شيخ الشهداء عمر المختار

أضف رد جديد
سيد حسن الادريسى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 23
اشترك في: الأحد إبريل 10, 2005 6:35 pm
مكان: ليبيا

شيخ الشهداء عمر المختار

مشاركة بواسطة سيد حسن الادريسى »

يطيب للمؤرخين كتابة تاريخ المعارك وما بُذل فيها من دماء، دونما خوض في أحوال القلوب التي بَذلت أرواحها وسالت دماؤها، ولهم في ذلك عذر؛ لأن التاريخ يبحث في الوقائع والأحداث، وقلما يجد من دليل أو رواية صادقة عن أحوال المشاركين فيها؛ ويرجع ذلك إلى أن الوقائع هي التي أشهرت أسماءهم؛ لذا فلم يهتم أحد بأحوالهم قبلها، ولكن القرآن علمنا أن أعمال القلوب هي الأصل في أعمال الجوارح، وهذا هو معنى الإيمان، ومن هنا ستكون مسيرتنا مع هذا البطل محاولة لإظهار جهاده القلبي، في مواجهة الإغراء الدنيوي.

هو... عمر بن المختار بن فرحات من عائلة غيث، وفرحات قبيلة من بريدان أحد بطون قبيلة المنفة، وأمه هي عائشة بنت محارب، وقد ولد –حسب روايته- بعد وفاة السيد محمد بن علي السنوسي الذي توفي عام 1859م/1276هـ، وعلى ذلك تكون ولادته في حدود عام 1861م وعام 1862م، وقد كان والده –رغم قلة المعلومات عنه- مشهورا بشجاعته في القتال وإقدامه، بالإضافة إلى مكانته بين قومه، وقد عهد الوالد بولده إلى السيد حسن الغرياني شيخ زاوية جنزور (التابعة للطريقة السنوسية) لتربيته وتحفيظه القرآن، وعند وفاة الوالد عام 1878 في رحلة الحج أوصى من حوله بأن يرعى هذا الشيخ أولاده من بعده، فقام الشيخ بما عهد إليه خير قيام، فقام بإرسال عمر وهو ابن 16 عاما إلى معهد زاوية الجغبوب مع أولاده؛ ليتعلم في هذا المعهد السنوسي كافة العلوم الشرعية، فتلقى القرآن وعلومه على يد الشيخ الزروالي المغربي، ودرس على سائر مشايخ المعهد مجموعة من العلوم الشرعية وغيرها، وقد كان نهج التعليم في المعهد أن يقوم الدارس بأداء بعض المهن اليدوية مثل: النجارة والحدادة، وقد تميز عمر المختار في هذه الحرف وفي ركوب الخيل على سائر إخوانه بالمعهد، وتميز أيضًا بشخصيته القيادية واتزان كلامه وجاذبيته، مع تواضع وبساطته، وقد ساعدت صفاته على توسيع دائرة اتصالاته واكتساب حب وتقدير كل من تعامل معه من خلال المهام الكثيرة التي قام بها، وقد انقطع عمر المختار عن مواصلة تعليمه حوالي سنة 1886، وذلك بسبب إحساسه بأن وطنه وقومه في حاجة إلى عمله وجهاده.

صفاته ومكانته

صقلت الأيام صفات عمر المختار السالفة الذكر من تواضع وبساطة مع شخصية قيادية متزنة، وسوف تدفع به خصاله لتقدم الصفوف في طريقته السنوسية، وكان من إعجاب السيد المهدي السنوسي –شيخ السنوسية في هذا الوقت- أن قال: "لو كان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم".

وليتضح للقارئ الواقع العملي لصفات الرجل سنورد قصتين عنه:

الأولى (وهي رواية شاهد عيان): وتتلخص في أنه في عام 1311هـ/1894م تقرر سفر السيد عمر المختار مع آخرين إلى السودان في مهمة كلفه بها شيخه، وقد كان عمر هو رأس الوفد، وقد وجدوا قافلة تجارية تتأهب للخروج من الكفرة إلى السودان، فقرر الوفد مرافقة القافلة لعلم التجار بطرق الصحراء وخبرتهم بها، وعند وصولهم مع القافلة لمكان في الطريق توقفت وأشار أحد التجار على أفراد القافلة أن المنفذ الوحيد في هذه المنطقة الوعرة عادة يقف على مشارفه أسد مفترس، وقد استقر عرف القوافل على أن يشترك أهل القافلة في ثمن بعير هزيل يتركونه للأسد حال خروجه، فرفض عمر المختار الاقتراح بشدة، وقال: "إن الإتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف بدون حق أُبطلت، فكيف يصح أن نعيدها لحيوان؟! إنها علامة ذل وهوان، والله لندفعنه بسلاحنا"، وأصر على رأيه، وتقدمت القافلة، وخرج الأسد على مطلع الطريق، فتقدم عمر المختار بفرسه وسلاحه إليه فأصابه في غير مقتل، واستمر في تقدمه إليه –رغم خطورة التعرض لأسد مصاب- فقتله في طلقته الثانية، وأصر عمر المختار على أن يسلخ جلده ويعلقه على مدخل هذا الطريق ليشاهده المارة من القوافل. وقد منع عمر المختار في أحد المجالس أن تروى هذه القصة قائلاً: "وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى".

