اللهم صل على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين ...
------
(( إلى مَن يهمّه الأمر ))
------
الحقائق والدلائل والوقائع ، يجب أن تُدرَسَ من جميع الجوانب ، ومنها قضية إثبات ادّعاء الإمام زيد بن علي (ع) الإمامَة مِن عَدَمِهَا ، ولعلَّ البعض الكثير مِنَّا قد اطّلع على رأيين في هذه المسألة ، رأي المُثبتين ( الزيدية ) ، ورأي النّافين ( الجعفرية ) ، والحقّ أنّ الفرقة الإسماعيلية كانَ لها تواجدٌ كبير في تلك الحقبة الزمنية التي خرجَ فيها زيد بن علي (ع) ، وهِيَ والجعفريّة كانَت فرقةً واحِدَة ، إلى مَا بَعدَ جعفر بن محمد (ع) ، فَذهبَت الإسماعيلية إلى انتقال الوصيّة إلى إسماعيل (ع) ، والجعفرية إلى موسى الكاظم (ع) .
----------
الإمام زيد بن علي في كتاب عيون الأخبار وفنون الآثار الإسماعيلي ، لإدريس عماد الدين ، مُقتبس من السبع الرابع .

بين الإمام زيد بن علي (ع) والإمام محمد الباقر (ع) :
وفي أيام الإمام أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام ) كانت قصة زيد بن علي بن الحسين أخيه، وذلك أن زيد بن علي لما نظر إقبال الناس على أخيه محمد بن علي (عليه السلام ) وعلو ذكره فيهم قال له: مالك لا تقوم وتدعو الناس إلى القيام معك. فأعرض عنه وقال: لهذا وقت لا نتعداه. فدعى زيد إلى نفسه وقال: إنما الإمام منا من شهر سيفه وقام يطلب حق آل محمد عليهم السلام لا من أرخى عليه ستره وقعد في بيته(1).
وأوْهَمَ الشيعَة أنّه قامَ عن أمرِ أخِيه ( أي موّهَ عليهم وأخبرهُم أنّ أخاه الباقر هُوَ من أمرَهُ بالخروج ) ، فأجابه منهم جماعة كثيرة، فأظهر نفسه، فقال له أخوه الإمام أبو جعفر (عليه السلام ): يا زيد إنما مثل القائم منا أهل البيت قبل قيام المهدي منا مثل فرخ نهض من عشه قبل أن يستوي جناحاه، فإذا فعل ذلك سقط فأخذه الصبيان يتلاعبون به، فاتق الله في نفسك لا تكون المصلوب غدا بالكناسة. فلم يلتفت إلى قوله، فنهى أبو جعفر (عليه السلام ) الشيعة عن القيام معه، وعرفهم أنه يقتل ويصلب، فتوقف كثير ممن كان انتدب في القيام معه، وجاءه بعض الشيعة فقال له: أهذا الذي تدعونا إليه عندك فيه عهد من أبيك أو وصية أوصى بها إليك ؟ قال: لا. ومعاذ الله أن أقول عليه ما لم يقله، ولكن الإمام منا من شهر سيفه وقام بأمر الأمة لا من قعد في بيته، وأرخى عليه ستره. ، قال له الرجل: وإن لم يقم منكم إمام شهر السيف [لم يكن منكم إمام] وان قام منكم جماعة أيكونون كلهم أئمة؟ فصمت ولم يحر جوابا، وعلم من حضر فساد قوله. ثم قال الرجل: أن أخاك أبا جعفر يذكر أن أباه عهد إليه عهده، وأوصى إليه واشهد له، وعرفنا من أشهده عليه من ثقات أولياءه. قال: معاذ الله ولو كان ذلك لأطلعني عليه والله لقد كان ربما نفض المخ من العظم ليطعمني إياه، فما يضعه في فيّ حتى يبرده، فهو يتوقى علي من حر المخ، ولا يتوقى علي من حرارة النار، فيطلع على ذلك غيري ويستره عني. قال له الرجل: نعم قد يكون ذلك وهذا كتاب الله عز وجل يشهد به. قال: وأين هذا من كتاب الله عز وجل؟ قال: فيما حكاه الله سبحانه عن يعقوب في قوله ليوسف لما أخبره بما رآه وعلم أن الأمر يصير إليه، فقال له: (( يا بني لا تقصص رؤياك على أخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين)) فكتم ذلك عن أخوته، وأمره بكتمانه عنهم وأخبره بما يصير إليه من الأمر، فقال( وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى أل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحق )) .ولم يطلع أخوته على ذلك. فأفحم زيد ولم يحر جوابا. وسمع ذلك من بقي معه ممن كان أجابه فافترقوا عنه. وكان الرجل الذي حاج زيد بن علي من شيعة أخيه أبي جعفر (عليه السلام ) أرسله ليقيم الحجة عليه في محضر من الشيعة (2) .
