هل سنرى الله ؟؟؟؟

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

هل سنرى الله ؟؟؟؟

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي لا يرى بالعين، ولا يقال له أين ؟؟
الذي لا تحيط به سماء مبنية، ولا أرض مدحية ، الذي أمتنع على عين البصير فلا عين من يثبته تبصره ، ولا قلب من ينكره يدركه، والذي لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، الذي ((ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ))المتنزة عن صفة المخلوقين.

والصلاة والسلام على المبعوث بالدين القويم، ورحمة الله رب العالمين على العالمين، محمد بن عبد الله الصادق الآمين، وعلى أخيه ووصيه، مولانا أمير المؤمنين، وتاج الموحدين، صاحب الملاحم و المناقب ،اشجع كل طاعن وضارب مولانا علي بن أبي طالب، وعلى سكنه الحوراء، فلذة قلب المصطفى، فاطمة البتول الزهراء، وعلى ولديهما الامامين الاعظمين، والشهيدين الطاهرين ، أمير المؤمنين أبي محمد الحسن، وأمير المؤمنين أبي عبد الله الحسين، وعلى ذرية رسول الله وبقية خلفه، وعلى ازواجه واصحابه، المتبعين لنهجه والسائرين ضمن منهجه، صلى الله البر الرحيم عليهم وعلينا برحمته التى لا تفنى ولا تعد ولا تحصى ابد الابد ، وسلم تسليما كثيرا.

أما بعدُ :-

فهذه مجموعة من الاسئلة حول قضية رؤية الله في الدنيا أو في دار الجزاء الاخرة طرحتها في بالي قبل فترة من الزمن .

تجلى لي من خلال الاجوبة عليها حق لا باطل معه ، وعقيدة لا شك فيها والفضل لله أولا وآخرا فله الحمد والمنة .
هذه الاسئلة حررتها بشكل ((عشوائي)) غير منظم ، اليكم نتفا منها .

هل يمكن رؤية الله في الدنيا ؟؟

هل سنرى الله يوم القيامة ؟؟

هل يمكن أن نراه في الجنة إن دخلنا ؟؟

هل سيراه المؤمنون والمنوافقون والكافرون في ارض المحشر كما تقول بعض الروايات ؟؟

هل الرؤية لله نعيم ولذة أم أنها لمجرد معرفة الكنه والماهية ؟؟

وهل يشك أهل الآخرة في وجود الحق بعد أن بعثهم من الاجداث لذا طالبوا بالرؤية ؟؟

وهل العلم بالله في دار الآخرة علم ((استدلالي)) يحتاج الى نظر وتأمل ام أنه علم (( ضروري)) لا ينتفي بشك ولا شبهة ؟


هل العين تدرك ما ليس مثل الاجسام ؟؟ وهل العين تدرك ما ليس مثل الاعراض ؟؟ على اساس أن الله ليس (( بجسم ولا كتلة يشغل حيزا من الفراغ وليس ((بعرض لا ينفك عن جسمه )) ؟؟



وهل الله متحيز في جهة دون جهة لكي يمكن أن نراه ؟؟


وما هي موانع الرؤية في الدنيا ؟؟

هل البعد المفرط ؟؟ أم القرب المفرط؟؟ أم الحجاب الكثيف ؟؟

هل هناك اشياء موجودة في الدنيا لكنَّا لا نراها ومع هذا نؤمن بوجودها ؟؟

ماهو الدليل العقلي على رؤية الله ؟؟

ثم ما هو الدليل النقلي على رؤية الله ؟

وهل هناك تعارض وتصادم بين الدليلين (( دليل" الاثبات" برمته و دليل "النفى" ايضا )) ؟؟ مع المثبتين ومع النافين ؟؟

هل الانسان مكتمل التكوين في الاخرة ام إنه سيكون في شكل آخر تضاف اليه بعض الحواس لكى يتمكن من المشاهدة لله ؟؟

وهل هناك أي دليل قطعي على ثبوت الحاسة السادسة كما ذهب اليه البعض ؟؟

اذا نفينا الجسمية والعرضية عن الله فماذا سنشاهد!! إن صحت مسألة الرؤية ؟؟

ثم لماذا تاب نبي الله موسى عند ما طلب الرؤية ؟؟

هل طلب الرؤية ذنب يتاب منه ؟؟

ثم لماذا عذب الله بني اسرائيل عندما طلبوا الرؤية في الدنيا ؟؟

وما معنى لفظة ((رؤية- ناظرة - )) في لغة العرب هل تحمل على المعنى الحقيقي دائما ؟؟

ام أن هناك شواهد من كلام العرب تدل على أن لكلمة الرؤية معنى مجازي قابلة للتأويل ؟؟
مثلا قال أحد شعراء العرب
رأيتُ اللهَ أكبرَ كلَّ شيءٍ
وقالت بلقيس كما حكى الله عنها (( إني ناظرة بما يرجع المرسلون))
هل رأي الشاعر الله بالعين المجردة حملا على الظاهر؟؟
أم ان المعنى علمتُ الله أكبر كل شيء فتكون الرؤية هنا بمعنى العلم؟؟
وهل رأت بلقيس المرسلين الذي ارسلتهم الى نبي الله سليمان ام ان المعنى منتظرة ؟
ثم كيف يمكن تفسير آيات القرآن التى تدل على الرؤية ؟؟
والتى تنفي وقوعها ؟؟ هل القرآن متناقض ؟؟

وهل القرآن ينقسم الى محكم ومتشابة ؟؟

وما هي حقيقة المحكم ؟
وما هي حقيقة المتشابة ؟؟
ثم ماذا عن تلك الاخبار الواردة في مسألة الرؤية ؟؟
هل هي أخبار متواترة ؟؟
ام انها اخبار آحادية ؟؟
هل هذه الاخبار قابلة للتفسير والتأويل مع ما يتناسب مع التفسير القرآني ؟ أم إنها غير قابلة للتأويل ومناقضة له أم أنه يجب حملها على الظاهر والسكوت عنها ؟؟

وهل يؤخذ بخبر الآحاد في مسائل اصول الدين المقررة في حال ثبت سندها وطرقها وعدالة من رواها ؟؟

كل هذه الاسئلة مطروحة للنقاش في هذه المسألة وبشكل موسع

وقبل النقاش في هذه المسألة أتمنى على الاخوة الذين يثبتون الرؤية ويدافعون عن معتقدهم فيها أن يطرحوا آرائهم بتجرد وتأني ويتركوا الالفاظ الجارحة لمن ينفي هذه المسألة تنزيها لله .

أنا ممن ينفي هذه المسألة برمتها ولي فيها عقيدة ثابتة راسخة والحمد لله ومن رغب من الاخوان المثبتين لهذه المسألة أو كان متوقفا فيها بسبب غموض عارض في دليل النافين أن يناقش فيها فعلى بركة الله .
وهو حسبنا وعليه اتكالنا واليه المصير .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

----------------------------


بداية اقول إن الخلاف في هذه المسألة مع المجسمة والأشعرية وضرار بن عمرو .

فهؤلاء يثبتون الرؤية ويجوزونها في حقه تعالى

على أن الكثير من علماء الامة وأغلب فرقها ينفونها وينزهون الله عن ادراك الابصار له عملا بقوله تعالى لا تدركه الابصار في سورة الانعام فهذا مذهب جميع العترة الطاهرة ، وهو قول سائر الزيدية والمعتزلة وجميع أهل العدل من الإمامية وغيرهم، وهو قول النَّجارية من المجبرة والخوارج وأكثر الفرق الداخلة في الإسلام.

والخلاف في هذه المسألة مع ثلاث فرق

الاولى فرقة المجسمة والفرقة الثانية فرقة الاشاعرة والفرقة الثالثة ضرار بن عمرو وقد اسميته فرقةً تجوزا لا غير .

أماالاخلاف مع المجسمة فبسبب أصلهم الذي بنوا عليه وهو اثبات الجسمية لله تعالى الله عن ذلك .
فهم يثبتون لله الاعضاء ويقولون بأنه جسم لذا جاز لهم القول برؤيته

و أما الخلاف مع الاشاعرة فسبب قولهم إنه تعالى يُرى بلا كيف فراراً منهم من لزوم التجسيم (( تستروا بالبلكفة )) والتى لا يدركون لها معنى !! فلا هم ولا غيرهم يقدر على فهم مصطلح البلكفة هذا.
غير أن التهرب بهذه الاعذار لا تخرجهم من دائرة التجسيم خصوصا ومعاشر العقلاء يعرفون أن العين لا ترى ولا تبصر الا ما كان محدثا ذا كتلة جسمية أو عرضا لا ينفك عن جسمه .

واما ضرار بن عمرو فقد ذهب بعيدا وقال بأنه تعالى يُرى في الآخرة بحاسة سادسة هروبا منه من لزوم التجسيم،كون المدرك لا يدرك الا بالحواس الخمس .
والحق أن هذه الفرق فرق تجسيم لا تنفك عن هذه الصفة(( المجسمة)) لما تقدم ففي نهاية المطاف العين لا تدرك الا ما كان جسما أو عرضا ولا مخصص هنا ((فالعدم مقطعة الاختصاص)) وقد حصل الاستقراء وتتبعنا الجزئيات فوجدنا العالم مركب من جسم ذا كتلة وعرض لا ينفك عن جسمه وثالث وهو القديم سبحانه الذي لا يدرك له كنه ولا تعرف له ماهية ولا تحيط به العقول والاوهام ولا تراه العيون والابصار تعالى الله علوا كبيرا
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

Nader
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1060
اشترك في: السبت إبريل 09, 2005 6:22 pm

مشاركة بواسطة Nader »

مقدمة رائعة أخي محمد و تثير الحماس ذكرتني بالدكتور فيصل القاسم وبرنامجه الشهير.
الموضوع حساس جداً ويعتبر من الأصول، فبعض الائمة قال ببطلان الصلاة خلف إمام يؤمن بالرؤية والبعض ذهبوا الى تكفيره.
معرفتي بالأصول ليست غزيرة لذا سأكتفي بالتعليق.
كان موضوع الرؤية ولا يزال فاروقاً لتمييز بعض المذاهب عن بعض. أتذكر أنه اقشعرّ بدني عندما سألني أحد الزملاء في المدرسة عن موضوع الرؤية ورأيي فيها محاولا أن يستشف مذهبي. لم أملك حينها - لم أكن قد بلغت الحلم بعد- الا أن اتخيل الله! فلم أجد -بالفطرة- إلّا الإنكار سبيلاً .
صورة

معاذ حميدالدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 212
اشترك في: الجمعة مارس 12, 2004 6:47 am
مكان: جدة
اتصال:

مشاركة بواسطة معاذ حميدالدين »

مساهمة في إثراء الحوار أطرح هنا قول الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي عليه السلام في هذا الشأن.
من كتاب المسترشد المتضمن في مجموع رسائل الإمام القاسم عليه السلام:
ويمكن تحميل المجموع من: http://hamidaddin.net/ebooks/Alrassi.chm

(الرد على من زعم أن الله تدركه الأبصار وتحيط به الأعين تعالى عن ذلك)

الحمد لله الذي يدرك الأبصار، ولا تدركه الأبصار، وهو الواحد المتكبر، العزيز القهار :﴿ليس كمثله شيء وهو السميع البصير﴾[الشورى: 11]. زعم قوم من أهل الجهل أن العباد غداً يعاينون ربهم جهرةً، ينظرون إليه كما ينظر بعضهم بعضاً، محاطاً به محدوداً، وتأولوا قول الله عز وجل :﴿وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة﴾[القيامة: 22]. وقوله :﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾[يونس: 16]. وقوله :﴿إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون﴾[المطففين: 14] وقوله: يخبر عن موسى عليه السلام :﴿رب أرني أنظر إليك﴾ [الأعراف: 43]، ونحنُ مقرِّون بالنظر من أولياء الله في جنته على غير تحديد ولا إحاطة، جل الله وعز وتعالى علوَّاً كبيراً.

والنظر له في لغة العرب معانٍ:

أحدها: أن يلاقي الشيء جهراً، ويحيط به بالعيان بإدراك وتحديد، فيقال نظر إليه، وعُوين وأُدرك وأُبصر وجُوهر.

ومعنى آخر: من معاني النظر لا بالعيان من بصر البصر، ولكن ينظر إليه بأفعاله، ومن ذلك قول العرب: انظر إلى شرائع الدين ما أحسنها، انظر إلى كلام عبد الله ما أفصحه وأبينه، انظر إلى ما صنع الله بعباده، وانظر إلى الذين جابوا الصخر بالواد ماذا صاروا إليه، فتجيب العقول له قد نظرت إلى ذلك كله ورأيته، لا بعيان البصر.

ويقال: إنه قد نظر في لغة العرب وما ينظر فلان إلا إلى الله، ثم إلى محمد، ويقول: ما ينظر إلا إلى عبد الله، وعبدُ الله غائب . ومن ذلك النظر إلى الشيء بأفعاله وآياته لا بروحه وشخصه، وتقول: رأيت نفس زيد حين خرجت لا تريد بذلك نظر العين للروح، ويقال: رأيت عقل زيد صحيحاً، ونظرت إلى عقله، فرأيت عقلاً حسناً .

والعقل روحاني لا يرى بالعيون، لأنه ليس بشبح ولا لونٍ ولا جسمٍ، ويقال: أحسنت النظر وأسأت النظر.

ومن ذلك قول الشاعر:

إلى الذي راه لم يظفر به نظر

لا يزال وإن كانت له سعةٌ


ولذلك تقول: رأيت حلم زيد وعقل عبد الله، وإنما رأيت الحلم والعقل بأفعال لهما، مع أشياء كثيرة، مما يجوز في اللغة، كقولك انظر إلى شدة غضبه، وانظر إلى شدة فرحه، وانظر إلى همه وعداوته، وهذه كلها روحانيات خفيات لا تدرك بأنفسها وقد تدرك بأفعالها، ويقال: رأينا غضبه ورضاه وما أشبه ذلك.

وقال الله :﴿ألم تر كيف فعل ربك بعاد﴾[الفجر: 7] والذي قيل له: ألم تر هو النبي صلى الله عليه، وإنما النبي بعد قرون قبلها عاد، فرأى كيف فعل ربه سبحانه بعاد، ولم ير ذلك بعيان جهرة. وقال :﴿ألم تر إلى ربك كيف مد الظل﴾[التوبة: 45]. وقال إبراهيم الخليل صلى الله عليه :﴿رب أرني كيف تحيي الموتى﴾[البقرة: 200]. وقد رأى كيف أحياه الله من نطفة، ولكنه أراد أن يريه الله كيف يحيي الموتى من وجه من الوجوه، الذي عاين من إحياء الله سبحانه الأجسام الميتة من النطف وغير النطف.

وكذلك سأل موسى صلى الله عليه ربه فقال :﴿رب أرني أنظر إليك﴾[الأعراف: 43]. ومعناه ومعنى الخليل صلى الله عليهما في نفس النظر سواء، لأنهما أرادا أن يعاينا بأبصارهما من معالم الله وآياته ما لم يزل الله يملك من العالم والآيات، إلا أن موسى صلى الله عليه عاصٍ فيما سأل مِن قِبَلِ أنه سأل الله آية ليست من آيات الدنيا، ولم يكن له أن يسأل تلك الآية. وسأل إبراهيم ربه آية من آيات الدنيا، فلذلك لم يكن في سؤال الله عاصياً، وإبراهيم وموسى في سؤالهما وقولهما لم يسألا ربهما أن يرياه جهرةً لمعنى ما يرى البشرُ البشرَ، لأن ذلك شرك، ولم يكن إبراهيم وموسى صلى الله عليهما بمشركَين، والله لا تدركه الأبصار، وقد علما ذلك، وكان موسى أعلم بالله من أن يسأل ربه أن يعاينه جهرة، بل أراد: أن ينظر إليه بآية يحدثها له فيراه، ليست من آيات الدنيا، ثم يكون له آية مرتجحة لا يحتملها الناس لو شاهدوها في الدنيا، إلا أن يزاد في قوى حواسهم .

فقيل لموسى: إن بنيتك لا تحتمل ما سألت، واعرف ذلك بهذا الجبل فإنه أعظم منك خلقاً، وأشد منك قوة، وأشمخ منك طولاً وعرضاً، انظر إليه كيف يعجز عن إدراك ما سألت مثله، ولم يكن الجبل بذي عقل، والله تبارك وتعالى لا يتجلى إلا بالتجلي الذي به يُدرك، ولن يُدرَك من ربنا إلا جلالته وآياته وتدبيره وصرفه، فبذلك يتجلى الله، وذلك بأنه سبحانه ليس بشخص. أحدث في الجبل عقلاً يدرك به ما يتجلى له، فإن الله تبارك وتعالى أحدث آية فتجلى الله للجبل وجعلها آية سماوية ولم تكن أرضية . وقال بعض العلماء أبرز بعض العرش للجبل، رواه يوسف بن الأسباط، عن الثوري، وذلك قوله :﴿فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً﴾[الأعراف: 143]. فعرف الجبل ربه بتجلي الرب له بما أظهر له، فعظَّم الجبلُ الله فبلغ من تعظيم الجبل لله أن تقطع وساخ وذهب. وإن الله جعل ذلك موعظة للقلوب القاسية لتلين، والقلوب الناكرة لتسترشد، ولئن ترجع القلوب إلى ربها بشدة الفكر والتعظيم لله العظيم.

فقال لموسى :﴿لن تراني﴾[الأعراف: 143] من وجه ما سألت، لأن التجلي إنما يكون من وجهٍ يُدرَك من المتجلِّي. فتجلَّى الأشخاصُ للأبصار، ولا تجلى لغير الأدوات من الأسماع والآذان والملامس، وقد تجلَّى الأصوات للأسماع، وإنما يتجلى المتجلِّي من وجه ما يُدرَك به، فقد يقول السامع للكلام، قد تجلَّى لي هذا الكلام، ولا يراد به عيان البصر .

والله تعالى ليس بشخصٍ فتجاهره الأبصار، ولا هو صوت فتوعيه الأسماع، ولا رائحة فتشمه المشام، ولا حار ولا باد، ولا خشن ولا لين، فتذوقه اللهوات، ولا تلمسه الأيدي، لأنه سبحانه خلق الأسماع وما أدركت، والأبصار وما جاهرت، والمشام وما شمَّت، واللهوات وما ذاقت، والأيدي وما لمست، فهذه الخمس المدرِكات، والخمس المدرَكات كلها محدثات مخلوقات، والله سبحانه لا يشبه شيئاً منها ولا فيها شيء يشبه الله، وكذلك لا يتجلى الله من وجه ما تتجلى هي، لأنها مخلوقات، وإنما يتجلى من وجه ما يجوز من صفته، يتجلى بآياته وتدبيره على خلاف تجلي ما سواه، وقد تجلَّى الله سبحانه في كتابه بكلامه لنا في وحيه وآياته، فهذا معنى من معاني تجليه عز وجل.

وقد يقول القائل: أرى عقلك صحيحاً، ويقول: إني أحبّ أن أرى عقلك وأمتحنه بتدبيرك، فإن أحسن التدبير قال له صاحبه: قد رأيت عقلك حسناً.