والثانية: (وهي رواية شاهد عيان أيضًا) يذكر محمود الجهمي –صاحب عمر المختار في جهاده- أنه ما كان ينام ليلة حتى الصباح، ما كان ينام إلا ساعتين أو ثلاثا ثم يقوم فيتوضأ ويبدأ في تلاوة القرآن حتى الصباح، وكان لا يزيد عن سبع يختم فيهم القرآن.

وقد استخدمه شيخه كثيرًا في مهام المصالحة بين القبائل وفض النزاعات، ولم يحدث أن فشل في مهمة كلف بها، مما ساعده على توطيد مركزه وسمعته بين القبائل، وفي نفس الوقت جعله مدركًا بشؤون القبائل وأحوالها وأحداثها.

وقد ذكرنا من قبل أنه انقطع عن الدراسة في عام 1886م؛ إذ إن البلاد المجاورة كلها قد وقعت تحت الاحتلال الأجنبي، مصر والسودان تحت الاحتلال الإنجليزي، وتونس والجزائر تحت الاحتلال الفرنسي، مما يعني أن ليبيا هي البقعة الوحيدة التي بقت من الدولة العثمانية التي لم تخضع بعد لأجنبي، وقد بدأت إرهاصات الزحف الإيطالي في هذه الفترة، وقد تم تكليفه بالقيام بأعمال شيخ زاوية القصور السنوسية عام 1895م، وهي تابعة لقبيلة العبيد بمنطقة الجبل الأخضر ( موطن المقاومة الليبية، ومعقل السيد عمر المختار في مواجهة الإيطاليين بعد ذلك)، وقد اشترك عمر المختار مع قوة مكلفة من شيخ السنوسية في مقاومة الاستعمار الفرنسي في وسط إفريقيا، وقد ساعدت هذه الأحداث عام 1899م على صعود نجم عمر المختار على المسرح السياسي والعسكري، وكذلك داخل منظومة الطريقة السنوسية، وساعد على ذلك أن السيد محمد المهدي امام السنوسية نقل مقره عن الكفرة إلى قرو بالمنطقة الوسطى من إفريقيا عام 1899م.

في هذه الأوقات كانت القوى الاستعمارية تقسم العالم فيما بينها فنرى إفريقيا التي كان 95% منها مستقلة عام 1885، يصبح 8% منها فقط خارج المناطق الاستعمارية في عام 1910، وفي هذا الزحف الاستعماري تعرض أتباع السنوسية ومراكزهم (الزوايا البيضاء) لهجوم القوات الغازية، وذلك لحملهم لواء الجهاد ونشر الإسلام في آن واحد في مواجهة الغزو التنصيري الاستعماري على إفريقيا، وقد تولى مشيخة الطريقة عام 1902 الشيخ أحمد الشريف السنوسي بعد وفاة محمد المهدي، وقد قام الشيخ الجديد باستدعاء السيد عمر المختار لتولي زاوية القصور مرة ثانية عام 1906م بعد تفاقم النزاعات بمنطقة الجبل الأخضر، وزيادة الضغوط الاستعمارية الإيطالية.

وفي 19 من أكتوبر 1911م وصل خبر بدأ الغزو الإيطالي لليبيا إلى مشايخ السنوسية، وقد كان عمر المختار في جالو بطريق عودته من الكفرة (بعد اجتماع مع شيخه السيد أحمد الشريف الذي استقر ثانية بالكفرة)، ويعلن شيخ الطريقة في نداء عام الجهاد من أجل صدّ العدوان ودفع الغاصب، وتنظيم الصفوف؛ وبالفعل تحققت الانتصارات على العدو الإيطالي، واستمرت المقاومة مع أن الدولة العثمانية قد تركت الأمر كله وانسحبت من ليبيا، وأصبح الأمر بيد أبناء ليبيا،

يتبع
اللهم صل على سيدنا محمد وال بيته الطيبين الطاهرين

واصل بن عطاء
---
مشاركات: 885
اشترك في: الاثنين ديسمبر 01, 2003 1:02 am
مكان: مصر المحمية بالحرامية
اتصال:

مشاركة بواسطة واصل بن عطاء »