ثمّ قال صاحب عيون الأخبار :
وروي عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام ) أنه قال: رحم الله عمي زيداً، فلو مالك الأمر رده إلينا ووقفت على قول بعض المؤلفين ان زيد بن علي وعلي ابن موسى الرضي رحمة الله عليهما، لم يشهرا أنفسهما الا ستراً على صاحب الحق للتقية عليه ، ولو ملكا الأمر رداه اليه. ونقول ان من ادعى الامامة وليس من أهلها ولا هو مستحقها فقد ظلم نفسه، وباء باثمه، وأضل من بعده. ومن لم يقصد إلا الستر على ولي امره وهو، يعتقد ولايته، ولا يخرج عن طاعته، فهو من المقتصدين السالكين نهج الهدى المتبعين لأولياء الله أمراء المؤمنين.
-------------------------------
(1) روته الزيدية بغيرِ لفظ وهو في المجموع ، وروت الجعفرية أنّ زيد بن علي (ع) قال لأخيه محمد الباقر (ع) : (( ليس الإمام منا من جلس في بيته، وأرخى ستره، وثبط عن الجهاد، ولكن الإمام منا من منع حوزته، وجاهد في سبيل الله حق جهاده، ودفع عن رعيته، وذب عن حريمه )) ، انظر الكافي: (1/356)، البحار: (46/204).
(2) روَت الجعفريّة فحوَى هذه القصّة وأنّ الرجل المُخاطب للإمام زيد (ع) هُو مؤمن الطاق الأحول ، فروى الكليني بالسند الصحيح في أصول الكافي ، قال حدّثنا عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن أبان ، قال : (( أخبرني الاحول أن زيد بن علي بن الحسين عليهما السلام بعث إليه وهو مستخف ، قال : فأتيته فقال لي : يا أبا جعفر ما تقول إن طرقك طارق منا أتخرج معه؟ . قال : فقلت له : إن كان أباك أو أخاك خرجت معه ، قال : فقال لي : فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي ، قال : قلت لا ما أفعل جعلت فداك ، قال : فقال لي : أترغب بنفسك عني ؟ قال : قلت له : إنما هي نفس واحدة فإن كان لله في الارض حجة فالمتخلف عنك ناج والخارج معك هالك وإن لا تكن لله حجة في الارض فالمتخلف عنك والخارج معك سواء ، قال : فقال لي : يا أبا جعفر كنت أجلس مع أبي على الخوان فليقمني البضعة السمينة ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد شفقة علي ولم يشفق علي من حر النار ، إذاً أخبرك بالدين ولم يخبرني به ؟ فقلت له : جعلت فداك من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك ، خاف عليك أن لا تقبله فتدخل النار ، واخبرني أنا فإن قبلت نجوت وإن لم أقبل لم يبال أن أدخل النار ، ثم قلت له : جعلت فداك أنتم أفضل أم الانبياء ؟ قال : بل الانبياء ، قلت : يقول : يعقوب ليوسف : ( يا بني لا تقصص رؤياك لى إخوتك فيكيدوا لك كيدا ) لم لم يخبرهم حتى كانوا لا يكيدونه ولكن كتمهم ذلك ، فكذلك أبوك كتمك لانه خاف عليك ، قال : فقال : أما والله لئن قلت ذلك لقد حدثني صاحبك بالمدينة أني أقتل وأصلب بالكناسة وأن عنده لصحيفة فيها قتلي وصلبي ، فحججت فحدثت أبا عبدالله عليه السلام بمقالة زيد وما قلت له ، فقال لي : أخذته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه ولم تترك له مسلكا يسلكه . ) اهـ