قراءة في آفاق الثورة السورية

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
عبدالوكيل التهامي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 105
اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm

قراءة في آفاق الثورة السورية

مشاركة بواسطة عبدالوكيل التهامي »

بسم الله الرحمن الرحيم

قراءة في آفاق الثورة السورية

ابان الثورة السورية عندما استقال أحد الاعلاميين البارزين من قناة الجزيرة وهو الذي تحمس كثيرا لثورة مصر، برر استقالته قائلا بأن على القناة أن تتواضع في تعاطيها مع الثورات العربية، فهي لا تستطيع أن تصطنع ثورة في سوريا بقدر ما استطاعت أن تدعم ثورة شعبية حقيقية في مصر.
لم يكن ذلك الاعلامي البارز قبل عام ونصف العام يتوقع أن تتطور الأحداث في سوريا إلى ما وصلت إليه اليوم من تبني رسمي من الجامعة العربية لثورة سوريا ومقاطعة تامة لنظام الأسد قبل مقاطعة إسرائيل، لم يكن يتوقع أن تصبح قضية الثورة السورية هاجسا رئيسيا ومتكررا لمجلس الأمن الدولي ولم يكن يتوقع أن تتحول تلك الصور المشوشة التي كانت تتكلفها قناة الجزيرة إلى حرب شوارع وعصابات في دمشق وحلب وحمص وحماة ودير الزور.. لم يكن قد سمع في ذلك الوقت بالجيش السوري الحر.

الجيش السوري الحر تلك الذراع العسكرية التي تقود حرب عصابات داخل الارض السورية ولها وجهان وجه مذهبي وآخر ليبرالي ، تلبس في أحيان لبوس المذهبية وتردد في أحيان أخرى شعارات الحرية والديمقراطية وتحظى بمباركة علنية من أمريكا وأمنيات علنية بالتوفيق من إسرائيل والتي نشأت بدعوى رفع الظلم والقمع والحرص على الديمقراطية والتحرر ، ولم توضح موقفها من قضية الصراع العربي الصهيوني ، بل إن بعض رموزها السياسيين قد زاروا إسرائيل ووعدوها علنا على القنوات بأن نجاحهم في إسقاط نظام الأسد سيعني علاقات طيبة مع إسرائيل وسيعني نظاما يعادي حزب الله وإيران ، فهل هذا ما يتحمس لأجله المؤيدون للثورة في سوريا؟ بالطبع لا.

الثورة في سوريا التي تم تسويقها إعلاميا باعتبارها تهدف لرفع الظلم والقمع عن الشعب وحرصها على الديمقراطية والتحرر ، ولكنها مع هذه الستارة البراقة والعناوين التحررية الإنسانية الرنانة وقعت في عدة أخطاء :

1- القيام بإعدام المؤيدين لنظام الأسد علنا وبطرق وحشية وغير إنسانية أمام كاميرا الفضائيات !! هذه الظاهرة الثورية لا تنم عن مشروع بناء وطن يتسع للجميع ويعد بالديمقراطية واحترام المخالفين سياسيا واستيعابهم تحت مظلة المؤسسات والصندوق ، بل تنم عن عقلية دموية إقصائية تدميرية حاقدة مجرمة تنذر بمستقبل أسود لأهلنا في سوريا ، لقد حاكموا وأعدموا قبل أن يتولوا فكيف إذا نجحوا في إسقاط النظام وتولوا الحكم؟ ماذا سيفعلون؟

2- اغتيال عدد من الاعلاميين ورموز الصحافة والمراسلين ، وزرع عبوات ناسفة في قنوات إعلامية اثار تساؤلات حول إيمان أولئك (الأحرار) بحرية الصحافة ، فإن كانوا يناضلون من أجل الحريات فكيف بهم لم تتسع صدورهم لوجهة النظر الأخرى وهم ما زالوا حريصين على إرهابها وتغييبها وكبتها وإسكاتها؟

3- القيام بخطف زوار لبنانيين وآخرين إيرانيين والقيام بإعدام بعضهم ، لا يوحي بأن هؤلاء (الثوار) هم أصحاب قضية عادلة أو مظلومية أو قيم أو أهداف ديمقراطية وتحررية بقدر ما يوحي بأنهم مجموعة من المجرمين الذين يتسترون خلف شعارات ثورية ناصعة ويتم تلميعهم دوليا من قبل جميع أعداء العرب الذين يخشون جدا من التحرر العربي.

4- زرع عبوات ناسفة في الأماكن العامة وبث الرعب والإرهاب داخل المجتمع الآمن ليس هو الطريق الأمثل لفرض الديمقراطية والنضال من أجل حقوق الشعب وحريته ، بل إن هذا هو ابتزاز للشعب السوري بإرهابه ليرضخ ويركع أمام ديمقراطية هؤلاء (الثوار) المدعومة من الغرب ، ويوحي بمستقبل دموي واستراتيجية ميكافيلية في سبيل اسقاط النظام وفرض الديمقراطية بالرعب والمحاكمات الميدانية والتفجيرات العشوائية والاشلاء المتناثرة.

5- منطق الاغتيال الذي تعرضت فيه رموز الأمن القومي السوري للتصفية وفيها بطل حرب أكتوبر حسن تركماني والذي يحمل بصمات مخابرات دولية ويستفز كل وطني وقومي، لم يكن ضحيته نظام الأسد بقدر ما هو أمن سوريا وكرامتها ووحدتها واستقرارها ، وذلك بدوره ينثر بذور الشك في أن ما يسمى بالثورة السورية هي ثورة شعبية داخلية تهدف لتحقيق مصلحة سوريا وحقوق شعبها ، ويوحي بقوة انها لعبة دولية غربية تتستر بتلك الحقوق لكسر شوكة سوريا من الداخل والتي لطالما كانت عصية على الكسر من الخارج.

6- تلقي التأييد العلني من أمريكا والغرب والمباركة العلنية من إسرائيل ورفع الموضوع مرارا لمجلس الأمن يوحي بأن الجيش السوري الحر إنما يقاتل نيابة عن أمريكا ضد النظام السوري ، وأنه أحد الأدوات لتحقيق مصلحة أمريكا الاستراتيجية والتخلص من خصومها حتى لقد استنفر ذلك روسيا والصين وأشعرهما بالخطر الاستراتيجي وفرض عليهما أن يكونا طرفا في القضية التي ترمي فيها أمريكا بجميع ثقلها السياسي والاستخباري والاعلامي واللوجستي وسخرت من أجله جميع عملائها في المنطقة ابتداء من الجامعة العربية مرورا بتركيا والسعودية وقطر والإمارات والأردن ولبنان وتونس وليبيا ومصر.

7- إظهار مقاتلي الجيش السوري الحر باعتبارهم يمثلون مذهبا معينا ويواجهون مذهبا معينا واستخدام نبرة التحريض الطائفي في تقييمهم وتشجيعهم والتجييش لهم داخل سوريا وخارجها مع الترويج المستمر لنموذج العرعور والتشكيك في إسلام الرئيس الأسد لا يعكس رغبة هؤلاء (الثوار)بتحقيق مصلحة سوريا بل يعكس رغبتهم في تفتيتها وتمزيقها وتعريضها لخطر الصوملة والتقسيم وإدخالها في حرب أهلية تأكل الأخضر واليابس وتعيد الوطن إلى الوراء لسنوات ، وباختصار يعني رغبتهم في إضعاف سوريا وإفقار شعبها وتدمير بنيتها الأساسية.