بارك الله فيكم سيدي الفاضل
رحم الله المجاهد البطل عمر المختار وندعو الله أن يخرج من ليبيا أبطالا مثله .
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم .... إن التشبه بالكرام فلاح
صورة
صورة
الموت لأمريكا .... الموت لإسرائيل .. النصر للإسلام (عليها نحيا وعليها نموت وبها نلقى الله عز وجل )

((لا بد للمجتمع الإسلامي من ميلاد، ولا بد للميلاد من مخاض ولا بد للمخاض من آلام.)) الشهيد سيد قطب

سيد حسن الادريسى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 23
اشترك في: الأحد إبريل 10, 2005 6:35 pm
مكان: ليبيا

مشاركة بواسطة سيد حسن الادريسى »

كان عمر المختار شديد الحرص على أداء الصلوات في أوقاتها ، وكان يقرأ القرآن الكريم يومياً ، فيختم المصحف الشريف كل سبعة أيام ، وقد طلب منه استاذه الامام السيد المهدى السنوسى أن يكون ورده القرآن الكريم وأهداه مصحفاً ، فحافظ عليه عمر المختار في حله وترحاله ولم يفارقه ذلك المصحف ، فقد قال : فقبلت يده- سيدي محمد المهدي السنوسي- وخرجت أحمل هذه الهدية العظيمة (المصحف) ولم أزل بفضل الله احتفظ بها في حلي وترحالي ، ولم يفارقني مصحف سيدي منذ ذلك اليوم ، وصرت مداوماً على القراءة فيه يومياً لأختم السلكة كل سبعة أيام وسمعت من شيخنا سيدي احمد الريف أن بعض كبار الأولياء يداوم على طريقة قراءة القرآن مبتدئاً بـ (الفاتحة) إلى سورة (المائدة) ثم إلى سورة (يونس) ثم إلى سورة الإسراء ، ثم إلى سورة (الشعراء) ، ثم إلى سورة (الصافات) ، ثم إلى سورة (ق) ، ثم إلى آخر السلكة ، ومنذ ذلك الحين وأنا أقرأ القرآن في المصحف الشريف بهذا الترتيب ، إن المحافظة على تلاوة القرآن والتعبد به تدل على قوة الإيمان وتعمقه في النفس ، ويسبب الإيمان العظيم الذي تحلى به عمر المختار انبثق عنه صفات جميلة ، كالأمانة والشجاعة والصدق ومحاربة الظلم وجهاد العدو المحتل ، والقهر والخنوع ، وقد تجلى هذا الإيمان في حرصه على أداء الصلوات في أوقاتها ، قال تعالى : (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً ) وكان يتعبد للمولى عز وجل بتنفيذ أوامره ويسارع في تنفيذها ، وكان كثير التنفل في أوقات الفراغ ، وكان قد ألزم نفسه بسُنة الضحى ، وكان محافظاً على الوضوء حتى في غير أوقات الصلاة ، فقد روي عنه انه قال : لا اعرف أنني قابلت أحداً من السادة السنوسية وأنا على غير وضوء منذ شرفني الله بالانتساب إليهم . لقد كان هذا العبد الصالح يهتم بزاده الروحي اليومي بتلاوة القرآن الكريم ، وقيام الليل ، واستمر معه هذا الحال حتى استشهد ، فهذا المجاهد محمود ال الذي حارب تحت قيادة عمر المختار وصاحبه كثيراً ، يذكر في مذكراته انه كان يأكل معه وينام معه في مكان واحد ، ويقول : لم أشهد قط انه نام لغاية الصباح ، فكان ينام ساعتين أو ثلاثة على أكثر تقدير ، ويبقى صاحياً يتلو القرآن الكرم ، وغالباً ما يتناول الإبريق ويسبغ الوضوء بعد منتصف الليل ، ويعود إلى تلاوة القرآن ، لقد كان على خلق عظيم يتميز بميزات التقوى والورع ، ويتحلى بصفات المجاهدين الأبرار. إن من أسباب الثبات التي تميز بها عمر المختار في جهاده الطويل واستمراره على درب البذل والعطاء حتى اللحظات الأخيرة من حياته إدمانه على تلاوة القرآن الكريم والتعبد به وتنفيذ أحكامه ، لان القرآن الكريم مصدر تثبيت وهداية ، وذلك لما فيه من قصص الأنبياء مع أقوامهم ، ولما فيه من ذكر منال الصالحين ، ومصير الكافرين والجاحدين بأساليب متعددة ، لقد كان عمر المختار يتلو القرآن بتدبر وإيمان عظيم ، فرزقه الله الثبات وهداه طريق الرشاد ، ولقد صاحب حاله في تلاوات حتى النفس الأخير وهو يساق إلى حبل المشنقة وهو يتلو قوله تعالى : (يا أيها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) .
اللهم صل على سيدنا محمد وال بيته الطيبين الطاهرين

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الشخصيات الإسلامية“