من زاوية اخرى

مجلس للمشاركات الأدبية بمختلف أقسامها...
أضف رد جديد
آية
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 82
اشترك في: الأحد إبريل 03, 2005 3:16 pm
مكان: صنعاء

من زاوية اخرى

مشاركة بواسطة آية »

كانت نظرات الناس من حوله تحرقه و تعظم شعوره بالغربه..البعض ينظر اليه باستغراب و البعض الاخر يرميه بنظرات حقد و اخرون ينظرون اليه بخوف و توجس و بطبيعة الحال كان يدرك السبب في نظراتهم هذه , لحيته الطويله المسترسله و جلبابه الابيض القصير من تحته سروال ابيض.

وهو يدرك ان ثيابه قد يكون فيها نوع من الاستفزاز في مجتمع غربي ينظر الى من يرتدي هكذا نظرة ادانه حاسمه , قد حاول بعض من اصدقائه ان يثنيه عن ارتداء هذه الثياب و اسهبوا له النصح و الشرح لما قد يناله بسببها من تصرفات عنصريه , و لكنه لم يعرهم بالاً..فهو يؤمن ان هذا يدخل في نطاق حريته الشخصيه و ان كان يفضل هذا اللباس فهذا شأنه و حسب.

واصل سيره محاولاً الايحاء لنفسه بانه لا يكترث بنظرات من حوله..ولكنه يفعل! فهو انسان اولاً و اخيراً..و يهمه ان ينظر اليه الناس على هذا الاساس و ليس كأنه مخلوق من كوكب اخر او مستعمر غاز جاء ليهدد امنهم و استقرارهم.

على سبيل المثال زملاؤه في الجامعه..يتجنبونه كأنه الوباء! و ما ان يدخل الى قاعة المحاضره حتى يبدء الهمس, اما من يغلبه الفضول منهم او التحدي و يقترب منه محدثاُ فيعود ادراجه مستغرباً متعجباً ! انه انسان طبيعي مثلنا! يتحدث بهدوء و عقلانيه بل و يبتسم ايضاً!!

بقدر ماكانت تضحكه ردة فعلهم و تعليقاتهم بقدر ما كانت تحز بنفسه و تحبط همته..اي طريق صعب امامه في سبيل تغيير نظرتهم لما يمثله.

لماذا لا يفهمون ان الانسان بجوهره..و ان لا حق لهم بربط هذا المظهر بتصرفات افراد محدوده, بل عليهم ان يعطوا كلاً فرصته ليظهر حقيقة نفسه.
ليتهم يعلمون بما تحتويه نفسه من روعه استقاها من تعاليم دينه..ليتهم يعطونه الفرصه ليغدق عليهم منها.

جاء الى هنا لهدفين..التحصيل العلمي و الدعوه..بالنسبه للهدف الاول فلا يجد فيه أي صعوبه. و لكن المعاناه الحقه تكمن في تحقيق هدفه الثاني..ولكنه لن ييأس..اجل..مهما استمر قذف الناس له بسهام نظراتهم الجارحه و تعليقاتهم الساخره سوف لن ييأس.

علت وجهه ابتسامة ارتياح و سكينه عند وصوله الى هذه القناعه, و هو على وشك الدخول الى محطة المترو..انتبه فجأه الى الزحام الغير معتاد و انتشار رجال الشرطه في المحطه, و قبل ان يتسنى له البحث عن اجابه في رأسه عن سر هذا التجمع وجد العشرات منهم يحيطون به..و يكبلوا يديه و يجرونه الىالمجهول..و هو مذهول لا يدرك ما يحدث.


-----
عادت الى ارض الوطن بعد سنوات غربه لا تُحصى..كانت بالنسبه لها كدهور و دهور
عادت الى منزل جدها القديم في حارة بستان السلطان في صنعاء القديمه, لم ترض ببيع البيت و الانتقال الى حي حديث..فهنا ولدت هي..وهنا ولدت احلامها.

استطاعت و اخيراً ان تطلق حلمها الى الحياه..هاهي الان في ارض الوطن, تدير مدرسه لتعليم اللغه العربيه لغير الناطقين بها..و اخيراً تستطيع ان تفتح نافذه ,وان كانت صغيره, على حضارتها العريقه وكنوز لغتها الثمينه..نافذه يتطلع منها كل مُهتم..وهاهي بفضل الله و بفضل جهودها المتواصله توسع النافذه يوماً بعد يوم ليزداد عدد الطالين منها.

كانت تسير بهمتها المعتاده في الشوارع الضيقه لمدينتها الحبيبه عائده الى بيتها بعد يوم عمل طويل..تستقبل نظرات الناس المستهجنه لها بابتسامه متسامحه مشرقه...فهي تدرك ان مظهرها يثيرحفيظة البعض..بقميصها الطويل الفضفاض من فوق السروال التعزي و المِصوًن *الذي خاطت منه حجاب تغطي به شعرها..فالناس هنا لا يقتنعون بغير السواد لباساً للمرأه.

ولكنها متفائله بأنهم سيتوقفوا عن الحكم عليها حسب مظهرها عند معرفتها..و يوماً ما سيقدرونها لعملها لا لشكلها و لبسها لا سيما عندما يدركون قيمة ما تعمله .

سمعت صوتاً غريباً من خلفها..قبل ان يمر بجانبها رجل يرميها بنظرات استهزاء و شماته..ولكنها قابلت نظراته بنظرتها المتسامحه المعتاده.

وصلت الى المنزل و سارعت الى تغيير ثيابها قبل ان تسترجع احداث اليوم لتحضر لجدول اعمال الغد..

لفتت انتباهها بقعه لزجه على ظهر قميصها الذي كانت ترتديه..وفوراً استعادت ذكرى ذلك الصوت و الرجل..وغزا الادراك عقلها وكأنه طوفان اكتسحها و اكتسح قلبها بحزن عميق لا قرار له..وشعرت بآمالها و عزيمتها العاليه تغرق رويداً رويداً في بحر من الاحباط..

لم تحزن على نفسها لأن الرجل بصق عليها بكل احتقار و كأنها حشره وضيعه تسير في الشارع لتؤذي من فيه, و لم يؤلمها ما يمثله هذا التصرف من انتهاك لآدميتها و كرامتها..ولكن ما أحزنها و اغرقها باليأس كان ما ظهر لها من خلف هذا التصرف..

لقد آمنت بقضيتها و بأنها تستطيع ان تشق الصخر بيديها لو لزم الامر...ولكنها تدرك تماماً انها و بكل ما تحمله من ايمان و عزيمه لا تستطيع محاربة نفايات كومتها سنون التخلف في عقول من حولها.

----
* المصون قماش ملون
أنا حامل كفني وفي طياته مازال يثقلني السؤال
كفني أخف علي من حمل السؤال فمن يزيحه
ما الموت,ما الميلاد ,ما الشرف الرفيع وما الفضيحة
أهي الحياة تريد إغواء الحياة..فما الحياة؟! و ما السؤالات الجريحة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأدب“