الخلافات السياسية بين الصحابة

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
ابراهيم عامر
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 88
اشترك في: الأحد فبراير 01, 2004 11:26 pm

الخلافات السياسية بين الصحابة

مشاركة بواسطة ابراهيم عامر »

يستحق القراءة

الخلافات السياسية بين الصحابة

رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ (*)



المؤلف : محمد بن المختار الشنقيطي
عرض : حسن منصور
" كما وُفِّق الشيخ حسن البنا في صياغة الإسلام ومنهج الوصول إلى حقائقه في عشرين مسألة غاية في الوضوح والدقة ، فقد وُفِّق سليل العائلة الشنقيطية إلى نظمه الدقيق العميق للقواعد الاثنتين والعشرين التي استخلصها منهاجاً في التعامل مع مرحلة التأسيس لحضارة الإسلام منذ يوم السقيفة " ، هكذا يلخص الشيخ راشد الغنوشي - المفكر الإسلامي التونسي رؤيته لكتاب الخلافات السياسية بين الصحابة : رسالة في مكانة الأشخاص وقدسية المبادئ الذي صدر مؤخراً عن مركز الراية للتنمية الفكرية في دمشق وجدة ، وهو من تأليف الكاتب والمحلل السياسي الموريتاني المقيم في الولايات المتحدة ، محمد بن المختار الشنقيطي - محرر مجلة ( الفقه السياسي ) .

الشيخ الغنوشي عَنوَن تقديمه لكتابالشنقيطي بأنه ( كتاب جدير أن يقرأ وتعاد قراءته ) ، مؤكداً أنه كان من بينالكتابات القليلة التي وجد في قراءتها متعة ظلت تشده إلى استئناف ومتابعةالقراءة كلما قطعته مشاغل الحياة عنها ، مشيراً إلى أهمية الكتاب في تناولهلـمرحلة التأسيس لحضارة الإسلام في كل أبعادها ، تلك المرحلة التي تَشطّر فيهاالضمير والاجتماع الإسلامي ، حتى تحول - أو كاد - خير القرون والأدنى منمثاليات الإسلام إلى حقل منازعات من دون نهاية ، ومصدر هدر غير محدود لطاقاتالإسلام ، وأساساً لتمزيق الاجتماع الإسلامي بسبب المناهج الخاطئة التي تناولتخلافات الأصحاب بالتأريخ والسرد ثمبالتأويل ، خدمةً لأغراضٍ أو انسياقاً مع جهالاتٍ .

ويذهب الشيخ الغنوشي إلى أن مؤلف الكتاب قد قدّم خدمةً مهمةً جداً لأجيال الحركة الإسلامية المعاصرة من خلال إعادة قراءة وقائع الاختلاف بين الأصحاب ، وأنه التزم في تناوله البحث والتحليل لما نجم من خلافات بينهم بقواعد منهجية واضحة ودقيقة ومؤصلة، بما يرفع الحرج عن المؤمنين من تناول وقائع تلك المرحلة تأثماً ، كما يمنع التوظيف السياسي انتصاراً لحزب غلاة التشيع ، في مقابل التسنن الشيعي الذي انتهجه قوم من السنة بدافع رد الفعل على غلو التشيع ، فلجُّوا في الخصام ، وركبوا مركباً صعباً في الدفاع عن الظلم والاستبداد والردة السياسية ، وترسيخ التفسير التآمري للتاريخ ، على أنقاض الحقيقة التاريخية الموثقة ، ومقاصد الإسلام في العدل والشورى .

