنقلي في إثبات مسائل أصول الدين وجمع بين صحيح النقل وصريح العقل فلم تأسره ظواهر الألفاظ المتشابهة كما أسرت بعض المذاهب التي عطلت العقل كما لم تأسره الاهواء الناتجة عن الغرور العقلي كما حصل للفلاسفة وغلاة المعتزلة ، ولمَّا كان لعلم الله و حكمته البالغة معرفة بان هذه الاداة العظيمة _ العقل _ قد تغلب عليها الشهوات و الاهواء اقتضت رحمته ان يرسل رسله بآياته وحججه كي يستثيروا دفائن عقولهم فالعقل المجرد بدون كتاب الله يعتبر اداة قاصرة عن الوصول إلى الهدى و هذا هو منهج أئمة اهل البيت القدامى _ القرآنيين _ الذين خلت كتبهم من شوائب المعتزلة و الجدل الفلسفي العقيم الذي لا يدخل العقل الا في الحيرة .
3-الدور اليهودي في إفساد عقائد المسلمين
لعب اليهود وما زالوا يلعبون دورا هاما وخطيرا في إفساد تفكير المسلم وعقائده وزعزعة ثقته بربه سبحانه وتعالى بتصوير إله لا يرقى إلى مرتبة الألوهية في عقول كثير من أبناء الأمة ؛ للحصول على مجتمع مهزوز وضعيف الإيمان بالإمكان اختراقه واللعب بعواطفه كيفما شاؤوا ومتى ما شاؤوا وهذا ما شاهدناه في عصرنا الحالي كيف أصبحت الحركات والجماعات المتشددة والمنتمية في أغلبها إلى التيارات السلفية المتشددة أو الشيعية المغالية أو غلاة الصوفية ألعوبة في ايدي الكفار يسيرونهم كيفما شاؤوا لضرب الإسلام من حيث لايشعرون وسوف أذكر هنا بعض النماذج لأحاديث إسرائيلية في التوراة وعلاقتها بعقائد المشبهة و لمعرفة مزيد من الاختراقات الاسرائلية ارجع إلى موضوع السنة النبوية :
1- اليهود يثبتون الذراع لله قالت التوراة : " هل لك ذراع كما لله " سفر أيوب الباب الأربعين ، وقريبا من هذا الكلام الحديث المكذوب الذي رواه عبدالله بن أحمد بن حنبل (( خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر )) كتاب السنة ص56 .
2- تقول التوراة : " يكون الثلج من نفس الرحمن " ويروي عبد الله بن أحمد بن حنبل (( لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن )) كتاب السنة 2/510 .
3- تقول التوراة :" يوم خلق الله الإنسان على شبه الله خلقه " سفر التكوين ويروي البخاري في صحيحه كتاب الإستئذان (( خلق الله آدم على صورته )) إلى آخر الحديث وأصرح منه ما رواه عبدالله بن أحمد بن حنبل (( خلق الله آدم على صورة الرحمن )) وقد علق على هذا الحديث بقوله : رجاله رجال الصحيح ، وقد لقي هذا الحديث تأييد الشيخ بن باز في فتاواه ، وابن تيمية ، وكبار أئمة السلفية _ هدانا الله وإياهم , و هناك كثير جدا ًمن الروايات الموجودة في كتب اليهود تشابه كثيراً الروايات الموجودة عند إخواننا أهل السنة و الإثني عشرية لم نذكرها خشية الإطالة .
4- زيغ القلوب :
المطالع لكتب الغلاة سواء كانوا سنة أو شيعة يجد أن جل اعتمادهم في إثبات عقائدهم على الآيات المتشابهة التي تحتمل أكثر من معنى والإعراض عن الآيات المحكمة وما ذلك إلا لزيغ القلوب كما قال سبحانه وتعالى : { فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه.......} .
أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى :
{هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب } آل عمران _7
اختلف العلماء في تفسير هذه الآية على وجوه كثيرة :
1- فمنهم من جعل الوقف عند اسم الله تعالى وذهب إلى إخراج العلماء عن أن يعلموا كنه التأويل وحقيقته ويستنبطوا غوامضه وذكر أصحاب هذا الرأي أنه لا يجوز إلا أن يكون تمام الكلام ومقطعه عند قوله تعالى : {وما يعلم تأويله إلا الله } وأن الواو للإبتداء دون العطف لإنها لو كانت للعطف لقال : (( ويقولون ءامنا به )) ولم يقل : {يقولون ءامنا به } .
