دراسة تكشف حقائق مغيبة..أسباب حماس السلطة لشكل الحكم (الجمهوري) وتشويهها لشكله
الحلقة الأولى
الوسط نت - الخميس 17 نوفمبر 2005
د. سعـودي علي عبيد
(إنَّ السلطة بلا عدالة، هي سرقة كبرى) «سانت أوغسطين»
يحرص القائمون على النظام السياسي في بلادنا،إلى حدِّ الهوس على التمسك بالشكل الجمهوري للحكم والإطراء عليه، ولعن الشكل الملكي للحكم والصاق مختلف الألفاظ القذرة به. وفي هذين الموقفين المتضادين،لا يهتم المستفيدون من النظام السياسي الحالي بجوهر شكلي الحكم(الجمهوري والملكي)، ويقتصر الاهتمام بالمظهر الخارجي لهما فقط.
وقبل الخوض في هذا الموضوع، أريد أن أنبه القارئ الكريم، أن مهمتي هنا لا تذهب إلى المفاضلة بين شكلي الحكم هذين، أو حتى التشيُّع لأحدهما على حساب الآخر، ولكن هدفي من بحث هذه المسألة هو تفنيد وكشف الأسباب الحقيقية لموقف السلطة الحاكمة، المتمثل في حماسها للجمهورية، وتشويهها للملكية، أي نظام الإمامة.
وللوصول إلى هدفنا المحدد أعلاه، يتطلب الإجابة على التساؤلات الآتية:
1- ما هو مفهوم كل من التقدم والتخلف كحالة تاريخية ونسبية،وعلاقتهما بنظامي الحكم المذكورين؟
2- ما هي درجة انسجام كل من شكلي الحكم (الجمهوري والملكي) مع جوهـرهما ومضمونهما؟
3- ما هي درجة تحقيق كلّ من نظامي الحكم (الملكي والجمهوري) لأهدافهما ومبادئهما المعلنة؟
4- ما هي الأهداف المعلنة وغير المعلنة لسلوك سلطة النظام السياسي الحالي في تشويه نظام الإمامة؟
وقبل أنْ نخوض في الإجابة على التساؤلات المطروحة، ينبغي الالتفات إلى حقيقة جوهرية وأساسية ترتبط بأولئك الذين يحق لهم الإنشداد باتجاه أحد هذين النظامين (الملكية أو الجمهورية) وفق معايير مختلفة،مثل المصالح المتحققة لهما من أحد هذين الحكمين. فمثلاً الذين افتقدوا مصالحهم بذهاب حكم الإمامة، ولم تُعوَّض تلك المصالح من الحكم الجمهوري الجديد، سيظلون متشيَّعين للحكم الأول، وساخطين على الحكم الجديد، والعكس صحيح. كما أنَّ الانشداد إلى أحد هذين الحكمين مرتهن بالجانب العقائدي الصرف، بغض النظر عن تحقق أية مصالح مباشرة.. وقد يكون هذا الانشداد إلى أحد شكلي الحكم المذكورين نابعاً من حالة الإعجاب فقط , باتجاه حكم الإمامة (الملكي) والنفور من الحكم الجمهوري، أو العكس.
وإذا استخدمنا لغة الإحصاء والأرقام، سنجد أنَّ عمر ثورة 26سبتمبر التي قامت في العام 1962م يكون حتى العام 2004م هو 42 عاماً. ويعني ذلك أنَّ الأشخاص الذين يقعون في الشرائح العمرية(صفر حتى 42 سنة)، غير مؤهلين لإعطاء حكم وتقييم موضوعيين وواقعيين، باتجاه شكلي الحكم الخاضعين للدراسة. ويعود السبب ببساطة إلى أنَّ هؤلاء لم يعيشوا إلاَّ شكل الحكم الجمهوري. ولذلك فهم قادرون على تقييم هذا الحكم بالإيجاب أو السلب بموجب الحالات الثلاث التي ذكرناها سابقاً (المصالح أو العقائدية أو الإعجاب). أما حكمهم وتقييمهم لحكم الإمامة، فلن يكونا مفيدين أو ذا قيمة. والسبب ببساطة هو أنَّ هذه الفئات(صفرــ 42سنة) لم تكن موجودة عند سقوط حكم الإمامة، بفعل ثورة 26سبتمبر 1962م.
وبالاستناد إلى مصدر إحصائي رسمي، وهو كتاب الإحصاء السنوي لعام 2003م، فإنَّ هؤلاء الأفراد المنتمين إلى الفئات العمرية(صفرــ 42 سنة) يمثلون الآن نحو (17,5) مليون نسمة.
وإذا أضفنا لهم فئة عمرية أخرى، وهم الذين لم تتجاوز أعمارهم العاشرة عند سقوط حكم الإمامة وقيام الجمهورية في 26 سبتمبر 1962م، أي أولئك الواقعين في الفئة العمرية (43 - 52 سنة)، فإنهم سيشكلون بحسب المصدر الإحصائي ذاته نحو (1,3) مليون نسمة.. وبعملية جمع الفئات العمرية المذكورة (صفر-52 سنة) فإنهم سيشكلون نحو (18،8) مليون نسمة. وبذلك سنصل إلى حقيقة جليَّة، وهي أنَّ مَنْ شاهد وأدرك واقعة سقوط حكم الإمامة لم يتبقى منهم سوى (1،6) مليون نسمة فـقـط، وهو رقم جد ضئيل، ناهيك عن أنَّ هذا العدد يشتمل على أولئك الأشخاص الذين كانوا حينئذٍ صغاراً دون الخامسة عشر، مع الأخذ بعين الاعتبار نسبة الأمية العالية وانخفاض مستوى التعليم. أضف إلى ذلك أنَّ الإحصاءات السكانية المعطاة تخص شطري اليمن (جنوباً وشمالاً)، علماً أنَّ الإمامة كانت حاكمة في الشمال. والمعنى واضح لكلِّ ذي بصر وبصيرة.
وإذا انتقلنا إلى الإجابة على التساؤلات المطروحة آنفاً، فماذا عسانا أنْ نقول؟
أولاً: ما هو مفهومنا لكلٍّ من التخلف والتقدم، وما علاقتهما بنظامي الحكم المذكورين؟
بداية يجب الإقرار بأنَّ التخلف والتقدم (سياسياً أو اقتصادياً أو ثقافياً أو غيره)، هما مفهومان تاريخيان باعتبارهما ظاهرتين اجتماعيتين، كما هي حال كلّ الظاهرات الاجتماعية التي تخضع لقانون التطور عند نشأتها وتغيرها واضمحلالها. ولأنهما مفهومان تاريخيان، فهما نسبيان وليس مطلقين. بمعنى أن ما نراه متخلفاً، قد يراه الآخرون متطوراً أو متقدماً، والعكس صحيح. وما كنا نراه متخلفاً في الماضي البعيد، قد نراه متقدماً في الوقت الراهن. يعني أنَّ الأمر هنا في مجمله نسبي، إذا نُظر إليه من أشخاص مختلـفين، وزوايا مختلفة، وأزمنة متباعدة.
وعلى هذا الأساس، فمن غير المنصف أنْ تتم المقارنة بين ما نحن فيه الآن، أي في عهد الجمهورية، وبعد 42 عاماً، وبين ما كان فيه أولئك الناس في عهد الإمامة، أي قبل 42 عاماً. و الصحيح هو أنْ نقارن بين أشياء متجاورة في الزمن، أو متشابهة في الشكل والمضمون، كالمقارنة بين نظام الإمامة ونظام المملكة العربية السعودية عشية سقوط الأول، مع علمنا بتفاوت الموارد الاقتصادية لصالح الثاني. كما أنه من الصحيح كذلك أنْ نقارن واقع نظام الجمهورية اليمنية (الحكم الجمهوري) حالياً، مع الأنظمة المجاورة له، مثل المملكة العربية السعودية والبلدان الخليجية، مع علمنا بأنَّ جميع هذه البلدان متقاربة من حيث مواردها الاقتصادية. ومع ذلك نجد أنَّ استفادة المجتمع من موارده الاقتصادية في الجمهورية اليمنية محدودة، بينما نجد الاستفادة في البلدان الأخرى ملموسة. والسبب يعود في الأساس إلى عبث السلطة الحاكمة بهذه الموارد لصالحها الخاص.
وبهدف إخفاء نظامنا السياسي الحالي لهذه الحقيقة، نراه يستميت كثيراً، ويقـف مطولاً عند المقارنة بين واقع حالنا في الجمهورية اليمنية مع واقع الحال في «المملكة اليمنية المتوكلية»، برغم أنَّ الزمن الفاصل بين الحكمين يقدر بنحو 42 عاماً. كما أنَّ المتوافر اليوم من الموارد الاقتصادية، لا يمكن مقارنتها بذلك العهد. ولذلك فإنَّ المقارنة التي يعقدها القائمون على النظام السياسي الحالي، تمثِّل حالة خداع وتضليل فاشلين للمجتمع لواقعهم السيئ المعاش، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ولذا فإنه من المفيد والواقعي محاكمة مفهومي «التخلف» و«التقدم» بالارتباط بالحالة التاريخية، والإمكانات الاقتصادية المتوافرة لكلٍّ من النظامين الخاضعين للدراسة (الإمامة و الجمهوري)، وفي الزمن الخاص بهما.
ثانياً: ما مدى انسجام كلٌّ من شكلي الحكم (الإمامة والجمهوري) مع جوهرهما أو مضمونهما؟
إذا عدنا إلى التاريخ غير المختلف عليه، نجد أنَّ حكم الإمامة يعود تأسيسه إلى محمد بن يحيى بن محمد بن حميد الدين (1839 ـ 1904م)، وهو بحسب الموسوعة اليمنية (حفيد من الجيل الثامن من فروع أئمة بيت القاسم بن محمد)، وهو والد ومؤسس حكم بيت حميد الدين. وهو الذي أعلن الثورة على الأتراك، وقاد حرب عصابات عليهم، وتمكن من الاستيلاء على كثير من الحاميات التركية في المناطق الشمالية، التي كونت فيما بعد المملكة اليمنية المتوكلية.
أما الإمام يحيى بن محمد بن يحيى حميد الدين (1869 - 1948م)، فهو ملك اليمن، وهو الإمام المتوكل على الله . وبحسب الموسوعة ذاتها، فقد شارك والده في قيادة الثورة على الأتراك، وبويع بالإمامة بعد وفاة أبيه المنصور في أبريل 1904م. وقد أسرع إلى إعلان الثورة على الأتراك، وحاصر صنعاء . وقد عـقـد (صلح دعَّان) مع الأتراك، الذي بموجبه خرج الأتراك من اليمن (المناطق الشمالية) في عام 1911م. وقد تولى الحكم بعده، ابنه الإمام الناصر لدين الله أحمد بن يحيى بن محمد بن يحيى حميد الدين (1895- 1962م)، عقب مقتل والده (الإمام يحيى حميد الدين) في 17 فبراير 1948م، إثر قيام ما أُطلق عليها بالثورة الدستورية. وقد توفي الإمام أحمد في 19 سبتمبر 1962م، وخلفه ولده الإمام البدر في الحكم لمدة أسبوع فـقط، حيث أُطيح به بواسطة انقلاب عسكري في 26 سبتمبر 1962م . وقد تمكَّـن من الخروج إلى خارج حدود البلاد.
مما تقدم يمكننا استخلاص الحقائق الآتية:
1- إنَّ جذور آل حميد الدين قوية بالواقع الاجتماعي الذي وجدت وعاشت فيه (المناطق الشمالية). وقد امتلكت شخصياتها الأساسية، سماتها الكاريزمية (الزعامة) دينياً وعسكرياً وسياسياً.
2- يجب التذكير بأنَّ خروج الاستعمار التركي من المناطق الشمالية، قد تمَّ أساساً بفعل المقاومة المسلحة التي قامت هناك بقيادة آل حميد الدين.
3- إنَّ المقاومة العسكرية التي قادها آل حميد الدين ضد الأتراك، هي في المقام الأول عمل سياسي، يحمل في مضمونه هدفاً استراتيجياً كبيراً، تحدد في حينه بتحرير البلاد من الوجود التركي، ومن اجل قيام كيان وطني. أي تكوين دولة يمنية مستقلة.
4- إنَّ حكم الإمامة في كل مراحله، كان وطنياً وغير مستعد للتنازل عن أية مساحة مما كان يعتبره اليمن الطبيعية من وجهة نظره، أكان عن مناطق (عسير ونجران وجيزان) التي احتلتها السعودية في حرب عام 1934م، أو مناطق الجنوب الواقعة تحت الحكم البريطاني . وحتى عندما لجأ الإمام محمد البدر إلى السعودية بفعل انقلاب سبتمبر 1962م، فإنه لم يقبل عرض السعوديين بتقديم الدعم له، وإعادة عرشه له مقابل التنازل عن تلك المناطق المذكورة سابقاً.
5- إن نعت حكم الإمامة بالانعزالية عن العالم الخارجي، قولٌ يفتقـر إلى الحكمة والواقعية، وهذه هي الأسباب:
- إن هذا الحكم يصدر منا نحن الذين نعيش في عالم مترابط، بينما نظام الإمامة وجد في مجمله في زمن يتسم بالانعزالية والرتابة في العلاقات الدولية أحياناً، والصراع بين القوى الدولية الكبرى، وتقاسم الدول الصغرى فيما بينها أحياناً أخرى. ومعلوم أن النظام إلامامي كان ينزع إلى الاستقلالية في الغالب.
- ومع ذلك، فقد كانت لذلك الحكم تجارب مهمة في إطار العلاقات الإقليمية والدولية، مثل توقيع الإمام أحمد مع الرئيس جمال عبد الناصر والملك سعود في 28 أبريل 1956م (ميثاق جده) كحلف ثلاثي ضد (حلف بغداد) الاستعماري . ويعتبر ذلك خطوة جريئة ومتقدمة من نظام الإمامة بمقياس ذلك الزمن. كما أقام ذلك الحكم علاقات دبلوماسية مع العديد من الدول الاشتراكية، مثل الاتحاد السوفيتي والصين وغيرهما من بلدان الكتلة الاشتراكية. وفي 17رمضان 1375هـ / 1958م التحق الإمام أحمد بالوحدة المصرية السورية، عندما وقع ابنه محمد البدر ميثاق الاتحاد الثلاثي، الذي ما لبث أنْ حُـلَّ في 27 ديسمبر 1961م إثر أرجوزة الإمام أحمد الشهيرة ضد الاشتراكية.
6- نستخلص من كلِّ ما تقدم، أنَّ الإمامة كنظام سياسي كان على المستوى العام والخاص منسجماً مع جوهره ومضمونه. فشرعية الكيان السياسي (الدولة) هنا، تأسست بفعـل مواهب وإبداعات وتضحيات أسرة آل حميد، حيث تولَّد كيان المملكة اليمنية المتوكلية بفعل المقاومة الشعـبية الباسلة للوجود التركي، وانهزام الأتراك وخروجهم من المنطقة. كما تأكدت هذه الشرعية من خلال أسلوب المبايعة من أغلبية المواطنين، الممثلين بوساطة النخب الدينية والقبلية، وهو يماثل أسلوب الانتخابات حالياً، أو ما يطلق عليه بالشورى. أضف إلى ذلك أنَّ شكل الأنظمة الجمهوريةٍ لم يكن معروفاً حينئذٍ.
وتأسيساً على ذلك فإنَّ نشوء كيان ملكي وراثي، يعد منسجماً مع قانون التطور وقتها. ومعلوم أنَّ حكم الإمامة قد ارتكز أساساً على الإيديولوجية الدينية، حيث استمد مجمل تشريعاته الدينية والدنيوية من العقيدة الإسلامية.
وإذا انتقلنا إلى النظام الجمهوري وشرعيته في الحكم، فإنَّ الوقائع تفشي بما يلي:
1- معلوم بأنَّ الحكم الجمهوري قد نشأ بفعل انقلاب عسكري، نفذه مجموعة من ضبَّاط الجيش الإمامي. وهناك تباينات كثيرة بصدد الهوية السياسية والفكرية لأولئك الضبَّاط. وقد ذهبت العملية إلى حدِّ التشكيك بتلك الهوية. والذي رسَّخ من تلك الشكوك، انفلاش تنظيم الضبَّاط الأحرار بعد فترة قصيرة جداّ من قيام انقلابهم العسكري، واغتيال ما يعتقد أنهم الرموز القيادية لذلك التنظيم. ومقابل ما هو متوافر لدينا من تراثٍ مكتوب عن حكم الإمامة، فإنَّ ما هو متوافر لدينا عن حركة انقلاب 26 سبتمبر، وتنظيم الضبَّاط الأحرار)، ليس سوى مجموعة الأحاديث الصحفية والإذاعية من أولئك الذين قيل أن لهم علاقة بذلك التنظيم، أو بما حدث في يوم 26 سبتمبر 1962م، أو في اللحظات التي سبقته أو تلته بلحظات.
2- إنَّ الشرعية السياسية والقانونية والشعـبية للحكم الجديد (الجمهوري)، قد واجهت مقاومة كبيرة منذ اللحظات الأولى لبزوغه، كادت أنْ تؤدي إلى سقوطه مباشرة، وعودة نظام الإمامة لولا التدخل العسكري المباشر من مصر. وبرغم الوجود المصري الكثيف في اليمن، إلاَّ أنَّ سيطرة وسيادة الحكم لم يشمل كلَّ تراب ما كان يُطلق عليه بـ (الجمهورية العربية اليمنية)، أي أنَّ كيان الدولة الجديد كان موزعاً بين النظامين الملكي (الإمامة) والجمهوري، تراباً وشعباً وإرادةً. وما يُحكى عن سنوات الوجود العسكري المصري يمثل حالة بشعة . وقد استمر الوضع على حاله حتى المصالحة الوطنية بين الملكيين والجمهوريين. وبعكس ذلك فإنَّ شرعية نظام الإمامة لم تقابل هذه المعضلة، على الأقـل عند نشوئه. كما كانت شعبية نظام الإمامة غير مشكوك فيها، وقد برهنت أحداث 1948م و 1955م على صحة ذلك، حيث كانت الحركة الشعبية أحد العوامل الرئيسة لفشل ذلكما الانقلابين ضد حكم الإمامة.
3- عرفنا أنَّ حكم الإمامة كان صلباً بصدد السيادة الوطنية. فكان يرفض التنازل عـن أية مساحة من التراب الوطني. أما الحكم الجمهوري فقد وضع هذه السيادة على طاولة المساومة . وإذا كان القاضي عبدالله الحجري (رئيس وزراء أسبق في نظام الجمهورية العربية اليمنية)، قد فقد حياته عندما تجرأ فقط على تجديد العمل باتفاقية 1934م بين اليمن والسعودية فيما يخص المناطق الثلاث المحتلة، فإنَّ السلطة الحالية للـنظام الجـمهوري، قد أقدمت على التنازل الكلي عن هذه المناطق لصالح المملكة، بالإضافة إلى منطقة الربع الخالي الواسعة والغـنية، وذلك بمـوجب اتفـاقية الترسيم بين البلدين في(12/6/2000م)، كما تم التنازل عـن بعض جزر حنيش لصالح إريتريا بموجب حكم المحكمة الدولية، برغم أنَّ هذه الجزر قد اُحتلت عسكرياً من قبل إريتريا.
4- عرفنا أنَّ نظام الإمامة باعتباره حكماً ملكياً، كان منسجماً تماماً مع مضمونه من حيث تمسكـه بأسلوب التوريث. إلاَّ أنَّ المسألة تختلف جذرياً بالنسبة للحكم الجمهوري. والقصة تبدأ من إدعاء الذين يدعون الانتماء إلى النظام الجديد، بأنهم جاءوا من الشعب، وأنهم يحكمون باسمه ومن أجله. ولكـن تاريخ الحكم الجمهوري منذ اليوم الأول في 26 سبتمبر 1962م وحتى اللحظة، قد بينت درجة الانفصام لهذا الحكم مع مضمونه، باعتباره (حكماً شعبياً وديمقراطياً). ويمكن توضيح ذلك من خلال الآتي:
* بعد قيام الحكم الجمهوري (الجمهورية العربية اليمنية) في سبتمبر 1962م، برزت تيارات سياسية وحزبية ذات رؤى أيديولوجية وفكرية مختلفة (حركة القوميين العرب والبعـثيين والناصريين والشيوعيين والتيار الإسلامي). وكانت هذه التيارات تستمد وجودها وتأثيرها وقوتها من قواعدها التنظيمية والشعبية في المؤسسة العسكرية وقطاعي الطلاب والمثقفين، وخاصة العائدين من بعض البلدان العربية (مصر وسوريا والعراق).
ولسنا الآن بصدد كتابة تاريخ الحركة السياسية في الجمهورية العربية اليمنية،لأنَّ ذلك يقع خارج نطاق موضوعنا هذا. ولكن من الضروري التأكيد بأنَّ الممارسة السياسية لهذه الأحزاب المذكورة، لم تكن مقننة أو شرعية. بمعنى أنها لا تخضع لقانون الأحزاب مثلاً، لعدم وجود مثل هذا القانون. وقد استمرت الوضعية حتى قيام دولة الجمهورية اليمنية في مايو 1990م..
وبسبب الحالة الاستبدادية للحكم الجمهوري والافتقار للقانون، فقد تعرضت الحركة السياسية المعارضة لأنواع مختلفة من القمع والاضطهاد (اعتقالات، سجن، تعذيب، تصفيات جسدية، محاكمات صورية، إعدا مات). وقد تمَّ كلُّ ذلك خارج نطاق القانون. ومرة أخرى لسنا هنا بصدد تقديم جرد مفصل بكلِّ حالات القمع تلك. وهي بلا شك كثيرة ومأساوية. كما لا ننسى بأنَّ المحسوبين على حكم الإمامة، قد تعرضوا لأقسى أنواع الظلم والقهر من الحكم الجمهوري، منذ مجيئه وحتى اللحظة. ومع أنَّ اتفاقية الوحدة قد أكدت على أنَّ الوحدة تجبُّ ما قبلها، وتغفر كلَّ الأخطاء السياسية السابقة لها، إلاَّ أنَّ هذا العفو أو الغفران لم يشمل سوى السلاطين (حكام الجنوب سابقاً)، وبقي المحسوبون على الملكيين (حكام الشمال سابقاً) مستثنين من العفو. ليس كذلك فحسب، بل وازداد تعنت السلطة ضدهم. وفي الوقت الذي استرجع السلاطين أملاكهم في الجنوب، فإنَّ الملكيين لم يتمكنوا من استعادة أملاكهم المصادرة والمؤممة، ولم يستعيدوا حتى حريتهم التي وهبها الله لهم. والسبب واضح لكلِّ من يملك قدراً متواضعاً من الفهم. ومعلوم بانَّ هناك فرقاً شاسعاً بين التاريخين السياسيين لكلِّ من الملكيين والسلاطين. فالملكيون كانوا أسياد وطن، أما الآخرون فكانوا بائعي وطن. والتاريخ الحديث لليمن شاهد على ذلك.
* منذ قيام الحكم الجمهوري (سبتمبر 1962م) حتى قيام الوحدة (مايو1990م)، كان هذا الحكم ممثلاً بالجمهورية العربية اليمنية موجوداً خارج القانون أو بدونه. وطوال الفترة قيد الدراسة شهد الحكم أنواعاً مختلفة من الدساتير، مثل الإعلانات الدستورية والدستور المؤقت والدستور الدائم. كما افتقر للقوانين الخاصة بتنظيم الحياة السياسية وكذا القوانين التي تنظم السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، وتحدد العلاقة بينها. وقد أفرزت هذه الوضعية نتائج سلبية على الحقوق السياسية للمواطنين. فعدم استقلالية القضاء في كل الأحوال، وعدم وجود مؤسسات قضائية في أكثر الأحيان، أدى إلى فقدان الكثير من المواطنين لأرواحهم، كما قُيدت حرية الكثيرين بدخولهم السجون دون محاكمات، أو أنها كانت صورية. وكان الملكيون والمحسوبون عليهم أكثر من تعرضوا لمثل تلك المأساة . ومن المؤسف له أنهم ما زالوا يعانون.
* وبالارتباط بادعاء الحكم الجمهوري بأنه من الشعب، ومن أجل الشعب، فكان حريِّاً به أنْ يطلق العنان للشعب ممارسة حقوقه السياسية والديمقراطية. ومن التجربة والممارسة الملموستين للحكم الجمهوري، فإنَّ نظام الجمهورية العربية اليمنية ومنذ قيامه وحتى عشية قيام دولة الوحدة، لم يعرف خبرة الممارسة النيابية ممثلة بالانتخابات البرلمانية أو المحليات أو انتخاب رئيس الدولة إلا في العام (1988م).. فجميع الرموز التي تولت رئاسة الدولة منذ (انقلاب سبتمبر 1962م)، وصلت إلى السلطة عن طريق الانقلابات العسكرية الدموية وغير الدموية.. إلاَّ أنَّ مضمونها واحد، وهي أنها غير ديمقراطية. أي أنها لم تعبِّر عن الإرادة الشعبية.
