هل عيسى من مخلوقات الله؟

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
عبدالوكيل التهامي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 105
اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm

هل عيسى من مخلوقات الله؟

مشاركة بواسطة عبدالوكيل التهامي »

بسم الله الرحمن الرحيم

هل عيسى من مخلوقات الله ؟!

في المطار ، وقبل أن يسافر "هوّار"، إلى بلاد الاوروبيين، كان في وداعه أحد العلماء الصالحين، خرج به ونظر إليه نظرة الزارع إلى الغرس، قال له في نبرة النصح والحرص: يا بنيّ، يا أعزّ الناس عليّ، إنك مسافر غدا إلى بلد من بلاد النصارى، الغافلين الحيارى، الذين يؤلهون عيسى ويمترون فيه، ولعمري هذا هو الضلال والتيه، كيف بهم يعتقدون أن عبدا مخلوقا من جملة مخلوقاته، هو إله قديم مشارك له في ما يختص بذاته، وقد ولد من أمه ولم يكن من قبلها موجودا، ولم يكن إلا بعد أن أصبح مولودا.

يابنيّ .. يا نور عينيّ .. إن عقائدهم تلك لذي اللب السليم، والدين القويم، لهي عقائد ساقطة، تتورع عن ترديدها الدواب الهابطة، وما أيسر أن ينقضها المنطق والدليل، بالحجة والتمثيل، لذلك يا بني إني أنصحك نصح المحبين، بأن تكون من المجدين، وأن تحاول قدر المستطاع، أن تهدي منهم من أطاع، فتفتح عيونهم على ذلك الخطأ والضلال، والتناقض الذي تتزلزل له الجبال، فذلك خير لك مما طلعت عليه الشمس.
وهنا فهم "هوّار" فحوى ذلك الخطاب، وعزم على أن ينطلق به فلا يهاب، ثم وضع قدمه على سلم الطائرة وقال: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله".

وبعد جلوسه في مقعده المخصص، جلس إلى جواره شاب أخمص، عيناه زرقاوان، فكر "هوّار" أن يحادثه بمنطق جميل ويتعرف عليه ليهون ما بَعُد من السفر الطويل فابتدره قائلا: ما اسمك أيها الشاب الاشقر؟!
فنظر إليه الشاب باحترام ورد عليه في أدب: اسمي "جورج" أيها الجار الأسمر.

فأدرك "هوّار" ، قبل أن يبدأ في الحوار ،أن ذلك الشاب الاريحي، إنما هو نصراني مسيحي، فعلم أنها الفرصة المنتظرة، ليبين الحق وينصره.
فقال "هوّار"، ليقطع على المعاندين الاعذار: يا جليسي "جورج" الأشقر، قد كرمنا الله تعالى بالعقل السليم وأعذر، فكيف تقولون أن المسيح عيسى بن مريم إله قديم، وأنتم تعلمون أنه من قبل ولادته لم يكن موجودا، ثم أصبح بأمر الله مولودا.

فاستمع النصراني إلى حديث هوّار باهتمام وقال له بمنتهى الاحترام: هل أنت مسلم يا أخي الأسمر؟!
فأجابه هوار بكل عز وافتخار: بالطبع والحمد لله.

فقال النصراني: حسنا يا صديقي .. قد جاء في قرءآنكم ما يثبت أن عيسى ليس من مخلوقات الله!!

فقال هوّار : أعوذ بالله من هذا القول القبيح، من قال لك ذلك - أعوذ بالله.
فقال النصراني: ألا يقول المسلمون أن كلام الله ليس بمخلوق وهم ينفون ذلك نفيا قاطعا مانعا جامعا؟!

فقال هوّار: نعم نعم نعم.. فعلا فعلا فعلا.. كلام الله ليس بمخلوق، ولا يفتري غير ذلك سوى أهل الزيغ والضلال من المعطلة والمعتزلة قاتلهم الله.

