وإلى علماء البلاط مرة أخرى: قصة يحى بن عبد الله مع هارون الر

أضف رد جديد
صارم الدين الزيدي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1155
اشترك في: الأربعاء يناير 07, 2009 6:42 am

وإلى علماء البلاط مرة أخرى: قصة يحى بن عبد الله مع هارون الر

مشاركة بواسطة صارم الدين الزيدي »

وإلى علماء البلاط مرة أخرى: قصة يحى بن عبد الله مع هارون الرشيد، وعالمه البختري:-

المنبرنت:

و إلى علماء البلاط البائس في صنعاء، قصة الإمام يحيى بن عبد
الله ـ الكامل ـ بن الحسن بن الحسن بن الإمام علي ابن أبي
طالب، واحتيال عالم بلاط هارون الرشيد الملقب بـ "
البحتري" باستعادته من جستان ملك العجم بعد أن لجأ إليه
يحيى من ظلم هارون الرشيد، لأنه كان يطلبه خوفا من ثورته عليه،
وكان عالم البلاط هو بطل القصة، وكان الكثير من العلماء
والوجهاء، ضحية لكيده ومكره بأحفاد رسول الله، وكيف أخافهم
بضرب أعناق من لم يشهدوا عليه زورا وبهتانا،
ليجبرهم على أن يشهدوا لدى ملك العجم بأن يحيى بن عبد الله عبد لهارون الرشيد
هرب عنه،
وأنتم تعملون اليوم لعلي صالح ما هو أشد وأخزى، فأنتم تعتبرونه ولي أمركم،
وطاعته التي هي كطاعة الوثن، طاعة لله وأنتم تعلمون انه ظالم فاسق يشرب الخمر،
وينهب الأموال، ويقتل الأبرياء ويترك الصلاة والصيام إلا نادرا للتظاهر
والرياء ودون أن يجبركم ولا هددكم بضرب أعناقكم، وإنما عشّاكم وفطّركم من
السحت الحرام، الذي يسرقه من أموال المواطنين المغلوبين والمقهورين في عموم
البلاد، فقارنوا بن عملكم هذا وبين عمل البحتري ومن معه من القضاة، ولا تنسوا
أنكم في محاربتكم للسيد العلامة بدرالدين الحوثي حفيد نبي هذه الأمة، ولأنصاره
الأكرمين، وإعانة الظالمين عليهم أمام آيتين من كتاب الله تعالى، وحديث مجمع
على صحته وتواتره بين علماء الإسلام، الآية الأولى قوله تعالى في وجوب مراعاة
حق أهل بيته
{قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى} وليس من المودة
إعانة علي صالح عليهم قطعا، فأنتم بذلك تخالفون أمر الله في كتابه الكريم.
الآية الثانية فيما إذا اختلف المؤمنون وتقاتلوا ـ وقطعا بأن علي صالح ليس
منهم في شيء ـ أن تقوموا بالمصالحة فيما بينهم، وذلك في قوله تعالى{ وإن
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله} والناس في هذه الحرب ليست بين
طائفتين مؤمنتين فتصالحوا بينهما وإنما بين طائفة مؤمنة تقاتل دفاعا عن نفسها
ودينها، وعرضها وأهلها وممتلكاتها، عدوان فئة ظالمة منافقة باغية خارجة عن دين
الله غير عاملة به ومنافقة لم تلتزم بشرع ولا بعهد ولا ميثاق، فواجبكم هنا
قتالها مع المؤمنين الحوثي وأنصاره، حتى تنمحي ويذهب شرها وتبيد من وجه الأرض
وإلا فقد خالفتم أمر الله في قوله تعالى

{المؤمنون بعضهم أولياء يعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}
{الذين امنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت
فقاتلوا أولياء الشيطان أن كيد الشيطان كان ضعيفا}.

لقد أوجب عليكم أن توالوا المؤمنين وتكونوا معهم وتجاهدوا أعداء الله علي صالح
وأعوانه من أولياء الشياطين،
أما إذا لم تفرقوا بين أولياء الله وأولياء الشيطان ـ وتلك بلا شك مصيبة كبيرة
ـ فقد وضع النبيء (ص) لكم علما آخر بينا وواضحا فقال: إني تارك فيكم ما إن
تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإن اللطيف
الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما.
فانظروا حيث وقفتم إلى الظالمين علي صالح وأعوانه هل أنتم مع هذا الحديث
والقرآن وأهل البيت أم ضدهما؟.
والآن إلى قصة أحد علماء البلاط الذين يتاجرون بدماء أهل البيت النبوي سلف من
بعدهم الخلف إرضاء لملوك الجور وحكام الطاغوت .

قال أبو عبد الله أحمد بن سهل الرازي رحمه الله، في كتابه أخبار فخ وخبر يحيى
بن عبد الله.
[الحيلة بجستان لأخذ يحيى(ع)]
قال: قال المدائني: فلما ورد جواب يحيى صلى الله عليه ضاق ذرع هارون وعظم عليه
أمره، وساء ظنه، وخاف أن تكون قد انقضت مدتهم، فشاور أهل الرأي من الوزراء
والعمال والقواد والقضاة وغيرهم.