* وبالارتباط بادعاء الحكم الجمهوري بأنه من الشعب، ومن أجـل الشعب، فكان حرياً بهذا الحكم أنْ يتخلص من أسلوب احتكار السلطة، وتكريس أسلوب التداول السلمي للسلطة.إلاَّ أنه على امتداد التجربة التاريخية للحكم الجمهوري منذ سبتمبر 1962م وحتى اللحظة، لم نشاهد سوى سلطات استبدادية متعاقبة. كما زاد الطين بلة حرص السلطة الحاكمة حالياً، تهيئة الظروف كافة باتجاه تحويل الحكم إلى جمهورية وراثية.
الجمهورية أم الملكية.. وقيمة الحكم بينهما (5/5)
-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2274
- اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
- مكان: صنعاء
- اتصال:
دراسة تكشف حقائق مغيبة الجمهورية أم الملكية.. وقيمة الحكم بينهما
الحلقة الثانية
الوسط نت - الأربعاء 23 نوفمبر 2005
د. سعـودي علي عبيد
يحرص القائمون على النظام السياسي في بلادنا،إلى حدِّ الهوس على التمسك بالشكل الجمهوري للحكم والإطراء عليه، ولعن الشكل الملكي للحكم والصاق مختلف الألفاظ القذرة به. وفي هذين الموقفين المتضادين،لا يهتم المستفيدون من النظام السياسي الحالي بجوهر شكلي الحكم(الجمهوري والملكي)، ويقتصر الاهتمام بالمظهر الخارجي لهما فقط.
وقبل الخوض في هذا الموضوع، أريد أن أنبه القارئ الكريم، أن مهمتي هنا لا تذهب إلى المفاضلة بين شكلي الحكم هذين، أو حتى التشيُّع لأحدهما على حساب الآءخر، ولكن هدفي من بحث هذه المسألة هو تفنيد وكشف الأسباب الحقيقية لموقف السلطة الحاكمة، المتمثل في حماسها للجمهورية، وتشويهها للملكية، أي نظام الإمامة.
وتلخيصاً لما سبق، نجد أنَّ الحكم الجمهوري ومنذ قيامه، لم يكن في أية لحظة منسجماً مع مضمونه وجوهره. أي أنه لم يكن ديمقراطياً، ولم يكن من الشعب ولا من أجله، بل كان استبدادياً على طول الخط، وفوق ذلك كله فهو ينزع نحو توريث الحكم.
ثالثاً: ما هو مستوى تحقيق نظامي الحكم (الملكي والجمهوري) لأهدافهما المعـلنة؟
من المؤكد بأنَّ نظامي الإمامة والجمهورية كانا قبل تحققهما على الواقع، بمثابة مشروعين للحكم. وقد تمثَّل المشروع الأول في ثورة آل حميد الدين ضد الوجود التركي في المناطق الشمالية من اليمن. أما المشروع الثاني فتمثَّل في انقلاب الضبَّاط الأحرار ضد حكم الإمامة في المناطق الشمالية ذاتها. ومن المؤكد أيضاً بأنَّ لكلِّ ثورة من هاتين الثورتين المذكورتين أهدافاً محددة،يتم التعبير عنها بوسائل مختلفة.
وفيما يختص بأهداف ثورة الإمامة ضد الاستعمار التركي، فإنَّ الوقائع التاريخية تبرز لنا تواضع تلك الأهداف المعلنة من قادة تلك الثورة، أي أُسرة آل حميد الدين. حيث يمكننا حصر تلك الأهداف على النحو الآتي:
1- تحرير المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة التركية، أي الحصول على الاستقلال الوطني.
2- إقامة حكم وطني بدلاً من الحكم الأجنبي.
3- تأسيس حكم ملكي وراثي لأسرة أل حميد الدين، يستند على الأيديولوجية الدينية المؤسسة على المذهب الزيدي.
ومع أننا لسنا في حالة كشف حساب لحكم الإمامة حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، إلاَّ أنَّ ضرورة الدراسة تتطلب وضع مجموعة من الملاحظات الهامة، فيما يخص هذه المسألة:
1- من الواضح بأنَّ الثورات التي حدثت بداية القرن العشرين، كانت في الأساس محصورة في أهداف سياسية، ولم تحمل في أحشائها أهدافاً اجتماعية واقتصادية ذات أهمية، كما تبلورت لاحقاً، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. ولذلك لا غرو إذا قلنا إنَّ ثورة الإمامة قد حققت هدفها الرئيس الذي رسمته لنفسها، المتمثل في إقامة كيان سياسي، أي دولة وطنية.
2- كما أنَّ النظم الجمهورية لم تكن مشاعة حينها، ولذلك ليس مستغرباً ولا ابتداعاً أنْ يقوم كيان المملكة اليمنية المتوكلية على الأراضي المحررة من الاستعمار التركي، وهي نتيجة لا تتعارض مع منطق التطورات التاريخية حينئذٍ . وتتأكد لنا هذه الحقيقة، عندما نتذكر أنَّ الحركات السياسية اللاحقة المناوئة لحكم الإمامة، كان أقصى ما طالبت به هو وضع دستور للبلاد، وليس تغيير شكل الحكم من الملكية إلى الجمهورية.
أما فيما يخص أهداف ثورة 26 سبتمبر، فالمسألة تظهر مختلفة تماماً. ويكمن وجه الاختلاف أولاً وقبل كلّ شيء من حيث المدلول اللغوي لمفهوم «الثورة» التي تعني أنها «تغيير أساسي في الأوضاع السياسية والاجتماعية، يقوم به الشعب في دولة ما». وفي هذا السياق لخص قادة هذه الثورة أهدافها بما أُطلق عليها منذ الأيام الأولى لهذه الثورة بـ«الأهداف الستة للثورة» والتي حرصت كل السلطات المتعاقبة على الحكم في الجمهورية العربية اليمنية بتثبيتها في أعلى ترويسة صحفها الحكومية، وما زالت كذلك برغم مرور أكثر من 42 عاماً على ذلك اليوم. وبرغم عملية التزوير التي تعرضت لها هذه الأهداف الستة. وهذا ما سيتضح لنا لاحقاً.
وقبل الانتقال إلى معرفة الكيفية والدرجة التي تحققـت بهما هذه الأهداف على مدى 42 عاماً، هو عمر هذه الثورة، نجد أنه من الضروري تذكير القارئ الكريم بهذه الأهداف الستة:
1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها.
3- رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياًُ وسياسياً وثقافياً.
4- إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.
5- العمل على تحقيق الوحدة في نطاق الوحدة العربية الشاملة.
6- احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي، وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.
وبعد أنْ تعرفنا على الأهداف، لنرى كيف تحققت هذه الأهداف في الواقع؟
الهدف الأول:
بالنسبة لهذا الهدف نجد الآتي:
1- صحيح أنه بقيام انقلاب 26سبتمبر، يكون الشعب قد تخلص من استبداد، ولكن الأفضع والأدهى أنه قد تم التخلص من استبداد مبسَّط إلى استبداد مركَّب. أي الانتقال من استبداد حاكم أوحد هو الإمام، الذي كان يمسك بمقود الإدارتين المدنية والدينية،إلى استبداد أسرة استطاعت أنْ تغتصب وتتملك وتستحوذ على ثروة البلاد ومقاليد الحكم كافة.
2- وصحيح أننا في الجنوب قد تخلصنا من استعمار خارجي، ولكننا وقعنا في براثن استعمار داخلي أقسى وأشرس.
3- وصحيح أنه في مكان المملكة اليمنية المتوكلية، تم إقامة الجمهورية العربية اليمنية. ولكن من المؤسف أنَّ هذا الحكم الجمهوري لم يكن عادلاً منذ لحظة قيامه حتى اليوم. وإذا تركنا كلَّ أنواع الظلم التي مارسها النظام الجمهوري على هذا الشعب، وركزنا فقط على المعارك العسكرية العنيفة التي خاضها هذا النظام ضد هذا الشعب بدءاً مما أُطلق عليها حرب الجمهورية ضد الملكيين، ومروراً بالحملات العسكرية التدميرية ضد مواطني ومناوئي السلطة في المناطق الوسطى في الشمال في سبعينيات القرن الماضي، وكذا حرب الاستيلاء على الجنوب في صيف 1994م، وانتهاءً بحرب السلطة ضد مواطني صعدة، فإنه يحق لنا أنْ نتصور حجم الضحايا البشرية الناتجة عن كل هذه الأحداث، ناهيك عن الآثار المادية والنفسية.
4- وفيما يخص هدف إزالة الفوارق والتمايزات بين الطبقات، فإنَّ الواقع الراهـن يدحض ذلك بقوة، فهناك في المملكة اليمنية المتوكلية لم تكن الفوارق والتمايزات الطبقية ذات الطابع الاقتصادي واضحة، إلاَّ في حدودها الضيقة. ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب والعوامل، أهمها: ضعف الموارد الاقتصادية للدولة والمجتمع، والضعف الكبير للادخار العام والخاص، مما يعني انعدام الاستثمار بنوعيه العام والخاص والداخلي والخارجي، والذي يعني في المحصلة الأخيرة عدم وجود تنمية اقتصادية واجتماعية. كما أنَّ الاقتصاد كان قائماً على الزراعة في حالتها المتخلفة.
ومعلوم أنَّ الإمام لم يكن يفرِّق بين مال الدولة وماله الخاص، إلاَّ أنه في الوقـت ذاته لم يعمل على الاستحواذ على مال الدولة لصالحه الشخصي ولعائلته. والدليل على ذلك أنَّ النظام الجديد (الجمهوري) لم يجد أموالاً مودعة في البنوك الأجنبية لصالح أسرة آل حميد الدين بعد سقوط نظامهم. ومع كلِّ ما يقوله مناوئو نظام الإمامة حول مساوئ هذا النظام، إلاَّ أنهم لا يستطيعون أنْ ينكروا السلوك الإيجابي لهذا الإمام أو ذاك تجاه أولئك المتلاعبين بمال المسلمين، بحسب منطق أولئك الأئمة، حتى لو كان بينهم واحد من سيوف الإسلام (= أبناء الإمام).
وفي السياق نفسه، كيف نرى الفوارق والتمايزات الطبقية في العهد الجمهوري؟
يمكننا القـول بأنَّ هذه العملية، قد مرت بثلاث مراحل. اثنتان منها أساسيتان:
الأولى: وهي أساسية، وتمتد من الأيام الأولى لقيام الجمهورية حتى نهاية حكم الشهيد إبراهيم الحمدي. وفيها، فإنَّ المجتمع لم يختلف كثيراً عـن المجتمع السابق (مجتمع الإمامة) من حيث تركيبته والموارد المتراكمة، وبالتالي توزُّع هذه الموارد بين الفئات الاجتماعية (الطبقية)، وحتى الرؤساء المتعاقبين على حكم تلك الفترة أو العناصر الرئيسة المرتبطة بهم، لم نجد أنها استحوذت على مقدرات البلد وخيراته. ولم يمتلكوا قصوراً خاصة بحكم مواقعهم الهامة تلك.
الثانية: وهي الفترة التي حكم فيها الرئيس أحمد الغشمي، وهي مرحلة غير أساسية، بسبب قصر حكمه، ولأنها لم تُختبر على صعيد هذه المسألة. ولهذا السبب يمكننا أنْ نتجاوزها إلى ما بعدها.
الثالثة: وهي المرحلة الأساسية الثانية، وهي المرحلة الحالية، والتي تبدأ باستيلاء على عبدالله صالح على الحكم في 17 يوليو 1978م. وهي مرحلة بشعة بكلِّ المقاييس فيما يخص هذه المسألة (الفوارق والتمايزات الطبقية).
ومع أنَّ القارئ لا يحتاج إلى من يدله على هذه الحقيقة، إلاَّ أنَّ مقتضيات البحث تتطلب تناول المسألة:
1- في المرحلة الأولى، لم يعمل كلٌّ من الرؤساء الثلاثة (السلال والإرياني والحمدي) على تحويل السلطة إلى مِلكية شخصية،أي ما يُطلق عليها بشخصنة السلطة، بل كان كلُّ واحدٍ منهم مشغولاً بمجموعة هائلة من المشكلات التي تواجه فترة حكمه. أما اليوم في ظل سلطة علي عبدالله صالح، فإنَّ كلَّ شيء في هذه الدولة قد تمَّ تحويله إلى ملكية خاصة له ولأسرته، بما فيها نحن المواطنين.
2- وفي المرحلة الأولى، لم نلاحظ أنّ الرؤساء الثلاثة قد جيروا السلطة لصالحهم ولأفراد أسرهم، أو أنهم استحوذوا على أموال الدولة. وبعكس ذلك تماماً، نجد أنَّ ما يحدث اليوم في المرحلة الثالثة، يتسم بالشناعة والفظاعة . فقد توفي السلال والإرياني والحمدي، ولم يتركوا قصوراً بأسمائهم، أما علي عبدالله صالح فقد امتلك القصور الفخمة في كلِّ مكان على امتداد الجمهورية، ناهيك عن الفـلل المحشورة في الشوارع والحارات والمجمعات السكـنية. وناهيك كذلك عن القصور التي يمتلكها أفراد أسرته وحاشيته. ومن المؤكـد بأنَّ كلَّ ما ذكرناه هو من مال الدولة وثروات المجتمع، ولأنَّ رئيس الدولة ببساطة، وبحسب المفهوم العلمي للدولة هو أحد موظفي هذه الدولة، وعلى هذا الأساس فهو يتحصل على مرتب محدد.
لم نسمع أنَّ الرؤساء الثلاثة قد سهلّوا لأنفسهم أو لأفراد أسرهم، الاستحواذ على مؤسسات الدولة أو الحصول على مقاولات أو تأسيس شركات. أما ما نراه اليوم فهي الفظاعة والفساد في أسوأ درجاتهما، حيث تحولت الدولة إلى شركة أو مؤسسة خاصة للرئيس وأسرته. والشواهد على ذلك كثيرة جداً، وأبسطها: مؤسسات الاتصالات، وشركات الاستيراد والتصدير، والمؤسسات المتخصصة بشراء وحلج وتصدير القطن، برغم وجود مؤسسة حكومية متخصصة بذلك، هي «هيئة تطوير دلتا أبين» ومثلها في دلتا تبن. أضف إلى ذلك الشركات العاملة في مجال النفـط والغاز، كما لا ننسى تلك المزارع الحديثة التي تم الاستيلاء عليها في زبيد وأبين. وهذا ليس سوى غيض من فيض.
كما لا نستطيع أنْ ننكر أن هناك فساداً في المرحلة الأولى. ولكنه فساد متوارث، كانت السلطات المتعاقبة على تلك المرحلة تحاول أنْ تحد من آثاره على أقل تقدير. أضف إلى ذلك أنَّ الرؤساء الثلاثة(السلال والإرياني والحمدي) كانوا بمنأى عن ذلك الفساد، وكانوا نظيفي الأيادي والذمة. وتوفاهم الله وهم كذلك. أما واقع الفساد في المرحلة الثالثة(مرحلة علي عبدالله صالح)، فالحالة معقدة للغاية. فالسلطة الحالية هي التي تعمل على إنتاج الفساد وإعادة إنتاجه في كلِّ لحظة . فالفساد بنوعيه: السياسي والإداري متغلغـل في كلِّ مفاصل الحياة والمجتمع. والسلطة فاسدة من أعلى مرتبة حتى أسفلها. كما أنَّ الفساد قد طال كلَّ مؤسسات الدولة، بما في ذلك مؤسسة القضاء.
وبفعل عوامل كثيرة، مثل فساد النظام السياسي وسوء استخدام السلطة والاستحواذ على ثروات البلاد بطرق غير مشروعة، وتحويل السلطة إلى ملكية خاصة، صارت الفوارق والتمايزات الطبقية كبيرة وواسعة أفقياً ورأسياً، وصارت هناك حفنة صغيرة من الأثرياء وأكثرية ساحقة من الفقراء.
وبصدد هذه المسألة، فقد تحدثت الكثير من الدراسات عن واقع الفقر في الجمهورية اليمنية، واتساع الهوة في المجتمع. فبالعودة إلى مسحي ميزانية الأسرة لعامي 1992م و1998م، فقد تبين أنَّ نسبة الذين يعانون من الفقر الحاد(فقر الغذاء) قد ازدادت من 9% من إجمالي سكان عام 1992م إلى 17,5% في عام 1998م. وتبدو
الصورة أكثر قتامة إذا استخدمنا مقياس الفقر المطلق(خط الفقر الأعلى أو الفقر البشري)، حيث ارتفعت هذه النسبة من 19% إلى 41,8% للفترة نفسها. ومن المعلوم أنَّ هذه النسب تعكس خطورة أوضاع معيشة حوالي 6,9 مليون مواطن يعانون من الفقر وأبعاده المختلفة. كما تبين أنَّ أكثر من 80% من الفقراء يتمركزون في الريف، و19,9% في الحضر، وذلك نظراً لأنَّ سكان الريف يمثلون نحو أكثر من 70% من إجمالي عدد سكان الجمهورية. كما تبين أنَّ نسبة الأسر الفقيرة فـقـراً حاداً، التي ترأسها امرأة تـبلغ نحـو 30,7%، مقابل 24,1% للأسر التي يكون فيها ربُّ الأسرة ذكراً. أما فيما يخص نسبة الفقر البشري فهي 34% للأسر التي يكون فيها ربُّ الأسرة أنثى، مقابل 32,2% للأسر التي يعولها ذكور.
كما تزداد الفوارق والتمايزات الطبقية اتساعاً، عندما نجد أنَّ 20% من سكان الجمهورية، وهم الأقل دخلاً، تحصل فقط على 6% من إجمالي الدخل على مستوى الجمهورية، بينما يستحوذ 20% من سكان الجمهورية، وهم الأكثر دخلاً على حوالي 49% من إجمالي الدخل على مستوى الجمهورية . كما توضح هذه المؤشرات الإحصائية أنَّ 50% من الأفراد الأقل دخلاً تحصل على 22,5% من الـدخل، بينما تستحوذ الـ 50% الأخرى من السكان على 77,5% من إجمالي الدخل في الجمهورية.
الهدف الثاني:
وبالنسبة للهدف الثاني الخاص (ببناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها)، فإنَّ الواقع يظهر لنا أنَّ هذه المؤسسة ومنذ قيام الثورة في 26 سبتمبر 1962م، قد اتسمت بعدد من الصفات، وهي:
1- لم يكن جيش النظام الجمهوري قوياً في أي يوم، والدليل على ذلك بكلِّ بساطة عدم قدرته على الدفاع عن الثورة والنظام الجديد. فقد ظل يحارب لسنوات طويلة بالتعاون مع القوات المصرية ضد الملكيين. والفضيحة الكبرى تكمن في وصول الملكيين إلى أبواب صنعاء ومحاصرتها في عام 1968م، وعندما تمَّ فك ذلك الحصار، لم يكن ذلك عائداً إلى قدرة جيش الجمهورية، بل بفعل المقاومة الشعبية. كما لم ينقذ الجمهورية من السقوط إلاَّ التصالح مع الحكومة السعودية وبعض الملكيين. كما أنَّ هذا الجيش لم يثبت جدارته أمام الاعتداءات الخارجية على السيادة الوطنية. وقد هُـزم في معركة بسيطة مع جيش دولة صغيرة وحديثة التكوين، هي إريتريا، عندما استطاعت قوات قليلة العدد من هزيمة جيشنا المدعَّـم بالصواريخ بعيدة المدى، واحتلال جزر حنيش في عام 1995م وفضـلَّت السلطة الذهاب إلى التحكيم الدولي، لكي تحصل على اليسير مما سُلـب من أراضينا.
2- ومقابل هذا الضعف والفشل، فقد تضخمت هذه المؤسسة العسكرية عددياً، مع أنّ هذا التضخم لا يتناسب مع الأداء الوظيفي الضعيف. كما أننا نشاهد اليوم مؤسسات عسكرية أخرى، كالقوات الخاصة والحرس الجمهوري والأمن المركزي، وقد حُـددت لها وظيفة أساسية، هي حراسة النظام السياسي الحالي من أي تهديد داخلي،بهدف إطالة عمر النظام قدر الإمكان. كما أنّ وجود هذه المؤسسات العسكرية الثلاث، يدلُّ بشكل قاطع على فقدان ثقة الحاكم بالجيش الجمهوري الوطني.
3- لقد تحولت كلَّ هذه المؤسسات العسكرية (الجيش وملحقاته المذكورة) من مؤسسات وطنية دفاعية، إلى مؤسسات استنزافية لجزء أساسي من الدخـل القومي، حيث شكَّـلت النفقات العسكرية نحو29% من النفقات العامة .
4- ومثل كلّ شئ في هذا الوطن المستباح، فقد صارت المؤسسات العسكرية والأمنية وفي مقدمتها الجيش الجمهوري ملكية خاصة للحاكم وأسرته.
5- إنَّ المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية ومجلس الأمن القومي، جميعها صارت لها وظيفة استثنائية واحدة فقط، هي حماية الحاكم من شعبه عوضاً عـن (حماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها)، وسبب ذلك أنه لم تعد هناك ثورة ولا توجد ثمة مكتسبات في الأصل.
الحلقة الثانية
الوسط نت - الأربعاء 23 نوفمبر 2005
د. سعـودي علي عبيد
يحرص القائمون على النظام السياسي في بلادنا،إلى حدِّ الهوس على التمسك بالشكل الجمهوري للحكم والإطراء عليه، ولعن الشكل الملكي للحكم والصاق مختلف الألفاظ القذرة به. وفي هذين الموقفين المتضادين،لا يهتم المستفيدون من النظام السياسي الحالي بجوهر شكلي الحكم(الجمهوري والملكي)، ويقتصر الاهتمام بالمظهر الخارجي لهما فقط.
وقبل الخوض في هذا الموضوع، أريد أن أنبه القارئ الكريم، أن مهمتي هنا لا تذهب إلى المفاضلة بين شكلي الحكم هذين، أو حتى التشيُّع لأحدهما على حساب الآءخر، ولكن هدفي من بحث هذه المسألة هو تفنيد وكشف الأسباب الحقيقية لموقف السلطة الحاكمة، المتمثل في حماسها للجمهورية، وتشويهها للملكية، أي نظام الإمامة.
وتلخيصاً لما سبق، نجد أنَّ الحكم الجمهوري ومنذ قيامه، لم يكن في أية لحظة منسجماً مع مضمونه وجوهره. أي أنه لم يكن ديمقراطياً، ولم يكن من الشعب ولا من أجله، بل كان استبدادياً على طول الخط، وفوق ذلك كله فهو ينزع نحو توريث الحكم.
ثالثاً: ما هو مستوى تحقيق نظامي الحكم (الملكي والجمهوري) لأهدافهما المعـلنة؟
من المؤكد بأنَّ نظامي الإمامة والجمهورية كانا قبل تحققهما على الواقع، بمثابة مشروعين للحكم. وقد تمثَّل المشروع الأول في ثورة آل حميد الدين ضد الوجود التركي في المناطق الشمالية من اليمن. أما المشروع الثاني فتمثَّل في انقلاب الضبَّاط الأحرار ضد حكم الإمامة في المناطق الشمالية ذاتها. ومن المؤكد أيضاً بأنَّ لكلِّ ثورة من هاتين الثورتين المذكورتين أهدافاً محددة،يتم التعبير عنها بوسائل مختلفة.
وفيما يختص بأهداف ثورة الإمامة ضد الاستعمار التركي، فإنَّ الوقائع التاريخية تبرز لنا تواضع تلك الأهداف المعلنة من قادة تلك الثورة، أي أُسرة آل حميد الدين. حيث يمكننا حصر تلك الأهداف على النحو الآتي:
1- تحرير المناطق التي كانت خاضعة للسيطرة التركية، أي الحصول على الاستقلال الوطني.
2- إقامة حكم وطني بدلاً من الحكم الأجنبي.
3- تأسيس حكم ملكي وراثي لأسرة أل حميد الدين، يستند على الأيديولوجية الدينية المؤسسة على المذهب الزيدي.
ومع أننا لسنا في حالة كشف حساب لحكم الإمامة حتى قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، إلاَّ أنَّ ضرورة الدراسة تتطلب وضع مجموعة من الملاحظات الهامة، فيما يخص هذه المسألة:
1- من الواضح بأنَّ الثورات التي حدثت بداية القرن العشرين، كانت في الأساس محصورة في أهداف سياسية، ولم تحمل في أحشائها أهدافاً اجتماعية واقتصادية ذات أهمية، كما تبلورت لاحقاً، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية. ولذلك لا غرو إذا قلنا إنَّ ثورة الإمامة قد حققت هدفها الرئيس الذي رسمته لنفسها، المتمثل في إقامة كيان سياسي، أي دولة وطنية.
2- كما أنَّ النظم الجمهورية لم تكن مشاعة حينها، ولذلك ليس مستغرباً ولا ابتداعاً أنْ يقوم كيان المملكة اليمنية المتوكلية على الأراضي المحررة من الاستعمار التركي، وهي نتيجة لا تتعارض مع منطق التطورات التاريخية حينئذٍ . وتتأكد لنا هذه الحقيقة، عندما نتذكر أنَّ الحركات السياسية اللاحقة المناوئة لحكم الإمامة، كان أقصى ما طالبت به هو وضع دستور للبلاد، وليس تغيير شكل الحكم من الملكية إلى الجمهورية.
