اخترت لك

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
ابن سيف الإسلام
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 34
اشترك في: السبت إبريل 30, 2005 11:09 pm
مكان: الأراضي المقدسة

اخترت لك

مشاركة بواسطة ابن سيف الإسلام »

لقد أعجبتني من التراث العربي رسالة جيدة للجاحظ اسمها ( في استحقاق الإمامة )
أردت في هذا الموضوع أن أطرحها آملا أن تنال رضاكم وتلقى استحسانكم

فصل في استحقاق الإمامة
بعون الله تعالى نقول، وإليه نقصد، وإياه ندعو، وعلى الله قصد السبيل.
أعلم أن الشيعة رجلان: زيدي، ورافضي، وبقيتهم نزر جاء لازماً لهم. وفي الإخبار
عنهما غنى عمن سواهما.
قالت علماء الزيدية: وجدنا الفضل في الفعل دون غيره، ووجدنا الفعل كله على أربعة
أقسام:
أولها القدم في الإسلام، حيث لا رغبة ولا رهبة إلا من الله تعالى وإليه.
ثم الزهد في الدنيا، فإن أزهد الناس في الدنيا أرغبهم في الآخرة وآمنهم على نفيس المال،
وعقائل النساء، وإراقة الدماء.
ثم الفقه الذي به يعرف الناس مصالح دنياهم، ومراشد دينهم.
ثم المشي بالسيف كفاحاً بالذب عن الإسلام، وتأسيس الدين، وقتل عدوه، وإحياء وليه.
فليس وراء بذل المهجة واستفراغ القوة غاية يطلبها طالب، ويرتجيها راغب.
ولم نجد فعلاً خامساً فنذكره. فمتى رأينا هذه الخصال مجتمعة في رجل دون الناس كلهم
وجب علينا تفضيله عليهم، وتقديمه دونهم
وذلك أنا إذا سألنا العلماء والفقهاء، وأصحاب الأخبار وحمال الآثار، عن أول الناس
إسلاماً، قال فريق منهم: علي. وقال فريق منهم: أبو بكر. وقال آخرون: زيد بن حارثة.
وقال قوم: خباب. ولم نجد كل واحد من هذه الفرق قاطعاً لعذر صاحبه، ولا ناقلاً له عن مذهبه، وإن كانت الرواية في تقدم علي أكثر، واللفظ به أظهر.
وكذلك إذا سألناهم عن الذابين عن الإسلام بمهجهم، والماشين إلى الأقران بسيوفهم،
وجدناهم مختلفين. فمن قائل يقول: علي، ومن قائل يقول: الزبير، ومن قائل يقول: ابن عفراء،
ومن قائل يقول: أبو دجانة، ومن قائل يقول: محمد بن مسلمة، ومن قائل يقول: طلحة، ومن قائل يقول: البراء بن مالك.
على أن لعلي - رضي الله عنه - من قتل الأقران والفرسان والأكفاء، ما ليس لهم، فلا
أقل من أن يكون في طبقتهم.
وإن نحن سألناهم عن الفقهاء قالوا: علي، وعمر، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبي بن كعب. على أن علياً كان أفقههم، لأنه كان يسأل ولا يسأل، ويفتي ولا يستفتي، ويحتاج إليه ولا يحتاج إليهم، ولكن لا أقل من أن نجعله في طبقتهم وكأحدهم.
وإن نحن سألناهم عن أهل الزهادة وأصحاب التقشف، والمعروفين برفض الدنيا وخلعها والزهد فيها، قالوا: علي، وأبو الدرداء، ومعاذ، وأبو ذر، وعمار، وبلال، وعثمان بن مظعون. على أن علياً أزهدهم؛ لأنه شاركهم في خشونة الملبس وخشونة المأكل، والرضا باليسير، والتبلغ بالحقير وظلف النفس عن الفضول، ومخالفة الشهوات. وفارقهم بأن ملك بيوت الأموال، ورقاب العرب والعجم، فكان ينضح بيت المال في كل جمعة، ويصلي فيه ركعتين. ورقع سراويله بأدم، وقطع ما فضل من كميه عن أطراف أصابعه بالشفرة، في أمور
كثيرة. مع أن زهده هو أفضل من زهدهم؛ لأنه أعلم منهم. وعبادة العالم ليست كعبادة
غيره، كما أن زلته ليست كزلة غيره، فلا أقل من أن يعد في طبقتهم.
ولم نجدهم ذكروا لأبي بكر، وزيد، وخباب، مثل الذي ذكروا له من بذل النفس والعناء، والذب عن الإسلام بالسيف، ولا ذكروهم في طبقة الفقهاء وأهل القدم في الإسلام. ولم نجدهم ذكروا لابن عفراء، والزبير، وأبي دجانة، والبراء بن مالك، مثل الذي ذكروا له من التقدم في الإسلام والزهد والفقه. ولا ذكروا أبا بكر، وزيداً، وخباباً، في طبقة عمرو بن مسعود، وأبي بن كعب، كما ذكروا علياً في طبقتهم. ولا ذكروا أبا بكر، وزيداً، وخباباً، في طبقة معاذ، وأبي الدرداء، وأبي، وعمار، وبلال، وعثمان بن مظعون، كما ذكروا علياً في طبقتهم.
فلما رأينا هذه الأمور مجتمعة فيه، ومتفرقة في غيره من أصحاب هذه المراتب، وأهل هذه الطبقات، الذين هم الغايات، علمنا أنه أفضل، وأن كل واحد منهم وإن كان قد أخذ من كل خير بنصيب، فإنه لن يبلغ مبلغ من قد اجتمع له الخير وصنوفه.
فهذا دليل هذه الطبقة من الزيدية على تفضيل علي - رضوان الله عليه - وتقديمه على غيره.
وزعموا أن علياً كان أولاهم بالخلافة، إلا أنهم كانوا على غيره أقل فساداً واضطراباً، وأقل طعناً وخلافاً. وذلك أن العرب وقريشاً كانوا في أمره على طبقات:
فمن رجل قد قتل علي أباه أو ابنه، أو أخاه أو ابن عمه، أو حميمه أو صفيه، أو سيده
أو فارسه، فهو بين مضطغن قد أصر على حقده، ينتظر الفرصة ويترقب الدائرة، قد كشف قناعه، وأبدى عداوته.
ومن رجل قد زمل غيظه وأكمل ضغنه، يرى أن سترهما في نفسه، ومداراة عدوه، أبلغ في التدبير، وأقرب من الظفر، فإن ما يجزيه أدنى علة تحدث، وأول تأويل يعرض، أو فتنة تنجم؛ فهو يرصد الفرصة ويترقب الفتنة، حتى يصول صولة الأسد، ويروغ روغان الثعلب، فيشفي غليله، ويبرد ثائره.
وإذا كان العدو كذلك كان غير مأمون عليه سرف الغضب، وإن يموه له الشيطان الوثوب،ويزين له الطلب؛ لأنه قد عرف مأتاه، وكيف يختله من طريق هواه.فإذا كان القلب كذلك اشتد تحفظه ولم يقو احتراسه، وكان بعرض هلكة وعلى جناح تغرير؛ لأنه منقسم الرأي
متفرق النفس،قد اعتلج على قلبه غيظ الثأر على قرب عهده بأخلاق الجاهلية، وعادة
العرب من الثأر وتذكر الأحقاد والأمر القديم، وشدة التصميم.
ومن رجل غمته حداثته، وأنف أن يلي عليه أصغر منه.
ومن رجل عرف شدته في أمره، وقلة اغتفاره في دينه،وخشونة مذهبه.
ومن رجل كره أن يكون الملك والنبوة يثبتان في نصاب واحد، وينبتان في مغرس واحد،
لأن ذلك أقطع لأطماع قريش أن يعود الملك دولة في قبائلها، ومن قريش خاصة في بني عبد
مناف، الأقرب فالأقرب، والأدنى فالأدنى، لأن الرحم كلما كانت أمس، والجوار أقرب،
والصناعة أشكل، كان الحسد أشد، والغيظ أفرط. فكان أقرب الأمور إلى محبتهم إخراج
الخلافة من ذلك المعدن، ترفيهاً عن أنفسهم من ألم الغيظ، وكمد الحسد.
فصل منها
وضرب من الناس همج هامج، ورعاع منتشر، لا نظام لهم، ولا اختيار عندهم، وأعراب
أجلاف، وأشباه الأعراب، يفترقون من حيث يجتمعون، ويجتمعون من حيث يفترقون، لا
تدفع صولتهم إذا هاجوا، ولا يؤمن تهيجهم إذا سكنوا. إن أخصبوا طغوا في البلاد وإن
أجدبوا آثروا العناد. هم موكلون ببغض القادة، وأهل الثراء والنعمة، يتمنون له النكبة،
ويشمتون بالعشيرة، ويسرون بالجولة، ويترقبون الدائرة.
فلما كان الناس عند علي وأبي بكر على الطبقات التي نزلنا، والمراتب التي رتبنا، أشفق
علي أن يظهر إرادة القيام بأمر الناس مخافة أن يتكلم متكلم أو يشغب شاغب، فدعاه
النظر للدين إلى الكف عن الإظهار، والتجافي عن الأمر، فاغتفر المجهول ضناً بالدين، وإيثاراً
للآجلة على العاجلة.
فدل ذلك على رجاجة حلمه، وقلة حرصه، وسعة صدره، وشدة زهده، وفرط
سماحته، وأصالة رأيه.
وعلم أن هلكتهم لا تقوم بإزاء صرف ما بين حاله وحال أبي بكر في مصلحتهم. وقد علم
بعد ذلك أن مسيلمة قد أطبق عليه أهل اليمامة ومن حولها من أهل البادية، وهم القوم
الذين لا يصطلى بنارهم، ولا يطمع في ضعفهم وقلة عددهم، فكان الصواب ما رآه علي من
الكف عن تحريك الهرج، إذ أبصر أسباب الفتن شارعة، وشواكل الفساد بادية، ولو هرج
القوم هرجة وحدثت بينهم فرقة، كان حرب بوارهم أغلب من الطمع في سلامتهم.
وقد كان أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وفضلاء أصحابه، يعرفون من تلك الآراء شبيهاً بما
يعرفه علي، فعلموا أن أول أحكام الدين المبادرة إلى إقامة إمام المسلمين، لئلا يكونوا نشراً،
ولئلا يجعلوا للمفسدين علة وسبباً. فكان أبو بكر أصلح الناس لها بعد علي، فأصاب في
قيامه، والمسلمون في إقامته، وعلي في تسويغه والرضا بولايته منعقدة منه على الإسلام
وأهله. فلما قمع الله تعالى أهل الردة بسيف النقمة، وأباد النفاق، وقتل مسيلمة وأسر
طلحة، ومات أصحاب
الأوتار، وفنيت الضغائن، راح الحق إلى أهله، وعاد الأمر إلى صاحبه.
قالوا: وقد يكون الرجل أفضل الناس ويلي عليه من هو دونه في الفضل حتى يكلفه الله
طاعته وتقديمه: إما للمصلحة والإشفاق من الفتنة كما ذكرنا وفسرنا، وإما للتغليط في المحنة
وتشديد البلوى والكلفة، كما قال الله تعالى للملائكة: "اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس
أبى واستكبر". والملائكة أفضل من آدم، ولأن جبريل وميكائيل وإسرافيل عند الله من
المقربين قبل خلق آدم بدهر طويل، لما قدمت من العبادة واحتملت من ثقل الطاعة. وكما
ملك الله طالوت على بني إسرائيل وفيهم يومئذ داود نبي الله صلى الله عليه وسلم، وهو
نبيهم الذي أخبر الله عنه في القرآن بقوله تعالى: "إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا
أنى يكون له الملك علينا" إلى آخر الآية.
وهبني قلت إن الصبح ليل
أيعمى العالمون عن الضياء ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!

جويـدا
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 406
اشترك في: الثلاثاء إبريل 12, 2005 9:56 pm

مشاركة بواسطة جويـدا »

رسالة جميلة جداً أخي.
صورة

معاذ حميدالدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 212
اشترك في: الجمعة مارس 12, 2004 6:47 am
مكان: جدة
اتصال:

كتاب تثبيت الإمامة للإمام زيد عليه السلام

مشاركة بواسطة معاذ حميدالدين »

كتاب تثبيت الإمامة للإمام زيد عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم


هذا قولُ مَنْ خاف مقام ربه واختار لنفسه دِيْنَه ، وأطاع اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، واجتنب الشكَّ واعتزل الظنَّ، والدَّعَوَى، والأهواء، والشُّبُهَات، والرأي، والقياس، وأخذ عند ذلك بالحق من طاعة اللّه وطاعة رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: بالحُجَّةِ البالغة، والثِّقَةِ واليقين، فاحتج بذلك على من خالفه وحَاجَّه، ويرى الواجبَ: ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم، وما اجتمعت عليه الأمة بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم، مِنْ كِتَابِ اللّه تعالى وسُنَّة نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وترك ما قالت الأمَّةُ برأيها، فليس ما قالت الأمَّةُ برأيها فاختلفت فيه بثَقَة ولا يقين ولا حُجَّة، لأن الرأي قد يخطئ ويصيب، وما كان يخطئ مرة ويصيب مرة فليس بحجة ولا يقين ولا ثقة.

وذلك أن الأمة اجتمعت على أن النبي - صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه البدريين اجتمعوا يوم بدر، حيث شاورهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في أسرى أهل بدر، فاتفق رأيهم ورأي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يقبلوا الفداء من الأسارى، وكان ذلك الرأي من النبي صلى اللّه عليه وآله وأصحابه البدريين صواباً، وقد كان خطأً عند اللّه عز وجل ، حتى نزَّل على نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ﴿مَاكَاْنَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُوْنَ لَهُ أَسْرَىْ حَتَّىْ يُثْخِنَ فِيْ الأَرْضِ تُريدُوْنَ عَرَضَ الْدُّنْيَا وَاْللَّهُ يُريدُ الآخِرَةَ وَاْللَّه عَزِيْزٌ حَكِيْمٌ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيْمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ فَكُلُوْا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقوْا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ﴾ [الأنفال:67 - 69].

فالذي يخطئ مرة ويصيب مرة ليس بيقين ولا حجة ولا ثقة؛ ولكن الحجة عند اللّه الطاعة لله ولرسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، وما اجتمعت عليه الأمة بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم.

وقد بين اللّه تبارك وتعالى في كتابه فقال: ﴿ مَنْ يُطِعِ الْرَّسُوْلَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّىْ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيْظاً﴾ [النساء: 80]، والآخذون بما جاء به الرسول صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم من كتاب اللّه والسُّنَّة، مطيعون لله وللرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم، مستوجبون من اللّه تعالى الكرامة والرضوان، والتاركون لذلك عاصون لله ولرسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم مستوجبون من اللّه تعالى العذاب.

أما بعد.... فإنا قوم لم ندرك النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولا أحداً من أصحابه الذين اختلفوا فنعلم كيف كان الخلاف بينهم، ونعلم أي الفريقين أولى بالحق والصدق؛ فنتابعهم ونتولاهم ونكون معهم، كما قال اللّه تعالى في كتابه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا اْتَّقُوْا اللّه وَكُوْنُوْا مَعَ الصَّادِقِيْنَ﴾[التوبة: 119]، ونعلم أي الفريقين أولى بالكذب والضلال، فَنَتَجَنَّبهم كما أمر اللّه تعالى، فهذا غائب عنا ، وكنا كما قال اللّه تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُوْنِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُوْنَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبَصارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُوْنَ﴾[النحل: 181]، حتى إذا أدركنا العقل طلبنا معرفة الدين من أهل الحق والصدق ، فوجدنا الناس مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض، وقد يجمعهم في حال اختلافهم فريقان.

فريق قالوا: إن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم مضى ولم يَسْتَخْلِفْ أحداً بعينه، وإنه جعل ذلك إلينا معاشر المسلمين، نَخْتَارُ لأنفسنا رجلا فنستعمله علينا، فاخترنا أبا بكر.

وفرق قالوا: إن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم استخلف علياً فجعله خليفة وإماما نَسْتَبِيْنُ به بَعَدَهُ. فصارت كل فرقة منهم مُدَّعِيَةً تدعي الحق.

فلما رأينا ذلك أوقفنا الفريقين جميعاً، حتى نستبين ذلك، ونعرف المُحِقَّ من المبطل.

ثم سألنا الفريقين جميعاً: كيف كان النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم يقضي بين الخصمين والفريقين إذا اجتمعوا إليه؟

فاجتمع الفريقان جميعاً على أن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم لم يكن يقضي بين الفريقين إذا اجتمعوا إلاَّ بِالبَيِّنَةِ العُدُول من غير أهل الدعوى، ممن لا يَجُرُّ إلى نفسه.

فَقَبِلْنَا منهم حين اجتمعوا عليه، وشهدنا أنه الحق، وأن من خالف حكم النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم فقد جَارَ وَظَلَم.

ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم استخلف علي بن أبي طالب - صلوات اللّه عليه وسلامه - ومضى: هل لكم بينة عُدُولٌ من غيركم على ما ادَّعيتم فنصدقكم ونقضي لكم؟

قالوا: لا نجد بينةً عدولاً من غيرنا .

ثم سألنا الذين زعموا أن النبي صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم مضى ولم يستخلف أحداً - وأنه جعل ذلك إليهم ليختاروا لأنفسهم، فاختاروا أبا بكر-: هل لكم بَيِّنة عُدُولٌ من غيركم فَنُصَدِّقَكُم ونقضي لكم؟

قالوا: لا نجد بينة عدولاً من غيرنا.

فَلَمَّا لم يجد الفريقان البينةَ العدول من غيرهم على ما ادعوا أوقفناهم حتى نعلم المُحِقَّ من المُبْطِل.

