المرأة ما بعد 2000 ((( من روائع توفيق الحكيم )))

[ابن الهادي]

المرأة ما بعد 2000

أردت يوما أن أتخذ مهنة الفلكي لحظة ، وأن أسدد المنظار إلى النجوم وأطالع الغيب ، لأرى ما سوف يحدث للمرأة من تطور في مستقبل الأيام .. وأستطيع أن أؤكد للناس أني أبصرت الذي سيقع على وجه الدقة والتحقيق وهو الآتي :
• في سنة 2000 _ تظفر المرأة بحلمها ، وتنال المساواة بالرجل في كافة الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية ، فلم يعد هناك ما يحول بينها وبين المناصب التي استأثر بها الرجل .. فهى تتولى الآن رياسة الوزارة وتؤلف وزارات بعض أعضائها من الرجال والبعض من النساء ، وهى تشترك في الأحزاب التي ينضم إليها الرجال ، وترأس بعضها ، ولم يعد لها أحزاب نسائية خاصة بها ..
• في سنة 2100 ميلادية _ يصبح للمرأة الحق في أن تعين قاضية في المحاكم العليا وأن ترأس محاكم النقض ، وأن تكون في منصب النائب العام .
• في سنة 2200 ميلادية _ تحتل المرأة المراكز العليا في الجيش ، فهى تستطيع أن تكون قائدة ورئيسة لأركان الحرب . وهى تشترك بالفعل إلى جانب الرجل في كل أعمال الحروب ، فهى تقود الدبابة والطيارة وتلقى القنابل الذرية والصاروخية وتسدد أشعة الموت وتقود الأساطيل وتدبر البوارج ، وتعين في منصب "الأميرال" .. والمرشال في البر والبحر والجو .
• في سنة 2400 ميلادية _ محيت الفروق تماما بين الرجال والنساء في الوظائف العامة والخاصة .. وفي المظاهر الخارجية والداخلية ، فلم تعد هناك ثياب للمرأة وثياب للرجل .. واختفى الفرق بين رأس المرأة وشعر رأس الرجل .. وقد أدى تعميم الخدمة العسكرية والألعاب الرياضية للجنسين إلى ظهور العضلات في جسم المرأة وضمور الثديين ، وقسوة النظرة في العينين ..
• في سنة 2500 ميلادية _ نقص النسل الآدمي نقصا مروعا ، فلم يعد هناك ما يغري الرجل بالاقتراب من المرأة .. وزالت من الأذهان كلمة ((السحر)) أو ((الفتنة)) التي قيل في الأساطير الشعرية القديمة أن المرأة اختصت بها منذ آلاف السنين .
• في سنة 2600 ميلادية _ وقع حادث عجيب أقام الدنيا وأقعدها ، فقد ظهرت بين النساء امرأة شاذة تركت شعر رأسها يسترسل على كتفيها فأحاط بها الرجال والتهموها بنظراتهم ، وتبعوها في مل مكان دهشين معجبين إلى أن أنقذها من الزحام رجال ونساء البوليس ..
• في سنة 2700 ميلادية _ انتشرت بين النساء بدعة ترك الشعر وإرساله على الكتفين .. كما ظهرت بينهن "موضة" صنع ثياب خاصة بهن ..
• في سنة 2750 ميلادية _ وقعت لأول مرة منذ قرون حوادث غرامية بين الرجال والنساء على النحو الذي ورد في القصص والشعر القديم . ورفض كثير من النساء مزاولة الأعمال العامة رغبة في الانقطاع لتربية ثمرة غرامهن .
• في سنة 2800 ميلادية _ طغى جنون غريب على مشاعر النساء هي عاطفة "الأمومة" وكان من أثر ذلك ترك النساء أكثر الوظائف في الجيش والقضاء والبوليس ، مفضلات حياة البيت .
• في سنة 2900 ميلادية _ تطور جرئ في المرأة قد وقع ، وهو يعد أجرأ حدث في تاريخها .. لقد لبست المرأة "برقعا" أخفت بها شطرا من وجهها .. فلم يظهر منه غير عينيها البراقتين ، وقد فتن بها عدة رجال .. انتحر بعضهم على عتبة بيتها غراما ..
• في سنة 3000 ميلادية _ عمت بين النساء "موضة" لبس "البراقع" ..
• في سنة 3500 ميلادية _ استقرت المرأة في البيت .. ومحيت من الأذهان تلك الأفكار التاريخية العتيقة التي شاعت قديما عن خروج المرأة إلى المجتمع مشاركة الرجل في أعماله …
• في سنة 3946 ميلادية _ عم الدنيا نظام الحجاب التام للمرأة ، فلم يعد هناك اختلاط بين الرجال والنساء ، ولم تعد تظهر المرأة في مجتمعات الرجال … وتم الفصل بين مجالس النساء ومجالس الرجال … ولم يعد للخاطب حق الانفراد بخطيبته قبل الزواج … وقد لوحظ في ذلك الجيل أن العزوبة كادت تختفي وأن الزواج قد أشتد الإقبال عليه إلى حد غير معروف منذ مئات الأعوام .. وأن الفساد الخلقي قد خفت وطأته …
وهنا طرحت المنظار من يدي .. ولم أرد أم أمضي في مطالعة الغيب ومشاهدة سنة 3946 خشية أن أتعرض لسخط أحزابنا النسائية المنادية بالتقدم والتحرر والتجديد وفضلت أن أعود في الحال إلى سنة 1946 حتى لا أتهم بالرجعية والتأخر والجمود ! ..
(أخر ساعة 10\7\1946)
توفيق الحكيم
"يقظة الفكر"

[لن نذل]

أعتقد أن المنظار كانت عدساته مكبرة جداً ، وأن المائة عام هي عشرة أعوام فقط وربما أقل ...