أما فيما يخص أهداف ثورة 26 سبتمبر، فالمسألة تظهر مختلفة تماماً. ويكمن وجه الاختلاف أولاً وقبل كلّ شيء من حيث المدلول اللغوي لمفهوم «الثورة» التي تعني أنها «تغيير أساسي في الأوضاع السياسية والاجتماعية، يقوم به الشعب في دولة ما». وفي هذا السياق لخص قادة هذه الثورة أهدافها بما أُطلق عليها منذ الأيام الأولى لهذه الثورة بـ«الأهداف الستة للثورة» والتي حرصت كل السلطات المتعاقبة على الحكم في الجمهورية العربية اليمنية بتثبيتها في أعلى ترويسة صحفها الحكومية، وما زالت كذلك برغم مرور أكثر من 42 عاماً على ذلك اليوم. وبرغم عملية التزوير التي تعرضت لها هذه الأهداف الستة. وهذا ما سيتضح لنا لاحقاً.
وقبل الانتقال إلى معرفة الكيفية والدرجة التي تحققـت بهما هذه الأهداف على مدى 42 عاماً، هو عمر هذه الثورة، نجد أنه من الضروري تذكير القارئ الكريم بهذه الأهداف الستة:
1- التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات.
2- بناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها.
3- رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياًُ وسياسياً وثقافياً.
4- إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف.
5- العمل على تحقيق الوحدة في نطاق الوحدة العربية الشاملة.
6- احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي، وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.
وبعد أنْ تعرفنا على الأهداف، لنرى كيف تحققت هذه الأهداف في الواقع؟
الهدف الأول:
بالنسبة لهذا الهدف نجد الآتي:
1- صحيح أنه بقيام انقلاب 26سبتمبر، يكون الشعب قد تخلص من استبداد، ولكن الأفضع والأدهى أنه قد تم التخلص من استبداد مبسَّط إلى استبداد مركَّب. أي الانتقال من استبداد حاكم أوحد هو الإمام، الذي كان يمسك بمقود الإدارتين المدنية والدينية،إلى استبداد أسرة استطاعت أنْ تغتصب وتتملك وتستحوذ على ثروة البلاد ومقاليد الحكم كافة.
2- وصحيح أننا في الجنوب قد تخلصنا من استعمار خارجي، ولكننا وقعنا في براثن استعمار داخلي أقسى وأشرس.
3- وصحيح أنه في مكان المملكة اليمنية المتوكلية، تم إقامة الجمهورية العربية اليمنية. ولكن من المؤسف أنَّ هذا الحكم الجمهوري لم يكن عادلاً منذ لحظة قيامه حتى اليوم. وإذا تركنا كلَّ أنواع الظلم التي مارسها النظام الجمهوري على هذا الشعب، وركزنا فقط على المعارك العسكرية العنيفة التي خاضها هذا النظام ضد هذا الشعب بدءاً مما أُطلق عليها حرب الجمهورية ضد الملكيين، ومروراً بالحملات العسكرية التدميرية ضد مواطني ومناوئي السلطة في المناطق الوسطى في الشمال في سبعينيات القرن الماضي، وكذا حرب الاستيلاء على الجنوب في صيف 1994م، وانتهاءً بحرب السلطة ضد مواطني صعدة، فإنه يحق لنا أنْ نتصور حجم الضحايا البشرية الناتجة عن كل هذه الأحداث، ناهيك عن الآثار المادية والنفسية.
4- وفيما يخص هدف إزالة الفوارق والتمايزات بين الطبقات، فإنَّ الواقع الراهـن يدحض ذلك بقوة، فهناك في المملكة اليمنية المتوكلية لم تكن الفوارق والتمايزات الطبقية ذات الطابع الاقتصادي واضحة، إلاَّ في حدودها الضيقة. ويرجع ذلك إلى مجموعة من الأسباب والعوامل، أهمها: ضعف الموارد الاقتصادية للدولة والمجتمع، والضعف الكبير للادخار العام والخاص، مما يعني انعدام الاستثمار بنوعيه العام والخاص والداخلي والخارجي، والذي يعني في المحصلة الأخيرة عدم وجود تنمية اقتصادية واجتماعية. كما أنَّ الاقتصاد كان قائماً على الزراعة في حالتها المتخلفة.
ومعلوم أنَّ الإمام لم يكن يفرِّق بين مال الدولة وماله الخاص، إلاَّ أنه في الوقـت ذاته لم يعمل على الاستحواذ على مال الدولة لصالحه الشخصي ولعائلته. والدليل على ذلك أنَّ النظام الجديد (الجمهوري) لم يجد أموالاً مودعة في البنوك الأجنبية لصالح أسرة آل حميد الدين بعد سقوط نظامهم. ومع كلِّ ما يقوله مناوئو نظام الإمامة حول مساوئ هذا النظام، إلاَّ أنهم لا يستطيعون أنْ ينكروا السلوك الإيجابي لهذا الإمام أو ذاك تجاه أولئك المتلاعبين بمال المسلمين، بحسب منطق أولئك الأئمة، حتى لو كان بينهم واحد من سيوف الإسلام (= أبناء الإمام).
وفي السياق نفسه، كيف نرى الفوارق والتمايزات الطبقية في العهد الجمهوري؟
يمكننا القـول بأنَّ هذه العملية، قد مرت بثلاث مراحل. اثنتان منها أساسيتان:
الأولى: وهي أساسية، وتمتد من الأيام الأولى لقيام الجمهورية حتى نهاية حكم الشهيد إبراهيم الحمدي. وفيها، فإنَّ المجتمع لم يختلف كثيراً عـن المجتمع السابق (مجتمع الإمامة) من حيث تركيبته والموارد المتراكمة، وبالتالي توزُّع هذه الموارد بين الفئات الاجتماعية (الطبقية)، وحتى الرؤساء المتعاقبين على حكم تلك الفترة أو العناصر الرئيسة المرتبطة بهم، لم نجد أنها استحوذت على مقدرات البلد وخيراته. ولم يمتلكوا قصوراً خاصة بحكم مواقعهم الهامة تلك.
الثانية: وهي الفترة التي حكم فيها الرئيس أحمد الغشمي، وهي مرحلة غير أساسية، بسبب قصر حكمه، ولأنها لم تُختبر على صعيد هذه المسألة. ولهذا السبب يمكننا أنْ نتجاوزها إلى ما بعدها.
الثالثة: وهي المرحلة الأساسية الثانية، وهي المرحلة الحالية، والتي تبدأ باستيلاء على عبدالله صالح على الحكم في 17 يوليو 1978م. وهي مرحلة بشعة بكلِّ المقاييس فيما يخص هذه المسألة (الفوارق والتمايزات الطبقية).
ومع أنَّ القارئ لا يحتاج إلى من يدله على هذه الحقيقة، إلاَّ أنَّ مقتضيات البحث تتطلب تناول المسألة:
1- في المرحلة الأولى، لم يعمل كلٌّ من الرؤساء الثلاثة (السلال والإرياني والحمدي) على تحويل السلطة إلى مِلكية شخصية،أي ما يُطلق عليها بشخصنة السلطة، بل كان كلُّ واحدٍ منهم مشغولاً بمجموعة هائلة من المشكلات التي تواجه فترة حكمه. أما اليوم في ظل سلطة علي عبدالله صالح، فإنَّ كلَّ شيء في هذه الدولة قد تمَّ تحويله إلى ملكية خاصة له ولأسرته، بما فيها نحن المواطنين.
2- وفي المرحلة الأولى، لم نلاحظ أنّ الرؤساء الثلاثة قد جيروا السلطة لصالحهم ولأفراد أسرهم، أو أنهم استحوذوا على أموال الدولة. وبعكس ذلك تماماً، نجد أنَّ ما يحدث اليوم في المرحلة الثالثة، يتسم بالشناعة والفظاعة . فقد توفي السلال والإرياني والحمدي، ولم يتركوا قصوراً بأسمائهم، أما علي عبدالله صالح فقد امتلك القصور الفخمة في كلِّ مكان على امتداد الجمهورية، ناهيك عن الفـلل المحشورة في الشوارع والحارات والمجمعات السكـنية. وناهيك كذلك عن القصور التي يمتلكها أفراد أسرته وحاشيته. ومن المؤكـد بأنَّ كلَّ ما ذكرناه هو من مال الدولة وثروات المجتمع، ولأنَّ رئيس الدولة ببساطة، وبحسب المفهوم العلمي للدولة هو أحد موظفي هذه الدولة، وعلى هذا الأساس فهو يتحصل على مرتب محدد.
لم نسمع أنَّ الرؤساء الثلاثة قد سهلّوا لأنفسهم أو لأفراد أسرهم، الاستحواذ على مؤسسات الدولة أو الحصول على مقاولات أو تأسيس شركات. أما ما نراه اليوم فهي الفظاعة والفساد في أسوأ درجاتهما، حيث تحولت الدولة إلى شركة أو مؤسسة خاصة للرئيس وأسرته. والشواهد على ذلك كثيرة جداً، وأبسطها: مؤسسات الاتصالات، وشركات الاستيراد والتصدير، والمؤسسات المتخصصة بشراء وحلج وتصدير القطن، برغم وجود مؤسسة حكومية متخصصة بذلك، هي «هيئة تطوير دلتا أبين» ومثلها في دلتا تبن. أضف إلى ذلك الشركات العاملة في مجال النفـط والغاز، كما لا ننسى تلك المزارع الحديثة التي تم الاستيلاء عليها في زبيد وأبين. وهذا ليس سوى غيض من فيض.
كما لا نستطيع أنْ ننكر أن هناك فساداً في المرحلة الأولى. ولكنه فساد متوارث، كانت السلطات المتعاقبة على تلك المرحلة تحاول أنْ تحد من آثاره على أقل تقدير. أضف إلى ذلك أنَّ الرؤساء الثلاثة(السلال والإرياني والحمدي) كانوا بمنأى عن ذلك الفساد، وكانوا نظيفي الأيادي والذمة. وتوفاهم الله وهم كذلك. أما واقع الفساد في المرحلة الثالثة(مرحلة علي عبدالله صالح)، فالحالة معقدة للغاية. فالسلطة الحالية هي التي تعمل على إنتاج الفساد وإعادة إنتاجه في كلِّ لحظة . فالفساد بنوعيه: السياسي والإداري متغلغـل في كلِّ مفاصل الحياة والمجتمع. والسلطة فاسدة من أعلى مرتبة حتى أسفلها. كما أنَّ الفساد قد طال كلَّ مؤسسات الدولة، بما في ذلك مؤسسة القضاء.
وبفعل عوامل كثيرة، مثل فساد النظام السياسي وسوء استخدام السلطة والاستحواذ على ثروات البلاد بطرق غير مشروعة، وتحويل السلطة إلى ملكية خاصة، صارت الفوارق والتمايزات الطبقية كبيرة وواسعة أفقياً ورأسياً، وصارت هناك حفنة صغيرة من الأثرياء وأكثرية ساحقة من الفقراء.
وبصدد هذه المسألة، فقد تحدثت الكثير من الدراسات عن واقع الفقر في الجمهورية اليمنية، واتساع الهوة في المجتمع. فبالعودة إلى مسحي ميزانية الأسرة لعامي 1992م و1998م، فقد تبين أنَّ نسبة الذين يعانون من الفقر الحاد(فقر الغذاء) قد ازدادت من 9% من إجمالي سكان عام 1992م إلى 17,5% في عام 1998م. وتبدو
الصورة أكثر قتامة إذا استخدمنا مقياس الفقر المطلق(خط الفقر الأعلى أو الفقر البشري)، حيث ارتفعت هذه النسبة من 19% إلى 41,8% للفترة نفسها. ومن المعلوم أنَّ هذه النسب تعكس خطورة أوضاع معيشة حوالي 6,9 مليون مواطن يعانون من الفقر وأبعاده المختلفة. كما تبين أنَّ أكثر من 80% من الفقراء يتمركزون في الريف، و19,9% في الحضر، وذلك نظراً لأنَّ سكان الريف يمثلون نحو أكثر من 70% من إجمالي عدد سكان الجمهورية. كما تبين أنَّ نسبة الأسر الفقيرة فـقـراً حاداً، التي ترأسها امرأة تـبلغ نحـو 30,7%، مقابل 24,1% للأسر التي يكون فيها ربُّ الأسرة ذكراً. أما فيما يخص نسبة الفقر البشري فهي 34% للأسر التي يكون فيها ربُّ الأسرة أنثى، مقابل 32,2% للأسر التي يعولها ذكور.
كما تزداد الفوارق والتمايزات الطبقية اتساعاً، عندما نجد أنَّ 20% من سكان الجمهورية، وهم الأقل دخلاً، تحصل فقط على 6% من إجمالي الدخل على مستوى الجمهورية، بينما يستحوذ 20% من سكان الجمهورية، وهم الأكثر دخلاً على حوالي 49% من إجمالي الدخل على مستوى الجمهورية . كما توضح هذه المؤشرات الإحصائية أنَّ 50% من الأفراد الأقل دخلاً تحصل على 22,5% من الـدخل، بينما تستحوذ الـ 50% الأخرى من السكان على 77,5% من إجمالي الدخل في الجمهورية.
الهدف الثاني:
وبالنسبة للهدف الثاني الخاص (ببناء جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها)، فإنَّ الواقع يظهر لنا أنَّ هذه المؤسسة ومنذ قيام الثورة في 26 سبتمبر 1962م، قد اتسمت بعدد من الصفات، وهي:
1- لم يكن جيش النظام الجمهوري قوياً في أي يوم، والدليل على ذلك بكلِّ بساطة عدم قدرته على الدفاع عن الثورة والنظام الجديد. فقد ظل يحارب لسنوات طويلة بالتعاون مع القوات المصرية ضد الملكيين. والفضيحة الكبرى تكمن في وصول الملكيين إلى أبواب صنعاء ومحاصرتها في عام 1968م، وعندما تمَّ فك ذلك الحصار، لم يكن ذلك عائداً إلى قدرة جيش الجمهورية، بل بفعل المقاومة الشعبية. كما لم ينقذ الجمهورية من السقوط إلاَّ التصالح مع الحكومة السعودية وبعض الملكيين. كما أنَّ هذا الجيش لم يثبت جدارته أمام الاعتداءات الخارجية على السيادة الوطنية. وقد هُـزم في معركة بسيطة مع جيش دولة صغيرة وحديثة التكوين، هي إريتريا، عندما استطاعت قوات قليلة العدد من هزيمة جيشنا المدعَّـم بالصواريخ بعيدة المدى، واحتلال جزر حنيش في عام 1995م وفضـلَّت السلطة الذهاب إلى التحكيم الدولي، لكي تحصل على اليسير مما سُلـب من أراضينا.
2- ومقابل هذا الضعف والفشل، فقد تضخمت هذه المؤسسة العسكرية عددياً، مع أنّ هذا التضخم لا يتناسب مع الأداء الوظيفي الضعيف. كما أننا نشاهد اليوم مؤسسات عسكرية أخرى، كالقوات الخاصة والحرس الجمهوري والأمن المركزي، وقد حُـددت لها وظيفة أساسية، هي حراسة النظام السياسي الحالي من أي تهديد داخلي،بهدف إطالة عمر النظام قدر الإمكان. كما أنّ وجود هذه المؤسسات العسكرية الثلاث، يدلُّ بشكل قاطع على فقدان ثقة الحاكم بالجيش الجمهوري الوطني.
3- لقد تحولت كلَّ هذه المؤسسات العسكرية (الجيش وملحقاته المذكورة) من مؤسسات وطنية دفاعية، إلى مؤسسات استنزافية لجزء أساسي من الدخـل القومي، حيث شكَّـلت النفقات العسكرية نحو29% من النفقات العامة .
4- ومثل كلّ شئ في هذا الوطن المستباح، فقد صارت المؤسسات العسكرية والأمنية وفي مقدمتها الجيش الجمهوري ملكية خاصة للحاكم وأسرته.
5- إنَّ المؤسسات العسكرية والأمنية والاستخباراتية ومجلس الأمن القومي، جميعها صارت لها وظيفة استثنائية واحدة فقط، هي حماية الحاكم من شعبه عوضاً عـن (حماية البلاد وحراسة الثورة ومكتسباتها)، وسبب ذلك أنه لم تعد هناك ثورة ولا توجد ثمة مكتسبات في الأصل.


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2274
- اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
- مكان: صنعاء
- اتصال:
الجمهورية أم الملكية.. وقيمة الحكم بينهما..
الحلقة الثالثة
الوسط نت - الجمعة 16 ديسمبر 2005
د. سعـودي علي عبيد
الهدف الثالث:
وقبل الانتقال للحديث عن الهدف الثالث الخاص بـ (رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً)، ينبغي التذكير ببعض الملاحظات الهامة:
1- إنَّ الحكم على الحالة الراهنة فيما يختص برفع مستوى الشعب في المجالات المختلفة المذكورة، لن يتمَّ بمقارنة الحالة الراهنة بفترة عهد الإمامة، وسبب ذلك يرجع إلى أنَّ الأساس المادي في العهدين مختلف، وهو لصالح النظام الجمهوري، في مرحلته الراهنة.
ولذلك فإنه من غير المنطقي أنْ تكون المقارنة على هذا النحو.
2- ولذا فإنَّ المقارنة الصائبة، هي أنْ تكون بين حالة نظام الجمهورية اليوم وبين مثيلاتها من الدول المجاورة، مثل سلطنة عُـمان ودولة الإمارات العربية المتحدة اللتين نهضتا بنفسيهما في منتصف سبعينيات القرن الماضي، أي بعد نحو ثلاثة عشر عاماً من ولادة النظام الجمهوري في اليمن. ومن المؤكد بأنَّ المقارنة هنا ستكون منطقية تماماً، برغم العمر الطويل للنظام الجمهوري (43 عاماً) مقارنة بالدولتين المذكورتين، وبرغم ما يمتلكه النظام الجمهوري من ثروات نفطية ومعدنية أخرى وسمكية وزراعية وبشرية، لا تقل عما يمتلكه البلدان الآخران، إنْ لم يتفوق عليهما.
3- كما إنَّ الحديث عـن رفع مستوى الشعب في المجالات المذكورة، يجب النظر إليه استناداً إلى مجموعة من المعايير الهامة، مثل علاقة ذلك بفلسفة هذا النظام السياسي أو ذاك، أو الأهداف والسياسات المقررة لتحقيق هذا الهدف (رفع مستوى الشعب)، أو الخطط والبرامج ذات العلاقة بتحقيق هذا الهدف. ناهيك عن مستوى التطور الاقتصادي وتراكم الثروة، باعتبارهما شرطين هامين للوصول إلى هدف رفع مستوى الشعب في المجالات المختلفة.
واستناداً إًلى الملاحظات والمعايير المذكورة،إذنْ كيف يمكننا تقييم عملية تحقق هدف (رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعياً) في النظام الجمهوري، باعتباره أحد أهداف ثورة سبتمبر؟؟
إنَّ المؤشرات الإحصائية الآتية، تتحدث عن مدى تحقق هذا الهدف من عدمه.
1- يحتل اليمن المركز(133) من بين (162) بلداً . أي أنَّ الشعب اليمني هو من الشعوب الأكثر فقراً في العالم.
2- إنَّ هناك نحو16% من السكان يعيشون على أقلّ من دولار واحد أمريكي في اليوم، وأنَّ نحو 45- 47% من السكان يعيشون على أقلّ من دولارين في اليوم، أي أنَّ نحو نصف السكان معرضون للفقر.
3- ارتفع معدل التضخم إلى 13,6% خلافاً لما استهدفته الموازنة العامة المقدرة بـ 5% .
وقد أثرَّ ذلك سلباً على انخفاض سعر الريال من 168 ريالاً/ للدولار إلى نحو 193 ريالاً/ للدولار، فاقداً بذلك نسبة كبيرة من قوته الشرائية، وهو مؤشر على فشل برنامج الإصلاح المالي الذي تنفذه الحكومة منذ عام 1995م.
4- تذبذب تطور متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من (481) دولاراً عام 2000م إلى(478) دولاراً عام 2001م، إلى(489) دولاراً عام 2002م، ثمَّ إلى (517) دولاراً عام 2003م .
بينما حققت دولة الإمارات متوسط دخل للفرد للفترة(2000م ـ 2002م) نحو(21190) دولاراً،(20650) دولاراً،(18980) دولاراً على التوالي.
كما حقـقت سلطنة عُمان متوسط دخـل للفرد بلغ نحو(8310) دولاراً،(8050) دولارا،(7170) دولاراً، للفترة نفسها على التوالي.
5- نسبة البطالة تجاوزت الـ (39%) من إجمالي السكان الواقعين في سن العمل.
6- العمر المتوقع عند الولادة في اليمن في عام 2003م نحو 63 سنة، بينما في الإمارات 75 سنة في عام 1998م، وفي عُمان 73 سنة في عام 1999م.
7- معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة في اليمن عام 2000م نحو (106) أطفال لكل ألف مولود، بينما كان في دولة الإمارات عام 1999م (24) لكل ألف طفل، وعُمان (21,5) للعام نفسه.
8- معدل الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية (46%).
9- الإنفاق على التعليم من إجمالي الإنفاق العام نحو(20,5%)، بينما الإنفاق الفعلي على القطاعات العسكرية تصل إلى نحو(29%).
10- معدل الالتحاق الصافي للأطفال في التعليم في الفئة العمرية (6-14) سنة، لا تتجاوز (60%).
11- نسبة الأمية لعام 2003م في اليمن (47%)، منها للذكور (27,3%) وللإناث (67,1%).
12- الذين يحصلون على خدمات صحية في اليمن (50%) للفترة (1990ـ 1998م) مقابل (99%) في الإمارات و(96%) في عُمان للفترة نفسها.
13- السكان الذين يحصلون على مياه شرب نقية في اليمن(40%) للفترة (1990- 1998م)، مقابل(97%) في الإمارات و(88%) في عُمان للفترة نفسها.
14- الذين يحصلون على الصرف الصحي في اليمن (10%) من السكان لعام 1999م، مقابل (77%) في الإمارات و(85%) في عُمان لعام 1998م.
الهدف الرابع:
وفيما يخص عملية تحقق الهدف الرابع المتمثل في (إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف)، فمن الممكن تتبع ذلك من خلال ست مراحل:
* الأولى: تبدأ من أول يوم للثورة، وهو 26 سبتمبر 1962م، وتنتهي في 5 نوفمبر1967م (مرحلة حكم الرئيس علي عبد الله السلال).
* الثانية: تبدأ من 5 نوفمبر1967م، وتنتهي في 13 يونيو1974م. (مرحلة حكم القاضي عبد الرحمن الإرياني).
* الثالثة: تبدأ من 13 يونيو1974م، وتنتهي في 11 أكتوبر 1977م. (مرحلة حكم الرئيس العقيد إبراهيم محمد الحمدي).
* الرابعة: تبدأ من 12أكتوبر 1977م حتى 24 يونيو1978م. (مرحلة حكم الرئيس العقيد أحمد الغشمي).
* الخامسة: تبدأ من 24 يونيو 1978م حتى 17 يوليو 1978م. (مرحلة حكم القاضي عبد الكريم العرشي).
* السادسة: تبدأ من 17 يوليو 1978م حتى 21 مايو 1990م. (مرحلة حكم الرئيس علي عبد الله صالح).
وبحسب أننا لسنا هنا بصدد التقييم السياسي التفصيلي للمراحل المذكورة، إلاَّ أنَّ ذلك لا يمنع من معرفة تحقق هذا الهدف من خلال تفحص الملامح الآتية، إجمالاً:
1- مدى تطابق السلطات السياسية المتعاقبة مع مبدأ التداول السلمي للسلطة.
2- خضوع هذه السلطات المتعاقبة لحكم القانون. (توافر الدستور والقوانين).
3- توافر الحريات السياسية وحرية الاعتقاد والرأي. (الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، حرية الصحافة وغيرها).
4- السلطات العامة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، والعلاقة بينهما.
أولاً: بالنسبة للملمح الأول الخاص بالتداول السلمي للسلطات المتعاقبة منذ سبتمبر1962م وحتى مايو1990م يمكننا وضع الملاحظات الآتية:
1- بغض النظر عن تقييمنا القاسي لنظام الإمامة، فإنَّ ذلك لا ينفِ أنَّ عملية تغيير ذلك النظام واستبداله بالنظام الجمهوري، قد تم بعملية انقلابية عسكرية دموية، ولم تتم بطريقة سلمية. ولذا فإنَّ انقلاب 26 سبتمبر1962م، هو تتويج لمحاولات انقلابية سابقة (انقلاب فبراير 1948م، الذي أودى بحياة الإمام يحيى حميد الدين، وانقلاب 1955م ضد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، وانقلاب عام 1961م ضد الإمام أحمد أيضاً). وكلها محاولات انقلابية دموية. ويعني ذلك أنَّ وجود النظام الجمهوري لا يستند على شرعية قانونية، بل يستند على ما يُطلق عليها بالشرعية الثورية، التي تعني بأنَّ الإرادة السياسية لمجموع الشعب قد تمَّ اختزالها في الإرادة السياسية لزعيم وقائد الثورة أو الانقلاب، أو المجموعة التي قامت بالثورة أو الانقلاب.
