قراءة في أسانيد الزيدية وعلومها

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
الهاشمي الحر
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 4
اشترك في: الأحد يوليو 03, 2005 3:14 pm

قراءة في أسانيد الزيدية وعلومها

مشاركة بواسطة الهاشمي الحر »

المُجَاز بين ذكر الشيخ العبيد وحقيقته
قراءة في أسانيد الزيدية وعلومها
زيد علي الفضيل •
يعتبر فن الإجازات ومسلسلاتها من أهم الفنون الإسلامية إن لم يكن أساسها الذي ترتكز عليه ، فهو - وعوضا عن كونه يمثل سمة معرفية تميز به العلماء المسلمون دون غيرهم - فإنه يعكس حجم المصداقية اليقينية ، وقوة المنهجية العلمية ، ومدى الشفافية المعرفية لتسلسل مختلف العلوم الشرعية والإنسانية ، وهو ما لم يتأت لأي حضارة أخرى منذ أبكر العصور التاريخية وحتى الوقت الراهن . ولأهمية ما يمكن أن يتناقله العلماء المسلمون من نص تراثي مجيد ، أو اجتهاد معرفي وفقهي ، فقد حرص أولئك على تتبع منهج تحري السند العلمي لما في ذلك من تأكيد للمصداقية والمنهجية والشفافية الأنفة الذكر ، ولقيمة ما يتأتى لهم من نفثات وُجدانية بحسب رأي البعض منهم .
وتعني الإجازة في اللغة وأصلها مشتق من الفعل (ج و ز) الكثير من المعاني ، ومنها بحسب ما أورده اللساني ابن منظور في مصنفه (1) : سار وسلك وأنفذ ، وكذلك بمعنى العطية أي الجائزة ، وأيضا بمعنى سقيا الماء كأن نقول : وقد استجزت فلانا فأجازني أي قدم الماء لأرضي أو لماشيتي ، ومن هنا كان حرص العلماء على توصيف طلب العلم من مشاربه بالإجازة ، تأكيدا لحالة ما يعيشه طالب العلم من عطش معرفي لا يروي ظمأه منه إلا بتلقي العلم على يد الشيخ العالم العارف ، وعلى كل ، فإذا كان ذلك هو المعنى اللغوي ، فإن المعنى الاصطلاحي يقضي بحسب تعبير المحدثين : الإذن في الرواية لفظا أو خطا ، المتضمن أركانا أربعة وهي : المُجيز (العالم)، والمُجاز له (طالب العلم) ، والمُجاز به (العلم) ، ولفظ الإجازة وشكلها .
وقد قسم العلماء - كما هو معلوم – طرق الأخذ إلى ثمانية أشكال رئيسة ، أقواها طريقي العرض والسماع ، حيث تقوم الطريق الأولى - وهي الأعلى مرتبة - على القراءة على الشيخ مباشرة ، وفي حينه يتم التعبير في حال الرواية بالقول : قرأت على فلان ، أما الطريق الثاني فيرتكز على السماع من لفظ الشيخ ، وهو ما يتم التعبير عنه في حال الرواية بالقول : رويت عن فلان سماعا ، ثم تتوالى أشكال الرواية بعدئذ وهي : الإجازة ، ثم المناولة ، والمكاتبة ، والإعلام ، والوصية ، وأخيرا الوِجادة .
وليس الأمر مقتصرا على ذلك وحسب ، بل لقد تداول العلماء المسلمون شرف إجازات بعضهم لبعض ، من باب التبرك بفضل السند وقيمته ، وتوسيع دائرة المعرفة بعلمائهم ، وهو ما عرف بمسى "الإجازة الشرفية" ، التي لا تتطلب المجالسة والمذاكرة ، كما لا تشترط القراءة أو السماع ، ثقة منهم بعلم بعضهم البعض ، وعلو مكانة كل منهم العلمية .
وفي هذا السياق فقد طالعت بكل الابتهاج السلسلة الثانية للأثبات والمشيخات والإجازات والمسلسلات ، الصادر عن مكتبة نظام يعقوبي الخاصة بمملكة البحرين ، لمؤلفه الشيخ عبد الله بن صالح العبيد الذي خصصه لسيرة حياة وأسانيد ومسموعات السيد العلامة عبد القادر بن عبد الله شرف الدين ، الموسوم بـ"المَجَاز في ذكر المُجَاز" (2) . والذي أجاد فيه مؤلفه من واقع ما أثبته من مسلسلات وأسانيد تداولها علماء اليمن على وجه العموم ، وشيخه السيد عبد القادر شرف الدين على وجه الخصوص ، التي تعكس بشكل أو بأخر ملمحا من ملامح اليمن العلمية والثقافية ، كما تبين بشكل جلي حجم التواصل بين علماء اليمن وبقية أقطار العالم الإسلامي من جانب ، ومدى التوافق بين المذهب الزيدي الذي ينتسب إليه السيد عبد