2- ومنهم من يقول أن الراسخين في العلم يعلمون تأويله وهذا القول مروي عن ابن عباس وردوا على الأولين بقولهم : إنه وجد في القرآن مثل ذلك القول وهو قوله تعالى في معنى قسم الفيئ : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ........إلى قوله سبحانه وتعالى : إن الله شديد العقاب } ثم أعقب ذلك بالتفصيل وتسمية من يستحق هذا الفيئ فقال سبحانه وتعالى : { للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا } إلى قوله تعالى : { والذين جاءوا من بعدهم يقولون } وهؤلاء لا شك داخلون في مستحقي الفيئ كالأولين والواو هنا للعطف ، ثم قال سبحانه وتعالى : { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } معناه قائلين ربنا اغفر لنا ولإخواننا مع استحقاقهم للفيئ فكذلك قوله سبحانه وتعالى : { والراسخون في العلم يقولون آمنا به } أي يعلمون تأويله قائلين آمنا به ، وأيدوا قولهم هذا بقولهم :
1- لو أن العلماء الراسخين لا يعلمون شيءا من تأويل المتشابه ما كان لدعاء النبي (ص) لابن عباس بأن يعلمه التأويل فائدة لأنا نعلم أنه لم يرد تعليمه الظاهر الواضح وإنما الباطن الغامض .
2- لو لم يكن للراسخين علم في تأويل المتشابه بتة لاستووا هم وصغار العلماء بل والعامة في معرفة معاني القرآن ولما كان لرسوخهم في العلم فائدة لأن المحكم معلوم ظاهره لا حاجة لأحد بتعلمه لأن أهل اللسان فيه سواء .
3- أن حقيقة الواو للعطف فوجب حملها على مقتضاها ولا يجوز حملها على الإبتداء إلا بدلالة ولا دلالة هنا توجب صرفها عن الحقيقة فوجب حملها على العطف حتى تقوم الدلالة .
3/ ومن العلماء من يقول بأنه يجب وجوبا رد المتشابه إلى المحكم بدليل قوله تعالى : { منه آيات محكمات هن أم الكتاب } فالأم هي المرد والمرجع كقوله تعالى : { فأمه هاوية } أي مرده ومرجعه إلى النار ، وقالوا إن المراد ما يعلم تأويله على التفصيل إلا الله باعتبار أن القرآن بحر عميق لا يدرك قعره ، أو لا يعلم تأويله بعينه إلا الله لأن كثيرا من المتشابه يحتمل عدة وجوه كلها غير خارجة عن نطاق المعقول فيدركون جميع الوجوه ولا يقع القطع منهم على مراد الله تعالى بعينه ومثلوا لذلك بقوله تعالى : { وما يعلم جنود ربك إلا هو } أي ما يعلمهم على التفصيل إلا الله ، وقالوا نحن لا نأخذ تأويل المتشابه إلا من الله لأننا نرده إلى المحكم كما أخبرنا عز وجل ، وقالوا إن الراسخين في العلم ( يقولون : { آمنا به كل } من المحكم والمتشابه {من عند ربنا } فإذا كان كله من عند الله فلا يجوز أن يخالف بعضه بعضا ولا أن يناقض بعضه بعضا ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا } النساء 82 .
فلما آمنوا بأن { كل من عند ربنا } فسروا المتشابه على المعاني التي تتوافق مع المحكم من الكتاب ، ثم ذكر الله أنه { وما يذكر إلا أولوا الألباب } وصدق الله فإن من أقفل على نفسه باب التفكير والنظر في الكتاب الكريم بعقله ولبه لا يمكن أن يهتدي إلى حق ولا أن يتراجع عن باطل ). ( نظرة وبيان ص 22 -23 )
4/ ومن الناس من لا يؤمن إلا بالظواهر حتى الآيات المتشابهة لا تؤخذ إلا بالظاهر وهم إخواننا السلفيون ، والغريب أن بعض عوامهم قالوا إن الآيات التي تذكر الأعضاء من المتشابه التي لا يعلم تأويلها إلا الله ثم قالوا نحملها على ظواهرها فوا عجبا ما لا يعلم تأويله إلا الله أي ظاهر له ؟ فهل ظاهر الاستواء إلا القعود وظاهر النزول إلا الانتقال وظاهر اليد إلا الجارحة .
5/ ومنهم من لا يؤمن بالظواهر بل لكل ظاهر باطن والأصل هو الباطن وهذا مذهب الباطنية .
مناقشة بعض الآيات التي استدل به السلفيون على عقائدهم:1/
قال تعالى : { قالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء } قالوا فالله أثبت لنفسه اليدين فيجب أن نؤمن بذلك بلا تأويل ولا تعطيل .