ثم سألنا الفريقين جميعاً هل للناس بُدّ من والٍ يصلي بهم، ويقيم أعيادهم، ويَجْبِي زكاتهم، ويعطيها فقراءهم، ويأخذ غنائمهم ويقسمها، ويقضي بينهم، ويأخذ لضعيفهم من قويهم، ويقيم حدودهم؟ فاجتمع الفريقان على أنه لابد من والٍ يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسُّنّة. فقبلنا منهم، وشهدنا أنه الحق، وأنه لابد للناس من والٍ يقوم فيهم بالحق، ويعمل فيهم بالسُّنن.

ثم سألنا الفريقين هل للناس أن يتبرعوا بتولية رجل يجعلونه إماماً وخليفة عليهم قَبْلَ أن ينظروا في كتاب اللّه عز وجل والسُّنَّة؟ فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وبفضله يولونه عليهم، لفضله عليهم في الكتاب والسنة. فاجتمع الفريقان على أن ليس للأمة أن يَتَبَرَّعوا بولاية رجل يختارونه ويجعلونه عليهم والياً، يحكم بينهم، دون أن ينظروا في كتاب اللّه عز وجل والسُّنة، فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله ولَّوه عليهم، وإن لم يجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفضله كانت لهم الشورى بعد ذلك بما وافق الكتاب والسنة. فلما أجمعوا على ذلك قَبِلْنَا منهم، وشهدنا أنه ليس للأمة أن يتبرعوا بتولية والٍ على أن يجعلوه الخليفة والإمام دون أن ينظروا في الكتاب والسنة.

ثم سألنا الفريقين عن الإسلام الذي أمر اللّه تعالى به خَلْقَه، ماهو؟

فاجتمعوا على أن الإسلام: شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، والإقرار بما جاء به نبيهم صلى اللّه عليه وآله وسلم، وصلاة الخَمْس، وصوم شهر رمضان، والحج إلى بيت اللّه الحرام من استطاع إليه سبيلا، والعمل بهذا القرآن تحليل حلاله وتحريم حرامه والعمل بما فيه.

فقبلنا منهم حيث اجتمعوا عليه، وشهدنا أنه الحق.

ثم سألنا الفريقين جميعاً: هل لِلَّه خِيرةٌ مِنْ خَلْقِهِ اختارهم واصطفاهم؟ فاجتمع الفريقان على أن لِلَّه تعالى خِيرةً من خلقه اختارهم واصطفاهم.

فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟

فقالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿ وَ ربكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَاكَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص:68].

فقبلنا منهم حيث اجتمعوا على ذلك، وشهدنا بأن لِلَّه تعالى خِيْرة من خَلْقَه.

ثم سألناهم: مَنْ خيرة اللّه سبحانه من خلقه؟

فقالوا: المتَّقُون.

فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟

فقالوا: قول اللّه عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الْنَّاسُ إِناَّ خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللّه عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ﴾ [الحجرات: 13].

فقبلنا حيث اجتمعوا، وشهدنا أنه الحق، وأن خيرة اللّه من خلقه المتقون.

ثم سألنا الفريقين هل لله خيرة من المتقين؟

فقالوا: نعم.

فقلنا: من هم؟

فقالوا: المجاهدون في سبيل اللّه.

فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟

فقالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿وَفَضَّلَ اللّه الْمُجَاهِدِيْنَ عَلَى الْقَاعِدِيْنَ أَجْراً عَظِيْماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّه غَفُوْراً رَحِيْماً﴾ [ النساء: 95 - 96].

فقبلنا منهم، وشهدنا أن خِيرَةَ اللّه من المتقين المجاهدون في سبيل اللّه.

ثم سألنا الفريقين: هل لله خيرة من المجاهدين في سبيل اللّه؟

قالوا: نعم.

فقلنا: من هم؟

فقالوا: السابقون - من المهاجرين - إلى الجهاد.

فقلنا: مابرهانكم عليه؟

فقالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿لاَ يَسْتَوِيْ مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِيْنَ أَنْفَقُوْا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوْا وَكُلاً وَعَدَ اللّه الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَاْ تَعْمَلُوْنَ خَبِيْر﴾ [الحديد: 10].

فقبلنا ذلك منهم، وشهدنا أن خيرة اللّه من المهاجرين المجاهدين السابقون إلى الجهاد.

ثم سألنا الفريقين: هل لله خيرة من السابقين إلى الجهاد؟

قالوا: نعم، أكثرهم عملاً في الجهاد، وأكثرهم ضرباً وطعناً وقتالاً في سبيل اللّه.

فقلنا: ما برهانكم عليه؟

قالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه﴾[الزلزلة: 7]، وقوله تعالى: ﴿وَمَا تُقَدِّمُوْا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوْهُ عِنْدَاللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوْا اللّه إِنَّ اللّه غَفُوْرٌ رَحِيْم﴾ [المزمل: 20].

فقبلنا منهم، وشهدنا أن خيرته من السابقين إلى الجهاد أكثرهم عملاً في الجهاد، وأبذلهم لمهجته لله، وأكثرهم قتالا لعدوه.

ثم سألنا الفريقين عن هذين الرجلين الذين اختلفت فيهما الأمة - علي بن أبي طالب، وأبي بكر بن أبي قحافة - أيهما كان أكثر عملا في الجهاد في سبيل اللّه، وأكثر ضرباً وطعناً وصبراً وقتالا، ومَنَعَةً، ويخاف منه من خالف الحق؟

فاجتمع الفريقان على أن علي بن أبي طالب أكثرهم عملا في الجهاد في سبيل اللّه.

فلما اجتمع على ذلك الفريقان قبلنا منهم، وشهدنا على أن عَليَّ بن أبي طالب خيرٌ من أبي بكر، بما دل عليه الكتاب والسنة - فيما اجتمعوا عليه - من فضله في كتاب اللّه الذي لا خلاف فيه.

فَدَلَّ ما أجمعت عليه الأمة على أن خيرة اللّه المتقون، وأن خيرة اللّه سبحانه وتعالى من المتقين المجاهدون في سبيل اللّه، وأن خيرة اللّه من المجاهدين السابقون إلى الجهاد، وأن خيرة اللّه من السابقين أكثرهم عملا في الجهاد.

واجتمعت الأمة على أن خيرة اللّه من السابقين إلى الجهاد البدريون، وأن خيرة البدريين المجاهدين هذان الرجلان اللذان اختلفت فيهما الأمة: أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأبو بكر بن أبي قحافة.

فلم يَزَل الفريقان يُصَدِّق بعضهم بعضاً ويدل بعضهم على بعض، حتى دلوا على خِيْرة هذه الأمة بعد نبيها صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم بما اجتمعت عليه الأمة من كتاب اللّه وسنة نبيه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم.

ثم سألنا الفريقين حيث اجتمعوا على أن خيرة اللّه هم المتقون - فسألناهم - من هم؟

فقالوا: هم الخاشئون.

فقلنا: ما برهانكم عليه؟

فقالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿وَ أُزْلِفَتِ الجْنَّةُ لِلْمُتَّقِيْنَ غَيْرَ بَعِيْدٍ هَذَا مَا تُوْعَدُوْنَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيْظ مَنْ خَشِيَ الْرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيْب﴾[ق:31 - 33]. وقوله: ﴿وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِيْنَ الَّذِيْنَ يَخْشَونَ ربهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُوْنَ﴾ [الأنبياء: 48 - 49].

فقبلنا منهم، وشهدنا أن المتقين هم الخاشئون.

ثم سألنا الفريقين عن الخاشئين؟

فقالوا: العلماء.

فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟

فقالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿إِنَّمَا يَخْشَىْ اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيْزٌ غَفُوْرٌ﴾ [فاطر: 28].

فقبلنا منهم، وشهدنا أن الخاشئين هم العلماء.

ثم سألنا الفريقين عن أعلم الناس من هو؟

فقالوا: أعمل الناس بالعدل.

فقلنا: ما برهانكم عليه؟

فقالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاَ تَقْتُلُوْا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءُ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: 95]، فجعل الحكومة لأهل العدل وأهل العلم.

ثم سألنا الفريقين عن أعمل الناس بالعدل من هو؟

فقالوا: أدل الناس على العدل.

ثم سألناهم عن أدل الناس على العدل من هو؟

قالوا: أهدى الناس إلى الحق، وأحق الناس أن يكون متبوعاً ولا يكون تابعاً.

فقلنا: ما برهانكم عليه؟

قالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِيْ إِلَىْ الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّيْ إِلاَّ أَنْ يُهْدَىْ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُوْنَ﴾ [يونس: 35].