فقال النصراني: حسنا يا صديقي .. لقد قربت المسافة بيننا جدا .. ألم يأت في القرءآن عند الحديث عن المسيح: "إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ"، وفي آية أخرى: " إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ"؟!

فتعجب "هوّار" من حفظ المسيحي للقرءآن وقال: نعم صدقت.. لكن ما مغزاك من إيرادها؟!

فقال النصراني: إذا كان المسيح هو "كلمة الله" و"أمر الله" و"قول الحق"، وإذا كان "كلام الله" و"أمر الله" ليس بمخلوق، فمن الواضح جدا أن المسيح ليس بمخلوق، أليس كذلك؟!

فاضطرب "هوّار" ، واستوى في مقعده، ثم صمت برهة وقد تملكته الدهشة من خطورة كلام النصراني وقال في نبرة من الانفعال: إن مغزاك أيها النصراني، هو مغزى شيطاني، فأنت تتلاعب بدلالة القرءآن وتستخدم الفلسفة والمنطق والبرهان، وهذا يوصلك حتما إلى الزيغ والضلال.
يا جورج إنك حتما لا تدري بأن الله قد قال في عيسى عليه السلام : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} فهذا نص واضح على أن عيسى هو من مخلوقات الله.

فقال النصراني بكل ثقة وهدوء: يا صديقي العزيز.. قد وصف قرءآنكم المسيح بأنه "كلمة الله" و"أمر الله" و"قول الحق" و"كن فيكون" فهذه كلها نصوص صريحة تدل على أن المسيح ليس من خلق الله بل هو من كلام الله الذي ليس مخلوقا، وليس من الانصاف أن تؤول جميع تلك النصوص الكثيرة بنص واحد وغير واضح يصف كلمة الله بأنها من ضمن مخلوقاته فيحاكي أهل الزيغ والضلال من المعتزلة!!
ورغم أنه لا يلزمني أي نص في القرءآن معارض لديني لاني استظهر به عليكم، لكنك لو قرأت النص جيدا لعلمت أن وصف الخلق في الاية: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} إنما هو راجع لادم وبصيغة "مثل" أما عيسى فاقرب وصف له هو "كن فيكون" التي لا تتعارض مع بقية الايات الاخرى التي تصفه بكلمة الله وأمر الله!!

فانزعج "هوّار" من تورطه في هذا الحوار، ومن تمسك النصراني بحجته وقال: إسمع أيها النصراني، الموتور الشيطاني، يبدو أنك من أهل الفلسفة والبدعة، والمراء والسمعة، واكتفي بالقول لك أنا لم نسمع أحدا من أسلافنا الأباة، يقول بأن عيسى ليس من مخلوقات الله، فاستغفر ربك من هذا الكلام الخطير.

فقال النصراني وقد علم أن هوار يتهرب من الحوار: لماذا أستغفر ربي .. استغفر ربك أنت فأنا آتيك بأدلة من قرءآنكم وأنت تعرض عنها وتتأولها وتعطلها وكأنك لا تسمعها حتى شككت أنك تحترم كتابكم المقدس !! فهل أنت أحد المعتزلة الذين يعطلون الايات ويكذبون الله ويتكبرون عليه؟! ألم يأت في قرءآنكم "أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْر" ففرق الله بين الخلق والامر ولو أراد أن عيسى مخلوق لقال: "ألا له الخلق والخلق" ، وفي آية أخرى: "مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُون" فهنا عبر النص عن عيسى بقوله: "كن فيكون" فلو كان الله يخلق "كن" كلما أراد أن يخلق "كن" للزم التسلسل والبطلان فهذا دليل على أن هناك "كن" قديمة هي "كلمة الله" المسيح.