كما تشاهد فإن العقلية السطحية لإخواننا السلفيين كانت عائقا كبيرا أمامهم منعهم من التأمل في الآية واكتناه حقيقتها فتراهم بكل بساطة يثبتون أعضاء للإله ولم يكلفوا أنفسهم حتى بربطها مع سياقاتها فمثلا يستدلون على اليدين بقوله تعالى : { بل يداه مبسوطتان } مجردة ومسلوخة من سياقاتها ولو أنهم قرأوا سياق الآية لما وصلوا إلى هذه النتيجة فلو تتبعت الآية من صدرها وهو قوله تعالى : { قالت اليهود يد الله مغلولة } لعلمت أن اليهود اتهموا الله بالبخل و على ذلك اجماع المفسرين سنة و شيعة , ولم يتهموه بأن يده مقيدة إلى عنقه تعالى الله عن ذلك كما يفيد ظاهر الآية ولذلك رد عليهم سبحانه بقوله تعالى: { غلت أيديهم } فلو كان المراد ظاهر الآية أي قيدت إلى أعناقهم لخالف الواقع والحقيقة من أن اليهود أيديهم محررة وليست مقيدة بل ويستعملونها في سفك دماء إخواننا من الفلسطينيين ولذا لزم أن يكون المعنى المجازي هو المراد أي ألزموا البخل فهم أبخل الناس ولما كانت شبهتهم هي دعوى البخل في حق الله ,تعالى عن ذلك كان لزاما أن يكون الرد من مخرج الشبهة وهو أنه سبحانه كريم بل وبالغ في الكرم فقال سبحانه وتعالى : { بل يداه مبسوطتان } كناية عن الكرم بدليل قوله بعد ذلك : { ينفق كيف يشاء } إذ المسألة مسألة إنفاق وتقتير وليست مسألة تقييد اليد للعنق أو فرشها كما توهم السلفيون ، ومثل هذا المجاز مذكور في كتاب الله سبحانه وتعالى كقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إ ن ربك يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر .... } ( ألا ترى أنها مشابهة للآية السابقة هناك يد مغلولة نهي عنها ويد مبسوطة كل البسط نهي عنها وكل هذا لا حقيقة له باتفاق فليس هناك يد مغلولة ولا مبسوطة وإنما معناه { الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما } وارجع بهذه الآية إلى قوله : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم } ألا يظهر لك أن مخرجهما واحد وأنهما يؤيدان غرضا واحدا ؟! ) (قراءة في كتب العقائد ص 250 )
وقد جلست مع كثير من إخواننا السلفييين والإخوانيين وتناقشنا حول هذه الآية وكنت أسعى جاهدا لثنيهم عن معتقدهم ورؤيتهم الخاطئة ولكني كنت أواجه بكلمات تنم عن تحجر عقلي وتقليد أعمى ، ما أكثر ما سمعناها حتى أصبحت كاست مكرر يسقط على آذاننا كلما تكلمنا معهم مثل قولهم (( نقر ونمر )) ، (( قال الشيخ الفلاني )) ، (( نحن لا نقول إلا بما قاله السلف )) ويا ليتهم يأتوا بدليل واحد على دعواهم وحقا من قال إن أكثر الناس افتراء على السلف هم السلفيون .
وسرعان ما يقولون لك إن الله ذكر اليد مثناة ولا تثنى اليد إلا للحقيقة وليس للمجاز ، فقلت لهم أين تذهبون بقوله تعالى : { إنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه } وقوله تعالى : { وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته } فأين يدي المطر بل أين يدي القرآن الذي نقرأه باستمرار فلا يستطيعون جوابا إلا بتلك الكلمات المتوارثة .
كلام الإمام زيد في تفسير هذه الآية:
أخرج العلوي عن عمارة قال : حدثني عبيد الله بن العلاء قال سمعت زيدا عليه السلام يقول في قوله تعالى : { وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان } المائدة 46 .
قال عليه السلام مجاز الأية النعمة منه والفضل وقوله تعالى : {ينفق كيف يشاء } المائدة 46 يدل على ذلك وقد يقول الرجل من العرب لفلان علي يد أي نعمة وقد قال علي عليه السلام في قوله تعالى :{ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } الإسراء 29 قال : لا تمسك يدك من النفقة في حق بمنزلة المغلولة يده إلى عنقه .