فقال أبو البختري: لا يغمك الله يا أمير المؤمنين. عليَّ أن أحتال بجستان حتى
يسلمه إليك.
فقال له هارون: ويلك كيف تعمل؟
قال: أسير إلى جستان بجمع من وجوه أهل: دسينا، وقزوين، وزنجان، وأبهر، والري،
وهمذان، وجميع علمائها فيشهدوا عنده بأني قاضي القضاة، فأشهد عنده أن يحيى
عبدٌ لك.
فقال سليمان بن فليح: - وكان على ديوان الخراج - وأنا أسير معه يا أمير
المؤمنين، فيشهدون عنده أني صاحب ديوان خراج الأرض، ثم أشهد عنده أنه عبد لك.
قال أبوالبختري: ويأمرنا أمير المؤمنين بمن لم يشهد لنا ومعنا فنضرب عنقه
ونصطفي ماله، فإن أمير المؤمنين إذا فعل ذلك بهم شهدوا جميعاً على استمالة
جستان ورده إلى ما يحب أمير المؤمنين.
فوقع الكلام من هارون موقعاً عجيباً، وأمر لأبي البختري بجائزة ثلاثمائة ألف
درهم، وأمر لسليمان بن فليح بمائة ألف درهم.
ووجههما على البريد إلى الفضل بن يحيى، وأمره أن من امتنع أن يشهد معهما عند
جستان أن يضرب عنقه كائناً من كان، ويستصفى ماله، ومن شهد أُكرِمَ وأجيز واسقط
عنه الخراج. قال: ففعل الفضل بن يحيى ما أمره به هارون.
[حيلة أبو البختري على الفقهاء في الكذب]
وقدم أبو البختري إلى دسينا، ووجه إلى وجوه البلدان فأحضرهم، وقال لهم: إن هذا
يحيى بن عبد الله قد دخل الديلم، ويريد أن يقاتل بأهل الشرك أهل الإسلام،
ويخرج يده من طاعة أمير المؤمنين، وقد جاءت الرخصة في الكذب، والخديعة في
الحرب. وقد رأينا أن نشهد أنه عبد لأمير المؤمنين، نطلب بذلك الثواب عند الله
لترجع إِلفة المسلمين وتسكن الثائرة، ولا غنى بكم عن حسن جزاء أمير المؤمنين،
وهذا كتابه. فقرأ عليهم ما فيه من الإيعاد لمن امتنع، والإطماع لمن أجاب،
فأجابوه بأجمعهم إلى أن يشهدوا معه.
فخبرني حريث بن ميسرة الكناني - من وجوه أهل مدينة أبهر عن مشائخ أهله: أن أبا
البختري وسليمان لما قدما من عند هارون وجهوا في كور الجبل إلى أهل الفقة
والعلم والمعدَّلين ممن يعرفهم جستان من أهل: قزوين، وزنجان، وأبهر ، وشهربرد،
وهمذان، والرَّي، ودنباوند، والرويان، فأتاهم فجمع له منهم تسعمائة رجل، ومن
أهل طبرستان أيضاً أربعمائة رجل، فشهدوا بأجمعهم عند جستان أنه: عبد لهارون.
وكل هؤلاء من أهل الشرف والقدر، والعرب المتمكنين في بلاد الجبل ليس فيهم وضيع
إلا يسير.
قال: وقالوا لجستان: ليس هو ابن بنت نبينا، هو مدع فيما يقول إنما هو عبد
للرشيد.
وسمعت السميدع بن عبد الرحمن المرادي من أهل قزوين وغيره: يقول ذلك ويرويه عن
مشائخه.
[مقالة يحيى مع جستان]
قال: فلما شهدوا عند جستان ملك الديلم. قال جستان ليحيى: ما وجدت أحداً تخدعه
بدعوتك غيري.
فقال له يحيى: أيها الرجل إنَّ لك عقلاً وإن لم يكن لك دين، فتدبر ما يقول
القوم، وما تقدم منهم إليك، ورده على قلبك وعقلك، واجعل عقلك حكماً دون هواك؛
لو أني كنت كما قالوا ما وجهوا إليك بهذه الأموال وما أردفوها بهذه العساكر
ولا بذلوا في دفعك إياي إليهم هذه الأموال، ولا جمعوا لك من ترى من وجوه الجبل
وفقهائهم ومعدليهم ليشهدوا عندك بالزور، وما كان عليهم من رجل جاء إلى عدوهم،
أو وليّهم ينتمي إلى نسب ليس منه؟.
فمال الديلمي إلى الدنيا - فقال: دعني من هذا، ما كان هؤلاء ليشهدوا عندي
بالزور.
فقال يحيى: هنا خصلة، تبعث رجلين ممن تثق بهما من رجالك مع رسولي إلى مكة
والمدينة فيسألوا عني.
قال: هذا يطول.
قال: فدع هذا، ابعث رسولاً إلى الرَّي،ورسولا إلى بغداد، ورسولاً إلى قزوين،
وسائر المدن، فيسألوا عن هؤلاء الشهود فتعرف حالهم وأنهم شهود زور، وأنهم
أكرهوا على شهادتهم، وأنهم إن أبوا قُتِلوا واستصفيت أموالهم وسبيت ذراريهم.
