علي الصراري (بدون رتوش أولوية الإصلاح السياسي)

مواضيع سياسية مختلفة معاصرة وسابقة
أضف رد جديد
عبد الله بن محمد المنصور
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 112
اشترك في: السبت إبريل 09, 2005 10:23 pm
مكان: صنعاء

علي الصراري (بدون رتوش أولوية الإصلاح السياسي)

مشاركة بواسطة عبد الله بن محمد المنصور »

بعد سقوط بغداد في قبضة القوات الأمريكية بعدة أشهر، زارت السفيرة الأمريكية بربارا بودين العاصمة صنعاء، وكانت سعادتها قبل ذلك قد زارت العاصمة العراقية، ولدى لقائها بالمسئولين اليمنيين، الذين يعرفونها جيداً كونها عاشت بين ظهرانيهم لبضع سنوات كسفيرة لبلادها في اليمن، تركت لديهم انطباعاً قوياً عن أن الخطر القادم الذي يتهدد المنطقة العربية برمتها يحمل اسم: الشيعة..
في أواخر أيام مهمتها في اليمن، رشحت السيدة بودين لمنصب حاكم العراق المحتل، لكن السفير بول بريمر اختطف منها هذه المهمة، وتوج امبراطوراً على العراق، على الرغم من الصفة المتواضعة التي حملها وهو يقيم في أضخم القصور الرئاسية العراقية: الحاكم المدني للعراق..
وبينما كان السفير بريمر يعد الشيعة لحكم العراق باعتبارهم أغلبية سكانه، كانت السفيرة بودين تقنع المسئولين اليمنيين بأن الشيعة قادمون كخطر سياسي يتحدى حكام المنطقة العربية في الجزيرة والخليج..
وبقدر ما نجح بريمر في التأسيس لنظام عراقي يحتل الشيعة أهم مراكز قيادته، نجحت بودين في إيقاظ هواجس حكام صنعاء من الشيعة، وألهبت مخاوفهم من أقلية مذهبية عاثرة، لا تتحقق لها شروط السيطرة، إلا في ظل اختلال النظام السياسي، عندما يمكن هذا الاختلال العصبيات الصغيرة من فرض هيمنتها قسراً..
ولست هنا بصدد الحديث عن مؤامرة إمريكية من نوع ما، تستهوي ذوي المشاعر القومية الجياشة لتقوية قناعاتهم المسبقة بأن أمتهم ضحية مؤامرات خارجية ولا شيء غير ذلك، بل ما يهمني في هذا الموضوع هو الإشارة إلى الكيفية التي تتحول فيها هواجس السلطات اليمنية إلى أزمات وحروب داخلية، تحاول بها استباق الزمن، ومواجهة احتمالات يصدق فيها الوهم أكثر من الحقيقة..
وعلى نحو مفاجئ أعد المسرح لحرب داخلية في صعدة العام الماضي في مواجهة حسين بدر الدين الحوثي وأنصاره، وأحبطت كل محاولات التهدئة والبحث عن حلول سلمية في إطار تطبيق القوانين والنظم النافذة في البلد، وشيئاً فشيئاً تصاعدت المواجهة لتتحول إلى حرب شاملة ضد الشيعة يستخدم فيها السلاح الناري إلى جانب أسلحة الأفكار والحملات الدعائية الإيديولوجية والإجراءات الأمنية والإدارية، وتجاوزت المواجهة جبال "مران" إلى العديد من المحافظات والمدن اليمنية، وزج بالمئات من الشباب المنتمين للمذهب الزيدي الهادوي في المعتقلات، وطالت الإجراءات منع أتباع المذهب من إقامة الاحتفالات الخاصة بهم كيوم الغدير، إلى منع تداول واحد من أهم الكتب التراثية في الثقافة العربية الإسلامية، هو كتاب "نهج البلاغة" الذي يضم أحاديثاً وخطباً للإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)..
