لامناص من الاعتراف بالتعددية

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
الشريف العربي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 310
اشترك في: الخميس إبريل 21, 2005 12:54 pm
مكان: جزر القمر
اتصال:

لامناص من الاعتراف بالتعددية

مشاركة بواسطة الشريف العربي »

لامناص من الاعتراف بالتعددية

يوسف أبا الخيل
تتحدث التقارير القادمة من رومانيا بأن معدل بناء الكنائس في ذلك البلد الخارج لتوه من جحيم الاستبداد الشيوعي يبلغ بناء كنيسة كل ثلاثة أيام، أي بمعدل يبلغ بناء عشر كنائس شهرياً، وهو رقم كبير بكل المقاييس، خاصة في بلد ظل نظامه السياسي يحارب كافة الأديان لعقود طويلة باعتبارها أفيون الشعوب.
إذا تذكرنا أن النظام الشيوعي الذي كان يحكم رومانيا بزعامة الديكتاتور «تشاوشيسكو» سقط بضربة شعبية قاضية عام 1989م، أي منذ ستة عشر عاماً وأن عدد الكنائس في أنحاء البلاد قد بلغ حتى الآن وفقاً لتلك التقارير ألفي كنيسة، مع وجود نحو ألف كنيسة قيد الإنشاء حالياً، أدركنا كم هو السباق محموم الآن بين فئات الشعب الروماني لإنشاء دور العبادة التي ظل محروماً من بنائها ومن ارتيادها طوال العهد الشيوعي البائد، مما يؤدي إلى التساؤل المغلف بالدهشة عن السر وراء ذلك السباق المحموم؟
في تقديري فمثل هذا الحدث ليس فيه سرٌ أو مفاجأة، بقدر ما أن الأمر لا يعدو كونه إعادة لمعطيات قانون اجتماعي ظلت محطات التاريخ تلقي به على أعين الناس لعلهم يشهدون، مفادها أن الأحادية المفروضة بالقوة سواء أكانت فرض معتقد معين أو مذهب بعينه أو منع الناس من ممارسة ما يعتقدون صحته مما يدخل في علاقة الإنسان بربه، لا يمكن أن يمحى أثرها من النفوس، كما لا يمكن أن يزيل أهميتها من الوجدان، بل على العكس من ذلك تماماً، فسيؤدي الأمر إلى معكوس ما أريد منها، وذلك بأن تفضي إلى قيام من اضطهدوا بسبب دينهم أو معتقدهم أو مذهبهم بالتماهي الوجداني معه والعض عليه بالنواجذ باعتبار أن مطاردته والتضييق عليه دليل ناصع على أن الحق كامن فيه وحده باعتباره طريق الخلاص الوحيد.
ولذا فسيظهر على شكل هوس محموم متى ما أزيح عن طريقه المنع والتضييق، وها هو الدليل يأتي من أعتى البلاد الشيوعية في العالم، ذلك البلد الذي كان مجرد القبض فيه على المواطن وهو يؤدي أية شعائر دينية يعني أنه قد أسلم روحه إلى بارئها من تلك اللحظة التي ضُبط فيها بالجرم الديني المشهود، بمباركة رسمية من النظام الذي كان يتطلع إلى محو أية شعائر أو معتقدات دينية من نفوس الشعب، فإذا تلك النفوس لم تكتف فقط بالتدين الشعبي البسيط، بل تعدته إلى سباق محموم نحو بلوغ أعلى المعدلات العالمية في إنشاء دور العبادة.
وبالتزامن مع ذلك المشهد الروماني العجيب، عرض التاريخ مشهداً آخر من ذلك القانون المجرب، تمثل بقيام نحو مليوني عراقي بالسير في لحظة واحدة على جسر الأئمة ببغداد وصولاً إلى مرقد الإمام الكاظم، رغم أن النظام البعثي الصدامي قد منع مثل تلك التظاهرات الدينية لما يقارب من خمسين سنة مضت لم تزد أولئك القوم إلا تمسكاً بما يعتقدون، إذ إن المعتقدات بطبيعتها تسكن الوجدان والقلب.
وبالتالي فستكون العلاقة عكسية بين الاضطهاد الديني وبين قوة درجة تمسك الناس المضطهدين بالدين أو المذهب، ولذلك فقد راعى الإسلام هذه النقطة جيداً في سبيل نشدانه الاقتصاد في الاعتقاد، عندما دشن قبل ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة مبدأ حرية الاعتقاد الديني بجعله علاقة خاصة بين العبد وبين ربه لا يجوز لكائن من كان التدخل فيه سواء بفرض نمط آخر من الاعتقاد عليه كما كان الأمر عليه عشية الإطاحة بالنظام الشيوعي في رومانيا، ومن ثم فإن أسهل السبل وأنجعها لبلوغ مرتبة مقبولة من السلم الاجتماعي القائم على أساس متين من التسامح والحرية، هو السير نحو تكريس ما قصر الله تعالى الفصل فيه على ذاته الكريمة القاضي بترك الناس وما عقدوا عليه قلوبهم تتويجاً لمضمون قوله تعالى {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها... الآية} والشاهد هنا أنه تعالى لم يرتب على اختيارمعتقد بعينه جزاء دنيوياً، مثلما لم يكل أمر فرض معتقد بعينه على الناس لأي أحد من خلقه وهو سر عظمة الإسلام.
* نقلا عن جريدة "الرياض" السعودية
قال عليه السلام: وَمَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ هَلَكَ، وَمَنْ شَاوَرَ الرِّجَالَ شَارَكَهَا فِي عُقُولِهَا.
سلامي للجميع الرسي الهاشمي

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“