قال: ما نصنع بهذا الكلام؟ لم يشهد هؤلاء بأجمعم على زور.
فأيس يحيى من منعه وعلم أنه مسلمه، وظهر ميله إلى ما بذل له.
[خطبة يحيى(ع) للشهود]
قال: فاجمع بيني وبينهم حتى أكلمهم بحضرتك.
قال: ذاك لك. وطمع يحيى إن ذكرهم الله أن يرجعوا أو تختلف كلمتهم.
فقال جستان لأبي البختري: احضر وأصحابك حتى تشهدوا على يحيى في وجهه.
فاجتمعوا، ونصب ليحيى كرسي فجلس عليه.
فلما أخذوا مجالسهم ابتداء يحيى عليه الصلاة والسلام، فقال:
الحمد لله على ما أولنا من نعمه وأبلانا من محنه وأكرمنا بولادة نبيه، نحمده
على جزيل ما أولى وجميل ما أبلى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
شهادة مقرٍ بوحدانيته خاضع متواضع لربوبيته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله
انتخبه واصطفاه واختاره واجتباه صلى الله عليه وعلى آله أجمعين، أما بعد:
معاشر العرب، فإنَّكم كنتم في حمض من الدنيا، بشر دار وأضنك قرار؛ ماؤكم أجاج،
وأكلكم ثماج من العلهز والهبيد، والأعاجم لكم قاهرة، وجنودهم عليكم ظاهرة، لم
يمنعهم من تحويلكم إلا قلة خير بلدكم.
أنتم مع الدنيا بمنزلة السقب مع الناب الضبعة الضروس متى دنا إليها لينال من
درها منعته. وإن أتى إليها من أمامها خبطته، أو من ورائها رمحته، أو من عرضها
عضته، فما عسى أن يصيب منها، هذا على تفرق شملكم واختلاف كلمتكم، لا تحلون
حلالاً ولا تحرمون حراماً ولا تخافون آثاما، قد ران الباطل على قلوبكم فلا
تعقلون، وغطت الحيرة على أبصاركم فما تبصرون، واسكت الغفلة أسماعكم فما
تسمعون. على أن عودكم نضار، وأنكم ذوو الأخطار. ثم مَنّ الله عليكم وخصكم دون
غيركم فابتعث فيكم محمداً صلى الله عليه وآله منكم خاصة، وأرسله إلى الناس
كافة، وجعله بين أظهركم ليميز به بينكم، وهو تبارك وتعالى أعلم بكم منكم
بأنفسكم، فاستنقذكم من ظلمة الضلال إلى نور الهدى، وجلا غشاوة العمى عن
أبصاركم بضياء مصابيح الحق، وأستخرجكم من عمى بحور الكفر إلى جدد أرض الإيمان،
وجمَّل برفقه ما انفتق من رتقكم، ورأب بيمينه ما انصدع من شعبكم، وَلَمَّ
بإصلاحه ما فرَّقت الأحقاد والجهل من قلوبكم. ثم اقتضب برمحه لكم الدنيا
الضبعة فذلت بَعْد عَنَتْ، ثم أبسها بسيفه فأرزمت وتفاجت واجترت بعد ضرس، ودرت
ومرى ضرعها بيمن كفه فاختلفت أخلافها وانبعثت أحالبها، فرأمتكم كما ترأم الناب
المقلاة طلاها، فشربتم عَلَلاً بعد نهل، وملأتم أسقيتكم فضلاً بعد اكتظاظ،
وتركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تدور حولكم وتلوذ بكم كما تلوذ
الزجور بسقبها. فلمَّا أقام أود قناتكم بثقاف الحق، ورحض بظهور الإسلام عن
أبدانكم درن الشرك، ولحب لكم الطريق، وسن لكم السنن وشرع لكم الشرائع خافضاً
في ذلك جناحه؛ يشاوركم في أمره، ويواسيكم بنفسه، ولم يبغ منكم على ما جاءكم به
أجراً إلا أن تودُّوه في قرباه، وما فعل صلى الله عليه وآله ذلك له حتى أنزل
الله عليه قرآناً، فقال تبارك وتعالى:
﴿قُلْ لاَ أسْئلكُم عَلَيِه
أجْراً إلا المَوَدَة في القُرّبَى﴾[الشورى:23] .

فلمَّا بلَّغ رسالة ربه وأنجز الله له ما وعده من طاعة العباد، والتمكين في
البلاد؛ دُعِيَ صلى الله عليه فأجاب، فصار إلى جوار ربه وكرامته، وقدم على
البهجة والسرور، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فوعده الشفاعة
عنده والمقام المحمود لديه. فَخلَّف بين أظهركم ذرّيَّته فأخرتموهم وقدمتم
غيرهم، ووليتم أموركم سواهم. ثم لم نلبث إلا يسيراً حتى جُعِلَ مال ولده
حوزاً، وَظُلِمت ابنتُه فدفنت ليلاً، وقتل فيكم وصيه وأخوه وابن عمه وأبو
ابنيه، ثم خذل وجرح وسمَّ سبطه الأكبر أبو محمد، ثم قتل سبطه الأصغر أبو
عبدالله مع ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته الأدنين في مقام واحد، ثم على أثر
ذلك نُبِش وصُلب وأُحرق بالنار ولد ولده. ثم هم بعد ذلك يُقتلون ويطرَّدون
ويشردون في البلاد إلى هذه الغاية، قُتِلَ كِبَارُهُم وأوتم أولادهم وأرملت
نساؤهم.