والجديد الأهم في الكتاب - بحسبالشيخ راشد الغنوشي - هو اعتماده منهج المحدثين في التعامل مع الروايات الواردةحول وقائع الاختلاف ، بما أتاح له الفرز بين الصحيح والسقيم ، وحرصه علىصرامة التحقيق الروائي ، كحرصه على الاعتماد شبه الكامل على تناول مسائلالاختلاف بين الأصحاب من خلال تراث شيخ الإسلام ابن تيمية بهدف تجريد الغلووالتشدد من أهم أسلحته التي يستطيل بها على الأمة خدمةً للإجماع والاعتدالوالوسطية والشورى والديمقراطية ، والشيخ الغنوشي يشير في ذلك إلى قول المؤلف : " إنالمنهج الذي ندعو إليه في هذه الدراسة ، ونرى شيخ الإسلام ابن تيمية وبعض أهلالحديث خيرَ من نظَّرله وطبقه ، هو منهج قائم على التوازن بين احترام مكانةالأشخاص والتقيد بقدسية المبادئ " وهو يراعي الترجيح الذي يصبح ضرورةً شرعيةًوعمليةً أحياناً حين لا يكون الجمع بين الأمرين متاحاً ، فيتحيز للمبادئ دونلجلجة ، فالانطباع الشائع - كما يقول المؤلف - أن أهل الحديث عموماً - وابن تيمية منهم خصوصاً - ملتزمون بمنهج التحفظ والتبرير في حديثهم عن الفتن والخلافات السياسية بين الصحابة ، وأن كلامهم في الموضوع لا يتجاوز السرد أو الدفاع دون تقويم أو تحليل ، وهذه الرسالة تقدم للقارئ البرهان على عكس هذا الانطباع الخاطئ ، كما أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يجعل مسألة الكف عما شجر بين الصحابة مسألةً اعتقاديةً كما فعل بعض من لا يميزون بين الوحي والتاريخ ، وإنمابيّن أن جماع الأمر كله هو العلم والعدل .

ويخلص الشيخ الغنوشي إلى أن المؤلفوُفِّق أيما توفيق في تصحيح تصورات الأجيال الإسلامية الجديدة عن مرحلة التأسيس ،بما يقدم خدمةً كبيرةً للنظرية السياسية الإسلامية ، تأكيداً لسلطان الأمة علىحكامها ، باعتبارها المستخلفة عن الله ورسوله في إقامة الدين .

أما مقدمةالمؤلف فقد أكدت على أن الكتاب رسالة خفيفة الوزن ، كثيفة المادة ، تستهدف تجديدالقول في دراسة الخلافات السياسية بين الصحابة رضي الله عنهم ، والخروج من دائرةالجدل والمناظرة في قضايا المفاضلة بين الصحابة وشرعية خلافة الخلفاء الراشدين - وهي قضايا نظرية استنزفت العقل المسلم في غير طائل - إلى دائرة التأصيلوالتحليل والاعتبار ، وهي في خلاصتها دعوة إلى إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بمنهج جديد ، يمنح قدسية المبادئ رجحاناً على مكانة الأشخاص ، مع الاعتراف بفضل السابقين ومكانتهم في حدود ما تسمح به المبادئ التي استمدوا منها ذلك الفضلوتلك المكانة .
وهذا الكتاب ( الرسالة كما يوضح المؤلف ) ليس سرداً للخلافاتالسياسية بين الصحابة أو خوضاً في تفاصيلها ، بل هي جملة قواعد منهجية مقترحةللتعاطي مع تلك الخلافات ، بما يعين على استخلاص العبرة منها لمستقبل أمةالإسلام وآتي أيامها ، وليس فيها من تفاصيل تلك الأحداث إلا ما كان ضرباً لمثَل أو دعماً لتحليل ، والرسالة التي يتضمنها الكتاب تنتمي إلى الفقه السياسي أكثر مماتنتمي إلى علم التاريخ ، وهي بمثابة المقدمة المنهجية لكتابين آخرين يعكف عليهماالمؤلف ، وهما : السنة السياسية والشرعية السياسية ، ثم يشير المؤلف إلى أنالجبرية الأموية والكربلائية الشيعية لا تزالان سائدتين في دراسة تاريخ صدرالإسلام ، وهما وجهان لفلسفة واحدة ، تنطلق من أن ما كان هو حدود الإمكان ، وأن لامجال للنقد أو المراجعة ، وبسيادة هذين المنهجين ضيّع الفكر الإسلامي فكرة ( الإمكان التاريخي ) وعطّل العقل المسلم نفسه في دراسة تاريخه .

ومنالأفكار الجريئة التي يركز عليها المؤلف أيضاً : أن ثقافتنا التاريخية العليلةأثمرت مفارقات غريبة ، من مظاهرها أن ضحايا الاستبداد في العالم الإسلامي اليومهم أقوى المدافعين عنه فكرياً ، وأشد المبررين له أخلاقياً ، وأن المجتمع الإسلامي الأول انتصر على الردة الاعتقادية التي ثارت في أطرافه ، لكنه انهزم أمام الردة السياسية التي نبعت من قلبه ، والمتمثلة في تحويل الخلافة إلى ملك ، وإن الأولوية اليوم هي كشف فضائح المستبدين ، وتجريدهم من أي شرعية أخلاقية أو تاريخية ، ومع اعتراف المؤلف أن التحرّج من الخوض في الخلافاتالسياسية بين الصحابة كان واضحاً وشائعاً لدى علماء الأمة وصلحائها ، إلا أنه يؤكدأن ذلك لم يمنعهم من الخوض فيه لغاية التعليم والتأصيل والاعتبار ، مستشهداً بإفراد الحافظ الهيثمي في مجمعه باباً بعنوانٍ ذي دلالة ، هو باب ( فيما شجر بينأصحاب رسولالله صلى الله عليه وسلم ، ولولا أن الإمام أحمد رحمه الله وأصحابهذه الكتب أخرجوه ما أخرجته ) وهو يقصد بـأصحاب هذه الكتب أصحاب المسانيد التيجمعها الهيثمي في كتابه ، كالطبراني والبزار وأبي يعلى ، فالهيثمي يلخص هناالإشكال : لا ينبغي الخوض في هذا الموضوع لمجرد التسلية وتزجية الوقت ، لكنالحديث فيه يكون أحياناً ضرورةً علميةً وعمليةً ، وليس هو بالبدعة المستحدثة، بل سبق إليه أكابر من أهل السنة والحديث ، كالإمام أحمد وغيره .

وفي مدخل دراسته يتحدث المؤلف عن أهمية ( الوعي التاريخي ) الذي يعتبر جزءاً أساسياً من ثقافة أيةأمة حريصة على بناء مستقبلها ضمن قيمها الخاصة ، مؤكداً : أنه بالوعي التاريخيالصحيح يتوصل أبناء الأمة إلى تحقيق أمور ثلاثة :

(1) وضع حد فاصل بين الوحيوالتاريخ ، بحيث يتم التقيد بالوحي المنزل كتاباً وسنة ، ويتم الاعتباربالتجربة التاريخية ، دون اتخاذها أصلاً يُبنىَ عليه أو معياراً تتم المحاكمةعلى أساسه .

(2) وضع حد فاصل بين المبادئ ووسائل تجسيدها التاريخية ، بحيث يصبح الباب مفتوحاً أمام تجديد الوسائل دون تحريف للمبادئ ، ولا يتم الجمود على وسائل معينة ، حتى ولو أثبتت جدواها في الماضي .

(3) وضع حد فاصل بين مكانة الأشخاصوقدسية المبادئ ، فالأشخاص يستمدون مكانتهم من خدمة المبدأ ، فإذا تحول الحفاظ على تلك المكانة إلى غض من المبدأ ، أو عدم وضوحه في أذهان الناس ، فقد انحرف عن قصده ، ثم يوضح المؤلف دوافعه للكتابة في هذا الموضوع ، وهي عدة اعتبارات منها :

(أ) أن جيل الصحابة رضي الله عنهم يمثل جيل التأسيس في تاريخ الإسلام ، فهو الجيل الذي عزر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونصره ، وهو الجيل الذي أرسى دولة الإسلام الأولى وبسط حدودها . فكل ما صدر عن ذلك الجيل أخذ صبغة الأساس صراحةً أو ضمناً عند من تلاهم من أجيال الإسلام ، فلصوابهم قيمته التأسيسية ، ولخطئهم خطره الخاص ، نظراً لميل الناس إلى استسهال تقليد الأكابر في كل شيء .