فَدَلَّ ما اجمعت عليه الأمة من كتاب اللّه الذي لا اختلاف فيه على أن علي بن أبي طالب صلوات اللّه وسلامه عليه خير هذه الأمة، وأنه أتقى الأمة، وأنه إذا صار أتقى الأمة صار أخشاها، لأنه صار أعلم الأمة، وإذا صار أعلم الأمة، صار أدَلَّ الأمة على العدل، وإذا صار أدل الأمة على العدل، صار أهدى الأمة إلى الحق، وصار أحق الأمَّة أن يكون متبوعاً ولا يكون تابعاً، وأن يكون حاكماً ولا يكون محكوماً عليه، لأن اللّه تبارك وتعالى قال في كتابه: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِيْ إِلَىْ الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّيْ إِلاَّ أَنْ يُهْدَىْ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُوْنَ﴾ [يونس: 35].

هذا ما أجمعت عليه الأمة بعد نبيها صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، أجمعت على أن نبيها صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم مضى وخلف فينا كتاب اللّه تعالى الذي أُنْزِل عليه، وأمرنا أن نعمل بما فيه، وبَلَّغنا ذلك، فقال في الكتاب: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ﴾[النحل:89]، وقال: ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِيْ الصُّدُوْرِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِيْنَ﴾ [يونس: 57].

واجتمعت الأمة على أنه لابد لهم من والٍ يجمعهم ويدبر أمورهم.

واجتمعت على أنه لا يحل لهم أن يعملوا عملا، أو يقولوا: اقرأ علينا هذا القرآن - فيمضوا لما يأمرهم به القرآن الذي يعرفه صغيرهم وكبيرهم - حتى إذا بلغ:﴿وَربكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَاْنَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾[القصص:68]، فيقول: اثبتها واعزلها.

فإنا نجد اللّه تبارك وتعالى خلق الخلق، فاختار خيرةً من الخلق ما ليس لنا أن نختار غيرهم.

ثم يقولون إقرأ حتى ننظر مَنْ خِيرَتُهُ من خلقه الذين اختارهم، فيقرأ حتى إذا بلغ: ﴿يَا أَيُّهَا الْنَّاسُ إِناَّ خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللّه عَلِيْمٌ خَبِيْرٌ﴾ [الحجرات: 13]، فيقولون: قد فَسَّرَتْ لنا هذه الآيةُ وقد دَلَّتْنَا على أن خيرة اللّه من خلقه المتقون.

ثم يقول: اقرأ حتى نعلم مَنِ المتقون. فيقرأ حتى إذا بلغ: ﴿وَ أُزْلِفَتِ الجْنَّةُ لِلْمُتَّقِيْنَ غَيْرَ بَعِيْدٍ هَذَا مَا تُوْعَدُوْنَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيْظٍ مَنْ خَشِيَ الْرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيْب﴾ [ق: 31 - 33]، فيقولون: قد دلت هذه الآية على أن المتقين هم الخاشئون.

ثم يقولون : اقرأ حتى إذا بلغ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللّه مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾[فاطر: 28]، فيقولون: قد دلتنا هذه الآية على أن الخاشئين هم العلماء.

ثم قالوا: اقرأ حتى نعلم العلماء خيرٌ وأفضل أم غيرهم؟ فيقرأ، حتى إذا بلغ: ﴿هَلْ يَسْتَوِيْ الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ وَالَّذِيْنَ لاَ يَعْلَمُوْنَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوْا الأَلْبَابَ﴾ [الزمر:9] فيقولون: قد دَلَّتَناَ هذه الآية على أن العلماء أفضل وخير من غيرهم.

ثم يقولون: اقرأ، حتى إذا بلغ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِذَا قِيْلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوْا فِي الْمَجَاْلِسِ فَافْسَحُوْا يَفْسَحِ اللّه لَكُمْ وَإِذَا قِيْلَ انْشُزُوْا فَانْشُزُوْا يَرْفَعِ اللّه الَّذِيْنَ آمَنُوْا مِنْكُمْ وَالَّذِيْنَ أُوْتُوْا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُوْنَ خَبِيْرٌ﴾ [المجادلة:11] فيقولون: قد فَسَّرَتْ لنا هذه الآية ودَلَّتناَ على أن اللّه تبارك وتعالى قد اختار أهل العلم وفضلهم ورفعهم فوق الذين آمنوا درجات.

وأجمعت الأمة على أن الفقهاء العلماء من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم - الذين كان أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يأخذون عنهم أبواب صلواتهم، وزكواتهم، وطلاقهم، وسننهم، وفرائضهم، ومشاعرهم - أربعة : علي بن أبي طالب، وعبدالله بن العباس، وعبدالله بن مسعود وزيد بن ثابت الأنصاري ، وقالت طائفة: وعمر بن الخطاب.

فسألنا الأمة: من أولى الفقهاء العلماء بالتقدم بالصلوة إذا حضروا، فاجتمعوا على أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ((يؤمكم أقرؤكم لكتاب اللّه عز وجل)) . فاجتمعوا على أن الأربعة أولى بالتقدم من عمر.

ثم سألنا الأمة: أي الأربعة كان أقرأ لكتاب اللّه وأفقههم في دين اللّه؟

فاختلفوا فيهم، فأوقفناهم حتى نعلم.

ثم سألنا الأمة: أي الأمة أولى بالإمامة؟

فاجتمعت الأمة على أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ((الأئمة من قريش)).

فسقط اثنان من الأربعة: عبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت الأنصاري، إذ هما لم يصلحا للإمامة؛ لأنهما ليسا من قريش، وبقي علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، وعبد الله بن عباس مسلمين فقيهين عالمين قرشيين.

فسألنا الأمة: إذا كانا عالمين فقيهين قرشيين أيهما أولى بالإمامة؟

فاجتمعت الأمة على: أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: ((إذا كان فقيهين عالمين فأكبرهما وأقدمهما في الهجرة)). فسقط عبد الله بن عباس، وحَصَل علي بن أبي طالب صلوات اللّه وسلامه عليه، وصار أحق الناس بالإمامة بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.

وهذا ما اجمعت عليه الأمة بعد نبيها صلى اللّه عليه وآله وسلم.

ثم اجتمعوا على أن لِله خيره من خلقه اختارهم واصطفاهم، وجعلهم أدلاء على الفرائض والحكم على خلقه، فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟

قالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللّه اصْطَفَى آدَمَ وَنُوْحاً وَآلَ إِبْرَاهِيْمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِيْنَ ذُريةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ﴾[آل عمران:33].

فاجتمعوا على أن الأمة المسلمة خلقها اللّه من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، وأن آل إبراهيم خاصة المصطفين الذين اختارهم اللّه واصطفاهم على العالمين.

فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟

قالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إَبْرَاهِيْمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيْلُ ربنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ الَسَّمِيْعُ الْعَلِيْمُ ربنَا وَاْجْعَلْنَا مُسْلِمَيْن لَكَ وَمِنْ ذُريتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْتَّوَّابُ الْرَّحِيْمُ ربنَا وَابْعَثْ فِيْهِمْ رَسُوْلاً مِنْهُمْ يَتَلُوْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيْهِم إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيْزُ الْحَكِيْمُ﴾ [البقرة: 127 - 129].

فقبلنا منهم، وشهدنا أن الأمة المسلمة خلقها اللّه تبارك وتعالى من ذرية إسماعيل خاصة وأنهم آل إبراهيم الذين اصطفاهم اللّه على العالمين، وأنهم أهل البيت الذين رفع اللّه منهم الأئمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل، وبعث فيهم الرسول.

فصار النبي - الذي بعث اللّه عز وجل - محمداً صلى اللّه عليه وعلى آله ، وصار أولئك ذرية إبراهيم حقاً يقيناً، لأن الأمة اجتمعت على أن إبراهيم المصطفى وذرية إبراهيم الذين على دين إبراهيم.

واجتمعت الأمة على: أن بني هاشم هم الذين استجابوا للرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم وصدقوه، فتلى عليهم آياته كما تلى عليهم الكتاب والحكمة وزكاهم.

واجتمعت الأمة على: أنهم فيها أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيداً، فجعل اللّه محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم شهيداً بما أنزل عليهم من تلاوة الكتاب وتعليمه إياهم الكتاب، وكما قال إبراهيم وإسماعيل: ﴿وَمِنْ ذُريتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [البقرة: 128] ولم يقولا: اجعل الأمة مسلمة من ذريتنا ومن غير ذريتنا، ولكنهما افردا الأمة المسلمة، ﴿وَمِنْ ذُريتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ خاصة، ﴿وَابْعَثْ فِيْهِمْ رَسُوْلاً مِنْهُمْ﴾، ولم يقولا: وابعث من غيرهم رسولا، ولكنهما قالا: ومن ذريتنا، وابعث فيهم رسولا منهم، فصار الرسول من أنفسهم شهيداً عليهم بما انتهى إليهم من الكتاب، وصاروا شهداء على الناس بما يكون على الناس من علم الكتاب والحكمة.