وهنا أيقن "هوار" أن النصراني ماض في إحراجه، فصرخ ملئ أوداجه: إسمع يا هذا .. أنا لن استمع إلى هذا الكلام الخطير الذي تردده بلسانك ويكاد يهتز له العرش، وحسبي أن أقول لك أن الصواب هو ما يقوله أهل الحق من السلف أن كلام الله ليس بمخلوق.. أما عيسى فهو من مخلوقات الله حاله كحال غيره، فدعني وشأني فأنت من أهل الوسوسة والتشكيك وأريد أن أنال قسطا من الراحة والنوم خلال هذه الرحلة فدعني أنام .

فقال النصراني: يا صديقي العزيز .. اعتذر من مضايقتك واريدك فقط أن تفكر فيما قلته لعلك تهتدي إلى سواء الصراط.

فانزعج هوّار، وعلت جبينه سحابة الغيظ والاحمرار، ثم صاح: احترم نفسك يا هذا.. أنت تهديني إلى سواء الصراط، النصراني يهدي المسلم!! استغفر الله العظيم لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، اسمع يا هذا من المستحيل أن لا يكون عيسى مخلوقا فقد ولد في لحظة لم يكن قبلها موجودا بعد أن خرج مولودا، فهذه هي بدايته التي تنفي قطعا أنه قديم، بالاضافة إلى أن معنى كلامك أنه ليس مخلوقا أنه مشارك لله تعالى في الاقدمية والازلية وهذا شرك بالله، ديننا الاسلامي يرفضه رفضا باتا.

فأجابه النصراني بهدوء وثقة: بالعكس صديقي العزيز.. من المستحيل أن يكون المسيح مخلوقا لانه كلمة الله وكلام الله ليس مخلوقا ولا يحتاج هذا إلى مزيد من التوضيح .

فصاح "هوّار" صيحة انتبه لها من في الجوار: قلت لك أيها المغالط أن عيسى مخلوق وليس قديما فقولك أنه قديم يقتضي أنه مشارك لله.

فأحرج النصراني من الجلبة التي افتعلها "هوّار" ثم قال في نبرة المكر: حسنا حسنا.. إهدأ إهدأ.. أيرضيك أن نصل إلى حل وسط بيننا؟! أن لا تقول أن عيسى إله، وأن تقول إنه قديم وليس بمخلوق؟!

فأجابه "هوار": ما هذه المغالطة كيف يمكن أن تجمع بين هذين القولين؟! لقد سقطت أيها النصراني وظهرت مغالطتك!!

فأجابه النصراني: قبل أن تتهمني بالمغالطة أرجو أن تتأمل كلامي فهو كأصول مذهبكم القائل بأن كلام الله قديم وليس مخلوقا وفي نفس الوقت ليس مشاركا لله في الالوهية والأزلية، فهل تعنون بقولكم أن كلام الله ليس مخلوقا أنه مشارك لله في الالوهية والازلية؟! بالطبع لا.. ونحن كذلك..
وخلاصة القول أنا أقول أن عيسى ليس مخلوقا كما تقولون بأن كلام الله ليس مخلوقا بالمعنى الذي تقصدونه أنتم وتفسرونه أنتم في وصف كلام الله وبما لا يتعارض مع مبادئ التوحيد في مذهبكم، وعندما تسمعني أو تسمع أحد النصارى القائلين بأن عيسى قديم وليس مخلوقا فافهم منه ما تفهمه من قولكم إن كلام الله ليس مخلوقا، فما رأيك؟!

فارتاح "هوار" لهذا الاقتراح، فإذا كان مراد النصراني من قوله أن عيسى ليس من مخلوقات الله وأنه قديم نفس ما يقصده علماء مذهبه من قولهم "كلام الله قديم وليس بمخلوق" فهم على عقيدة التوحيد السليمة النقية الصافية المحمدية.

وعاد هوار بعد ايام إلى الديار ليحكي كيف اهتدى جورج على يديه، وأقر بالحق والتوحيد إليه، فالحمد لله رب العالمين.

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“