2- الملاحظة الثانية نجدها في استمرارية هذا النهج الانقلابي. فالقاضي عبد الرحمن الإرياني أتى إلى السلطة في الخامس من نوفمبر 1967م عن طريق انقلاب عسكري، وإنْ أُشيع عنه بأنه غير دموي. وأتى العقيد إبراهيم محمد الحمدي(من المؤسسة العسكرية) عن طريق انقلاب عسكري في 13 يونيو1974م، كما أُشيع عنه هو الآخر بأنه انقلاب أبيض. كما أنَّ الرئيس إبراهيم الحمدي قد ذهب من السلطة بانقلاب عسكري دموي بشع ومهين للرجل وللتقاليد والأخلاق اليمنية، التي تناساها الانقلابيون في تلك اللحظات مقابل الاستيلاء على السلطة. وكان ذلك في 11أكتوبر 1977م. وعلى أثر ذلك تولى السلطة، العقيد أحمد الغشمي في 12 أكتوبر، بعد يوم واحد من اختفاء ومقتل الرئيس الحمدي وأخيه وبعض معاوني الرئيس. كما أنَّ الرئيس أحمد الغشمي، قد ترك السلطة في حادث دموي بشع شبيه بالانقلابات العسكرية، لم تتضح حقيقته حتى الآن رغم كل ما قيل عنه حينها، وهذا ليس موضوعنا الآن. وكان ذلك الحادث في 24 يونيو1978م. وقد تولى عضو مجلس القيادة القاضي عبد الكريم العرشي، رئاسة الجمهورية. وقد امتدت فترة حكمه من 24 يونيو حتى 17 يوليو 1978م، أي أنه لم يستمر في الحكم سوى 23 يوماً فقط، وبعده تولى الحكم الرائد علي عبد الله صالح في 17 يوليو 1978م. فكيف تمَّ له ذلك؟؟ من أجل ذلك، فلنتتبع الأحداث الآتية:
* عندما حدثت عملية اغتيال الرئيس الغشمي في 24 يونيو 1978م، كانت الجمهورية العربية اليمنية تُحكم من خلال مجلس رئاسة مكوَّن من العقيد أحمد الغشمي رئيسا، وعبد الكريم العرشي وعبدالعزيز عبد الغني والمقدم علي الشيبة أعضاء.
* وعندما حدثت هذه العملية في ذلك التاريخ، كان علي عبد الله صالح يشغل موقع قائد لواء تعز، أي يفترض منطقياً أنْ يكون في ذلك اليوم والتاريخ في مكان عمله. كما كانت رتبته العسكرية رائدا.
* وفي اليوم ذاته، وفي بيان نعي الرئيس الغشمي، تمَّ إعادة تشكيل مجلس القيادة ليتكون من القاضي عبد الكريم العرشي (رئيس مجلس الشعب التأسيسي) رئيسا للجمهورية، وعضوية كل من عبدالعزيز عبدالغني والمقدم علي الشيبة (رئيس هيئة الأركان)، الذي صار قائداً عاماً للقوات المسلحة، والرائد علي عبدالله صالح (قائد لواء تعز) الذي تم ترقيته إلى رتبة مقدم، وجرى تعيينه نائباً للقائد العام للقوات المسلحة ورئيسا لهيئة الأركان العامة. وكان ذلك بموجب القرار الجمهوري رقم (3) الذي صدر هو الآخر في تاريخ 24 يونيو، أي في اليوم ذاته الذي اُغتيل فيه الرئيس الغشمي.
* يحدد النظام أنْ يختار رئيس الجمهورية في حالة حدوث فراغ سياسي، خلال أربعين يوما. ورئاسة القاضي عبد الكريم العرشي لم تدم سوى 23 يوما فقط.
* وبحسب ما جاء في كتاب «معالم عهود رؤساء الجمهورية في اليمن 1962- 1999م» للدكتور محمد حسين الفرح، فإنَّ (القاضي العرشي وأثناء بعض جلسات مجلس الرئاسة، أكد عدم استعداده لتولي رئاسة الجمهورية، أما عبد العزيز عبد الغني (عضو المجلس)، فلم يكن عنده أي استعداد للترشح) (ص55).
* وبحسب المصدر نفسه، (فقد كان رأي المقدم علي الشيبة، وكان حينها الشخصية الأقوى، هو أنْ يكون رئيس الجمهورية من المؤسسة المدنية، وأنه لا يوجد من العسكريين من هو على استعداد لتولي هذا المنصب) (ص 55).
* بعد هذا الكلام المثبّت في الفقرة السابقة، يقول الفرح في الصفحة نفسها: (وهنا انبرى علي عبد الله صالح مؤكداً وجود مَنْ هو على استعداد ليقود البلاد). و يقصد تولي رئاسة الجمهورية. وأضاف الفرح: (وبالفعل أخذ- يقصد علي عبد الله صالح ـ يمسك دفة القيادة العسكرية بجرأة وشجاعة).
* وفي 17 يوليو 1978م قام مجلس الشعب التأسيسي بانتخاب علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للقوات المسلحة.
* وفي هذا اليوم والتاريخ، جرى ترقية علي عبدالله صالح من رتبة رائد إلى رتبة عقيد، ومنحه مجلس الشعب التأسيسي وسام الجمهورية (هامش ص 55 من المصدر نفسه).
وفي ضوء مجمل الحيثيات المذكورة آنفاً، تبرز لنا عددٌ من التساؤلات المشروعة والضرورية التي تحتاج إجابة، اليوم أو غداً، وهي:
1- كيف يمكننا أنْ نصدِّق أنَّ رائداً في الجيش هو(علي عبد الله صالح)، يتم ضمه إلى أعلى مركز في السلطة (مجلس القيادة) في الجمهورية العربية اليمنية، متجاوزا صفاً طويلاً ممن يحملون الرتبة نفسها التي يحملها، ومتجاوزاً الكثيرين من أصحاب الرتب العسكرية الكبيرة؟
2- وكيف يمكننا أنْ نفسِّر عملية ضم الرائد علي عبد الله صالح إلى مجلس القيادة في اليوم ذاته الذي حدثت فيه عملية اغتيال الرئيس الغشمي؟
3- وكيف يمكننا أنْ نفهم إصدار ذلك الكم من القرارات المارثونية، الخاصة بالرائد علي عبد اله صالح في يوم عملية الاغتيال، حيث جرى ترقيته إلى رتبة مقدم، وعُين نائباً للقائد العام للقوات المسلحة ورئيساً لهيئة الأركان العامة؟
4- وكيف يمكننا أنْ نقيِّم كلاً من موقف القاضي عبدالكريم العرشي والأُستاذ عبد العزيز عبد الغني من جهة، اللذين رفضا تولي رئاسة الجمهورية، مبررين ذلك بعدم قدرتهما، وموقف علي عبدالله صالح من جهة أخرى، عندما انبرى - بحسب قول الفرح- ليؤكد وجود من هو على استعداد ليقود البلاد. ولم يكن علي عبدالله صالح سوى قاصداً ذاته؟
5- ومَنْ يحق لنا أنْ نصدِّق، المقدم علي الشيبة الذي كان عضو مجلس قيادة إلى جانب الرئيس أحمد حسين الغشمي، وقائداً عاماً للقوات المسلحة، والذي اعتذر هو الآخر عن تولي رئاسة الجمهورية، مضيفاً أنه لا يوجد من العسكريين من هو على استعداد لتولي هذا المنصب، ومؤكداً أنَّ منصب رئيس الجمهورية خاص بالمؤسسة المدنية، أم نصدِّق الرائد علي عبدالله صالح ذا الخبرة السياسية والعسكرية المتواضعة، الذي انبرى (ظهر فجأة) ليؤكد وجود من هو على استعداد ليقود البلاد، ويقصد رئاسة الجمهورية؟
6- وإذا كان علي عبد الله صالح لا يملك تلك المؤهلات الدراسية أو العسكرية العالية التي يتفوق بها على الآخرين، ولا تتوافر لديه الخبرة والتجربة التي تمكنه من تبوء منصب رئيس الجمهورية، فإنَّ علينا أنْ نبحث عن الوسيلة الحقيقية التي أوصلته إلى هذا المنصب؟ وكيف تمكَّـن الرائد علي عبد الله صالح من الانتقال من تعز إلى العاصمة صنعاء في اليوم ذاته الذي قُتل فيه الرئيس الغشمي (24 يونيو 1978م)، وصار عضواً في مجلس القيادة، ثم تمت ترقيته عسكرياً، وصار (بقدرة قادر) الشخصية النافذة والقوية في مجلس القيادة، متجاوزاً قامات كبيرة مثل القاضي العرشي وعبد العزيز عبد الغني والمقدم علي الشيبة وآخرين كثيرين، ليصبح بعد 23 يوماً من عملية الاغتيال رئيساً للجمهورية، وقبل أنْ تكتمل الفترة الانتقالية المحددة بأربعين يوماً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ثانياً: وبالنسبة للملمح الثاني الخاص بتوافر الشرعية القانونية، وبشكلٍ خاص توافر الدستور والقوانين المنظمة للحياة بمختلف مناحيها. وفي هذا الاتجاه، يمكن إبراز الملاحظات الآتية:
1- في البداية يجب التذكير بالطرق المختلفة المتبعة في وضع الوثيقة الدستورية(الدستور). حيث تتشكل هذه الطرق على أساس رجحان الإرادة الشعبية على إرادة الحاكم. وفي هذا السياق يضع الدستور على أساس الجمعية الوطنية التأسيسية. وهذه هي الطريقة الأولى. أو على أساس رجحان إرادة الحاكم على الإرادة الشعبية. وفي هذا السياق يضع الدستور عن طريق منحة الحاكم، رئيساً كان أو ملكاً أو غيرهما. وهذه هي الطريقة الثانية. أو على أساس التعاقد بين الحاكم والمحكوم (الشعب)، وهنا يضع الدستور عن طريق التعاقد بين الحاكم والشعب. وهذه هي الطريقة الثالثة.
2- مرت عملية وضع الدستور في النظام الجمهوري (الجمهورية العربية اليمنية) بالصيغ الآتية:
(أ) الإعلان الدستوري الصادر في 13 أكتوبر 1962م. وقد اشتمل على المبادئ العامة التي سوف تسير على نهجها قيادة الثورة عند مباشرتها للسلطة. كما اشتمل على الأهداف الستة للثورة التي لازلنا نراها على ترويسة الصحف الحكومية. ومن حيث القيمة القانونية، فإنَّ الإعلان الدستوري هذا لا يعتبر بمثابة دستور، ذلك لأنه قد وضع من تلك المجموعة التي قامت بالانقلاب العسكري في 26 سبتمبر. وهو من ناحية ثانية يتسم بالتوقيت والطابع الثوري.
(ب) الدستور المؤقت الصادر في 13 أبريل 1963م. وكما هي الحال في وضع الإعلان الدستوري، فإنَّ الحكومة هي التي قامت بوضع الدستور المؤقت، ثم أصدره رئيس الجمهورية.
(ج) الدستور الدائم الذي صدر في 27 أبريل 1964م. وقد قامت الحكومة بوضعه، ثم قام رئيس الجمهورية باختيار ممثلين من المشائخ والأعيان وعلماء الدين وأهل الرأي وشخصيات وطنية. وبعد ذلك تمت مناقشة المشروع من قبل هؤلاء في التاريخ المذكور أعلاه. وبعد موافقتهم عليه، قام رئيس الجمهورية بإصدار الدستور في اليوم نفسه.
(د) الدستور الدائم لعام 1970م. وهذا الدستور يعتبر الثاني بعد دستور 1964م الذي يوصف بالدوام.
(هـ) أُجريت مجموعة من التعديلات الدستورية على دستور1970م في فترات حكم كلٍّ من الرؤساء الحمدي والغشمي وصالح. وجميع تلك التعديلات تمت أيضاً بموجب قرارات من رؤساء الجمهورية.
3- عندما ندقق في الطرق التي تمت بها وضع الوثائق الدستورية التي تناولناها سابقاً، نجد أنها لم تتبع الطرق الصحيحة، بل نجدها غير معبرة عن الإرادة الشعبية، ولكنها عبرت في حقيقة الأمر عن إرادة واضعي تلك الوثائق الدستورية، أي الحاكمين، وقد لاحظنا من سياق دراستنا هذه بأنهم جميعاً ليسو سوى مغتصبين للسلطة بوسائل انقلابية عسكرية.
المقارنة الصائبة فيما يختص برفع مستوى الشعب في المجالات المختلفة هي بين حالة الجمهورية اليوم واحدى الدول المجاورة لابين العهد الحالي والعهد الامامي
16% من السكان في اليمن يعيشون على أقل من دولار في اليوم و45-47% على أقل من دولارين في اليوم أيضاً .
الحلقة الثالثة
الوسط نت - الجمعة 16 ديسمبر 2005
د. سعـودي علي عبيد
الهدف الثالث:
وقبل الانتقال للحديث عن الهدف الثالث الخاص بـ (رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً)، ينبغي التذكير ببعض الملاحظات الهامة:
1- إنَّ الحكم على الحالة الراهنة فيما يختص برفع مستوى الشعب في المجالات المختلفة المذكورة، لن يتمَّ بمقارنة الحالة الراهنة بفترة عهد الإمامة، وسبب ذلك يرجع إلى أنَّ الأساس المادي في العهدين مختلف، وهو لصالح النظام الجمهوري، في مرحلته الراهنة.
ولذلك فإنه من غير المنطقي أنْ تكون المقارنة على هذا النحو.
2- ولذا فإنَّ المقارنة الصائبة، هي أنْ تكون بين حالة نظام الجمهورية اليوم وبين مثيلاتها من الدول المجاورة، مثل سلطنة عُـمان ودولة الإمارات العربية المتحدة اللتين نهضتا بنفسيهما في منتصف سبعينيات القرن الماضي، أي بعد نحو ثلاثة عشر عاماً من ولادة النظام الجمهوري في اليمن. ومن المؤكد بأنَّ المقارنة هنا ستكون منطقية تماماً، برغم العمر الطويل للنظام الجمهوري (43 عاماً) مقارنة بالدولتين المذكورتين، وبرغم ما يمتلكه النظام الجمهوري من ثروات نفطية ومعدنية أخرى وسمكية وزراعية وبشرية، لا تقل عما يمتلكه البلدان الآخران، إنْ لم يتفوق عليهما.
3- كما إنَّ الحديث عـن رفع مستوى الشعب في المجالات المذكورة، يجب النظر إليه استناداً إلى مجموعة من المعايير الهامة، مثل علاقة ذلك بفلسفة هذا النظام السياسي أو ذاك، أو الأهداف والسياسات المقررة لتحقيق هذا الهدف (رفع مستوى الشعب)، أو الخطط والبرامج ذات العلاقة بتحقيق هذا الهدف. ناهيك عن مستوى التطور الاقتصادي وتراكم الثروة، باعتبارهما شرطين هامين للوصول إلى هدف رفع مستوى الشعب في المجالات المختلفة.
واستناداً إًلى الملاحظات والمعايير المذكورة،إذنْ كيف يمكننا تقييم عملية تحقق هدف (رفع مستوى الشعب اقتصاديا واجتماعياً) في النظام الجمهوري، باعتباره أحد أهداف ثورة سبتمبر؟؟
إنَّ المؤشرات الإحصائية الآتية، تتحدث عن مدى تحقق هذا الهدف من عدمه.
1- يحتل اليمن المركز(133) من بين (162) بلداً . أي أنَّ الشعب اليمني هو من الشعوب الأكثر فقراً في العالم.
2- إنَّ هناك نحو16% من السكان يعيشون على أقلّ من دولار واحد أمريكي في اليوم، وأنَّ نحو 45- 47% من السكان يعيشون على أقلّ من دولارين في اليوم، أي أنَّ نحو نصف السكان معرضون للفقر.
3- ارتفع معدل التضخم إلى 13,6% خلافاً لما استهدفته الموازنة العامة المقدرة بـ 5% .
وقد أثرَّ ذلك سلباً على انخفاض سعر الريال من 168 ريالاً/ للدولار إلى نحو 193 ريالاً/ للدولار، فاقداً بذلك نسبة كبيرة من قوته الشرائية، وهو مؤشر على فشل برنامج الإصلاح المالي الذي تنفذه الحكومة منذ عام 1995م.
4- تذبذب تطور متوسط نصيب الفرد من الناتج القومي الإجمالي من (481) دولاراً عام 2000م إلى(478) دولاراً عام 2001م، إلى(489) دولاراً عام 2002م، ثمَّ إلى (517) دولاراً عام 2003م .
بينما حققت دولة الإمارات متوسط دخل للفرد للفترة(2000م ـ 2002م) نحو(21190) دولاراً،(20650) دولاراً،(18980) دولاراً على التوالي.
كما حقـقت سلطنة عُمان متوسط دخـل للفرد بلغ نحو(8310) دولاراً،(8050) دولارا،(7170) دولاراً، للفترة نفسها على التوالي.
5- نسبة البطالة تجاوزت الـ (39%) من إجمالي السكان الواقعين في سن العمل.
6- العمر المتوقع عند الولادة في اليمن في عام 2003م نحو 63 سنة، بينما في الإمارات 75 سنة في عام 1998م، وفي عُمان 73 سنة في عام 1999م.
7- معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة في اليمن عام 2000م نحو (106) أطفال لكل ألف مولود، بينما كان في دولة الإمارات عام 1999م (24) لكل ألف طفل، وعُمان (21,5) للعام نفسه.
8- معدل الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية (46%).
9- الإنفاق على التعليم من إجمالي الإنفاق العام نحو(20,5%)، بينما الإنفاق الفعلي على القطاعات العسكرية تصل إلى نحو(29%).
10- معدل الالتحاق الصافي للأطفال في التعليم في الفئة العمرية (6-14) سنة، لا تتجاوز (60%).
11- نسبة الأمية لعام 2003م في اليمن (47%)، منها للذكور (27,3%) وللإناث (67,1%).
12- الذين يحصلون على خدمات صحية في اليمن (50%) للفترة (1990ـ 1998م) مقابل (99%) في الإمارات و(96%) في عُمان للفترة نفسها.
13- السكان الذين يحصلون على مياه شرب نقية في اليمن(40%) للفترة (1990- 1998م)، مقابل(97%) في الإمارات و(88%) في عُمان للفترة نفسها.
14- الذين يحصلون على الصرف الصحي في اليمن (10%) من السكان لعام 1999م، مقابل (77%) في الإمارات و(85%) في عُمان لعام 1998م.
الهدف الرابع:
وفيما يخص عملية تحقق الهدف الرابع المتمثل في (إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف)، فمن الممكن تتبع ذلك من خلال ست مراحل:
* الأولى: تبدأ من أول يوم للثورة، وهو 26 سبتمبر 1962م، وتنتهي في 5 نوفمبر1967م (مرحلة حكم الرئيس علي عبد الله السلال).
* الثانية: تبدأ من 5 نوفمبر1967م، وتنتهي في 13 يونيو1974م. (مرحلة حكم القاضي عبد الرحمن الإرياني).
* الثالثة: تبدأ من 13 يونيو1974م، وتنتهي في 11 أكتوبر 1977م. (مرحلة حكم الرئيس العقيد إبراهيم محمد الحمدي).
* الرابعة: تبدأ من 12أكتوبر 1977م حتى 24 يونيو1978م. (مرحلة حكم الرئيس العقيد أحمد الغشمي).
* الخامسة: تبدأ من 24 يونيو 1978م حتى 17 يوليو 1978م. (مرحلة حكم القاضي عبد الكريم العرشي).
* السادسة: تبدأ من 17 يوليو 1978م حتى 21 مايو 1990م. (مرحلة حكم الرئيس علي عبد الله صالح).
وبحسب أننا لسنا هنا بصدد التقييم السياسي التفصيلي للمراحل المذكورة، إلاَّ أنَّ ذلك لا يمنع من معرفة تحقق هذا الهدف من خلال تفحص الملامح الآتية، إجمالاً:
1- مدى تطابق السلطات السياسية المتعاقبة مع مبدأ التداول السلمي للسلطة.
2- خضوع هذه السلطات المتعاقبة لحكم القانون. (توافر الدستور والقوانين).
3- توافر الحريات السياسية وحرية الاعتقاد والرأي. (الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، حرية الصحافة وغيرها).
4- السلطات العامة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، والعلاقة بينهما.
أولاً: بالنسبة للملمح الأول الخاص بالتداول السلمي للسلطات المتعاقبة منذ سبتمبر1962م وحتى مايو1990م يمكننا وضع الملاحظات الآتية:
1- بغض النظر عن تقييمنا القاسي لنظام الإمامة، فإنَّ ذلك لا ينفِ أنَّ عملية تغيير ذلك النظام واستبداله بالنظام الجمهوري، قد تم بعملية انقلابية عسكرية دموية، ولم تتم بطريقة سلمية. ولذا فإنَّ انقلاب 26 سبتمبر1962م، هو تتويج لمحاولات انقلابية سابقة (انقلاب فبراير 1948م، الذي أودى بحياة الإمام يحيى حميد الدين، وانقلاب 1955م ضد الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين، وانقلاب عام 1961م ضد الإمام أحمد أيضاً). وكلها محاولات انقلابية دموية. ويعني ذلك أنَّ وجود النظام الجمهوري لا يستند على شرعية قانونية، بل يستند على ما يُطلق عليها بالشرعية الثورية، التي تعني بأنَّ الإرادة السياسية لمجموع الشعب قد تمَّ اختزالها في الإرادة السياسية لزعيم وقائد الثورة أو الانقلاب، أو المجموعة التي قامت بالثورة أو الانقلاب.
2- الملاحظة الثانية نجدها في استمرارية هذا النهج الانقلابي. فالقاضي عبد الرحمن الإرياني أتى إلى السلطة في الخامس من نوفمبر 1967م عن طريق انقلاب عسكري، وإنْ أُشيع عنه بأنه غير دموي. وأتى العقيد إبراهيم محمد الحمدي(من المؤسسة العسكرية) عن طريق انقلاب عسكري في 13 يونيو1974م، كما أُشيع عنه هو الآخر بأنه انقلاب أبيض. كما أنَّ الرئيس إبراهيم الحمدي قد ذهب من السلطة بانقلاب عسكري دموي بشع ومهين للرجل وللتقاليد والأخلاق اليمنية، التي تناساها الانقلابيون في تلك اللحظات مقابل الاستيلاء على السلطة. وكان ذلك في 11أكتوبر 1977م. وعلى أثر ذلك تولى السلطة، العقيد أحمد الغشمي في 12 أكتوبر، بعد يوم واحد من اختفاء ومقتل الرئيس الحمدي وأخيه وبعض معاوني الرئيس. كما أنَّ الرئيس أحمد الغشمي، قد ترك السلطة في حادث دموي بشع شبيه بالانقلابات العسكرية، لم تتضح حقيقته حتى الآن رغم كل ما قيل عنه حينها، وهذا ليس موضوعنا الآن. وكان ذلك الحادث في 24 يونيو1978م. وقد تولى عضو مجلس القيادة القاضي عبد الكريم العرشي، رئاسة الجمهورية. وقد امتدت فترة حكمه من 24 يونيو حتى 17 يوليو 1978م، أي أنه لم يستمر في الحكم سوى 23 يوماً فقط، وبعده تولى الحكم الرائد علي عبد الله صالح في 17 يوليو 1978م. فكيف تمَّ له ذلك؟؟ من أجل ذلك، فلنتتبع الأحداث الآتية:
* عندما حدثت عملية اغتيال الرئيس الغشمي في 24 يونيو 1978م، كانت الجمهورية العربية اليمنية تُحكم من خلال مجلس رئاسة مكوَّن من العقيد أحمد الغشمي رئيسا، وعبد الكريم العرشي وعبدالعزيز عبد الغني والمقدم علي الشيبة أعضاء.
* وعندما حدثت هذه العملية في ذلك التاريخ، كان علي عبد الله صالح يشغل موقع قائد لواء تعز، أي يفترض منطقياً أنْ يكون في ذلك اليوم والتاريخ في مكان عمله. كما كانت رتبته العسكرية رائدا.
* وفي اليوم ذاته، وفي بيان نعي الرئيس الغشمي، تمَّ إعادة تشكيل مجلس القيادة ليتكون من القاضي عبد الكريم العرشي (رئيس مجلس الشعب التأسيسي) رئيسا للجمهورية، وعضوية كل من عبدالعزيز عبدالغني والمقدم علي الشيبة (رئيس هيئة الأركان)، الذي صار قائداً عاماً للقوات المسلحة، والرائد علي عبدالله صالح (قائد لواء تعز) الذي تم ترقيته إلى رتبة مقدم، وجرى تعيينه نائباً للقائد العام للقوات المسلحة ورئيسا لهيئة الأركان العامة. وكان ذلك بموجب القرار الجمهوري رقم (3) الذي صدر هو الآخر في تاريخ 24 يونيو، أي في اليوم ذاته الذي اُغتيل فيه الرئيس الغشمي.
* يحدد النظام أنْ يختار رئيس الجمهورية في حالة حدوث فراغ سياسي، خلال أربعين يوما. ورئاسة القاضي عبد الكريم العرشي لم تدم سوى 23 يوما فقط.
* وبحسب ما جاء في كتاب «معالم عهود رؤساء الجمهورية في اليمن 1962- 1999م» للدكتور محمد حسين الفرح، فإنَّ (القاضي العرشي وأثناء بعض جلسات مجلس الرئاسة، أكد عدم استعداده لتولي رئاسة الجمهورية، أما عبد العزيز عبد الغني (عضو المجلس)، فلم يكن عنده أي استعداد للترشح) (ص55).
* وبحسب المصدر نفسه، (فقد كان رأي المقدم علي الشيبة، وكان حينها الشخصية الأقوى، هو أنْ يكون رئيس الجمهورية من المؤسسة المدنية، وأنه لا يوجد من العسكريين من هو على استعداد لتولي هذا المنصب) (ص 55).
* بعد هذا الكلام المثبّت في الفقرة السابقة، يقول الفرح في الصفحة نفسها: (وهنا انبرى علي عبد الله صالح مؤكداً وجود مَنْ هو على استعداد ليقود البلاد). و يقصد تولي رئاسة الجمهورية. وأضاف الفرح: (وبالفعل أخذ- يقصد علي عبد الله صالح ـ يمسك دفة القيادة العسكرية بجرأة وشجاعة).
* وفي 17 يوليو 1978م قام مجلس الشعب التأسيسي بانتخاب علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية وقائداً عاماً للقوات المسلحة.
* وفي هذا اليوم والتاريخ، جرى ترقية علي عبدالله صالح من رتبة رائد إلى رتبة عقيد، ومنحه مجلس الشعب التأسيسي وسام الجمهورية (هامش ص 55 من المصدر نفسه).
وفي ضوء مجمل الحيثيات المذكورة آنفاً، تبرز لنا عددٌ من التساؤلات المشروعة والضرورية التي تحتاج إجابة، اليوم أو غداً، وهي:
1- كيف يمكننا أنْ نصدِّق أنَّ رائداً في الجيش هو(علي عبد الله صالح)، يتم ضمه إلى أعلى مركز في السلطة (مجلس القيادة) في الجمهورية العربية اليمنية، متجاوزا صفاً طويلاً ممن يحملون الرتبة نفسها التي يحملها، ومتجاوزاً الكثيرين من أصحاب الرتب العسكرية الكبيرة؟
2- وكيف يمكننا أنْ نفسِّر عملية ضم الرائد علي عبد الله صالح إلى مجلس القيادة في اليوم ذاته الذي حدثت فيه عملية اغتيال الرئيس الغشمي؟
3- وكيف يمكننا أنْ نفهم إصدار ذلك الكم من القرارات المارثونية، الخاصة بالرائد علي عبد اله صالح في يوم عملية الاغتيال، حيث جرى ترقيته إلى رتبة مقدم، وعُين نائباً للقائد العام للقوات المسلحة ورئيساً لهيئة الأركان العامة؟
4- وكيف يمكننا أنْ نقيِّم كلاً من موقف القاضي عبدالكريم العرشي والأُستاذ عبد العزيز عبد الغني من جهة، اللذين رفضا تولي رئاسة الجمهورية، مبررين ذلك بعدم قدرتهما، وموقف علي عبدالله صالح من جهة أخرى، عندما انبرى - بحسب قول الفرح- ليؤكد وجود من هو على استعداد ليقود البلاد. ولم يكن علي عبدالله صالح سوى قاصداً ذاته؟
5- ومَنْ يحق لنا أنْ نصدِّق، المقدم علي الشيبة الذي كان عضو مجلس قيادة إلى جانب الرئيس أحمد حسين الغشمي، وقائداً عاماً للقوات المسلحة، والذي اعتذر هو الآخر عن تولي رئاسة الجمهورية، مضيفاً أنه لا يوجد من العسكريين من هو على استعداد لتولي هذا المنصب، ومؤكداً أنَّ منصب رئيس الجمهورية خاص بالمؤسسة المدنية، أم نصدِّق الرائد علي عبدالله صالح ذا الخبرة السياسية والعسكرية المتواضعة، الذي انبرى (ظهر فجأة) ليؤكد وجود من هو على استعداد ليقود البلاد، ويقصد رئاسة الجمهورية؟
6- وإذا كان علي عبد الله صالح لا يملك تلك المؤهلات الدراسية أو العسكرية العالية التي يتفوق بها على الآخرين، ولا تتوافر لديه الخبرة والتجربة التي تمكنه من تبوء منصب رئيس الجمهورية، فإنَّ علينا أنْ نبحث عن الوسيلة الحقيقية التي أوصلته إلى هذا المنصب؟ وكيف تمكَّـن الرائد علي عبد الله صالح من الانتقال من تعز إلى العاصمة صنعاء في اليوم ذاته الذي قُتل فيه الرئيس الغشمي (24 يونيو 1978م)، وصار عضواً في مجلس القيادة، ثم تمت ترقيته عسكرياً، وصار (بقدرة قادر) الشخصية النافذة والقوية في مجلس القيادة، متجاوزاً قامات كبيرة مثل القاضي العرشي وعبد العزيز عبد الغني والمقدم علي الشيبة وآخرين كثيرين، ليصبح بعد 23 يوماً من عملية الاغتيال رئيساً للجمهورية، وقبل أنْ تكتمل الفترة الانتقالية المحددة بأربعين يوماً لانتخاب رئيس جديد للجمهورية.
ثانياً: وبالنسبة للملمح الثاني الخاص بتوافر الشرعية القانونية، وبشكلٍ خاص توافر الدستور والقوانين المنظمة للحياة بمختلف مناحيها. وفي هذا الاتجاه، يمكن إبراز الملاحظات الآتية:
1- في البداية يجب التذكير بالطرق المختلفة المتبعة في وضع الوثيقة الدستورية(الدستور). حيث تتشكل هذه الطرق على أساس رجحان الإرادة الشعبية على إرادة الحاكم. وفي هذا السياق يضع الدستور على أساس الجمعية الوطنية التأسيسية. وهذه هي الطريقة الأولى. أو على أساس رجحان إرادة الحاكم على الإرادة الشعبية. وفي هذا السياق يضع الدستور عن طريق منحة الحاكم، رئيساً كان أو ملكاً أو غيرهما. وهذه هي الطريقة الثانية. أو على أساس التعاقد بين الحاكم والمحكوم (الشعب)، وهنا يضع الدستور عن طريق التعاقد بين الحاكم والشعب. وهذه هي الطريقة الثالثة.
2- مرت عملية وضع الدستور في النظام الجمهوري (الجمهورية العربية اليمنية) بالصيغ الآتية:
(أ) الإعلان الدستوري الصادر في 13 أكتوبر 1962م. وقد اشتمل على المبادئ العامة التي سوف تسير على نهجها قيادة الثورة عند مباشرتها للسلطة. كما اشتمل على الأهداف الستة للثورة التي لازلنا نراها على ترويسة الصحف الحكومية. ومن حيث القيمة القانونية، فإنَّ الإعلان الدستوري هذا لا يعتبر بمثابة دستور، ذلك لأنه قد وضع من تلك المجموعة التي قامت بالانقلاب العسكري في 26 سبتمبر. وهو من ناحية ثانية يتسم بالتوقيت والطابع الثوري.
(ب) الدستور المؤقت الصادر في 13 أبريل 1963م. وكما هي الحال في وضع الإعلان الدستوري، فإنَّ الحكومة هي التي قامت بوضع الدستور المؤقت، ثم أصدره رئيس الجمهورية.
(ج) الدستور الدائم الذي صدر في 27 أبريل 1964م. وقد قامت الحكومة بوضعه، ثم قام رئيس الجمهورية باختيار ممثلين من المشائخ والأعيان وعلماء الدين وأهل الرأي وشخصيات وطنية. وبعد ذلك تمت مناقشة المشروع من قبل هؤلاء في التاريخ المذكور أعلاه. وبعد موافقتهم عليه، قام رئيس الجمهورية بإصدار الدستور في اليوم نفسه.
(د) الدستور الدائم لعام 1970م. وهذا الدستور يعتبر الثاني بعد دستور 1964م الذي يوصف بالدوام.
(هـ) أُجريت مجموعة من التعديلات الدستورية على دستور1970م في فترات حكم كلٍّ من الرؤساء الحمدي والغشمي وصالح. وجميع تلك التعديلات تمت أيضاً بموجب قرارات من رؤساء الجمهورية.
3- عندما ندقق في الطرق التي تمت بها وضع الوثائق الدستورية التي تناولناها سابقاً، نجد أنها لم تتبع الطرق الصحيحة، بل نجدها غير معبرة عن الإرادة الشعبية، ولكنها عبرت في حقيقة الأمر عن إرادة واضعي تلك الوثائق الدستورية، أي الحاكمين، وقد لاحظنا من سياق دراستنا هذه بأنهم جميعاً ليسو سوى مغتصبين للسلطة بوسائل انقلابية عسكرية.
المقارنة الصائبة فيما يختص برفع مستوى الشعب في المجالات المختلفة هي بين حالة الجمهورية اليوم واحدى الدول المجاورة لابين العهد الحالي والعهد الامامي
16% من السكان في اليمن يعيشون على أقل من دولار في اليوم و45-47% على أقل من دولارين في اليوم أيضاً .


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2274
- اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
- مكان: صنعاء
- اتصال:
الجمهورية أم الملكية.. وقيمة الحكم بينهما..
الحلقة الرابعة
ثالثاً: أما الملمح الثالث، فهو خاص بالحريات السياسية من حيث توافر الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع الأخرى، وحرية الاعتقاد والرأي.
وعلى امتداد الفترة قيد الدراسة (1962- 1990م)، نجد أنَّ هذا الملمح قد اتسم بالخصائص الآتية، وذلك بالاستناد إلى مجموعة الدساتير التي تعرفنا عليها أو القوانين المنظمة لذلك، أو بالاستناد إلى تجربة أنظمة الحكم المتعاقبة التي تعرفنا عليها أيضاً هي الأخرى:
1- في فترة حكم الرئيس عبد الله السلال وبسبب وجود وسطوة القوات والمخابرات المصرية ونقل التجربة الناصرية إلى الجمهورية العربية اليمنية، فقد كانت الأحزاب السياسية محظورة من النشاط.
وعوضاً عن ذلك قام نظام الحكم وقتها بتنظيم النشاط السياسي بطريقة أوامرية فوقية، من خلال تكوين «الاتحاد الشعبي الثوري اليمني»، على غرار الاتحاد القومي وبعدها الاتحاد الاشتراكي في مصر.
وقد استند الحاكم في ذلك إلى المادة (105) من دستور1964م، كما أُعلن عن ذلك في 17 أكتوبر 1966م.
2- وبسبب الحجر على تكوين العمل السياسي المستقل، لجأت العديد من الأحزاب باتجاهاتها الأيديولوجية المختلفة إلى النشاط السري.
3- استمر نظام حكم الرئيس الإرياني على النهج ذاته فيما يختص بحظر النشاطات الحزبية.
4- في دستور 1970م نُص صراحة على حظر العمل الحزبي، بل وتحريمه.
5- وفي عهد الرئيس علي عبد الله صالح (يوليو 1978- 1990م) شهدت الحياة الديموقراطية، وفي المقدمة حرية العمل الحزبي أسوأ اللحظات، وباعتبار أنَّ الميثاق الوطني هو أحد التعديلات الدستورية، فقد نُص فيه على تحريم الحزبية في الجمهورية العربية اليمنية بموجب الشعار المشهور والسيئ السمعة بـ (أنَّ كل من تحزب خان).
والخيانة عرفاً وقانوناً جزاؤها الموت لمن ارتكبها.
ومرة أخرى لسنا بصدد إحصاء انتهاكات علي عبد الله صالح في فترة حكمه المذكور ضد الحريات الديموقراطية، ولسنا بصدد إحصاء الذين زُهقت أرواحهم في الفترة ذاتها.
6- وانسجاماً مع هذا النهج المعادي للديموقراطية لتلك الأنظمة السياسية المتعاقبة، فإنَّ منظمات المجتمع المدني الأخرى، من منظمات وجمعيات مهنية وتعاونية لم تكن هي الأخرى بأحسن حال من الأحزاب السياسية.
7- وبالنسبة لحرية الاعتقاد الديني وحرية الرأي، فهما أيضاً لم يكونا متوفرين. فتحريم الاعتقاد الديني قد استند إلى نصوص من الكتاب والسنة، وإلى الفكر الإسلامي، وإلى قوة الأغلبية المسلمة من سكان البلاد.
وفي ضوء هذه المعطيات، تم تثبيت وتأكيد هذا التحريم بنصوص قانونية في الدساتير التي أتينا على ذكرها.
ففي الوقت الذي نجد أنَّ دستور عام 1963م، قد أكد على «التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية»، نجد أنَّ الميثاق الوطني قد أكد على «التمسك بالشريعة الإسلامية عقيدة وشريعة». وقد شكَّل بذلك حالة ارتدادية إلى الخلف مقارنة بالدساتير السابقة.
8- أما حرية الرأي والرأي الآخر، فقد كانت هي الأخرى موصولة تماماً بالحريات السابقة المذكورة آنفاً. فعدم توافرها يعني بالمقابل عدم توافر حرية الرأي بتعبيراتها المختلفة، وفي المقدمة حرية الصحافة.
رابعاً: أما الملمح الرابع الخاص بالسلطات العامة في أنظمة الحكم للفترة قيد الدراسة، ومدى العلاقة بينها، فيمكننا تتبع ذلك من خلال الآتي:
1- في الفترة (1962 ـ 1990م)، تعاقب على رئاسة الجمهورية العربية اليمنية كلٌّ من: المشير عبدالله السـلال (1962- 1967م)، والقـاضي عـبد الرحمن الإرياني (1967 - 1974م)، والمقدم إبراهيم الحـمدي (1974- 1977م)، والمقدم أحمد حسين الغشمي (1977 - 1978م)، والقاضي عبد الكريم العرشي (24 يونيو 1978 - 17 يوليو 1978م)، وأخيراً العقيد علي عبد الله صالح (17 يوليو 1978- 22مايو 1990م).
2- لم يصل أيٌّ من هؤلاء الرؤساء إلى سدة الحكم من خلال اللعبة الديموقراطية، أو التداول السلمي للحكم، بل عن طريق الانقلابات العسكرية سواء كانت دموية أو بدونها.
3- اتسمت هذه الفترة قيد الدراسة بعدم استقرار التشريعات الدستورية، حيث عرفت الإعلان الدستوري وأهداف الثورة(3 أكتوبر1962م)، والدستور المؤقت(13 أبريل1963م)، والدستور الدائم الأول(27 أبريل 1964م)، والدستور الدائم الثاني(1970م).
ثم تبع ذلك مجموعة كبيرة من التعديلات الدستورية على هذا الدستور في عهود الرؤساء إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي والقاضي العرشي وعلي عبد الله صالح.
4- وعلى امتداد الفترة الزمنية قيد الدراسة، فقد مرت السلطة التنفيذية بمراحل وأشكال مختلفة.
فمثلاً في الإعلان الدستوري (1962م) تحددت هذه السلطة في المؤتمر الوطني المكون من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء.
وفي الدستور المؤقت (1963م) تمت الإشارة إلى أنَّ هذه السلطة تتكون من رئيس الدولة والمجلس التنفيذي (مجلس الوزراء)، إلا أنه في الوقت نفسه منح رئيس الجمهورية صلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية واسعة. كما تكررت هذه الحالة في دستور (1964م).
وفي دستور (1970م) أُخذ بثنائية السلطة التنفيذية المكونة من المجلس الجمهوري والحكومة (مجلس الوزراء).
ومن ناحية ثانية فقد أخذ هذا الدستور بشكل الرئاسة الجماعية للدولة المحددة بالمجلس الجمهوري.
وفي الإعلان الدستوري الصادر في 22 أكتوبر 1974م أُوكلت السلطة التنفيذية إلى مجلس القيادة، إلا أنه في الوقت نفسه أُعطي رئيس مجلس القيادة صلاحيات سيادية واسعة باعتباره رئيساً للدولة.
وبموجب قرار مجلس الشعب التأسيسي في 22 أبريل 1978م، حُدد شكل رئاسة الدولة برئيس الجمهورية، كما تم تغيير شكل رئاسة الدولة من الشكل الجماعي (مجلس القيادة) إلى شكل فردي محدد برئيس الجمهورية.
وقد حُددت فترة رئاسته بخمس سنوات شمسية، كما مُنح كل الصلاحيات والاختصاصات المنصوص عليها في دستور (1970م) والإعلانات الدستورية النافذة.
ونتيجة لاغتيال الرئيس أحمد حسين الغشمي، ودخول البلاد في فراغ دستوري لعدم وجود نائب لرئيس الجمهورية، فقد تم تشكيل مجلس رئاسة مؤقت للجمهورية برئاسة القاضي عبد الكريم العرشي (رئيس مجلس الشعب الـتأسيسي)، وعضوية كلّ مـن عـبد العزيز عبد الغني (رئيس مجـلس الوزراء)، والمقدم علي الشيبة (رئيس هيئة الأركان العامة)، والرائد علي عبد الله صالح (قائد لواء تعز).
وقد تم هذا التشكيل في يوم حادثة الاغتيال (24 يونيو1978). وفي 17 يوليو 1978م تم انتخاب علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية في جلسة استثنائية لمجلس الشعب التأسيسي.
وفي مختلف عهود الحكم في الجمهورية العربية اليمنية، فقد استأثر رؤساء الجمهورية جميعهم باختصاصات وصلاحيات واسعة بالسلطة التنفيذية.
5- وفي الإعلان الدستوري وأهداف الثورة (1962م) أُسندت اختصاصات وصلاحيات السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية التي تمثلت في المؤتمر الوطني المكون من قيادة الثورة ومجلس الوزراء.
أما في الدستور المؤقت (1963م) فلم يتم تنظيم السلطة التشريعية كسلطة مستقلة، بل أُسندت صلاحياتها واختصاصاتها إلى مجلس الرئاسة.
وفي الدستور الدائم (1964م) وفيما يخص السلطة التشريعية، أخذ بنظام المجلس الواحد، حيث أُنيطت هذه السلطة بمجلس الشورى الذي أحال تحديد عدد أعضائه، وطريقة تعيينهم، وشروط العضوية إلى قانون الانتخابات وأحكامه. إلا أن مثل هذا القانون لم يُصدر في عهد الرئيس عبد الله السلال.
وكما هي الحال في دستور (1964م)، فقد أناط دستور (1970) اختصاصات وصلاحيات السلطة التشريعية إلى مجلس الشورى.
أما فيما يخص تشكيل هذا المجلس فقد زاوج الدستور بين طريقتي الانتخاب والتعيين.
وقد حُدد عدد أعضائه بـ(159) عضواً، يتم تعيين 20 بالمائة منهم من رئيس الجمهورية.
وفي عهده فإنَّ أول عمل قام به الرئيس إبراهيم محمد الحمدي، هو تعليق العمل بدستور عام 1970م وتجميد السلطة التشريعية (مجلس الشورى)، وذلك بموجب بيان مجلس القيادة رقم (4) الصادر في 14 يونيو1974م.
وفي عهد الرئيس أحمد حسين الغشمي، تم تغيير شكل السلطة التشريعية من (مجلس الشورى) إلى (مجلس الشعب التأسيسي)، وذلك بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 6 فبراير 1978م.
وقد حددت المادة (1) من هذا الإعلان عدد أعضاء مجلس الشعب التأسيسي بـ (99) عضواً، يختارهم مجلس القيادة، ويصدر بهم قرار من رئيس مجلس القيادة.
وفي عهد الرئيس علي عبد الله صالح، تم تعديل عدد أعضاء مجلس الشعب التأسيسي إلى (159) عضواً، على أن يصدر بهم قرار من رئيس الجمهورية، وذلك بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 8 مايو 1979م.
وكما حدث مع اختصاصات وصلاحيات السلطة التنفيذية، فقد استأثر رؤساء الجمهورية في كل عهود الجمهورية العربية اليمنية باختصاصات وصلاحيات السلطة التشريعية.
6- وبموجب الإعلان الدستوري (1962م) تم إسناد صلاحيات السلطة القضائية إلى السلطة التنفيذية، الممثلة بالمجلس الوطني المكون من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء.
وفي الدستور المؤقت (1963م) تمت الإشارة إلى استقلال القضاء، ومع ذلك كان يتم تعيين القضاة عن طريق السلطة التنفيذية.
وقد زاد على ذلك بأن أعطى صلاحيات هذه السلطة للسلطة التنفيذية. كما نص الدستور الدائم الأول (1964م) على استقلالية القضاء.
ولم يتحدث دستور عام 1970م عن السلطة القضائية بصورة مفصلة، بل أحال موضوعها على قانون السلطة القضائية.
وبرغم أنَّ هذا الدستور قد أشار إلى إنشاء محكمة دستورية عليا، من حيث تركيبها وكيفية إنشائها واختصاصاتها، إلا أنَّ مثل هذه المحكمة لم ترَ النور حتى قيام الوحدة تقريباً.
وكغيرها من الإعلانات الدستورية والدساتير التي سبقته، فقد أعطى دستور (1970م) اختصاصات السلطة القضائية للسلطة التنفيذية، وخاصة رئيس الجمهورية.
كما عملت التعديلات الدستورية كافة التي صدرت في عهود الرؤساء الحمدي والغشمي وصالح،على تقوية سلطات رؤساء الجمهورية على حساب السلطة القضائية.
من كل ما سبق، نستخلص أنَّ العلاقة بين السلطات الثلاث في مختلف أنظمة الحكم في الجمهورية العربية اليمنية قيد الدراسة(1962 - 1990م)، قد اتسمت بالآتي:
أولاً: اتسمت السلطة التشريعية بعدم الثبات والتعرج من حيث التشكل والاختصاصات والمسميات.
حيث غابت هذه السلطة في الفترة (1962 - 1969م)، ثم تم تعيين سلطة تشريعية تحت مسمى (المجلس الوطني) في مارس 1969م برئاسة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ثم تم تشكيل سلطة تشريعية تحت مسمى (مجلس الشورى) برئاسة الشيخ الأحمر.
وفي تقييمه لدور مجلس الشورى في تلك الفترة، أشار الدكتور محمد حسين الفرح بأن تمثيل مجلس الشورى للشعب كان محل شك، وكانت سيطرة المشائخ على هذا المجلس بأكثر من حجمهم المعقول.
وقد أدى ذلك إلى جعل المجلس بمثابة سلطة موازية للسلطة التنفيذية المتمثلة بالمجلس الجمهوري. وقد ساهم ذلك في انفلات الأوضاع وغياب الدولة المركزية في الجمهورية العربية اليمنية.
وفي عهد الرئيس إبراهيم الحمدي (1974 - 1977م)، كان أول عمل قام به عقب حركته الانقلابية في 13 يونيو 1974م، هو تجميد نشاط مجلس الشورى كسلطة تشريعية، وذلك في 14/6/1974م، ثم حله في 12/10/1974م.
وفي عهد الرئيس أحمد حسين الغشمي تم تشكيل السلطة التشريعية بمسمى (مجلس الشعب التأسيسي) بالتعيين بعدد (99) عضواً، بموجب قرار جمهوري صادر في 6/2/1978م.
وفي عهد الرئيس علي عبد الله صالح (1978 - 1990م)، تم تشكيل السلطة التشريعية بواسطة الجمع بين طريقتي الانتخاب والتعيين، حيث تم انتخاب(128) عضواً وتعيين (31) عضواً بقرار جمهوري، بحيث يصبح إجمالي أعضاء مجلس الشورى (159) عضواً.
ثانياً: وبالنسبة للسلطة التنفيذية، فقد مرت هي الأخرى بالمسار نفسه الذي مرت به السلطة التشريعية.
فقد بدأت بشكل القيادة الجماعية (مجلس قيادة الثورة)، ثم انحرفت سريعاً إلى سلطة الفرد بمسمى (رئيس الجمهورية) برئاسة المشير عبد الله السلال.
ثم عادت إلى شكل القيادة الجماعية بمسمى (المجلس الجمهوري) برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني(1967 - 1974م).
وفي عهد الرئيس إبراهيم الحمدي (1974 -1977م)، بدأت السلطة التنفيذية بشكل القيادة الجماعية بمسمى (مجلس القيادة) برئاسة العقيد إبراهيم محمد الحمدي، إلا أنه بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 22/10/1974م، مُنح رئيس مجلس القيادة صلاحيات سيادية باعتباره رئيساً للدولة.
وعقب اغتيال الرئيس الحمدي، وانتقال السلطة إلى أحمد حسين الغشمي، وفي عهد الأخير تم تحديد شكل رئاسة الدولة برئيس الجمهورية ممثلة بالعقيد أحمد حسين الغشمي، واستقرت عند ذلك.
