موضوع لمن يتطلع للحج أو العمرة

مجلس للمشاركات الأدبية بمختلف أقسامها...
أضف رد جديد
ابن سيف الإسلام
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 34
اشترك في: السبت إبريل 30, 2005 11:09 pm
مكان: الأراضي المقدسة

موضوع لمن يتطلع للحج أو العمرة

مشاركة بواسطة ابن سيف الإسلام »

أدب التشوق للحرمين الشريفين

عندما تنضب بحار التشوق للأجساد ،وتخمد نيران التعلق بالمال ،أو البنين ،أو المرأة ويتضاءل حجم التلذذ ،برؤية طلل عتيق ،أو حجر لامع له بريق ، إنها حالة التخلص من حب الماديات ،
وخفقان الأفئدة بحب أم القرى ،والمقدسات الإسلامية ،واجتياح القلوب
الظامئة فيضان روحي معلناً ساعة تصفو فيها النفوس وترق ،لنستبشر بولادة موضوع
جديد نشأ في قلوب العارفين ،وتربى في الزوايا وحلقات الذكر ،لكنه ترعرع ونما في كل الدنيا وسُمع في أقاصي الأرض
إنه موضوع شنف الأسماع اسمه :
((التشوق للحرمين الشريفين ))
عالم فريد نتناول في الأسطر التالية طرفاً من ملامحه
مما يميز هذا الغرض الشعري أنّه موضوع
راقٍ تشع فيه محبة الدار الآخرة ،ويهفو بالفؤاد للخضوع والعبودية، و يحمل القارئ إلى الاستئناس بالذكر والتفكر .
يكثر في ألفاظه ذكر المواضع المقدسة ( عرفات ، منى ، الخيف ، زمزم ، الحرم ) ،
و تتضح في معانيه وتعابيره الظمأً للسكن في رحاب مكة المكرمة ،والتلذذ بمجاورة البيت العتيق ،ألفاظه ونبراته كلها حنين .
لا يقتصر التأدب في هذا العالم مع أم القرى وحدها ،ولا التشوق لحرمها الطاهر ومشاعرها المقدسة ،بل يضم أيضا التشوق للمنطقة الجغرافية التي حوت المشاعر المقدسة
وهو ما عرف بمنطقة الحجاز
روى أبو القاسم الزجاجي للأشجع السلمي في أماليه قوله :
بأكناف الحجاز هوى دفين يؤرقني إذا هدت العيونُ
أحن إلى الحجاز وساكنيه حنين الإلف فارقه القرين
وأبكي حين ترقد كل عين بكاء بين زفرته أنين
لا بد أن القارئ يشعر بهذا الحب الكبير الذي ملك الأفئدة والقلوب
وامتد ليشمل الظعائن ، حتى مالت عن طريقها إلى العراق ،وتوجهت هائمة نحو الحجاز
قال سراج الدين التاجر الكارمي الإسكندراني ( ت 714هـ)
ما للنياق عن العراق تميل تهوى الحجاز وما إليه سبيلُ
ذكرت لياليها المواضي بالحمى والوجد منها سائق ودليل
واستنشقت عرف الخزام وشاقها ظلٌ بأكناف الغوير ظليل
عجباً لها تهوى النسيم تعللاً بنسيم رامة والنسيم عليل
وإذا كان عنترة العبسي الشاعر الجاهلي قد ودّ ذات يوم تقبيل السيوف ؛لأنها لمعت كبارق ثغر محبوبته عبلة بنت مالك
فهذا بطلنا يستثير لواعج الشوق عنده لمعان البرق من جهة الحجاز
فيقول :
إذا لمعت نحو الحجاز سحابةٌ دعا الشّوق منّي برقها المتيامن
وما أشخصتنا رغبة عن بلادنا ولكنّه ما قدّر الله كائن
إنه الأمل الكبير، والحب الفريد الذي اختص به الله أرض الحجاز
وما ألطف قول محمد بن جابر الأندلسي ( ت 776هـ )وهو يشبه الحادي بالساقي الذي يسقيه كأس السرى :
يا أيها الحادي اسقني كأس السرى نحو الحبيب ومهجتي للساقي
حي العراق على النوى واحمل إلى أهل الحجاز رسائل العشاق