وما أن يتوقف المرء أمام الدعاوى الرسمية التي وضعت لتبرير حربي صعدة الأولى والثانية لا يخالجه الشك في أن ما يجري ليس سوى حرباً دينية مذهبية تخاض من طرف واحد، وصلت حد تكفير العديد من فرق الشيعة والإساءة لها علناً وتجريمها وإباحة دمائها قولاً وفعلاً..
غير أن هذه الحرب كشفت هشاشة النظام السياسي القائم، وعمق أزمة الشرعية التي يعاني منها كعقدة غدت تتحكم بالكثير من سياساته وتصرفاته، حيث تحولت المقولة الهادوية "الإمامة لا تصح إلا في البطنين" إلى ذريعة كافية لشن حرب طاحنة يبدو أن هدفها الأساسي -وهو هدف غير معلن- يسعى إلى قصر هذا الحق في بطن واحد، يكرس نظاماً عائلياً وجمهورية وراثية..
لقد انبثقت فكرة الإمام الهادي حول "الإمامة لا تصح إلا في البطنين" عن حاجة واقعية أملتها ظروف معينة قبل أكثر من ألف سنة، عندما استحال نزاع القبائل اليمنية حول السلطة إلى حروب مدمرة لا نهاية لها، فجاءت الفكرة كحل حاسم للنزاع، وضع القبائل بعيداً عن الاختصام حول أمر لم تقدر على معالجته ولمنع تحويل حق البطنين في الإمامة، إلى تحكم غير رشيد بالسلطة، وضعت الهادوية ثلاثة عشر شرطاً للإمام من بينها أن يكون عالماً مجتهداً وعادلاً، ومنعت عن الأئمة توريث الحكم لأبنائهم،وهي القاعدة التي جرى اختراقها في عهد الإمام يحيى حميد الدين، ثم في عهد ابنه الإمام أحمد..
وفي ظل متغيرات عصرية جوهرية، صارت إمامة البطنين متناقضة مع حق الشعب في المساواة والنهوض وإقامة دولة عصرية تحتكم لإرادة مواطنيها، وبالتالي رفض الشعب اليمني نظام الإمامة من أساسه، وقامت ثورة 26 سبتمبر 62م بهدف تغيير أسس الحكم وشروطه ومنظوماته، وكنظام جمهوري عقدت شرعية الحكم على التأييد الطوعي للمواطنين، ونزعت عنها اللبوس الدينية، ومواريث العصبيات التقليدية، لقد سقطت صحة الإمامة في البطنين تاريخياً، ولم تعد قابلة للبقاء والاستمرار..
بيد أن ثورة سبتمبر انحرفت عن مسارها الجمهوري، وتعدلت صيغتها تدريجياً إلى ما انتهت إليه من قيام نوع من السيطرة العشائرية العائلية وحمل صفات الجمهورية الوراثية، وفي هذا النقطة بالذات يكمن لب الخوف من وضع حق الإمامة في البطنين، كفكرة نشأت قبل ألف عام، ظهرت وسادت وشاخت ثم سقطت وهزمت تاريخياً، ويكفي الآن تمكين الدعاة لها من الظهور على شاشات التلفزيون لمحو ما تبقى لهم من تأثير.. فالفكرة عفى عليها الزمن لكن الحروب العسكرية تضخ الدماء في عروقها..
والحال أن المهمة الأكثر إلحاحاً في هذا البلد تكمن في إجراء إصلاح سياسي شامل يخرج موضوع الحكم من تحكم بطنين أو بطن واحدة، ويضعه على لائحة التداول السلمي بين كافة البطون اليمنية، بعيداً عن رغبات الاستئثار وأهواء التفرد..
الشهادة فضل من الله

عبد الله بن محمد المنصور
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 112
اشترك في: السبت إبريل 09, 2005 10:23 pm
مكان: صنعاء

مشاركة بواسطة عبد الله بن محمد المنصور »

مقال يستحق ان يقرأ
الشهادة فضل من الله

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس السياسي“