القادر شرف الدين ، وبقية مذاهب أهل السنة من جانب أخر ، وبخاصة فيما يتعلق بأمر الاهتمام بكتب الصحاح ومسانيد أئمة الحديث المعتبرة (3)، وهو أمر قلما يدركه الكثير من طلبة العلم في وقتنا الراهن ، جهلا منهم بحيثيات الفكر الزيدي في اليمن ، الذي وإن كان ينتسب إلى حظيرة التشيع بشكل عام ، إلا أنه لم يخرج في اجتهاداته ومباحثه عن القواعد الكلية لمذاهب أهل السنة والجماعة بشكل أو بأخر ، مما يجعله متوافقا معها في كثير من الأمور الفقهية والعقدية ، التي يمكن ملاحظتها في الكتب الشرعية المقررة ككتاب "البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار" للإمام العلامة أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840هـ) الذي ينتسب إليه السيد عبد القادر شرف الدين . ومن تلك الكليات التي اعتمد عليها علماء اليمن الزيديين ومنهم السيد عبد القادر ، كلية " كلَّ مجتهد مصيب " و" تقليد الحي أولى من تقليد الميت " و" الإمام (أي إمام العلم) حاكم " إلى غير ذلك من الكليات الرئيسة التي تحمل في ثناياها قيمة فلسفية ، وروحا معاصرة ، وحرية منضبطة (4).
فقاعدة " كل مجتهد مصيب " وهي قاعدة عامة ليست مخصوصة بطائفة محددة أو فئة مختصرة ، تحمل في ثناياها هما فلسفيا يقضي بنسبية الحقيقة ، إذ ما يراه أحدنا مكتمل الصواب يمكن أن يكون غير ذلك لدى الطرف الآخر ، بحسب مدى واختلاف زاوية النظر ، وآلية التفكير التي ينطلق منها العالم الفقيه ، وبذلك فقد حرر أئمة الزيدية عقولهم من داء الجمود العقيم ، وانطلقوا باحثين في آفاق العلم دون حرج ، أو إحساس بالتضارب النفسي الذي قد يعتري بعض الباحثين عند الوصول إلى نتائج وأحكام فقهية لا تتوافق كليا مع النتائج والأحكام السالفة التي وصل إليه الرعيل الأول من أئمة المذهب ، وليس الأمر مقتصرا بشكله النسبي عليهم وحسب ، بل هو ممتد من وجهة نظرهم على المذاهب والطوائف الأخرى .
وإذا كانت القاعدة الأولى تحمل ذلك الهم الفلسفي ، فإن القاعدة الثانية الناصة على أن " تقليد الحي أولى من تقليد الميت " (وهي موجهة للعامة ، وليست لطلبة العلم من العلماء والباحثين) تحمل بين جوانبها روحا معاصرة تجديدية ، حيث حرصت الزيدية وعبر هذه الآلية على الخروج من ربقة الأوراق الصفراء ، والأحكام الخاوية من الروح ، لتلامس جوهر الحياة ، ومتطلباتها ، ورغباتها التي تتغير بتغير الزمان والمكان ، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الفقيه المجتهد ، المعايش لمشاكل العصر ، العارف بتغيرات الظرف ، المدرك لهوية المجتمع ، فيكون لاجتهاداته في حينه الأثر المطلوب ، والغاية المنشودة ، في ظل الالتزام بالقواعد الشرعية .
أما القاعدة الثالثة الناصة على أن " الإمام حاكم " والمقصود بالإمام هنا أي إمام العلم والصلاة ، فإنها تؤسس لمجتمع مدني يتمتع بحريته العقائدية دون وصاية من أحد عليه ، مجتمع يمكن للفرد أن يمارس فيه عبادته وصلاته بالصورة التي يراها دون حرج أو إشكال ، أو تخوف من اعتراض أو رفض ، وقد تجسد ذلك حقيقة في اليمن التي انضوى كثير من أرجائها تحت حكم الأئمة الزيدية ، ومنها من كان يتعبد الله بالمذهب الشافعي أو الحنفي ، علاوة على المذهب الإسماعيلي ، فكان أن مارس الكل معتقده بحرية خالصة ، وأقام كلا صلاته بهيئته الخاصة ، دون حرج أو قيد .
لقد جاء الكتاب المشار إليه ليوضح معالم هذه الحقيقة ، وليحمل في طياته بصمة من بصمات التعارف المذهبي في ظل ما نعيشه من انفتاح فضائي كاسح ، يوجب علينا سبر أغوار بعضنا البعض ، وكشف خبايا ذواتنا ، لندرك حجم ما نحمله جميعا من تقارب ذهني معرفي . وهي خطوة تحمد لصاحبها الشيخ العبيد الذي أخذ على عاتقه مهمة البدء بذلك .
