مديح القرأن للسيد حسين بدر الدين الحوثي (( ص))

مواضيع ثقافية لاترتبط بباقي المجالس
أضف رد جديد
ابو بحر
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 12
اشترك في: الخميس يوليو 23, 2009 11:23 pm

مديح القرأن للسيد حسين بدر الدين الحوثي (( ص))

مشاركة بواسطة ابو بحر »

دروس من هدي القرآن الكريم


[الدرس الأول]

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ
28/5/2003م


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
نحن الآن ندرس كتاب [مديح القرآن] للإمام القاسم بن إبراهيم. وهذا الكتاب مناسب أنه يصور، ويخرج بأحسن مما هو عليه، يكبَّر؛ لأجل يدرس في المراكز، وينتشر للناس. مناسب جداً نشره في الفترة هذه بالذات. يعني الناس الآن أحوج ما يكونون إلى القرآن، في الزمن هذا بالذات. نحن بحاجة إليه في المساجد في المراكز ينتشر في أوساط الناس.
كتاب هو من إمام كبير من أئمة أهل البيت، الزيدية متفقين عليه، هو مشهور عندهم جميعاً، وكتابته بالطريقة التي تكشف كيف رؤية أهل البيت، وتوجه أهل البيت الأصلي، قبل تجي أشياء أخرى. هنا يعطي فعلاً رؤية أهل البيت. يتحدث عن أهمية القرآن، وعظمة القرآن، وحاجة الناس إلى القرآن، وهداية القرآن بشكل كبير. الإمام القاسم هم يعتبرونه من أقدر أئمة أهل البيت، الإمام القاسم بن إبراهيم يعتبرونه كبير أهل البيت، في قدرته. بل بعضهم يعتبرونه فيلسوف المسلمين.
الإمام القاسم نفسه هو ممن كان يهتم بالقرآن، يهتم به اهتماماً كبيراً، وهذا واضح في كتاباته، يعني عنده كمنهج تربوي؛ لهذا تجد الإمام الهادي نفسه ـ وهو حفيده ـ كيف كان اهتمامه بالقرآن.
نحن نقول: أنه حصل عندنا خلل في نظرتنا إلى القرآن الكريم، ولو أن الناس ما يزال عندهم إيمان بأهمية القرآن، وعظمته، لكن حصل خلل كبير في النظرة إلى القرآن، وفي التعامل معه، وحصل خلل كبير، عوائق حدثت لدينا أعاقتنا عن الإهتداء به بالشكل المطلوب.
هو كتاب صغير لكنه عظيم في فائدته.
قال (عليه السلام): [ وفي تبيين ما نزل الله في كتابه من الآيات، وجعل فيه من المواعظ الشافيات، لمن قَبِله وفهمه ] تتكرر كثيراًً الكلمة هذه: [ لمن قبله وفهمه]، لمن تأمله، لمن، لمن..؛ لأن القضية هكذا: أن الإنسان هو لازم أن يكون عنده اهتمام بأن يفتح صدره، يصغي، يستمع باهتمام حتى يستفيد. وإلا ستنتهي القضية في الأخير إلى أنه لا يعد ينفع في واحد شيء على الإطلاق. ليس هناك شيء أعظم من كتاب الله، القرآن الكريم. إذا واحد لا يتفهم، لا يعد ينفع فيه شيء نهائياً، أيّ شيء كان.
[ لمن قبله، وفهمه عن الله جل جلاله من عباده البررة المتقين الأتقين ما يقول سبحانه: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ}(النور34) ] أمثلة، وقصص [ { وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(النور35) ].
هذا مثل لأقصى نور ممكن في ذلك العصر. تصوَّر نور في مشكاة: كَوَّة، يكون النور مجتمعاً فيها، {فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ}، نظيف، يكون الزجاج نظيف، ووقودها زيت الزيتون. ويصف الشجرة بالشكل الذي يكون زيتها جيِّد، نقي، {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ}.
{نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} يحاول واحد أن يكون ممن عسى أن يشاء الله أن يكون ممن يهتدي.
مسألة الهداية، تأتي الهداية العامة هذه التي تعني: الإرشاد، إرسال الرسل، إنزال الكتب. هذه التي يسمونها: الهداية العامة، الإرشاد. لكن يهدي لنوره قضية ثانية، مطلوب أن الإنسان نفسه هو يتسبب لهذه من جهة الله، يهتم، يصغي، يتفهم، يرجو الله، يدعو الله أن يهديه.
{وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ} هذا مثل، نور على أرقى درجة تتصوره، نور على أرقى درجة في محيط مظلم.
[ فمثَّل سبحانه ما في كتابه من نوره، وهداه، وما وهب ـ من تبيينه فيه برحمته ـ أولياه ] يعني: أولياءه، مثَّله [ بمشكاة قد ملئت نوراً، بمصباح في زجاجة نقيِّة، ككوكب دري ] المشكاة معناها: الكوَّة، ترى النور فيها مجتمعاً، قد ملئت نوراً. وهنا تتصور الكوة تكون متى؟ في الليل، هذا المثل في الليل، أليس في الليل؟ كيف تكون الكوة لوحدها، النور فيها بهذا الشكل، في محيط مظلم؟.
[ ومثَّل سبحانه ما في كتابه من نوره، وهداه، بمشكاة قد مُلئت نوراً بمصباح في زجاجة نقية، كوكب دري، ومثل كتابه بما فيه من هداه بنور مصباح زاهر مضيء] مثَّل ما في كتابه بمشكاة، ومثل كتابه هو بما فيه من هدى، ونور بنور مصباح [ قد نُقِّيا من كل ظلمة، وغلَس، وصفِيا من كل كدر، ونجس. فأعلمنا سبحانه بأنه هو نور السموات والأرض ].
الله نور السموات والأرض، كل نور فيها هو منه بهذا المعنى: نور الهداية. الأشياء الأخرى هي من خلقه: الشمس، والقمر، والكواكب، وسائر الدرر هذه، لكن ما كأنها هي المقصودة أن يتحدث عن المخلوقات التي تضيء، وتنير كالشمس والقمر.
يتكرر كثيراً الحديث عن الهدى، عن هدى الله بأنه نور؛ لأن هنا تتصور معه بأنه تكون الحياة ظلمات كلها، تكون الحياة كلها ظلمات. فالإنسان بحاجة إلى هذا النور، تمثل في آية أخرى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا}(الأنعام122) والتشبيه لها بالظلمة، أليس الإنسان في الظلمة الحقيقية هذه يحتار، ويتوقف فلا يدري أين يذهب، هكذا أو هكذا؟ هو نفس الشيء في الأمور المعنوية، في شؤون الحياة.
فالإنسان إذا لم يسر على هدي الله يكون متخبطاً في واقعه، ما يدري إلا عندما يضرب برأسه هنا.. وكم مصاكيع تأتي للناس! يكون متخبطاً يعني، ظلام حقيقي، وهكذا يكون شكل الناس في ظلمات الضلال مثل شكلك وأنت في طريق متجه لأي مكان آخر في ظلمات الليل، في ظلام شديد.
أليس الواحد منا يحاول يضرب [الكشاف] ليزداد نوره؛ لأنه يشعر بحاجة ماسة إلى النور في الظلام، لو لم يكن إلا نوراً بسيطاً في [الكشاف] يضربه يحاول فيه يولع. هذا نور حقيقي هذا. معناه أنه يجب أن يكون الناس حريصين؛ لأنه يتحدث يقول: هناك ظلام ونور، الحياة ظلام، الضلال ظلام، أنتم بحاجة إلى نور، نحن لا نهتم بهذه، فلا يدري واحد وضرب برأسه، لا يدري الناس: أمة، أو شعب إلا وضربوا برؤوسهم، متخبطين.
[فأعلمنا سبحانه بأنه هو نور السموات والأرض ومن فيهما] هو مصدر النور الذي هو الهدى للبشرية في هذه الحياة هو الله سبحانه وتعالى، نور الهداية. [هو نور السموات والأرض، ومن فيهما، إذ هو الهادي لكل من اهتدى من أهليهما] ولن يحصلوا على الهدى إلا من عنده. الإمام القاسم يتحدث كثيراً عن موضوع هداية الملائكة. الملائكة لا تتصورهم خلقاً هكذا يخلقون تماتيك، مهديين جاهزين. إن كل هدى مصدره من الله، وكل كائن، كل مخلوق يحتاج إلى هدي الله، وهداية الله. الملائكة، الأنبياء، البشر. البعض يقولون: [أما أولى عندك إنهم ملائكة]! كأن الله خلقهم جاهزين! .
هنا يؤكد في أكثر من موضوع بأن الملائكة هم محتاجون إلى هداية الله .
[الله سبحانه وتعالى قدم كل الوسائل التي تؤدي إلى] لملمة الناس أن يسيروا في صراطه المستقيم، وأن يسيروا على هداه بكل الوسائل. مثلما قلنا بالأمس أنه أكثر مما قال الشيطان، عندما قال الشيطان: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ}(الأعراف17) ألم يقل هكذا وهو يريد أن يضل؟ الباري جاء للإنسان من محيطه كله لمحاولة هدايته، ما زال هناك من فوق، ومن تحت، ومن داخل، ومن كل جهة، من كل جهة، وبكل وسيلة.
[وقد قيل في التفسير: إن المشكاة هي الكوة التي يجمع ما فيها، كما يجمع ما فيه السقاء، والشكوة] هنا يقول: الشكوة: الوعاء، من جلد. هكذا قيل في التفسير. [فنور هدى كتاب الله محفوظ بالله مجتمع، وكل من وفقه الله لرشده فهو لأمر الله كله فيه متبع، لا يسوغ لأحد عند الله من خلافه سائغ، ولا يزيغ عن حكم من أحكام الله فيه إلا زائغ، يزيغ الله قلبه بزيغه عنه، ويفارق من الهدى بقدر ما فارق منه، كما قال علام الغيوب، وخلاق ما ضل واهتدى من القلوب: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}(الصف5) ].
هذه تتكرر في القرآن كثيراً، وأكثر من أن تبادر إلى مسألة كيف نتأولها حتى لا يلحق الباري أثام! لا، إفهم أن القضية خطيرة، أنك تحاول أن تتسبب لأن لا يزيغ قلبك، لأن لا يطبع على قلبك، لأن لا تضل، تسبب للهدى من الله .
هذه تكررت في القرآن بشكل كبير، وفيها تحذير رهيب. يعني: أن القضية لا تعتبرها قضية على مزاجك [ استمع، ومتى ما أردت أهتدي أهتدي، والبادي مني أفتَّح، والبادي مني أصحى ] لا، يعرض عليك الهدى، ما تصغي، ما تهتم، ستقع في ضلال.
القضية خطيرة جداً، يقسو قلبك، فترى آخرين من الذين ما قد سمعوا شيئاً، وإنما لأول مرة يسمع، قد يكون أكثر منك استفادة، عندما يحضر وهو مهتم. ألست تجد أن هناك نوعية تأتي تِدْبَغ فيه، تِدْبَغ لا يعد ينفع شيء معه؟ من النوعية هذه: سوف يسمع وعنده فيما بعد، ليس الآن، وممكن يفتح متى ما أراد، وممكن يهتدي متى ما أراد! لا، الموضوع مقدم على أنك كل قضية هي من الهدى تكون مهتماً بها بوقتها، كلما تسمع تهتم. لا تقل ما قد هو الآن.
{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} هذا الأسلوب قائم. لو تلاحظ الإمام القاسم هنا لا يكون مشغولاً بمسألة التأويل، كيف يتأول: [ أزاغ الله قلوبهم، أزاغ، يعني: خذلهم فزاغوا فكأنه هو.. الخ]؛ لأن الموضوع الإمام القاسم يتحدث من منطلق هداية؛ لهذا قال في مكان آخر عبارة يوصي أولاده أن ينظروا إلى القرآن الكريم ككتاب هداية.
لاحظ كلمة هدى، هداية، النظرة هذه إلى القرآن الكريم غابت، وهي تترتب عليها فوارق كثيرة جداً، أنظر إليه ككتاب هداية، واعرف الهداية ما هي، كتاب هداية لمجالات واسعة جداً، لكل شيء، كل شيء { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ}(الأنعام154) وفي الأخير يقول بعضهم: لكن [لا يكفي]!. يقول الله: { وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ} قال: لا يكفي!.
{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} هذه حقيقة، حقيقة تزيغ، تحاول تتملص، ما تهتم، يزيغ الله قلبك، ثم يقسو، فلا يعد ينفع فيك شيء، إلا إذا حاولت تقحم نفسك، وترجع إلى الله هو، ترجع إليه هو، وتتوب إليه، وتستغفر، وتحاول تطلب منه أن يهديك، وإلا فهي حالة خطيرة هذه.
لا ترجع القضية إلى مسألة: هل هو سيأتي على الباري أثام؟! هو بُحث الموضوع في كثير من الأشياء مِن قِبَل الذين ينطلقون زعم للتأويل لنزاهة الله، طلعنا في الأخير من نسمي أنفسنا عدلية، طلعنا لا نقِّل سوءاً عن المجبرة حقيقة، لا نقل سوءاً عن المجبرة! خاصة في الزمن هذا.
لا يوجد تنزيه لله، ولا حتى الأسلوب الذي كانوا يسيرون عليه الذي يسمونه: التأويل، ما هو أسلوب تنزيهي نهائياً، ولا يكفي لتنزيه الله: [ أي: خذلهم، فزاغوا؛ فوقعوا في كذا، فكأنه هو، فنسب الفعل إليه نسبة مجازية !] أليسوا يقولون هكذا؟ أينما لقيناها [ طبع، أضل، أزاغ .. الخ].
يعني: يكون معناها عبارة سيئة، أزاغ مشكلة، ضل مشكلة، طبع مشكلة، وإذا الباري هو لا يبالي بنفسه، إنما فقط نحن نحاول نستر عليه هو! لا، هذه حقيقة، إذا زاغ الإنسان عن هداه، لا يرضى يتفهم، يزيغ قلبه، ويعيش في الظلام، وفي الضلال؛ لأن الإنسان قد هو يعتبر في حالة فسق، أنت خرجت { وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} يخرجون؛ لأنه ماذا؟ يقدم الشيء على أرقى مستوى، قدم هداه إلى عباده على أرقى مستوى، يصطفي رسلاً على أرقى مستوى، ينزل كتباً ويقول فيها: هدى، نور، شفاء، تبيان .. الخ، ومع هذا ما زلت غير مهتم!
هذه أليست موجودة عند البشر؟ يعني كمثال ـ ولله المثل الأعلى ـ تقول: قد عملت له، عملت كذا و.. و.. وفي الأخير يصفعه، ويطرده ولا يعد يبالي به . قال: [ما رضي يفهم، ختنت، زوجت، عملت كذا، صلحت كذا.. ] أليس الناس يقولون هكذا؟ أيّ واحد سيقول: [أمانه أشهد لله ما عاد عندك حجة، ذا عندك كذا، كذا .. ولا يصلح لشيء ..] أليست هذه فطرة؟ هل أحد يعيب عليك بعد؟ يقول: يا أخي إبنك لماذا قمت بطرده؟ قلت: [ يا خبير عملت له كذا، أكل كل ما معي، ما عمل لي شيء، ولا، ولا، ولا... ]، وتعرض كل ما قد قدمته له أنت، وبقناعة سيقول: [ أشهد لله ما عندك تقصير ].
{فَلَمَّا زَاغُوا} يا أخي من يزيغ بعد هدى الله، بعد القرآن الكريم [ إشهد إنما ما هناك تقصير، أن الباري يزيغ قلبه أينما وصل يوصل ] ينتهي إلى جهنم، فاسق، خرج. هذه هي حالة ليست بسيطة، حالة البهطلة هذه التي فينا، لا تتوقع أن الناس مع البهطلة يمكن يكونون كل سنة أفضل، لا، سيكونون أسوء، أسوء في نفسياتهم، في تأثيرهم، مجتمعهم.
في الأخير من جاء يوعظ يوعظ، من يعلِّم يعلِّم، يدبغ، يدبغ!! قد هم يريدون انطلاقة جديدة من داخل، مع الله، نتعة جديدة ـ إذا صحت العبارة ـ نتعة جديدة من داخل. تتجه إلى الله، وتعزم على أنك فعلاً كل قضية من الهدى يكون لها قيمة عندك، يكون عندك روح عملية تنطلق في كل مجال تسمعه من الهدى، تتفهم.
وفي الأخير سترى الأشياء، تراها واسعة جداً جداً، وسائل الهدى، وترى أنه طمأنينة. أليس الله يتحدث عن المؤمنين: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرعد28) .
هنا يسميه شفاء، الناس يكونون في حالة مرض، أمراض كثيرة، يسمي القرآن بأنه {وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ}(يونس57) . نحن لا نفكر في هذا، أي: في الحالة التي أنت لا تهتدي فيها بالقرآن الكريم تأكد بأنك مليء بالأمراض، ولم يعد لأحد قيمة عند أحد. أليس الناس قد يكونون هكذا؟ يكون واحد قد هو ضاجر على نفسه, والناس ضاجرين على بعضهم بعض، ولا يعد لأحد قيمة عند أحد.
لكن يتجهون اتجاها آخر، تجدهم يشعرون بعلو في نفوسهم، رفعة في نفوسهم، طمأنينة في نفوسهم، إرتياح في نفوسهم، قيمة لبعضهم بعض، واحترام لبعضهم بعض. ويكون ما يزال واحد يسمع ويفهم {أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} تكون ما زلت تسمع وتفهم، لكن بدون أي أثر تسمع وتفهم بدون أي أثر، إذا واحد غير مهتم، ثم يتخبط في حياته، يتخبط .
[وفيما جعل الله في كتابه من الحكم، والفرقان، والفصل، ما يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ}(الطارق13) ] بعد قسم قبل هذا، {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ}، فصل في كل قضية {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}(الطارق14) ما هو لعبة، ما هو كلام كيفما جاء، أو خدرة [تخزينة] على ما قالوا، لا، قول جاد، قول محكم، قول مفصَّل، قَول فَصل.
[والفصل فهو الحَكَم الجد الرشيد] حَكَم جاد، ورشد [والهزل فهو اللعب، والكذب، والتفنيد, وفي ذلك ومثله ما نزل الله فيه من فصله] من الحديث عن أنه فصل وتفصيل [ما يقول سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً}(الفرقان1) والفرقان فهو التفصيل من الله فيه لرشده] فرقان يفصل ما بين الحق والباطل، يبين الحق من الباطل، الخطأ من الصواب، الهدى من الضلال.
لكن تكون الإشكالية أحياناً عند الإنسان، عندما لا يكون عنده مشكلة سواء يكون حق أو باطل، هدى أو ضلال، خطأ أو صواب. هذه روحية سائدة عند كثير من الناس، باطل أو حق، كله سواء عنده! لا، لازم تكون ترى الضلال خطيراً جداً، تتخوف منه، وتراه خطيراً.
والقرآن الكريم ركز على النقطة هذه: أن الإنسان يجب أن يكون حذراً جداً من الضلال، والوقوع في الضلال، وتكون كلمة ضلال تزعجه، باطل كلمة تزعجه. يتحدث يوم القيمة، وإذا كل من يصيحون، يصيحون من الضلال. هو الذي ورطهم، الضلال، وكانوا في ضلال، والذين أضلوهم في الدنيا. أليسوا كلهم يصيحون من الضلال؟.
هنا في الدنيا عندما تقول له: يا أخي هذا باطل. لا تتحرك فيه شعرة! هذا ضلال، هذا خطأ، طبيعي، لا يوجد هناك انزعاج!. هذه هي النفوس الميتة. الذي لا ينزعج للباطل، لا يؤلمه الباطل، لا يعتبر الباطل فضيعاً، والضلال فضيعاً، قبيحاً، سيئاً، فتأكد أنه لن يكون للهدى قيمة عنده، ولا للحق قيمة. قيمة الحق عندك هو بمقدار ماذا؟ كراهيتك للباطل، انزعاجك من الباطل، قبح الباطل في نفسك.
[فمن لم يرشد بكتاب الله فلا رشد] هذا أيضاً من الأسلوب الذي يمشي عليه الإمام القاسم في هذا الكتاب؛ بأنه فعلاً في الأخير يدعو عليه: لا جِعْلَه يرشد، لا رشد، وفي ستين داهية.
[فمن لم يرشد بكتاب الله فلا رشد، ومن ابتعد عن كتاب الله فبَعُد، كما بعدت عاد وثمود] لماذا يقول الإمام القاسم هكذا؟ لأنه يفهم القرآن الكريم، إذا لم يعد ينفع فيك القرآن ففي ستين داهية على ما نقول، لا جعلك ترشد، ولا جعلك تهتدي، ولا ..؛ لأن الله يقول: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ}(الجاثية6) ماذا بقي من شيء تتوقع أنه ممكن يؤثر فيك؟ إذا وجدت نفسك لا يؤثر فيك القرآن تأكد أنك في وضعية لم يعد هناك شيء آخر ممكن يؤثر فيك أبداً.