سبحان الله ما لقي عدوٌّ من عدوه ما لقيَ أهل بيت نبيكم منكم من القتل والحرق
والصلب.
وليس فيكم من يغضب لهم إلا هزؤاً بالقول، إن غضبتم لهم زعمتم وقمتم معهم كي
تنصروهم لم تلبثوا إلا يسيراً حتى تخذلوهم وتتفرقوا عنهم. فلو كان محمد صلى
الله عليه وآله من السودان البعيدة أنسابهم المنقطعة أسبابهم - إلا أنه قد
جاوركم بمثل ما جاوركم به - لوجب عليكم حفظه في ذريته. فكيف وأنتم شجرة هو
أصلها، وأغصان هو فرعها، تفخرون على العجم، وتصولون على سائر الأمم، وقد
عاقدتموه وعاهدتموه أن تمنعوه مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم؟. فسوءة لكم ثم
سوءة، بأي وجه تلقونه غدا؟، وبأي عذر تعتذرون إليه؟.
أبقلة؟ فما أنتم بقليل.
أفتجحدون؟! فذلك يوم لا ينفع جحد، ذاك يوم تبلى فيه السرائر.
أم تقولون: قتلناهم؟ فتصدقون. فيأخذكم الجليل أخذ عزيز مقتدر.
لقد هدمتم ماشيد الله من بنائكم، وأطفأتم ما أنار من ذكركم، فلو فعلت السماء
ما فعلتم لتطأطأت إذلالاً، أو الجبال لصارت دكاً، أو الأرض لمارت مورا. أي عجب
أعجب من أن أحدكم يَقْتُل نفسه في معصية الله ولا ينهزم، يقول بزعمه: لا تتحدث
نساء العرب بأني فررت. وقد تحدثت نساء العرب بأنكم خفرتم أماناتكم ونقضتم
عهودكم، ونكصتم على أعقابكم، وفررتم بأجمعكم عن أهل بيت نبيكم، فلا أنتم
تنصرونهم للديانة وما افترض الله عليكم، ولا من طريق العصبية والحمية، ولا
بقرب جوارهم وتلاصق دارهم منكم. ولا أنتم تعتزلونهم فلا تنصرونهم ولا تنصرون
عليهم عدوهم؛ بل صيرتموهم لُحمةً لسيوفكم، ونهزة ليشتفي غيظكم من قتلهم
واستئصالهم. وطلبتموهم في مظانهم ودارهم، وفي غير دارهم؛ فصرنا طريدة لكم من
دار إلى دار، ومن جبل إلى جبل، ومن شاهق إلى شاهق. ثم لم يقنعكم ذلك حتى
أخرجتمونا من دار الإسلام إلى دار الشرك، ثم لم ترضوا بذلك من حالنا حتى
تداعيتم علينا معشر العرب خاصة من دون جميع العجم من أهل الأمصار والمدائن
والبلدان، فخرجتم إلى دار الشرك طلباً لدمائنا دون دماء أهل الشرك تلذذاً منكم
بقتلنا، وتقرباً إلى ربكم باجتياحنا؛ زعمتم لأن يبقى بين أظهركم من ذرية نبيكم
عين تطرف ولا نفس تعرف. ثم لم يقم بذلك منكم إلا أعلامكم، ووجوهكم وعلماؤكم
وفقهاؤكم والله المستعان.
قال حريث: قال أبي، وأراه ذكره عن أبيه: فلما سمعنا كلامه وخطبته بكينا حتى
كادت أنفسنا أن تخرج.
قال: فقمنا وتشاورنا، فقلنا: ويلكم، هل بقيَ لكم حجة أو علة؟ لو قُتِلتُم عن
آخركم وسبيت ذراريكم واصطفيت أموالكم، كان خيرأً لكم من أن تشهدوا على ابن
نبيكم بالعبودية وتنفونه من نسبه.
قال: فعزمنا على أن لا نشهد.
قال: فصاح بنا أبو البختري وسليمان: ما تنتظرون؟، خدعكم فانخدعتم وملتم معه
على أمير المؤمنين، والله لئن امتنعتم من الشهادة عليه لتقتلن عن آخركم،
ولتسبين ذراريكم، ولتؤخذن أموالكم.
قال: فتقدمنا فشهدنا عليه بأجمعنا؛ إنه عبد لهارون ليس بابن بنت النبي صلى
الله عليه وآله.
وسمعت السميدع بن عبد الرحمن المرادي، يقول: عن أبيه عن جده، قال: نظر إليَّ
يحيى بن عبد الله صلوات الله عليه، فقال: ممن الرجل؟ قلت: من مراد. قال: مالنا
ولمراد.
قال: فبان لجستان حولتهم وأنهم مكرهون ولكنه مال إلى الدراهم.