وقال اللّه عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا ارْكَعُوْا وَاسْجُدُوْا وَاعْبُدُوْا ربكُمْ وَافْعَلُوْا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ وَجَاهِدُوْا فِيْ اللّه حَقَّ جِهَادِهِ هُوْ اْجْتَبَاكُمْ وَمَاجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِيْ الْدِّيْنِ مَنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيْكُمْ إَبْرَاهِيْمَ هُوْ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ قَبْلُ وَفِيْ هَذَا لِيْكُوْنَ الْرَّسُوْلُ شَهِيْداً عَلَيْكُمْ وَتَكُوْنُوْا شُهَدَاءَ عَلَىْ الْنَّاسِ فَأَقِيْمُوْا الْصَّلاَةَ وَآتُوْا الْزَّكَاْةَ وَاعْتَصِمُوْا بِاللَّهِ هُوْ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىْ وَنِعْمَ الْنَّصِيْر﴾ [الحج: 77 - 78].

وهذا ما اجتمع عليه كل بارٍ وفاجرٍ، وكل مؤمنٍ وكافرٍ. اجتمعوا على أن الميت إذا مات فأهل بيته أولى بميراثه.

واجتمعت الأمة على: أن اللّه تبارك وتعالى بعث محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم بالنبوة، فأقام في قومه عشر سنين كما حكم اللّه عليه، وجادلهم بالتي هي أحسن، فسموه: مجنوناً، وكذاباً، وكاهناً، وساحراً، فأقام مع المشركين وهم في شركهم حتى انقضت الأيام والسنون، ثم أمره اللّه عز وجل أن ينصر هجرته وأن يشهر سيفه، وأن يصير إلى حيث يقاتل من خالفه، حتى يدخل في طاعته، وأن يقيم الحدود، وأن يأخذ للضعيف من القوي، فلم يزل ناصراً هجرته، وشاهراً سيفه، يقاتل من خالفه، ويقيم الحدود حتى لحق بالله عز وجل.

واجتمعت الأمة على: أن النبوة لا تورث، فقبلنا منهم وشهدنا أن النبوءة لا تورث.

وسألنا الأمة: إنفاذُ الذي جاء من عند الله بالسنن، وإقامة الحدود، ودفع إلى كل ذي حق حقه ونبوةٌ؟ فكانمن عمل بها فهو نبي؟ فقالوا: لا، ولكن النبوة: الإخبار عن اللّه والسبيل بالكتاب والسنة.

فهذا بيان لمن تفكر فيه ولم يعطف الحق إلى هواه، ورضي بالحياة الدنيا واطمأن إليها. والسلام.

معاذ حميدالدين
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 212
اشترك في: الجمعة مارس 12, 2004 6:47 am
مكان: جدة
اتصال:

كتاب إمامة من تقدم علي عليه السلام

مشاركة بواسطة معاذ حميدالدين »

كتاب إمامة من تقدم علي عليه السلام للإمام القاسم الرسي عليه السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الإمام القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه:

يسأل الذين قدموا أبا بكر. فيقال لهم: خبرونا عن جميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وآله من الله، وأَمَرنَا به من طاعة الله، ما هو وهل يخلو من ثلاثة أوجهٍ ؟!

إما فريضةٌ أوجبها عليهم من الله.

وإما سُنَّة سنها لهم.

وإما تطوعٌ أمرهم به على الترغيب فيه، إن شاءوا فعلوه، وإن شاءوا تركوه.

فَمَن قولهم: لا يخلو من أحد هذه الثلاثة الوجوه، ولا سبيل لَهُمْ إلى أكثر من ذلك؛ لأن ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه أحد هذه الثلاث الخصال.

يقال لهم: فأخبرونا عن هذه الفرائض التي أمرهم النبي بها عليه السلام، عن الله، معروفة معلومة، أو مجهولةٌ غير معروفة ؟

فمن قولهم: لا. بل معروفة غير مجهولة.

فيقال لهم: فمثل أيّ شيء ؟

فمن قولهم: مثل صلاة الظهر أربع ركعات، وصلاة المغرب ثلاث ركعات، والصبح ركعتان، ومثل الزكاة من مأتي درهم خمسة دراهم، ومن أربعين ديناراً دينارٌ، ومثل فرائض المواريث للبنت النصف، وللذكر مثل حظ الأنثيين.

فيقال لهم: هل يجوز لأحد أن يُحوِّل هذه الفرائض فيجعلها على خلاف ما فرض الله ؟

فإن قالوا: نعم . أبطلوا جميع الفرائض. وإن قالوا: ما تعنون بقولكم يُحوِّلُها ؟

قيل لهم مثل المغرب يجعلها ركعتين، ومثل الصبح يجعلها ثلاثاً، ومثل أن يفرض للبنت الواحدة الثلث، ويعطي الذكر مثل حظ الأنثى، وفي ست من الإبل شاةً، وفي مأتي درهم ثلاثةَ دراهم، وفي ثلاثين من الغنم شاةً، وفي عشرين من البقر بقرةً.

فمن قولهم: هذا لا يجوز.

قيل لهم: لم لا يجوز ؟

فإن قالوا: لأن هذه الفرائض جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معروفة معلومة محدودة، فإن زادوا فيها أو نقصوا خالفوا الله ورسوله فيما أمرهم به، وفرضه عليهم، وفي خلاف هذا هدمُ الدين.

قيل لهم: فجميع الفرائض على هذه الحال ؟

فإن قالوا: لا. تركوا قولهم إنه لا يجوز أن يتركوا ما أمرهم الله به. فيكون في قولهم إنه يجوز في بعض ولا يجوز في بعضٍ.

وإن قالوا: لا يجوز النقصان ولا الزيادة في جميع الفرائض.

قيل لهم: هذه الفرائض قد أجمعتم عليها أنه لا يجوز فيها زيادة ولا نقصانٌ. فأخبرونا من السنن ما هي عندكم ؟ فمن قولهم مثل مواقيت الصلاة، الظهر إذا زالت الشمس، والمغرب إذا غربت، والصبح إذا طلع الفجر، ومثل زكاة الفطر، ومثل صلاة الوتر بالليل ثلاث، وركعتان قبل الصبح، ومثل هذا من المناسك والسنن.

قيل لهم: ما تقولون: هل يجوز لأحدٍ أن يحوِّل هذه السنن عن جهاتها، فيجعل الوتر بالنهار، ووقت الظهر لوقت العصر، وصلاة النهار بالليل، وزكاة الفطر في الأضحى، وركعتي الفجر قبل الصبح، وكل شيء من السنن يحوِّلُها على هذا النحو ؟!

فمن قولهم وقولنا: لا يجوز تحويل هذه الأشياء على خلاف ما سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قيل لهم: وكذلك جميع السنن!

فإن قالوا نعم. قادوا قولهم إنه لا يجوز تغيير شيء من سنن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما لا يجوز تغيير شيء من الفرائض التي ذكرنا.

قيل لهم: فما تقولون في التطوع ؟

فإن قالوا: الناس كلهم في التطوع بالخيار، إن شاءوا فعلوه وإن شاءوا تركوه، وكذلك قول الله تعالى: ﴿فمن تطوع خيراً فهو خيرٌ له﴾ [البقرة:184].

يقال لهم عند ذلك: ما تقولون في الإمامة هي من دين الله أم من غير دين الله ؟

فإن قالوا: ليست من دين الله، لزمهم في إجماع من أجمع على إمامة أبي بكر أنهم لم يكونوا على دين الله.

وإن قالوا: الإمامة من دين الله.

قيل لهم: من أي دين الله ؟! من الفرائض، أم من السنن، أم من التطوع ؟! فقد زعمتم أن الدين لا يخلو من أحد هذه الثلاثة الوجوه.

فإن قالوا من الفرائض.

قيل لهم: كيف فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإمامة لأبي بكرٍ، سماه لكم رسول الله صلى الله عليه باسمه وعيَّنه، أو دَلَّ عليه بصفته، أو تركها شورى، أو سكت فلم يقل من ذلك شيئاً ؟! ولا بد من إحدى هذه الخصال ولا خامسة معهنَّ.

فإن قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نص لنا أبا بكر بعينه واسمه ونسبه.

قيل لهم: فما بالهم وقفوا عنه ثلاثة أيام يشاورون فيه، وقد سماه رسول الله باسمه ونصبه بعينه، وما بال أبي بكر، قال لهم: أنا أرضى لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أحدهما أبا عبيدة بن الجراح، أو عمر بن الخطاب ؟ فقال أبو عبيدة وعمر لسنا نفعل ولا نبايع أحداً إلا أنت، ابسط يدك حتى نبايعك. فبسط يده فبايعاه. فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله باسمه ونصبه بعينه ؟! وهو يقول: بايعوا أبا عبيدة أو عمر! هذا خلاف ما فرض الله عليهم، أن يكون رسول الله سماه وهم يتشاورون فيه! وهو أيضاً يسمي لهم وينص على من لم يُسَمِّه رسول الله ولم يرضه لهم!! ولا يجوز في فريضة الله خلاف ما فرض. مع أنهم إن كانوا تركوا رسول الله صلى الله عليه وآله لشكٍ منهم في قوله كفروا، وإن كان لخلافٍ منهم فقد عاندوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومن عاند رسول الله فقد كفر.

وإن قالوا: لم يكن وقوفهم تلك الثلاثة الأيام لشكٍ منهم في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولكنهم وقفوا ليجتمع الناس مَن غَابَ وحضر.