[ومن لم يهتد في أمره بكتاب الله، وتنزيله لم يهتد بغيره] أي: بغير القرآن [للحق أبداً ولا لسبيله] لن يهتدي، أليس هو يأتي بعبارات قاطعة؟ لن يهتدي. [ لم يهتد بغير القرآن للحق أبداً، ولا لسبيله] لسبيل الحق [بل لن يبصر، ولن يرى للحق عيناً، ولا أثراً] وهو يريد يعرف الحق. أليس الإنسان أحياناً يريد هو، هو، من جهة نفسه، يعني: يتحرك هو، عنده ما يزال داخله شيء، ما زال ممكن ينير له الطريق أكثر من القرآن، أو شيء أكثر من الله. بهذه الانطلاقة الفردية، أنه هو ذكي.. وأشياء من هذه، يريد ينطلق هو!.
أبداً. الهدى لا يكون إلا بكتاب الله وبالله، لا يكون إلا بهذا؛ ولهذا قال: [بل لن يبصر، ولن يرى للحق عيناً، ولا أثراً، ولا يزال ـ ما لم يراجعه ـ لا يزال متحيراً ضالاً، ومعتقداً ـ ما بقي كذلك ـ حيرة وضلالاً].
لا يزال متحيراً ضالاً، ولا يزال دائماً معتقداً حيرة، وضلالاً. الإمام القاسم لاحظ هو يعبر لك وكأنه يحكي واقعاً ملموساً، يعني يلمس؛ إنسان ذكي، إنسان عالم كبير، إنسان متفهم، يعرف الناس، يعرف الإشكاليات التي لديهم من أين منشؤها. فالذي لا يهتدي بالقرآن سيظل دائماً في حيرة، وضلال في معتقداته، رؤاه، معتقداته، آراؤه كلها حيرة وضلال.
[يعد نفعاً له ما يضره] قد صار مقلوباً، قد صار يسير بالمقلوب [يعد نفعا له ما يضره، وثقة عنده أبداً من يغره، مرحاً لهلكته فرحاً] أليس هو هنا يتحدث عن المقلوب، عندما يصير واحد مقلوب؟ هذا هو الضلال. تجد هذه حالة قائمة عند الناس.
[مرحاً لهلكته فرحاً، يرى غشه له براً ونصحاً، يخبط بنفسه كل ظلمة وعشواء، متبعاً في دينه، وأمره كله لما يهوى. إن قال مبتدياً عسَّف]؛ لأنه ليس بإمكانه أن يهدي [أو حكى عن غيره حرَّف، إفتراء وبهتاناً] وما يكون واحد داري أنه لا يقول الصدق! إن قام يخطب يكون قَلََب، يتحدث خطأ، ولا يكون الناس دارين، ويعيشون في حالة من هذه.
[إفتراء وبهتاناً، وقسوة ونسياناً، أثرة منه للباطل على الحق] أحياناً قد يكون واحد ليس في الحالة الدائمة مؤثراً للباطل على الحق، يوجد عنده قضية وهي التي ينطلق منها، هي قضية باطلة، فتحاول أنك ترشده إلى الهدى فيها، إلى الحق فيها، يتشبث بأشياء، ويجلس ينطلق عليها، وتكون هي قضية يتفرع عنها أشياء كثيرة جداً من أعماله، تراها مثلاً في خطاباته، تراها في رؤاه، تراها في آرائه، تراها في مواقفه تلك الحاجة .
[أثرة منه للباطل على الحق، ونقضاً لما عقد عليه من العهد والموثق، كما قال الله سبحانه: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}(المائدة13) ] قسيت قلوبهم، ألم تقس قلوبهم؟ متى قسيت؟ بعد أن عرض عليهم الهدى على أرقى مستوى ولم يقبلوه {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} تتحول قلوبهم إلى قلوب قاسية.
القلوب القاسية لا تعد تكترث من الوقوع في الباطل، لا يعد الباطل عندها شيء موحش. ينطلقون يحرفون الكلم عن مواضعه مثلما قال عنهم في آية أخرى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}(البقرة75 ) هذه نوعية. وقد يتطور الإنسان إلى الحالة هذه، إذا هو من البداية لم يتقبل الهدى، قد يتطور إلى الحالة هذه.
وفي الشيطان عبرة، الشيطان نفسه أولاً انصرف عن تنفيذ أمر إلهي، عاند بعد أن قال له: {مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ}(ص75) ألم يعاند؟ بسبب العناد قسي قلبه، وفي الأخير تحول إلى شيطان مريد، وكان قبل عبَّادة، على ما يروى، كان عبادة مئات السنين، أو آلاف السنين؛ لأنه في الحالة هذه، متى ما قسي قلب الإنسان، متى ما زاغ قلبه، في الأخير ينطلق في الباطل متجرئاً، غير مكترث، ولا مستوحش.
[{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ}]نصيباً، أو قصطاً كبيراً مما ذكِّروا به، أيضاً ينسونه [{وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}] فهنا يقدم لك الصورة الذين تحدثنا أنهم يسيرون بالمقلوب {وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ} تحريف للكلام عن مواضعه، نسيان لذكر الله، ونسيان لما ذُكّروا به {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .
طيب: هنا فاعف عنهم واصفح، معناه يعرض عن هؤلاء وبس؟ هم بهذا الشكل. ورسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) في مسيرة عملية لبناء أمة، أترك هؤلاء على جنب، ليس الآن وقتهم، يعني ما هم هنا العدو الذي يشكل خطورة كبيرة عليك الآن في طريقك. اشتغل وستلحقهم في أي وقت. ألم يتجه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) لبناء أمة؟ حصل من عندهم هم نكث لما عاهدوا عليه، لما وضع عليهم من شروط؛ ضربهم.
[فالويل كل الويل لمن لم يكتف في أموره، وأمور غيره بتنزيل رب العالمين] عنده أنه لن يكفي، يريد يوعظ الآخرين، يبحث له عن كتب أخرى في الترغيب والترهيب، تلك التي تكون مليئة أخطاء رهيبة. يا أخي: هذا القرآن، وعظ من القرآن. لكن ما أعجبه وكأنه لا يكفي! ما عنده أن القرآن سيترك ذلك الأثر؛ لأنه قد صار لديه خطأ هو في فهم ما هي الخشية، ما هي الحالة النفسية التي تكون أثراً لما يقدم، الحالة المطلوبة. يكون عنده هذا الكلام أحسن يركز عليه!
لا، القرآن الكريم قدمْه بشكل صحيح، وكفاية، وقل لنفسك [ بده يكفي بده لا ] أليس من الممكن أن يقول واحد هكذا؟ الباري هو جاء لنا بالقرآن، وما معنا إلا القرآن، وما معه إلا القرآن منا، وهو أرقى ما يمكن أن نصل إليه. لو نصبح فعلاً نقول: ما معه إلا القرآن منا، ونتبع القرآن، ونسير على القرآن، ما هو أرقى مستوى؟.
[فالويل كل الويل لمن لم يكتف في أموره، وأمور غيره بتنزيل رب العالمين] إذا أنا أوعظك بالقرآن وما رأيتك تبكي، ليست مشكلة أنك تبكي أو ما تبكي، ليست قضية هذه. فإذا أنا أريد أوعظ واحد، وأجعله يبكي أنطلق أبحث له عن أحاديث من أحاديث الترغيب والترهيب من النوعية تلك الثانية لأجل يبكي! لا. ربما لو أن الناس يتفهمون القرآن بشكل كبير يحصل عندهم خشية من النوع الآخر، من النوع المطلوب، خشية لله، وهذه هي المطلوبة.
[فالويل كل الويل لمن لم يكتف في أموره، وأمور غيره بتنزيل رب العالمين، كيف عظم ضلاله، وغيه، وضلت أعماله وسعيه، فيحسبه محسناً وهو مسيء، ورشيداً في أمره وهو غوي] ضلت أعماله، وسعيه، فيحسب أعماله وسعيه، أو يحسب عمله وسعيه، أو يحسبه غيره في أعماله هذه محسناً وهو مسيء! مثلما قلنا: ما واحد سيقول في الأخير: [ أحسن الله إليك، جزاك الله خير ] أحياناً؟.
قد يقوم واحد يرشد قلَََب، وهو لا يعلم، هو يريد يوعظ الناس. فقالوا: [ أحسن الله إليك وجزاك الله خير] أليسوا يرونه محسناً؟ وهو في الواقع غير محسن إليهم، بل مسيء إليهم، وهم في الواقع لا يعلمون بأنه يسيء إليهم، ويسيء إلى نفسه. [أحسن الله إليك، وجزاك الله خير] !!.
الإمام القاسم يتحدث وهو يرى مظاهر من هذه في عصره، وكان معروف انه يبكي، الإمام القاسم يبكي على الأمة من الحالات هذه: هي بهذا الشكل، والقرآن بهذا الشكل، لماذا؟ هذا القران العظيم نور، وهدى، شفاء، وأشياء من هذه، والأمة على هذه النوعية.
[فيحسبه محسناً وهو مسيء، ورشيداً في أمره وهو غوي، كما قال سبحانه لرسوله (صلى الله عليه وعلى أهله): {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً}(الكهف104). أفليس هذا هو الذي ظن ـ والله المستعان ـ ضره له نفعاً، وحسب ضلالته هدى، وهدايته إلى الجنة ردى].
لاحظ بعض الناس عندما يقول: لا يجوز ترفع شعار من النوع هذا في المسجد! قل يا أخي: ما أنت داري أنك أنت الذي تعمل جريمة كل يوم في المسجد، تقوم بتدريس كتاب معين، وعندك أنه هدى، ومن كتب الهداية، وهو ضلال، ضلال، وظلمات بعضها فوق بعض.
وهو يتصور بأن الملائكة تفرش أجنحتها له هو وطلابه! وهم في المسجد، إما عند المحراب، أو في مكان آخر. ومن هذا النوع المقلوب الذين يتحدث عنهم الإمام القاسم.
[وهدايته إلى الجنة ردى] عندما تهديه إلى الجنة، وتهديه إلى طريق الجنة، يعتبرها ردى، يعتبرها ضلالة، يعتبرها مهلكة، يعتبرها تردي به، لا يرضى يسمعك.