وأما قول الله عز وجل:﴿وجوه يومئذٍ ناضرةٌ إلى ربها ناظرة﴾[القيامة:22] فقد روى الناس عن سلفنا أنهم قالوا: هو النظر إلى ما يأتيهم من أمر الله . وقال بعضهم: هو الانتظار لثواب الله. ولا يرى الله أحدٌ، وكلا القولين جائزٌ.

ولسنا ننكر أن يكون أولياء الله في الجنة يرون ربهم لا بتحديد ولا إدراك إحاطة، وكذلك كان معنى قول مجاهد في أن لا يرى الله أحدٌ، أي: لا يراه أحد بتحديد ولا إحاطة، ولكن يراه أولياؤه وينظرون إليه، نظر مخلوقين إلى خالقٍ، ينتظرون ثوابه، ويرون تدبيره، لا كنظر مخلوقين إلى مخلوق، لأنه ليس كالمخلوقين. ويجوز أن يقال: نظر إلى من ليس كالمخلوق كما ينظر إلى المخلوق، وفي الخلق ما لا يُرى وهو الروح والعقل، وما أشبههما، فلا يقال: إن شيئاً من ذلك يُرى كما ترى الأشخاص، فكيف يقال: إنه يرى الله كما يرى الشخص.

وإذا ابتعث الله أولياءه من الأجداث أرسل إليهم ملائكته ليبشرهم بالجنة وينادونهم :﴿أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون﴾[الأعراف: 43]. وذلك قبل أن يدخلوها وهم ينظرون إلى أن ينيلهم ما وعدهم وما به بشرهم، فوجوههم يومئذٍ ناضرة بَهِجَةٌ مشرقة حسنة ناعمة، تنظر إلى ربها بالحب له والرضى عنه والرغبة إليه، ينظرون ما يأتيهم منه ما بشرهم به الملائكة، وإن الله عز وجل ينظر إليهم نظر الخالق إلى المخلوق المطيع الحبيب، وينظرون إليه بالرغبة فيما لديه نظر مخلوقين محبين إلى خالقهم المحبوب عندهم المنعم عليهم، نظر معرفة، لا نظر تحديد وإحاطة، والله ينظر إليهم، وقد كان يراهم في الدنيا، إلا أن نظره هذا نظر ثوابٍ ورحمة ووفاء بما وعدهم، والمزيد لهم من كل كرامة إذ أدخلهم الجنة، فلا يزالون ينظرون إليه في جنته بالرضى عنه، والاستزادة مما عنده من فوائد النعم، وتُحَف الكرامات، مع ما قال لهم عز وجل :﴿ولدينا مزيد﴾[ق: 35] أي مزيد من ربهم، لا تنقطع التحف والخيرات الحسان من ربهم أبداً عنهم، وينظرون إلى ربهم في الجنة بمقعدهم، وما هم فيه من الإزدياد من نعيمهم والإحسان إليهم، وإنما يوصف الله سبحانه بنظر أوليائه إليه، بهذه المعاني التي ذكرنا ولا ينظر إلى الله أحد من أعدائه يوم القيامة بمعنى ما ينظر أولياؤه.

ويقال في اللغة: إنما ينظر العبد إلى سيده، وإنما ينظر إلى الله ثم إليك، يريدون بذلك ما يأتي من المنظور، وعلى هذا المعنى قول الناس.

وقال الله تبارك وتعالى يخبر عن أعدائه، إنه لا ينظر إليهم ولا يكلمهم فيها وفي الحالة التي لا ينظر إليهم الله يراهم، وقوله :﴿لا يكلمهم الله﴾ أي لا يسألهم، وقد كلمهم بما فيه حزنهم، وإن العالِمين بالرب علم اليقين عاينوا بيقينهم القيامة، وأبصروا وجوهاً مسودة، وقد علاها القتر والعبوس، جزاء بما كانوا يصنعون، فراعهم ما أبصروا بيقينهم من تلك المفضعات، فحذروا أن يكونوا: من الذين قال الله :﴿وُجوههم مسودة﴾[الزمر: 60] و :﴿عليها قترة﴾ فلم يكذبوا على ربهم إذ سمعوه عز وجل يقول :﴿لا تدركه الأبصار﴾، وهذه مدحة لله وحسنُ ثناءٍ عليه وتعظيم له، فاستيقنوا أن الثناء والمدح عن الله غير حائل في الدنيا ولا في الآخرة، وأبصروا بيقينهم في القيامة إلى وجوه ابيضَّت، فهي ناضرة مستبشرة ضاحكة مسفرة، إلى ربها ناظرة في رَوح وجنات عالية، يخبرون فيها بصدقهم عن الله في القول والعمل له، والموافقة له في الأيام الخالية، فلذلك وضع القوم كلامهم من ربهم حيث وضع الرب، ولم يقولوا بغير ما قال الله لهم، وقالوا: كما قال لهم ربهم إلى ثواب ربها ناظرة، ولم يقولوا لربها مجاهرة.

وإنما الشيء إذا جُوهرَ نُظر إليه بالعيان لا بالوجه، لأن الوجه غير العين، ولو كان ما قالوا على ما ادعوا لقال الله في كتابه أعينٌ إلى ربها ناظرة، لأن الوجه لا يرى ولا يبصر، وإنما البصر للرؤية والعينين اللتين في الوجه، فهذه معانٍ لطيفة مفصلات في النظر.

وقد قال إبراهيم الخليل، لابنه إسماعيل، صلى الله عليهما :﴿إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى﴾[الصافات: 102]. وليس ذلك رؤية حِسٍّ، ثم قال: انظر ما ذا ترى، ولم يرد إدراك العين ولا إحاطة البصر، في قوله: ما ذا ترى في الذبيح أن يسلم لربه نفسه، ويجود له بها، فرأى موافقة أبيه في طاعة ربه بما أمره، فأمكنه من ذبحه واستسلم لربه، وليس ذلك النظر بالعين ورؤيتها.

وكان مما احتج به القوم أن قالوا: إن موسى صلى الله عليه سأل ربه فقال :﴿رب أرني أنظر إليك﴾، وقد بينا ما أراد موسى بقوله :﴿رب أرني أنظر إليك﴾، ولم يكن ذلك سؤالاً للنظر الذي هو رأي العين، بالإحاطة والتحديد جهرة، وقد رأينا الله عز وجل: ذكر في كتابه حدث موسى في قتله القبطي، وما أخبرنا سبحانه عن آدم صلى الله عليه في معصيته بأكل الشجرة، وسمعناه عز وجل يذكر في كتابه أحداث أنبيائه مُعيباً لأحداثهم، ولم يكن ما عاب من أحداثهم عند الله موبقاً ولا كبيراً، بل كانت أحداث أنبيائه صغائر، ولم تكن بكبائر، وكان الله عز وجل يأخذهم في عاجل الدنيا من أجل أحداثهم التي لم تكن بكبائر، حبس بعضهم في الظلمات في جوف الحوت، وبمعان ذكر الله عز وجل في كتابه وكيف صنع ببني إسرائيل، ولم ينجهم من الله إلا النقلة عن صغائرهم والاستغفار بالإنابة والندم، وقد سأل قوم موسى فقالوا :﴿أرنا الله جهرةً فأخذتهم الصاعقة﴾[النساء: 153] ليكون في ذلك مزدجر للآخرين، وليحذروا مصارع الذين سألوا رؤية الله جهرة فأخذتهم الصاعقة، فزجر الله العباد عن السؤال عما يضاهي ما سأل القوم نبيهم صلى الله عليه من رؤية الله جهرة.

فكيف يُتوهم أن يكون موسى صلى الله عليه وسلم، سأل ربه مسألة القوم الذين أخذوا بالنقم، لأجل تلك المسألة التي سألوا موسى أن يريهم الله جهرة، وقد علم موسى أن سؤالهم عن ذلك شركٌ، وقد نهى موسى قومه عن معاني الشرك كلها، ولم يكن صلى الله عليه ليخالفهم إلى ما نهاهم عنه، لأن مسألة القوم له كفر، ولا يجوز أن يُتوَّهم على موسى أن يسأل الله مسألة هي كفر، ولو كانت مسألة موسى على ما يتوهم المشبهون لنزلت به من العقوبة مثل ما نزل بغيره، ولغلظ الله عليهم تغليظاً يعلم العباد أنه أكبر من الصغائر، وفي تكفير الله عز وجل الذين قالوا :﴿أرنا الله جهرة﴾ إخراج مسألة موسى من معنى رؤية الجهرة، وإخراجه من جهل القوم بالله.

ويقال لهم: هل يدرك البصر إلا شخصاً أو لوناً ؟

فإن قالوا: لا.

قيل لهم: أخبرونا عن ربكم، أتقولون إنه لون ؟!

فإن قالوا: نعم.

قيل لهم: فمن أين قلتم ذلك وما بينتكم عليه ؟! ولن تجدوا سبيلاً إلى إثبات اللون إلا من وجه الرواية، فيعارضون بأضداد رواياتهم، فإن جعلوا الرواية حجة لم يصح لهم دعوى ولا لنا، لأنهم رووا خلاف ما روينا وروينا خلاف ما رووا، ولا بد أن يكون أحدنا محقاً والآخر مبطلاً، وفي إبطال قول أحدنا إبطال أحد الأثرين، وفي إبطال أحد الأثرين إخراج الأثر الشاذ من الحجة، لأن الشاذ من الأثر لا يكون مثل كتاب الله ولا سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مع ما يدخل عليهم من التناقض في إثبات اللون لمعبودهم، من وجه ما ذكرنا من إيجاد العجز عليه وإلزام النَّصَب، لأن لون الحدقة غير لون اللسان، ولون اللسان غير لون الوجه، وفي الغير وجوب الاثنين فصاعداً، لأن اللسان غير العين، والعين مخالفة للسان، وكذلك كل جزء غير ما يليه، وهو مقصر عن صفة غيره.