وقوله تعالى : { لما خلقت بيدي } ص 75 أي توليت أنا خلقه بغير أبوين كقوله يداك عملت هذا ، [وكقوله تعالى : { ذلك بما قدمت يداك }] أنت فعلته ولم تعالجه بيدك, وأنت عملت هذا بيدك ولعله إنما قاله بلسانه ولم يعمل شيءا بيده أ. هـ مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم زيد بن علي عليه السلام ص337 .
2/ قال تعالى :{ كل شيء هالك إلا وجهه }
قال إخواننا السلفيون من أهل السنة إن هذه الآية دليل على أن لله وجها تعالى الله عن ذلك وهكذا تظل هذه العقلية تحكم إخواننا من غلاة أهل السنة ، يقول أحد الدعاة (( بتصرف )) : دخلت ذات يوم جامعا من جوامع نيجيريا فإذا أنا بشيخ وهابي يخطب في الناس قائلا : (( إن لله يدا يقول سبحانه وتعالى :{ بل يداه مبسوطتان } وله ساق يقول سبحانه وتعالى :{ يوم يكشف عن ساق } وله وله وله وله وجه يقول سبحانه وتعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } فاستوقفته قائلا يا أخي ما هذا الكلام الذي تقوله ألا تعلم أن لغة العرب فيها الحقيقة والمجاز والآيات التي ذكرتها ليس المراد ظاهرها لأن الله ليس كمثله شيء فقال الشيخ بل نحن نؤمن بأن لله يدا وأن له ساقا وله وله وجها بلا كيف ولا نؤول ولا نعطل ، يقول سبحانه وتعالى :{ كل شيء هالك إلا وجهه } قال الداعية ، فاستوقفته قائلا ياشيخ لقد زدت الطين بلة ؛ إذا كنت تقول إن لله يدا وساقا وقدما إلى جانب الوجه معنى ذلك أن هذه الأعضاء سوف تهلك ولن يبقى إلا الوجه أليس يقول سبحانه وتعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه } فسكت الشيخ ولم يرد جوابا ولو أن الشيخ أنصف لذكر أن الوجه المراد منه الذات الإلهية وليس العضو المخصوص الذي تعنيه السلفية وهذا هو الواجب في حقه سبحانه وتعالى ولكي تعلم المراد نحيلك إلى أئمة الهدى ومصابيح الدجى قرناء القرآن ليزيلوا عنك شبه التشبيه بأكف التنزيه .
كلام الإمام القاسم الرسي عليه السلام في معرض رده على المشبهة :
" وإن فرقة من البدعية استعجمت في كتاب الله وسارعت في تأويله من غير فصاحة بالتأويل ولا فهم في التنزيل ولا آلة في العلم باللغات ، فتأولت بالعجمة إذ تأولته ، ولما سمعوا كلام الله وما فيه من قول المطعمين : { إنما نطعمكم لوجه الله } الإنسان 9 وقوله : { كل شيء هالك إلا وجهه } وقوله { كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } الرحمن 26- 27 ، إن لله عز عن ذلك وجها كوجه الإنسان ونحن سائلوهم وبالله نستعين ماذا أراد الله بقوله :{ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام } شيء منه دون شيء ؟ أم هو الله تبارك وتعالى يبقى ؟! لأنه ليس بذي جوارح متفاوتة فإن رجعوا إلى النظر ، وتصفية الجواب علموا أن الله أراد بقوله : { ويبقى وجه ربك } يعني يبقى ربك، وإن كل شيء غيره فان ،لأن الله ليس مبعضايبقى وجهه دون أبعاضه ، تعالى الله عن التبعيض ، فإن تقحم ذو حيرة غمرات الكفر ؛ وزعم أن له أبعاضا أحدها وجه !! قيل له أخبرنا عن تلك الأبعاض التي أحدها وجه تفنى دون الوجه ؟! فإن زعم أنها تفنى دون الوجه صرح بشركه ، وإن زعم أن الأبعاض التي هي غير الوجه تبقى مع الوجه قيل له من أين قلت أن كلها تبقى ؟ وقد قال الله عز وجل في كتابه : { كل شيء هالك إلا وجهه } ولن تجدوا حجة تدفعون بها الفناء عن الأبعاض التي هي سوى الوجه إلا أن ترجعوا إلى قولنا . مجموع رسائل الإمام القاسم الرسي عليه السلام 1/472 .
وفي معرض ذكر معان الوجه في مثل تلك الآيات المتشابهة يقول الإمام الهادي إلى الحق عليه السلام : إن معنى الوجه في الله سبحانه وتعالى عن كل شآن شآنه هو الله وإنه ليس بذي أعضاء ، ولا أبعاض ولا أجزاء وذلك فمعروف في العربية ، يعرفه كل من فارق لسان الأعجمية من ذلك ما تقول العرب : هذا وجه بني فلان . تريد أنه المنظور إليه منهم ............... وتقول : هذا وجه الرأي . أي محضه وصدقه وصوابه في كل أمر وحقه لا أن له وجها كما يعرف من الوجوه المخلوقة في البشر المجعولة له المقدرة المركبة المصورة ، وفي ذلك وما كان كذلك ما يقول الشاعر :
وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه **** وينجو بإذن الله من حيث يحذر
................. ومما يحتج به أهل اللغة ، وبما قالت في ذلك ، ما يقول العلي الأعلى ، مما بين فيه أن وجهه هو لا بعضه ما يقول : { وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون } الروم 39 فقال تريدون وجه الله وإنما أراد سبحانه تريدون الله ................ وقال :{ بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن } البقرة 112 فقال من أسلم وجهه أراد بذلك سبحانه من أسلم نفسه لربه ، واستسلم له في جميع أموره ، وأخلص له سبحانه دينه ، وقال جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله :{ فأقم وجهك للدين القيم } الروم 43 فأمره بإقأمة وجهه للدين والإخلاص في ذلك لرب العالمين ، ولم يرد الوجه دون القلب وسائر الأبعاض والأعضاء وإنما أراد بذلك العلي الأعلى ، ...................... وفي ذلك ما يقول الله سبحانه : { وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون } آل عمران 72 فلم يرد سبحانه فيما ذكر عنهم أن للنهار وجها ........... وقال عز وجل :{ ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها } يريد على حقيقتها وصدقها .
3/ {تجري بأعيننا ، إنك بأعيننا }
استلهم إخواننا السلفيون من خلال هذه الآيات أن لله عينين اثنتين وأن العين في الوجه !! رغم عدم وجود نص يفيد أنها اثنتين لأن الأعين جمع وليس تثنية كما أنه لا نص يفيد بأن العينين في الوجه إلا إذا كانت كلتا القضيتين من باب قياس الخالق على المخلوق وهذا هو التشبيه بعينه والحق أن معنى الآيتين واضح لكل ذي لب ولولا العصبية لما احتجنا إلى توضيح ذلك ، لذلك نقول لإخواننا من السلفيين إما أن تأخذوا بظاهر الآيتين وهو أن السفينة كانت تجري بأعين الله وليس في البحر كما هو المعلوم !! وإما أن الظاهر غير مراد وهذا هو الحق فيكون المعنى أن السفينة تجري برعاية ومرأى منا ولا يمكن أن يكون المراد هو الحقيقة والمجاز في آن واحد ، وكذلك قوله سبحانه وتعالى : { إنك بأعيننا } ظاهر الآية أن أعين الله مكان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولذلك فهو غير مراد والمراد هو المجاز أي بحفظنا ورعايتنا ، وكغيرها من الألفاظ العربية تحتمل العين معان عديدة أوردناها في الهامش
وهكذا وقف أئمة أهل البيت عليهم السلام وقفة مشرفة في توضيح عقائد الإيمان ، والحق أنهم فرسان العقل والنقل وكثيرة هي الآيات المتشابهة التي اغتر بظواهرها إخواننا من السلفية ولكن هذا الكتاب غير مخصص لذلك ومن أراد أن يتزود ويستنير بعقائد أهل البيت للتعرف أكثر على الحق فعليه بمجاميع الأئمة عليهم السلام وخصوصا المجاميع العقائدية للإمام زيد بن علي والإمام القاسم الرسي والإمام الهادي والإمام المرتضى بن الإمام الهادي عليهم السلام وكذلك هناك كتب معاصرة ناقشت هذه المسألة بتوسع ككتاب نظرة وبيان للأستاذ عبد المجيد الحوثي ، وإذا أعاننا الله فسوف نخرج كتابا يناقش عقائد الزيدية بتوسع بإذن الله سبحانه وتعالى .