8- استقدام (ثوار) من مالي وافغانستان واليمن والشيشان والسعودية وليبيا والذين يشكلون أغلبية مقاتلي الجيش السوري الحر لا يؤكد أن الثورة ضد نظام الأسد هي ثورة الشعب السوري ، بل يؤكد انها لعبة إقليمية ودولية مستوردة تتستر بحقوق الشعب السوري وبالمذهبية والديمقراطية لكي يتم بها تحويل سوريا القوية المنيعة بجيشها وأمنها ووحدتها إلى افغانستان الثمانينات بؤرة النزاعات والصراعات والحروب.

9- زيارة بعض رموز المجلس الوطني السوري لاسرائيل ووعدهم العلني على الفضائيات بأن النظام الجديد في سوريا بعد سقوط نظام الاسد سيكون صديقا لاسرائيل وعدوا لإيران وحزب الله ، والمظاهرات التي عرضتها قناة الجزيرة يرفع فيها السوريون علم إسرائيل ويمزقون صور السيد نصر الله وينادون إسرائيل بنجدتهم من الجيش السوري وهتافات "لا حزب الله ولا إيران" ، مع السماح لمراسل القناة الإسرائيلية الثانية بزيارة أحد معسكرات الحر داخل أراضي سوريا وأخذ تصريحاتهم وإفاداتهم التي لا تفيد بأية عداوة تجاه إسرائيل مع استقبال إسرائيل لخمسة من جرحى الجيش الحر وعلاجهم، أضف عليه نكوص المجلس الوطني السوري عن تحديد موقف واضح من قضية الصراع العربي الصهيوني ، كل ذلك يمثل قلقا فعليا لكل من يتحمس للثورة في سوريا باعتبارها بوابة للتضحية بقضية فلسطين وبالمقاومة وباعتبارها أداة بيد إسرائيل لضرب أعدائها وتقوية شوكتها وبسط نفوذها ليشمل سوريا بعد إسقاط نظام الأسد.

10- التحرك العربي الرسمي الواسع عبر الجامعة العربية لمقاطعة نظام الأسد والتغاضي عن إسرائيل مع الحرص على إسكات القنوات الإعلامية السورية وحظرها رسميا من عربسات ونايلسات واستهدافها بالتفجير والقتل والاختطاف ، مع الفضائح الاعلامية المدوية لقناة الجزيرة وفبركتها للمجازر والأحداث في سوريا "برنامج خفايا بابا عمرو" ، كل ذلك يعزز فكرة المؤامرة على سوريا من خلال ما يسمى بالثورة السورية.


أنا أعلم يقينا أن هناك الكثير من السوريين الذين يحلمون بالحرية السياسية ويطمحون حقا في طي صفحة الماضي البوليسي والقمعي الذي عفى عليه الزمن فخرجوا للتظاهر ضده بكل وطنية وصدق وإخلاص طلبا للحرية والديمقراطية ، ولكني أعلم يقينا أن لا أحد منهم سيقبل أن يضع مستقبل وطنه في عهدة أياد مجهولة في قيمها وولائها ومرجعياتها وخطابها وأساليبها مضحيا بوحدته واستقراره وأمنه ومنجزاته وهو لا يعلم أين سينتهي الأمر بتضحياته الذي قد تصل به إلى نصرة إسرائيل وضرب القضايا العربية في الصميم.
وفي المقابل يعرض عليه نظام الأسد إصلاحات جوهرية تضمن وحدة الوطن واستقلاله والحفاظ على منجزاته وتحرره من هيمنة أعداء هذه الأمة ، ذلك النظام الذي أوصل سوريا إلى أن لا يكون عليها دين وأن لا يتاثر اقتصادها بالحصار وأن تتحسن نسبة النمو والانتاج فيها مقارنة بمثيلاتها من الدول العربية وأن تتحرر في قرارها السياسي من التبعية للأمريكي والصهيوني والغربي وتكون الملجأ الأخير للعرب والمقر الآمن للمقاومين والمجاهدين من جميع الأقطار العربية سيما فلسطين ولبنان والعراق، أليس من حقه أن تعطيه فرصة لانجاز الاصلاحات؟

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“