قيل لهم: أَوَ كذلك فرض الإمامة الوقوف والتشاور بعد الاسم والنص ؟!

فإن قالوا نعم.

قيل لهم: فهل يجوز لهم أن يحولوا هذه الفريضة عن جهتها ؟

فإن قالوا: لا يجوز لهم.

فهل أدَّى أبو بكرٍ هذه الفريضة كما أمر الله ؟!

فإن قالوا: نعم. وسمى لنا عمر ونصبه بعينه، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قيل لهم: فما بالكم لم تشاوروا في عمر كما تشاورتم في أبي بكر بعد النبي عليه السلام ؟!

فإن قالوا: لأن ذلك جائزٌ لنا.

قيل لهم: فقد نقضتم قولكم لا تُغيَّر الفريضة. وهذا نقض الفريضة التي فرض الله ورسوله لكم في أبي بكر، إذ لم تشاوروا في عمر كما تشاورتم في أبي بكر. ولم تشاوروا في قول أبي بكرٍ، كما تشاورتم في قول النبي صلى الله عليه وآله.

فإن قالوا: لأن المشورة إليهم.

قيل لهم: فأيهما أوثق في قوله، النبي صلى الله عليه وآله أم أبو بكر ؟!

فإن قالوا: أبو بكر كفروا! وإن قالوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوثق.

قيل لهم: ما أَبْيَنَ نفاقكم، إنكم تقولون النبي أوثق وأنتم تشاورون بعده. وأبو بكر عندكم ليس بأوثق من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأنتم لا تحتاجون بعد قوله إلى المشورة. فقد لزمكم أن أبا بكر عندكم أوثق من النبي صلى الله عليه وآله؛ لأن أوثق الأوثاق الذي لا تَشَاوُرَ في قوله. وهذا التناقض من الكلام غير معقول، ممن قاله ولا مقبول.

ويُسألون أيضاً: هل كان لله على عمر أن يؤدي فريضة الإمامة، كما أدى رسول الله صلى الله عليه وآله في أبي بكر، وكما أدى أبو بكرٍ في عمرَ ؟!

فإن قالوا: لا. صيَّروا لعمر ديناً على حدة. وإن قالوا: لله على عمر أن يؤدي فريضة الإمامة على مثل ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وآله.

قيل لهم: فَلِمَ جعلها عمر شورى بين ستة ؟! وإنما كان فعل النبي صلى الله عليه وآله في أبي بكر، كما زعمتم أنه سماه باسمه ونصبه بعينه! وكذلك فِعلُ أبي بكر في عمر، كما زعمتم.

فإن قالوا: لأن الخلاف في هذه الفريضة جائز.

قيل لهم: فقد نقضتم قولكم، حيث زعمتم أن فرائض الله لا يجوز تحويلها عن جهاتها. ونحن نراكم تقولون في أوكد الفرائض إنه يجوز أن يُخَالَفَ فيها الله ورسوله!!

ويسألون ما تقولون، هل جعل رسول الله صلى الله عليه وآله في الإمامة شورى بين ستة ؟

فإن قالوا: نعم . كذَّبَتْهُم الأمةُ ! وإن قالوا: لم يجعل فيها شورى.

قيل لهم: فهل جعلها عمر شورى بين ستةٍ ؟

فإن قالوا: لا.

قيل لهم: فقد خالف عمر النبي صلى الله عليه وآله؛ لأن النبي جعلها شورى، ولم يجعلها عمر شورى. وتكذبهم الأمة أيضاً أن عمر لم يجعلها شورى، وكفى بتكذيب الأمة حجة عليهم.

وإن قالوا: نعم قد جعلها عمر شورى بين ستةٍ.

قيل لهم: فمن كان أوثق في فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم عمر ؟!

فإن قالوا: النبي صلى الله عليه وآله أوثق في فعله.

قيل لهم: فَلِمَ خالف عمر الفرض في الإمامة أن يتبعوا فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: ﴿ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾ [الحشر: 7] ؟! فإن قالوا: كلٌ صوابٌ وتوفيق. شَبَّهوا فعل عمر بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأعطوه من التوفيق مثل ما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنه خالفَ رسول الله صلى الله عليه وآله في فريضة الإمامة، وكان خلافه فيما أمر الله به صواباً وتوفيقاً.

ويقال لهم: أخبرونا لو أنَّ عمر عمد إلى صلاة الظهر فجعلها خمساً كان ذلك جائزاً ؟!

فإن قالوا: لا.

قيل لهم: وَلِمَ ؟!

فإن قالوا: لأن الفرائض لا تُغيرَّ، ولا يجوز أن يُصيَّرَ ما جعل الله أربعاً خمساً.

قيل لهم: كيف جاز لعُمر في فريضة الإمامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله نَصَّ أبا بكرٍ، وأن أبا بكر نص عمُرَ، وأن خالفهما جميعاً فجعلها شورى بين ستة، فهذا خلاف فريضة الله ورسوله. وعمل بخلاف ما فَعَلاه.

وإن قالوا: إن ذلك جائزٌ في الإمامة ولا يجوز في غيرها. نقضوا قولهم في أول المسألة إنه لا تُغيَّر فرائض اللهِ. وصاروا إلى أن فرائض الله يجوز تغييرها. ويلزمهم في ذلك إن جاز في بعضها، جاز في كلها، حتى لا يبقى دينٌ إلا غُيِّر!! وهذا فاسدٌ منكسرٌ على من قال بهذه المقالة في فرض الإمامة أنه نص أبا بكر!!

ويسأل الذين قالوا: فرض الإمامة شورى بين المسلمين، ما تقولون: كيف فرض الإمامة من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟

فإن قالوا: جعلها شورى بين المسلمين.

قيل لهم: وما الدليل على ذلك ؟

فإن قالوا: قول الله بتارك وتعالى: ﴿ وأمرهم شورى بينهم﴾ [الشورى: 38]. فلذلك فعلوا في أبي بكر ما فعلوا، حيث أقاموا ثلاثة أيامٍ يتشاورون فيه حتى أقاموا أفضلهم، يقال لهم: فهل يجوز لأحد أن يُحَوِّل هذه الفرضة فيجعلها على خلاف ما فرضها رسولُ الله صلى الله عليه وآله.

فإن قالوا: نعم. نقضوا قولهم، وفارقوا الإجماع في أنه لا تُحَوَّل فرائض الله. ولو جاز ذلك لجاز أن يجعل الظهر خمساً والعصر ستاً، والمغرب ركعتين، وكذلك الفرائض. وهذا نقضٌ لدين محمد عليه السلام.

وإن قالوا: لا يجوز في الإمامة تغييرٌ، ولا خلافٌ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله.

قيل لهم: فما بَالُ أبي بكر لم يجعلها شورى بين المسلمين كما جعلها النبي عليه السلام ؟!

فإن قالوا: لأن خلاف أبي بكر صوابٌ.

قيل لهم: وكذلك خلاف عمر صوابٌ، وكل من يأتي بعدهما إلى يوم القيامة، يخالفون رسول الله وأبا بكر وعمر، وجميع الأئمة.

فإن قالوا: ذلك جائزٌ.

قيل لهم: وكذلك جميع الفرائض!

فإن قالوا: لا.

قيل لهم: لِمَ لا يجوز وقد جوزتم في بعضٍ ؟! ولا حجةَ لهم!

وإن قالوا: يجوز. لزمهم نقض الدين كله. فإذا اضطروا أنه لا يجوز إلا الشورى، كما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في قوله لزم أبا بكرٍ أنه خالف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث استخلف عمر ونصبه بعينه، ولم يجلها شورى بين المسلمينَ كما جعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

[وخالف عمرُ رسولَ الله وأبا بكر] حيث جعلها شورى بين ستة، فلا هو اقتدى برسول الله صلى الله عليه وجعلها شورى بين المسلمين، ولا هو اقتدى بأبي بكر فنص بعده رجلاً كما نصه أبو بكر بعينه واسمه. وهذه فريضة متناقضة. لأنا وجدنا أبا بكر لم يتبع فعل النبي عليه السلام في فريضة الإمامة، إذ زعمتم أنه جعلها شورى بين المسلمين، وكذلك عمر جعلها شورى بين ستةٍ. فكل واحدٍ منهما قد خالف صاحبه، وخلافهما جميعاً خلافٌ لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن كان صواباً ما خالفا به رسول الله في الدين قاسوا أبا بكر وعمرَ برسول الله عليه السلام، وزعموا أنه يجوز لكل واحدٍ منهما خلاف صاحبه، وأنه يجوز لهما أيضاً خلاف رسول الله، فإن قالوا: ذلك لا يجوز لهما. فقد ابتدعا في الاسلام ما لم يكن لهما.

ويُسألون عن فعل أبي بكرٍ وعمر في الإمامة، كان أصْوَبَ أم فعل النبي ؟!

فإن قالوا: فعلُهما. كفروا!!

وإن قالوا: فعل النبي عليه السلام أصوب.