فإن قالوا: ليس لوناً.

قيل لهم: كيف ترى العيون ما ليس يكون لوناً، والعيون لا ترى في العقول إلا ملوناً ؟!

وإن لجأوا إلى أن يقولوا: إن الله يعطيهم حآسة سادسة في القيامة بها يدركون ربهم إدراك الجهر، يُسألون عن الذي يدركون ربهم به، أليس قد نال ثواباً لم ينل الجزء الذي كان في الدنيا له ناصباً عاملاً ؟! فيكون الثواب لمن لم يطع، ولا ثواب إلا لمن أطاع.

ويقال لهم: كيف يسمى المطيع مدركاً وليس هو المعاين ؟‍‍! وإنما المعاين هو السادس المحدَث لهم في الآخرة.

ويُسألون هل يجوز أن يعطوا سابعاً يدركون به لمسه أو ذوقه أو شمه، كما جوزتم السادسة التي بها تكون الرؤية، ليكون ذلك أتم لنعيمهم إذا لمسوا ما عاينوا وصافحوه وذاقوه وشموه ؟! فإن جوزوا ذلك جعلوه منفصلاً بائناً بعيداً مبعضاً، وفي الانفصال والبينونة والبعض والبعد وجود العجز والنقص، والعاجز الناقص ليس بالكامل التام القوي القادر، وليس العاجز الناقص بإلهٍ، فتعالى الله عن العجز والنقص.

وقد أجمع المصلون معنا أن إلهنا عز وجل لا تدركه الأبصار إلا فرقة من الروافض ووافقتهم الحشوية فقالوا: إن النبي صلى الله عليه رأى ربه أبيض مجمم الشعر.

ورووا من وجهٍ آخر أنه رُؤِيَ في صورة الشاب المراهق مقصصَّاً.

فعزم بعضهم أن هذه الرواية كانت بالقلب، وزعم آخرون أنها كانت بعيان النظر. وقد رووا بخلاف ذلك: أن ثلاثاً من قال واحدة منهن فقد أعظم الفرية على الله، ومن زعم أن محمداً رأى ربه، وفي هذا انتقاض الخبر، وإذا تناقض الشيء لم يكن بحجة، وأولاهما بحجة العقل أشبههما بكتاب الله.

ويقال لهم جميعاً: أخبرونا إذ زعمتم أن النبي صلى الله عليه حين رأى ربه، هل كان يقدر عقل النبي على صفة ما رأى ؟!

فإن قالوا: نعم.

قيل: فكان يقدر أن يخيل ما عاين ؟!

فإن قالوا: نعم جوزوا القدرة على صفة الله وإحاطته والتفكير فيه، والله عز وجل يقول :﴿ولا يحيطون به علماً﴾[طه: 110].

وإن قالوا: لا يقدر على تخييله بقلبه.

قيل لهم: فكيف يدرك ما لا يتخيل ولا يحيط به العقل ؟!، وهذا محال بَيِّنٌ؛ لأن الإدراك أكثر من التخيل، وإذا بطل التخيل لم يصح الإدراك.

ويقال لهم: أخبرونا إذا جوَّزتم أن يكون النبي صلى الله عليه رآه، فما يشعركم لعله أَسَرَّ إلى بعض أصحابه صفة تحديد، فَوَرَّث ذلك الصاحب علم التحديد من بعده إلى يوم القيامة فيكونوا لم يدركوه كما أدركه.

فإن قالوا: فقد يمكن أن يكون ذلك فقد عبدتم ما لا تعرفون.

ويقال لهم: أليس قد يمكن أن يكون وارثُ ذلك يصفه بصفة تحديد، ويخيله بقلبه على غير ما تخيله ذلك العالم بصفته، فقد عبدتم خلاف ما عبد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟!

فإن احتج القوم بقول الله تبارك وتعالى :﴿الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم﴾[البقرة: 46]. كان جوابنا أن الذين يظنون، أي: يوقنون أنهم مبعوثون بعد الموت للثواب والعقاب.

وكذلك تأويل قوله :﴿فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً﴾[الكهف: 110]. وقوله :﴿فمن كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت﴾[العنكبوت: 5]. أي من كان يؤمن بالبعث فإن وعد الله ووعيده اللذين هما الجنة والنار لآتٍ، وليس ذلك اللقاء رؤية، ولو كان لقاء رؤية لقال: من كان يرجو لقاء ربه فإن الله يُلاَقَى.

ويسألون عن الذين كفروا بلقاء ربهم [هل يلقونه] فإن قالوا: نعم، لم يفرقوا بين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم في الآخرة، وبين الذين كفروا بلقاء ربهم، لأن هؤلاء لاقوه.

وإذا زعموا أن اللقاء عندهم الرؤية، فما الفرق بين الولي والعدو، إذا كانا يلقيان ربهما واللقاء رؤية، والرؤية عندهم أفضل الثواب.

وإن زعموا أنهم لا مؤمنون ولا مصدقون بتكذيب الكافرين من لقاء ربهم، جحدوا قول الله سبحانه :﴿يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه﴾[الإنشقاق: 6]. وقوله :﴿فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه﴾ [التوبة: 77]. فقد أخبر أنهم منافقون وأنهم يلقونه، وإذا زعموا أن اللقاء رؤية، فالمنافق والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يريانِه بزعمهم، إذ كان اللقاء عندهم رؤية، فما فضل ثواب النبي صلى الله عليه على عقاب المنافق ؟!

بل لا فضل بينهما إذا اشتركا في أفضل الثواب وهو الرؤية، وفساد هذا المعنى بَيِّن، وذلك لأنهم تأولوا لقاء الله تحديداً بالإحاطة، وزعموا أيضاً أن النبيين عليهم السلام يشتبهون في لقاء الله الذي هو رؤيته، إلا أن يزعموا أن اللقاء غير الرؤية فيصيروا إلى قولنا.

وإن هم سألوا عن التأويل للقاء الله ؟

قلنا لهم: إن الأعداء والأولياء كلهم ملاقوا ربهم، ولقاؤهم انبعاثهم من أجداثهم، ومصيرهم إلى معادهم يوم محشرهم، ويومَ إلى الله مرجعهم.

وتأويل ما سألوا عنه من قول الله سبحانه :﴿إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون﴾، وذلك أن الله عز وجل لا ينالهم برحمته وهم عن ربهم محجوبون، وتَرْجَمَتْ هذه الآيةَ آيةٌ أخرى قوله :﴿لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة﴾ [آل عمران: 77]. أي: نَظَرَه إلى أوليائه برحمته، ولا يُسمِعهم كلاماً لهم فيه سرور ولا فرحٌ، ولا ينظر إليهم أي: لا ينيلهم رحمة ولا يأتيهم بفرح.

وقد أجمع أهل الصلاة أن الله لا ينظر إلى أعدائه، وهو يراهم في الحالة التي لا ينظر إليهم فيها، وفي ذلك دليل أن أوليآءه ينظر إليهم أي: يرحمهم، وهو يراهم وينظر إليهم برحمته، ونظره إلى أوليائه رحمته، وذلك نظره الذي كان لأوليائه ولم يكن لأعدائه، وكذلك ينظر أولياؤه إليه لا بمعنى جهرةٍ وإحاطة منهم به، ولكن ينظرون إليه على خلاف التحديد والإحاطة، وقد قالت العرب: ما ننظر إلا إلى سيدنا.

وأجمع المسلمون على الدعاء إلى الله أن قالوا: اللهم انظر إلينا، والدعاء على عدوهم أن قالوا: لا ينظر الله إليهم، وليس ذلك سؤالاً منهم له أن لا يراهم، وذلك أنهم يعلمون أن الله عز وجل يراهم، ولم يعلموا أن الله ينظر إليهم نظر رحمة ورضى، وقد علموا أن الله عز وجل يراهم ويرى كل شيء، وأن الأشياء كلها له جهرة، وإنما أراد المسلمون بدعائهم الله أن ينظر إليهم: أن يكرمهم ويجود برحمته عليهم.

واعلم أن الله عز وجل إذا مدح نفسه بمدحة لم يُزِلْها عن نفسه في آخرة ولا دنيا، كذلك قال الله سبحانه :﴿لا تدركه الأبصار﴾ [الأنعام: 103]. فالله لا يزيل مدائحه.

وزعم العماة أن محمداً صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه حين أسري به تكذيباً للقرآن، ورداً على الرحمن، واحتجوا بقول الله عز وجل :﴿ولقد رآه نزلةً أخرى، عند سدرة المنتهى﴾ [النجم:13 - 14]. فظنوا أنه رأى ربه، وإنما ذلك جبريل صلى الله عليه، رآه نبي الله على خلقته التي عليها جُبِل، ولم يره النبي صلى الله عليهما على تلك الخلقة قط إلا مرتين، جعل الله ذلك آية بينه وكرامةً شريفة عالية، وذلك قوله عز وجل :﴿لقد رأى من آيات ربه الكبرى﴾ [النجم: 18]. فأين الله عز وجلَّ من آياته ؟! فكيف يتوهم أن النبي صلى الله عليه رأى الله، والله يقول :﴿رأى من آيات ربه الكبرى﴾، وليس الله سبحانه بالحوآس مُدركاً .

وتوهموا أن تجلي الرب سبحانه للجبل هو أن بَدَى للجبل وبرز له بذاته، من غير أن يكون للجبل من المقام في طاعته، والمنزلة الرفيعة، ما لموسى صلى الله عليه، مع ما اختص الله به موسى بكلامه تكليماً، واستخلاصه إياه بالرسالة، ثم سأل موسى ومسألته لله أن يراه بزعمهم ذلك، وكان ذلك منه دليلاً، ثم اختص الجبل الذي لم يكن الله كلمه تكليماً، ولا اصطفاه برسالته فبدى له بذاته وبرز له متجلياً، وخصه بكرامةٍ لم يجعلها لجبريل ولا لميكائيل ولا للملائكة المقربين، ولا للمرسلين، وقد قال الله عز وجل: إن أولياءه غداً ينظرون إليه في جواره، ليس ذلك النظر إحاطة ولا تحديداً، بل ينظرون إليه من غير تحديد، وذلك النظر أفضل من دركهم.

والدرك دركان، فدركٌ هو المشاهَدة والملاقاة جهرة.

والدرك الثاني ما يرد على القلب، وقد أدرك المؤمنون في الدنيا ربهم وعرفوه بقلوبهم، فلذلك أطاعوه، وذلك لما أحبوه. ولهم في هذا الدرك سرورٌ ولا نعيب عليهم في السرور الذي نالوه من معرفة الدرك لله، والمؤمنون يتفاضلون في الدرك لله، وذلك بَيِّن فيما يرى منهم في اتصال السرور بالمعرفة، على حسب اتصال المعرفة بالقلب، وكلما ترقى العارف في معارج المعرفة ترقى في معارج السرور.

وقد ترى جمهور أمتنا يعلمون أن الله عالم بعلمهم، أن الله عالم، دركاً به عرفوا الله، فهذا الدرك هو درك العلماء بالله، فإذا نزل بهم تفصيل معاني دقائق مسائل تدخل في الكلام في العلم، كان ذلك دركاً هو عند العالمين بالله، الذين هم في معاني درجات العارفين بالله، فإذا أخذوا في ذلك العلم وجدوا في ذلك سروراً.

فالناس لا يستوون في درك الله في الدنيا في تفاضلهم، وكذلك يتفاضلون غداً في إدراك الله، للمعنى الذي ليس هو تحديد الله، فيكون الله يعطيهم من ذلك العلم ما لا يخطر على قلب بشر في الدنيا، مما فيه السرور والتنعم للعالِمين بالله في الدنيا، ما لا يعطي كثيراً من سواهم من العلماء الذي هم دونهم، وقد عرفنا درك المؤمنين في الدنيا كيف هو . وأما درك المؤمنين في المعاد، فإنا لا نعلم كيف هو، لأنا لم نره وهو في الآخرة ثوابٌ، والثواب مؤجل، وكلما كان من ثواب الله في الجنة فلا يعلم كيف هو إلا الله، إلا أنا نعلم أن معنى الدرك له في الجنة ليس بتحديد ولا إحاطة، فاعرف معاني الدرك واعرف فضل الدرك الذي يكون في الآخرة، على فضل الدرك الذي يكون في الدنيا .

ولو أمدّ الله عز وجل الأبصار بالمعونة، حتى تدرك أقل قليلِ نقطةٍ من القطر في مُدلهمِ ليل عاتم تحت الأرض السفلى، من أبعد غايات السماوات العلى، ما أدركت الأبصارُ اللهَ، وكذلك لو أُمِدَّت الحوآس كلها بالمعونات حتى تدرك كل محسوس ما هجم منها شيء على الله سبحانه، تبارك وتعالى عن ذلك علواً كبيراً.

Nader
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1060
اشترك في: السبت إبريل 09, 2005 6:22 pm

مشاركة بواسطة Nader »

أخي معاذ، من الأدلة التي استدل بها الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي عليه السلام في هذا الشأن:﴿إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون﴾ والاية الكريمة كانت في خطاب الذي: ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ).المطففين 13،14،15 وعندما سٌئل الامام الشافعي عن مسألة الرؤية أجاب : لما حجب قوماً بالسخط دل على ان قوماً يرونه بالرضا...فما قولكم؟؟؟
أنا بالطبع لا أؤمن بالرؤية ولكني أريد أن اسمع الجواب قبل أن أٌسأل عنه. ومن ناحية أخرى، من الجميل وضع الرأي والرأي الاخر لنثري النقاش بموضوعية.
صورة

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

بسمه تعالى

أخي نادر بالفعل أنت من الرجال النادرين فبارك الله في أمٍ قد انجبتك كذا افلح أبوك فقد عرف كيف يختار لك اسما أنت له مسمى.
فنادرا هم اولئك الذين يستخدمون عقولهم في تلك المرحلة المبكرة من العمر والعمر كله لك فدم لنا نجما طالعا ونورا ساطعا والشكر لك موصول على مرورك الكريم

----------------

سيدي معاذ سلمت لنا تلك اليد الطاهرة والتي نقلت لنا قول مولانا وإمامنا وابينا القاسم بن ابراهيم صلى الله البر الرحيم عليه وعلى تلك الارواح التي حلت بجواره من ابنائه واحفاده وهنيئا لكم سيدي جواره وجوار جده رسول الله روحي له الفداء .

واترك لكم المجال للجواب على سؤال سيدي نادر والى لقاء قريب بحول الله
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

معاذ حميدالدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 212
اشترك في: الجمعة مارس 12, 2004 6:47 am
مكان: جدة
اتصال:

مشاركة بواسطة معاذ حميدالدين »

Nader كتب:أخي معاذ، من الأدلة التي استدل بها الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي عليه السلام في هذا الشأن:﴿إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون﴾ والاية الكريمة كانت في خطاب الذي: ( إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ، كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ).المطففين 13،14،15 وعندما سٌئل الامام الشافعي عن مسألة الرؤية أجاب : لما حجب قوماً بالسخط دل على ان قوماً يرونه بالرضا...فما قولكم؟؟؟
أستبعد أن يكون هذا كلام الإمام الشافعي رحمه الله، وعلى كلٍ هذا الإستدلال يفيد بأن الكفار كانوا قبل هذا يرون الله تعالى فالآية تفيد التقييد بـ﴿يومئذٍ﴾ فدلت أنهم قبل ذلك اليوم كانوا يروه. وأيضاً إثبات الحجاب بأي معنى له لقومٍ ما، لا يدل على عدمه عن غيرهم وهذا إستدلال بمفهوم المخالفة وهو من أضعف المفاهيم الإستدلالية.
فظاهر الآية يفيد بأن الكفار هم المحجوبون عن الله، وليس الله المحجوب عنهم، فيصير المعنى للمستدلين بهذه الآية في إثبات الرؤية أن الله لا يرى الكفار ولكنهم يروه، وعلى فرض صحة مفهوم المخالفة الذي استخدموه يصير المعنى أن الله يرى المؤمنين ولكنهم لا يروه! وهذا عكس ما أرادوه.
إذاً فتأويل هذه الآية هو كما قال الإمام القاسم بن إبراهيم عليه السلام:
"وتأويل ما سألوا عنه من قول الله سبحانه :﴿إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون﴾، وذلك أن الله عز وجل لا ينالهم برحمته وهم عن ربهم محجوبون، وتَرْجَمَتْ هذه الآيةَ آيةٌ أخرى قوله :﴿لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة﴾ [آل عمران: 77]. أي: نَظَرَه إلى أوليائه برحمته، ولا يُسمِعهم كلاماً لهم فيه سرور ولا فرحٌ، ولا ينظر إليهم أي: لا ينيلهم رحمة ولا يأتيهم بفرح."

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

بسمه تعالى

أحسنتم أخي معاذ ومفهوم المخالفة من أضعف المفاهاهيم وهو أقسام أضعفها مفهوم الصفة والذي لم يستدل به كما أظن غير الامام الشافعي كما ينسب اليه بعضُ اتباعه وعليه فإن تفسير الآية بهذه الطريقه محل نظر.

والمراد من الآية والله أعلم أن قدرةَ اللهِ على مَنْ في أرض المحشر قدرةٌ نافذةٌ متصرفة لا تحجبُ عن احدٍ من خلقه
فيصلُ نعيمه الى من يستحقه من المكلفين ويصل عقابه الى من يستحق عقابه من المكلفين ضمن معايير وموازين العدالة الاهية التى لا تظلمُ أحدا.
فلا سلطان للمخالفين له_ والجاحدين لوجوده ولمنهجه الذي فرضه على عباده في الدنيا_ يحجبهم عن عدل الله وعن ارادة الله التى تنفذ في المراد وتتصل به على جهة الفور وفي لمح البصر فسبحان من لا تخفى عليه خافية ولا يعجزه شيء في الارض ولا في السماء ولا يحتجب عنه أحد من خلقه العاجزين والمذعنين والمستسلمين له في ذلك اليوم العصيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

حسن عزي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 102
اشترك في: الأربعاء يونيو 08, 2005 1:45 pm
مكان: العالم الإسلامي

مشاركة بواسطة حسن عزي »

محمد الغيل كتب:يحجبهم عن عدل الله وعن ارادة الله التى تنفذ في المراد وتتصل به على جهة الفور وفي لمح البصر
السلام عليكم ... أخي الفاضل محمد الغيل بارك الله فيكم

أسجل هنا متابعتي للحوار الراقي المفيد بشأن موضوع الرؤية ولدي ما هو أقل من ملاحظة:

1) قولكم "يحجبهم عن عدل الله وعن إرادة الله" ، ربما يستحسن أن نقول يحجبهم عن رحمة الله حتى يبقى العدل أساسا للكل وحتى لا ينسب الظلم لله تعالى بحجب خلقه عن عدله . وقولكم "عن إرادة الله" فكيف يتصور الحجب عن إرادته وهي متعلقة بكل شيء ؟

2) قولكم "وفي لمح البصر" نتكلم هنا عن معيار للوقت بحسب ما نراه نحن الحوادث وهو مقدار لمح البصر وربما لا يستحسن أن نصف إرادة المولى عز وجل بأنها تنفذ في المراد (لله تعالى) في وقت مقدر بمقاييس الحوادث حيث إن كلامكم هنا هو على نفاذ إرادة الله بمراده تعالى وأريد هنا أن أنزه تعلق إرادته بمراده عن تقديرها بوقت الحوادث (لمح البصر) .

وربما نعود في وقت لاحق إلى مفهوم المخالفة عند الشافعي رحمه الله تعالى.

أشكركم سيدي وجزاكم الله خيرا وأرجو أن تكملوا هذا الحوار الرائع المفيد ودمتم

حسن عزي

Nader
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1060
اشترك في: السبت إبريل 09, 2005 6:22 pm

مشاركة بواسطة Nader »

أخي معاذجزاك الله خيرا، فعلا كان الاستدلال هنا فيما ذكرت أقوى مما تشدقوا به.
أما عن الامام الشافعي فهو ما قرأته عنه في موقع رافد www.rafed.com ستجد هناك الكثير من المراجع.
لي صديق يرفض التمذهب و يعتبره عنصرية ويعتمد كليا على القران (هذا رأيه الشخصي)، فسألته عن رأيه في هذا الموضوع، راجيا أن أجد ردا معتمدا اعتمادا كليا على القران والعقل غير متأثر بما قد سمع أو ورث من أفكار، فكان جوابه كالتالي:
أنا أرى أن الاية التي تقول:
(لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) الأنعام 103، هي اجابة واضحة لا شك فيها. والمتطلع للايات يرى أن كل ماقبلها كان تذكيرا بعظمة الخالق لمن يعلم ويفقه ويؤمن (إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُون) 95( فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)96( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)97( وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ)98( وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُّخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُّتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)ثم تنــزيها له من كل شرك (99( وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ)100( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)101(
ومن بعدها تأكيد التوحيد (ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل) ثم قال سبحانه : 102( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)103
واختتم (السياق) بقوله ( قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ)

فالمتتبع للسياق يفهم أن عدم ادراك الابصار له هو تنزيه وتعظيم و اجلال له سبحانه.

شكرا للغيل النقي الصافي.
الأخ حسن عزي، شكرا لاضافتك،قد لا أختلف معك،ولكنك خرجت عن الموضوع الأساسي.
تحياتي
صورة

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

بسمه تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مرحبا بكم سيدي حسن عزي بيننا للمتابعة والمناقشة والانتقاد حتى
فمثلك يحق له أن ينتقد ويلاحظ فلا ظير ولا جناح عليكم فلي الشرف أن اتعلم منكم واستفيد من ملاحظاتكم لما وهبكم الله من علم وفهم وصفاء قلب وطيب نية :-

سيدي الكريم
توضيحا لما قدمتُ سابقا من قولٍ أقول إن الكفار والمعاندين لمنهج الله لا يملكون في دار الاخرة سلطانا ولا نصيرا ولا حاجبا ولا ملجأ يهربون اليه ولا مدخلا يتكلون عليه فهم في ارض المحشر حفاة عراة ليس لهم نصير ولا حاجب يحجبهم عن أمر الله وهيمنته و قدرته فهو قادر عليهم مطلقا "وأمره وهيمنته وقدرته هنا بمعنى واحد ".
فعدل الله فيهم نافذ ولا يقدرون على دفع هذا العدل القائم على اساس معايير وموازين العدالة الاهية التى لا تظلمُ أحدا.
و هم في حالة عجز لا يقدرون على الاحتجاب عنه لعجزهم وخورهم وحاجتهم وذلتهم ومسكنتهم .

أما رحمة الله فلا يستحقها ولا ينالها في ذلك اليوم العصيب الا المؤمنون لا غيرهم من المنافقبن والكفار والفساق والذين لا يملكون سلطانا ولا حاجبا يحجبهم عن الله وعدله في تلك العرصات .

سيدي الكريم

عقيدتي في الارادة هي ما أوضحه وذكره الامام الهادي الى الحق يحيى بن الحسين في كتابه المجموعة الفاخرة قال رحمة الله عليه ((وأما الإرادة منه جل جلاله وتقدس عن أن يحويه قول أو يناله، فمحدثة مكونة موجودة وعن صفات ذاته زائغة باينة، تحدث بإحداث فعله، إذ ليس هي غير خلقه وصنعه؛ لأن إرادته للشيء خلقه له، وخلقه له فهو إيجاده إياه، وإيجاده إياه فهو إرادته له، فإذا خلق فقد أراد وشاء، وإذا أراد فقد خلق وبرا، لا فرق بين إرادته في خلق الأجسام ومراده؛ لأن إرادته لإيجاد الاجسام هو خلقه لما فطر من الصور التوام، لا تتقدم له إرادة فعلاً، ولا يتقدم له أبداً فعل إرادة، ولا تفترق إرادته وصنعه، بل صنعه مراده، ومراده إيجاده. وإنما يتقدم الإرادة فعل المفعول إذا كان الفعل مخالفاً للمفعول المجعول، وكان الفعل متوسطاً بين الفاعل ومفعوله، فحينئذ تتقدم إرادة المريد أفاعيله ومعموله، وذلك فلا يكون إلا في المخلوقين، ولن يوجد ذلك أبداً في رب العالمين؛ لأن كل مفعول للمربوبين فإنما قام وتجسم واستوى من بعد العدم وتم بالفعل المتقدم له من الحركات، بالرفع والوضع في الحالات، ........ )) وفي موضع آخر من نفس الكتاب قال يرحمه الله

(( واعلم هُديت أن معنى الإرادة شاء، وأن معنى شاء أراد، ومعنى أراد هو شاء، وأن معنى المشيئة من الله تعالى للشيء هو إحداثه وخلقه، لا فرق بينهما في الله تبارك وتعالى، ولا يقال لله إنه شاء أن يخلق ثم خلق من بعد المشيئة، فيفصل بين المشيئة وبين الشيء بمهلة بعد، قلّت أم كثرت، وإنما يقع الفرق بين المشيئة وبين الشيء على الآدميين، ومن لا يحيط علمه بعاقبة فعله من المخلوقين، فيحتاج ويضطر إذا شاء الشيء أن ينويه ويضمره، ثم ينتظر به من الأوقات ما يصلح له صنعه فيه من الليل والنهار، وانتظار حركة منه أو قعود أو قيام، أو انتظار من يأمر من الأعوان، ثم لعله أن يعجز عمَّا أراد، أو يعجزوا هم، ولا يتهيأ له ولا لهم، والله تبارك وتعالى محيط بعلم الأشياء، لا يعزب عنه شيء من الغيوب، ولا يعجزه مستصعب من الأمور. إذا شاء شيئاً كان بلا كلفة ولا اضطرار، وليس المشيئة منه بالنية والإضمار، ولا بالمهلة والانتظار، مشيئته للأشياء إيجادها، وإيجادها مشيئته، فتبارك من كوَّن الأشياء بقدرته، ودل على نفسه بما ابتدع من فطرته.))
الى آخر ما ذكر صلوات الله البر الرحيم عليه فهذا ما ندين االله به من القول في هذه المجال

قلتم سيدي الكريم ((فكيف يتصور الحجب عن إرادته وهي متعلقة بكل شيء ؟))

سيدي أنا لم أرى هذا ولا اتصوره البتة وكل ما في الامر أني أنفى نفيا قاطعا أن يكون للكفار والعصاة حاجب يحجبهم عن سلطان الله عليهم فهم في ارض المحشر لا يملكون سلطانا ولا نصيرا ..

سيدي الكريم

يتجلى من خلال ما ذكرت سابقا أن الملاحظة الثانية التى ذكرتموها قد بان مذهبي فيها غير أن عباراتي الآولى كانت ضمن الامثال التى ذكرها الله في كتابه لا غير وذلك لتقريب المعنى ليفمه العام قبل الخاص والامثال التى ذكرها الله في كتابه المجيد كثيرة منها ما قاله في سورة ياسين ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إذا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[يس: 82] فلا يعقل أن يخاطب الله العدم بقوله كن وإنما المراد تقريب المعنى ليفهمه العامة وعليه يقاس ماورد في كتاب الله بهذه الصفة وآية لمح البصر في سورة القمر قال تعالى (( وما أمرنا الا واحدة كلمح بالبصر )) {القمر : 50} داخلة في هذا الاطار والله أعلم وأحكم

على العموم اشكركم سيدي على هذه الملاحظات فهي مفيدة فجزاكم الله عني خيرا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله
يقول الله سبحانه ((كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ)) {سورة المطففين 15}

كلاَّ : قيل إنها مركبة من كاف التشبية ولا النافية والتشديد في اللام لتقوية المعنى فقط .

وقيل إنها غير مركبة وإنها حرف معناه الردع والزجر وعليه فإنه يجوز الوقوف عليها ابدا .

وقيل إن الردع والزجر ليس مستمرا فيها وعليه فستكون بمعنى (( حقاَ)) أوتكون للاستفتاح ايضا أوتكون بمعنى إي ونعم .

وهذا الاختلاف فيها سبب في تعدد تفسير الآية لكن من يرى أنها للنفي وهو ما ذهبت اليه سابقا ومن يرى أنها بمعنى ((حقا)) الكل لا يثبتون الرؤية لله البتة فليست الرؤية مذكورة هنا لا من قريب ولا من بعيد.

اليكم المعنى الاول: إن هؤلاء الكفار العصاة في ارض المحشر في يوم القيامة لا يملكون سلطانا يحجبهم عن عدل الله ولا عاصم لهم منه لذلتهم ومسكنتهم وضعفهم فالله قادر عليهم ووعيده يصل اليهم فلا مانع يمنعه منهم .

والمعنى الثاني: وهو ما ذهب اليه الكثير وعلى رأسهم مولانا الامام القاسم أن ((كلا)) حرف ردع وزجر يجوز الوقوف عليها فيكون المعنى إن هؤلاء الكفار العصاة في يوم القيامة مجوبون عن الله .

ومن هنا يأتي التأويل فمعشر العدلية وغيرهم يقولون محجوبون عن رحمة الله لإن معنى الحجب هنا الاستتار والمنع و الابعاد قال في
لسان العرب المجلد الأول.

حرف الباء الموحدة.
فصل الحاء المهملة.
حجب:
الحِجابُ: السِّتْرُ.
حَجَبَ الشيءَ يَحْجُبُه حَجْباً وحِجاباً وحَجَّبَه: سَترَه.
وقد احْتَجَبَ وتحَجَّبَ إِذا اكْتنَّ من وراءِ حِجابٍ.
وامرأَة مَحْجُوبةٌ: قد سُتِرَتْ بِسِترٍ.
وحِجابُ الجَوْفِ: ما يَحْجُبُ بين الفؤَادِ وسائره.
قال الأَزهريّ: هي جِلْدة بَين الفؤَادِ وسائر البَطْن.
والحاجِبُ: البَوَّابُ، صِفةٌ غالِبةٌ، وجمعه حَجَبةٌ وحُجَّابٌ، وخُطَّتُه الحِجابةُ.
وحَجَبَه: أي: مَنَعَه عن الدخول.
وفي الحديث: ((قالت بنُو قُصَيٍّ: فينا الحِجابةُ)).
يعنون: حِجابةَ الكَعْبةِ، وهي سِدانَتُها، وتَولِّي حِفْظِها، وهم الذين بأَيديهم مَفاتِيحُها.
والحَجابُ: اسمُ ما احْتُجِبَ به، وكلُّ ما حالَ بين شيئين: حِجابٌ، والجمع حُجُبٌ لا غير.
وقوله تعالى: {وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ} [فصلت: 5] معناه: ومن بينِنا وبينِك حاجِزٌ في النِّحْلَةِ والدِّين؛ وهو مثل قوله تعالى: {قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ} [فصلت: 5]، إِلاَّ أَنَّ معنى هذا: أَنَّا لا نُوافِقُك في مذهب.
واحْتَجَبَ المَلِكُ عن الناس، ومَلِكٌ مُحَجَّبٌ.
والحِجابُ: لحْمةٌ رَقِيقةٌ كأَنها جِلْدةٌ قد اعْتَرَضَتْ مُسْتَبْطِنةٌ بين الجَنْبَينِ، تحُولُ بين السَّحْرِ والقَصَبِ.
وكُلُّ شيءٍ مَنَع شيئاً، فقد حَجَبَه كما تحْجُبُ الإِخْوةُ الأُمَّ عن فَريضَتِها، فإِن الإِخْوة يحْجُبونَ الأُمَّ عن الثُّلُثِ إِلى السُّدُسِ. (ج/ص: 1/299)
والحاجِبانِ: العَظْمانِ اللَّذانِ فوقَ العَيْنَينِ بِلَحْمِهما وشَعَرهِما، صِفةٌ غالِبةٌ، والجمع حَواجِبُ. الخ

أقول ولفظ الحجاب مستخدم من قبل الشارع الكريم في أكثر من موضوع من ذلك ما أخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال: إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب".
والمراد من نفي الحجاب المذكور في الحديث سرعة الاجابة للمظلوم لا أن هناك سترا ومانعا وحجابا بين الله وبين بقية من يدعوه من عباده المؤمنين .

على أن المخالفين لنا في مثل هذا التأويل إنما استدلوا بمفهوم المخالفة وهو مفهوم ضعيف جدا اذا لا يلزم من حجب الكفار عن الله رفع الغطاء عن غيرهم من خلقه .
ثم يقال لهم كيف هذا الحجاب وما صفته هل هو من الثياب أم من الخز أم الجلد وهل هو بيت معمور فيكون الله فيه دون غيره كما يفعل ملوك الدنيا وكيف يكون الله فيه والله هو المحيط بالاشياء وكيف يكون الله متحيزا في مكان دون مكان وهو معكم اينما كنتم في دنيا أو في آخرة وفي جنة أو في نار !!!!!!

واذا رفع الله الحجاب عن المؤمنين وكان لهم رؤيته في ارض المحشر فما الذي سيشاهدونه بحدقة العين هل جسم متكتل؟؟؟؟ أم عرض زائل ؟؟؟ وهل سيرونه بالكلية أم بعضا منه؟؟

إن قالوا: بعضا منه أثبتوا أنه يتبعض وأنه جسم مثل الاجسام وهو ما نفاه الله عنه بقوله(( ليس كمثله شيء)) .
وإن قالوا: الكل أحاطوا به علما وكيف يحيطون به علما وهو من نفى عن نفسه ذلك في كتابه المجيد ..

والى لقاء قريب بحول الله
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

محمد الغيل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 2745
اشترك في: الأحد إبريل 18, 2004 3:47 am
اتصال:

مشاركة بواسطة محمد الغيل »

بسم الله الرحمن الرحيم

نموذج من أدلة القائلين بالرؤية من كتاب
الإبانة عن أصول الديانة،لأبي الحسن الأشعري المتوفى سنة 324 هـ 935 م
الباب الأول
الكلام في إثبات رؤية الله سبحانه بالأبصار في الآخرة



فصل
فإن قال قائل: فما معنى قوله تعالى: (لا تدركه الأبصار) من الآية (103 /6) ؟
قيل له: يحتمل أن يكون لا تدركه في الدنيا، وتدركه في الآخرة؛ لأن رؤية الله تعالى أفضل اللذات، وأفضل اللذات تكون في أفضل الدارين أهـ.
------------


اقول معنى(( لا تدركه الابصار)) المراد من الآية نفى وقوع الابصار على ذاته المقدسة التى لا تتشابة مع الذوات الاخرى والتى يمكن للابصار النظر اليها بحدقة العين وهذا النفي مستمر على جهة الثبوت والديمومة ولا يتغير بسبب الانتقال الى دار الاخرة اذ يلزم منه تغير القديم سبحانه من حال الى حال اذ المعلوم أن ذاته لا ترى في الدنيا كذلك ذاته لا ترى في الآخرة اذ يستحيل على ذات القديم الانتقال من حال الى حال فتارةً يكون محجوبا لا يرى في دار الدنيا وتارةً يكون مشاهدا بالعين في دار الآخرة فهذا التحول والانتقال من حال الى حال إنما هو من صفات الاجسام والاعراض لا من صفات القديم و الذي ليس كمثله شيء سبحانه .

ثم إن الله مدح نفسه بهذا وما مدح الله نفسه به لا يزول ولا يكون في حال دون حال بل ثابت له ابد الابد فإن قيل إنما المدح في ما كان مثبتا لا في ما كان منفيا قيل بل السلب والنفي مدح ايضا تقول زيد لا يعجز ه شيء وهند لا ترى بالعين لعفتها وحشمتها وجليل صفتها .



وقوله (( يحتمل أن يكون لا تدركه في الدنيا، وتدركه في الآخرة؛ لأن رؤية الله تعالى أفضل اللذات، وأفضل اللذات تكون في أفضل الدارين .))

يقال له في هذا إن الدليل اذا تطرق اليه الاحتمال بطل به الاستدلال ثم إن هذه الآية من المحكم والذي ليس له الا معنى واحد وهو نفي الرؤية برمتها عن ذات القديم أقول والذي يدل على أن الآية من قسم الحكم ما تقدم من نفي للرؤية سابقا من كون القديم لا يجوز عليه التغير والانتقال من حال الى حال
وتعليله بإن رؤية الله في الآخرة أفضل اللذات منقوض من جهات
1- لا يوجد دليل قاطع يدل على أن الرؤية لله لذة ومن أعظم اللذات فكتاب الله عارٍ عن مثل هذا البتة
2- ما جاء من الآخبار الاحادية في هذا المجال لا يصلح دليلا اذ المعلوم أن آخبار الاحاد التي تفيد الظن لا يؤخذ بها في مسائل الاصول كما أن هذه الاخبار تناقض بعضها بعضا فمنها ما يثبت الرؤية في أرض المحشر للمؤمنين فقط ومنها مايثبث الرؤية للمنافقين والكفار وعليه فإن للكفار والمنافقين نصيب من هذه الذة!!!
3- كون الذة علة للرؤية بالعين فهذ معناه أن دليلكم غير صحيح ويتطرق اليه الاحتمال ايضا فقد تحصل هذه الذة عن طريق أمر آخر وهو العلم بالقلب بوجد الله اذا العلم بوجوده فيه من الذة ما يجعل قلب المعتقد المؤمن الموحد في فرح وسرور وقد شاهدنا هذا ولمسناه في الدنيا عند ما حصل لنا العلم الاستدلالي بوجده فما بلكم عند ما يحصل لكم العلم الضروري بوجوده في دار الجزاء والحساب وفي ارض المعاد .
-


----------------



قال الاشعري

ويحتمل أن يكون الله تعالى أراد بقوله: (لا تدركه الأبصار) من الآية (103 /6) يعني: لا تدركه أبصار الكافرين المكذبين، وذلك أن كتاب الله يصدق بعضه بعضا، فلما قال في آية: إن الوجوه تنظر إليه يوم القيامة، وقال في آية أخرى: إن الأبصار لا تدركه، علمنا أنه إنما أراد أبصار الكافرين لا تدركه . (2/ 48)

اقول وهذا مناقض لما رواه القوم وتظافرت به الادلية عندهم من أن الرؤية تكون لمن في ارض المحشر من المنافقين والكفار والعصاة تأمل

أخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي والدارقطني في الرؤية والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: "قال الناس يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك، يجمع الله الناس فيقول من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع منكان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون،
فيقول: أنا ربكم فيقولون: نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فإذا أتانا ربنا عرفناه فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه.
ويضرب جسر جهنم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم، وفيه كلابيب مثل شوك السعدان، غير أنه لا يعلم قدر عظمتها إلا الله فتخطف الناس بأعمالهم منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل، ثم ينجو حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بآثار السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة فينبتون نبات الحبة في جميل السيل.
ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، فيقول: يا رب قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها فأصرف وجهي عن النار فلا يزال يدعوا الله فيقول لعلي: إن أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره.
فيصرف وجهه عن النار، ثم يقول بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة فيقول: أليس قد زعمت لا تسألني غيره؟ ويلك يا ابن آدم ما أغدرك فلا يزل يدعو فيقول لعلي: إن أعطيتك ذلك تسألني غيره، فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره.
فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: رب أدخلني الجنة. فيقول: أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك.
فيقول: رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك الله عز وجل، فإذا ضحك منه أذن له في الدخول فيها، فإذا دخل فيها قيل له: تمن من كذا فيتمنى، ثم يقال له: تمن من كذا فيتمنى حتى تنقطع به الأماني، فيقول: هذا لك ومثله معه.
قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا الجنة. :!:

قال: وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه حتى انتهى إلى قوله: هذا لك ومثله معه. قال أبو سعيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هذا لك وعشرة أمثاله" قال أبو هريرة: حفظت ومثله معه.
وأخرج الدارقطني في الرؤية عن أبي هريرة قال: "سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: فهل تضارون في رؤية الشمس عند الظهيرة ليست في سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال: فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم عز وجل كما لا تضارون في رؤيتهما، فيلقى العبد فيقول: يا عبدي ألم أكرمك؟ ألم أسودك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل، وأتركك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب. قال: فاليوم أنساك ما نسيتني ثم يلقى الثاني فيقول: ألم أسودك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل؟ وأتركك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى يا رب. قال: أفننت أنك ملاقي؟ قال: لا يا رب. قال: فاليوم أنساك كما نسيتني.

قال: ثم يلقى الثالث فيقول: ما أنت؟ فيقول: أنا عبدك آمنت بك وبنبيك وبكتابك وصمت وصليت وتصدقت، ويثني بخير ما استطاع، فيقال له: ألا نبعث عليك شاهدا فيفكر في نفسه من الذي يشهد علي؟ قال: فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي فينطق فخذه ولحمه وعظمه بما كان يعمل ذلك المنافق وذلك بعذر من نفسه، وذلك الذي يسخط الله عليه،
ثم ينادي مناد: ألا اتبعت كل أمة ما كانت تعبد، فيتبع أولياء الشيطان الشيطان، واتبعت اليهود والنصارى أولياءهم إلى جهنم، ثم نبقى أيها المؤمنون فيأتينا ربنا عز وجل، وهو ربنا، فيقول: علام هؤلاء قيام فيقولون: نحن عباد الله المؤمنون عبدناه وهو ربنا وهو آتينا ومثيبنا وهذا مقامنا، فيقول الله عز وجل: أنا ربكم فامضوا فيوضع الجسر وعليه كلاليب من نار تخطف الناس، فعند ذلك حلت الشفاعة أي اللهم سلم، فإذا جاوز الجسر فمن أنفق زوجا من المال مما يملك في سبيل الله وكل خزنة الجنة يدعوه يا عبد الله يا مسلم هذا خير فتعال. قال أبو بكر: يا رسول الله إن ذلك العبد لا ترى عليه يدع بابا ويلج من آخر فضرب النبي صلى الله عليه وسلم منكبيه وقال: والذي نفسي بيده إني لأرجو أن تكون منهم".
وأخرج الدارقطني في الرؤية عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء الرب عز وجل إلى المؤمنين، فوقف عليهم والمؤمنون على كوم فيقول: هل تعرفون ربكم عز وجل؟ فيقولون: إن عرفنا نفسه عرفناه. فيقول لهم الثانية: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: إن عرفنا نفسه عرفناه. فتجلى له عز وجل فيضحك في وجوههم فيخرون له سجدا".
وأخرج النسائي والدارقطني وصححه عن أبي هريرة قال: "قلنا يا رسول الله هل نرى ربنا؟ قال: هل ترون الشمس في قوم لا غيم فيه، وترون القمر في ليلة لا غيم فيها؟ قلنا: نعم قال: فإنكم سترون ربكم عز وجل حتى إن أحدكم ليحاضر ربه محاضرة، فيقول عبدي: هل تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: ألم تغفر لي؟ فيقول: بمغفرتي صرت إلى هذا".
وأخرج الدارقطني عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ترون الله عز وجل يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر أو كما ترون الشمس ليس دونها سحاب".
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدارقطني عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن الله ليتجلى للناس عامة وتجلى لأبي بكر خاصة".
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال: "قلنا يا رسول الله: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحوا ليس فيه سحاب؟ قلنا: لا يا رسول الله. قال: هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيه سحاب؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: ما تضارون في رؤيته يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما".

أقول وكل هذه الاخبار عندهم مقبولة صحيحة الاسناد على اصولهم ومع هذا يتحرج الاشعري أن تكون الرؤية لمن في أرض المحشر من كفار ومنافقين وعصاة ويثبتها لقوم دون قوم وبعلة إن الرؤية لذة ومن الذ اللذات عجيب ثم غريب هل هذا الا الخذلان المبين والتناقض الفاضح المشين :!: ؟؟..

والى دليل آخر من أدلة الاشعري بحول الله
صورة
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون
صورة

Nader
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1060
اشترك في: السبت إبريل 09, 2005 6:22 pm

مشاركة بواسطة Nader »

أحسن الله إيك أخي محمد، أتمنى أن يقرأ ما كتبته من يؤمن بالرؤية خصوصا من ذهب الى تكفير ما أسموه بالــ (الجحود بنعمة رؤية الله).. هداهم الله.
وَ " رُؤْيَتُهُ سُبْحَانَهُ " هِيَ أَعْلَى مَرَاتِبِ نَعِيمِ الْجَنَّةِ وَغَايَةُ مَطْلُوبِ الَّذِينَ عَبَدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ؛ وَإِنْ كَانُوا فِي الرُّؤْيَةِ عَلَى دَرَجَاتٍ عَلَى حَسَبِ قُرْبِهِمْ مِنْ اللَّهِ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِهِ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ " السَّلَفِ " أَنَّ مَنْ جَحَدَ رُؤْيَةَ اللَّهِ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَهُوَ كَافِرٌ ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْعِلْمُ فِي ذَلِكَ عُرِّفَ ذَلِكَ كَمَا يُعَرَّفُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ شَرَائِعُ الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى الْجُحُودِ بَعْدَ بُلُوغِ الْعِلْمِ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ
عن موقع ابن تيمية http://ibntaimiah.al-islam.com/

كما أود أن أضيف بعض الشيء الى ماقلته أخي محمد عن ما استشهدوا به في قوله تعالى :لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ
من قال أنه:
يحتمل أن يكون لا تدركه في الدنيا، وتدركه في الآخرة؛ لأن رؤية الله تعالى أفضل اللذات، وأفضل اللذات تكون في أفضل الدارين

فنقول اذا كانت الأبصار لاتدركه في الدنيا، فلزم أنه يدرك الأبصار في الدنيا فقط، و هو اللطيف الخبير في الدنيا فقط. لا نها عطفت على ماقبلها. حاش لله ذلك.
صورة

أبو العباس
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 156
اشترك في: السبت مايو 14, 2005 10:32 am

مشاركة بواسطة أبو العباس »


طلب مني الأخ نادر وفقه الله المشاركة في هذا الموضوع .

وفي الحقيقة أنني شاهدت الموضوع من قبل ، وفكرتُ في الإقدام على النقاش فيه .

خصوصاً وقد رأيت للأخوة فيه أغلاطاً غليظةً ، وكوني ممن يعتقد أن الله عز وجل يفعل ما يشاء ، وأنه
أعلم بنفسه من عباده ، وأن نعيمه لعباده المؤمنين منه رؤيتهم له ، نسأل الله تعالى أن لا يحرمنا النظر إلى وجهه الكريم .

غير أني أرى أن هذه المسألة ذات شعب ، وستأخذ من الوقت الكثير ، وأنا على ارتباطٍ في نقاشاتٍ أخرى منها الدفاع عن أبي هريرة ، والجهاد في العراق . ولا أريد أن أترك نقاشاً خضتُ فيه حتى ينتهي .


وعلى العموم لعلي أدرك النقاش لاحقاً في هذه المسألة .

وللجميع تحياااتي

Nader
مشرفين مجالس آل محمد (ع)
مشاركات: 1060
اشترك في: السبت إبريل 09, 2005 6:22 pm

مشاركة بواسطة Nader »

شكرا لاستجابتك وفقنا الله جميعا.
في الانتظار على أحر من الجمر لنعلم أيُّ الأغلاط الغليظة قصدت.
مع أنني أظن أن موضوع في أصول الدين لهو أحرى أن يناقش فيه لما ذهب الكثير بسببه الى تكفير من شهد الشهادتين.
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“