وطمع يحيى أن يختلفوا، فأجمعوا وأقدموا، فلما شهدوا قال يحيى صلوات الله
عليه:
ما لكم فرق الله بين كلمتكم وخالف بين أهوائكم ولا بارك لكم في أنفسكم
وأولادكم، أما والله لولا خوف الله ومراقبته لقلت مالا تنكرون، ولكن أمسك
مخافة أن تُقتلوا وأن أُشرك في دمائكم، ولكن لأن أكون مظلوماً أحب إليَّ من أن
أكون ظالما.
ثم قال: وقد علمت أنكم مكرهون، وأنكم ضعفتم عن الصبر على القتل فوسع الله
عليكم وسلمنا وإياكم من هذا الجبار العاتي.
قالوا: كان عامة من حضر وشهدوا عليه قد بايعه، وكان سببه إلى جستان.
وكان يقتل بالظنة والتهمة فلو ذكر يحيى من هذا شياء لقتلوا عن آخرهم وهذا
مشهور عنهم.
وكان يحيى صلوات الله عليه عظيم الحلم طويل السكوت شديد الإجتهاد.
فلمَّا شهدوا، قال جستان: بقى لك علة تعتل بها بعد شهادة هؤلاء؟.
قال يحيى: قد تبين لك ببكائهم، وترددهم يظهر أنهم مكرهون، فإذا أبيت إلا غدراً
فأنظرني آخذ لي ولأصحابي الأمان على نسخة أنشئها أنا وأوجهها إلى هارون حتى
يكتب إقراره بذلك بخطه، ويجمع الفقهاء والمعدلين وبني هاشم فيشهدون عليه
بذلك.
فكتب جستان إلى الفضل بذلك، وكتب الفضل بن يحيى به إلى الرشيد، فامتلأ سروراً
وفرحاً، وعظم موقع ذلك منه وكتب النسخة على ما وجه بها يحيى بخطه، وأشهد على
ذلك الفقهاء والأشراف منهم:
عبد الصمد بن علي، والعباس بن محمد، وإبراهيم بن محمد، وموسى بن عيسى.
ووجه إليه بالجوائز والألطاف وألف ألف درهم.
[نسخة الأمان الذي طلبه يحيى عليه السلام من الرشيد]
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتابُ أمان من أمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي
بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب - ليحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن
بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب، ولسبعين رجلاً من أصحابه:
أني أَمنّتُك يا يحيى بن عبد الله وسبعين رجلاً من أصحابك بأمان الله الذي لا
إله إلا هو الذي يعلم من سرائر العباد ما يعلم من علانيتهم؛ أماناً صحيحاً
جائزاً صادقاً ظاهره كباطنه، وباطنه كظاهره، لا يشوبه غل، ولا يخالطه غش يبطله
بوجه من الوجوه، ولا سبب من الأسباب. فأنت يا يحيى بن عبد الله والسبعون رجلاً
من أصحابك آمنون بأمان الله على ما أصبت أنت وهم من مال أو دم أو حدث على أمير
المؤمنين - هارون بن محمد - أو على أصحابه وقواده، وجنوده وشيعته، وأتباعه
ومواليه، وأهل بيته ورعيته وأهل مملكته. وعلى أنَّ كل من طالبه أو طالب أصحابه
بحدث كان منه أو كان منهم من الدماء والأموال، وجميع الحقوق كلها فاستحق
الطالب ليحيى بن عبد الله والسبعين رجلا من أصحابه فعلى أمير المؤمنين ضمان
ذلك وخلاصه حتى يوفيهم حقوقهم أو يرضيهم بما شاءوا بالغاً ما بلغت تلك
المطالبة، من دم أو مال أو حق أو حد أو قصاص. وأنه لا يؤاخذه بشيء كان منه أو
منهم مما وصفنا في صدر كتابنا هذا، ولا يأخذه وإياهم بضغن ولا ترة ولا حقد ولا
وغر بشيء مما كان من كلام أو حرب أو عداوة ظاهرة أو باطنة ولا بما كان منه من
المبايعة والدعاء إلى نفسه وإلى خلع أمير المؤمنين وإلى حربه.
وأن أمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن
العباس بن عبد المطلب - أعطى يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن
أبي طالب بن عبد المطلب، والسبعين رجلاً من أصحابه: عهداً خالصاً مؤكداً
وميثاقاً واجباً غليظاً، وذمة الله وذمة رسوله، وذمة أنبيائه المرسلين،
وملائكته المقربين. وأنه جعل له هذه العهود والمواثيق والذمم ولأصحابه في عنقه
مؤكدة صحيحة، لا برآءة له عند الله في دنياه وآخرته إلا بالوفاء بها. وأني قد
أنفذت ذلك لك ولهم ورضيته وسلمته، وأشهدت الله وملائكته على ذلك وكفى بالله
شهيداً. فأنت وإياهم آمنون بأمان الله، ليس عليك ولا عليهم عتب ولا توبيخ ولا
تبكيت ولا تعريض ولا أذى فيما كان منك ومنهم إذ كنت في مناواتي ومحاربتي من
قتل كان أو قتال أو زلة أو جرم أو سفك دم أو جناية في عمد أو خطأ أو أمر من
الأمور سلف منك أو منهم في صغير من الأمر ولا كبير في سر ولا علانية. ولا سبيل
إلى نقض ما جعلته لك من أماني ولا إلى نكثه بوجه من الوجوه، ولا سبب من
الأسباب. وأني قد أذنت لك بالمقام أنت وأصحابك أين شئت من بلاد المسلمين، لا
تخاف أنت ولا هم غدراً ولا ختراً ولا إخفارا ، حيث أحببت من أرض الله. فأنت
وهم آمنون بأمان الله الذي لا إله هو؛ لا ينالك أمر تخافه من ساعات الليل
والنهار. ولا أُدخِل في أماني عليك غشاً ولا خديعة ولا مكراً، ولا يكون مني
إليك في ذلك دسيس، ولا جاسوس، ولا إشارة، ولا معاريض، لا كتابة، ولا كناية،
ولا تصريح ولا بشيء من الأشياء مما تخافه على نفسك من جديد، ولا مشرب ولا
مطعم، ولا ملبس، ولا أضمره لك. وجعلت لك ألا ترى مني انقباضاً، ولا مجانبة ولا
ازورارا .