[ كما قال سبحانه: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}(الزخرف36) ] وهذه من أخطر المراحل التي يصل إليها الإنسان: أن يصبح في ضلال، في باطل، وما زال يعتبر أنه مهتدي! { وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} .
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} عن ذكر الله، ذكره هو، وذكره الذي هو القرآن الكريم.{نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} طيب: عندما تسمع مثل العبارات هذه ليس معناه أن الباري يكون سريعاً، يقدم قليل كلام ما نفع وبسرعة يقيض. لا، بعد القرآن الكريم، بعد القرآن الكريم، عندما لا ترضى تفهم، بعدما تعرض، ما تبصر، وهو يقدم لك القرآن الكريم، هنا تستحق أنه يقيض شيطاناً، يهيئ شيطاناً، لا يعد يبالي بك، شيطان وبعدك، يوقعك في الضلال، حتى تصبح أنت شيطاناً من النوعية هذه؛ لأن هذه من أرقى ما يريد الشيطان أن يصل بالناس إليه؛ لأنه لا يريد منك أن تعمل معصية، أو تدخل في باطل، وأنت ما زلت مستوحش هكذا، أو ما زلت تتألم قليلاً، يريد يدخلك في باطل، فتصبح في الأخير مقتنع بهذا الباطل، فتنطلق جندياً لهذا الباطل، على أساس تشتغل، هو لا يشغل نفسه دائماً بك، يريد يوصلك إلى أن تكون شيطان شغال أنت وهو يهتم بواحد ثاني.
وهذه أخطر مرحلة على الإنسان أن يصبح في باطل فيكون يجند نفسه للباطل، ويخسر في الباطل، ويطلع وينزل في الباطل، ويقدم أمواله في الباطل، ويقاتل من أجل الباطل، ويسجن من أجل الباطل. ما هناك ناس هم بالشكل هذا؟ يكون هكذا عندما يصل إلى الدرجة هذه.
{وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} تنكشف المسألة بعد: {حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ}(الزخرف38) أي: كيف تعرف؟ المقياس هو القرآن الكريم. حتى تعرف هل أنت من النوعية هذه، أم أنت من النوعية المستقيمة، القرآن الكريم هو المقياس. إذا رأيت نفسك أقرب ما تكون إلى القرآن الكريم، في حركته، في حيويته، وليس إلى القرآن الكريم برؤيتك التي تغطي على أكثره، وتحكِّم عليه أشياء أخرى.
ترجع إلى القرآن الكريم على ما هو عليه، في حيويته، في حركته، في مقاصده تجد حركتك، وتوجهك منسجم معه، إذاً فلست من هذا النوع، أنت لا تعش عن ذكر الرحمن أبداً، لست من هذا النوع.
{وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} هم النوعية الذي ينطلق فيما ينطلق فيه، وأي بصيص نور يبدي عليه، أو تريد تحركه قام غطى عليه، قد هو مقتنع بتلك الأشياء، وعليها، ومنسجم، وفي الأخير يحاول يفكر كيف يعمل لنفسه تبريرات أكثر [وهذا عليه العلماء، وكان قبلك الأئمة: الإمام الفلاني، والإمام الفلاني، وزعطان، وفلتان، و و.. الخ، وجلس كذياك!.
لا، القرآن هو المقياس، إن كنت تجد أنك فعلاً منسجم مع القرآن، ولا عندك محاولة، لست من النوع الذي يحاول يغطي، ويلجم، ويستر، ويقول: أبداً، هذا ما هو وقتها، هذه منسوخة، وهذه كذا، كذا. فإذاً حالتك صحية، حالتك صحيحة.
[وفي القرآن وأمره، وما عظَّم الله من قدره ما يقول سبحانه: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}(الحشر21)] أين أكبر أنا أو الجبل؟ أيّ واحد من الناس أو الجبل، وأين أقسى؟ الجبل وهو صخرات صماء؟. يقول لك: هذا القرآن الذي ترون أنفسكم أنه لا يؤثر فيكم لو أنزل على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله.
فمن يعظ الناس، من يعلِّم الناس إذا ما زال عنده تفكير آخر، منهجية أخرى، علوم أخرى، عنده أنها ستكون أكثر أثراً من القرآن فليرجع إلى الآية هذه. والقرآن هذا هو بالشكل الذي لو أنزل {عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}.
{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فعندما نجد أنفسنا لم يحصل عندنا شيء من خشية الله فلا يوجد خلل في القرآن الكريم؛ لأنه أحياناً جو قد واحد يبحث هنا وهنا! إذا رأى الناس ما عندهم خشية من الله، أو إذا رأى نفسه ما عنده خشية من الله، في الأخير يبحث عن أشياء أخرى! لا. إفهم بأن القرآن لا يوجد فيه إشكالية، الإشكالية توجد عند الناس، ترجع لمعالجة الإشكالية عند الناس من القرآن نفسه، من القرآن نفسه لماذا؟ يا إما في أسلوبك أنت وأنت تقدم القرآن، يوجد قصور في تقديمه، أنت تغفل أشياء داخله هامة جداً.
وقد تكون بعض الأشياء من أسباب أن يغفلها الناس مفهوم ناتج عن قراءة أشياء أخرى، أو أصول، أو قواعد أخرى، في قضية أن لا يستفيد الناس من قصة آدم مثلاً، وقصص أخرى في القرآن الكريم، التي تعرض، وعرض فيها نوع من الخطأ لداوود، أو لمحمد (صلوات الله عليه وعلى آله) لأنه ينطلق بروحية أنه يحاول يستِّر على محمد، وعلى داود، وعلى آدم (صلوات الله عليهم).
فنسي أن يستفيد من قصة آدم، هذه القصة العظيمة الرهيبة التي فيها عبر لأول رجل وامرأة من البشر، أب وأم البشر هؤلاء جميعاً، حول المعصية، وأثر المعصية، وكيف كان الهدى، يعني: فيها نموذج كامل، نموذج أن الهدى يأتي من عند الله كاملاً، وبيناً.
ألم يقل له: إجلس هنا، لا تقرب هذه الشجرة، لا تأكل من هذه الشجرة؟ {هَـذِهِ الشَّجَرَةَ}(البقرة35) أليس هذا تبيين؟ لم يقل شجرة هناك من بعد البلسة تلك وكذاك، أو من الزيتونة الفلانية وكذاك، لا تقربها. فيقول في الأخير بأنه ما درى، أنه ما بين له. { وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ } أليس هو يقول: هذه؟ {الشَّجَرَةَ}؟. هذا نموذج، مثَل للهدى الإلهي، والتبيين الإلهي أنه يكون بهذا الشكل كاملاًً .
في الجانب الآخر الذي قد يكون مصدر إضلال له يقول له: الشيطان، وهو يعرف الشيطان، آدم هو يعرفه، {إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ}، عدو مبين. لا تصغ إليه، انتبه له، قد يخرجك أنت وزوجتك من الجنة. أنت إذا قاربت الشجرة هذه، وأكلت منها ستشقى، أنت إذا أصغيت لهذا الشيطان سيغويك ويشقيك.
{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ}(طه115) عهدنا إليه، كلمناه، وقلنا له: لا تقرب هذه الشجرة، الشيطان عدو، إجلس هنا، إذا أكلت منها ستشقى و و.. الخ. ما هو هنا يقدم لك أن هدى الله يكون واضح تماماً، لا يغلط الإنسان لقصور من جانب الله على الإطلاق، من جانب هديه.
لكن آدم نسي، مثلنا، {فَنَسِيَ} نسي ماذا؟ نسي أهمية ما قدم إليه، عندما كان يقول له: إن الشيطان عدو لهم ينتبهون له، لا يغويهم، لا يصغوا إليه. ألم يذكره فيما بعد؟ {أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ}(الأعراف22) .
آدم هو كاره للشيطان لكن نسي أن يتعامل مع الشيطان بحذر ويقظة، ولو قدم الشيطان نفسه ناصحاً كيفما كان، نسي والشيطان يتقلب بين يديه، أنه ناصح له، وأنه ما يريد إلا أن يكون ملك، ويكون، ويكون.
أحياناً ينسى، لاحظ هذه حالة تحصل عند الناس، يأتي شيطان من البشر، ويقدم نفسه ناصحاً لك في موقف معين، أنه ناصح لك، وما يريد إلا مخرجك، ولا يريد، ولا يريد، ونريد ترجع لفلان، وأنا عارف أن فلان هو عدو الله لكن سينفعك و و. هنا في الأخير تنسى، وتسير بعد الشخص هذا.
ألم يشق آدم عندما خرج؟ إذاً الإنسان شقي في هذه الدنيا بسبب عصيانه لله، بسبب خروجه عن هدي الله، بسبب نسيانه لهدي الله، أنه لا يعطيه قيمة. يعني هو مطلوب من الإنسان أن تكون نفسيته نفسية يقظة، دائماً منتبهاً، حذراً، يقظاً، ما يكون عرضة لأن ينسى، ويأتي أحد من الناس يغويه فينسى الأصول التي يجب أن ينطلق منها في رؤيته لهذا الشيطان الذي يحاول يغويه.
وهذه واحدة منها، أو مثلاً فيما يتعلق بهذه، هذه النقطة الهامة التي في الأخير ننطلق فيها تحت عنوان: عدل الله، وحفاظاً على تنزيه الله، وننسى أصل المسألة: أن تنزيه الله هي قضية كبيرة جداً عند الله.
يعني: هو سبحانه وتعالى هو يقول: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}(التغابن1) طبع الأشياء كلها تكون ما بين مسبح بلسان الحال، والمقال. تكون كل الأشياء تشهد بتنزيهه، فقضية تنزيهه عنده قضية هامة جداً جداً. لماذا تأتي بسرعة زعم انك فارع في الباري! خرجت كلمة من طرف فمه لم ينتبه لها { أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} !. وهنا مثلما يقول في آية أخرى: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً}(الزخرف36) وآية أخرى: { أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}.
فتكون أنت مشغول تستر على الباري، كلمات تأتي من عنده، احسب انه ما بين ينتبه لها أن فيها مساس بتنزيهه!! هنا تنسى موضوعاً هاماً جداً عندك وعند الآخرين، منهجاً هاماً، وهو أن تذكِّر الناس: يا جماعة الإنسان إذا لم يتقبل هدي الله، هذا الذي هو هدى، نور، كذا، كذا، سيكون عرضة لأن يزيغ قلبه، لا يعد ينفع فيه شيء، سيكون عرضة إلى أن يقسو قلبه، سيكون عرضة إلى أن يقيض الله شيطاناً معه، سيكون، سيكون.
{وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ}(التوبة115) هذه المنهجية لا نسير عليها نهائياً؛ لأنه حصل مفهوم لها غلط عند المجبرة، ومفهوم قاصر جداً أيضا عندنا نحن العدلية، وتركنا منهجاً هاماً جداً؛ لأنه مثلما قلنا بالأمس: هذه كلها هي تقدم لك منهجاً في خطابك للناس.
أليس القرآن هدى؟ وأنت تهدي الناس انطلق انطلاقة القرآن. لكن لا تفهم أزاغ الله قلوبهم على طريقة الأشعرية مثلاً، أو المجبرة. ولا تنطلق في التلفيق، والطمرة إلى الآية هذه تحاول أن تغطي عليها، وتأتي من تحت مثلما يعمل العدلية، مثلما نعمل نحن، لا؛ لأنهم أحياناً بلغوا إلى مسألة وكأنه قد هو يحاول أن يعمل أن لا يجي على الباري أثام !.
يا أخي: الباري سبحانه وتعالى هو خارج عن إطار عليه أثام أو ما عليه أثام، نحن نقول من بحين: القضية هذه ليست مقياس إثم أو ما إثم، الله متى ما قال أنه سيفعل شيئاً هو سيفعله، وهو حكيم، ومنزه في فعله، ولن يفعل معصية، ولن يفعل فاحشة، ولن يفعل قبيحاً على الإطلاق، لن يفعل قبيحاً على الإطلاق.
{فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ} لاحظ أن الأشياء يكون لها أسباب من عندك {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} فأصبحوا هكذا: {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} بسبب ماذا؟ قلوبهم أصبحت قاسية، أصبحت عندهم جرأة على الباطل؛ لأنهم من البداية لم يقبلوا أن يهتدوا نهائياً.
عندما انطلقوا من منطلق: [ إذا قلنا هو جعل قلوبهم قاسية إذاً ما عاد جهدهم يطيعوه، فكيف سيعذبهم وهو الذي جعل قلوبهم قاسية!] طيب: الفكرة هذه هي تقوم على أساس من عند {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} ووراء، لا يتذكرون ما قبلها.
الإمام القاسم يقول: الله يضل، لكن يضل من؟ الفاسقين، الظالمين، وقال في آية صريحة: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ}(التوبة115). أولاًً يهديهم، ثم أيضاً بعد ما يكون قد بين الهدى، عندما يقول: {بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ}أيضاً أن يقعوا في الضلال، ويضلهم. يعمل لهم أيضاً أي حاجة ممكنة حتى لا يضلهم، إذا ما رضيوا يقبلوا أضلهم.
تأتي في الأخير تقول لي: [فكيف سيعذبهم] وقد هو محكوم عليهم بالعذاب من قبل! {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ} نقضهم ميثاقهم. وكلمة ميثاق ما معناها عهد واحد، أو يمين واحد. ما عهد به إليهم، تعودُّوا على نقض كل ما عهد الله به إليهم، كل ما عاهدوا الله عليه ما وفوا. ألم يصبحوا هنا مستحقين للعذاب عند من يريد يجعل قضية العذاب مقياس؟ مستحقين للعذاب.
عندما يقول: يضل الله الفاسقين، فسقوا فأضلهم، لم يهتدوا فأضلهم. إذا أنت مدور بعد جهنم، جهنم أو ما جهنم، عندما يقول لك: فسقوا، ألا يعني أن قد هم مستحقين لجهنم؟ هل ما زال هناك شيء جديد من بعد؟ عندما يقول لك: لم يهتدوا ألم يصبحوا مستحقين للنار؟.
ثم هذه الإنطلاقة تقوم على أساس فهم كلمة: ضلال ـ مثلما قلنا أكثر من مرة ـ أنها تعني: المعصية! هؤلاء الذين جعل قلوبهم قاسية يصبحون في ضلال، الضلال بمعناه الواسع في كل حياتهم هذه، وضلال في نفوسهم هم، تقسوا قلوبهم، يكونون جريئين على الباطل، جريئين على الفساد... مثلما اليهود. وأشباه اليهود كثير. لا يعد يبالي.
يعني: لا تتصور أن الباري يأتي إلى عند واحد وهو ما زال نظيفاً، وقام يضله. هذه لا تحصل نهائيا. ومن يتحدث عنهم بأنه هو يضلهم هي النوعية التي يقدم إليهم الهدى إلى بين أيديهم ثم لا يقبلونه. هؤلاء يضلهم. والشيطان أيضاً يشتغل من هناك، في جوانب من عنده، الطرق الأخرى، جانب الإضلال. لكن الشيطان ينطلق انطلاقة من على شِق.
الباري ما معناه تحسب كل ضلال في الدنيا إليه هو، الضلال الذي يقول عنه أنه هو يضل، يضل. يبين لك في القرآن بأنه يضل نوعية من الناس، هم الذين يقدم الهدى إلى بين أيديهم، ثم لا يستجيبون، لا يقبلون. فهؤلاء هم محط أن يضلهم، يجعل قلوبهم قاسية، يلعنهم، يقيض شيطاناً لهم مثلما قال هنا: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ}(الزخرف36) هو انصرف هو، وعشي بصره عن أن يرى ذكر الرحمن الذي هو القرآن الكريم؛ {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} هي النوعية هذه.
فالإشكالات عندما جاءت استشكالات هو يتصور وكأن الباري يأتي إلى عند واحد وهو ما زال نظيفاً، وما عنده أي خلل، وطبع على قلبه، لا، لا تحصل هذه، أو يقيض له شيطاناً، أو يضله، أو يجعل قلبه قاسياً! هذه لا تحصل من جانب الله أبداً إلا لمن كان من عنده أسباباً لهذه.
وهذه عند الإمام القاسم من الأشياء التي يعتبرها ..؛ ولهذا تراه هنا يقرأ الآيات بكل صراحة. هل هو يعلق عليها؟ عنده حل للإشكالية هذه هناك، بل قال في واحدة من عباراته بأنه عقوبة لهم؛ بعد أن يقدم لك الهدى على أرقى مستوى، تفصيل، تبيين، نور، شفاء، ثم لا ترضى تقبل، قال: يجعل لك عقوبة لك أن يضلك، يقسو قلبك، يأتي شيطان معك، في الأخير تتخبط مثلما قال هنا: خبط عشواء .
إذاً نتعامل مع هذه الآيات من هذا المنطلق، لا تنظر إليها بنظرة المجبرة، ولا بنظرة المعتزلة، تذكَّر بأنها قضية خطيرة؛ ولهذا المؤمنون الله يحكي عنهم: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً}(آل عمران8) يقول لك: الهدى هو من عنده، ثم الرعاية بأن تظل على الهدى، أن تظل على الهدى، وتبقى على الهدى، تحتاج إلى رعايته.
تكون دائماً ترجو الهدى من الله، وتتخوف على الهدى الذي عندك أن لا تكون عرضة لأن يفلت من بين يديك، تطلب من الله بأنه يرعاك، يحفظك {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ}.
ألم يأت بها في إطار الحديث عن مؤمنين نوعية راقية، لو أنه دعاء قَلَب، وغلط ما من جعله من أقوال عباد مؤمنين، ويصفهم بالإيمان بدرجة عالية.
وهذا لاحظ هذا هو العلاج للإشكالية التي تراها عند الناس، [البهطلة] قل له [بَطِّل]، لا تتبهطل، ليست قضية سهلة، فتِّح من أول ما تسمع هدى لكل كلمة هدى، لكل موقف هدى، لكل بصيص نور هدى، يجب أن يكون له قيمة عندك، أو تأكد أنه سيكون مصيرك كهؤلاء، وعرض أمثلة حتى من داخل بني إسرائيل، الذين كان قد اصطفاهم. عندما تأتي آيات من جانبه وما يتأثروا بها، تقسو قلوبهم، وهنا يتحدث عنهم، عن بني إسرائيل: { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ}.
تكون قد أنت خلاص؛ لأن الإنسان يحتاج إلى الله، إلى رعاية الله الدائمة، وكل المسائل هي تحتاج إلى تسليم من جانبك أنت، ضروري تكون مفتح لآذانك بشكل واعي للهدى.
ثم وأنت تهتدي انطلق بجدية، ويكون عندك أيضاً في نفس الوقت التفاتة إلى الله بأنه يرعاك، يحميك، يحفظك، لا تقع في باطل، لا يزغ قلبك، لا، ...الخ. تحتاج إلى رعاية الله دائماً .
[ وفيه وفي خلاله، وما منَّ الله به من إنزاله، ما يقول تباركت أسماؤه لمن نزله عليهم كلهم جميعاً معاً: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعاً}(الرعد31) ] يقول المفسرون جميعاً: أي: لكان هذا.
هنا يتحدث عن شيء له أثر خارق، أثر يعني بالشكل الذي يكون أكبر مما تتصور. هناك تحدث عن أنه لو أنزله على جبل لتصدع. تصور مثلاً شيئاً تسَّير به الجبال، أو تقطع به الأرض، أو تكلم به الموتى. ألست تتصور تأثيرات لشيء من هذا النوع الخارق؟ يقول لك: لكان هذا.
أي هذا هو على أرقى ما يمكن من التأثير، وكله يقول لك في الأخير: ليس هناك تقصير من هذا الجانب على الإطلاق، الخلل عندك، ولتعرف أيضاً بأنك تكون مستحقاً فعلاً إذا لم تقبل هذا الهدى أن يطبع على قلبك، أن يعمي بصرك، أن يضلك، أن يجعل قلبك قاسياً، أن يقيض لك شيطانا [وما بِلاَّ جو عادها مَنزل منزل إلى جهنم].
يتحدث عن تأثير القرآن، لو أن قرآنا، أتصور قرآنا تسير به الجبال، يعني تأثير كبير، أو كذا، لكان هذا. أي ليس هناك أرقى من هذا على الإطلاق بالنسبة للبشر؛ ولهذا يقول الإمام القاسم: وحتى الملائكة هناك هم يهتدون بالقرآن.
[ أولم يسمع من آمن بالله سبحانه في آيات نزلها من الكتاب: {هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}(إبراهيم52) ].