العدل الإلهي
شكلت مسألة العدل نقطة ساخنة من نقاط الجدل بين أئمة أهل السنة وأئمة أهل البيت عليهم السلام وكانت تأخذ أبعادا وعناوين عديدة فتارة تكون باسم القضاء والقدر ،وتارة باسم الجبر والاختيار ، ولا شك أن هذه المسألة من المسائل الكبيرة التي تعنى بقضية هامة جدا وهي مسألة الحرية الإنسانية ومدى مسؤولية الإنسان تجاه عمله وفعله ففي الوقت الذي تفتح الزيدية للإنسان آفاق الحرية وتجعله مسؤولا عن أفعاله الاختيارية مسؤولية كاملة { كل نفس بما كسبت رهينة } ،
{ ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون } تقف المدرسة السنية موقفا سلبيا من الحرية الإنسانية فغلاتهم يعتقدون أن الإنسان ما هو إلا كالريشة في مهب الريح وإن لم يصرحوا بذلك ولكن يفهم ضمنيا من كلامهم فلذلك يؤمنون بأن كل صغيرة وكبيرة قد قضى الله بها وقدر من غير حول للإنسان ولا قوة ؛ يقول النووي الشافعي ( و مذهب ااهل السنة ايضاً ان الله تعالى لا يجب عليه شئ تعالى الله , بل العالم ملكه و الدنيا و الاخرة في سلطانه , يفعل فيهما ما يشاء فلو عذب المطيعين و الصالحين اجمعين و ادخلهم النار كان عدلاً منه , و لو نعم الكافرين و ادخلهم الجنة كان له ذلك ) صحيح مسلم بشرح النووي 17/160 لا خلاف من ان الله سبحانه و تعالى لا يجب عليه شئ و انه المالك لكل شئ و لكن ما معنى قول النووي ( فلو عذب المطيعين ... ) ما الداعي لايراد مثل هذا الكلام و هل يعقل ان يدخل الله سبحانه و تعالى المؤمنين النار و الكافرين الجنة هذا جائز عند اهل السنة الاشاعرة و لسنا بحاجة إلى كثير عناء كي نفند هذه التراهات يكفينا قوله سبحانه و تعالى { و لا يظلم ربك احداً } و قال تعالى { و رحمتي وسعت كل شئ فسأكتبها للذين يتقون } وقال تعالى {ان وعد الله حق } .
و من عقائد اهل السنة الاشاعرة ( ان الله يأمر بما يكره و ينهى عما يحب ....
و ان افعالهم خيرها و شرها من الله ) المواقف في علم الكلام والفروق للقرافي
و المذاهب الاسلامية لابي زهرة 1/63 .
ويقول الشيخ بن عثيمين : (( وفيه أيضا المعاصي والفجور والكفر والفسوق والقتل وغير ذلك وكل هذه شر لكن باعتبار نسبتها إلى الله هي خير لأن الله عز وجل لم يقدرها إلا لحكمة بالغة عظيمة عرفها من عرفها وجهلها من جهلها .......))
وليت الشيخ أتحفنا بذكر الحكمة من ذلك وأي حكمة هذه التي يقضي فيه الله الحكيم المتعال الزنا والفجور والقتل على عباده ثم يعذبهم بالنار بلا ذنب سوى أنه قدره وكتبه عليهم من غير حول منهم ولا قوة .
ويروي البخاري في صحيحه عن أبي هريرة : (( احتج آدم وموسى فقال موسى : يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة . قال له آدم : يا موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك بيده ، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة فحج آدم موسى ثلاثا )) هذا الحديث يظهر عتاب موسى عليه السلام آدم و القاءه باللائمة عليه لخروجنا من الجنة ولكن نبي الله آدم – حاشاه – يلقي باللائمة على الله سبحانه وتعالى لأنه هو الذي قدر لآدم العصيان بحسب الرواية ولكن الله سبحانه وتعالى يكذب هذه الرواية لأنه قال لأبينا آدم و زوجه : { ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين } ولم يقدر عليهما أكلها .
كما روى مسلم في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين قالت : (( دعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت : يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه . قال : أوغير ذلك يا عائشة إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب أبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم وهم في أصلاب أبائهم ))
هل حقا أن معشر البشر مجرد دمية تحركها أيدي القدر ،كل هذه الأحاديث خلقت بلبلة في صفوف المسلمين حتى أصبحت القضية من الأمور الغامضة التي ليس لها حل إلا الحيرة والانتظار للقدر المحتوم وهآأناذا أنقل لك كلام أحد الكتاب الإسلاميين الذي تحول من مذهب السنة إلى مذهب الشيعة وكانت هذه المسألة من بين عدة مسائل سارعت بتحوله هذا ،نذكر كلامه بتصرف يقول : " القضاء والقدر عند أهل السنة .. كان موضوع القضاء والقدر لغزا عويصا في ما مضى من حياتي إذ لم أجد فيه تفسيرا شافيا ولا كافيا يريح فكري ويقنع قلبي ، وبقيت محتارا ، بين ما تعلمته في مدرسة أهل السنة من أن الإنسان مسير في كل أفعاله ..... وبين ما يمليه عقلي وضميري ، من عدالة الله سبحانه وتعالى وعدم ظلمه لمخلوقاته ، إذ كيف يجبرهم على أفعال ثم يحاسبهم عليها ويعذبهم من أجل جرم كتبه هو عليهم وأجبرهم عليه .