ثالثاً: إضافة إلى أنَّ السلطة القضائية ظلت تابعة للسلطة التنفيذية وظيفةً واختصاصاً، فقد ظلت بدون قانون خاص بها حتى عام 1976م، عندما صدر القانون رقم (23) بشأن السلطة القضائية، الذي ركز بدرجة خاصة على تقسيم القضاة، وتكوين المحاكم وترتيبها وتكوين النيابة العامة، والشروط اللازمة توافرها في القضاة وفي أعضاء النيابة.
وبرغم توافر هذا القانون، إلا أنَّ السلطة القضائية استمرت في تبعيتها للسلطة التنفيذية، مما يعني عدم استقلالية القضاء، حيث نصت المادة (27) من هذا القانون بأن (يكون التعيين في جميع الوظائف القضائية، وفي وظيفة وكيل وزارة العدل بقرار جمهوري بموافقة مجلس القضاء الأعلى).
وبالإضافة إلى المحاكم المدنية، فقد وُجدت أيضاً على امتداد فترة الدراسة(1962 - 1990م) أنواع أخرى من المحاكم الاستثنائية مثل: المحاكم العسكرية والمحاكم الثورية (محكمة أمن الثورة ومحكمة أمن الدولة وغيرها).
ولم تشكل المحكمة الدستورية العليا طوال الفترة قيد الدراسة.
رابعاً: في مختلف عهود الحكم (1962 - 1990م)، ظلت السلطة التنفيذية بشكل عام وسلطة رئيس الدولة بشكل خاص، هي مركز الثقل، وهي السلطة الطاغية على السلطتين التشريعية والقضائية.
وظل رئيس الدولة يتمتع بسلطات واختصاصات سيادية وسياسية وتنفيذية وتشريعية وقضائية مطلقة. مما يعني أن سلطة الفرد المستبد كانت هي السائدة، وأنَّ شعار (الحكم من الشعب ومن أجل الشعب)، لم يكن سوى للاستهلاك وتضليل لهذا الشعب.
الهدف الخامس:
العمل على تحقيق الوحدة في نطاق الوحدة العربية.
قبل مناقشة هذه المسألة، لا بد من وضع الملاحظات الآتية:
1- إنَّ المقصود بالوحدة هنا، إنما هي الوحدة اليمنية.
وهذا مفهوم من السياق العام لهذا الهدف.
2- إنَّ هذا الهدف بصياغته المحددة أعلاه، لم تتضمنه الوثيقة الأساسية الأولى للإعلان الدستوري وأهداف الثورة الصادرة في 30/10/1962م.
3- إنَّ دساتير أعوام(1963 و1964 و1967م)، وكذا الإعلانات والتعديلات الدستورية التي سبقتها أو تخللتها أو لحقتها، لم تتحدث هي الأخرى عن هدف الوحدة اليمنية.
4- وللتحقق من هذه المسألة، بالإمكان الإطلاع على آخر إصدار وثائقي، وهو كتاب «وثائق دستورية يمنية» للدكتور قائد محمد طربوش (2003م).
مما يعني بأن تلك الأهداف الستة التي تحتل أعلى صفحات الصحف الحكومية، ليست سوى تزوير للواقع والحقيقة.
5- إنَّ هدف الوحدة اليمنية تمت الإشارة إليه لأول مرة في الدستور الدائم الثاني (1970)، حيث أشارت المادة (5) منه بأن (اليمن كلٌّ لا يتجزأ، والسعي لتحقيق الوحدة اليمنية واجب مقدس على كل مواطن).
وبرغم ذلك نلاحظ أن صياغة الهدف، ينطوي على موقف أيديولوجي وديني وليس سياسياً.
وهو ما يعني أنَّ تحقيق الوحدة اليمنية سيتم بكل الطرق الممكنة وبغيرها، بما في ذلك الحرب. وهو ما أكدته التجربة لاحقاً.
وبعكس ذلك تماماً، فقد جاء هذا الهدف في دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الصادر في 30/11/1970م أكثر وضوحاً مما هو في دستور الجمهورية العربية اليمنية (1970م).
حيث أكد دستور دولة الجنوب على وحدة اليمن ووحدة المصير للشعب اليمني والأرض اليمنية ووحدة النضال المشترك لهذا الشعب.
كما اعتبر وجود كيانين (جنوب وشمال)، بمثابة حالة استثنائية وغير طبيعية.كما أكدت هذه الوثيقة على ضرورة تحقيق الوحدة اليمنية كخطوة نحو تحقيق الوحدة العربية الديمقراطية.
وعلى هذا الأساس أشارت المادة (1) من دستور دولة الجنوب على أنَّ (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة، وتسعى لتحقيق اليمن الديمقراطي الموحد).
وهو ما يعني أن تحقيق الوحدة اليمنية سيتم فقط بالطرق السياسية الممكنة.
هذا هو الجانب النظري من المسألة، أما الجانب الواقعي منها فهو ما يختص بالدور العملي الذي لعبه النظام الجمهوري في الجمهورية العربية اليمنية لتحقيق هذا الهدف.
الحلقة الرابعة
ثالثاً: أما الملمح الثالث، فهو خاص بالحريات السياسية من حيث توافر الأحزاب والتنظيمات السياسية ومنظمات المجتمع الأخرى، وحرية الاعتقاد والرأي.
وعلى امتداد الفترة قيد الدراسة (1962- 1990م)، نجد أنَّ هذا الملمح قد اتسم بالخصائص الآتية، وذلك بالاستناد إلى مجموعة الدساتير التي تعرفنا عليها أو القوانين المنظمة لذلك، أو بالاستناد إلى تجربة أنظمة الحكم المتعاقبة التي تعرفنا عليها أيضاً هي الأخرى:
1- في فترة حكم الرئيس عبد الله السلال وبسبب وجود وسطوة القوات والمخابرات المصرية ونقل التجربة الناصرية إلى الجمهورية العربية اليمنية، فقد كانت الأحزاب السياسية محظورة من النشاط.
وعوضاً عن ذلك قام نظام الحكم وقتها بتنظيم النشاط السياسي بطريقة أوامرية فوقية، من خلال تكوين «الاتحاد الشعبي الثوري اليمني»، على غرار الاتحاد القومي وبعدها الاتحاد الاشتراكي في مصر.
وقد استند الحاكم في ذلك إلى المادة (105) من دستور1964م، كما أُعلن عن ذلك في 17 أكتوبر 1966م.
2- وبسبب الحجر على تكوين العمل السياسي المستقل، لجأت العديد من الأحزاب باتجاهاتها الأيديولوجية المختلفة إلى النشاط السري.
3- استمر نظام حكم الرئيس الإرياني على النهج ذاته فيما يختص بحظر النشاطات الحزبية.
4- في دستور 1970م نُص صراحة على حظر العمل الحزبي، بل وتحريمه.
5- وفي عهد الرئيس علي عبد الله صالح (يوليو 1978- 1990م) شهدت الحياة الديموقراطية، وفي المقدمة حرية العمل الحزبي أسوأ اللحظات، وباعتبار أنَّ الميثاق الوطني هو أحد التعديلات الدستورية، فقد نُص فيه على تحريم الحزبية في الجمهورية العربية اليمنية بموجب الشعار المشهور والسيئ السمعة بـ (أنَّ كل من تحزب خان).
والخيانة عرفاً وقانوناً جزاؤها الموت لمن ارتكبها.
ومرة أخرى لسنا بصدد إحصاء انتهاكات علي عبد الله صالح في فترة حكمه المذكور ضد الحريات الديموقراطية، ولسنا بصدد إحصاء الذين زُهقت أرواحهم في الفترة ذاتها.
6- وانسجاماً مع هذا النهج المعادي للديموقراطية لتلك الأنظمة السياسية المتعاقبة، فإنَّ منظمات المجتمع المدني الأخرى، من منظمات وجمعيات مهنية وتعاونية لم تكن هي الأخرى بأحسن حال من الأحزاب السياسية.
7- وبالنسبة لحرية الاعتقاد الديني وحرية الرأي، فهما أيضاً لم يكونا متوفرين. فتحريم الاعتقاد الديني قد استند إلى نصوص من الكتاب والسنة، وإلى الفكر الإسلامي، وإلى قوة الأغلبية المسلمة من سكان البلاد.
وفي ضوء هذه المعطيات، تم تثبيت وتأكيد هذا التحريم بنصوص قانونية في الدساتير التي أتينا على ذكرها.
ففي الوقت الذي نجد أنَّ دستور عام 1963م، قد أكد على «التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية»، نجد أنَّ الميثاق الوطني قد أكد على «التمسك بالشريعة الإسلامية عقيدة وشريعة». وقد شكَّل بذلك حالة ارتدادية إلى الخلف مقارنة بالدساتير السابقة.
8- أما حرية الرأي والرأي الآخر، فقد كانت هي الأخرى موصولة تماماً بالحريات السابقة المذكورة آنفاً. فعدم توافرها يعني بالمقابل عدم توافر حرية الرأي بتعبيراتها المختلفة، وفي المقدمة حرية الصحافة.
رابعاً: أما الملمح الرابع الخاص بالسلطات العامة في أنظمة الحكم للفترة قيد الدراسة، ومدى العلاقة بينها، فيمكننا تتبع ذلك من خلال الآتي:
1- في الفترة (1962 ـ 1990م)، تعاقب على رئاسة الجمهورية العربية اليمنية كلٌّ من: المشير عبدالله السـلال (1962- 1967م)، والقـاضي عـبد الرحمن الإرياني (1967 - 1974م)، والمقدم إبراهيم الحـمدي (1974- 1977م)، والمقدم أحمد حسين الغشمي (1977 - 1978م)، والقاضي عبد الكريم العرشي (24 يونيو 1978 - 17 يوليو 1978م)، وأخيراً العقيد علي عبد الله صالح (17 يوليو 1978- 22مايو 1990م).
2- لم يصل أيٌّ من هؤلاء الرؤساء إلى سدة الحكم من خلال اللعبة الديموقراطية، أو التداول السلمي للحكم، بل عن طريق الانقلابات العسكرية سواء كانت دموية أو بدونها.
3- اتسمت هذه الفترة قيد الدراسة بعدم استقرار التشريعات الدستورية، حيث عرفت الإعلان الدستوري وأهداف الثورة(3 أكتوبر1962م)، والدستور المؤقت(13 أبريل1963م)، والدستور الدائم الأول(27 أبريل 1964م)، والدستور الدائم الثاني(1970م).
ثم تبع ذلك مجموعة كبيرة من التعديلات الدستورية على هذا الدستور في عهود الرؤساء إبراهيم الحمدي وأحمد الغشمي والقاضي العرشي وعلي عبد الله صالح.
4- وعلى امتداد الفترة الزمنية قيد الدراسة، فقد مرت السلطة التنفيذية بمراحل وأشكال مختلفة.
فمثلاً في الإعلان الدستوري (1962م) تحددت هذه السلطة في المؤتمر الوطني المكون من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء.
وفي الدستور المؤقت (1963م) تمت الإشارة إلى أنَّ هذه السلطة تتكون من رئيس الدولة والمجلس التنفيذي (مجلس الوزراء)، إلا أنه في الوقت نفسه منح رئيس الجمهورية صلاحيات تنفيذية وتشريعية وقضائية واسعة. كما تكررت هذه الحالة في دستور (1964م).
وفي دستور (1970م) أُخذ بثنائية السلطة التنفيذية المكونة من المجلس الجمهوري والحكومة (مجلس الوزراء).
ومن ناحية ثانية فقد أخذ هذا الدستور بشكل الرئاسة الجماعية للدولة المحددة بالمجلس الجمهوري.
وفي الإعلان الدستوري الصادر في 22 أكتوبر 1974م أُوكلت السلطة التنفيذية إلى مجلس القيادة، إلا أنه في الوقت نفسه أُعطي رئيس مجلس القيادة صلاحيات سيادية واسعة باعتباره رئيساً للدولة.
وبموجب قرار مجلس الشعب التأسيسي في 22 أبريل 1978م، حُدد شكل رئاسة الدولة برئيس الجمهورية، كما تم تغيير شكل رئاسة الدولة من الشكل الجماعي (مجلس القيادة) إلى شكل فردي محدد برئيس الجمهورية.
وقد حُددت فترة رئاسته بخمس سنوات شمسية، كما مُنح كل الصلاحيات والاختصاصات المنصوص عليها في دستور (1970م) والإعلانات الدستورية النافذة.
ونتيجة لاغتيال الرئيس أحمد حسين الغشمي، ودخول البلاد في فراغ دستوري لعدم وجود نائب لرئيس الجمهورية، فقد تم تشكيل مجلس رئاسة مؤقت للجمهورية برئاسة القاضي عبد الكريم العرشي (رئيس مجلس الشعب الـتأسيسي)، وعضوية كلّ مـن عـبد العزيز عبد الغني (رئيس مجـلس الوزراء)، والمقدم علي الشيبة (رئيس هيئة الأركان العامة)، والرائد علي عبد الله صالح (قائد لواء تعز).
وقد تم هذا التشكيل في يوم حادثة الاغتيال (24 يونيو1978). وفي 17 يوليو 1978م تم انتخاب علي عبد الله صالح رئيساً للجمهورية في جلسة استثنائية لمجلس الشعب التأسيسي.
وفي مختلف عهود الحكم في الجمهورية العربية اليمنية، فقد استأثر رؤساء الجمهورية جميعهم باختصاصات وصلاحيات واسعة بالسلطة التنفيذية.
5- وفي الإعلان الدستوري وأهداف الثورة (1962م) أُسندت اختصاصات وصلاحيات السلطة التشريعية إلى السلطة التنفيذية التي تمثلت في المؤتمر الوطني المكون من قيادة الثورة ومجلس الوزراء.
أما في الدستور المؤقت (1963م) فلم يتم تنظيم السلطة التشريعية كسلطة مستقلة، بل أُسندت صلاحياتها واختصاصاتها إلى مجلس الرئاسة.
وفي الدستور الدائم (1964م) وفيما يخص السلطة التشريعية، أخذ بنظام المجلس الواحد، حيث أُنيطت هذه السلطة بمجلس الشورى الذي أحال تحديد عدد أعضائه، وطريقة تعيينهم، وشروط العضوية إلى قانون الانتخابات وأحكامه. إلا أن مثل هذا القانون لم يُصدر في عهد الرئيس عبد الله السلال.
وكما هي الحال في دستور (1964م)، فقد أناط دستور (1970) اختصاصات وصلاحيات السلطة التشريعية إلى مجلس الشورى.
أما فيما يخص تشكيل هذا المجلس فقد زاوج الدستور بين طريقتي الانتخاب والتعيين.
وقد حُدد عدد أعضائه بـ(159) عضواً، يتم تعيين 20 بالمائة منهم من رئيس الجمهورية.
وفي عهده فإنَّ أول عمل قام به الرئيس إبراهيم محمد الحمدي، هو تعليق العمل بدستور عام 1970م وتجميد السلطة التشريعية (مجلس الشورى)، وذلك بموجب بيان مجلس القيادة رقم (4) الصادر في 14 يونيو1974م.
وفي عهد الرئيس أحمد حسين الغشمي، تم تغيير شكل السلطة التشريعية من (مجلس الشورى) إلى (مجلس الشعب التأسيسي)، وذلك بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 6 فبراير 1978م.
وقد حددت المادة (1) من هذا الإعلان عدد أعضاء مجلس الشعب التأسيسي بـ (99) عضواً، يختارهم مجلس القيادة، ويصدر بهم قرار من رئيس مجلس القيادة.
وفي عهد الرئيس علي عبد الله صالح، تم تعديل عدد أعضاء مجلس الشعب التأسيسي إلى (159) عضواً، على أن يصدر بهم قرار من رئيس الجمهورية، وذلك بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 8 مايو 1979م.
وكما حدث مع اختصاصات وصلاحيات السلطة التنفيذية، فقد استأثر رؤساء الجمهورية في كل عهود الجمهورية العربية اليمنية باختصاصات وصلاحيات السلطة التشريعية.
6- وبموجب الإعلان الدستوري (1962م) تم إسناد صلاحيات السلطة القضائية إلى السلطة التنفيذية، الممثلة بالمجلس الوطني المكون من مجلس قيادة الثورة ومجلس الوزراء.
وفي الدستور المؤقت (1963م) تمت الإشارة إلى استقلال القضاء، ومع ذلك كان يتم تعيين القضاة عن طريق السلطة التنفيذية.
وقد زاد على ذلك بأن أعطى صلاحيات هذه السلطة للسلطة التنفيذية. كما نص الدستور الدائم الأول (1964م) على استقلالية القضاء.
ولم يتحدث دستور عام 1970م عن السلطة القضائية بصورة مفصلة، بل أحال موضوعها على قانون السلطة القضائية.
وبرغم أنَّ هذا الدستور قد أشار إلى إنشاء محكمة دستورية عليا، من حيث تركيبها وكيفية إنشائها واختصاصاتها، إلا أنَّ مثل هذه المحكمة لم ترَ النور حتى قيام الوحدة تقريباً.
وكغيرها من الإعلانات الدستورية والدساتير التي سبقته، فقد أعطى دستور (1970م) اختصاصات السلطة القضائية للسلطة التنفيذية، وخاصة رئيس الجمهورية.
كما عملت التعديلات الدستورية كافة التي صدرت في عهود الرؤساء الحمدي والغشمي وصالح،على تقوية سلطات رؤساء الجمهورية على حساب السلطة القضائية.
من كل ما سبق، نستخلص أنَّ العلاقة بين السلطات الثلاث في مختلف أنظمة الحكم في الجمهورية العربية اليمنية قيد الدراسة(1962 - 1990م)، قد اتسمت بالآتي:
أولاً: اتسمت السلطة التشريعية بعدم الثبات والتعرج من حيث التشكل والاختصاصات والمسميات.
حيث غابت هذه السلطة في الفترة (1962 - 1969م)، ثم تم تعيين سلطة تشريعية تحت مسمى (المجلس الوطني) في مارس 1969م برئاسة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ثم تم تشكيل سلطة تشريعية تحت مسمى (مجلس الشورى) برئاسة الشيخ الأحمر.
وفي تقييمه لدور مجلس الشورى في تلك الفترة، أشار الدكتور محمد حسين الفرح بأن تمثيل مجلس الشورى للشعب كان محل شك، وكانت سيطرة المشائخ على هذا المجلس بأكثر من حجمهم المعقول.
وقد أدى ذلك إلى جعل المجلس بمثابة سلطة موازية للسلطة التنفيذية المتمثلة بالمجلس الجمهوري. وقد ساهم ذلك في انفلات الأوضاع وغياب الدولة المركزية في الجمهورية العربية اليمنية.
وفي عهد الرئيس إبراهيم الحمدي (1974 - 1977م)، كان أول عمل قام به عقب حركته الانقلابية في 13 يونيو 1974م، هو تجميد نشاط مجلس الشورى كسلطة تشريعية، وذلك في 14/6/1974م، ثم حله في 12/10/1974م.
وفي عهد الرئيس أحمد حسين الغشمي تم تشكيل السلطة التشريعية بمسمى (مجلس الشعب التأسيسي) بالتعيين بعدد (99) عضواً، بموجب قرار جمهوري صادر في 6/2/1978م.
وفي عهد الرئيس علي عبد الله صالح (1978 - 1990م)، تم تشكيل السلطة التشريعية بواسطة الجمع بين طريقتي الانتخاب والتعيين، حيث تم انتخاب(128) عضواً وتعيين (31) عضواً بقرار جمهوري، بحيث يصبح إجمالي أعضاء مجلس الشورى (159) عضواً.
ثانياً: وبالنسبة للسلطة التنفيذية، فقد مرت هي الأخرى بالمسار نفسه الذي مرت به السلطة التشريعية.
فقد بدأت بشكل القيادة الجماعية (مجلس قيادة الثورة)، ثم انحرفت سريعاً إلى سلطة الفرد بمسمى (رئيس الجمهورية) برئاسة المشير عبد الله السلال.
ثم عادت إلى شكل القيادة الجماعية بمسمى (المجلس الجمهوري) برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني(1967 - 1974م).
وفي عهد الرئيس إبراهيم الحمدي (1974 -1977م)، بدأت السلطة التنفيذية بشكل القيادة الجماعية بمسمى (مجلس القيادة) برئاسة العقيد إبراهيم محمد الحمدي، إلا أنه بموجب الإعلان الدستوري الصادر في 22/10/1974م، مُنح رئيس مجلس القيادة صلاحيات سيادية باعتباره رئيساً للدولة.
وعقب اغتيال الرئيس الحمدي، وانتقال السلطة إلى أحمد حسين الغشمي، وفي عهد الأخير تم تحديد شكل رئاسة الدولة برئيس الجمهورية ممثلة بالعقيد أحمد حسين الغشمي، واستقرت عند ذلك.
ثالثاً: إضافة إلى أنَّ السلطة القضائية ظلت تابعة للسلطة التنفيذية وظيفةً واختصاصاً، فقد ظلت بدون قانون خاص بها حتى عام 1976م، عندما صدر القانون رقم (23) بشأن السلطة القضائية، الذي ركز بدرجة خاصة على تقسيم القضاة، وتكوين المحاكم وترتيبها وتكوين النيابة العامة، والشروط اللازمة توافرها في القضاة وفي أعضاء النيابة.
وبرغم توافر هذا القانون، إلا أنَّ السلطة القضائية استمرت في تبعيتها للسلطة التنفيذية، مما يعني عدم استقلالية القضاء، حيث نصت المادة (27) من هذا القانون بأن (يكون التعيين في جميع الوظائف القضائية، وفي وظيفة وكيل وزارة العدل بقرار جمهوري بموافقة مجلس القضاء الأعلى).
وبالإضافة إلى المحاكم المدنية، فقد وُجدت أيضاً على امتداد فترة الدراسة(1962 - 1990م) أنواع أخرى من المحاكم الاستثنائية مثل: المحاكم العسكرية والمحاكم الثورية (محكمة أمن الثورة ومحكمة أمن الدولة وغيرها).
ولم تشكل المحكمة الدستورية العليا طوال الفترة قيد الدراسة.
رابعاً: في مختلف عهود الحكم (1962 - 1990م)، ظلت السلطة التنفيذية بشكل عام وسلطة رئيس الدولة بشكل خاص، هي مركز الثقل، وهي السلطة الطاغية على السلطتين التشريعية والقضائية.
وظل رئيس الدولة يتمتع بسلطات واختصاصات سيادية وسياسية وتنفيذية وتشريعية وقضائية مطلقة. مما يعني أن سلطة الفرد المستبد كانت هي السائدة، وأنَّ شعار (الحكم من الشعب ومن أجل الشعب)، لم يكن سوى للاستهلاك وتضليل لهذا الشعب.
الهدف الخامس:
العمل على تحقيق الوحدة في نطاق الوحدة العربية.
قبل مناقشة هذه المسألة، لا بد من وضع الملاحظات الآتية:
1- إنَّ المقصود بالوحدة هنا، إنما هي الوحدة اليمنية.
وهذا مفهوم من السياق العام لهذا الهدف.
2- إنَّ هذا الهدف بصياغته المحددة أعلاه، لم تتضمنه الوثيقة الأساسية الأولى للإعلان الدستوري وأهداف الثورة الصادرة في 30/10/1962م.
3- إنَّ دساتير أعوام(1963 و1964 و1967م)، وكذا الإعلانات والتعديلات الدستورية التي سبقتها أو تخللتها أو لحقتها، لم تتحدث هي الأخرى عن هدف الوحدة اليمنية.
4- وللتحقق من هذه المسألة، بالإمكان الإطلاع على آخر إصدار وثائقي، وهو كتاب «وثائق دستورية يمنية» للدكتور قائد محمد طربوش (2003م).
مما يعني بأن تلك الأهداف الستة التي تحتل أعلى صفحات الصحف الحكومية، ليست سوى تزوير للواقع والحقيقة.
5- إنَّ هدف الوحدة اليمنية تمت الإشارة إليه لأول مرة في الدستور الدائم الثاني (1970)، حيث أشارت المادة (5) منه بأن (اليمن كلٌّ لا يتجزأ، والسعي لتحقيق الوحدة اليمنية واجب مقدس على كل مواطن).
وبرغم ذلك نلاحظ أن صياغة الهدف، ينطوي على موقف أيديولوجي وديني وليس سياسياً.
وهو ما يعني أنَّ تحقيق الوحدة اليمنية سيتم بكل الطرق الممكنة وبغيرها، بما في ذلك الحرب. وهو ما أكدته التجربة لاحقاً.
وبعكس ذلك تماماً، فقد جاء هذا الهدف في دستور جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، الصادر في 30/11/1970م أكثر وضوحاً مما هو في دستور الجمهورية العربية اليمنية (1970م).
حيث أكد دستور دولة الجنوب على وحدة اليمن ووحدة المصير للشعب اليمني والأرض اليمنية ووحدة النضال المشترك لهذا الشعب.
كما اعتبر وجود كيانين (جنوب وشمال)، بمثابة حالة استثنائية وغير طبيعية.كما أكدت هذه الوثيقة على ضرورة تحقيق الوحدة اليمنية كخطوة نحو تحقيق الوحدة العربية الديمقراطية.
وعلى هذا الأساس أشارت المادة (1) من دستور دولة الجنوب على أنَّ (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هي جمهورية ديمقراطية شعبية ذات سيادة، وتسعى لتحقيق اليمن الديمقراطي الموحد).
وهو ما يعني أن تحقيق الوحدة اليمنية سيتم فقط بالطرق السياسية الممكنة.
هذا هو الجانب النظري من المسألة، أما الجانب الواقعي منها فهو ما يختص بالدور العملي الذي لعبه النظام الجمهوري في الجمهورية العربية اليمنية لتحقيق هذا الهدف.
آخر تعديل بواسطة المتوكل في الجمعة ديسمبر 23, 2005 6:57 pm، تم التعديل مرة واحدة.


-
- مشترك في مجالس آل محمد
- مشاركات: 2274
- اشترك في: الاثنين يناير 05, 2004 10:46 pm
- مكان: صنعاء
- اتصال:
الجمهورية أم الملكية.. وقيمة الحكم بينهما..
الحلقة الأخيرة
واستناداً إلى ما تضمنه دستور الجمهورية العربية اليمنية (1970م) بخصوص رؤيته للوحدة اليمنية، فقد حاول هذا النظام تحقيق هذا الهدف بواسطة حربي (1972) و(1979) عندما شن هاتين الحربين على الجنوب، ولم ينجح. ولكنه نجح في عام 1990م في تحقيق هذا الهدف، وبواسطة الحرب أيضاً. وهذا ما أكدته أحداث حرب صيف 1994م بين الشمال والجنوب.
ولمن تهمه هذه المسألة، فقد بحثناها بالتفصيل في دراسة مطولة غير منشورة بعنوان «الحرب اليمنية الثالثة - الأسباب والنتائج». وسوف اجتزئ من هذه الدراسة بعض الملاحظات الضرورية التي تدعم فكرتنا القائلة: (بأنَّ الوحدة بين الجنوب والشمال في 22 مايو 1990، قد تحققت بواسطة حرب الشمال على الجنوب).
قد لا نختلف بأننا يمنيون من حيث الدم والمشاعر، ولكننا بالتأكيد لم نكن يمنيين موحدين.. ولذلك حاولنا باستمرار توحيد أنفسنا مستخدمين كافة الوسائل بما فيها الوسائل العسكرية.. وكانت آخرها الحروباليمنية الثلاث التي اشتعلت بين «الشمال» و«الجنوب» بعد أن استقر حالنا عند كيانين سياسيين، بدلاً عن دويلات.
إن إعادة قراءة أسباب ومجريات ونتائج الحرب اليمنية الأخيرة، سوف يوصلنا إلى النتائج الهامة التالية:
1- إنَّ «الوحدة الاندماجية» بين الشطرين، إضافة إلى أسباب أخرى، كانت سبباً هاماً ومباشراً لاندلاع الحرب اليمنية الأخيرة، وذلك عندما شعر أحد الجانبين اللذين أقاما هذه الوحدة، بأنَّ أهدافه المتوخاة من هذه «الوحدة» لم تتحقق، بمعنى أن هناك رابحاً وخاسراً من هذه «الوحدة».
2 - إنَّ وجود طرف مستفيد وآخر خاسر من هذه الوحدة، يؤكد بأنَّ هذه الوحدة لم تأخذ المصالح المتكافئة لكلا الطرفين اللذين أقاما هذه الوحدة. وهذا يدل على أنَّ هذه الوحدة كانت ناقصة. أي أنها مشروع وحدة.
3 - لقد وجد أحد الطرفين وهو الجانب الرابح من «الوحدة» نفسه مرغماً للدفاع عن هذه «الوحدة الاندماجية» بكافة الوسائل بما فيها الحرب للإبقاء عليها.
4 - إنَّ المستفيد من إشعال هذه الحرب لم يكن سوى الطرف المستفيد من هذه «الوحدة الاندماجية». وبما أنَّ «الشماليين» هم المستفيدون من هذه الوحدة، فمن المنطقي أنْ يكونوا هم الذين أشعلوا هذه الحرب، والأسباب واضحة.
5- إنَّ العودة إلى مجريات الحرب، وحرص «الشماليين» على نقل المعركة العسكرية إلى المناطق الجنوبية بتلك السرعة، يؤكد بأنهم أي الشماليين، قد تعاملوا بوعي كامل على اعتبار أن هذه الحرب، هي بين الشمال والجنوب.
6 -إنَّ النتائج التي ذكرناها سابقاً، تدل بشكل واضح بان هذه الحرب اليمنية الأخيرة التي اندلعت في 27 إبريل 1994م، لم تكن سوى «الحرب اليمنية الثالثة» وقد بدأ بها «الشطر الشمالي» هذه المرة أيضاً. والحرص على وحدة اليمن هو سبب اندلاعها، كما هي الحال في الحربين السابقتين.
7 - إنَّ الحربين السابقتين قد انتهتا إلى نتيجة واحدة، تتلخص بوجود «لا غالب ولا مغلوب»، أي بالتسويات السياسية بين الشطرين، كما عرفنا من سياق البحث. أما نتيجة الحرب الأخيرة، فقد انتهت بوجود «منتصر ومهزوم»، «انتصار الشمال» و«هزيمة الجنوب».
8 - إن انهيار «الوحدة الاندماجية» بين الشطرين عند أول منعطف، لهو دليل واضح على الخلل الكامن في هذه الوحدة المتبلور في مجموعة الثغرات والنواقص التي ذكرناها في سياق الدراسةالمذكورة، وهو ما جعلنا أن نسمي ما حدث في 22 مايو 1990 «مشروع وحدة» وليس وحدة بالمعنى الحقيقي، أي أنها كانت وحدة لذاتها وليست «وحدة بذاتها». ولأنها كذلك فقد حملت معها بذور انهيارها..
ومع أن فشل «مشروع الوحدة» يعود إلى مجموعة الحقائق الواقعية والموضوعية التي ذكرناها في سياق الدراسة المذكورة، إلاَّ أنَّ ذلك الفشل يرجع أيضاً إلى سبب معرفي، نابع من أنَّ الخطاب السياسي بصدد الوحدة اليمنية، كأي خطاب سياسي عربي معاصر، هو خطاب إشكالي ميتا واقعي (ما ورائي).
الهدف السادس:
احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.
في هذه المسألة، سنقتصر على وضع عدد من الملاحظات السريعة، بهدف إبراز حقيقة تعامل نظام الجمهورية العربية اليمنية في الفترة قيد الدراسة مع القضايا المحددة في هذا الهدف.
* أولاً: التعامل مع هذا الهدف في فترة حكم المشير عبد الله السلال (26 سبتمبر1962 - 5 نوفمبر1967م).
بسبب العلاقة الوطيدة المعروفة، التي كانت تحكم نظام الجمهورية العربية اليمنية في عهد الرئيس السلال، بنظام الحكم في مصر، فمن المؤكد بأنَّ هناك تشابهاً كبيراً بين النظامين في مجموعة المسائل الواردة في هذا الهدف. وبالتالي فإنَّ أي تقييم للتجربة الناصرية في هذا الإطار، سيسحب نفسه على تجربة النظام الجمهوري في عهد الرئيس السلال.
ولأن انقلاب 26 سبتمبر 1962م الذي تولَّد عنه نظام الجمهورية العربية اليمنية، هو نتاج الحرب الباردة بين معسكري الرأسمالية والاشتراكية. ولأن نظام عبد الناصر قد اختار معسكر الاشتراكية، فإن نظام حكم السلال قد اختار هو الآخر الطريق ذاتها، بحكم العلاقة إياها. وبالتالي يمكننا القول، بأنَّ تطبيق هذا الهدف في فترة الحكم هذه، قد خضع بالتأكيد لأيديولوجية النظام السياسي المعني.
ولذلك فإن احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تبدأ من الاعتراف بهذه المواثيق والتوقيع عليها أولاً. وهذا ما لم يتحقق بالكامل، وذلك بسبب تأثير نظام عبد الناصر على نظام حكم السلال، وكذا بسبب انشغاله بالحرب مع الملكيين. أما تطبيق الجزء المتبقي من الهدف، فقد خضع هو الآخر لتأثير الأيديولوجية والقوى المتصارعة في زمن الحرب الباردة، وصراع النظام الجمهوري محلياً وإقليميا. وعلى هذا الأساس، انحاز نظام الحكم في هذه الفترة إلى المعسكر الاشتراكي وحركات التحرر الوطني،ودول عدم الانحياز، وغيرها من تلك المفردات ذات العلاقة بتلك الأيديولوجية. وفي مقابل ذلك فقد عادى وحارب بلا هوادة، معسكر (الإمبريالية وحلفائه الرجعيين). وبالطبع كانت المملكة العربية السعودية في مقدمة أعداء هذا النظام، لأسباب عديدة وفي مقدمتها مساندة المملكة للملكيين ضد النظام الجمهوري.
مما سبق نستخلص أنَّ السياسات الخاصة بالعلاقات الإقليمية والدولية، التي طبقها نظام الحكم في عهد الرئيس السلال، ليست لها علاقة بجوهر عدم الانحياز والحياد الإيجابي، بدليل أن تلك الفترة لم تكن مستقرة على الإطلاق، ولم تتعايش سلمياً مع الداخل أو دول الجوار. وقد سقطت هذه السياسة مع سقوط الجمهورية الأولى (عهد السلال)، بفعل انسحاب الجيش المصري، والمصالحة بين الجمهوريين والملكيين.
* ثانياً: التعامل مع هذا الهدف في فترة حكم القاضي عبد الرحمن الإرياني (5 نوفمبر1967 - 13 يونيو 1974م).
من المعروف بأن سقوط حكم الرئيس السلال (الجمهورية الأولى)، يعني بالأساس سقوط كل الدعائم النظرية والسياسية والأيديولوجية التي قام عليها هذا الحكم، وقامت بدلاً عنه دعائم نظرية وسياسية وأيديولوجية أخرى، تكاد تكون معاكسة تماماً للأولى. وبرزت قوى سياسية جديدة تعبِّر عن جوهر الحكم الجديد.
وفيما يختص بالسياسة الخارجية، فإن الذين كانوا أصدقاء الأمس صاروا تقريباً أعداء نظام حكم القاضي عبد الرحمن الإرياني، والعكس صحيح. فالذين يقفون في المعسكر الاشتراكي صاروا أعداء. وهم فوق ذلك شيوعيون وملحدون، إلخ. وفي الوقت الذي كانت فيه المملكة السعودية توصف بالرجعية والعدو التاريخي للشعب اليمني، صارت شقيقة وصديقة لهذا الشعب. وهكذا هي الحال بالنسبة للعلاقة مع الغرب، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية.
وبذلك نستخلص بأن تطبيق هذا الهدف، لم يكن بأحسن حالٍ مما كان عليه في زمن الجمهورية الأولى، إن لم يكن أسوأ. كما أن جبهات الصراع، قد انتقلت من المناطق الشمالية للجمهورية العربية اليمنية ومناطق التماس مع السعودية،إلى المناطق الوسطى من الجمهورية ومناطق التماس مع جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية.
* ثالثاً: التعامل مع هذا الهدف في فترة حكم الرئيس إبراهيم محمد الحمدي.
مع أننا لسنا هنا بصدد تقييم شامل لفترة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي، لأن ذلك لا يدخل في صلب موضوعنا هذا، إلا أننا سنذهب بعيداً مع الذين يعتقدون أن حركة إبراهيم الحمدي، هي بمثابة حركة تصحيحية لأوضاع سيئة مركبة (سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وغيرها)، كان يعيشها النظام الجمهوري في عهد حكم القاضي الإرياني. ولهذا السبب أطلقوا على فترة حكم الرئيس الحمدي بالجمهورية الثالثة. ولأن حركته رفعت شعارات، ووضعت أهدافاً كبيرة للإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري. وهذا أيضاً لا يهمنا هنا. ولكن ما يهمنا هو ما يخص السياسة الخارجية وتطبيقاتها في فترة حكم الرئيس الحمدي. وفي هذا الاتجاه، وضع الرئيس الحمدي نصب عينيه عدداً من المهمات ذات علاقة بالهدف السادس.
لقد استوعب الرجل بأن هناك علاقة وثيقة بين تحقيق الاستقرار الداخلي والعلاقة مع دول الجوار. وفي هذا الاتجاه استهدف الرئيس الحمدي تصحيح مشكلتين في حكم القاضي الإرياني. الأولى تتحدد بالعلاقة السيئة مع الدولة اليمنية في الجنوب، وانعكاس ذلك على الأوضاع السياسية والأمنية في المناطق الوسطى من الجمهورية العربية اليمنية. وكانت نتيجة ذلك تفجير الحرب الأولى ضد الجنوب (1972م). وقد نجح الحمدي في حل هذه المشكلة. وحصل تقارب كبير بين النظامين في الجنوب والشمال.
أما المشكلة الثانية فتتمثل في حالة الفوضى العارمة التي عاشها عهد القاضي الإرياني. وقد تعددت أسباب تلك الفوضى، بانعدام الثقة بين فرقاء الحكم حينئذٍ، مثل الخلاف بين رئيس المجلس الجمهوري، القاضي الإرياني من جهة وبقية أعضاء المجلس من جهة أخرى، والخلاف بين رئيس المجلس الجمهوري ورئيس مجلس الشورى، الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، والخلاف بين القاضي الإرياني ورئيس مجلس الوزراء، الأستاذ محسن العيني الذي قدم استقالته لصالح القاضي عبد الله الحجري، الذي قدم استقالته هو الآخر بعد ذلك في مارس 1974م.
لقد فسر الكثيرون من المتتبعين لأوضاع الجمهوري العربية اليمنية في تلك الفترة، المتمثلة في تفاقم تلك الخلافات وما نتج عنها من فوضى عامة، إلى الارتباطات المتعددة التي أنشأها كل فريق من فرقاء الحكم وكبار المشائخ بالقوى الخارجية المحيطة بالجمهورية العربية اليمنية، وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية، أو ما كان يطلق عليها بسياسة التدخل السعودي في الجمهورية العربية اليمنية. وذلك مفهوم تماماً بعد أن لعبت المملكة دوراً كبيراً في عملية المصالحة بين الجمهوريين من جهة وبعض عناصر الملكيين، وكتعويض عن حالة الصدام مع الجمهورية الأولى في عهد الرئيس السلال (1962 - 1967م).
ولحل هذه المشكلة، رأى الرئيس الحمدي ضرورة حل مشكلة تعدد العلاقات مع المملكة باتجاه توحيد هذه العلاقة، بحيث تكون بين الدولتين ممثلة بالأطر الرسمية.
وعلى النهج ذاته عمل الرئيس الحمدي على خلق علاقات دولية متكافئة مستقلة مع مختلف البلدان والتجمعات الإقليمية والدولية.
ومع أهمية ما قام به الرجل فيما يخص هذا الهدف، إلا أن تعقيدات العملية السياسية في الجمهورية العربية اليمنية، وتداخلاتها وتشابكاتها مع الخارج، كانت أحد الأسباب الهامة التي أودت بحياة الرئيس الحمدي على ذلك النحو الدراماتيكي وغير الأخلاقي، والمتعاكس حتى مع قيم وأعراف القبيلة اليمنية التي يتباهى بها الكثيرون في اليمن.
* رابعاً: التعامل مع هذا الهدف في عهدي الرئيس أحمد حسين الغشمي والقاضي عبد الكريم العرشي.
من المعلوم بأن عهد الرئيس الغشمي بالحكم لم يستمر سوى فترة وجيزة جداً (12 أكتوبر 1977- 24 يونيو 1978م)، وأن القاضي العرشي لم يحكم سوى أيام معدودات (24 يونيو 1978 - 17 يوليو1978م).
ولذلك فإن ملامح هذين العهدين لم تتبلور، ليس فقط في السياسة الخارجية، بل وحتى في السياسة الداخلية. وبالتالي يمكن اعتبار هذه الفترة، هي الفترة الضرورية التي اختارتها القوى المستفيدة من اغتيال الرئيس إبراهيم محمد الحمدي.
التعامل مع هذا الهدف في عهد الرئيس علي عبد الله صالح (17 يوليو1978- 21 مايو1990م).
بغض النظر عن الجهة التي نفذت عملية اغتيال الرئيس الغشمي -لأن ذلك ليس موضوعنا - فمن المؤكد بأن تلك القوى التي تضررت من سياسات الرئيس الحمدي، قد استفادت من تلك الحادثة أو عملت على استغلالها واستثمارها باتجاهات مختلفة. وما يهمنا هنا هو العلاقات مع الخارج، أو ما يختص باتجاهات السياسة الخارجية.
وبعكس الرئيس الحمدي، فقد سلك الرئيس علي عبد الله صالح سلوكاً متطرفاً في العلاقات الخارجية، أكان مع النظام في الجنوب، أو في علاقاته الإقليمية والدولية.
فيما يخص العلاقة مع الجنوب، فقد عمل علي عبد الله صالح على توتير الأجواء السياسية مع عدن، بدءا من اتهام الحكام الجنوبيين بتدبير حادثة الاغتيال. حتى وإن استند ذلك على التكهنات والتخمينات، وليس على الأدلة والبراهين المحققة.
وقد استغل النظام في الشمال حادثة اغتيال الغشمي، باتجاه عزل النظام في الجنوب بواسطة نتائج اجتماع مجلس الجامعة العربية (1-2 يونيو 1978م) الذي حضره مندوبو بعض الدول العربية المتعاطفة مع النظام في شمال اليمن، وتغيبت عنه دول أخرى متعاطفة مع الجنوب. وقد اتخذ هذا الاجتماع قراراً أدان فيه حكومة الجنوب وحملها جريمة اغتيال الرئيس الغشمي. ومن المؤكد بأن ذلك يعبِّر عن موقف سياسي صرف. كما انطوى القرار على قطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة عدن، ووقف المعونات والمساعدات الاقتصادية معها. وقد لعبت السعودية دوراً كبيراً في مساندة حكومة الشمال في موقفها ذاك.
وفي الاتجاه نفسه،أخذت حكومة الشمال في تصعيد مواقفها ضد الجنوب باتجاهات مختلفة. حيث عملت على تجميع وحشد العناصر الجنوبية المناوئة لنظام عدن، وتعبئتها عسكرياً بهدف إسقاط النظام هناك. كما تم تشكيل حكومة منفى للجنوب. كما تم تنشيط العمل الإعلامي والإيديولوجي ضد نظام عدن. واتهم بالشيوعية ونشر الماركسية في المنطقة. كما تم إنشاء إذاعة موجهة ضد الجنوب باسم (صوت الجنوب الحر).
وفيما يخص العلاقة مع المحيط الإقليمي، فقد وطد نظام صنعاء علاقاته مع المملكة السعودية. حيث أبرمت حكومة صنعاء اتفاقاً عسكرياً، لشراء أسلحة حديثة من الولايات المتحدة بقيمة (390) مليون دولاراً بتمويل من السعودية. وقد حُدد تسليم هذه الأسلحة في أوائل عام 1979م. وهو ما يؤكد علاقة هذه الصفقة بشن الحرب على الجنوب في فبراير من العام نفسه، بهدف إسقاط الحكم في الجنوب.
كما استغل نظام صنعاء حادثة اغتيال الرئيس الغشمي، لشق صف التضامن العربي. حيث انقسمت الدول العربية بين مؤيد ومعارض لنظامي الحكم في اليمن.
كما ذهب نظام علي عبد الله صالح بعيداً في شططه، عندما أعلن مشاركته في الحرب العالمية ضد الشيوعية العالمية. وفتح معسكرات لتجنيد الشباب اليمني للحرب في أفغانستان ضد الجيش السوفيتي هناك. وفي ذلك فقد أعلن الولاء للغرب بشكلٍ عام، وأمريكا بشكلٍ خاص. ومعروف بأن الحرب الأفغانية، كانت أساساً حرباً بالوكالة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي 22 مايو 1990م كنا نأمل أن نتجاوز ذلك الإرث السيئ الذي خلفه النظامان الاستبداديان الشموليان في الشمال والجنوب في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلاَّ أنَّ ذلك الحلم قد تبدد كلياً عندما شن الشمال الحرب ضد الجنوب في صيف 1994م. وقد عدنا بذلك إلى مربع نظام (الجمهورية العربية اليمنية) بكلِّ مساوئه التي تعرفنا عليها في سياق دراستنا هذه. كما أعدَّ الباحث دراسة أخرى مطولة بعنوان «جوهر النظام السياسي في الجمهورية اليمنية»، درسنا فيها ملامح النظام السياسي الناتج عن حرب 1994م، كما بينَّا فيها أكذوبة وجود نظام ديمقراطي أو حتى هامش ديمقراطي في اليمن.
ولمتطلبات هذه الدراسة التي بين أيدينا، لا بد من التذكير سريعاً بأهم خصائص النظام السياسي الراهن، المتمثلة في الآتي:
1- نظام سياسي يفتقر إلى الوحدة الوطنية في أبسط درجاتها. حيث تم إخراج الجنوب من تكوين دولة الوحدة، وتم تهميش الجنوبيين وانتقصت مواطنتهم، وصار الجنوب من أقصاه إلى أقصاه ساحة للنهب.
2- استمرار الحكم الشمولي في اليمن. حيث نجد أن علي عبد الله صالح ما زال ممسكاً بدفة الحكم كرئيس للجمهورية منذ 17 يوليو 1978م (الجمهورية العربية اليمنية) حتى اللحظة 2005م (الجمهورية اليمنية)، أي نحو 27 عاماً. وهو ثاني أطول رئيس دولة في الحكم بعد العقيد معمر القذافي. وفوق ذلك كله فالمؤشرات كلها تأكد أن علي عبد الله صالح يمهد لتوريث الحكم لإبنه. أي تحويل نظام الحكم الجمهوري إلى نظام ملكي. ولا تهم التسمية.
3- تم تحويل مؤسسة الدولة وما تحويها من مرتكزات سياسية واقتصادية إلى مِلكية شخصية للحاكم وأسرته.
4- غياب فاعلية المؤسسات العامة للدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية وعدم وجود استقلالية فيما بينها، وذلك بسبب استحواذ رئيس الدولة على معظم مهامها وصلاحياتها واختصاصاتها. فرئيس الدولة ينافس السلطة التشريعية مهامها واختصاصاتها، وفوق ذلك يستطيع أنْ يعطِّـل نشاطها بحكم الدستور. ورئيس الدولة هو مَنْ يختار رئيس الحكومة ويعين أعضاء الحكومة. وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى وهو الذي يصادق على أحكام الإعدام. وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس مجلس الأمن القومي. وقبل ذلك وبعده، فإن رئيس الدولة قد مُنح مهاماً وصلاحيات واختصاصات تنفيذية واسعة بحكم التعديلات الواسعة التي مست دستور دولة الوحدة بعد حرب 1994م. وما خُفي كان أعظم.
5- لدينا مؤسسات عسكرية وأمنية واستخباراتية متنوعة بدون وظيفة دفاعية، خاصة وأنَّ النظام السياسي قد أمَّنَ نفسه كلياً من الأخطار الخارجية. وبالتالي فقد تحولت كلُّ هذه المؤسسات المذكورة إلى عبء ثقيل على كاهل الشعب، وتحولت إلى عامل استنزاف لميزانية الدولة بشكل خاص، والاقتصاد الوطني بشكلٍ عام.
6- برغم الثروات الكبيرة والمتنوعة التي تمتلكها اليمن (طبيعية وزراعية وسياحية وغيرها)، ناهيك عـن المقومات البشرية المتوافرة، إلا أنَّ ذلك لم ينعكس إيجابيا على الشعب. وهذا ما تبين لنا جلياً من خلال تلك المؤشرات التي تضمنتها هذه الدراسة.
الخلاصة
* إذا كانت حالة النظام الجمهوري اليوم، هي على هذا المستوى من النكوص: فشل في سياسات التنمية، وزيادة في معدلات الفقر والفقراء، وارتفاع في البطالة، وضعف كبير في التنمية البشرية!!
* وإذا كانت حالة تحقيق الأهداف الستة للثورة والنظام الجمهوري على هذا المستوى من النكوص والفشل بعد مرور 43 عاماً!!
* وإذا كان الشعب اليمني طوال الفترة المذكورة، لم يتمكن من حكم نفسه بنفسه!!
* وإذا كنا لم نرَ من النظام الجمهوري سوى شكله الخارجي فقط!!
* وإذا كان النظام الجمهوري، وبعد 43 عاماً لم يستطع أن يحقق تلك المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التي حققتها بلدان الجوار، ولو في حدها الأدنى!!
* وإذا كان النظام الجمهوري، هو على هذا النحو والمستوى من السوء! فلماذا يحرص القائمون على النظام السياسي في بلادنا على التمسك بالشكل الجمهوري للحكم والإطراء عليه والدفاع عنه باستماتة من ناحية، ولعن الشكل الملكي(الإمامي)، وإضفاء مختلف الألفاظ السيئة عليه؟؟
وإذا عدنا مرة أخرى إلى ثنايا دراستنا هذه، ورصدنا كلَّ ما حصده هؤلاء القائمون على النظام السياسي الراهن: من سلطة ومكاسب ومزايا وثروة هائلة من أموال سائلة وعقارات في داخل البلاد وخارجها. عندها فقط سندرك جيداً الإجابة على سؤالنا الذي افتتحنا به هذه الدراسة.
حرب 94 أعادتنا الى مربع الجمهورية العربية اليمنية بكل مساوئه..
النظام السياسي الراهن يفتقر الى الوحدة الوطنية..
الحلقة الأخيرة
واستناداً إلى ما تضمنه دستور الجمهورية العربية اليمنية (1970م) بخصوص رؤيته للوحدة اليمنية، فقد حاول هذا النظام تحقيق هذا الهدف بواسطة حربي (1972) و(1979) عندما شن هاتين الحربين على الجنوب، ولم ينجح. ولكنه نجح في عام 1990م في تحقيق هذا الهدف، وبواسطة الحرب أيضاً. وهذا ما أكدته أحداث حرب صيف 1994م بين الشمال والجنوب.
ولمن تهمه هذه المسألة، فقد بحثناها بالتفصيل في دراسة مطولة غير منشورة بعنوان «الحرب اليمنية الثالثة - الأسباب والنتائج». وسوف اجتزئ من هذه الدراسة بعض الملاحظات الضرورية التي تدعم فكرتنا القائلة: (بأنَّ الوحدة بين الجنوب والشمال في 22 مايو 1990، قد تحققت بواسطة حرب الشمال على الجنوب).
قد لا نختلف بأننا يمنيون من حيث الدم والمشاعر، ولكننا بالتأكيد لم نكن يمنيين موحدين.. ولذلك حاولنا باستمرار توحيد أنفسنا مستخدمين كافة الوسائل بما فيها الوسائل العسكرية.. وكانت آخرها الحروباليمنية الثلاث التي اشتعلت بين «الشمال» و«الجنوب» بعد أن استقر حالنا عند كيانين سياسيين، بدلاً عن دويلات.
إن إعادة قراءة أسباب ومجريات ونتائج الحرب اليمنية الأخيرة، سوف يوصلنا إلى النتائج الهامة التالية:
1- إنَّ «الوحدة الاندماجية» بين الشطرين، إضافة إلى أسباب أخرى، كانت سبباً هاماً ومباشراً لاندلاع الحرب اليمنية الأخيرة، وذلك عندما شعر أحد الجانبين اللذين أقاما هذه الوحدة، بأنَّ أهدافه المتوخاة من هذه «الوحدة» لم تتحقق، بمعنى أن هناك رابحاً وخاسراً من هذه «الوحدة».
2 - إنَّ وجود طرف مستفيد وآخر خاسر من هذه الوحدة، يؤكد بأنَّ هذه الوحدة لم تأخذ المصالح المتكافئة لكلا الطرفين اللذين أقاما هذه الوحدة. وهذا يدل على أنَّ هذه الوحدة كانت ناقصة. أي أنها مشروع وحدة.
3 - لقد وجد أحد الطرفين وهو الجانب الرابح من «الوحدة» نفسه مرغماً للدفاع عن هذه «الوحدة الاندماجية» بكافة الوسائل بما فيها الحرب للإبقاء عليها.
4 - إنَّ المستفيد من إشعال هذه الحرب لم يكن سوى الطرف المستفيد من هذه «الوحدة الاندماجية». وبما أنَّ «الشماليين» هم المستفيدون من هذه الوحدة، فمن المنطقي أنْ يكونوا هم الذين أشعلوا هذه الحرب، والأسباب واضحة.
5- إنَّ العودة إلى مجريات الحرب، وحرص «الشماليين» على نقل المعركة العسكرية إلى المناطق الجنوبية بتلك السرعة، يؤكد بأنهم أي الشماليين، قد تعاملوا بوعي كامل على اعتبار أن هذه الحرب، هي بين الشمال والجنوب.
6 -إنَّ النتائج التي ذكرناها سابقاً، تدل بشكل واضح بان هذه الحرب اليمنية الأخيرة التي اندلعت في 27 إبريل 1994م، لم تكن سوى «الحرب اليمنية الثالثة» وقد بدأ بها «الشطر الشمالي» هذه المرة أيضاً. والحرص على وحدة اليمن هو سبب اندلاعها، كما هي الحال في الحربين السابقتين.
7 - إنَّ الحربين السابقتين قد انتهتا إلى نتيجة واحدة، تتلخص بوجود «لا غالب ولا مغلوب»، أي بالتسويات السياسية بين الشطرين، كما عرفنا من سياق البحث. أما نتيجة الحرب الأخيرة، فقد انتهت بوجود «منتصر ومهزوم»، «انتصار الشمال» و«هزيمة الجنوب».
8 - إن انهيار «الوحدة الاندماجية» بين الشطرين عند أول منعطف، لهو دليل واضح على الخلل الكامن في هذه الوحدة المتبلور في مجموعة الثغرات والنواقص التي ذكرناها في سياق الدراسةالمذكورة، وهو ما جعلنا أن نسمي ما حدث في 22 مايو 1990 «مشروع وحدة» وليس وحدة بالمعنى الحقيقي، أي أنها كانت وحدة لذاتها وليست «وحدة بذاتها». ولأنها كذلك فقد حملت معها بذور انهيارها..
ومع أن فشل «مشروع الوحدة» يعود إلى مجموعة الحقائق الواقعية والموضوعية التي ذكرناها في سياق الدراسة المذكورة، إلاَّ أنَّ ذلك الفشل يرجع أيضاً إلى سبب معرفي، نابع من أنَّ الخطاب السياسي بصدد الوحدة اليمنية، كأي خطاب سياسي عربي معاصر، هو خطاب إشكالي ميتا واقعي (ما ورائي).
الهدف السادس:
احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز، والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم.
في هذه المسألة، سنقتصر على وضع عدد من الملاحظات السريعة، بهدف إبراز حقيقة تعامل نظام الجمهورية العربية اليمنية في الفترة قيد الدراسة مع القضايا المحددة في هذا الهدف.
* أولاً: التعامل مع هذا الهدف في فترة حكم المشير عبد الله السلال (26 سبتمبر1962 - 5 نوفمبر1967م).
بسبب العلاقة الوطيدة المعروفة، التي كانت تحكم نظام الجمهورية العربية اليمنية في عهد الرئيس السلال، بنظام الحكم في مصر، فمن المؤكد بأنَّ هناك تشابهاً كبيراً بين النظامين في مجموعة المسائل الواردة في هذا الهدف. وبالتالي فإنَّ أي تقييم للتجربة الناصرية في هذا الإطار، سيسحب نفسه على تجربة النظام الجمهوري في عهد الرئيس السلال.
ولأن انقلاب 26 سبتمبر 1962م الذي تولَّد عنه نظام الجمهورية العربية اليمنية، هو نتاج الحرب الباردة بين معسكري الرأسمالية والاشتراكية. ولأن نظام عبد الناصر قد اختار معسكر الاشتراكية، فإن نظام حكم السلال قد اختار هو الآخر الطريق ذاتها، بحكم العلاقة إياها. وبالتالي يمكننا القول، بأنَّ تطبيق هذا الهدف في فترة الحكم هذه، قد خضع بالتأكيد لأيديولوجية النظام السياسي المعني.
ولذلك فإن احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، تبدأ من الاعتراف بهذه المواثيق والتوقيع عليها أولاً. وهذا ما لم يتحقق بالكامل، وذلك بسبب تأثير نظام عبد الناصر على نظام حكم السلال، وكذا بسبب انشغاله بالحرب مع الملكيين. أما تطبيق الجزء المتبقي من الهدف، فقد خضع هو الآخر لتأثير الأيديولوجية والقوى المتصارعة في زمن الحرب الباردة، وصراع النظام الجمهوري محلياً وإقليميا. وعلى هذا الأساس، انحاز نظام الحكم في هذه الفترة إلى المعسكر الاشتراكي وحركات التحرر الوطني،ودول عدم الانحياز، وغيرها من تلك المفردات ذات العلاقة بتلك الأيديولوجية. وفي مقابل ذلك فقد عادى وحارب بلا هوادة، معسكر (الإمبريالية وحلفائه الرجعيين). وبالطبع كانت المملكة العربية السعودية في مقدمة أعداء هذا النظام، لأسباب عديدة وفي مقدمتها مساندة المملكة للملكيين ضد النظام الجمهوري.
مما سبق نستخلص أنَّ السياسات الخاصة بالعلاقات الإقليمية والدولية، التي طبقها نظام الحكم في عهد الرئيس السلال، ليست لها علاقة بجوهر عدم الانحياز والحياد الإيجابي، بدليل أن تلك الفترة لم تكن مستقرة على الإطلاق، ولم تتعايش سلمياً مع الداخل أو دول الجوار. وقد سقطت هذه السياسة مع سقوط الجمهورية الأولى (عهد السلال)، بفعل انسحاب الجيش المصري، والمصالحة بين الجمهوريين والملكيين.
* ثانياً: التعامل مع هذا الهدف في فترة حكم القاضي عبد الرحمن الإرياني (5 نوفمبر1967 - 13 يونيو 1974م).
من المعروف بأن سقوط حكم الرئيس السلال (الجمهورية الأولى)، يعني بالأساس سقوط كل الدعائم النظرية والسياسية والأيديولوجية التي قام عليها هذا الحكم، وقامت بدلاً عنه دعائم نظرية وسياسية وأيديولوجية أخرى، تكاد تكون معاكسة تماماً للأولى. وبرزت قوى سياسية جديدة تعبِّر عن جوهر الحكم الجديد.
وفيما يختص بالسياسة الخارجية، فإن الذين كانوا أصدقاء الأمس صاروا تقريباً أعداء نظام حكم القاضي عبد الرحمن الإرياني، والعكس صحيح. فالذين يقفون في المعسكر الاشتراكي صاروا أعداء. وهم فوق ذلك شيوعيون وملحدون، إلخ. وفي الوقت الذي كانت فيه المملكة السعودية توصف بالرجعية والعدو التاريخي للشعب اليمني، صارت شقيقة وصديقة لهذا الشعب. وهكذا هي الحال بالنسبة للعلاقة مع الغرب، وفي المقدمة الولايات المتحدة الأمريكية.
وبذلك نستخلص بأن تطبيق هذا الهدف، لم يكن بأحسن حالٍ مما كان عليه في زمن الجمهورية الأولى، إن لم يكن أسوأ. كما أن جبهات الصراع، قد انتقلت من المناطق الشمالية للجمهورية العربية اليمنية ومناطق التماس مع السعودية،إلى المناطق الوسطى من الجمهورية ومناطق التماس مع جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية.
* ثالثاً: التعامل مع هذا الهدف في فترة حكم الرئيس إبراهيم محمد الحمدي.
مع أننا لسنا هنا بصدد تقييم شامل لفترة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي، لأن ذلك لا يدخل في صلب موضوعنا هذا، إلا أننا سنذهب بعيداً مع الذين يعتقدون أن حركة إبراهيم الحمدي، هي بمثابة حركة تصحيحية لأوضاع سيئة مركبة (سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية وغيرها)، كان يعيشها النظام الجمهوري في عهد حكم القاضي الإرياني. ولهذا السبب أطلقوا على فترة حكم الرئيس الحمدي بالجمهورية الثالثة. ولأن حركته رفعت شعارات، ووضعت أهدافاً كبيرة للإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري. وهذا أيضاً لا يهمنا هنا. ولكن ما يهمنا هو ما يخص السياسة الخارجية وتطبيقاتها في فترة حكم الرئيس الحمدي. وفي هذا الاتجاه، وضع الرئيس الحمدي نصب عينيه عدداً من المهمات ذات علاقة بالهدف السادس.
لقد استوعب الرجل بأن هناك علاقة وثيقة بين تحقيق الاستقرار الداخلي والعلاقة مع دول الجوار. وفي هذا الاتجاه استهدف الرئيس الحمدي تصحيح مشكلتين في حكم القاضي الإرياني. الأولى تتحدد بالعلاقة السيئة مع الدولة اليمنية في الجنوب، وانعكاس ذلك على الأوضاع السياسية والأمنية في المناطق الوسطى من الجمهورية العربية اليمنية. وكانت نتيجة ذلك تفجير الحرب الأولى ضد الجنوب (1972م). وقد نجح الحمدي في حل هذه المشكلة. وحصل تقارب كبير بين النظامين في الجنوب والشمال.
أما المشكلة الثانية فتتمثل في حالة الفوضى العارمة التي عاشها عهد القاضي الإرياني. وقد تعددت أسباب تلك الفوضى، بانعدام الثقة بين فرقاء الحكم حينئذٍ، مثل الخلاف بين رئيس المجلس الجمهوري، القاضي الإرياني من جهة وبقية أعضاء المجلس من جهة أخرى، والخلاف بين رئيس المجلس الجمهوري ورئيس مجلس الشورى، الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، والخلاف بين القاضي الإرياني ورئيس مجلس الوزراء، الأستاذ محسن العيني الذي قدم استقالته لصالح القاضي عبد الله الحجري، الذي قدم استقالته هو الآخر بعد ذلك في مارس 1974م.
لقد فسر الكثيرون من المتتبعين لأوضاع الجمهوري العربية اليمنية في تلك الفترة، المتمثلة في تفاقم تلك الخلافات وما نتج عنها من فوضى عامة، إلى الارتباطات المتعددة التي أنشأها كل فريق من فرقاء الحكم وكبار المشائخ بالقوى الخارجية المحيطة بالجمهورية العربية اليمنية، وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية، أو ما كان يطلق عليها بسياسة التدخل السعودي في الجمهورية العربية اليمنية. وذلك مفهوم تماماً بعد أن لعبت المملكة دوراً كبيراً في عملية المصالحة بين الجمهوريين من جهة وبعض عناصر الملكيين، وكتعويض عن حالة الصدام مع الجمهورية الأولى في عهد الرئيس السلال (1962 - 1967م).
ولحل هذه المشكلة، رأى الرئيس الحمدي ضرورة حل مشكلة تعدد العلاقات مع المملكة باتجاه توحيد هذه العلاقة، بحيث تكون بين الدولتين ممثلة بالأطر الرسمية.
وعلى النهج ذاته عمل الرئيس الحمدي على خلق علاقات دولية متكافئة مستقلة مع مختلف البلدان والتجمعات الإقليمية والدولية.
ومع أهمية ما قام به الرجل فيما يخص هذا الهدف، إلا أن تعقيدات العملية السياسية في الجمهورية العربية اليمنية، وتداخلاتها وتشابكاتها مع الخارج، كانت أحد الأسباب الهامة التي أودت بحياة الرئيس الحمدي على ذلك النحو الدراماتيكي وغير الأخلاقي، والمتعاكس حتى مع قيم وأعراف القبيلة اليمنية التي يتباهى بها الكثيرون في اليمن.
* رابعاً: التعامل مع هذا الهدف في عهدي الرئيس أحمد حسين الغشمي والقاضي عبد الكريم العرشي.
من المعلوم بأن عهد الرئيس الغشمي بالحكم لم يستمر سوى فترة وجيزة جداً (12 أكتوبر 1977- 24 يونيو 1978م)، وأن القاضي العرشي لم يحكم سوى أيام معدودات (24 يونيو 1978 - 17 يوليو1978م).
ولذلك فإن ملامح هذين العهدين لم تتبلور، ليس فقط في السياسة الخارجية، بل وحتى في السياسة الداخلية. وبالتالي يمكن اعتبار هذه الفترة، هي الفترة الضرورية التي اختارتها القوى المستفيدة من اغتيال الرئيس إبراهيم محمد الحمدي.
التعامل مع هذا الهدف في عهد الرئيس علي عبد الله صالح (17 يوليو1978- 21 مايو1990م).
بغض النظر عن الجهة التي نفذت عملية اغتيال الرئيس الغشمي -لأن ذلك ليس موضوعنا - فمن المؤكد بأن تلك القوى التي تضررت من سياسات الرئيس الحمدي، قد استفادت من تلك الحادثة أو عملت على استغلالها واستثمارها باتجاهات مختلفة. وما يهمنا هنا هو العلاقات مع الخارج، أو ما يختص باتجاهات السياسة الخارجية.
وبعكس الرئيس الحمدي، فقد سلك الرئيس علي عبد الله صالح سلوكاً متطرفاً في العلاقات الخارجية، أكان مع النظام في الجنوب، أو في علاقاته الإقليمية والدولية.
فيما يخص العلاقة مع الجنوب، فقد عمل علي عبد الله صالح على توتير الأجواء السياسية مع عدن، بدءا من اتهام الحكام الجنوبيين بتدبير حادثة الاغتيال. حتى وإن استند ذلك على التكهنات والتخمينات، وليس على الأدلة والبراهين المحققة.
وقد استغل النظام في الشمال حادثة اغتيال الغشمي، باتجاه عزل النظام في الجنوب بواسطة نتائج اجتماع مجلس الجامعة العربية (1-2 يونيو 1978م) الذي حضره مندوبو بعض الدول العربية المتعاطفة مع النظام في شمال اليمن، وتغيبت عنه دول أخرى متعاطفة مع الجنوب. وقد اتخذ هذا الاجتماع قراراً أدان فيه حكومة الجنوب وحملها جريمة اغتيال الرئيس الغشمي. ومن المؤكد بأن ذلك يعبِّر عن موقف سياسي صرف. كما انطوى القرار على قطع العلاقات الدبلوماسية مع حكومة عدن، ووقف المعونات والمساعدات الاقتصادية معها. وقد لعبت السعودية دوراً كبيراً في مساندة حكومة الشمال في موقفها ذاك.
وفي الاتجاه نفسه،أخذت حكومة الشمال في تصعيد مواقفها ضد الجنوب باتجاهات مختلفة. حيث عملت على تجميع وحشد العناصر الجنوبية المناوئة لنظام عدن، وتعبئتها عسكرياً بهدف إسقاط النظام هناك. كما تم تشكيل حكومة منفى للجنوب. كما تم تنشيط العمل الإعلامي والإيديولوجي ضد نظام عدن. واتهم بالشيوعية ونشر الماركسية في المنطقة. كما تم إنشاء إذاعة موجهة ضد الجنوب باسم (صوت الجنوب الحر).
وفيما يخص العلاقة مع المحيط الإقليمي، فقد وطد نظام صنعاء علاقاته مع المملكة السعودية. حيث أبرمت حكومة صنعاء اتفاقاً عسكرياً، لشراء أسلحة حديثة من الولايات المتحدة بقيمة (390) مليون دولاراً بتمويل من السعودية. وقد حُدد تسليم هذه الأسلحة في أوائل عام 1979م. وهو ما يؤكد علاقة هذه الصفقة بشن الحرب على الجنوب في فبراير من العام نفسه، بهدف إسقاط الحكم في الجنوب.
كما استغل نظام صنعاء حادثة اغتيال الرئيس الغشمي، لشق صف التضامن العربي. حيث انقسمت الدول العربية بين مؤيد ومعارض لنظامي الحكم في اليمن.
كما ذهب نظام علي عبد الله صالح بعيداً في شططه، عندما أعلن مشاركته في الحرب العالمية ضد الشيوعية العالمية. وفتح معسكرات لتجنيد الشباب اليمني للحرب في أفغانستان ضد الجيش السوفيتي هناك. وفي ذلك فقد أعلن الولاء للغرب بشكلٍ عام، وأمريكا بشكلٍ خاص. ومعروف بأن الحرب الأفغانية، كانت أساساً حرباً بالوكالة لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي 22 مايو 1990م كنا نأمل أن نتجاوز ذلك الإرث السيئ الذي خلفه النظامان الاستبداديان الشموليان في الشمال والجنوب في مختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلاَّ أنَّ ذلك الحلم قد تبدد كلياً عندما شن الشمال الحرب ضد الجنوب في صيف 1994م. وقد عدنا بذلك إلى مربع نظام (الجمهورية العربية اليمنية) بكلِّ مساوئه التي تعرفنا عليها في سياق دراستنا هذه. كما أعدَّ الباحث دراسة أخرى مطولة بعنوان «جوهر النظام السياسي في الجمهورية اليمنية»، درسنا فيها ملامح النظام السياسي الناتج عن حرب 1994م، كما بينَّا فيها أكذوبة وجود نظام ديمقراطي أو حتى هامش ديمقراطي في اليمن.
ولمتطلبات هذه الدراسة التي بين أيدينا، لا بد من التذكير سريعاً بأهم خصائص النظام السياسي الراهن، المتمثلة في الآتي:
1- نظام سياسي يفتقر إلى الوحدة الوطنية في أبسط درجاتها. حيث تم إخراج الجنوب من تكوين دولة الوحدة، وتم تهميش الجنوبيين وانتقصت مواطنتهم، وصار الجنوب من أقصاه إلى أقصاه ساحة للنهب.
2- استمرار الحكم الشمولي في اليمن. حيث نجد أن علي عبد الله صالح ما زال ممسكاً بدفة الحكم كرئيس للجمهورية منذ 17 يوليو 1978م (الجمهورية العربية اليمنية) حتى اللحظة 2005م (الجمهورية اليمنية)، أي نحو 27 عاماً. وهو ثاني أطول رئيس دولة في الحكم بعد العقيد معمر القذافي. وفوق ذلك كله فالمؤشرات كلها تأكد أن علي عبد الله صالح يمهد لتوريث الحكم لإبنه. أي تحويل نظام الحكم الجمهوري إلى نظام ملكي. ولا تهم التسمية.
3- تم تحويل مؤسسة الدولة وما تحويها من مرتكزات سياسية واقتصادية إلى مِلكية شخصية للحاكم وأسرته.
4- غياب فاعلية المؤسسات العامة للدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية وعدم وجود استقلالية فيما بينها، وذلك بسبب استحواذ رئيس الدولة على معظم مهامها وصلاحياتها واختصاصاتها. فرئيس الدولة ينافس السلطة التشريعية مهامها واختصاصاتها، وفوق ذلك يستطيع أنْ يعطِّـل نشاطها بحكم الدستور. ورئيس الدولة هو مَنْ يختار رئيس الحكومة ويعين أعضاء الحكومة. وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى وهو الذي يصادق على أحكام الإعدام. وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس مجلس الأمن القومي. وقبل ذلك وبعده، فإن رئيس الدولة قد مُنح مهاماً وصلاحيات واختصاصات تنفيذية واسعة بحكم التعديلات الواسعة التي مست دستور دولة الوحدة بعد حرب 1994م. وما خُفي كان أعظم.
5- لدينا مؤسسات عسكرية وأمنية واستخباراتية متنوعة بدون وظيفة دفاعية، خاصة وأنَّ النظام السياسي قد أمَّنَ نفسه كلياً من الأخطار الخارجية. وبالتالي فقد تحولت كلُّ هذه المؤسسات المذكورة إلى عبء ثقيل على كاهل الشعب، وتحولت إلى عامل استنزاف لميزانية الدولة بشكل خاص، والاقتصاد الوطني بشكلٍ عام.
6- برغم الثروات الكبيرة والمتنوعة التي تمتلكها اليمن (طبيعية وزراعية وسياحية وغيرها)، ناهيك عـن المقومات البشرية المتوافرة، إلا أنَّ ذلك لم ينعكس إيجابيا على الشعب. وهذا ما تبين لنا جلياً من خلال تلك المؤشرات التي تضمنتها هذه الدراسة.
الخلاصة
* إذا كانت حالة النظام الجمهوري اليوم، هي على هذا المستوى من النكوص: فشل في سياسات التنمية، وزيادة في معدلات الفقر والفقراء، وارتفاع في البطالة، وضعف كبير في التنمية البشرية!!
* وإذا كانت حالة تحقيق الأهداف الستة للثورة والنظام الجمهوري على هذا المستوى من النكوص والفشل بعد مرور 43 عاماً!!
* وإذا كان الشعب اليمني طوال الفترة المذكورة، لم يتمكن من حكم نفسه بنفسه!!
* وإذا كنا لم نرَ من النظام الجمهوري سوى شكله الخارجي فقط!!
* وإذا كان النظام الجمهوري، وبعد 43 عاماً لم يستطع أن يحقق تلك المستويات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية التي حققتها بلدان الجوار، ولو في حدها الأدنى!!
* وإذا كان النظام الجمهوري، هو على هذا النحو والمستوى من السوء! فلماذا يحرص القائمون على النظام السياسي في بلادنا على التمسك بالشكل الجمهوري للحكم والإطراء عليه والدفاع عنه باستماتة من ناحية، ولعن الشكل الملكي(الإمامي)، وإضفاء مختلف الألفاظ السيئة عليه؟؟
وإذا عدنا مرة أخرى إلى ثنايا دراستنا هذه، ورصدنا كلَّ ما حصده هؤلاء القائمون على النظام السياسي الراهن: من سلطة ومكاسب ومزايا وثروة هائلة من أموال سائلة وعقارات في داخل البلاد وخارجها. عندها فقط سندرك جيداً الإجابة على سؤالنا الذي افتتحنا به هذه الدراسة.
حرب 94 أعادتنا الى مربع الجمهورية العربية اليمنية بكل مساوئه..
النظام السياسي الراهن يفتقر الى الوحدة الوطنية..