فإنْ أمير المؤمنين - هارون بن محمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله
بن العباس بن عبد المطلب - نقض ما جعل لك ولأصحابك من أمانكم هذا، أو نكث عنه
أو خالفه إلى أمر تكرهه أو أضمر لك في نفسه غير ما أظهر، أو أدخل عليك فيما
ذكر من أمانه وتسليمه لك ولأصحابك المسَمَّين التماس الخديعة لك و المكر بك أو
نوى غير ما جعل لك الوفاء به؛ فلا قبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، وزبيدة بنت
جعفر بن أبي جعفر طالق ثلاثاً بتة، وأن كل مملوك له من عبد أو أمة وسرية
وأمهات أولاده أحرار، وكل امرأة له وكل امرأة يتزوجها فيما يستقبل فهي طالق
ثلاثا، وكل مملوك يملكه فيما يستقبل من ذكر أو أنثى فهم أحرار، وكل مال يملكه
أو يستفيده فهو صدقة على الفقراء والمساكين. وإلا فعليه المشي إلى بيت الله
الحرام حافياً راجلاً وعليه المحرجات من الأيمان كلها، وأمير المؤمنين - هارون
بن محمد بن عبد الله بن علي بن عبد الله بن العباس - خليع من إمرة المؤمنين،
والأمة من ولايته براء، ولا طاعة له في أعناقهم. والله عليه وبما وكد وجعل على
نفسه في هذا الأمان كفيل وكفى بالله شهيداً.
أخبرني محمد بن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه عن أبيه، قال: لما بعث يحيى
بالأمان - كتب إلى هارون أن يجمع الفقهاء والعلماء ويحلف بطلاق زبيده باسمها
واسم أبيها، وعِتْق كل ما ملك من السراري، وتسبيل كل ما ملك من مال، والمشي
إلى بيت الله الحرام، والأيمان المحرجات، وأن يُشِهد الفقهاء على ذلك كله.
قال: فأسرع هارون إلى أمانه وأعطاه الشروط التي اشترط له كلها، والأيمان التي
طلب والإشهاد عليها.
قال أبو زيد: قال المدائني: فلما ورد الأمان على يحيى بما أراد وتوثق بنسخته؛
أراد أن يتوثق من قبل الفضل بن يحيى، فكتب أمان آخر بإقرار الفضل بن يحيى. بأن
أمير المؤمنين أمره أن يعطيه الأمان فكتب كتاب أمان الفضل.
[نسخة أمان الفضل بن يحيى]
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب أمان من الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك، ليحيى بن عبد الله بن الحسن
بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم وسبعين رجلاً من أصحابه: أني
أمنتك يا يحيى بن عبد الله وسبعين رجلاً من أصحابك بأمان الله الذي لا إله إلا
هو الذي يعلم من سرائر العباد ما يعلم من علانيتهم أماناً صحيحاً جائزاً
صادقاً ظاهره كباطنه.
ثم أمرَّ الكتاب على نسق الأول حتى أتى على قوله: من المبايعة والدعاء إلى
نفسه وإلى خلع أمير المؤمنين ومحاربته. قال: وأنا الفضل بن يحيى بن خالد بن
برمك أعطي يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ابن أبي طالب صلوات الله
عليه والسبعين رجلاً من أصحابه عقداً خالصاً مؤكداً، وميثاقاً غليظاً جائزاً،
وذمة الله وذمة رسوله وذمة أنبيائه المرسلين وملائكته المقربين. وأني جعلت لك
يا يحيى هذه العهود وهذه المواثيق والأمان والذمم لك ولأصحابك بعد استئماري
عبد الله هارون بن محمد - أمير المؤمنين - وأمرني بإنفاذ ذلك لكم، ورضيه وجعله
لكم، وتسليم ذلك ممن قبله ومن معي في عسكري من وزرائه وقواده وشيعته من أهل
خراسان، فأنت وإياهم آمنون بأمان الله.
ثم أتم الكتاب على نسق الأول، ثم وجه به إلى الفضل بن يحيى وسأله أن يكتب له
بخطه، ويشهد له على نفسه أولئك التسعمائة رجل الذين جُمِعُوا له من الكور
وشهدوا عليه، والأربعمائة الذين شهدوا عليه من أهل طبرستان، وجرجان. ويُشْهد
بعد ذلك القواد والجند الذين معه في عسكره، ثم يُشهد أهل الري وأهل قزوين.