(ب) أن الخلافات السياسية التي ثارت بين الصحابة رضي الله عنهم ألقتبظلالها على جميع مراحل التاريخ الإسلامي ، بل صاغت الحضارة الإسلامية وطبعتهابطابع خاص ، منذ القرن الأول الهجري حتى اليوم . فهي - بحق - مفتاح التاريخالإسلامي والمجتمع الإسلامي

(ج) أن فهم تلك المرحلة التاريخية الحساسة عبردراستها دراسة استقصائية تقويمية هو الذي يمكن من تجاوز مضاعفاتها التي لا تزالتتحكم في فكر وواقع الأمة اليوم .

(د) أن كثيرين ممن تصدوا لدراسة تلك الفترةلم يسلكوا منهج عدل وسط يجمع بين قدسية المبادئ ومكانة الأشخاص ، بل تحكمتفيهم ردود الأفعال ، فوقعوا في الغلو ولأن الشباب الإسلامي المعاصر - كمايرى المؤلف - وقع ضحية لمنهج ابن العربي في كتابه العواصم من القواصم ثم لمدرسةالتشيع السني المعاصرة التي يقودها محقق كتاب العواصم الشيخ محب الدين الخطيبوتلامذته ، فقد ختمت الرسالة بمناقشة ضافية لمنهج تلك المدرسة وبعض مزالقها أما القواعد التي استخلصها المؤلف للتعامل مع مرحلة التأسيس لحضارة الإسلام ، والتي شبهها الشيخ راشد الغنوشي بالأصول العشرين للإمام البنا لدقة نظمها وعمقها ، فلا يكفي لاستيعابها سوى قراءة الكتاب بلغة مؤلفه ، ونكتفي هنا بعرض عناوينها :

القاعدة الأولى : التثبت في النقل والرواية .
القاعدة الثانية: استصحاب فضل الأصحاب
القاعدة الثالثة: التمييز بين الذنب المغفور والسعي المشكور
القاعدة الرابعة: التمييز بين المنهج التأصيلي والمنهج التاريخي
القاعدة الخامسة: الاعتراف بحدود الكمال البشري
القاعدة السادسة: الإقراربثقل الموروث الجاهلي
القاعدة السابعة: اجتماع الأمانة والقوة في الناس قليل
القاعدة الثامنة: الأخذ بالنسبية الزمانية
القاعدة التاسعة: عدم الخلط بينالمشاعر والوقائع
القاعدة العاشرة : الابتعاد عن اللعن والسب
القاعدةالحادية عشرة : الابتعاد عن التكفير وعن الاتهام بالنفاق
القاعدة الثانية عشرة : التحرر من الجدل وردود الأفعال
القاعدة الثالثة عشرة: إدراك الطبيعة المركبةللفتن السياسية
القاعدة الرابعة عشرة: التركيز على العوامل الداخلية
القاعدة الخامسة عشرة: اجتناب الصياغة الاعتقادية للخلافات الفرعية
القاعدةالسادسة عشرة: الابتعاد عن منهج التهويل والتعميم
القاعدة السابعة عشرة : التمييز بين السابقين وغير السابقين
القاعدة الثامنة عشرة: اجتناب التكلف في التأول والتأويل
القاعدة التاسعة عشرة: التدقيق في المفاهيم والمصطلحات
القاعدة العشرون: التمييز بين الخطإ والخطيئة، بين القصور والتقصير
القاعدةالواحدة والعشرون: التمييز بين الخطاب الشرعي والخطاب القدَري
القاعدةالثانية والعشرون: الحكم بالظواهر والله يتولى السرائر .
__________________________
* الموضوع نُشر في مجلة النور اليمنية ، العدد 164 ، المحرم 1426هـ ، فبراير 2005م ، ص 41 – 43 .

ملاحظة : لا أتفق معه في بعض النقاط
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“