لكن وعلى الرغم من ذلك المجهود الكبير الذي بذله المؤلف باستقصائه لمجمل أسانيد ومسلسلات شيخه السيد عبد القادر ، وإن كان قد قصرها - بحسب إشارته - على روايات قراءة القرآن والمرويات الحديثية للصحاح والأسانيد المشهورة ، دون التطرق لذكر أسانيده إلى العلوم الزيدية الأخرى المعتبرة في كتبهم ، على الرغم من ذلك ، إلا أن الكتاب قد وقع في بعض الهنات التي وجب التنويه عليها ، استتباعا للمجهود القيم الذي بذله الشيخ العبيد في مؤلفه .
ومن ذلك بدءا ما اكتفى الإشارة إليه القاضي محمد العمراني في تقريظه للكتاب حين التعريف بالسيد عبد القادر شرف الدين بأنه "من أحفاد العلامة الإمام المجتهد المطلق عبد القادر بن أحمد أكبر تلاميذ الإمام المجتهد المطلق محمد بن إسماعيل الأمير ، وأكبر مشايخ شيخ الإسلام المجتهد المطلق محمد بن علي الشوكاني" ؛ ومع ما في ذلك من حق كامل ، إلا أن قد أغفل تنسيبه إلى من هو أشهر منه ، وهو الإمام المتوكل على الله يحيى شرف الدين (ت 965هـ) الذي ينتسب إليه المترجم له ، أو إلى الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى (ت 840هـ) الأنف الذكر ، إلى غيرهم من سلسلة الأئمة العلماء الذين تزخر بهم سلسلة نسبه الشريف .
وسبب ملحظي ذلك راجع إلى ما يحمله التعريف من منهج خفي ، يهدف إلى الإيحاء بتغير منهج السيد عبد القادر عن منهج أبائه الزيدي ، على اعتبار ما أشاعه البعض من تغير منهج المشايخ الأعلام وهم : السيد ابن الأمير ، والقاضي الشوكاني ، علاوة على السيد الحسن الجلال ومن قبلهم السيد محمد بن إبراهيم الوزير إلى منهج أهل الحديث ، وفي ذلك كبير مغالطة ، وعدم معرفة واسعة بحيثيات المذهب وكلياته التي أشرنا إلى بعضها أنفا ، إذ أن العلماء المحققين قد اعتبروا منهج المحدثين أحد مناهج الزيدية في البحث والاستنباط ، كغيره من المذاهب الإسلامية ، وهو ما يعتمده علماء المذهب الزيدي حتى الوقت الراهن ، ومنهم السيد عبد القادر يرحمه الله ، والسيد محمد المنصور أحد مقرظي الكتاب المشار إليه ، وغيرهم .
أما ثاني ما وقع فيه الكتاب من الهنات فيكمن في الباب الأول الذي أفرده لذكر نسب المترجم له السيد عبد القادر شرف الدين ، حيث أسقط اسم المرتضى الثاني من سلسلة النسب ، كما ذكر الإمام الناصر لدين الله بلقبه دون اسمه وهو (أحمد) ابن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ، ليظن القارئ أن اسمه الناصر ابن الهادي يحيى كما جاء في الكتاب ، وعلاوة على ذلك فقد أخطأ المؤلف خطأ فاحشا في فنه حين نسب الإمام القاسم الملقب بالرسي إلى مدينة الرس الواقعة بمنطقة القصيم من أعمال منطقة نجد ، والواقع أن نسبته راجعة إلى بئر الرس بوادي الفُرع في الجنوب من المدينة المنورة على صاحبها وآله أفضل الصلوات والتسليم ، وهو المكان الذي استقر به كثير من سادات آل البيت خلال القرن الثالث الهجري .
هذا عوضا عما استخدمه المؤلف من بعض الإشارات الخفية التي توحي للقارئ بخلاف توجه الكاتب عن ما كان عليه ، من مثل قوله : " فصل ، والمترجم لا يفتر من الدعوة إلى الكتاب والسنة وهدي السلف الصالح في نفسه ودروسه وفتاويه وإجازاته ومكاتبته ومناقشته وفي جميع أحواله " وقوله على لسان المترجم له : " وأوصيكم .. الاقتداء بالسلف الصالح من العمل بالكتاب والسنة الواضحة ، وتقديمها على أقوال الرجال ..." ، وإنه لا يخفى ما في ذلك من حق بين ، وصدق منهج متين ، لكن ما يؤاخذ على المؤلف كونه قد سردها ضمن سياق خفي يجعل القارئ العامي يتوهم بخروج المترجم له السيد عبد القادر شرف الدين عن المنهج السائد والمتبع في أروقة مناخات العلم الزيدي بشكل عام ، وهو ما لا يتوافق مع واقع الحال وحقيقته .
الدين لله والوطن للجميع

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“