ففعل الفضل بن يحيى ذلك وسارع إليه.
فلما قبل يحيى الأمان، وأخرجه جستان، وَحَمل إليه الفضل بن يحيى المال وقَبل
المال، وسُلِّمَ يحيى إلى الفضل.
فلما قرب يحيى بن عبد الله من عسكر الفضل استقبله وترجل له وقبَّل ركابه، وذلك
بعين جستان، وبذلك أمره الرشيد. فلما رأى جستان ما فعل الفضل بن يحيى بن خالد
بيحيى بن عبد الله جعل ينتف لحيته ويحثو التراب على رأسه ندامةً على ما فعل،
وجعل يدعو بالويل والثبور، ويتأسف على يحيى كيف خذله وأسلمه، وعلم أنهم مكروا
به، وأنهم شهدوا زورا. ورأى ذلك من معه من قواد الديلم، وانتشر فيهم الخبر
فاجتمعوا وتشاوروا في مَلِكِهم، وسوء فعله فأجمع رأيهم على خلعه وقتله، فخلعوه
وقتلوه، وولوا عليهم مكانه رجلاً من أهل بيت المملكة.
وكان قد أسلم على يدي يحيى بن عبد الله جماعة، فبنوا منزله الذي كان يسكنه
مسجداً وعظموه، وهم إلى الآن يقولون نحن أنصار المهدي.(فهذا سبب دخول يحيى
الديلم).
فلما خرج يحيى عليه السلام ورد الخبر على جعفر بن يحيى بن خالد وكان على
البريد فدخل على الرشيد مسرعاً فأخبره بخروج يحيى بن عبد الله في الأمان فأمر
له الرشيد بمال جزيل.
وورد الفضل بن يحيى ومعه يحيى بن عبد الهي مدينة السلام فلقيه الرشيد بكل ما
أحب وأكرمه وألطفه وأنزله منزلاً سرياً وأجرى له أرزاقاً سَنيّةً. وبلغ بالفضل
الغاية في الإكرام والبر، وأمر بني هاشم والقواد بتعظيمه وتبجيله.
قال: وأمر ليحيى بن عبد الله بأربع مائة ألف دينار، وأمر له يحيى بن خالد
بمثلها.
نعم: ومع كل هذه العهود والمواثيق، التي أعطوها وهم أقوى وأوثق من علي صالح
أنظروا كيف نكصوا عنها ونقضوها وغدروا بيحيى ابن عبد الله، ولكن بحيلة عالم
البلاط.
[نقض أمان يحيى (ع)]
وسمعت موسى بن عبد الله يذكر عن البكري: أن هارون جمع الفقهاء والقرشيين،
وأحضر أمان يحيى بن عبد الله.
قال: وكان فيمن أُحْضِرَ من الفقهاء محمد بن الحسن، والحسن بن زياد.
وسمعت يحيى بن موسى يقول: هذا غلط. الذي أحضر أبو يوسف. وأخبرني أبو بكر محمد
بن أحمد الرازي عن موسى بن نصر: إن الذي أُحْضِر أبو يوسف.
وسمعت أبا علي البستاني: يذكر عن أبن سماعة صاحب محمد بن الحسن، قال سمعت محمد
بن الحسن يقول: بعث إليَّ هارون في أمر يحيى وأمانه، وقد جُمِع له الفقهاء
والقرشيين فجعلت على نفسي أن أصحح الأمان، ولو كان فاسداً لأحقن دمه.
[فذاكرت ابن أبي عمران بهذا الخبر، فذكر عن ابن سماعة نحو ما ذكر البستاني
عنه].
قال ابن سماعة: قال محمد بن الحسن: لما سألني هارون عن أمان يحيى أراد مني ومن
غيري أن ندله على رخصة يصل بها إلى قتل يحيى. قال: فدفع إليَّ الأمان، وقال:
انظر في هذا الأمان الفاسد.
قال: فنظرت فيه فرأيته أصح أمان، ولو كلفت أن أكتب مثله على صحته لصعب علي.
قال: فقمت قائما، فقلت: يا أمير المؤمنين حرام الدم ما رأيت أمانا قط أصح منه،
ولا أوثق منه، وليس في نقضه حيلة.
قال: فأخذ دواة بين يديه فرماني بها فَشجَّ رأسي. ودفعه إلى غيري حتى عرضه على
جميع من حضر، فقالوا كلهم: مثل قولي إلا أنهم لم يبادوا به، فقال: وهب بن وهب
البختري بعدما قال هو: أنه صحيح، هاهنا حيلة.
قال: ما هي؟
قال: إنْ قال الفضل ابن يحيى إنه نوى وقت ما أعطاه الأمان غير الوفاء فالأمان
باطل.
قال هارون: فالفضل يقول هذا.
قال: فدعا بالفضل ويحيى بن خالد، وابنه جعفر بن يحيى حاضران.
فقال هارون: يا فضل ألست إنما نويت بالأمان غير الوفاء.
قال الفضل: لا. ما نويت بالأمان إلا الوفاء.
قال: فغضب هارون، وقال: ويلك. أليس إنما نويت غير الوفاء؟.