قيل لهم: فأيهما كان أولى بأبي بكر وعمر يقتديان بالنبي أم لا يقتديان به ؟

فإن قالوا: يقتديان بالنبي خير لهما.

قيل لهم: فحيث خالفا النبي عليه السلام في الإمامة اقتديا به أم لم يقتديا به ؟!

فإن قالوا: لا. بل اقتديا. خالفوا أن تكون الشورى بين المسلمين مثل الشورى بين ستة، وأن تسمية أبي بكر لعمر وحده هي شورى بين المسلمين. وهذا المحال من الكلام.

وإن قالوا: لم يقتديا بالنبي ولو اقتديا به كان خيراً لهما.

قيل لهم: أفيجوز لهما ما فعلا أم لا يجوز ؟

فإن قالوا: نعم. هذا جائز لهما.

قيل لهم: أفصوابٌ ذلك أم خطأ ؟!

فإن قالوا: بل خطأ. لزمهم أنه يجوز أن يُخَالَفَ رسول الله صلى الله عليه وآله. وإن زعموا أنه صوابٌ فقد زعموا أن خلاف النبي عليه السلام صوابٌ. وهذا ما لا يقول به أحدٌ من المصلين. وزعموا أن أبا بكر وعمر جائزٌ لهما أن لا يقتديا برسول الله صلى الله عليه وآله. وهذا شر ما أضيف إليهما تركُ الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله.

وقال بعضهم: إذا كانت الشورى بين المسلمين فليس بمتناقض إنما هو ما رأى المسلمون، إذا أجمعوا على أن يُصيِّروا رجلاً بعينه، وأن يجعلوه بين ستةٍ فهو ما فعلوا، فلهم ذلك، وليس في هذه الفريضة تناقض، إنما كان الأمر شورى.

فيقال لهم الشورى من الجميع أم من بعض ؟!

فإن قالوا: من الجميع. قيل لهم :فكيف جعل أبوبكر عمرَ بغير شورى بين المسلمين ؟! وقد وجدناهم يقولون ننشدك الله أن تستعمل علينا عمر فإنه فظ غليظ. فقال: أتخوفونني بالله، أقيموني فلما أقاموه، قال اللهم إني إذا لقيتك قلت استعملت عليهم خيرَ خلقك. والدليل على أنها لم تكن شورى أنه ساعة مات أبو بكر كان الخليفة من بعده عمر. وقد أجمع الناس على هذا. وقد أقاموا بعد رسول الله ثلاثة أيام يشاورون في أبي بكر. إلا أن يكون عمر بَانَ من الفضل بما لم يكن بَانَ به أبو بكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم!! فإذا انكسر هذا لم يكن يجوز لأبي بكر أن يقدم عمر إلا بشورى، ولا يجوز له ذلك دون المسلمين جميعاً.

وكذلك أيضاً يلزمهم في ستة دون المسلمين . فيلزمهم إن كانت إصابة الإمامة لا تكون إلا بالشورى من الجميع، أن الذي فعل أبو بكرٍ خطأ، وأن الذي فعل عمر خطأ، وإن كانت الشورى بين ستة كما فعل عمر فقد أخطأ أبو بكر، وإن كانت كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد أخطأا جميعاً!

ويسأل الذين زعموا أن فريضة الإمامة من رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي بكر بالصفة والدلالة، وأنهم إنما أقاموا أبا بكر بتلك الدلالة، مثل قول النبي صلى الله عليه : (صل بالناس). ومثل: يوم بدر أقعده معه في العريش، وكان مجلسه عن يمين رسول الله عليه السلام. قالوا بهذه الصفات اختاروا أبا بكر.

قيل لهم: فما بَالُ أبي بكر لم يدل على عمر بالصفة حيث سماه لهم باسمه ونصبه بعينه، وأقامه بعده، كما دلَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي بكر ؟! ولا يجدون إلى دفع ذلك سبيلاً. وهذا خلاف لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفرض فريضة بالدلالة، ويجعلها أبو بكر بالنص وكذلك عمر أيضاً جعلها شورى. وهذا ما لا يجوز، أن يحوّل فريضة من فرائض الله عن جهتها، وإن جاز أن يُخالَفَ رسول الله صلى الله عليه وآله في فريضة واحدةٍ، جاز أن يُخالَف في سائر الفرائض، حتى تعطل جميع فرائض الله، وتحدث فرائض أخرى.

وإن قالوا: لا يجوز هذا إلا في فريضة الإمامة. سُئلوا الدليل على ذلك ؟

وكذلك أيضاً إن قالوا: الإمامة سنةٌ على مثل قياس الفريضة، فإن جوزوا تبديل سنن الله وسنن رسوله صلى الله عليه وآله، مثل صلاة الوتر بالنهار، وزكاة الفطر في الأضحى، وصلاة العصر في وقت المغرب، وصلاة الصبح في وقت العتمة، حتى تبطل جميع سنن الله.

فإن قالوا: لا يجوز تحويل السنة إلا في الإمامة. سئلوا الدليل على ذلك ؟ ولا يجدون إلى ذلك سبيلاً. ويلزمهم من ذلك مثل ما لزمت الحجة في مسألة الفريضة.

وإن قالوا: إن الإمامة تطوع. لزمهم أن سننَ الله وفرائضه لا تقوم إلا بالتطوع. وهذا ما لا نحب لأحد أن يقوله.

ويُسأل الذين يزعمون أن الإمامة لا تكون إلا بالشورى من جميع المسلمين، يقال لهم: أخبرونا عن الشوررى، في الأمة جميعا أم في كل جنسٍ، أم في الفاضل أم لا تكون إلا في جنس واحدٍ؟

فإن قالوا: لا تكون إلا في جنس واحد. نقضوا قولهم إن الشورى لا تكون إلا بالمسلمين جميعاً.
وإن قالوا: لا تكون إلا من الأجناس جميعاً.

قيل لهم: فما بَالُ أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُدخلوا معهم في الشورى غيرهم ؟ وما بَالُ عمر لم يجعلها في الأجناس جميعاً ؟ وما باله لم يجعلها شورى بين المسلمين كلهم ؟ وهذا متناقض لا يستقيم. فأي ذلك قال انكسر عليه حتى يرجع إلى أهل الحق!

واعلم أن أَفْرضُ الفرائض وآكدها فرضٌ الإمامة؛ لأن جميع الفرائض لا تقوم إلا بها. ولا يجوز تبديل فريضة الإمامة بوجهٍ من الوجوه، لأن فيها من الإفساد ما ليس في غيرها.

وإن سألوا فقالوا: ما تقولون في الإمامة فريضة هي، أم سنة، أم تطوع ؟

قيل لهم: بل أَفْرَضُ الفرائض، وآكده في الفرض.

فإن قالوا: هل يجوز أن يخالَف في هذه الفريضة ( بوجه من الوجوه ؟

قيل له: لا. لأنه لو جاز أن يخالف فريضة لجاز أن يخالف الفرائض ) كلها ؟

فإن قالوا: فما وجه الإمامة عندكم ؟

قيل: وَجْهُ الإمامة موضع الإختيار من الله معدن الرسالة ليكون الموضع معروفاً. والدليل على ذلك أن الإمامة موضع حاجة الخلق، فلا يجوز أن تكون في موضع غير معروفٍ، إذاً بطلت الحاجة وضاع المحتاجون، وإذا كان ذلك كذلك فسد التبيين، ودخل الوهنُ في الدين؛ لأن الله تبارك وتعالى، وضع الأشياء موضع الحاجة، ووضع للمحتاجين ما فيه صلاحهم. ولو لا ذلك لفسد التدبير، وهلك الخلق.

والدليل على ذلك أن الله بعث الرسل لحاجة الخلق، ليبين لهم ما فيه صلاحهم، وإذا لم يبين لهم ما فيه صلاحهم هلكوا. فلذلك قلنا: لا يجوز أن تكون الإمامة بعد النبوة إلا في موضع معروفٍ لحاجة الخلق إليها، وإلا فسد التدبير وضاع الخلق.

ومما يصدق قولنا أن الإمامة موضع حاجة الخلق، وأنه لا غناء بالناس عنه، قول الله تبارك وتعالى في كتابه: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ﴾ [النساء: 59]. وقوله: ﴿ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم﴾ [النساء: 59]. فأمر بطاعةِ معلوم غير مجهول، وأوجب على الخلق ثلاث طاعات ترجع إلى طاعة واحدةٍ، وهي طاعة الله عز وجل. وأنه لا غناء بالناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله من الإمام، وإلا سفكوا الدماء وانتهكوا المحارم، وغلب القويُّ الضعيف، وبطلت الأحكام والحدود، وحقوق اليتامى والمساكين، ورجع الدِّين جاهلية. فلذلك قلنا إن الإمامة لا تكون إلا في موضع معروف، حتى متى قصدوا إلى ذلك الموضع وجدوا حاجتهم، وإلا اختلفوا وهلكوا.