فكنت كغيري من شباب المسلمين اعيش تلك التناقضات الفكرية في تصوري بأن الله سبحانه هو القوي الجبار الذي لا يسأل عما يفعل وهم يسألون - وهو فعال لما يريد - وقد خلق الخلق وجعل قسما منهم في الجنة وقسما أخر في الجحيم – ثم هو رحمن رحيم بعباده لا يظلم مثقال ذرة { وما ربك بظلام للعبيد } - { إن الله لا يظلم الناس شيءا ولكن الناس أنفسهم يظلمون } ، ثم هو أحن عليهم من المرأة على ولدها كما جاء ذلك في الحديث الشريف .
وكثيرا ما يتراءى هذا التناقض في فهمي لآيات القرآن الكريم فمرة أفهم بأن الإنسان على نفسه بصيرة وهو المسؤول الوحيد عن أعماله { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } .
ومرة أفهم بأنه مسير وليس له حول ولا قوة ، ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا رزقا ، { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } ، { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء } .
نعم لست وحدي بل أغلب المسلمين يعيش هذه التناقضات الفكرية ولذلك تجد أغلب الشيوخ والعلماء إذا ما سألتهم عن موضوع القضاء والقدر لا يجدون جوابا يقنعون به أنفسهم قبل إقناع غيرهم ، فيقولون : هذا موضوع لا يجب الخوض فيه ، وبعضهم يحرم الخوض فيه ويقول : يجب على المسلم أن يؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره وأنه من عند الله .
وإذا ما سألهم معاند : كيف يجبر الله عبده على ارتكاب جريمة ثم يزج به في نار جهنم ؟ اتهموه بالكفر والزندقة والخروج عن الدين إلى غير ذلك من التهم الباردة ، فجمدت العقول وتحجرت وأصبح الإيمان بأن الزواج بالمكتوب ، والطلاق بالمكتوب ، وحتى الزنا فهو مكتوب إذ يقولون : مكتوب على كل فرج إسم ناكحه ، وكذلك شرب الخمر ، وقتل النفس وحتى الأكل والشرب ، فلا تأكل ولا تشرب إلا ما كتبه الله لك ! على اعتبار ان الكتابة و التقدير ثمرة الفرض
و الجبر – فلا ارادة للانسان – لا ثمرة العلم و الحكمة الالهية .
قلت لبعض علمائنا بعد استعراض كل هذه المسائل : إن القرآن يكذب هذه المزاعم ، ولا يمكن للحديث أن يناقض القرآن ! قال تعالى في شأن الزواج
{ فانكحوا ما طاب لكم من النساء } فهذا يدل على مزية الاختيار وفي شأن الطلاق { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وهو أيضا اختيار وفي الزنا قال : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } وهو أيضا دليل الاختيار وفي الخمر قال : { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } وهي أيضا تنهى بمعنى الاختيار .
أما قتل النفس فقد قال فيها : { ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق } وقال : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } فهذه أيضا تفيد الاختيار في القتل .
وحتى بخصوص الأكل والشرب فقد رسم لنا حدودا فقال :{ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } فهذه أيضا بالاختيار .
فكيف يا سيدي بعد هذه الأدلة القرآنية تقولون بأن كل شيء من الله والعبد مسير في كل أفعاله ؟!
أجابني : بأن الله سبحانه هو وحده الذي يتصرف في الكون واستدل بقوله : { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير } .
قلت : لا خلاف بيننا في مشيءة الله سبحانه وإذا شاء الله أن يفعل شيءا ، فليس بإمكان الإنس والجن ولا سائر المخلوقات أن يعارضوا مشيءته ! وإنما اختلافنا في أفعال العباد هل هي منهم أم من الله ؟؟
أجابني : لكم دينكم ولي دين ، وأغلق باب النقاش بذلك . هذه هي في أغلب الأحيان حجة علمائنا " .