قال: لا يا أمير المؤمنين ما نويت إلا الوفاء به. فاشتد غضب هارون، وقال: ويلك
أليس نويت غير الوفاء؟.
قال: لا، والله الذي لا إله إلا هو ما نويت غير الوفاء يا أمير المؤمنين.
ونظر أبو البختري إلى يحيى بن خالد، وجعفر بن يحيى، قد تغيرت وجوههما وأربدت،
ورمياه بأبصارهما فعرف الشر في وجوههما.
فقال: يا أمير المؤمنين ما تصنع بهذا. أدع لي بسكين.
فأحضر له سكين، فقطع الأمان، ثم قال: يا أمير المؤمنين أقتله ودمه في عنقي.
قال: فقاله له يحيى: يا دَاعِيُّ والله لقد علمت قريش إنك لقيط، وإنك تُدعى
إلى غير أبيك، وأبوك الذي تدعي أبوته لم يصح له نسب في قريش، إنما هو عبد لبني
زمعة، فأنت مُدَّعٍ إلى دَعِيٍّ، وقد جاء في الأثر عن الرسول صلى الله عليه
وآله: (إنَّ من ادعى إلى غير أبيه أو اِنتمى إلى غير مَواليه فليتبوأ مقعده من
النار). فكيف ترى حالك وأنت مصرٌ على الدعوة بعد معرفتك بالأثر عن النبي عليه
السلام، ثم جرأتك على الله، واستخفافك لمحارمه في تمزيق أمان قد وكده ووثقه
جماعة من علماء المسلمين، فهب أن لا مراقبة عندك في رجاء ثواب، ولا خوف من
عقاب، فهلا سترت على ما يخفي ضميرك مما قد أبديت من هتك سترك، وإبداء عورتك؛
معاندة لله ولدينه، وعداوة منك لله ورسوله ولذرية رسوله.
ثم التفت إلى الرشيد. فقال له: يا هارون اتق الله وراقبه فإنه قل ما ينفعك هذا
وضرباؤه
﴿يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا
لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ
أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا﴾[الفرقان: 27- 28] . ﴿وَيَوم لاَ
يَنْفَعُ الظَالِمِين مَعْذِرَتُهم وَلهُم اللَّعْنَةُ وَلَهُم سُوء
الدَّار﴾[غافر:52] .

فقال الرشيد لمن حضره من الفقهاء وغيرهم: انظروا. لا يستحلَّ أن يقول يا أمير
المؤمنين. وأراد هارون أن يحتج عليه ليبطل أمانه.
فقال يحيى صلى الله عليه: ما جزعك من اسم سمَّاكه أبوك، وقد كان يقال لرسول
الله صلى الله عليه: يا محمد، فما ينكر على الداعي له بذلك، وقد سماه الله:
رسول الله عليه السلام.
وقال موسى في حديثه: فأمر هارون جماعة القرشيين والفقهاء أن يكلموا يحيى
يخبرهم بأسماء السبعين الذين أعطاهم الأمان.
قال: وقال هارون: كلما عزمت على طلب أعدائي نهيت من أجل هؤلاء الذين أعطيتهم
الأمان ألا أتعرضهم.
قال: فقالوا ليحيى صلى الله عليه: أذكر لأمير المؤمنين أسماء أصحابك لئلا يغلط
بهم فيأخذهم وقد أعطاهم الأمان فيأثم. وكلموه بكلام هذا معناه.
فقال يحيى عليه السلام: إنْ أراد أمير المؤمنين أن يفيء لي ولهم عرَّفني رأيه
في الوفاء، فمتى أخذ رجلا من أصحابي الذين أخذت لهم الأمان أخبرته به حتى
استوفي عدد السبعين الذين أعطاهم الأمان إن أراد الوفاء لهم، وإن لم يرد
الوفاء لهم فكيف أخبره بأسمائهم وأدله على مواضعهم؟. إذن أكون شريكه في
دمائهم.
فراجعناه في ذلك فقال: لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها عنهم، فليعمل ما بدأ له أن
يعمل.
قال: وردَّ يحيى عليه السلام إلى الحبس وخرجنا، فلما كان من الغد دُعِينا
وأُحضر يحيى، فقال لنا الرشيد وكلمه لعله يخبرنا بأصحابه فكلمناه، فأومى إلى
لسانه، فأخرج لسانه أصفر قد سُمَّ، فحلف الرشيد: أنه ما أمر في أمره بشيء وهو
يوهمكم أني قد سقيته السُّم، فعليه وعليه إنْ كان من ذلك شيء.
فلما أخرج لسانه، قال هارون: ويلك يا مسرور ما هذا؟
قال: أنا سقيته، لما رادَّك يا أمير المؤمنين. فخرجنا ولم نعلم له خبراً بعد
ذلك.

هذه بعض من فعائل علماء السوء وسلاطين الجور بأهل بيت رسول الله (ص) على مر
تاريخ الإسلام وها هم الخلف لدى علي صالح يسيرون في طريق سلفهم، والله
المستعان على ما يصفون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.


http://www.almenpar.org/news.php?action=view&id=1545
صورة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا رَبُّ بهم وبآلِهِمُ *** عَجِّلْ بالنَصْرِ وبالفَرجِ

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الأخبار المنقولة“