فإن قالوا: بينوا لنا وجه الفريضة ؟

قيل لهم: الوجه على مثال قياس الفرائض كلها، يأتي الخبر من الله فيأمر نبيه عليه السلام أن ينص رجلاً بعينه من موضع معروف، ولا يكون ذلك الموضع إلا وهم به عارفون في النسب والتقى، ليكون موضع القنوع حتى لا يقول أحدٌ أنا أولى. كما لم يجز لأحد أن يدعي أنا أولى بالرسالة من الموضع الذي بعث الله منه نبيه. وكذلك الإمامة في أرفع المواضع، وهو معدنُ الرسالة لقطع الحجة.

والدليل على ما قلنا أن الإمامة إذا خرجت من أرفع المواضع وأقربها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، ادعت كل فرقة من الأمة الإمامة، ووقع الاختلاف، وفي الاختلاف إبطال الدين.

فإن قالوا: إنك ادعيت أن الإمامة بخبر من رسول الله صلى الله عليه وآله أن ينص رجلاً بعينه، فإذا قبض النبي انقطع الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله فقد تغيرت الفريضة عن جهتها ؟!

قيل لهم: من هاهنا غَلِطتُّم. إن الفرائض كلها على مثل ما أخبرناكم، تنزل الآية في الشيء بعينه حتى تُؤدَّى تلك الفريضة ( في كل زمان على مثل الخبر الذي أنزل الله في الشيء بعينه، حتى تؤدى تلك الفريضة ) على تلك الجهة وإنما عِبْنَا على من قال بخلافنا أنهم غيروا الفريضة عن جهتها، فجعلوها مرةً نصاً في رجل بعينه، ومرةً شورى، ومرةً بين ستةٍ. وإنا قلنا نحن: لا تكون إلا على هيئة واحدةٍ. ألا ترى أن صلاة الظهر نزلت في يوم من الأيام جمعةً أو سبتاً أو أحداً أو غير ذلك من الأيام مسمىً باسمٍ، ثم هي في الأيام كلها على هيئة واحدة لا تُغيَّرُ.

وكذلك قلنا في رجل بعينه في ذلك الزمان ثم في كل زمانٍ في رجل واحدٍ، ولو كانت الأسماء مختلفة والقرابة والتقى والفضل واحدٌ، فهذا قياس ما قلنا، فافهموا مغاليط أهل الخلاف. وكذلك على الناس أن يؤدوا جميع الفرائض على مثل هذا القياس. وكذلك الإمامة في أبرِّ الخلق وأتقاهم، وأن يؤدوا هذه الفريضة حيث أمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

فإن قالوا: فقد زعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصه بعينه، كذلك قلنا: نحن بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيَّن لنا صفته. فوجدنا أبا بكر في تلك الصفة، فَلِمَ عبتم علينا ؟!

قلنا لهم: لأنا ادعينا أن الله تبارك وتعالى أنزل الآية والموصوف موجودٌ. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أولى بإقامته للناس باسمه وصفته. وقولنا: أولى من قولكم إن الناس كانوا أولى بأن يخرجوا الموصوف. وأنتم إن أبطلتم بألفاظكم هذا، فقد يدل فعالكم عليه، حيث زعمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يسمه باسمه، ولم ينصبه لهم، إنهم حيث سموه وأقاموه بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا توفيق من الله بعد النبي صلى الله عليه وآله ما لم يُبَيِّن لهم في حياته. ونحن قلنا كان رسول الله صلى الله عليه وآله أولى بأن يبين الاسم والصفة؛ لأن البيان من رسول الله صلى الله عليه وآله ليس كالبيان من غيره. فمن هاهنا قلنا إن رسول الله صلى الله عليه وآله نصبه باسمه ونسبه.

فإن قالوا: إنا قد نراكم رجعتم إلى قولنا في الصفة والاسم بعد الأول أيضاً بالصفة، فما الفرق بيننا وبينكم ؟

قيل لهم: إن اسم رجل بعينه لا يكون للناس كلهم، ولكن يكون النسب والفضل واحدٌ. وأنتم زعمتم أن الاسم والنسب مخالفٌ. فهذا الفرق بيننا وبينكم في الدعوى.

فإن قالوا من أين ادعيتم أنه معدنٌ واحدٌ دون المعادن كلها ؟

قيل لهم: لأنه لو كانت معادن مختلفة لم يجز أن يكون الأمر إلا بالشورى. ولا تجوز الشورى إلا في القبائل التي تجوز لهم الإمامة. فإذا ذهبوا إلى أن يجمعوا أهل الشورى من كل قبيلة، لم يجز إلا أن يختاروا من أهل الاسلام جميعاً، وإذا كان ذلك لم يجز إلا جمعهم من الآفاق كلها جميعاً، مع أنه لا يكون ذلك إلا برضاهم جميعاً، ولو جاز اجتماعهم اختلفت هممهم أن يكون الأمر فيهم. وفي اختلاف هممهم ومشاورتهم منازعة، لأن كل قومٍ يقولون: لهم فضل الإمامة؛ لأن البنية على هذا. فإذا وقعت المنازعة وقعت الفتنة، وإذا وقعت الفتنة وقع الحرب، وإذا كان ذلك تفانوا. فإذا ما وقعوا فيه من الشر والفساد أعظم مما طلبوا من الصلاح في طلب الإمامة، ولم يكن الله تبارك وتعالى يفرض عليهم فريضةً يريد بها صلاح عباده، فتكون تلك الفريضة عليهم وبالاً وهلاكاً وفساداً. مع ما يدخل من النقص في التوحيد والرسالة، فمِن قِبَل ذلك قلنا: لا يجوز إلا أن تكون في مكانٍ معروفٍ.

فإن قال قائلٌ: إنما جعل الله الإمامة في قريش وهي معروفةٌ، فما دليلكم في الموضع الذي تدَّعون ؟

قيل لهم: لأنكم إذا ادعيتم أنها في قريش دون غيرها كانت الحجة لنا عليكم، ولقرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا غيرها. فإن كان ما قلتم حقاً فنحن أولى بما ادعينا من القرابة؛ لأنهم أقرب برسول الله من موضعكم الذي ادعيتم وأبينُ فضلاً.

واعلم أنه لا يجوز أن يقوم مقام الرسول صلى الله عليه وآله مَن إذا قضى بقضية أو أحدث حدثاً مما لم يأت عن الله ولم يحكم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وراجعه فيه من هو أعلم منه بالله رجع عن حكمه واعتذر، وكان قوله: ( عَلَيَّ شيطانٌ يعتريني، فإذا رأيتم مني ذلك فاجتنبوني لا أبدر في أشعاركم وأبشاركم ) فهذا لا يصلح للإمامة، ولا يجلس في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولا من كان إذا حكم بحكم فقيل له أصبت يا أمير المؤمنين يعلوه بالدرة، ويقول: ( لا تزكونا في وجوهنا فوالله ما أدري أصبتُ أم أخطأت، وما هو إلا رأي رأيته من نفسي ). فيخبرهم أنه لا يدري أصاب أم أخطأ، وهم يشهدون له أن ( السكينة تنطق على لسانه ). يخبرون عنه بخلاف ما يخبر عن نفسه، ويجعلون له من التوفيق ما يجعلون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وإنما يصلح للإمامة ويخلف النبي صلى الله عليه وآله في أمته، من كان إذا صعد المنبر يقول: (سلوني قبل أن تفقدوني، فعندي علم المنايا والقضايا، والحكمة والوصايا، وفصل الخطاب، والله لأنا أعلم بطرق السماء من العالم منكم بطرق الأرض، وما من آية نزلت في ليلٍ ولا نهارٍ، ولا سهلٍ ولا جبلٍ إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وفيما أنزلت، ولقد أسرَّ إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكنون علمه ألف بابٍ يفتح لي كل بابٍ منها ألف باب، نحن النجباء، وأبناء النجباء، وأنا وصي الأوصياء، وأنا من حزب الله وحزب رسوله، والفئة الباغية من حزب الشيطان والشيطان منهم، وأفراطنا أفراط الأنبياء ولا يقوم أحدٌ يسأل عن شيء إلا أخبرتُه به غير مُتريِّث) والله تعالى يقول: ﴿ أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ﴾ [يونس:35]. والإمامة لا تكون إلا في موضع الطهر، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، وجوهر النبوة ﴿الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ﴾ [الأحزاب: 33] وأمر بمودتهم بعد نهيه عن مودة مَن حآده، وليس يخالف الحق إلا أهل العناد لله ولرسوله، والبغي والحسد والجهالة، ممن لا رَوِيَّة له من المرجئة، والقدرية، والنواصب، وجميع الخوارج، ممن خالفنا أو حاد عن الحق، وقال برأيه، وقد فسرنا في كتابنا هذا ما يدخل على من خالفنا ما يستدل بدونه مَن نصح لنفسه، وترك المحاباة على ما سبق إلى قلبه، فمَن فهم بعض ما وصفنا، دَلَّه على كثير مما يريد وبالله نستعين، وعليه نتوكل وإليه نفوض أمورنا مستسلمين له، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وأهله وسلم.

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“