هنا يتحدث عن تأثير القرآن، وعن المجالات التي يتناولها القرآن، هي كل المجالات، وهذه هي من المجالات الرئيسية: {بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ} هذه هي عبارة عامة: بلاغ. {وَلِيُنذَرُواْ بِهِ} عبارة عامة، يعني مجالات واسعة. {وَلِيَعْلَمُواْ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ} فيما يتعلق بمعرفة الله وهو واسع جداً، معرفة الله واسعة جداً، والهداية التي يهدي إليها القرآن في مجال معرفته واسعة جداً جداً. والتذكر{وَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ}. هنا أربعة مجالات رئيسية تحدث عنها هي ماذا؟ من المجالات التي يهدي إليها القرآن بشكل واسع. {هَذَا} أي: القرآن.
[وفي مثل ذلك بعينه، وفيما أنزل من تبيينه ما يقول سبحانه: {هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}(آل عمران138) ].
فعندما يرجع الإنسان إلى هذه الصفات الهامة، وهذا الشرح الهام عن القرآن الكريم، يعني: إذاً فالقرآن هو الذي يجب أن نتحرك على أساسه، ونهدي به، ونهتدي به، ونرشد به، ونتثقف به.
وهل بالإمكان أن تفترض أنه ما يزال هناك شيء أكمل منه؟ لا، لا يعد ذلك ممكناً. إذا كان يوجد شيء هناك، في مسيرة الحياة، في متغيراتها، هو مصدر هداية فلن تهتدي به إلا من خلال رؤية قرآنية، فيكون امتداداً للهدى القرآني، امتداداً لهدى الله في القرآن الكريم .
عندما يقول: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ}(فصلت53) أليس هو هنا يتحدث بأنه متغيرات كثيرة، تكون عبارة عن شواهد على حق، عبارة عن شواهد على مصير مظلم؛ لأمة كانت على نحو معين. فالقرآن الكريم هو يهدي بشكل واسع إلى ما يعتبر امتداداً لهدايته، إلى الآيات الكونية. هو يهدي إلى الآيات الكونية.
إذا ما هناك اهتداء بالقرآن تأتي المتغيرات من حولك، والآيات من حولك، وما تنتبه، ما تراها، ما تعتبر بها، بل يحصل فهم لها قلَب. مثل النوع الأول الذي حكاه عندما يكون واحد قد صار يمشي بالمعكوس.
تأتي متغيرات رهيبة. نحن نقول: المتغيرات هذه التي تحصل في السنين هذه المتأخرة، يعني أحداث نحن نشاهدها، ونشاهد أهلها، ونشاهد الأطراف فيها، أن هذه فيها أدلة واسعة جداً جداً على قضايا كثيرة جداً، فيما يتعلق بالإعتقادات، فيما يتعلق بالمفاهيم، فيما يتعلق بالرؤى، هي مدرسة، لكن إذا أنت تنظر إليها من خلال النظرة القرآنية ستعرف وإلا فستقول في الأخير: دنيا، هذا لطم هذا فقط، وتغمض عينيك مثل المغمضين، [ وهذا حال الدنيا هكذا الناس يتلاكموا فيها، وفكَّه من يوم القيامة] ما هو مهتدي بواحدة من هذه.
هنا يتحدث القرآن الكريم بأنه أحياناً يترك من آثار الأمم الماضية، يحافظ هو على آثار معينه من آثارهم؛ لتكون آية {وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}(العنكبوت35) يتحدث في سورة [العنكبوت] أذكر آية، أو آيتين، تتحدث بأنه هو يحافظ حتى على آثار معينة؛ لتكون آية، يحافظ على باقي بيوتهم، على باقي معالم من عندهم.
هكذا؛ لأنه الآيات الكونية هذه الآيات كثيرة جداً جداً فهي مدرسة، مدرسة واسعة، لكن مفتاحها من خلال القرآن، من خلال القرآن، فالقرآن هو سيعلمك كيف تهتدي بها، والقرآن هو سيشرح لك كيف كان مصير أهلها، ولماذا صاروا إلى هذه العاقبة السيئة، القرآن الكريم.
{هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} يقولون: [ فإن قلت ] بتحصل تفسيرات من هذه، وهذه إشكالية عندما يقول لك: بيان، وهدى، وموعظة للمتقين [ قد هم متقين فماذا بقي من فائدة؟] هذا تساؤل يطرحه [الزمخشري] من عند أول سورة [البقرة] {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}(البقرة2) قال: مشكلة هذه قد هم متقين فكيف عاد تقول لي هدى؟. هي من هذه النظرات التي تكون محدودة جداً؛ لأن كلمة هدى قد هي عنده قاصرة، والتقوى تعني عنده مجرد أداء العبادات هذه.
[المتقون هم من سيهتدون بهذا القرآن ويتعاملون مع هداه بكل جدية] بدون إهمال، بدون تقصير، بحذر، بيقظة. المتقون عمليون، عمليون دائماً، متحركون بحركة الحياة، وفي مجالات الحياة كلها، وعندما تتحرك تتلمس بأنك بحاجة دائماً إلى هدى الله، هدى متجدد، هدى؛ ولهذا نقول: بأن القرآن حتى فهمه لا تتصور أن بالإمكان أن تجلس في زاوية وتفسره وانتهى الموضوع. لا، بالحركة في الحياة.
وسورة [الفاتحة] تشهد بهذا، كل يوم نقول: اهدنا، اهدنا، أليست إنشاء؟ لأن الإنسان في مسيرته في الحياة يحتاج إلى هداية الله الدائمة، الدائمة. أنت أمام المتغيرات هذه، الفتن، المواقف، الأشياء الكثيرة تحتاج إلى هدى الله فيها. لاحظ الآن ألسنا بحاجة ماسة إلى هدى الله؟ إذا أنت تتحرك في مجال في الأخير تتلمس بأنك بحاجة إلى هداية من الله داخل هذا المجال.
لكن قد هم يتصورون الهدى هناك أن معناه مثلاً التعريف بأن الله واحد لا شريك له، وتعليم العبادات. وقد هم يؤدونها، وقد وحدوا الله، قد هم يؤدونها، قد هم متقين فلماذا يقول: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}؟!.
هو يقول: هدى للمتقين؛ لأن المتقين هم من سيهتدون به، المتقون هم أصحاب حركة دائمة، ونفوس يقظة دائماً، نفوس متحركة دائماً، دائما في الحياة كلها. فالقرآن هو حركة دائمة، وموعظة دائمة، كل يوم، كل يوم. يأتي في الأخير يقول لك: [فإن قلت] .
لا توجد إشكالية عندما يقول:{هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ} للناس لا بأس، ما قد هم متقين، لا توجد مشكلة، لكن المشكلة عندما يقول: {وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ}. عندما تقول: فما قيمة هذا؟ قال: لأن معنى هذا أنهم قد يكونون هم أكثر استفادة، أو تأثراً به، أكثر! هكذا؛ لأنهم سيستفيدون أيضاً مثلما قال هناك: {سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى}(الأعلى10)!.
المتقون هم يهتدون به فعلاً باستمرار، ويتعظون به فعلاً باستمرار، ويعطيهم هدى، ويعطيهم موعظة يومياً يومياً.
القرآن عندما يتحدث عن المتقين في موضوع الإهتداء، هو يتحدث عن المتقين في جوانب أخرى، تجده يقدمهم ناس عمليين، حركيين، يعني: أن التقوى هي حالة تخشى، تخاف، تخاف من الله، تخشاه؛ فأنت تحرص على أن تقي نفسك من كل ما يمكن أن يجلب عليك سخطه، أو غضبه، أو مقته، أو عقوبته في الدنيا، وفي الآخرة. فأنت تنطلق في كل المجالات سواء يكون واجب، أو مندوب، أو كيفما كان أمره، تتحرك فأنت هنا تهتدي به باستمرار.
والاهتداء هنا ليس معناه يقريني اليوم شروط الوضوء، وغداً يقريني شروط الوضوء، وبعده شروط الوضوء! ليست هذه، هو يدلك على سعة مجالات الحياة، سعة مجالات الدين التي تحتاجها أنت، سعة مجال حركتك، سعة مجال حركة المتقين في هذه الدنيا.
يعني: افترض مثلاً المتقين يرون أن من واجبهم أن يجاهدوا في سبيل الله، المتقين يرون أنه لا بد أن يكونوا مجاهدين في سبيل الله، يكافحون أعداء الله، يزيحون أعداء الله، يعملون على إظهار دين الله في الأرض كلها.
هذا مشروع كبير. أليس مشروعا كبيراً للمتقين؟ أليس مشروعاً يستغرق عمر أي واحد من المتقين وزيادة؟ إذاً أليس مشروعاً سيكون ذهنه دائماً متحرك فيه، تخطيطه تدبيره، طلعة نزلة، أشياء من هذه؟.
ثم يرى في هذا الموضوع كم من الوسائل يحتاج إلى استخدامها: زراعة، صناعة، تجارة، تثقيف، وسائل متعددة، كم يحتاج إلى استخدامها؟! في الأخير أنت ترى أمامه، أمامه أعمال كثيرة جداً جداً، مشروع كبير. هذا هو مشروع متقين، أليس مشروعاً من مشاريع المتقين قدمه القرآن؟.
إذاً هو يحتاج إلى هداية الله الدائمة فيه، في عمله هذا الواسع، يحتاج أولاً إلى هداية الله في كيف يكون جديراً، أن يكون ممن يتحرك في هذا المشروع أولاً، وهذا موضوع واسع جداً، وموضوع كل حديثنا ما هو حوله؟ هل نحن الآن في إيطاليا، أو أين نحن؟ ألسنا في اليمن ما زلنا في بيوتنا؟ لكن ترى أمامك موضوع واسع جداً جداً هو موضوع كيف يكون الناس، وكيف نكون بشكل نصلح لأن نكون مجاهدين في سبيل الله، وأن يكون معنا.
ثم ترى كم أمامك من مفاهيم مغلوطة، نظرات مغلوطة، كم أمامك من إشكاليات! كم أمامك من وسائل نحتاج نربي أنفسنا عليها، ونربي أولادنا. ميدان واسع جداً. هنا في كل قضية، في كل مجال، تحتاج إلى هداية الله فيها.
فتكون اهدنا الصراط، التي نقولها كل يوم، اهدنا، اهدنا، توحي لك فعلاً أن الحركة في الحياة هي بهذا الشكل، الحركة المتجددة، الدائمة، هي تحتاج إلى هداية متجددة دائمة.