ومن ما يميز هذا الغرض الشعري بعده عن المصالح الدنيوية المباشرة
فلا صلة بين الأمراء وصاحب هذا الأدب ،ولا تقرب بين صاحبها وبين الخلفاء والوزراء
إنه موضوع حمل في طياته معان راقية ،وبين جنباته تطلعات سامية ،
دافعه مشروع ومبرر حتى قال شاعرهم :
طال شوقي إلى بقاعٍ ثلاثٍ لا تشدّ الرّحال إلاّ إليها
إن للنّفس في سماء الأماني طائراً لا يحوم إلاّ عليها
قصّ منه الجناح فهو مهيضٌ كلّ يومٍ يرجو الوقوع لديها
هذا الأدب يحتل الأنفس ،ويستغرق القلوب حتى أنه لم يقتصر التعبير فيه بتفضيل منطقة الحجاز على سائر الأرض بسبب وجود المشاعر المقدسة بها بل امتد ذلك التفضيل حتى شمل تفضيل المشرق على المغرب .
قال ابن جبير الكناني ( ت 614هـ ) :
لا يستوي شرق البلاد وغربها الشرق حاز الفضل باستحقاقِ
أنظر إلى جمال الشمس عند طلوعها زهراء تعجب بهجة الإشراقِ
وانظر إليها في الغروب كئيبة صفراء تعقب ظلمة الآفاقِ
وكفى بيوم طلوعها من غربها أن تؤذن الدنيا بعزم فراقِ
وإذا كانت مشاعر التقدير والإعزاز قد تناولت المكان الذي حوى هذه القدسية
فمن باب أولى أن يصل الحب والاحترام والتقدير إلى
غبطة سكان مكة لمجاورتهم البيت العتيق واحترامهم باعتبارهم قد حازوا الشرف الأعلى والمقام الأسنى بسكنهم في هذا المكان المقدس .قال ابن فضل الله المحبي ت 1061هـ:
كفى شَرفاً قُطْراً به أهلُ مكةٍ على جسَدِ المجدِ الموثَّلِ رَاسُ
وما الناسُ إلاَّ هُمْ وليس سواهُمُ إذا قال ربُّ الناسِ يا أيها النَّاسُ
و من جوانب هذا الأدب وملامحه.
المتعة والاستئناس بما حوته المشاعر المقدسة
أن التغزل بمنظر البيت العتيق بجلال كسوة الكعبة الشريفة ،وما تهبه للعيون من راحة ،وبما تمنحه للقلوب من صفاء وسكون ؛مما يثري هذا المقام ،والقارئ في هذا الباب يجد كثيرا من الأشعار والأبيات التي تصف نشوة اللقاء بالبيت العتيق والحرم المقدس .
قال الشاعر :
يروق لي منظر البيت العتيق إذا بدا لطرفي في الإصباح والطَّفَلِ
كأن حلته السوداء قد نسجت من حبة القلب أو من أسود المقلِ
انه شعور بالسعادة الغامرة ،وفرحة لا توصف ببلوغ المنى وتحقيق الأمل ،وهذا شاعرهم يترجم مشاعره الفياضة بالسعادة بالسكنى بمكة المكرمة ،فيقول :
بمكة قد طابت مجاورتي فيا ألهي فاجعلها مدى العمر سرمدا
فأنت الذي أحللتني ساحة الهوى وعودت قلبي عادة فتعودا
ويلاحظ القارئ أن شطر البيت الأول اعتراف بلذيذ المجاورة ،وعجزه أمنية بدوامها
والبيت الثاني خصص كله لطرح حيثيات هذه الأمنية الغالية أملاً في الدوام ورجاء في القبول
ولعلي بن محمد الحندودي ت 707هـ أبيات جميلة على غرار الموشحات الأندلسية
نم لسر الكلف المتيم صبيب دمع بدم منسجم
فإن رأت عيناك عين الحرم سل عندمي الوجنتين عن دمي
واستفت معسول اللما عن ألمي
كم عبرة يوم النوى أفضتها ودمعة من مقلتي أسلتها
وزفرة من أضلعي أشعلتها من ناشدي عن كبد أضللتها
بالعصب ما بين الصفا وزمزم
الهوى الذي يفيض في ثنايا هذا الشعر يشعر به القارئ، ويحسه السامع ،وهو يتدفق صدقا