العدل الإلهي في منظور أهل البيت عليهم السلام:
تساؤلات كثيرة كانت تطرأ على عقول وقلوب كثير من الناس فتثير البلبلة والشك في صدورهم ، هل أن المعاصي من زنى وقتل وسرقة وغيرها بقضاء من الله وقدره ؟ وهل أن الظلم والاستبداد للشعوب والمستضعفين بقضاء من الله وقدره ؟ في بيئتنا اليمنية بعد أن استفحلت عقائد وأفكار أهل السنة في فترة خمل فيها أبناء الفكر الزيدي كنت كثيرا ما أسمع تحليلا عجيبا لقضايا هامة وخطيرة فعند ما تحصل جريمة قتل تجد القاتل بل أهل المقتول وجل الناس يحمِّلون القدر الإلهي المسؤولية وكذلك العجز والعوز الاقتصادي بل حتى صعود الفجرة والظلمة على رقاب الناس ليس سوى نتيجة لتقدير الباري سبحانه وتعالى – و هذا هو سر أن السلفية والصوفية وأهل السنة عموما مقربون من السلطة ودوائرها بعكس الزيدية – حتى القضايا الاجتماعية كالزواج مثلا فهو قسمة ونصيب فعند ما تحاول البحث عن بنت الحلال بمواصفات معينة كالخلق والدين وغيرها من الصفات التي ترغب إليها النفس البشرية سرعان ما يبادرونك بقولهم : (( الزواج قسمة ونصيب )) ، (( ما لك إلا ما كتب لك )) على أساس أن الكتابة و التقدير الالهي لافعال العباد ثمرة للجبر والتسيير الالهي و ليس ثمرة لعلم الله المسبق وحكمته البالغة و سننه الالهية التي وضعها في هذا الكون , ولن تشفع لك حتى الأحاديث النبوية كقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس )) وكقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( فاظفر بذات الدين ..)) التي تدعو إلى عدم الاتكال في تغيير هذه الفكرة من المجتمع وكانت هذه الأفكار الجبرية موجودة منذ ما قبل التاريخ الإسلامي وقد طرأت هذه المسألة بقوة في عصر الأئمة عليهم السلام من ذلك قصة الرجل الشامي الحائر في سفره وفي فعله هل له الحرية والاختيار في العمل أم أنه كالريشة في مهب الريح ، وقد رواها أئمة أهل البيت وعلماء الزيدية في كتبهم وأذكر هنا هذه الرواية ا (( سأل شيخ شامي الإمام علياً عليه السلام عن مسيره إلى الشام أكان بقضاء وقدر ؟ فقال علي عليه السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما قطعنا واديا وعلونا تلة إلا بقضاء وقدر .
فقال الشيخ : عند الله أحتسب عنائي ، ما أرى لي من الأجر شيءا .
فقال علي عليه السلام : بلى أيها الشيخ قد عظم الله لكم الأجر في مسيركم وأنتم سائرون وعلى منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين .
فقال الشيخ : فكيف والقضاء والقدر ساقانا وعنهما كان مسيرنا ؟
فقال علي عليه السلام للشيخ : لعلك ظننت قضاء لازما وقدرا حتما ، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب ، وسقط الوعد والوعيد ، والأمر من الله والنهي ، ولما كانت تأتي من الله محمدة لمحسن ولا مذمة لمسيئ ، ولما كان المحسن بثواب الإحسان أولى من المسيئ ، ولا المسيئ بعقوبة الإساءة أولى من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان ، وجنود الشيطان ، وخصماء الرحمن ، وشهود الزور وأهل العمى عن الصواب في الأمور ، قدرية هذه الأمة ومجوسها ، إن الله أمر تخييرا ونهى تحذيرا ، وكلف يسيرا ، ولم يُعص مغلوبا ، ولم يُطَع مُكرَها ، ولم يرسل الرسل هزؤا ، ولم ينزل القرآن عبثا ، ولم يخلق السموات والأرض وعجائب الآيات باطلا { ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار } ص 27 .
فقال الشيخ : ما القضاء والقدر اللذان ما وطئنا موطئا إ لابهما ؟
فقال عليه السلام : الأمر من الله والحكم ، ثم تلى :{ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه}
فنهض الشيخ مسرورا وهو يقول شعرا :
أنت الإمام الذي نرجو بطاعــته *** يوم النشور من الرحمن رضوانـا
أوضحت من ديننا ما كـان ملتبسا*** جزاك ربك عنا فيه إحسانــا
نفسي الفداء لخير الناس كلهــم *** بعد النبي علي الحبر مولانـــا
نفي الشكوك مقال منك متضـح *** وزاد ذا العلم والإيمان إيمانـــا
فليس معذرة في فعل فاحـشــة *** يوما لراكبها ظلما وعدوانـــا
لا لا ولا قــائــل ناه