الآن يوجد خلط، الذين يسمونهم: عبَّاد هم المتقون، والمتقون هم هؤلاء!. هذا هو خلط في المفهوم. يعني: يوجد الآن كثير من العبَّاد تقطع على أساس القرآن الكريم أنهم ليسوا متقين، ليسوا متقين، ونحن قلنا من بحين: إذا أنت تتأمل القرآن تجد أننا عندما نسمي بعضنا بعض أولياء الله ليس صحيحاً، ما قد وصلنا إلى درجة أولياء الله، متقين ما هو صحيح.
لاحظ المتقين كيف هم في القرآن الكريم، والتقوى من أين مبعثها، من أين منطلقها؟ حالة من اليقظة، حالة من الشعور بالمسئولية. فالذي يحاول بطريقة التبريرات يجلس يدافع، ما يريد، ما يريد، ما يريد. هذا ما عنده روح تقوى، ما هو متقي. يتحدث الله عن المتقين في آيات أخرى: سباقين للخيرات، يسارعون.
{هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ} لاحظ من موضوع معرفة الله لوحدها. لما رأى الرجَّال أنه قد تلك معرفة الله قد كملناها، كملناها، قد قرأنا الكتاب الفلاني وانتهى الموضوع. ماذا عاد فيها من هدى لمثلي، وقد أنا داري بما يتعلق بمعرفة الله؟! طيب معرفة الله واسعة جداً جداً، تحتاج إلى هداية الله فيها بشكل واسع جداً.
[ويقول سبحانه وتعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ}(النحل89)] هل لدينا أشياء ما تناولها القرآن؟. طيب عندما يأتي يقول لك، لاحظ من العجيب، الذي يقول لك: أن القرآن لا يكفي!. عندما تتأمل تجد مفهومه للعلم محدود جداً، العلم صغير، قليل، قليل، العلم هذه المنهجية التي نقرأها، الكتب التي نقراها فيما تعطيه من علم، فيما تتناوله من مجالات، من أشياء. لأن ما سعة المجالات هي بسعة الكتب، ما سعة المجالات بسعة الكتب.
ترى رصات من الكتب تجد مجالاتها، محتواها، الأشياء التي تتناولها، أنت تعتبرها تبيانا لها محدودة جداً. مع هذا نقول بأن القرآن لا يكفي! أول شيء يجب أن تفهم أن الأشياء التي ما بين يديك يتناولها محدودة جداً، وبالغلط يتناولها بشكل مغلوط.
لا، الله يقول في القرآن الكريم: {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} ما يكون عندك أن قد عندك كل شيء، وبين يديك المجالات كلها، ويبدو أن القرآن ما تناول إلا سبعين في المائة منها مثلاً. لا، بل يجب أن تفهم أن القرآن الكريم ما يزال تبياناً لمجالات كثيرة جداً، لأشياء هي غير معروفة لديك، ولا ما بين يديك يتناولها، ولا هو حولها، وقد عندك أن كل الأشياء هي هذه!
لكن لا، أول جهل أنك تجهل بأنه ما يزال هناك مساحة واسعة من الأشياء هي محط تبيان من جانب القرآن الكريم ليست في ذهنيتك، عندك العلم هو هذا[ الأخ العلامة] هو هذا، وهي ليست عندهم سوى مجالات محدودة فقط، والأشياء لديهم محدودة بشكل نقطة واحدة. مثلاً كل ما نقراه حول موضوع مثلاً معرفة الله، أليست هكذا؟ تجد ما يتناول الموضوع من معرفة الله، من خلال القرآن الكريم أشياء محدودة.
تجد أنه ليس محسوباً داخلها معرفة ماذا يعني أن الله ملك؟ ماذا يعني أن الله إله. هذه ليست ضمنها! فقط معرفة أنه لا يرى، ليس كمثله شيء، لا يجبر العبد على معصية، وأن الله خلق الإنسان مختار، وأنه من أدخله النار لن يخرجه منها، وصادق الوعد والوعيد، يعني إذا وعد بجهنم صدق، وإذا وعد بالجنة صدق.
نقاط أليست نقاطاً محدودة جداً؟ تجد القرآن الكريم معرفة الله واسعة جداً جداً، أي هناك مجالات ليست مصنفة عندك ضمن معرفة الله، في تلك الأشياء التي تعتبرها علم معرفة الله، وأول ما يجب على العبد أن يعملها، وموضوعها أشرف المواضيع، وأشياء من هذه. لا، هذه المجال فيها محدود جداً، وقاصر جداً، ومسائل محدودة جداً.
باقي، القرآن يتناول أشياء كثيرة جداً، في موضوع معرفة الله، وهكذا نقيس عليها أشياء أخرى. وفي الأخير يظهر لك أن ما لدينا نحن نعتبره أشياء، وقد هي كل الأشياء، وما هي أشياء، في الأخير يأتي أشياء في الحياة، في حركة الحياة، وليس معنى حل لها.
مثلما هو الآن حاصل. أليس الناس كلهم الآن عاجزين، وأنك تلمس أنه اعتمت عليهم المسألة في مواجهة أمريكا وإسرائيل؟ والعدو هذا الذي ... خلاص علمانا أعلنوا بياناً [ ونحن عاجزون عن عمل ما يجب علينا] إذاً قل أنه باقي أشياء كثيرة جداً، ملايين الأشياء، ما هو داري بها، القرآن قد تناولها، وقال: { تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} لماذا ترى نفسك عاجز، وترى الدنيا مقفلة، ترى الأشياء ما عاد عرفنا من أين نأتي لها بعضهم يقول: التطمت! ما هو هكذا؟ التطمت هذه الدنيا، ولا عاد عرفنا كيف نعمل.
إذاً معنى هذا: أن هناك أشياء كثيرة جداً أنت لا تعرفها، أو تحاول أن لا تعرفها القرآن الكريم هو تبيان كامل لها، أو أنها ليست أشياء هذه؟ أليست تعتبر أشياء؟ أشياء من كبار الأشياء، من كبار الأشياء، وليس فقط من الغوامض.
يعني: قل له: الله يقول في القرآن الكريم: {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} ونحن معنا أشياء الآن واضحة، معنى أمريكا وإسرائيل متوجهين إلى العالم الإسلامي لاحتلاله، وطمس معالمه الدينية، هويته الدينية، تغيير ثقافته، تغيير أنظمته، تغيير مناهجه التعليمية، السيطرة على ثرواته. أليست هذه أشياء؟ أشياء جبال، ليست من الغوامض.
قل لي فكرة مواجهة هذه هل هي أشياء؟ أو تحتاج إلى أشياء؟. إذاً لماذا القضية عندك مطموسة؟ لأن هذه الأشياء كلها أنت لا تحاول أن تنطلق في الشيء الذي قد ترى من خلاله تبياناً. إذاً هي أشياء بالتأكيد القرآن مما بيَّن كيف يكون الموقف معها، المواقف، تفاصيل المواقف، تفريعات المواقف، النظرة إليها. هذه أشياء يتناولها بشكل كامل. أليست هذه أشياء؟ شخَّص لك هؤلاء الأعداء ماذا يريدون، وماذا يمكن أن يعملوا، وماذا يهدفون إليه، وكيف سيكون مصير الناس؟ أليست هذه واحد من الأشياء؟.
يبين لك كيف يجب أن تكون في مواجهتهم. أليست هذه أشياء من الجانب الآخر، يعني يشتغل في الموضوعين، يبين بيان لكل شيء {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} وضح لك العدو إلى درجة يقول لك حتى بطبيعته أنه في الأخير لو تدخل معه في مواجهة هو من النوع الذي يُهزم ويُذَل{ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} ألم يقل هكذا؟ {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ}(آل عمران111) أليس هنا يبين أشياء؟ يبين نفسية العدو؟ واقع العدو؟ قدرات العدو؟ أساليبه؟ نظرته إليك؟.
يبين حتى نظرته إليك، حتى مشاعره نحوك {مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ}(البقرة105) {وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ}(النساء44) أليس هو هنا يبين؟
............
هذه الأشياء نصفر عليها كلها! ألسنا نصفر عليها كلها؟ إذاً معنى هذا أنه يوجد خلل في ثقافاتنا تخلي معلوماتنا محدودة جداً، ونظرتنا إلى الدين محدودة جداً، وإلى المجالات التي يجب أن يتناولها الدين محدودة جداً، إنما في الأخير نكبر [علامة] للمبالغة، عالم، ثم نسميه علامة، ما بلى مبالغة لفظية من عندنا، أما مبالغة حقيقية، معرفة واسعة، لا توجد، لا توجد.
لو هو يستحق اسم علامة لكان فاهم لـ{تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} في الأشياء الكبيرة التي يراها أمامه، ما هو يأتي يعلن لي في بيان، ويعلن في الميكرفون: [ونحن عاجزون عن عمل ما يجب علينا] هل هذا تبياناً؟ أو منطق قرآن؟ لأن عاجزون أليس معناها أشياء؟ في أشياء، أشياء كثيرة.
رأى أشياء ما اتضحت له، ورأى أشياء أخرى، ما عرف أنها قد تكون معالجات ووسيلة لصد العدو هذا. في الأخير أعلن تبياناً لماذا؟ للعجز، ونحن عاجزون!.
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ}هل الأشياء التي في حياة النبي فقط؟ لكل شيء في مسيرة الحياة .
عندما يقول لك مثلاً: لا بأس تبيانا لكل شيء لكن ما وجدناه ذكر الصلاة بالتفصيل كم ركعاتها! ما هو قد يقول هكذا؟ نقول له: أترك القضية على جنب، تعال معي ننظر إلى الإنطلاقة الأخرى التي لم تقم على أساس هدي القرآن. أليس رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) صلى؟ تعال قل لي كيف قدمها المسلمون هذه الصلاة، يوم انطلقوا هم. ألم يقدموها لنا مشكَّل؟ ناس يرفع، وناس يضم هنا، وناس يضم هنا، وناس يعمل كذا، وناس يعمل كذا، و ... أليست منوعة؟.
الآذان حتى الآذان منوَّع، ألم يصبح التطبيق الذي عمله الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) ضائعاً؟ أصبح ضائعاً؟ فعلاً ضاع من خلال ما بين أيدي المسلمين، وكل فئة قدمت نموذج معين. أليس معنى هذا أنه في المجموع جهل التطبيق الحقيقي، الممارسة الحقيقية للدين الذي أداها بما فيها أذانه، الآذان نفسه ناس يقول: الصلاة خير من النوم، وناس يكبر أربع مرات، وناس يقولون: حي على خير العمل.. طيب وهو كان يؤذن.
لكن هداية القرآن هي كانت بالشكل، وما تزال بالشكل الذي لا يصبح شيء من هذا التطبيق محط إشكال، ولا غائب، لو تمسكوا بالإمام علي مثلاًً، والأمة سارت بمسيرة الإمام علي، أليس الإمام علي يعرف كيف كان يصلي رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ ما سيكون أداء الإمام علي لصلاته، وصيامه، وحجه، وكل عباداته، وكل مواقفه، هي نفس التطبيق الذي قام به الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)؟.
إذاً ما سيكون موقف الإمام علي هو تبيان واضح للتطبيق؟ فتكون الأمة تمشي على طريقة واحدة، وما هناك إشكالية، ولا خبصة؟. ومن التبيان، من التبيان أنه يهدي إلى العَلَم الذي هو أعلم بالمسيرة التي كان عليها النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) فتسير الأمة على منهج واحد، وطريقة واحدة، وما هناك اختلافات، ولا هناك شيء.
وهي نفس الصلاة، ونفس الحج، ونفس العبادات، ونفس المواقف، أليست الصورة ستكون أبين من الصورة التي نحن عليها الآن؟ الصورة عن الدين يوم طبقه رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) أليست الصورة ستكون عن هذا الطريق أبين، وأوضح من الصورة التي عليها المسلمون الآن؟ ناس يكبر كذا، وناس يصلي كذا، وناس يصوم إلى وقت كذا، ويبدأ من كذا، والحج..الخ.
أليس هناك اختلافات في كل قضية؟ أي: المسالة من حيث هي ليست بيِّنة! أليس معناها هكذا؟ وإذا كان الأذان الذي كان يؤذن به كل يوم عدة مرات جهراً لم يعد بيناً عند المسلمين، ناس يقول: الله أكبر أربع مرات، وناس يحذفون حي على خير العمل، وناس يأتي بالتثويب بدل، وناس يقولون: حي على خير العمل! وهو أذان واحد.
أي: أن من التبيين القرآني، ما يهدي إليه القرآن بالنسبة لأعلام دين الله؛ فيكونون هم وسيلة تبيين، هم أنفسهم، ولن يكونوا عبارة عن رقم ثاني، نحن نقول لكم من أمس ما هناك رقم ثاني، تبيين في إطار القرآن الكريم.
عندما يقول لك: لكن كم عدد ركعات كذا؟ قل: يا أخي القرآن في تبيينه يرشد إلى علي، وعلي سيبين لك الصلاة التي صلاها رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) وانتهى الموضوع. أليس هذا بيان؟ لكن ما مشينا على هذا البيان، ما الذي حصل؟ ألم يحصل اختلاف؟ وحصل تضييع للتطبيق؟ ضاع التطبيق الذي قام به رسول الله في حياته في وسط الغاغة هذه.
[ويقول سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}(النحل89)] المُسلِمين أنفسهم لله، المسلّمين أنفسهم لله، بشرى، لاحظ كلمة: بشرى، هي تتنافى مع مسألة النظرة المعتمة إلى الدين. بشرى في الحياة نفسها، والقرآن الكريم ذكر أمثلة للبشرى هذه.
عندما يكون الناس ينطلقون في حركة قرآنية، وعلى هدي الله يجدون أشياء كثيرة تطمئنهم جداً، ويرتاحون لها جداً، بشارات بنجاحات في أعمالهم، بشارات بأن مواقفهم صحيحة، بأن حركتهم ثابتة، بشارات بأن الله معهم.
مثلما ذكَّر بالمطر في بدر، مثلما ذكَّر بالرياح في الأحزاب، مثلما ذكر بالملائكة في بدر، مثلما ذكر بكذا .. أليست من هذه بشرى؟ بشرى هنا في الدنيا، وتبشير بالعاقبة، بالجزاء العظيم في الآخرة بالجنة {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}(يونس64) .
لكن الذي لا يمشي على هداه، يكون كل مرة والتطمت عليه، كل مرة وعرف أنه تورط، أنه قلعب على نفسه، أنه غلط، وهكذا، فتكون النتيجة شؤم، تكون نتيجة أموره في الأخير تطلع شؤم، تسيئه، تسوء وجهه، مقابل البشرى، هنا هو يقول لك بشرى .
[فجعله سبحانه تبياناً] تبياناً، لاحظ كلمة: تبياناً، هي أيضاً أبلغ من كلمة بيان، تبيان: بيان واضح، القرآن استخدم أرقى، وأخر ما يمكن تملكه من تعبير عن الوضوح، النور، الهدى، الشفاء.
ما هو حتى قضية يقول لك: الهدى فيه إنما فقط يأتي أحد يكتشف أنه هدى. هو يقول هو عن نفسه أنه نور، ويضرب أمثلة لهذا النور.
[فجعله سبحانه تبيانا لكل شيء] أحياناً يرجعون إلى مسألة: كل شيء هذه، نتيجة النظرة القاصرة، ويفسرونها مثل تفسير: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ} يعني: فسروا منطق عربي هكذا أحياناً يأتي بعبارة: كل شيء، والمقصود منه الأشياء التي تناولها هو، والأشياء التي تناولها هو يعني الأشياء التي قد هو يفهم الدين أنه تناولها، بالنظرة القاصرة هذه.
يقول في بلقيس عندما حكى عنها:{وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}(النمل23) ليس معناها من كل شيء في السموات وفي الأرض، معناها من كل شيء من الأشياء التي عادة تكون متوفرة مع الملوك [تغدينا عند فلان قدم لنا من كل شيء] أليسوا يقولون هكذا أسلوب؟ يعني من الأشياء المعروفة المعهودة أن تقدم للضيف على طعامه في عرف البلاد الفلانية، أو في نوعية الطبخ والغذاء عندهم. وقد هو يريد يرجع إلى القرآن بهذه! و{تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} يعني من الأشياء التي تناولها، قد نظرته هو قاصرة إلى الدين، والمجالات التي يتناولها، أن معناها: كل شيء، هذه الأشياء، فقط جاء على سبيل التغليب بعبارة تشبه عبارة: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ}!
لا، {تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ} مما يصح أن يقال له شيء، بدءاً من الله الذي معرفته رأس كل شيء، معرفة يعرِّفه بشكل يكون لها اثر كبير جداً، معرفة شبه كاملة. فهو تفصيلا لكل شيء، هدى، تبياناً، لكل شيء.
طيب: كلمة شيء حتى نعرف أنها فعلاً تتناول الأشياء هذه، نحن قلنا قبل فترة: أن الدين له علاقة في الأخير لدرجة أن يتحكم في تصميم بيتك في التصميم الهندسي لعمارتك. الفارق مثلا ما بين تصميم البيوت للسكن مثلا في البلاد الإسلامية وفي الغرب أنت تلمس أثر هنا للثقافة.
ألست هنا تصمم البيت على أساس أن يكون فيه شقتين، شقة معزولة للنساء هناك بالمطبخ بالحمام بكل حاجاته على جنب، ومدخل من هناك، وشقة هنا خاصة بالرجال ومدخل خاص.
الغربيون لا يصممون بهذا الشكل، يصمم لك بيت يكون واسع، حجرة وسيعة، كنب هنا، وكنب هنا، إمرأة تخرج من هنا، وتدخل من هنا، وتطلع من هنا، وباب من يأتي يدخل منه .
إذاً ما هنا قضية الدين في الأخير يتناول حتى الإنفاق في منزلك، نوعيته في مرحلة معينة، كميته {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}(الفرقان67) .
إذا أنت تتصور بأن القرآن مثلاً ما يقدم قائمة من الأغذية، هو يهديك إلى مسألة، المسألة هذه هي تحكم أن يكون واقعك على النحو الفلاني، وهو هذا الهدى، يحكم أن يكون واقعك في إنفاقك، في تصرفاتك على النحو الفلاني. فالمؤمنون عندما يكونون متقين، يتحركون، ويهتمون، ويعرفون أن الحركة تحتاج إلى مال سيكون هو شخصيا عندما ينفق في بيته لا يوجد عنده إسراف؛ لأنه يريد الفائض على اقل تقدير ينفق النفقة المتوسطة، لا إسراف ولا تقتير؛ لأن عنده قضية يريد أن يوفر لها، عنده عمل يتحرك فيه في سبيل الله يوفر.
هي هكذا أحياناً بهذا النوع، إذا أنت تقول ما هناك قائمة، تقول هل هدى إلى موضوع الإختراعات هذه؟ أقول لك: نعم هدى إليها بطريقة إن لم تكن قائمة، يذكر لك كذا: إعمل، واتجه إلى كذا. الحياة هي طبعت فيها الأشياء، في الحياة أشياء كثيرة من الكنوز، من المعادن، ولها خواصها، ولها كذا.
حاجيات الإنسان واسعة من جانب، المسئولية التي ربطك القرآن بها تفرض عليك أن تتحرك في كل هذه المجالات، أن تصنِّع، أن تزرع، أن تعمل على أن يكون لديك خبراء، أن يكون لديك مهندسين، أن تهتم ببناء أمة متكاملة.
أليس القرآن هدى إلى هذه؟ يكون عندك خبراء يشتغلون في كل المجالات، ويبدعون، ومعاهد، معاهد، بحث، دراسات، تمويل للبحث من أجل ماذا؟ أنك تريد أن لا يسبقك الآخرون إلى شيء، تكون أنت من تملك الخبرة، من تملك الصناعة، من تملك الإكتفاء، في زراعة، في غيرها.
وتجد في كل واحدة من هذه تلقى الله فيها، عندما يتحركون في أي مجال من المجالات يتلمس التأييد الإلهي، يتلمس البركة الإلهية، يتلمس البشرى التي قال هنا: {وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} يتلمس أيضا مظاهر معرفة الله، مظاهر قدرته، مظاهر رحمته، مظاهر رعايته، مظاهر تدبيره، مظاهر ...الخ.
فالدين هو يملئ الحياة ، يملئ الحياة بكلها، والتبيين لا يعني أن يعمل لك قائمة تفصيلية بأسماء الأشياء بالتحديد، هو يبين لك كيف تكون، يهديك إلى كيف تكون هذه الأمة، ماذا ينبغي أن تعمل. ومعلوم بأنه حتى في الصناعات ألا يكون فيها ما تسمى قواعد؟ فهو يهدي إلى أبواب من المعرفة، تهدي إلى معارف من هذا النوع، تهدي إلى بناء للأمة في كل المجالات. هذا هو التبيين.
[تبيانا وحجة على من فسق وكفر وهدى ورحمة وموعظة لمن اتقى وشكر.] .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الثقافة العامة“