إنه الهوى الذي يكتنفنا ويحتلنا ، ونحن نشتم رائحة الصدق تفوح منه ،
حتى كأننا بقائل يهتف حين يستمع إليه : (حقا إنّ أعذب الشعر أصدقه )
من فيض الرحلة إلى الحرمين :
ولعل لاستنفار المطايا للرحيل باتجاه مكة المكرمة والمدينة المنورة ،وهيجان الأشواق نحو هذا المكان المقدس ما جعل أفضل مقصد لهم هو بلوغ أرض الحجاز ومنتهى أملهم هو زيارة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم يقول ابن جبير الكناني ( ت 614هـ ) :
إذا بلغ العبد أرض الحجاز فقد نال أفضل ما أمّ له
فإن زار قبر نبيّ الهدى فقد أكمل الله ما أمّله
ومن بدائع ما ترويه المصادر في رحلة الحج تلك القصيدة التي أنشأها
احمد بن حمزة بن علي بن الحسين السكسكي ( ت 684هـ )
قال الجندي تزيد على سبعين بيتاً ،وقد وصف فيها رحلته للحج من قريته ( الذّكرة ) في اليمن إلى مكة المشرفة وعدّد فيها أسماء المحلات التي ينزل بها الحاج
ذكر منها :
هل شِمْتَ برقا بالشآم الغاربِ متململا مثل اختلاجِ الحاجبِ
لما سرى طار الكرى من مقلتي وأثار شوقاً كامنا بجوانبي
وذكرت مكةَ والنبي بيثربٍ فرفضت أولادي وعفت مكاسبي
وتركت بالأجناد ربعاً آهلاً واعتضت منه ببطن خبتٍ لاجبِ
وشققت برد الليل أسودَ حالكا بمباسم وطوالع وغوارب
ولعل تلك الأشواق التي تثور عندما يبدأ التهيؤ للحج ،وتبدأ الظعائن في الاستعداد للرحيل
،ويصل الشاعر لحالة تدفعه للحيرة حينا ،وللبكاء حينا مع تذكره معالم مكة المكرمة ،ويوم النفر، والمبيت بمنى فيقول :
يا حيرتي بين الحجون إلى الصفا شوقي إليكم مجمل ومفصلُ
أهوى دياركم ولي بربوعها وجد يثبطني وعهد أول
ويزيدني فيها العذول صبابة فيظل يغريني إذا ما يعدل
ويقول لي لو قد تبدلت الهوى فأقول قد عز العزاة تبدلُ
بالله قل لي كيف يحسن سلوتي عنها وحسن تصبري هل يجمُلُ
هل في البلاد محلة معروفة مثل المعرف أو محل تحلل
أم في الزمان كليلة النفر التي فيها من الله العوارف تجزل
أم مثل أيام تقضت في منى عمر الزمان بها أغر محجل
في جنب مجتمع الرفاق ومنـزع الأشواق حياها السحاب المسبل
التهنئة بالحج والزيارة
وما أكثر المهنئين بأداء هذه الفريضة ،واكتحال الطرف برؤية المشاعر ،وزيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
ومن التهاني التي أعجبتني تهنئة الصلاح الصفدي للسلطان الملك الناصر محمد بعودته من الحجاز يقول فيها :
قطعت الفيافي نحو مكة محرما ولم تتخذ إلا التقى والفلا منجا
وجردت من ثوب مخيط ولم تزل برود الندى والبأس تحكمها نسجا
ولبيت لباك الإله لأنه رأى خير من لبى بركبك أو عجا
وطفت ببيت لم تر الباب مرتجاً متى جئته تدعو ولا الركن مرتجا
هذه بعض ملامح هذا الأدب ،ونتصور أنّنا قد طرقنا باباً واسعاً لذّ للباحثين والدارسين والمختصين بدراسة هذا الأدب ،وزادهم إصرارا على الغوص فيه ،واستخراج كنوزه ودفائنه ،وإمتاع القراء به .

وكتبه : د. نصّار
المدينة المنورة
وهبني قلت إن الصبح ليل
أيعمى العالمون عن الضياء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأدب“