اتمنى ان تنال هذه القصه اعجابكم و سأنزلها على حلقات فيما اذا نالت القبول انزلت ما يليها
كنت متردده بشأن طرحها بالمجلس لانها نوعاً ما طويله,,و عموماً لو ثقلت فاخبروني لا حرج عليكم

--------------------------
يتقدم نحو الشمس مستقبلا الأفق شاعرا بمشاعر غريبة يعجز عن مجرد التفكير بوصفها, هاهو ذا بعد ما ابيض منه الأسودين, رأسه و قلبه, يعود إلى نقطة البداية, تائبا زاهدا لا يحمل بقلبه ضغينة لأحد و لا يدور في بالة الانتقام بأي شكل من الأشكال لا يرغب سوى بالسلام الذي يأمل أن توفره له الأرض التي طرحته في يوم من الأيام غرسا طيبا قبل أن يعيث دودها فيه فسادا و ينخر فيه شرا, جل ما يتمناه أن يجد أهلها كما عهدهم من طيبه في النفوس و نقاء الضمائر,
عسى أن تكون هذه الأرض المنفية قد ظلت أمنه من زحف المادية و ما يتبعها من شرور الحياة, فقد كانت في يوم ما اقرب ما يستطيع القصور الإنساني الوصول إليه من المدينة الفاضلة و جنة الله في أرضه..لولا أن كان هو الحية التي أغوت سكانها ...
ترى أما تاب الله عليهم بعد؟
دقائق هي و يتضح له مآبها و حال سكانها فليصبر النفس قليلا ما ضرها الانتظار على أمل, بعد أن عانت من اليأس ما عانت.
هاهي معالم الحياة تتبدى شيئا فشيئا و هاهي نبضات القلب تسابق بعضها يكاد يضع يده عليه حتى لا يقفز من صدره ..
طفل صغير يجري حافي القدمين يجر وراءه خيطا لا يعلم إلا الصغير و ربه ما يفترض به أن يكون , و آخرون ينبشون الأرض قد يكون بحثا عن شيء ضائع أو قد يكون حلم مدفون يسعون لبعثه .
و هؤلاء شباب القرية يتسكعون في طريق عودتهم من الحقل بعد أن حرثوه و يدورون بأنظارهم على استحياء بغية أن يلمحوا صبايا القرية المتخفيات خلف الستائر الثقيلة التي يرتدينها و الأمهات من النوافذ يصرخن بأن يسرعن بجلب الماء و الحطب, كأن ثلاثين عاما من التشرد و الغربة لم تمر قط, البيوت هي البيوت و الشوارع كما هي, فقط الوجوه التي تغيرت, منها ما خط الزمن أثاره عليه بالكاد يستطيع تبين بعض الملامح خلف التجاعيد, و منها ما ينبض بالحياة و يشع بروح الشباب... أما كان هو بنفسه في يوم من الأيام يضج نشاطا و يفور شبابا و يظن الأرض خلقت لأجله و عليه السعي لينال منها ما يستطيع..
ألا ليت الشباب يعود يوما, و لكن هل يتمنى ذلك حقا.. أيعود للسير على ذات النهج لو قدر له أن يستعيد شبابه؟
هو لم يكن يوما ما ممن يسعون لمغالطة النفس حتى يتمكنوا من العيش بسلام مع أنفسهم, كلا.. أن كان له من خصلة طيبه فهي الاعتراف بالحق لنفسه قبل أن يكون للآخرين و عليه فهو يدرك انه لو عاد به الزمن ثلاثون عاما إلى الخلف فلن يكون له إلا المضي على نفس الخطى المصيرية, ليس لأنه قدر بل لأن النار التي كانت تشتعل بداخله و تقوده كانت في أوجها تنشر لهيبها حيثما طالت ألسنتها
كان مساء خريفيا واضح المعالم, الرياح تزأر بين الحين و الآخر تجر معها أوراق الشجر المتساقطة, و الأشجار تبدو باردة تبعث قشعريرة في نفس من يراها تتمايل عارية الأغصان
و كان الجميع قد عادوا من الحقل بعد صباح شاق, في دنيا الفلاحين و المزارعين لا فرق بين شتاء و ربيع, يقصدون الأرض قبل شروق الشمس بوقت محدد لا يتأخرون عنه و لا يتقدمون... كلهم هكذا, ما عداه..غريب هو كيف ينبت من الشجر المثمر شوكا ,هكذا كان هو لأهل القرية و لوالديه الذين كانا مضرب الأمثال في التقوى و الزهد و صلاح الشأن,, كيف شب عن طوعهم و تمرد عن أمرهم... لا احد يدري كيف و متى بدء شيطانه يميله عن الطريق المستقيم عن درب والديه و أهله الصالحون.
و هكذا ابتدأت الطرقات تخلوا من الماره ما عدا أطفال متناثرون على جنبات الطريق بين مسافة و أخرى
مما زاد من وعورة الطريق بالنسبة إليه..و زادها وحشة و كآبه
حتى بدا له مراده من بعيد..في آخر الطريق بجانب شجرة السنديان العتيقة...
تسارعت دقات قلبه أكثر و أكثر...يداه تتعرقان و ترجفان..ساقيه يشعر بهما رخوتان لا تكادا تقويا حمله..
و البيت يبدوا لناظريه اقرب فاقرب حتى أصبح لا يرى غيره..طغى على عالمه كله..
الآن و قد أصبح أمامه لم يعد يفصل بينه و بين الماضي سوى طرقة باب
--------------------------